المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بداية اندحار جيشنا بالعراق.. التوقيع: مجند أمريكي



الفرقاني
29-08-2005, 11:31 PM
بداية اندحار جيشنا بالعراق.. التوقيع: مجند أمريكي



تقارير رئيسية :عام :الاثنين 24 رجب 1426هـ – 29 أغسطس 2005م



مفكرة الإسلام: في التاسع من ديسمبر عام 2003 وأثناء زيارة وزير الحرب الأمريكي دونالد رامسفيلد للعراق، وبينما كان يتوقع أن يستقبله الجنود الأمريكيون بالورود كقائد الجيش المنتصر في العراق، جوبه رامسفيلد بعاصفة عاتية من الجنود الساخطين على مخطِّطي الجيش الأمريكي في البنتاجون، واشتكوا إليه من ضعف عرباتهم المدرعة، وسأله جندي أمريكي ذلك السؤال الشهير الذي لا تزال أصداؤه تتردد ما بين جنبات البنتاجون حتى اليوم: 'لماذا يجب علينا نحن الجنود أن نبحث بين المهملات عن قطع معدنية وبلاستيكية من أجل تدعيم عرباتنا؟'.

واليوم لا يزال الجنود الأمريكيون يشتكون شكاوى مريرة من سوء حال الجيش الأمريكي في العراق، ومن سوء التخطيط، ومن عدم ترحيب الشعب العراقي بهم، ومن الحالة المزرية للتدريب والتخطيط والانتشار وتوزيع جيش الاحتلال في العراق.

ومع تصاعد مظاهر تململ الشعب الأمريكي من الحرب على العراق، ومع اكتساب الحركات المناهضة للكثير من الزخم, وتحرك ناشطين وأمهات الجنود القتلى في العراق، وفي ظل التنسيق بين معارضي الحرب بين ضفتي الأطلنطي وعزم جورج جالواي أكبر مناهضي الحرب في بريطانيا الاشتراك مع إحدى الممثلات الأمريكيات في تظاهرة حاشدة ضد الحرب، في خضم ذلك كله، جاء خطاب من جندي أمريكي في العراق إلى سيناتور ولايته، يشكو إليه من الأحوال المزرية للجيش الأمريكي في العراق.

وقد جاء هذا الخطاب ضمن سلسلة من المكاتبات من الجندي الأمريكي 'بن كاميلوتز' في العراق وأسرته في الولايات المتحدة للسيناتور 'أوليمبي سنو'.

وهذا نص الخطاب الذي نشر في موقع 'ميليتري بروجكت' المناهض للحرب على العراق، والذي ينشر معظم مكاتبات الجنود:

'عزيزي السّيد سنو:

إننا حتى الآن لم نتسلم كافة عربات الهمفي من طراز 1114 التي نحتاجها في أداء مهامنا، وإنني ما زلت أستعمل عربة الهمفي 1025 رغم أنها غير مدعمة بدروع أرضية، وهي مجرد عربات بها دروع على نوافذها وأبوابها، لكن عندما يتم إطلاق الرصاص عليها تحدث فيها ثقوب من أثر الطلقات، ويمكنك حينئذ أن تنظر من خلال هيكلها مباشرة، ونحن نرى أن هذا الطراز من عربات الهمفي غير فعال.

والحقيقة أن أغلب عرباتنا من هذا الطراز، وقد ظلت هذه العربات هي وسيلة تحركنا الوحيدة منذ بدء الحرب، وظلت كذلك خلال دورتين كاملتين للجيش، وكانت تتلقى قصفًا عنيفًا وزخات من الرصاص حتى أصبحت شبه بالية، ورغم هذا فإن القيادات تستعد لإنزالها للقيام بدورة ثالثة في البلاد، وذلك مع الوضع في الاعتبار أنه لا توجد لدى الجيش فرق صيانة كافية؛ بل إن عدد موظفي الصيانة لهذا الطراز من العربات أقل من القليل.

كما أننا أدركنا أنه - وعلى كافة المستويات - هناك العديد من عربات الهمفي التي يجب أن تكون على استعداد كامل عندما تضطر للنزول لميادين القتال، ولكنها رغم ذلك تنزل بدون أن تحصل على القدر المطلوب من الصيانة، ونعترف بأن موظفي الصيانة لدينا أبطال؛ لأنهم يعملون كل ما في استطاعتهم من أجل إبقاء هذه العربات في حالة قادرة على الاستمرار رغم ما تتعرض له'.

وحول سوء قرارات القيادة العسكرية الأمريكية فيما يتعلق بتوزيع الوحدات والكتائب التي كان فريق ذلك الجندي الأمريكي يتألف منها يقول الجندي الأمريكي في رسالته:

'الشيء الوحيد الذي شعرنا أننا نحظى به طوال الأشهر الستة التي استغرقتها عمليات تدريبنا في معسكر شيلبي هو أننا كنا نتدرب معًا ككيان واحد، ثم في اللحظة الأخيرة وجدنا أننا نقسم إلى مجموعات منشقة فيما بينها بحيث كانت كل مجموعة تكلف بمهام معينة، ويدهشني أن قيادتنا لم تلتفت إلى هذه المسألة في وقت سابق، حيث كان الأولى أن تتم عملية مصارحة مع جنود هذا الفريق للتباحث معنا حول ضوابط عملية تقسيمنا إلى وحدات وكتائب.

ويجب أن أؤكد هنا أننا في معسكر شيلبي لم نتعلم أي شيء عن الفنون الحقيقية للحرب وشراستها، وكان الأمر بمثابة إهدار لأموال دافع الضرائب الأمريكي، لأنه لا شيء مما قيل لنا في هذا المعسكر استفدنا منه في العراق، ولقد كانت الدروس التي تلقيتها عن نفسي مع فرق عسكرية أخرى أفضل وأهم بكثير مما عاينته في معسكر شيلبي.

ولقد أخبرنا الجنرال هونار أثناء مراسم انتشارنا بأننا نحن أفضل المتدربين، وأفضل الجنود المجهّزين الذين تخرجوا من معسكر شيلبي؛ وأنا أؤكد أنه لو كانت كلماته هذه صحيحة، فهذا معناه بلا أدنى شك أن جيشنا سيتعرض لانتكاسات قوية؛ إن عربتي تتوقّف باستمرار، والمنصات التي أُطلق من فوقها نيران أسلحتي داخلها لا تستجيب بالطريقة المطلوبة، وحتى دباباتنا التي كنا نلاحظ أنها تعاني من مشكلات أثناء تدربنا في معسكر شيلبي قد توقفت تمامًا الآن، إنني لا أستبعد أن تكون آلياتنا التي نستعملها في العراق تريدني أن أشكو من حالها المزري الذي تعاني منه في خدمتها.

وعندما أخبرت أحد الضباط المسؤولين عنا عن أوضاع عربتي التي أتحرك على متنها وكيف أنها تحتاج إلى إصلاحات أجابني بكل برود: 'أصلحها!' وأنا لست ميكانيكيًا! بل إنني أعمل في مهامي التي توكل لي اثنتي عشرة ساعة يوميًا: فهل يمكن أن أقضي الـ12 ساعة الأخرى في إصلاح عربتي؟!

دعني أقول: إن القيادات العليا لجيشنا جبانة ورعديدة، وهؤلاء هم من يتمتعون بعربات همفي 1114, وحتى مع هذا لم نر أحدًا منهم في ميدان حقيقي للحرب.

لقد علمنا أن الشعب العراقي يكرهنا، وسيظل العراقيون يكرهوننا حتى نعود إلى وطننا مرة أخرى.

قد يأتي ضابط متحذلق يتحدث متجاهلاً للواقع ويقول: إن العراقيين يحبوننا! لكنني يا سيدي أنا من يعايش الواقع كل يوم هنا, وأؤكد أن العراقيين يكرهون تدخلنا في شؤون حكمهم؛ فهذا التدخل لا يأتي إلا من قِبل أعداء لهم يبررون به استهداف الحياة البائسة للأبرياء.

لقد كنت أتحدث مع أحد أصدقائي من الفرقة التي كانت تعمل قبلنا هنا في العراق، وأكد لي أنه عندما وصلت فرقته إلى العراق كانت الأسواق مفتوحة وكان الاقتصاد يحاول التعافي بعد الحرب، والآن ضاع اقتصاد العراق وضاعت العملة العراقية أمام العملات الأجنبية، في حين كان يتلقى المتمردون الدعم المادي.

لقد اكتشفنا - نحن الجنود على الأرض - أنه من المستحيل أن نفوز بأفئدة وعقول العراقيين؛ لأننا كلما حاولنا ممارسة تلك الخدعة على الشعب العراقي نظهر في صورة الضعفاء، وتزداد قناعة العراقيين بأنه يجب طرد المحتل من البلاد.

إننا في العراق فقط نكافح من أجل أن نعيش ويظل جنودنا على قيد الحياة؛ وطبقًا لما علمنا من تصريحات وزارة الخارجية الأمريكية فقد أرسل البنتاجون وحدتنا التابعة لقوات الحرس الوطني إلى أسوأ وأخطر بقعة في العالم.

إن الناس في العراق قد ملّوا وتعبوا من استمرار الكذب عليهم، ولذا لم يعودوا يكترثون بأي أحد أو أي شيء يقال.

إن شعب هذه الدولة يريد من الجنود الامريكيين الرحيل فورًا, ولو كنا صادقين في دعم الديمقراطية على أرضهم وإقامتها فعلاً بشكل صحيح فعلينا أن نرحل ونترك لهم دولتهم ذات سيادة مرة أخرى.

إنني أدرك أنني على الأرجح سأتعرض للتأنيب والعقاب العسكري لتصريحي بكل هذه النقائص والعيوب في داخل جيشنا, ومدى الانهيار والتدهور الذي نعاني منه، لكن هذا لا يهم مقابل الصدع بهذه الحقائق, والإعلان بالأشياء التي يجب أن يسمعها الجميع, على الرغم من أنه لا أحد هنا أو في وطننا يريد أن يواجه الحقيقة.

إن أيدينا تصبح مقيدة أكثر فأكثر مع كل يوم يمر علينا هنا في العراق، إننا نحارب بموجب أسس وقواعد لا تناسب طبيعة الحرب التي تجري على أرض الواقع هنا بالفعل، يا سيدي لقد أنّبونا بشدة لأننا حاولنا أن نجرب أسلحتنا التي سلموها إلينا قبل أيام من المهام الموكلة لنا، ثم اعتذروا لنا بعد ذلك لأننا أصررنا على حقنا في التأكد من جاهزية أسلحتنا التي سنواجه بها الموت، وفي النهاية ها نحن داخل ميدان المعركة ونتردد في استعمال أسلحتنا هذه, وهذا يجعلنا على حافة الموت.

إن القادة العسكريين هنا يحاولون إقناع أنفسهم والكذب عليها بأن كل شيء على ما يرام, مع أن الحقيقة أنه لا يوجد شيء على ما يرام، وكل شيء في العراق مثير للإحباط, وإنني لأتمنى أن يأتي اليوم الذي أعود فيه إلى الوطن وأتخلى عن هذا الجيش المنهزم.

لقد ضاعت منا هنا العديد من المعاني والقيم مثل النزاهة والشرف وإنكار الذات، والعديد من أهم الأسس الأخرى التي قام عليها جيشنا.

وفي النهاية أتمنى أن تكون هناك فرصة لتطرح عليّ يا سيدي ما تشاء من أسئلة, فسوف أسعد بالإجابة عليها.

وشكرًا لك على اهتمامك ومساعدتك, ونتطلع إلى العودة إلى شواطئنا مرة أخرى.

مع تحياتي الخالصة

الرقيب في الجيش الأمريكي بن كاميلوتز'.

وحالة الرقيب بن كاميلوتز هي واحدة من آلاف الحالات التي يمر بها الجنود الأمريكيون في العراق، الذين يعانون من أزمات نفسية داخل معسكراتهم، ومن نيران المقاومة من الخارج، ومن التخبط الإداري في القيادة العليا للبنتاجون، وعدم وضوح الرؤية والهدف العام للجيش، وهو ما يعرف بالعقيدة القتالية. وقد كثرت مظاهر تفكك الجيش الأمريكي، ولاح اندحار مشروعه الاحتلالي بالعراق في الأفق لكل ذي عينين.. فهل تستغل المقاومة هذه المظاهر وتتوحد على أهداف سياسية وتنظيمية أمام الشعب العراقي تملأ بها هذا الفراغ الناشئ عن انحسار المد الأمريكي المتوقع بالعراق؟

إعداد قسم الترجمة بموقع مفكرة الإسلام