منصور بالله
27-08-2005, 11:24 AM
إنحراف السهام والأقلام
بقلم : محمود شنب
mahmoudshanap@yahoo.com
mahmoudshanap@hotmail.com
عندما استمعت إلى البرنامج الإنتخابى للرئيس مبارك وخطابه الشهير فى شبين الكوم تذكرت المثل الشعبى القائل : "أسمع كلامك أصدقك .. أشوف أمورك أتعجب" ، فكلام الرئيس يخالف كل ما فعله فينا على مدى ربع قرن .. إنه يعدنا بإصلاح الخراب الذى كان السبب الرئيسى فيه ، فراح يعدنا بإقامة مجتمع عصرى متطور بعد أن سلب من عيوننا النوم وجعلنا أضحوكة العالم ، فأى مجتمع عصرى هذا الذى يعدنا به فى ظل المرض والعجز والبطالة التى ألمت بالبلاد وكان السبب الرئيسى فيها ؟!!
ربما يقصد بالمجتمع العصرى ما تم مؤخرًا فى أحد فنادق القاهرة من إقامة حفل زفاف لرجلين "شاذين" وكذلك حربه الضروس على أصحاب اللحى والمحجبات من أجل إقامة مجتمع عصرى منفلت لا مكان فيه لأى شكل من أشكال التخلف الذى جلبه الإسلام !!
بعد ذلك يحدثنا الرئيس عن ضرورة الفصل بين سلطات الدولة الثلاث واعدًا بإستقلال كل منهم ، وهو الذى جعلها "سَـلـَطه" ومكن السلطة التنفيذية من رقاب كل من يعيش على أرض الوطن مما دعى المستشار يحيى الرفاعى شيخ القضاه لتقديم استقالته ، ودفع بالقضاه لإعلان غضبتهم ومقاطعتهم الإشراف على أى انتخابات قادمة إن لم يتحقق استقلالهم واشرافهم الكامل على ما يقومون به من عمل ... إن فصل السلطات الذى يعدنا به مبارك هو نوع من ضرب الخيال ولا يمكن حدوثه فى ظل حكم شمولى يملك فيه رئيس الجمهورية مفاتيح كل شئ .
لقد نشرت جريدة الأهرام المصرية دراسة عن مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية عام 1986 أوضحت فيه حقيقة السلطات المطلقة لرئيس الجمهورية وقالت الدراسة بالحرف الواحد : ( لقد احتكر رئيس الجمهورية حق التفكير للمجتمع وتحديد اختيارته ) !!
ثم يأتى الرئيس ـ من أجل فترة رئاسة أخرى ـ ليحدثنا عن ضرورة إقامة اقتصاد متقدم لا يعانى من التخلف أو الركود فى الوقت الذى دمر فيه أسس ودعائم الإقتصاد المصرى عن بكرة أبيه ..
ويستطرد الرئيس فى برنامج الأحلام الذى يتبناه ضرورة إقامة انتخابات حرة ونزيهة وضرورة بناء مجتمع يأمن فيه المواطن على عرضه وعمله واعدًا الشعب بحل مشاكل البطالة والسكن والأسعار والمواصلات والعلاج والدروس الخصوصية .... إلى آخر هذه القائمة التى لم تكن فى بؤرة اهتماماته فى يوم من الأيام .
يقول تعالى فى سورة الصف : (( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ ـ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ )) .
لقد استعار الرئيس مبارك برامج المعارضة وحاول ـ شأنه شأن غيره ـ المتاجرة بآلام الشعب وهمومه وهو المسئول الأول عن كل ما أصابنا من تخلف وأمراض وضياع وهوان ... إنه الحاكم الذى جلب الخراب لمصر فى شتى المجالات وكان السبب الحقيقى وراء كل ما أصاب الأمة من ترهل وتعفن وسقوط وضعف وفقر ومرض .
وإننى لأعجب ـ أشد العجب ـ من كل كاتب ومفكر يلقى باللوم على حاشية الرئيس وترزية القوانين ولا يصوب سهام نقده تجاه مبارك !!
كيف ذلك وكل من فى الدولة يأتمر بأمر مبارك ويعمل على تنفيذ مطالبه وتوجيهاته ؟!!
فى الفترة الأخيرة سمعنا كثيرًا عن ترزية القوانين وعن أناس يحرفون كلام مبارك عن مواضعه وخدعنا أنفسنا وخدعنا الآخرين بالكلام عن ترزية القوانين وبرأنا ساحة مبارك من كل عيب وسوء وعلقنا مصائبنا على شماعة الآخرين قائلين أن ترزية القوانين هم الذين أفرغوا كل مبادرات مبارك الرامية إلى الإصلاح .
يا أيها الساده ... علينا أن نذكر دائمًا أن حاكمنا الأسطورى ليس بأبله ولا مجنون حتى يشاهد أفعاله وأقواله تسير فى عكس ما يريد ثم لا يغضب ولا يثور ولا يتدخل لفرض مقاصده ونواياه !!
كيف يقبل مبارك تحريف قراراته إن لم يكن يريدها كذلك ؟!!
هل من المعقول أن يعلن مبارك وسط مساعديه أنه ينوى الطيران إلى شرم الشيخ فيجد نفسه محلقـًا بطائرته فى سماء الصعيد ثم لا يغضب ولا يعترض ؟!!
هل من المعقول أن يعلن مبارك عن مبادرات إصلاح يراها عند التنفيذ وقد تحولت إلى مبادرات فساد ثم لا يثور ولا يتحرك ؟!!
لو كان مبارك صادقا فى توجهاته لتخلص أولا من أعداء الشعب وقام بتسريح حرسه القديم وإعفاء كل الخونه من مناصبهم ..
لو كان صادقا فى الإصلاح ما أبقى على فرد واحد من أفراد عصابته التى ترافقه كظله وتحيط به من كل جانب ..
لو كان صادقا لغير الوجوه الكالحة شديدة السواد واستبدلها بوجوه صالحة شديدة النقاء ..
لو كان صادقا لمحى من الوجوه اسم صفوت الشريف وكمال الشاذلى وفتحى سرور وبطانة السوء التى تلتف من حوله ..
كيف يبنى المجد من تفنن فى الهدم ونشر الخراب ، وكيف يرعى بيوت الله من عاش عمره يرعى بيوت الشواذ ، وكيف يهتم بالعدل من أفنى حياته فى أوكار اللصوص ؟!!
إن مبارك يعد بمثابة الراعى الرسمى للفساد فى مصر ، وإعادة انتخابه لولاية حكم خامسة ستكون وبالا على كل الشرفاء ودمارًا على شعب مصر والأمة العربية والإسلامية .
إن مبارك لا يهمه شئ قدر ما يهمه رضا أمريكا ، ولا تهمه القدس بقدر ما تهمه شرم الشيخ ، ولا يهمه الشعب بقدر ما تهمه عصابة السوء ، ولا يهمه الدين بقدر ما يهمه البقاء فى الحكم .
إن مبارك يمثل هدية السادات القذرة التى ضمن بها استمرار مشروعه المدمر بعد أن جلب اليهود إلى مصر وجلب مبارك إلى الحكم .
لقد جعل مبارك شرم الشيخ عاصمة للخلافة الغربية وجلس على كرسى الحكم يأخذ من واشنطن ويعطى ترزية القوانين ، وعلينا ألا نسقط فى الفخ مثلما سقط الآخرون ونلقى بسهام النقد بعيدًا عن الهدف ...
مبارك هو أساس كل بلاء ودمار ...
مبارك هو الكارثة الحقيقية التى تواجه البلاد ...
على كل كاتب حر ومفكر شريف أن يعلن عن ذلك بوضوح ولا يشارك فى حملة الزيف التى تعمل على تغييب الوعى ونشر الزيف والترويج للأكاذيب ... مبارك هو المرض الذى أصاب الجسد الإسلامى وترزية القوانين هم أعراض المرض فكيف نترك المرض ونبحث فى الأعراض ؟!!
مصيبتنا ليست فى ارتفاع حرارة الجسد وإنما فى أسباب المرض .. مصيبتنا ليست فى الإغماءات المتكررة التى تصيب الأمة وإنما فى المرض الكامن الذى يجرى فى شرايينها .
شغلتنا مشاكلنا الداخلية عن مشاكلنا الخارجية واستدرجت الأقلام الشريفة للوقوف فى خنادق غير التى كانت تقف فيها ، وأفرغنا الجهد فى ما هو أدنى قيمة وأقل منزلية ، فتركنا الجهاد من أجل الرفاهية ، وتركنا الحقوق من أجل السلام ، وتركنا قول الحق مخافة بطش الباطل حتى اتسعت دائرة الخلل وتعاظمت جراح الأمة .
نبتسم فى وجه الأجارم من أجل أن يرضوا عنا حتى لو كانوا على باطل ، ونفعل فى كل يوم الشئ ونقيضه ... نغدو مع الحق ونعود مع الباطل ، ونبحث عن الشرف فى بيوت الدعارة ، وعن الدُرر فى أكوام القمامة ، ونطلب من الذئب الأمان ومن الجور العدل ومن اللصوص الحماية ، ونتسول الديمقراطية فى بلاد كل ما فيها زائف وباطل ، والذى يرينا الأمل فى الصباح يرينا اليأس فى المساء ..
نرمى بالنقد الوزراء ونبرئ ساحة الرؤساء .. لم نمل من قول "ن الرئيس لا يعلم ولو علم سيكون له موقف آخر" ونحن ندرك تمام الإدراك أن الرئيس يعلم كل شئ وأنه أساس كل بلاء وأن كل شئ يتم بمعرفته .
على من نضحك إن كنا نضحك فنحن نضحك على أنفسنا ونرشى بالتغافل ضمائرنا ، ونصوب سهامنا بعيدًا عن الهدف من أجل بقاء مصالحنا واستمرار دعوتنا ..
الأستاذ مصطفى بكرى يعد واحدًا من أشهر كتاب المانشتات الصحفية التى تهاجم النظام ، ويكاد لا يخلو عدد واحد من جريدته من المقالات والتحقيقات النارية التى تهاجم النظام وتحرج السلطات وتسبب لكل رموز الدولة العديد من المشاكل والمضايقات ، وعلى الرغم من كل ذلك نشاهد الأستاذ مصطفى بكرى يدافع عن الرئيس مبارك ـ المسئول الأول عن كل ما أصابنا ـ مدعيًا أن الرئيس لا يعلم بالكثير مما يحدث فى البلاد ، ويغضب كثيرًا ممن يتعدى على الرئيس مبارك بالتصريح أو التلميح ، وفى مقاله الصادر فى العدد 419 فى 4/4/2005 كتب يقول : ( إننا نختلف مع الرئيس مبارك ونحاوره ونرفض العديد من مواقفه ولكن فى اطار الاحترام ، أما الإهانة وقلة الحياء التى نصنعها هذه الأيام بطريقة تسئ إلى صورة المصريين فهذا أمر مرفوض ..... ) .
وفى نفس الجريدة ولكن فى العدد 429 كتبت الأستاذة سناء السعيد تبرئ ساحة الرئيس مما يحدث فى كثير من المواقف قائلة : ( يرد الحديث عن رجال حول الرئيس ممن أفسدوا ما تداركه الرئيس وأراد إصلاحه ، ويكاد المرء يقسم بالله لو أن الرئيس ألغى المادة 76 من الدستور وعدلها بما كانت واردة به قبل أن تفرغها الحاشية من مضمونها لما نجح أحد سوى الرئيس مبارك بدون لف أو دوران .. والسبب مواقفه وإنجازاته الكثيرة التى تسحب له ، لذلك تولد انطباع مفاده أن الحاشية هى التى تسئ إليه ) .
وفى جريدة آفاق عربية يحدثنا الأستاذ عطيه النعمانى عن عدم كفاءة من تقدموا للترشيح لمنصب رئيس الجمهورية مدعيًا أن ترزية القوانين نجحوا فى إبعاد الجادين والنابهين عن مجرد التفكير للترشيح لأعلى منصب فى مصر ... وهو محق فى ذلك ، ولكن من الخطأ أن ينسب ذلك إلى ترزية القوانين وليس إلى الرئيس مبارك ، فالرئيس مبارك بوضعه الحالى وما جلبه إلى البلاد من خراب ودمار لا يتحمل أن ينافسه فى معركة الرئاسة إلا أشباه الرجال ... الأمر أشبه بما يحدث فى أفراح الأرياف ، حيث يتعمد أهل العروس الدميمة ألا يجلس إلى جوارها من الفتيات إلا من هم أسوأ منها قبحًا حتى لا تظهر الفتيات الجميلات دمامة العروس ..... يخالفنا الأستاذ عطيه نعمان فى ذلك ويبرئ ساحة الرئيس قائلاً : ( أعتقد أن الرئيس مبارك نفسه كان يود أن يكون جميع المتقدمين على مستوى عالى جدًا من الكفاءة وليترك للشعب الكلمة الأخيرة فى النهاية ، ولكن حزب أصحاب المصالح وترزية الحكومة أفرغوا مبادرة الرئيس من مضمونها واستطاعوا أن يجعلوا من عملية الترشيح مجرد ديكور ديمقراطى ) .
حتى الأستاذ فاروق جويده المشهود له بمواقفه الوطنية والأخلاقية النبيلة كتب مدافعًا عن الرئيس مبارك فى أهرام 15/4/2005 قائلاً : ( إننى أشعر بضيق شديد عندما أجد قلمًا يتجاوز حدود اللياقة ولا أقول الأدب وهو يخاطب رمزًا من الرموز التى تحتل مكانة خاصة فى نفوسنا .. وعلى سبيل المثال فإن رئاسة الدولة فى مصر ليست منصبًا سياسيًا فقط وليست مقرًا لرئاسة الجمهورية وليست شخص الرئيس ولكنها قبل ذلك كله تمثل رمزًا لكل المصريين سواء اتفقنا معه أو اختلفنا .. إننى هنا أتحدث عن بعض الكتابات التى لا تدرك حدود المخاطبة وتترك الحبر يسيل على الأوراق بقعًا سوداء بلا مسئولية .. إننا نختلف مع الرئيس حسنى مبارك فى أشياء والرجل لم يقصف قلمًا ولم يعتدى على حرية كاتب ولم يصادر فكرًا حتى ولو عارضه وهنا ينبغى بل يجب أن يكون الكلام على مستوى المقام ) .
ألا يعلم كل كاتب أن الحق لا يمكن أن يأتى عن طريق الباطل وأن العدل لا يمكن أن يسود إذا ما أغمضنا العين عن بعض المظالم ، وأن الذى يضرب ضربة هنا وأخرى هناك لا يمكن أن يحقق شئ هنا أو هناك ويصبح شأنه شأن فيصل القاسم الذى يعيش ما بين المتناقضات فى برنامجه "الإتجاه المعاكس" يحمس هذا على ذاك ويشجع الأبيض على الأسود حينـًا من الوقت ثم الأسود على الأبيض باقى الوقت إلى أن ينتهى كل شئ دون أن نصل إلى أى شئ ... قناة الجزيرة ترينا الحق المزيف المسموح به من أجل أن نغمض العين عن الحق الحقيقى المراد طمسه وتغييبه ، فمثلا فى الوقت الذى نراها فيه تدافع عن القضية الفلسطينية نراها قد حسمت الأمور بطريقة فعلية وكتبت إسم إسرائيل على كل خرائط نشراتها الاخبارية ولم يعد هناك مكان لكلمة فلسطين على أى جزء من هذه الخرائط التوضيحية ، ولا يمكن لأمر مثل هذا أن يحدث بطريقة عفوية ، فلكل فعل هدف ولكل موقف غاية ، ومن خلال الخبر الصغير نحصد الهم الكبير ، وما قدمته قناة الجزيرة لإسرائيل فى هذه النقطة بالذات يفوق كل ما قدمته أمريكا لإسرائيل ... فأمريكا فعلت فينا كل شئ لكنها فشلت فى أن تمحو من عقائدنا كلمة فلسطين ... الجزيرة فعلت ذلك وبمنتهى الخبث والدهاء ، وهذا الأمر يعدل كنوز الدنيا لدى الصهاينة ، ولو لم تقدم قناة الجزيرة لإسرائيل غير هذه الخدمة لكان هذا الفعل شافيا وكافيًا إلى أبد الآبدين .
شئ صغير لكن مدلوله كبير .. إنه أشبه بالخبر الصاعقة الذى يستمد قوته من مدلوله وليس حجمه .. الحدث أشبه بلافتة صغيرة وجدتها فى الصباح معلقة على باب بيتك مكتوب عليها اسم غيرك فيما يوحى للجميع بنقل ملكية بيتك إلى هذا الغير ، والأمر يزداد ألمًا إذا كان هذا الغير عدوك .
إننا لم نتحمل كتابة اسم العراق على الكويت لحظة واحدة وشاركنا أمريكا فى إسقاط اللافتة وإعادة الكويت إلى أهله ، لكننا اليوم عاجزون عن إنزال لافتة أمريكا من فوق أرض العراق أو الكويت وإعادتهم إلى عروبتنا .
نفعل الشئ ونقيضه .. ننشر أخبار الإنتفاضة من تحت لافتة إسرائيل ، ونستضيف من يحدثنا عن القضية ومن خلفه خريطة إسرائيل .
وعلى المستوى المحلى نجد أنه فى الوقت الذى تفعل فيه مباحث أمن الدولة المصرية كل ما هو غريب وإجرامى وشاذ فى حق جماعة الإخوان المسلمون حيث القتل الذى كان آخر ضحاياه "الغنام" والتنكيل الذى تعرض له قادة الجماعة ورموزها الأخيار وسجن واعتقال الآلاف من أعضاءها بعد استباحة حرمة البيوت وسرقة وتدمير محتوياتها .... تنشر آفاق عربية على صدر صفحتها السابعة من العدد 712 فى 9/6/2005 خبرًا صغيرًا لا يقل أثره عن الأثر الذى أحدثه وضع إسم إسرائيل على خريطة "الجزيرة" عنوان الخبر يقول : "عزاء لرئيس مباحث أمن الدولة" وفيه يقول الكاتب محمد عبدالقدوس : ( خالص العزاء أقدمه للواء حسن عبدالرحمن ـ رئيس جهاز أمن الدولة ومساعد وزير الداخلية ـ فى وفاة والده ، وعلمت أن الإخوان المسلمين بقيادة مرشدهم محمد مهدى عاكف قاموا بواجب التعزية رغم رفضهم المطلق لسياسة أمن الدولة تجاه الجماعة ، لكننا تعلمنا من إسلامنا الجميل أهمية العلاقات الإنسانية مع غيرنا حتى ولو اختلفنا معهم ) .
أى فعل هذا وأى تفكير ؟!!
وهل الذى بين الإخوان والنظام كان مجرد خلاف فى الرأى أم انه خلاف فى التوجه والعقيدة والفكر والإيمان ؟!!
ومن قال أن إسلامنا الجميل يدعونا لمثل هذه العلاقات الآثمة ؟!!
وما الذى بقى من مظاهر الولاء والبراء إذا ذهبت الضحية إلى معاقل الإجرام لتشد على أيادى الأجارم وتعيش مصابهم وتجبر لوعتهم ؟!!
كيف يضع المرشد العام للإخوان المسلمين يده الطاهرة فى يد من زج بالأبرياء فى السجون وسمح بتعذيبهم وإهانتهم ومطاردتهم وترويع أطفالهم ونساءهم ؟!!
كيف يضع يده فى يد من يكيد صباح مساء للإسلام ويطارد كل من ينتمى لجماعة تدعو لمكارم الأخلاق ؟!!
كيف يضع يده فى يد ملوثة بدماء طارق غنام ؟!!
كيف يضع يده فى يد من رد المسيحيات اللاتى أسلمن إلى الكنيسة ليحلق لهن شعرهن ويذقن أشد أنواع العذاب ؟!!
كيف يضع يده فى يد من هو على رأس أشد الأجهزة إجرامًا فى الدولة والمسئول الأول عن كل ما يحدث من جرائم وفظائع فى حق الأبرياء ؟!!
يقول تعالى : (( وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ )) .
المسألة ليست مباراة فى التنس أو كرة القدم يخرج بعدها المتنافسون أحبابًا .. إننا أمام قضايا إيمانية لا تعرف أنصاف الحلول فإما كفر وإما إيمان .
وعزاء "المرشد" للسجان لن يشفع لجماعة الإخوان ولن يخفف القبضة الأمنية عن من فى السجون كما أنه لن يغير من المواقف أبدًا ولن يدعو لمراجعة الحسابات .
لقد حمل المتظاهرون من جماعة الإخوان المسلمين الورود والشيكولاته ليقدموها لرجال الأمن أثناء تظاهراتهم الأخيرة ، فهل شفع لهم هذا السلوك الحضارى والأدب الرفيع فى تعاملهم مع هذا الصنف من البشر ؟!!
لو حملت الشاه أحد أبناءها وقدمته قربانـًا إلى الذئب من أجل العيش فى أمان وعدم الاعتداء .. هل سيمنع هذا الفعل الذئب من الاعتداء على الشاه أو باقى القطيع ؟!!
والشئ الذى لا يلتفت إليه الكثير من القراء أن للنفاق أشكالا عديدة قد تختلط فى أمور كثيرة دون أن نشعر به لأن فواصل الأشياء المتناقضة قد تكون مثل شعرة الرأس ، فيدخل النفاق فى المجاملة ويدخل الكذب فى الممازحة وتدخل المداهنة فى التعظيم ويدخل الرياء فى التكريم ... حتى العبادات قد تصبح حسب نية صاحبها نوع من الكذب والنفاق ـ أعاذنا الله من كل ذلك ـ ويسقط الكاتب دون أن يدرى إذا انتقد الحاكم فى عدة مقالات ثم أثنى عليه فى مقال ، ويسقط أكثر إذا صور للناس ان الحاكم يفعل الصواب لكن حاشيته هى التى تفعل الخطأ ، مثلما حدث فى تغطية الكثير من الكتاب لأحداث تعديل المادة 76 من الدستور ، لأن هذا نوع من الزيف الذى لا يليق بكاتب محترم يفسر من خلاله الأحداث أو يزيف به الواقع ، فالرئيس مبارك إن لم يكن على هواه ما يحدث ما قبله أبدًا ، ولو جاء التعديل على غير ما كان يهدف ما صمت على هذا الفعل ، وكل كاتب صادق مع نفسه ومع قارئه يدرك تمام الإدراك أن الحاشية التى تحيط بالحاكم لا تفعل إلا ما يريده الحاكم منها ، ولذلك فإن تحرك الحاشية دائمًا يأتى فى اتجاه حركة الرئيس ولا يأتى أبدًا إلا بعد قرار وتوجيه الحاكم ، فمثلا لم تطلب السلطة الدستورية أو التشريعية تعديل المادة 76 من الدستور من قبل أن يطالب بها مبارك ، وهذا ما يحدث فى كل الأمور ، وهذا شئ مخجل ومؤسف لأن ذلك يعد من أهم مظاهر الحكم الشمولى فى البلاد ، فلا سلطات ولا قرارات ولا توجهات ولا أفكار ولا مقترحات ولا توصيات ولا اضافة ولا تعديل إلا بأمر الرئيس ثم يأتى التفصيل بعد ذلك وفق ما يهوى الرئيس ... فى مثل هذه الأمور لا يصح أن يقول الكاتب أن الحاكم أراد الصواب وحاشيته هى التى فعلت الخطأ .
... فى كل شئ لا يصح إلا الصحيح ، ومسرحية الانتخابات التى تجرى الآن لن تجد من يشارك فى إنجاحها إلا المستفيدون من النظام ، أما الشعب فقد أغلقت كل الأبواب فى وجهه بعدما فقد الثقة فى كل ما حوله .
يقول الأستاذ فاروق جويده فى أهرام 29 أبريل 2005 : ( المواطن المصرى دخل فى غيبوبة سياسية لذيذة ابتعد فيها عن العمل السياسى ابتداء بصوته فى الانتخابات وانتهاء بهمومه اليومية التى جعلت التفكير مجرد التفكير فى النشاط السياسى رفاهية لا يقدر عليها أحد ... منذ سنوات طويلة نسى المصريون العمل السياسى ابتداء بالجامعات التى حرمته على أبنائها وانتهاء بالنقابات المهنية ولم يعد فى الساحة غير الحزب الوطنى بالوجوه نفسها التى لم تتغير ) .
... وللحديث بقية .
بقلم : محمود شنب
mahmoudshanap@yahoo.com
mahmoudshanap@hotmail.com
عندما استمعت إلى البرنامج الإنتخابى للرئيس مبارك وخطابه الشهير فى شبين الكوم تذكرت المثل الشعبى القائل : "أسمع كلامك أصدقك .. أشوف أمورك أتعجب" ، فكلام الرئيس يخالف كل ما فعله فينا على مدى ربع قرن .. إنه يعدنا بإصلاح الخراب الذى كان السبب الرئيسى فيه ، فراح يعدنا بإقامة مجتمع عصرى متطور بعد أن سلب من عيوننا النوم وجعلنا أضحوكة العالم ، فأى مجتمع عصرى هذا الذى يعدنا به فى ظل المرض والعجز والبطالة التى ألمت بالبلاد وكان السبب الرئيسى فيها ؟!!
ربما يقصد بالمجتمع العصرى ما تم مؤخرًا فى أحد فنادق القاهرة من إقامة حفل زفاف لرجلين "شاذين" وكذلك حربه الضروس على أصحاب اللحى والمحجبات من أجل إقامة مجتمع عصرى منفلت لا مكان فيه لأى شكل من أشكال التخلف الذى جلبه الإسلام !!
بعد ذلك يحدثنا الرئيس عن ضرورة الفصل بين سلطات الدولة الثلاث واعدًا بإستقلال كل منهم ، وهو الذى جعلها "سَـلـَطه" ومكن السلطة التنفيذية من رقاب كل من يعيش على أرض الوطن مما دعى المستشار يحيى الرفاعى شيخ القضاه لتقديم استقالته ، ودفع بالقضاه لإعلان غضبتهم ومقاطعتهم الإشراف على أى انتخابات قادمة إن لم يتحقق استقلالهم واشرافهم الكامل على ما يقومون به من عمل ... إن فصل السلطات الذى يعدنا به مبارك هو نوع من ضرب الخيال ولا يمكن حدوثه فى ظل حكم شمولى يملك فيه رئيس الجمهورية مفاتيح كل شئ .
لقد نشرت جريدة الأهرام المصرية دراسة عن مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية عام 1986 أوضحت فيه حقيقة السلطات المطلقة لرئيس الجمهورية وقالت الدراسة بالحرف الواحد : ( لقد احتكر رئيس الجمهورية حق التفكير للمجتمع وتحديد اختيارته ) !!
ثم يأتى الرئيس ـ من أجل فترة رئاسة أخرى ـ ليحدثنا عن ضرورة إقامة اقتصاد متقدم لا يعانى من التخلف أو الركود فى الوقت الذى دمر فيه أسس ودعائم الإقتصاد المصرى عن بكرة أبيه ..
ويستطرد الرئيس فى برنامج الأحلام الذى يتبناه ضرورة إقامة انتخابات حرة ونزيهة وضرورة بناء مجتمع يأمن فيه المواطن على عرضه وعمله واعدًا الشعب بحل مشاكل البطالة والسكن والأسعار والمواصلات والعلاج والدروس الخصوصية .... إلى آخر هذه القائمة التى لم تكن فى بؤرة اهتماماته فى يوم من الأيام .
يقول تعالى فى سورة الصف : (( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ ـ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ )) .
لقد استعار الرئيس مبارك برامج المعارضة وحاول ـ شأنه شأن غيره ـ المتاجرة بآلام الشعب وهمومه وهو المسئول الأول عن كل ما أصابنا من تخلف وأمراض وضياع وهوان ... إنه الحاكم الذى جلب الخراب لمصر فى شتى المجالات وكان السبب الحقيقى وراء كل ما أصاب الأمة من ترهل وتعفن وسقوط وضعف وفقر ومرض .
وإننى لأعجب ـ أشد العجب ـ من كل كاتب ومفكر يلقى باللوم على حاشية الرئيس وترزية القوانين ولا يصوب سهام نقده تجاه مبارك !!
كيف ذلك وكل من فى الدولة يأتمر بأمر مبارك ويعمل على تنفيذ مطالبه وتوجيهاته ؟!!
فى الفترة الأخيرة سمعنا كثيرًا عن ترزية القوانين وعن أناس يحرفون كلام مبارك عن مواضعه وخدعنا أنفسنا وخدعنا الآخرين بالكلام عن ترزية القوانين وبرأنا ساحة مبارك من كل عيب وسوء وعلقنا مصائبنا على شماعة الآخرين قائلين أن ترزية القوانين هم الذين أفرغوا كل مبادرات مبارك الرامية إلى الإصلاح .
يا أيها الساده ... علينا أن نذكر دائمًا أن حاكمنا الأسطورى ليس بأبله ولا مجنون حتى يشاهد أفعاله وأقواله تسير فى عكس ما يريد ثم لا يغضب ولا يثور ولا يتدخل لفرض مقاصده ونواياه !!
كيف يقبل مبارك تحريف قراراته إن لم يكن يريدها كذلك ؟!!
هل من المعقول أن يعلن مبارك وسط مساعديه أنه ينوى الطيران إلى شرم الشيخ فيجد نفسه محلقـًا بطائرته فى سماء الصعيد ثم لا يغضب ولا يعترض ؟!!
هل من المعقول أن يعلن مبارك عن مبادرات إصلاح يراها عند التنفيذ وقد تحولت إلى مبادرات فساد ثم لا يثور ولا يتحرك ؟!!
لو كان مبارك صادقا فى توجهاته لتخلص أولا من أعداء الشعب وقام بتسريح حرسه القديم وإعفاء كل الخونه من مناصبهم ..
لو كان صادقا فى الإصلاح ما أبقى على فرد واحد من أفراد عصابته التى ترافقه كظله وتحيط به من كل جانب ..
لو كان صادقا لغير الوجوه الكالحة شديدة السواد واستبدلها بوجوه صالحة شديدة النقاء ..
لو كان صادقا لمحى من الوجوه اسم صفوت الشريف وكمال الشاذلى وفتحى سرور وبطانة السوء التى تلتف من حوله ..
كيف يبنى المجد من تفنن فى الهدم ونشر الخراب ، وكيف يرعى بيوت الله من عاش عمره يرعى بيوت الشواذ ، وكيف يهتم بالعدل من أفنى حياته فى أوكار اللصوص ؟!!
إن مبارك يعد بمثابة الراعى الرسمى للفساد فى مصر ، وإعادة انتخابه لولاية حكم خامسة ستكون وبالا على كل الشرفاء ودمارًا على شعب مصر والأمة العربية والإسلامية .
إن مبارك لا يهمه شئ قدر ما يهمه رضا أمريكا ، ولا تهمه القدس بقدر ما تهمه شرم الشيخ ، ولا يهمه الشعب بقدر ما تهمه عصابة السوء ، ولا يهمه الدين بقدر ما يهمه البقاء فى الحكم .
إن مبارك يمثل هدية السادات القذرة التى ضمن بها استمرار مشروعه المدمر بعد أن جلب اليهود إلى مصر وجلب مبارك إلى الحكم .
لقد جعل مبارك شرم الشيخ عاصمة للخلافة الغربية وجلس على كرسى الحكم يأخذ من واشنطن ويعطى ترزية القوانين ، وعلينا ألا نسقط فى الفخ مثلما سقط الآخرون ونلقى بسهام النقد بعيدًا عن الهدف ...
مبارك هو أساس كل بلاء ودمار ...
مبارك هو الكارثة الحقيقية التى تواجه البلاد ...
على كل كاتب حر ومفكر شريف أن يعلن عن ذلك بوضوح ولا يشارك فى حملة الزيف التى تعمل على تغييب الوعى ونشر الزيف والترويج للأكاذيب ... مبارك هو المرض الذى أصاب الجسد الإسلامى وترزية القوانين هم أعراض المرض فكيف نترك المرض ونبحث فى الأعراض ؟!!
مصيبتنا ليست فى ارتفاع حرارة الجسد وإنما فى أسباب المرض .. مصيبتنا ليست فى الإغماءات المتكررة التى تصيب الأمة وإنما فى المرض الكامن الذى يجرى فى شرايينها .
شغلتنا مشاكلنا الداخلية عن مشاكلنا الخارجية واستدرجت الأقلام الشريفة للوقوف فى خنادق غير التى كانت تقف فيها ، وأفرغنا الجهد فى ما هو أدنى قيمة وأقل منزلية ، فتركنا الجهاد من أجل الرفاهية ، وتركنا الحقوق من أجل السلام ، وتركنا قول الحق مخافة بطش الباطل حتى اتسعت دائرة الخلل وتعاظمت جراح الأمة .
نبتسم فى وجه الأجارم من أجل أن يرضوا عنا حتى لو كانوا على باطل ، ونفعل فى كل يوم الشئ ونقيضه ... نغدو مع الحق ونعود مع الباطل ، ونبحث عن الشرف فى بيوت الدعارة ، وعن الدُرر فى أكوام القمامة ، ونطلب من الذئب الأمان ومن الجور العدل ومن اللصوص الحماية ، ونتسول الديمقراطية فى بلاد كل ما فيها زائف وباطل ، والذى يرينا الأمل فى الصباح يرينا اليأس فى المساء ..
نرمى بالنقد الوزراء ونبرئ ساحة الرؤساء .. لم نمل من قول "ن الرئيس لا يعلم ولو علم سيكون له موقف آخر" ونحن ندرك تمام الإدراك أن الرئيس يعلم كل شئ وأنه أساس كل بلاء وأن كل شئ يتم بمعرفته .
على من نضحك إن كنا نضحك فنحن نضحك على أنفسنا ونرشى بالتغافل ضمائرنا ، ونصوب سهامنا بعيدًا عن الهدف من أجل بقاء مصالحنا واستمرار دعوتنا ..
الأستاذ مصطفى بكرى يعد واحدًا من أشهر كتاب المانشتات الصحفية التى تهاجم النظام ، ويكاد لا يخلو عدد واحد من جريدته من المقالات والتحقيقات النارية التى تهاجم النظام وتحرج السلطات وتسبب لكل رموز الدولة العديد من المشاكل والمضايقات ، وعلى الرغم من كل ذلك نشاهد الأستاذ مصطفى بكرى يدافع عن الرئيس مبارك ـ المسئول الأول عن كل ما أصابنا ـ مدعيًا أن الرئيس لا يعلم بالكثير مما يحدث فى البلاد ، ويغضب كثيرًا ممن يتعدى على الرئيس مبارك بالتصريح أو التلميح ، وفى مقاله الصادر فى العدد 419 فى 4/4/2005 كتب يقول : ( إننا نختلف مع الرئيس مبارك ونحاوره ونرفض العديد من مواقفه ولكن فى اطار الاحترام ، أما الإهانة وقلة الحياء التى نصنعها هذه الأيام بطريقة تسئ إلى صورة المصريين فهذا أمر مرفوض ..... ) .
وفى نفس الجريدة ولكن فى العدد 429 كتبت الأستاذة سناء السعيد تبرئ ساحة الرئيس مما يحدث فى كثير من المواقف قائلة : ( يرد الحديث عن رجال حول الرئيس ممن أفسدوا ما تداركه الرئيس وأراد إصلاحه ، ويكاد المرء يقسم بالله لو أن الرئيس ألغى المادة 76 من الدستور وعدلها بما كانت واردة به قبل أن تفرغها الحاشية من مضمونها لما نجح أحد سوى الرئيس مبارك بدون لف أو دوران .. والسبب مواقفه وإنجازاته الكثيرة التى تسحب له ، لذلك تولد انطباع مفاده أن الحاشية هى التى تسئ إليه ) .
وفى جريدة آفاق عربية يحدثنا الأستاذ عطيه النعمانى عن عدم كفاءة من تقدموا للترشيح لمنصب رئيس الجمهورية مدعيًا أن ترزية القوانين نجحوا فى إبعاد الجادين والنابهين عن مجرد التفكير للترشيح لأعلى منصب فى مصر ... وهو محق فى ذلك ، ولكن من الخطأ أن ينسب ذلك إلى ترزية القوانين وليس إلى الرئيس مبارك ، فالرئيس مبارك بوضعه الحالى وما جلبه إلى البلاد من خراب ودمار لا يتحمل أن ينافسه فى معركة الرئاسة إلا أشباه الرجال ... الأمر أشبه بما يحدث فى أفراح الأرياف ، حيث يتعمد أهل العروس الدميمة ألا يجلس إلى جوارها من الفتيات إلا من هم أسوأ منها قبحًا حتى لا تظهر الفتيات الجميلات دمامة العروس ..... يخالفنا الأستاذ عطيه نعمان فى ذلك ويبرئ ساحة الرئيس قائلاً : ( أعتقد أن الرئيس مبارك نفسه كان يود أن يكون جميع المتقدمين على مستوى عالى جدًا من الكفاءة وليترك للشعب الكلمة الأخيرة فى النهاية ، ولكن حزب أصحاب المصالح وترزية الحكومة أفرغوا مبادرة الرئيس من مضمونها واستطاعوا أن يجعلوا من عملية الترشيح مجرد ديكور ديمقراطى ) .
حتى الأستاذ فاروق جويده المشهود له بمواقفه الوطنية والأخلاقية النبيلة كتب مدافعًا عن الرئيس مبارك فى أهرام 15/4/2005 قائلاً : ( إننى أشعر بضيق شديد عندما أجد قلمًا يتجاوز حدود اللياقة ولا أقول الأدب وهو يخاطب رمزًا من الرموز التى تحتل مكانة خاصة فى نفوسنا .. وعلى سبيل المثال فإن رئاسة الدولة فى مصر ليست منصبًا سياسيًا فقط وليست مقرًا لرئاسة الجمهورية وليست شخص الرئيس ولكنها قبل ذلك كله تمثل رمزًا لكل المصريين سواء اتفقنا معه أو اختلفنا .. إننى هنا أتحدث عن بعض الكتابات التى لا تدرك حدود المخاطبة وتترك الحبر يسيل على الأوراق بقعًا سوداء بلا مسئولية .. إننا نختلف مع الرئيس حسنى مبارك فى أشياء والرجل لم يقصف قلمًا ولم يعتدى على حرية كاتب ولم يصادر فكرًا حتى ولو عارضه وهنا ينبغى بل يجب أن يكون الكلام على مستوى المقام ) .
ألا يعلم كل كاتب أن الحق لا يمكن أن يأتى عن طريق الباطل وأن العدل لا يمكن أن يسود إذا ما أغمضنا العين عن بعض المظالم ، وأن الذى يضرب ضربة هنا وأخرى هناك لا يمكن أن يحقق شئ هنا أو هناك ويصبح شأنه شأن فيصل القاسم الذى يعيش ما بين المتناقضات فى برنامجه "الإتجاه المعاكس" يحمس هذا على ذاك ويشجع الأبيض على الأسود حينـًا من الوقت ثم الأسود على الأبيض باقى الوقت إلى أن ينتهى كل شئ دون أن نصل إلى أى شئ ... قناة الجزيرة ترينا الحق المزيف المسموح به من أجل أن نغمض العين عن الحق الحقيقى المراد طمسه وتغييبه ، فمثلا فى الوقت الذى نراها فيه تدافع عن القضية الفلسطينية نراها قد حسمت الأمور بطريقة فعلية وكتبت إسم إسرائيل على كل خرائط نشراتها الاخبارية ولم يعد هناك مكان لكلمة فلسطين على أى جزء من هذه الخرائط التوضيحية ، ولا يمكن لأمر مثل هذا أن يحدث بطريقة عفوية ، فلكل فعل هدف ولكل موقف غاية ، ومن خلال الخبر الصغير نحصد الهم الكبير ، وما قدمته قناة الجزيرة لإسرائيل فى هذه النقطة بالذات يفوق كل ما قدمته أمريكا لإسرائيل ... فأمريكا فعلت فينا كل شئ لكنها فشلت فى أن تمحو من عقائدنا كلمة فلسطين ... الجزيرة فعلت ذلك وبمنتهى الخبث والدهاء ، وهذا الأمر يعدل كنوز الدنيا لدى الصهاينة ، ولو لم تقدم قناة الجزيرة لإسرائيل غير هذه الخدمة لكان هذا الفعل شافيا وكافيًا إلى أبد الآبدين .
شئ صغير لكن مدلوله كبير .. إنه أشبه بالخبر الصاعقة الذى يستمد قوته من مدلوله وليس حجمه .. الحدث أشبه بلافتة صغيرة وجدتها فى الصباح معلقة على باب بيتك مكتوب عليها اسم غيرك فيما يوحى للجميع بنقل ملكية بيتك إلى هذا الغير ، والأمر يزداد ألمًا إذا كان هذا الغير عدوك .
إننا لم نتحمل كتابة اسم العراق على الكويت لحظة واحدة وشاركنا أمريكا فى إسقاط اللافتة وإعادة الكويت إلى أهله ، لكننا اليوم عاجزون عن إنزال لافتة أمريكا من فوق أرض العراق أو الكويت وإعادتهم إلى عروبتنا .
نفعل الشئ ونقيضه .. ننشر أخبار الإنتفاضة من تحت لافتة إسرائيل ، ونستضيف من يحدثنا عن القضية ومن خلفه خريطة إسرائيل .
وعلى المستوى المحلى نجد أنه فى الوقت الذى تفعل فيه مباحث أمن الدولة المصرية كل ما هو غريب وإجرامى وشاذ فى حق جماعة الإخوان المسلمون حيث القتل الذى كان آخر ضحاياه "الغنام" والتنكيل الذى تعرض له قادة الجماعة ورموزها الأخيار وسجن واعتقال الآلاف من أعضاءها بعد استباحة حرمة البيوت وسرقة وتدمير محتوياتها .... تنشر آفاق عربية على صدر صفحتها السابعة من العدد 712 فى 9/6/2005 خبرًا صغيرًا لا يقل أثره عن الأثر الذى أحدثه وضع إسم إسرائيل على خريطة "الجزيرة" عنوان الخبر يقول : "عزاء لرئيس مباحث أمن الدولة" وفيه يقول الكاتب محمد عبدالقدوس : ( خالص العزاء أقدمه للواء حسن عبدالرحمن ـ رئيس جهاز أمن الدولة ومساعد وزير الداخلية ـ فى وفاة والده ، وعلمت أن الإخوان المسلمين بقيادة مرشدهم محمد مهدى عاكف قاموا بواجب التعزية رغم رفضهم المطلق لسياسة أمن الدولة تجاه الجماعة ، لكننا تعلمنا من إسلامنا الجميل أهمية العلاقات الإنسانية مع غيرنا حتى ولو اختلفنا معهم ) .
أى فعل هذا وأى تفكير ؟!!
وهل الذى بين الإخوان والنظام كان مجرد خلاف فى الرأى أم انه خلاف فى التوجه والعقيدة والفكر والإيمان ؟!!
ومن قال أن إسلامنا الجميل يدعونا لمثل هذه العلاقات الآثمة ؟!!
وما الذى بقى من مظاهر الولاء والبراء إذا ذهبت الضحية إلى معاقل الإجرام لتشد على أيادى الأجارم وتعيش مصابهم وتجبر لوعتهم ؟!!
كيف يضع المرشد العام للإخوان المسلمين يده الطاهرة فى يد من زج بالأبرياء فى السجون وسمح بتعذيبهم وإهانتهم ومطاردتهم وترويع أطفالهم ونساءهم ؟!!
كيف يضع يده فى يد من يكيد صباح مساء للإسلام ويطارد كل من ينتمى لجماعة تدعو لمكارم الأخلاق ؟!!
كيف يضع يده فى يد ملوثة بدماء طارق غنام ؟!!
كيف يضع يده فى يد من رد المسيحيات اللاتى أسلمن إلى الكنيسة ليحلق لهن شعرهن ويذقن أشد أنواع العذاب ؟!!
كيف يضع يده فى يد من هو على رأس أشد الأجهزة إجرامًا فى الدولة والمسئول الأول عن كل ما يحدث من جرائم وفظائع فى حق الأبرياء ؟!!
يقول تعالى : (( وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ )) .
المسألة ليست مباراة فى التنس أو كرة القدم يخرج بعدها المتنافسون أحبابًا .. إننا أمام قضايا إيمانية لا تعرف أنصاف الحلول فإما كفر وإما إيمان .
وعزاء "المرشد" للسجان لن يشفع لجماعة الإخوان ولن يخفف القبضة الأمنية عن من فى السجون كما أنه لن يغير من المواقف أبدًا ولن يدعو لمراجعة الحسابات .
لقد حمل المتظاهرون من جماعة الإخوان المسلمين الورود والشيكولاته ليقدموها لرجال الأمن أثناء تظاهراتهم الأخيرة ، فهل شفع لهم هذا السلوك الحضارى والأدب الرفيع فى تعاملهم مع هذا الصنف من البشر ؟!!
لو حملت الشاه أحد أبناءها وقدمته قربانـًا إلى الذئب من أجل العيش فى أمان وعدم الاعتداء .. هل سيمنع هذا الفعل الذئب من الاعتداء على الشاه أو باقى القطيع ؟!!
والشئ الذى لا يلتفت إليه الكثير من القراء أن للنفاق أشكالا عديدة قد تختلط فى أمور كثيرة دون أن نشعر به لأن فواصل الأشياء المتناقضة قد تكون مثل شعرة الرأس ، فيدخل النفاق فى المجاملة ويدخل الكذب فى الممازحة وتدخل المداهنة فى التعظيم ويدخل الرياء فى التكريم ... حتى العبادات قد تصبح حسب نية صاحبها نوع من الكذب والنفاق ـ أعاذنا الله من كل ذلك ـ ويسقط الكاتب دون أن يدرى إذا انتقد الحاكم فى عدة مقالات ثم أثنى عليه فى مقال ، ويسقط أكثر إذا صور للناس ان الحاكم يفعل الصواب لكن حاشيته هى التى تفعل الخطأ ، مثلما حدث فى تغطية الكثير من الكتاب لأحداث تعديل المادة 76 من الدستور ، لأن هذا نوع من الزيف الذى لا يليق بكاتب محترم يفسر من خلاله الأحداث أو يزيف به الواقع ، فالرئيس مبارك إن لم يكن على هواه ما يحدث ما قبله أبدًا ، ولو جاء التعديل على غير ما كان يهدف ما صمت على هذا الفعل ، وكل كاتب صادق مع نفسه ومع قارئه يدرك تمام الإدراك أن الحاشية التى تحيط بالحاكم لا تفعل إلا ما يريده الحاكم منها ، ولذلك فإن تحرك الحاشية دائمًا يأتى فى اتجاه حركة الرئيس ولا يأتى أبدًا إلا بعد قرار وتوجيه الحاكم ، فمثلا لم تطلب السلطة الدستورية أو التشريعية تعديل المادة 76 من الدستور من قبل أن يطالب بها مبارك ، وهذا ما يحدث فى كل الأمور ، وهذا شئ مخجل ومؤسف لأن ذلك يعد من أهم مظاهر الحكم الشمولى فى البلاد ، فلا سلطات ولا قرارات ولا توجهات ولا أفكار ولا مقترحات ولا توصيات ولا اضافة ولا تعديل إلا بأمر الرئيس ثم يأتى التفصيل بعد ذلك وفق ما يهوى الرئيس ... فى مثل هذه الأمور لا يصح أن يقول الكاتب أن الحاكم أراد الصواب وحاشيته هى التى فعلت الخطأ .
... فى كل شئ لا يصح إلا الصحيح ، ومسرحية الانتخابات التى تجرى الآن لن تجد من يشارك فى إنجاحها إلا المستفيدون من النظام ، أما الشعب فقد أغلقت كل الأبواب فى وجهه بعدما فقد الثقة فى كل ما حوله .
يقول الأستاذ فاروق جويده فى أهرام 29 أبريل 2005 : ( المواطن المصرى دخل فى غيبوبة سياسية لذيذة ابتعد فيها عن العمل السياسى ابتداء بصوته فى الانتخابات وانتهاء بهمومه اليومية التى جعلت التفكير مجرد التفكير فى النشاط السياسى رفاهية لا يقدر عليها أحد ... منذ سنوات طويلة نسى المصريون العمل السياسى ابتداء بالجامعات التى حرمته على أبنائها وانتهاء بالنقابات المهنية ولم يعد فى الساحة غير الحزب الوطنى بالوجوه نفسها التى لم تتغير ) .
... وللحديث بقية .