الفرقاني
29-08-2005, 11:12 PM
المناضل العراقي عوني القلمجي : سفير روسيا بلّغ القيادة العراقية رسالة أمريكية تقول: «إذا لم تستسلم بغداد... سنضرب بالنووي»
شبكة البصرة
حوار فاطمة بن عبد اللّه الكراي - جريدة الشروق التونسية
كان دوما معارضا لنظام صدام وللحزب الذي ينتمي إليه صدام حسين... أول وصف أعطاه للعلاقة التي تجمعه بـ»غريمه» السياسي صدام هي أنهما: الأخوة الأعداء... لم يكن الرجل وهو يعطي هذه الصفة لعلاقته بصدّام، متأثرا برائعة الأدب العالمي «الأخوة الأعداء» بل استحضارا منه لتشخيص لعلاقة لا تزال تثير فيه الكثير من الشهامة المتبادلة والاختلاف المتبادل وربّما الحب المتبادل الممزوج بالغيرة.. غيرة القيادة والسلطة في إطار التنافس بين تيارين وبين حزبين وبين رجلين سجن أحدهما الآخر في مناسبتين مختلفتين: أي لمّا اعتلى كلّ منهما منصبا في نظام يقوده حزبه، إلا وسجن الآخر... إلى حدّ أن جمعهما السجن معا... فكان التشابه المظهري قد بلغ حدّه، حين دخلت «ساجدة» زوجة صدام السجن تزور زوجها فاتجهت صوب «عوني القلمجي» في حين سارت شقيقة عوني الذي تقاسم السجن مع صدام نحو صدام حسين ظنّا منها أنه عوني...
هكذا يختزل السيد عوني القلمجي قصّة العلاقة مع صدام في طُرفة أضحكته وبعث تذكّرها خلال هذا اللقاء الذي أجريته معه صباح أمس من مقرّه بإحدى الدول الاسكندنافية زفرة فيها مزيج من التاريخ ومزيج من التشابه ومزيج من ذكريات الدراسة حيث لم يجمع الرجلين السجن فقط ولا السياسة فحسب بل أيضا مقاعد الدراسة...
هو «ماركسي لينينيّ» غادر العراق سنة 1971 وغادر معه الجيش حيث كان ضابطا بالجيش العراقي... وكان على طرفي نقيض مع حزب البعث الذي تداول وحزبه على السلطة في العراق في شكل انقلاب وانقلاب مضاد...
يقول محدّثي وهو يتحدث عن نفسه بعد سؤال لي عن ذلك:
اشتركت بثلاث انقلابات عسكرية بالعراق اثنان منهما حكم عليّ فيهما بالإعدام على يد عبد السلام عارف ثم شقيقه عبد الرحمن عارف، وقد صادف الاعتقال الثاني حرب 1967 فأفرجوا عنا وقالوا لنا روحوا موتوا ميتة مشرّفة على الأقل وقاتلوا على الجبهات العربية... فقاتلنا...
أما آخر انقلاب فهو يقول إنه لم يشارك فيه سنة 71 لما كان حزب البعث في السلطة... منذ 1956 ولج عوني القلمجي مجال السياسة وهو منتظم بحزب الاستقلال العربي الاشتراكي الذي أخذ عن المبادئ الماركسية اللينينية ولكن لما وجدت أن الحزب والتحزّب يحدان من رأيي قرّرت أن أكون مستقلاّ بداية من سنة 89»... من يومها أصبح السيد عوني القلمجي المتخرج من الكلية العسكرية ومن مدرسة الحياة السياسية والفكرية والإيديولوجية التي سادت المنطقة والعالم بالخمسينات والستينات أصبح إذن الناطق الرسمي للتحالف الوطني العراقي الذي يرأسه عبد الجبار الكبيسي والذي اعتقله الأمريكيون منذ سنة تقريبا... هو اليوم على رأس التحالف تعويضا لرفيقه السجين لدى الاحتلال وهو منخرط في الفعل الوطني العراقي المناوئ للاحتلال... ذهب للعراق في مصالحة وطنية لترتيب البيت الداخلي من أجل درء الخطر الخارجي قبل أشهر من احتلال العراق... يتحدث عن المقاومة وفق معلومات... حين سألته عن كنه العلاقة مع صدام صمت قليلا عبر الهاتف دائما ثم أردف قائلا: «هي كأي علاقة بها شجون... نحن الأخوة الأعداء...
انتمينا الى مدرسة واحدة.. وصفّ واحد (قسم) اختلفنا حزبيا.. اعتقلني صدّام سنة 1963، واعتقلته أنا سنة 1964.. في عملية تداول انقلابي على السلطة من حزبينا.. ليس هناك أحد يستطيع أن يفهم فعلا علاقة الرجلين.. قبولهما الواحد للآخر رغم تناقضاتهما الفكرية والايديولوجية، تحمل أكثر من سرّ.. لهما شبه كبير في الشكل..
تحدث الرجل بإسهاب عن العراق الوطن، والعراق القدر.. والعراق المدافع عن القيم الانسانية.. مفاجأة دخول القوات الأمريكية بغداد بلا مقاومة لم تفزعه، لأنه مالك لمعلومات قوامها أن تهديدا واضحا وصريحا وصل القيادة العراقية من الأمريكان عبر الروس: إذا لم تستسلم بغداد.. سنضرب بالنووي..
دعانا جميعا الى أن نثق بالمقاومة، لأنها فعل مدروس ومهيأ له من قبل.. لكنه حذّر من التباهي وكثرة التغنّي بالانتصارات، فالعدو ليس سهلا.. ولا تنقصه المخططات ولا ينقصه الدّهاء..
لهذا سألته في البداية عن الفيدرالية، وإصرار الأمريكان على أن يصبح العراق مقسّما بعد توحّد..
* في البداية، سيد عوني القلمحي، لو نستهلّ هذا اللقاء بسؤال حول آخر المستجدات في العراق، وأقصد موضوع الفيدرالية.. فقد برز رأيان: نعتقد أنهما على تسرّع شديد حول المسألة. الرأي الأول يبرّر الفيدرالية كخيار للعراق، على أساس أن الذي «شابه الغرب ما ظلم» ومثلهم سويسرا والولايات المتحدة الأمريكية.. أما الرأي الثاني المرتبط بالفيدرالية ففيه الكثير من التمويه والتغطية على الاحتلال.. هل لي أن أعرف تحليلك في هذا الموضوع، وما هي باعتقادك الأسباب التي تكمن وراء هذا التشبث الأمريكي بخيار الفيدرالية في العراق؟
ـ أولا من الخطإ جدا تشبيه مسألة الفيدرالية في العراق بما هو حاصل في سويسرا أو في أمريكا، لسبب بسيط جدا هو أن الفيدراليات تكون في الأصل مستقلة ثمّ تتحد في ما بينها لمزيد التقدم والوحدة، كما سويسرا التي توحّدت منذ 800 عام وقد انطلقت وقتها من ثلاث ولايات فقط ثمّ أتت العشرون الأخرى.. الهدف، عادة، من هكذا نمط هو التطور والتقدم والازدهار الاقتصادي والأمني.. وكما حدث أيضا وبعد ذ لك في الولايات المتحدة الأمريكية، أما أن تأتي إلى بلد في الأصل هو موحّد ثمّ تفكّكه وتقطّع أوصاله ثم تدّعي أنك تعمل على توحيده في شكل فيدرالي، فهذا ما لا يقبله عقل.. ثم إن الظاهرة المعروفة والمتعارف عليها، هي أن الاستعمار يقسّم ولا يجمّع.. ألمانيا مثلا قسّمها الاستعمار أو لنقل الهيمنة، أما في عراق موحّد أصلا، يفكّكه الاحتلال بالقوة إلى أجزاء ثمّ يُطرح شعار الفيدرالية فهذا أيضا لا يمكن أن يقبله عقل.
من جهة أخرى، وكنقطة دلالية ثانية، نحن نعلم أن الفيدراليات المذكورة عبر العالم، لم تتمّ زمن الاحتلال. الاحتلال لا يمكن أن يدعم فيدراليات. ثالثا: لو فرضنا البلد تقسّم وأن الفيدرالية هي الدواء.. فمن الشروط الأولية لهكذا نظام أن تتمّ في جو ديمقراطي بحيث يصبح التجمّع في فيدرالية مطلبا شعبيا، لكن ما يحدث في العراق من تقسيم ليس في صالح الأكراد ولا الشيعة ولا السنة. اذن من أين أتى المدافعون عن هذا الخيار المسموم بالمسوغات؟ ما يحدث للعراق يا سيدتي من مخططات وتضمينات في «الدستور» المزعوم، انما هو خدمة للمخطط الاستعماري، ولنتساءل هنا : لماذا هذا الحرص الامريكي على تضمين موضوع الفيدرالية في الدستور، والحال ان موضوع التقسيم لا يخدم حلفاء أمريكا من الاجوار مثل تركيا وايران...
لكن هذ الامر تم لأن الولايات المتحدة وقواتها العسكرية في مأزق مزدوج.
فالمأزق الاول يهم المقاومة العراقية القوية والتي لم يستطيعوا كسر شوكتها.
المأزق الثاني يتمثل في رد الفعل الشعبي العراقي فقد أبطلت تلك المظاهرات التي خرجت في العراق من الشمال الى الجنوب شيعة وسنّة، الشعار الذي رفعه المنادون بتضمين «الفيدرالية» كشكل حكم في الدستور الآن. فقد خرج المتظاهرون من كربلاء الى النجف الى مدينة الصدر الى كامل المدن الاخرى المحسوبة على السنّة وبشعارات موحدة أهمها شعاران : «من الفلوجة الى الكوفة هذا الوطن ما نعوفه» (لن نتركه) وكذلك «اخوان سنّة وشيعة وهذا الوطن ما نبيعه».
هذا جواب الشعب العراقي على المخططات والأكاذيب التي تدّعي زمرة الاحتلال انها تنطق باسمه، في حين انها تنطق بمصالح استعمار ومتدخلين خارجيين في العراق.
* انتقل الآن الى سؤال سياسي من نبع الرصيد الامريكي في المجال. فقد كان متداولات الى حدود وقت قريب وعلى لسان «كيسنجر» بالذات بأن تقسيم العراق سيكون كارثة على المصالح الامريكية في المنطقة. أما الآن فنحن نرى الأمريكان أحرص على مزيد تقسيم العراق، غير عابئين بما يمكن ان ينتج عن تلك السياسة. فهل هذه استراتيجيا جديدة أملتها متغيرات وظروف جديدة ومستحدثة أم ان ورطة الاحتلال جعلته يلجأ الى سياسة «المحو» و»المحق» ومقولة «دع الأمور تتعفّن» ما دمنا لم نكسب الجولة؟
ـ موضوع «كيسنجر» والحديث عن كارثة التقسيم هو أمر غير دقيق.. يا سيدتي لما فشل الأمريكيون في العراق في سنوات التسعين في الصاق تهمة امتلاك العراق «لأسلحة الدمار الشامل» أبقوا على شعار الديمقراطية وهذا كلام كان يخدم شعاراتهم واستراتيجيتهم. فلم يكن مفيدا ان تعلن أمريكا حقيقة وعلنا عن خيارها في تقسيم العراق، اذ هي فشلت في الاطاحة بنظامه وغزوه بسهولة وتغييره ما تريد تغيير في البلد... وهنا أرجعك الى كتاب ألّفه كاتب أمريكي يهودي «أغراهام فولر» أصدره سنة 1992 وتساءل فيه : «هل سيبقى العراق موحدا حتى القرن القادم»؟ لقد كان الامريكان بالذات مراهنين على ان الحصار سيؤدي الى ثورة شعبية تدمّر من خلالها الدولة والشعب.. من جهتي أذكر أنني قلت وقتها في مقال : العراق غير قابل للتقسيم. ما كتبه «أغراهام فولر» رعته مؤسسات أمريكية «ريدج» و»راند»، وهي موسسات صهيونية حيث هي التي كانت تروّج لتقسيم العراق وكانت الدراسات التي تصدر عنها توحي كلها بأن العراق قابل للتقسيم نظرا للمشهد المتعدد الاعراق والاثنيات... لكنهم كانوا على خطإ وقد سفّه العراقيون بتعبيراتهم المختلفة هذه «النبوءات» او التمنيات والغايات الامريكية الصهينونية.
التقسيم في ذهن الامريكان وقبل الغزو العسكري للعراق لم تكن لتنتقل تداعياته الى دول الجوار لكن الآن عندهم الجيش (الجيش الامريكي) على الميدان.. وهو جيش نظريا من المفترض ان يضمن عدم خرج الحريق نحو الجيران. لكن أرجو وأقول التواقع غير تلك التنظيرات... والحقيقة التي لا يجب ان نغفل عنها هي ان القوى الاستعمارية ترفع الشعار المغاير للواقع... هم الآن يحاولون ان يطبّقوا سياسة قديمة يختزلها شعار: «فرّق تسد» وهو شعار يتطوّر بتطوّر الزمن، المحتل يأتي بهذه الشعارات ويغلّفها كما يشاء.
لكن هل تتحقق نواياهم، هذا رهين مدى فهمهم للطرف المقابل، الشعب الواقع تحت الاحتلال. الامريكيون في العراق، كانوا على اعتقاد راسخ بأن العراقيين سيقابلونهم بالورود... لكن شيئا من هذا لم يحصل، بل ان المقاومة المسلّحة انطلقت بعدايام ان لم نقل في بعض المناطق ساعات.. ضدّهم.
* لكن الا تعتقد ان عملية التدمير والتخريب التي يقوم بها الامريكان الآن، فيها شيء من نقمة على الشعب الذي يدعم المقاومة ويرفض الاحتلال؟
ـ بما ان الامريكان كان باعتقادهم ان الشعب العراقي متنافر فيما بينه ومتناقض تناقضا شديدا، وهذا خطأ فعلا، عندما تفطّنوا الى العكس، وأنهم امام شعب عنيد لم يشهد تاريخهم الاستعماري مثيلا له، فقد اتخذوا منهجا تدميريا. الامريكان الآن يدمّرون العراق على بكرة ابيه ليخرجوا والعراق كومة خراب ومتراجع الى الوراء عشرات السنين. وهنا سؤالك صحيح. نعم هم يعمدون الا سياسة المحو والمحق، لانهم فشلوا.
لكن دعيني اذكّر بأن مطلب تخريب العراق هو مطلب اسرائىلي قبل ان يكون مطلبا امريكيا.
اسرائىل لن يهدأ لها بال الا اذا رأت العراق والعراقي مفتتة اشلاؤه. اليوم، الاسرائىليون على قوة شديدة في صنع القرار الامريكي، الدولي.
فما لم تستطع الصهيونية ان تكون لها فيه باع في باقي الإدارات التي سبقت ادارتي بوش الابن، ها هي تطبّقه وتناله في الادارتين الحالية والتي سبقتها. اذكر لك مثلا في مسألة العراق وهنا ارجع بك الى الذاكرة لا غير: حلّ الجيش العراقي كان مطلبا اسرائىليا، فقد اعترف بذلك «بريمر» حين قال ان حلّ الجيش العراقي كان نزولا عند رغبة اسرائىل ولم يكن قرارا امريكيا!
* انتقل الآن الى الخطاب السياسي، الاستعماري من جهة والمقاوم من جهة أخرى، ففي حين نجد الخطاب الاستعماري في العراق مرتكزا على التمويه والكذب الواضح، والتراجع عن الموقف والشعار والهدف في واضحة النهار نرى بالمقابل خطابا للمقاومة قليل الكلام شديد الفعل، مما حدا بالبعض الافتاء ان هذه العملية او تلك ليست في حساب المقاومة وهنا أسأل فيك المعلومة، لأني اعرف انّك تتحدث بمعلومات وليس تخمينات، هل هذا المشهد الذي ذكرته في السؤال صحيح، ام ان لك رأيا آخر؟
ـ موضوع الخطاب الامريكي، كان يمكن ان يفنّد في إبّانه وبمعلومات... لكن من ذا الذي سيسمعه. ان «الفعل» اشدّ مضاضة من الكلام. المقاومة بفعل تنظّمها وحنكتها وقوتها جعلت الامريكان هم الذين يتراجعون عن اقوالهم وادعاءاتهم. المقاومة العراقية هي مقاومة شريفة. وقد قيل انها من فلول النظام السابق وقالوا انها مقاومة دينية وتارة يقولون انها منحصرة في المثلث السني وطورا يدعون انها مقاومة خارجية بقصص مثل الزرقاوي وغيره، حتى يمنعوا عن العراق شرف المقاومة الباسلة لكن كل هذه الادعاءات سقطت بعد معارك الموصل وسقطت بعد الفلوجة... وغيرهما... هذه المقاومة هي وطنية بكل ما تعنيه كلمة وطنية من تنوّع في الطيف السياسي بالعراق. هي ليست بعثية وليست قومية وليست اسلامية بل هي مقاومة وطنية تجمع الكل. العراق ملك ابنائه الشرفاء..
أما بخصوص الخطاب المقاوم فهناك من يتحدث عن المقاومة استنتاجا وتخمينا مثل عدد من الكتّاب هنا وهناك وأنا اتحدث بمعلومات عن المقاومة. المقاومة في العراق هي مقاومة مسبقة الصنع، اعدّت قبل الغزو... وتهيأت قبل الاحتلال لما سيحصل للبلد. انا الذي احدّثك، معارضة منذ 35 عاما للنظام العراقي، ولكن لما رأيت الاحتلال ذهبنا مجموعة الى صدام وتصافحنا معه في اطار المصالحة الوطنية «من أجل ترتيب البيت الداخلي لدرء الحظر الخارجي»، وكان ذلك بين 10ـ11ـ2002 و18 ديسمبر 2002، الشعب العراقي حصل على ملايين القطع من السلاح، القيادة وقتها قالت لنا بالحرف: ان شعارنا كقيادة هو أن الأمريكان يعدّون للحرب ونحن نعدّ للمقاومة. هذه معلومات يا سيدتي، هذه المقاومة معدّ لها ولا ترتبط بحزب واحد، فللبعثيّين دور مهم نعم، وللجيش العراقي وخاصة الحرس الجمهوري دور مهم نظرا لامكانياتهم الكبيرة، ولكن أدوار الآخرين موجودة وهي تعمل تحت غطاء واحد: مجابهة الاحتلال.
* في مسألة المقاومة، وأنت دائما تتحدث بمعلومات أسألك سيد عوني القلمجي: هذه مقاومة منظمة تنظيما غير مسبق... تجابه قوّة جبارة هي الأقوى في العالم والدنيا، ما هي ايجابياتها أو النقاط التي تدعم ايجابيات مقاومة، حوّلت العراقي الى مستنقع للامريكان بعتادهم وتفوّقهم العسكري والتكنولوجي، هذه حرب شعبية طويلة الأمد، لم نر تكتيكاتها حتى مع «ماوتسي تونغ»؟
ـ هذا صحيح الى حدّ ما، لكن مع كل الايجابيات التي تحدثت عنها في المقاومة، فان ا لسلبيات لا تعيب، المقاومة فتية وعمرها فتيّ في عمر المقاومات. هي تعمل في ظروف صعبة، الآن هناك قطب واحد مهيمن في العالم، ويحصل ان تكون المقاومة العراقية في صراع مع هذا القطب الواحد، فهو محتلنا. الظرف الاقليمي الذي تعمل فيه المقاومة هو معاد لها، وهذه المقاومة تعمل بناء على قدراتها الذاتيه. شعبنا متعدّد الاعراق، والاحتلال حسبه علينا نقطة ضعف يمكن أن يستغلها فحوّلتها المقاومة الى نقطة قوّة وعزّ... وقد حوّلت المقاومة شعبنا متعدد الاعراق الى شعب مقاوم تحت غطاء وطني وليس تحت غطاء سياسي واحد، فهذا غير ممكن.
المقاومة حسب اعتقادي مكتفية بالبيانات التي يرى فيها البعض قلّة تفسير... هي مكتفية بالفعل على الميدان... لكن دعيني أقول لقراء «الشروق»: لو أن المقاومة روّجت للفلوجة خطابا ونصّا، فلا يمكن لأي انسان في العالم ان يحفظ «الفلوجة»، لكن ما حدث الآن بعد ان أبلت المقاومة البلاء الحسن وهزمت أكبر قوة عسكرية في العالم، مدينة اسمها الفلوجة، فكل العالم أصبح ينطق «بالفلوجة» كعنوان للتصدي للامبريالية والاستعمار... اذن فعل المقاومة هو الابقى وهو الذي يرسخ في الذهن.... لقد مثّلت هزيمة الامريكان ولمرتين في الفلوجة المدفع الاعلامي لكل العالم... العالم الآن يعرف الفلوجة.
* لنعد الى المخططات الامريكية، هل هي مخططات مطاطة فضفاضة، تتغير بين يوم وليلة، أم أنها مجموعة سيناريوهات ترسم وفق المتغيرات على الميدان مثلا؟
ـ أنا لا أعتبر أن المخططات الامريكية تتغير بين يوم وليلة، البعد العالمي للاحتلال الامريكي والبعد العالمي للمقاومة ينطلقان الآن من العراق، فكما الاستعمار والهيمنة الامريكية لا تستهدف العراق وحده ولا الوطن العربي فقط ولا أوروبا وحدها بل هو مخطط للقرن الامريكي الذي تحدث عنه «فوكوياما» في «نهاية التاريخ»... فان المقاومة أيضا اكتسبت انطلاقا من العراق بعدها العالمي.
الامريكان لا يمكن ان ينسحبوا بسهولة مثلما يروّج لذلك كتّاب عديدون... طبعا انا كغيري أتمنى أن يحدث حدث «دراماتيكي» من المقاومة يخرج الأمريكان اليوم قبل غد، لكن هذا صراع طويل ودموي. فشل الامريكان في العراق لا يقاس كما فشلها في فيتنام. في العراق اذا خسرت أمريكا تخسر مخططها الدولي... عندما تهزم أمريكا في العراق فهذا يعني ان أصغر دولة لن تحترم أمريكا ثانية ولن تخشاها... اذن المسألة أشد تعقيدا مما يتصور البعض. «نحن في العراق نقاتل نيابة عن شعوب الارض كلها»، لأننا عندما ننتصر سوف ننقذ شعوب الأرض كلّها من أمريكا.
وقدرنا نحن العراقيون أن نحبط المؤامرات ضدّ العالم انطلاقا من بلدنا. قدرنا أن يولد الفجر عندنا، فكما علّمنا الانسانية الكتابة فنحن لنا شرف الريادة اليوم في احباط أكبر مخطّط يحاك ضد الانسانية. هذا صراع طويل ونتائجه رهينة المتغيرات. لكن الانتصار، ثقوا، اخوتنا وأصدقاءنا وكلّ الشرفاء الذين يؤمنون بما نفعل، ان الانتصار سيكون حليفنا... ثقوا بالمقاومة فقط.
* مرّة أخرى أسأل الأستاذ عوني القلمجي الذي يمتلك المعلومات... هناك حديث كثير عن المقاومة التي تقتل المدنيين ونحن نعلم كعرب وأقارب العراق، ان في الأمر تشويها للمقاومة، لكن هل بامكانك أن تنير قراء «الشروق» حول هذه الناحية؟
ـ هذه أيضا نقطة خضعت للنقاش إلى حدود ستة أشهر مضت. الاعلام الأمريكي لا يكفّ عن الصاق التهم بالمقاومة. وهذه ضمن الخطة والمخطط الاستعماري: تشويه المقاومة، المقاومة يا سيدتي مقاومة شريفة ووطنية ومنظمة.
أولا هي تستهدف القوات الأمريكية والمتعاونين معها. ثانيا هي مقاومة تستهدف أدوات الاحتلال سواء كانت أجنبية أو عربية أو محلية. ثالثا تستهدف المقاومة الشركات التي هي رأس حربة الاحتلال. رابعا هي مقاومة تستهدف من يسمّونهم «بالجيش الوطني» هؤلاء ليسوا مدنيين، بل هم عبارة عن ميليشيات من «البشمركة» و»فيلق بدر» الذي يسمّيه العراقيون فيلق غدر وكذلك تستهدف المقاومة ميليشيات «علاّوي» و»الجلبي».
أنا يا سيدتي ضابط بالجيش العراقي (خريج سنة 71) أول ما تخرجت فتحت عيني وذهني على شعار عقيدة: «الجيش سور للوطن يحميه من الغزاة»، فهل هذا الذي ينعتونه بالجيش هو حام للوطن أو مسلّمه للاحتلال؟ انه يتعاون مع الاحتلال ضدّ الوطن. ثم لنصل إلى الشرطة، هل الشرطة الآن التي يعدّونها في جراب الاحتلال هي في خدمة الشعب العراقي أم في خدمة الاحتلال؟ الجميع يعلم أنها في خدمة المحتل فهم ينقلون معلومات عن المقاومة للاحتلال نعم هناك أبرياء اضطرّتهم مصاعب الحياة للعمل، لكن ثقي يا سيدتي نحن العراقيون، ربما نكاد نكون من الشعوب القليلة التي تعرف الناس بعضها البعض أكثر مما يتصوره عنا الآخرون من الخارج، نحن نعرف من هو الوطني ومن هو غير الوطني.
اما استهداف الكنائس والمساجد والشوارع والأسواق، فهذه عمليات لا تخرج عن نطاق «الموساد» المتمركز في الشمال (المنطقة الكردية) والمخابرات لدولة اقليمية و20 ألف مرتزق أتوا مع الاحتلال. على العكس من ذلك، المقاومة تعمل بدقة وبتنظيم محكم، وفي كثير من الأحيان تتراجع عن عمليات، لما يتجمهر عراقيون لسبب أو لآخر... المقاومة قامت وتقوم من أجل الشعب العراقي وضد الاحتلال، فكيف يمكن تصور أذى منها نحو الشعب؟
* سأعود بك، سيد عوني، إلى يوم 9 أفريل 2003، لتفسّر لنا المشهد الذي طالعنا على الشاشات، بوصفك ضابطا في الجيش وبوصفك سياسيا لا تنتمي إلى حزب حكم العراق قبل تلك اللحظة ما الذي حدث، يومها، ولماذا هذا الدخول السهل للأمريكان بعد معارك بطولية في «أم قصر» و»الناصرة» وغيرهما. فالجدل لا يزال متواصلا ولا يهدأ إلى اليوم من هول ما حصل وما تفاجأنا به؟
ولا يزال الجدل قائما ولا أحد يملك الحقيقة كاملة... لكن كوني زرت العراق قبل الاحتلال، فإن المعادلة التي كانت أمام القيادة، ونقلتها إلينا بالحرف، هي ان معركة تقليدية لا يمكن أن تحقّق نصرا... فأيّ معركة نظامية ستفشل. لكن هل يعني هذا أن لا نقاتل؟ للأمانة أقول، إن الجيش العراقي قرّر أن يقاتل الى آخر طلقة. أما بغداد للأسف سيّدتي، نتذكّر، أن الحرب توقفت قبل 30 كلم من بغداد، ولمدّة 48 ساعة، كانت التصريحات واضحة وصريحة: بوش يقول إنهم (الأمريكان) يحتاجون الى 120 ألف جندي اضافي، لاقتحام بغداد، لأن أم قصر وحدها أخذت 15 يوما من المقاومة العنيدة ضد الغزاة.. وهم يعرفون أن بغداد تحيط بها خنادق صعب تجاوزها.. لهم معلومات في ذلك (الأمريكان). إذن خلال 48 ساعة بدأت التحرّكات حثيثة وسريعة، من مصر وتركيا وكاليفورنيا... باتجاه بغداد لاقتحامها. المفاجأة إذن أن يدخلوا (دخلوا) بغداد بلا مقاومة.
وهنا تُطرح سيناريوهات متعدّدة، أنا أميل الى واحدة منها: «كولن باول» قال حضّرنا للقنبلة الذرية في العراق. وقد كان متوقّعا أن يُحسم أمر الحرب في العراق على طريقة يوغسلافيا مثلا، أي أن يبدأ القصف الجوّي ثم يليه الهجوم البرّي.. لكن ما حصل هو أن الأمريكان قاموا بالأمرين بالتزامن: القصف الجوي معه تقدّم للقطاعات البريّة. يعني الخطة الأمريكية جاءت خلافا لما كان متوقّعا من المحلّلين.. وليس من القيادة العراقية...
أنا من جهتي ولما رأيت الأمريكان تطأ أقدامهم «أم قصر» قلت لمن حولي: علينا أن نستعدّ لما بعد الاحتلال. طبعا قالوا لي في فزع: كيف تقول هذا. قلت لهم: ما دام الجيش الأمريكي حطّ رجله في أرض العراق، فهذا يعني أنهم لن يخرجوا.
اقرُني مع هذه المعلومات والحقائق ما نقله السفير الروسي عن الأمريكان للقيادة العراقية: إذا لم تستسلم بغداد سنستعمل القنبلة الذرية. وللحقيقة هنا لا بدّ من التذكير بأن الأمريكان استعملوا الذرّي في معركة المطار. كانوا يستعملون صواريخ لما تقع على الدبابة على بعد قليل من الأمتار تصهرها، وإذا وقعت على بعد 10 أمتار منها تفكّكها أشلاء! إذن وفق هذا التهديد الجاد من الأمريكان، وجد الجيش العراقي أن ليس هناك امكانية للمواجهة فانتقلوا (الجيش) الى المرحلة الثانية.
اليوم، يا سيّدتي، تسمعين عن عبوة ناسفة توضع بجانب الطريق بالشارع والدبابة التي تزن 50 طنا تشاهدينها على الشاشات وفي الصور مقلوبة ومفكّكة أشلاء.. هذا ليس فعل أحزاب سياسية مقاومة مثلما حصل في «كوبا» و»الجزائر».. هذا شغل جيش نظامي.. أنا ضابط جيش هندسة وأعرف ماذا أقول. فحتى تتعطّل دبابة يجب أن تمرّ الدبابة فوق اللغم وعندما تمرّ، فلا يحدث لها ما نراه يقع لدبابات الاحتلال والارتال عبر الشاشات. أما كضابط هندسة، أرى دبابة تنفجر على بعد 10 أمتار من رتل يتحوّل الى أشلاء، فهذا شغل بحث وشغل جيش له قاعدة علمية للتطوير...
شبكة البصرة
الاثنين 24 رجب 1426 / 29 آب 2005
يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
هو «ماركسي لينينيّ»
اومازالت هذه الافكار البالية تسري بيننا!!!!!!!!
شبكة البصرة
حوار فاطمة بن عبد اللّه الكراي - جريدة الشروق التونسية
كان دوما معارضا لنظام صدام وللحزب الذي ينتمي إليه صدام حسين... أول وصف أعطاه للعلاقة التي تجمعه بـ»غريمه» السياسي صدام هي أنهما: الأخوة الأعداء... لم يكن الرجل وهو يعطي هذه الصفة لعلاقته بصدّام، متأثرا برائعة الأدب العالمي «الأخوة الأعداء» بل استحضارا منه لتشخيص لعلاقة لا تزال تثير فيه الكثير من الشهامة المتبادلة والاختلاف المتبادل وربّما الحب المتبادل الممزوج بالغيرة.. غيرة القيادة والسلطة في إطار التنافس بين تيارين وبين حزبين وبين رجلين سجن أحدهما الآخر في مناسبتين مختلفتين: أي لمّا اعتلى كلّ منهما منصبا في نظام يقوده حزبه، إلا وسجن الآخر... إلى حدّ أن جمعهما السجن معا... فكان التشابه المظهري قد بلغ حدّه، حين دخلت «ساجدة» زوجة صدام السجن تزور زوجها فاتجهت صوب «عوني القلمجي» في حين سارت شقيقة عوني الذي تقاسم السجن مع صدام نحو صدام حسين ظنّا منها أنه عوني...
هكذا يختزل السيد عوني القلمجي قصّة العلاقة مع صدام في طُرفة أضحكته وبعث تذكّرها خلال هذا اللقاء الذي أجريته معه صباح أمس من مقرّه بإحدى الدول الاسكندنافية زفرة فيها مزيج من التاريخ ومزيج من التشابه ومزيج من ذكريات الدراسة حيث لم يجمع الرجلين السجن فقط ولا السياسة فحسب بل أيضا مقاعد الدراسة...
هو «ماركسي لينينيّ» غادر العراق سنة 1971 وغادر معه الجيش حيث كان ضابطا بالجيش العراقي... وكان على طرفي نقيض مع حزب البعث الذي تداول وحزبه على السلطة في العراق في شكل انقلاب وانقلاب مضاد...
يقول محدّثي وهو يتحدث عن نفسه بعد سؤال لي عن ذلك:
اشتركت بثلاث انقلابات عسكرية بالعراق اثنان منهما حكم عليّ فيهما بالإعدام على يد عبد السلام عارف ثم شقيقه عبد الرحمن عارف، وقد صادف الاعتقال الثاني حرب 1967 فأفرجوا عنا وقالوا لنا روحوا موتوا ميتة مشرّفة على الأقل وقاتلوا على الجبهات العربية... فقاتلنا...
أما آخر انقلاب فهو يقول إنه لم يشارك فيه سنة 71 لما كان حزب البعث في السلطة... منذ 1956 ولج عوني القلمجي مجال السياسة وهو منتظم بحزب الاستقلال العربي الاشتراكي الذي أخذ عن المبادئ الماركسية اللينينية ولكن لما وجدت أن الحزب والتحزّب يحدان من رأيي قرّرت أن أكون مستقلاّ بداية من سنة 89»... من يومها أصبح السيد عوني القلمجي المتخرج من الكلية العسكرية ومن مدرسة الحياة السياسية والفكرية والإيديولوجية التي سادت المنطقة والعالم بالخمسينات والستينات أصبح إذن الناطق الرسمي للتحالف الوطني العراقي الذي يرأسه عبد الجبار الكبيسي والذي اعتقله الأمريكيون منذ سنة تقريبا... هو اليوم على رأس التحالف تعويضا لرفيقه السجين لدى الاحتلال وهو منخرط في الفعل الوطني العراقي المناوئ للاحتلال... ذهب للعراق في مصالحة وطنية لترتيب البيت الداخلي من أجل درء الخطر الخارجي قبل أشهر من احتلال العراق... يتحدث عن المقاومة وفق معلومات... حين سألته عن كنه العلاقة مع صدام صمت قليلا عبر الهاتف دائما ثم أردف قائلا: «هي كأي علاقة بها شجون... نحن الأخوة الأعداء...
انتمينا الى مدرسة واحدة.. وصفّ واحد (قسم) اختلفنا حزبيا.. اعتقلني صدّام سنة 1963، واعتقلته أنا سنة 1964.. في عملية تداول انقلابي على السلطة من حزبينا.. ليس هناك أحد يستطيع أن يفهم فعلا علاقة الرجلين.. قبولهما الواحد للآخر رغم تناقضاتهما الفكرية والايديولوجية، تحمل أكثر من سرّ.. لهما شبه كبير في الشكل..
تحدث الرجل بإسهاب عن العراق الوطن، والعراق القدر.. والعراق المدافع عن القيم الانسانية.. مفاجأة دخول القوات الأمريكية بغداد بلا مقاومة لم تفزعه، لأنه مالك لمعلومات قوامها أن تهديدا واضحا وصريحا وصل القيادة العراقية من الأمريكان عبر الروس: إذا لم تستسلم بغداد.. سنضرب بالنووي..
دعانا جميعا الى أن نثق بالمقاومة، لأنها فعل مدروس ومهيأ له من قبل.. لكنه حذّر من التباهي وكثرة التغنّي بالانتصارات، فالعدو ليس سهلا.. ولا تنقصه المخططات ولا ينقصه الدّهاء..
لهذا سألته في البداية عن الفيدرالية، وإصرار الأمريكان على أن يصبح العراق مقسّما بعد توحّد..
* في البداية، سيد عوني القلمحي، لو نستهلّ هذا اللقاء بسؤال حول آخر المستجدات في العراق، وأقصد موضوع الفيدرالية.. فقد برز رأيان: نعتقد أنهما على تسرّع شديد حول المسألة. الرأي الأول يبرّر الفيدرالية كخيار للعراق، على أساس أن الذي «شابه الغرب ما ظلم» ومثلهم سويسرا والولايات المتحدة الأمريكية.. أما الرأي الثاني المرتبط بالفيدرالية ففيه الكثير من التمويه والتغطية على الاحتلال.. هل لي أن أعرف تحليلك في هذا الموضوع، وما هي باعتقادك الأسباب التي تكمن وراء هذا التشبث الأمريكي بخيار الفيدرالية في العراق؟
ـ أولا من الخطإ جدا تشبيه مسألة الفيدرالية في العراق بما هو حاصل في سويسرا أو في أمريكا، لسبب بسيط جدا هو أن الفيدراليات تكون في الأصل مستقلة ثمّ تتحد في ما بينها لمزيد التقدم والوحدة، كما سويسرا التي توحّدت منذ 800 عام وقد انطلقت وقتها من ثلاث ولايات فقط ثمّ أتت العشرون الأخرى.. الهدف، عادة، من هكذا نمط هو التطور والتقدم والازدهار الاقتصادي والأمني.. وكما حدث أيضا وبعد ذ لك في الولايات المتحدة الأمريكية، أما أن تأتي إلى بلد في الأصل هو موحّد ثمّ تفكّكه وتقطّع أوصاله ثم تدّعي أنك تعمل على توحيده في شكل فيدرالي، فهذا ما لا يقبله عقل.. ثم إن الظاهرة المعروفة والمتعارف عليها، هي أن الاستعمار يقسّم ولا يجمّع.. ألمانيا مثلا قسّمها الاستعمار أو لنقل الهيمنة، أما في عراق موحّد أصلا، يفكّكه الاحتلال بالقوة إلى أجزاء ثمّ يُطرح شعار الفيدرالية فهذا أيضا لا يمكن أن يقبله عقل.
من جهة أخرى، وكنقطة دلالية ثانية، نحن نعلم أن الفيدراليات المذكورة عبر العالم، لم تتمّ زمن الاحتلال. الاحتلال لا يمكن أن يدعم فيدراليات. ثالثا: لو فرضنا البلد تقسّم وأن الفيدرالية هي الدواء.. فمن الشروط الأولية لهكذا نظام أن تتمّ في جو ديمقراطي بحيث يصبح التجمّع في فيدرالية مطلبا شعبيا، لكن ما يحدث في العراق من تقسيم ليس في صالح الأكراد ولا الشيعة ولا السنة. اذن من أين أتى المدافعون عن هذا الخيار المسموم بالمسوغات؟ ما يحدث للعراق يا سيدتي من مخططات وتضمينات في «الدستور» المزعوم، انما هو خدمة للمخطط الاستعماري، ولنتساءل هنا : لماذا هذا الحرص الامريكي على تضمين موضوع الفيدرالية في الدستور، والحال ان موضوع التقسيم لا يخدم حلفاء أمريكا من الاجوار مثل تركيا وايران...
لكن هذ الامر تم لأن الولايات المتحدة وقواتها العسكرية في مأزق مزدوج.
فالمأزق الاول يهم المقاومة العراقية القوية والتي لم يستطيعوا كسر شوكتها.
المأزق الثاني يتمثل في رد الفعل الشعبي العراقي فقد أبطلت تلك المظاهرات التي خرجت في العراق من الشمال الى الجنوب شيعة وسنّة، الشعار الذي رفعه المنادون بتضمين «الفيدرالية» كشكل حكم في الدستور الآن. فقد خرج المتظاهرون من كربلاء الى النجف الى مدينة الصدر الى كامل المدن الاخرى المحسوبة على السنّة وبشعارات موحدة أهمها شعاران : «من الفلوجة الى الكوفة هذا الوطن ما نعوفه» (لن نتركه) وكذلك «اخوان سنّة وشيعة وهذا الوطن ما نبيعه».
هذا جواب الشعب العراقي على المخططات والأكاذيب التي تدّعي زمرة الاحتلال انها تنطق باسمه، في حين انها تنطق بمصالح استعمار ومتدخلين خارجيين في العراق.
* انتقل الآن الى سؤال سياسي من نبع الرصيد الامريكي في المجال. فقد كان متداولات الى حدود وقت قريب وعلى لسان «كيسنجر» بالذات بأن تقسيم العراق سيكون كارثة على المصالح الامريكية في المنطقة. أما الآن فنحن نرى الأمريكان أحرص على مزيد تقسيم العراق، غير عابئين بما يمكن ان ينتج عن تلك السياسة. فهل هذه استراتيجيا جديدة أملتها متغيرات وظروف جديدة ومستحدثة أم ان ورطة الاحتلال جعلته يلجأ الى سياسة «المحو» و»المحق» ومقولة «دع الأمور تتعفّن» ما دمنا لم نكسب الجولة؟
ـ موضوع «كيسنجر» والحديث عن كارثة التقسيم هو أمر غير دقيق.. يا سيدتي لما فشل الأمريكيون في العراق في سنوات التسعين في الصاق تهمة امتلاك العراق «لأسلحة الدمار الشامل» أبقوا على شعار الديمقراطية وهذا كلام كان يخدم شعاراتهم واستراتيجيتهم. فلم يكن مفيدا ان تعلن أمريكا حقيقة وعلنا عن خيارها في تقسيم العراق، اذ هي فشلت في الاطاحة بنظامه وغزوه بسهولة وتغييره ما تريد تغيير في البلد... وهنا أرجعك الى كتاب ألّفه كاتب أمريكي يهودي «أغراهام فولر» أصدره سنة 1992 وتساءل فيه : «هل سيبقى العراق موحدا حتى القرن القادم»؟ لقد كان الامريكان بالذات مراهنين على ان الحصار سيؤدي الى ثورة شعبية تدمّر من خلالها الدولة والشعب.. من جهتي أذكر أنني قلت وقتها في مقال : العراق غير قابل للتقسيم. ما كتبه «أغراهام فولر» رعته مؤسسات أمريكية «ريدج» و»راند»، وهي موسسات صهيونية حيث هي التي كانت تروّج لتقسيم العراق وكانت الدراسات التي تصدر عنها توحي كلها بأن العراق قابل للتقسيم نظرا للمشهد المتعدد الاعراق والاثنيات... لكنهم كانوا على خطإ وقد سفّه العراقيون بتعبيراتهم المختلفة هذه «النبوءات» او التمنيات والغايات الامريكية الصهينونية.
التقسيم في ذهن الامريكان وقبل الغزو العسكري للعراق لم تكن لتنتقل تداعياته الى دول الجوار لكن الآن عندهم الجيش (الجيش الامريكي) على الميدان.. وهو جيش نظريا من المفترض ان يضمن عدم خرج الحريق نحو الجيران. لكن أرجو وأقول التواقع غير تلك التنظيرات... والحقيقة التي لا يجب ان نغفل عنها هي ان القوى الاستعمارية ترفع الشعار المغاير للواقع... هم الآن يحاولون ان يطبّقوا سياسة قديمة يختزلها شعار: «فرّق تسد» وهو شعار يتطوّر بتطوّر الزمن، المحتل يأتي بهذه الشعارات ويغلّفها كما يشاء.
لكن هل تتحقق نواياهم، هذا رهين مدى فهمهم للطرف المقابل، الشعب الواقع تحت الاحتلال. الامريكيون في العراق، كانوا على اعتقاد راسخ بأن العراقيين سيقابلونهم بالورود... لكن شيئا من هذا لم يحصل، بل ان المقاومة المسلّحة انطلقت بعدايام ان لم نقل في بعض المناطق ساعات.. ضدّهم.
* لكن الا تعتقد ان عملية التدمير والتخريب التي يقوم بها الامريكان الآن، فيها شيء من نقمة على الشعب الذي يدعم المقاومة ويرفض الاحتلال؟
ـ بما ان الامريكان كان باعتقادهم ان الشعب العراقي متنافر فيما بينه ومتناقض تناقضا شديدا، وهذا خطأ فعلا، عندما تفطّنوا الى العكس، وأنهم امام شعب عنيد لم يشهد تاريخهم الاستعماري مثيلا له، فقد اتخذوا منهجا تدميريا. الامريكان الآن يدمّرون العراق على بكرة ابيه ليخرجوا والعراق كومة خراب ومتراجع الى الوراء عشرات السنين. وهنا سؤالك صحيح. نعم هم يعمدون الا سياسة المحو والمحق، لانهم فشلوا.
لكن دعيني اذكّر بأن مطلب تخريب العراق هو مطلب اسرائىلي قبل ان يكون مطلبا امريكيا.
اسرائىل لن يهدأ لها بال الا اذا رأت العراق والعراقي مفتتة اشلاؤه. اليوم، الاسرائىليون على قوة شديدة في صنع القرار الامريكي، الدولي.
فما لم تستطع الصهيونية ان تكون لها فيه باع في باقي الإدارات التي سبقت ادارتي بوش الابن، ها هي تطبّقه وتناله في الادارتين الحالية والتي سبقتها. اذكر لك مثلا في مسألة العراق وهنا ارجع بك الى الذاكرة لا غير: حلّ الجيش العراقي كان مطلبا اسرائىليا، فقد اعترف بذلك «بريمر» حين قال ان حلّ الجيش العراقي كان نزولا عند رغبة اسرائىل ولم يكن قرارا امريكيا!
* انتقل الآن الى الخطاب السياسي، الاستعماري من جهة والمقاوم من جهة أخرى، ففي حين نجد الخطاب الاستعماري في العراق مرتكزا على التمويه والكذب الواضح، والتراجع عن الموقف والشعار والهدف في واضحة النهار نرى بالمقابل خطابا للمقاومة قليل الكلام شديد الفعل، مما حدا بالبعض الافتاء ان هذه العملية او تلك ليست في حساب المقاومة وهنا أسأل فيك المعلومة، لأني اعرف انّك تتحدث بمعلومات وليس تخمينات، هل هذا المشهد الذي ذكرته في السؤال صحيح، ام ان لك رأيا آخر؟
ـ موضوع الخطاب الامريكي، كان يمكن ان يفنّد في إبّانه وبمعلومات... لكن من ذا الذي سيسمعه. ان «الفعل» اشدّ مضاضة من الكلام. المقاومة بفعل تنظّمها وحنكتها وقوتها جعلت الامريكان هم الذين يتراجعون عن اقوالهم وادعاءاتهم. المقاومة العراقية هي مقاومة شريفة. وقد قيل انها من فلول النظام السابق وقالوا انها مقاومة دينية وتارة يقولون انها منحصرة في المثلث السني وطورا يدعون انها مقاومة خارجية بقصص مثل الزرقاوي وغيره، حتى يمنعوا عن العراق شرف المقاومة الباسلة لكن كل هذه الادعاءات سقطت بعد معارك الموصل وسقطت بعد الفلوجة... وغيرهما... هذه المقاومة هي وطنية بكل ما تعنيه كلمة وطنية من تنوّع في الطيف السياسي بالعراق. هي ليست بعثية وليست قومية وليست اسلامية بل هي مقاومة وطنية تجمع الكل. العراق ملك ابنائه الشرفاء..
أما بخصوص الخطاب المقاوم فهناك من يتحدث عن المقاومة استنتاجا وتخمينا مثل عدد من الكتّاب هنا وهناك وأنا اتحدث بمعلومات عن المقاومة. المقاومة في العراق هي مقاومة مسبقة الصنع، اعدّت قبل الغزو... وتهيأت قبل الاحتلال لما سيحصل للبلد. انا الذي احدّثك، معارضة منذ 35 عاما للنظام العراقي، ولكن لما رأيت الاحتلال ذهبنا مجموعة الى صدام وتصافحنا معه في اطار المصالحة الوطنية «من أجل ترتيب البيت الداخلي لدرء الحظر الخارجي»، وكان ذلك بين 10ـ11ـ2002 و18 ديسمبر 2002، الشعب العراقي حصل على ملايين القطع من السلاح، القيادة وقتها قالت لنا بالحرف: ان شعارنا كقيادة هو أن الأمريكان يعدّون للحرب ونحن نعدّ للمقاومة. هذه معلومات يا سيدتي، هذه المقاومة معدّ لها ولا ترتبط بحزب واحد، فللبعثيّين دور مهم نعم، وللجيش العراقي وخاصة الحرس الجمهوري دور مهم نظرا لامكانياتهم الكبيرة، ولكن أدوار الآخرين موجودة وهي تعمل تحت غطاء واحد: مجابهة الاحتلال.
* في مسألة المقاومة، وأنت دائما تتحدث بمعلومات أسألك سيد عوني القلمجي: هذه مقاومة منظمة تنظيما غير مسبق... تجابه قوّة جبارة هي الأقوى في العالم والدنيا، ما هي ايجابياتها أو النقاط التي تدعم ايجابيات مقاومة، حوّلت العراقي الى مستنقع للامريكان بعتادهم وتفوّقهم العسكري والتكنولوجي، هذه حرب شعبية طويلة الأمد، لم نر تكتيكاتها حتى مع «ماوتسي تونغ»؟
ـ هذا صحيح الى حدّ ما، لكن مع كل الايجابيات التي تحدثت عنها في المقاومة، فان ا لسلبيات لا تعيب، المقاومة فتية وعمرها فتيّ في عمر المقاومات. هي تعمل في ظروف صعبة، الآن هناك قطب واحد مهيمن في العالم، ويحصل ان تكون المقاومة العراقية في صراع مع هذا القطب الواحد، فهو محتلنا. الظرف الاقليمي الذي تعمل فيه المقاومة هو معاد لها، وهذه المقاومة تعمل بناء على قدراتها الذاتيه. شعبنا متعدّد الاعراق، والاحتلال حسبه علينا نقطة ضعف يمكن أن يستغلها فحوّلتها المقاومة الى نقطة قوّة وعزّ... وقد حوّلت المقاومة شعبنا متعدد الاعراق الى شعب مقاوم تحت غطاء وطني وليس تحت غطاء سياسي واحد، فهذا غير ممكن.
المقاومة حسب اعتقادي مكتفية بالبيانات التي يرى فيها البعض قلّة تفسير... هي مكتفية بالفعل على الميدان... لكن دعيني أقول لقراء «الشروق»: لو أن المقاومة روّجت للفلوجة خطابا ونصّا، فلا يمكن لأي انسان في العالم ان يحفظ «الفلوجة»، لكن ما حدث الآن بعد ان أبلت المقاومة البلاء الحسن وهزمت أكبر قوة عسكرية في العالم، مدينة اسمها الفلوجة، فكل العالم أصبح ينطق «بالفلوجة» كعنوان للتصدي للامبريالية والاستعمار... اذن فعل المقاومة هو الابقى وهو الذي يرسخ في الذهن.... لقد مثّلت هزيمة الامريكان ولمرتين في الفلوجة المدفع الاعلامي لكل العالم... العالم الآن يعرف الفلوجة.
* لنعد الى المخططات الامريكية، هل هي مخططات مطاطة فضفاضة، تتغير بين يوم وليلة، أم أنها مجموعة سيناريوهات ترسم وفق المتغيرات على الميدان مثلا؟
ـ أنا لا أعتبر أن المخططات الامريكية تتغير بين يوم وليلة، البعد العالمي للاحتلال الامريكي والبعد العالمي للمقاومة ينطلقان الآن من العراق، فكما الاستعمار والهيمنة الامريكية لا تستهدف العراق وحده ولا الوطن العربي فقط ولا أوروبا وحدها بل هو مخطط للقرن الامريكي الذي تحدث عنه «فوكوياما» في «نهاية التاريخ»... فان المقاومة أيضا اكتسبت انطلاقا من العراق بعدها العالمي.
الامريكان لا يمكن ان ينسحبوا بسهولة مثلما يروّج لذلك كتّاب عديدون... طبعا انا كغيري أتمنى أن يحدث حدث «دراماتيكي» من المقاومة يخرج الأمريكان اليوم قبل غد، لكن هذا صراع طويل ودموي. فشل الامريكان في العراق لا يقاس كما فشلها في فيتنام. في العراق اذا خسرت أمريكا تخسر مخططها الدولي... عندما تهزم أمريكا في العراق فهذا يعني ان أصغر دولة لن تحترم أمريكا ثانية ولن تخشاها... اذن المسألة أشد تعقيدا مما يتصور البعض. «نحن في العراق نقاتل نيابة عن شعوب الارض كلها»، لأننا عندما ننتصر سوف ننقذ شعوب الأرض كلّها من أمريكا.
وقدرنا نحن العراقيون أن نحبط المؤامرات ضدّ العالم انطلاقا من بلدنا. قدرنا أن يولد الفجر عندنا، فكما علّمنا الانسانية الكتابة فنحن لنا شرف الريادة اليوم في احباط أكبر مخطّط يحاك ضد الانسانية. هذا صراع طويل ونتائجه رهينة المتغيرات. لكن الانتصار، ثقوا، اخوتنا وأصدقاءنا وكلّ الشرفاء الذين يؤمنون بما نفعل، ان الانتصار سيكون حليفنا... ثقوا بالمقاومة فقط.
* مرّة أخرى أسأل الأستاذ عوني القلمجي الذي يمتلك المعلومات... هناك حديث كثير عن المقاومة التي تقتل المدنيين ونحن نعلم كعرب وأقارب العراق، ان في الأمر تشويها للمقاومة، لكن هل بامكانك أن تنير قراء «الشروق» حول هذه الناحية؟
ـ هذه أيضا نقطة خضعت للنقاش إلى حدود ستة أشهر مضت. الاعلام الأمريكي لا يكفّ عن الصاق التهم بالمقاومة. وهذه ضمن الخطة والمخطط الاستعماري: تشويه المقاومة، المقاومة يا سيدتي مقاومة شريفة ووطنية ومنظمة.
أولا هي تستهدف القوات الأمريكية والمتعاونين معها. ثانيا هي مقاومة تستهدف أدوات الاحتلال سواء كانت أجنبية أو عربية أو محلية. ثالثا تستهدف المقاومة الشركات التي هي رأس حربة الاحتلال. رابعا هي مقاومة تستهدف من يسمّونهم «بالجيش الوطني» هؤلاء ليسوا مدنيين، بل هم عبارة عن ميليشيات من «البشمركة» و»فيلق بدر» الذي يسمّيه العراقيون فيلق غدر وكذلك تستهدف المقاومة ميليشيات «علاّوي» و»الجلبي».
أنا يا سيدتي ضابط بالجيش العراقي (خريج سنة 71) أول ما تخرجت فتحت عيني وذهني على شعار عقيدة: «الجيش سور للوطن يحميه من الغزاة»، فهل هذا الذي ينعتونه بالجيش هو حام للوطن أو مسلّمه للاحتلال؟ انه يتعاون مع الاحتلال ضدّ الوطن. ثم لنصل إلى الشرطة، هل الشرطة الآن التي يعدّونها في جراب الاحتلال هي في خدمة الشعب العراقي أم في خدمة الاحتلال؟ الجميع يعلم أنها في خدمة المحتل فهم ينقلون معلومات عن المقاومة للاحتلال نعم هناك أبرياء اضطرّتهم مصاعب الحياة للعمل، لكن ثقي يا سيدتي نحن العراقيون، ربما نكاد نكون من الشعوب القليلة التي تعرف الناس بعضها البعض أكثر مما يتصوره عنا الآخرون من الخارج، نحن نعرف من هو الوطني ومن هو غير الوطني.
اما استهداف الكنائس والمساجد والشوارع والأسواق، فهذه عمليات لا تخرج عن نطاق «الموساد» المتمركز في الشمال (المنطقة الكردية) والمخابرات لدولة اقليمية و20 ألف مرتزق أتوا مع الاحتلال. على العكس من ذلك، المقاومة تعمل بدقة وبتنظيم محكم، وفي كثير من الأحيان تتراجع عن عمليات، لما يتجمهر عراقيون لسبب أو لآخر... المقاومة قامت وتقوم من أجل الشعب العراقي وضد الاحتلال، فكيف يمكن تصور أذى منها نحو الشعب؟
* سأعود بك، سيد عوني، إلى يوم 9 أفريل 2003، لتفسّر لنا المشهد الذي طالعنا على الشاشات، بوصفك ضابطا في الجيش وبوصفك سياسيا لا تنتمي إلى حزب حكم العراق قبل تلك اللحظة ما الذي حدث، يومها، ولماذا هذا الدخول السهل للأمريكان بعد معارك بطولية في «أم قصر» و»الناصرة» وغيرهما. فالجدل لا يزال متواصلا ولا يهدأ إلى اليوم من هول ما حصل وما تفاجأنا به؟
ولا يزال الجدل قائما ولا أحد يملك الحقيقة كاملة... لكن كوني زرت العراق قبل الاحتلال، فإن المعادلة التي كانت أمام القيادة، ونقلتها إلينا بالحرف، هي ان معركة تقليدية لا يمكن أن تحقّق نصرا... فأيّ معركة نظامية ستفشل. لكن هل يعني هذا أن لا نقاتل؟ للأمانة أقول، إن الجيش العراقي قرّر أن يقاتل الى آخر طلقة. أما بغداد للأسف سيّدتي، نتذكّر، أن الحرب توقفت قبل 30 كلم من بغداد، ولمدّة 48 ساعة، كانت التصريحات واضحة وصريحة: بوش يقول إنهم (الأمريكان) يحتاجون الى 120 ألف جندي اضافي، لاقتحام بغداد، لأن أم قصر وحدها أخذت 15 يوما من المقاومة العنيدة ضد الغزاة.. وهم يعرفون أن بغداد تحيط بها خنادق صعب تجاوزها.. لهم معلومات في ذلك (الأمريكان). إذن خلال 48 ساعة بدأت التحرّكات حثيثة وسريعة، من مصر وتركيا وكاليفورنيا... باتجاه بغداد لاقتحامها. المفاجأة إذن أن يدخلوا (دخلوا) بغداد بلا مقاومة.
وهنا تُطرح سيناريوهات متعدّدة، أنا أميل الى واحدة منها: «كولن باول» قال حضّرنا للقنبلة الذرية في العراق. وقد كان متوقّعا أن يُحسم أمر الحرب في العراق على طريقة يوغسلافيا مثلا، أي أن يبدأ القصف الجوّي ثم يليه الهجوم البرّي.. لكن ما حصل هو أن الأمريكان قاموا بالأمرين بالتزامن: القصف الجوي معه تقدّم للقطاعات البريّة. يعني الخطة الأمريكية جاءت خلافا لما كان متوقّعا من المحلّلين.. وليس من القيادة العراقية...
أنا من جهتي ولما رأيت الأمريكان تطأ أقدامهم «أم قصر» قلت لمن حولي: علينا أن نستعدّ لما بعد الاحتلال. طبعا قالوا لي في فزع: كيف تقول هذا. قلت لهم: ما دام الجيش الأمريكي حطّ رجله في أرض العراق، فهذا يعني أنهم لن يخرجوا.
اقرُني مع هذه المعلومات والحقائق ما نقله السفير الروسي عن الأمريكان للقيادة العراقية: إذا لم تستسلم بغداد سنستعمل القنبلة الذرية. وللحقيقة هنا لا بدّ من التذكير بأن الأمريكان استعملوا الذرّي في معركة المطار. كانوا يستعملون صواريخ لما تقع على الدبابة على بعد قليل من الأمتار تصهرها، وإذا وقعت على بعد 10 أمتار منها تفكّكها أشلاء! إذن وفق هذا التهديد الجاد من الأمريكان، وجد الجيش العراقي أن ليس هناك امكانية للمواجهة فانتقلوا (الجيش) الى المرحلة الثانية.
اليوم، يا سيّدتي، تسمعين عن عبوة ناسفة توضع بجانب الطريق بالشارع والدبابة التي تزن 50 طنا تشاهدينها على الشاشات وفي الصور مقلوبة ومفكّكة أشلاء.. هذا ليس فعل أحزاب سياسية مقاومة مثلما حصل في «كوبا» و»الجزائر».. هذا شغل جيش نظامي.. أنا ضابط جيش هندسة وأعرف ماذا أقول. فحتى تتعطّل دبابة يجب أن تمرّ الدبابة فوق اللغم وعندما تمرّ، فلا يحدث لها ما نراه يقع لدبابات الاحتلال والارتال عبر الشاشات. أما كضابط هندسة، أرى دبابة تنفجر على بعد 10 أمتار من رتل يتحوّل الى أشلاء، فهذا شغل بحث وشغل جيش له قاعدة علمية للتطوير...
شبكة البصرة
الاثنين 24 رجب 1426 / 29 آب 2005
يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
هو «ماركسي لينينيّ»
اومازالت هذه الافكار البالية تسري بيننا!!!!!!!!