المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ورطة استمرار الاحتلال ونهج تبرير الانسحاب الأمريكي



الفرقاني
22-08-2005, 10:11 PM
ورطة استمرار الاحتلال ونهج تبرير الانسحاب الأمريكي

د. فؤاد الحاج

قيل وقلنا وسيقال دائماً أن حرب أميركا في العراق ستطول وأنها لن تنتهي كما يشتهي منظرو البنتاغون ولا جنرالاته، وأن دينامية المجتمع الأميركي وتركيبته ستدفع باتجاه التغيير في واشنطن وما ورائها قبل القاهرة والرياض وطهران ودول الخليج العربي المتواطئة.

وإذا كان الحديث عن الحرب التي طال أمدها وارتفعت كلفتها أمريكياً قد عاد مجدداً في أروقة الكونغرس وعلى صفحات الجرائد وشاشات التلفاز في الولايات المتحدة الأمريكية، فإن مرد ذلك هو فشل الماكينة العسكرية الأميركية بعد أكثر من سنتين ونصف السنة على غزو واحتلال العراق في تكريس الاحتلال والدمى الصهيو-أمريكية هناك.

والمتابع لمجريات ما يدور في الكونغرس وفي البنتاغون في واشنطن يجد أن شهادة وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد الفجة أمام لجنة القوات المسلحة مؤخراً، وأنه لا هو ولا جنرالاته الكبار استطاعوا أن يجيبوا على سؤال واضح وبسيط: متى يعود الجنود إلى بيوتهم؟ أي بمعنى متى تضع الحرب أوزارها؟! ولم يكن باستطاعة رامسفيلد وأركان قيادته تحديد موعد، بل أنهم مع رئيسهم المغرور بوش الصغير اعتبروا أن مجرد الحديث عن جدول زمني لسحب القوات الأمريكية من العراق تنازلاً خطيراً لمن يسمونهم "المتمردين" في العراق!.

بصراحة لو كنت أميركيا لجزعت من محتوى كلام بوش الصغير وشهادة رامسفيلد وأركان قيادته.. فأمريكا بعظمتها لا تحارب جيشاً جراراً يمتلك من الفرق والعتاد والقيادة ما يطيل أمد الحرب.. إنها لا تحارب فيلقاً أو فرقة "مارقة" احتمت بين الجبال أو في أعماق الأدغال، ولا هم أي "المتمردون"، في نظر رامسفيلد، ارتقوا إلى درجة تؤهلهم لاستخدام أساليب حرب العصابات كما كان يحدث في فيتنام أو كما كان يجري في غابات أميركا الجنوبية أيام ثورات سبعينات القرن المنصرم. أميركا تحارب "متمردين" لا أكثر، "تسللوا إلى العراق ليعرقلوا عمل قوات التحالف ويفشلوا مهمة الحكومة المركزية في فرض الأمن وبسط السلطة الشرعية"!!.

ومع ذلك فإن هؤلاء "المتمردين" (متمردون على ماذا؟) نجحوا في تصعيد ضرباتهم وإلحاق الأذى بالمارينز وقوات العمالة العراقية، كما أن هولاء "المتمردون" متهمون مباشرة بقتل "آلاف العراقيين الأبرياء" في عمليات تفجير جنونية تقع بضع مرات في اليوم. وحتى عمليات "التطهير الكبرى" التي تجري تحت أسماء مثل "الرمح" و"المطرقة" و"الخنجر" وغيرها من الأسماء الهوليودية لم تضعف من عزيمة المقاتلين من أجل حرية وطنهم أو كما يسمونهم "المتمردين"، بينما تسببت مثل هذه العمليات الأمريكية وتحالف قوى الشر في قتل المئات من الأبرياء باعتراف العراقيين والأمريكيين أنفسهم!.

أن يكون ثمن "حرية العراق" بهذا الحجم، فهو أمر يثير الرعب والتقزز بلا شك!. لكن أن يصر رامسفيلد وجنرالاته أن "حفنة من المتسللين غير المدربين هم الذين يفشلون مهمة قوات التحالف ويمنعونها من تحديد جدول زمني للانسحاب"، فهو أمر يثير الريبة على أقل تقدير!.

وينبغي على رامسفيلد أن يعترف أن وصف "متمردين" على من هم وراء ما يحدث لم يعد كافياً أو مقنعاً.. وينبغي عليه أن يعترف أن هناك مقاومة عراقية لا تعبأ به ولا بجيشه ولا حتى بما انتهت إليه الأمور منذ التاسع من نيسان/ابريل 2003، وقد يقول قائل أن هذه المقاومة لا تحظى بتأييد ودعم معظم العراقيين على اختلاف مشاربهم!، ولكننا نقول لهؤلاء وأمثالهم من عرب الذل والهوان أن مقاومة منظمة وعنيفة بهذا الشكل لا بد لها من أرضية شعبية تستند إليها مهما صغر حجمها وإلا لما استمرت حتى الآن.

كذلك نقول لهؤلاء وأمثالهم من المنظرين وأزلام أنظمة الاستسلام الناطقة بالعربية في بلاد العرب من المحيط إلى الخليج، أنه عندما يصرف جنرال من قادة الأركان في البنتاغون دقائق من شهادته ليتحدث أمام لجنة مجلس الشيوخ عن حاجة الجيش الأمريكي لأجهزة معقدة "تشتم" رائحة السيارات المفخخة وتعطلها قبل أن تنفجر، يدرك الكثيرون حجم المأزق العسكري الأمريكي الذي يجد هذا الجنرال ومن معه أنفسهم متورطين فيه.. وعندما ينوه عضو من لجنة مجلس الشيوخ بأن أعداد المنخرطين في قوات الأمن والجيش العراقيين هي في انخفاض على عكس ما بشر به رامسفيلد في مطلع العام الجاري، يدرك المرء أن كثيراً من كلام الوزير المعسول ووعوده لم يعد ينطلي على السياسيين في واشنطن ولا في غيرها من عواصم دول العالم، ولا حتى من دول تحالف قوى الشر التي بدأت تعلن عن موعد انسحاب قواتها المنخرطة في تحالف قوى الشر الصهيو-أمريكي في العراق.

ونقول لكل هؤلاء وأولئك أن ما لم يقله رامسفيلد وأركان قيادته في قاعة مجلس الشيوخ الأمريكي أنه كان مدوياً مثل "الصدمة والرعب".. وأن هذه الحرب العدوانية التي أشعلتها أميركا ودفعت باتجاهها، وكابرت، وعاندت، وكذبت حتى تبرر لها، هي ليست في آخر فصولها لأن هناك معركة كبرى قادمة حول العلم العراقي وألوانه أو أعلام كل فيدرالية على سبيل المثال.. وما النباح الذي يضج آذاننا تجاه دمشق وما يسمونه "الديمقراطية" والانتخابات الحرة في مصر وفي غيرها من بلاد العرب سوى محاولة يائسة للخروج من مأزق وحول المستنقع العراقي وتبرير للفشل السياسي والعسكري الأمريكي في العراق.. وأن ما يجري اليوم من نباح ذاك "الحكيم" و(الصفويين) وجماعة (برزاني وطالباني) لفدرلة العراق إنما هو جزء من المؤامرة التي تهدف إلى إطالة أمد بقاء قوى تحالف الشر الصهيو-أمريكي في العراق من أجل تفكيك العراق وتدميره وتحويله إلى أشلاء ضمن المخطط الصهيوني المرسوم لكل البلاد العربية.. وهنا لا بد من التذكير بسؤال تردد ويتردد كثيراً حتى الآن ألا وهو كيف تسقط بغداد دون مقاومة في غضون ساعات، ثم تقضي قوات تحالف الشر أعواماً في مناوشة "متمردين" عادوا لضرب الأمريكان في الفلوجة مؤخراً بعد أن قامت قوى الشر والعدوان الأمريكي بتدمير كامل لفلوجة الصمود حتى أنه وبناء لتقارير واردة من هناك أنه لم يبق في الفلوجة بيت ولا حائط إلا وقصفته الطائرات الأمريكية بأحدث صواريخ الدمار الشامل التي أنتجتها المصانع العسكرية الأمريكية وما لم تقدر على تدميره الطائرات قامت الدبابات بتدميره ومسحه من الوجود؟!

إننا مع الكثيرين غيرنا نعرف أن رامسفيلد يكذب على الشعب الأميركي وعلينا وعلى دول العالم أجمع.. حتى أن مقولة "العراق الحر" أصبحت تثير السخط في الأوساط الأمريكية والعالمية لأنها لا تعبر عن حقيقة ما آل إليه هذا البلد، وكذلك الأمر بالنسبة للادعاء بأن من يحارب أميركا "هم ليسوا إلا متمردين"!.

وأخيراً نقول أنه قد يكون من المبكر الاعتراف بهزيمة عسكرية أميركية في العراق من قبل البنتاغون، لكن منطق العقل يقول أن هذا لا يعني أن إدارة الشر الأمريكية وعصابة (الجمجمة والعظمة) بقيادة بوش الصغير لا ترى شبحها يلوح في الأفق، وهم يرون قواتهم المتسلحة بأحدث ما أنتجته صناعة التدمير الشامل العسكرية في أمريكا يترنحون أمام ضربات المقاومة الوطنية العراقية، وأن العالم بأسره يعرف ويرى أن أمريكا وقواتها فشلت وهزمت في العراق.