المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أنهم أفسدوا عليه عطلته،



العربي بن سالم
22-08-2005, 09:30 PM
من الواضح أن الرأي العام الأمريكي بدأ يفقد ثقته في طريقة معالجة إدارة بوش للحرب في العراق، ولم تعد سياسات هذه الإدارة تحظى بأي مساندة شعبية، وهو ما ظهر جلياً في المأزق الذي يواجهه بوش حالياً، حيث يحاصر المتظاهرون المعارضون للحرب مزرعته في كراوفورد، مطالبين بانسحاب القوات الأمريكية، ومع ذلك يرفض الرئيس مجرد مقابلتهم والرد على تساؤلاتهم، بدعوى أنهم أفسدوا عليه عطلته، الأمر الذي أتاح لهم فرصة ذهبية لشن حملة عنيفة عبر وسائل الإعلام ضد سياسة بوش في العراق، في الوقت الذي يعاني فيه الرأي العام الأمريكي حالة من الإحباط، بسبب الأخبار السيئة التي تأتي يومياً من العراق. .

أعضاء الحزب الجمهوري في الكونجرس الذين ينتظرون انتخابات التجديد النصفي بعد نحو 15 شهراً، وقادة الجيش ممن لازالت أحداث وتداعيات حرب فيتنام المريرة عالقة في أذهانهم، ينظرون بحزن وأسى بالغين إلى مجريات الأحداث في العراق، ويرون أن خسارة دعم ومساندة الرأي العام لهذه لحرب أمر يجب تفاديه مهما كان الثمن.

"جيم كاسون" رئيس لجنة أنصار التشريع الوطني" إحدى الجماعات المعارضة للحرب في العراق، يقول: "العديد من الأصوات بدأت تتعالى داخل الحزب الجمهوري وداخل الجيش، مؤكدة أن الوضع في العراق لا يتحسن، ولكنه على العكس يسير من سيئ إلى أسوأ.

أما الإدارة الأمريكية فهي تتعرض لضغوط شديدة من جانب البنتاجون والأعضاء الجمهوريين ذوي النفوذ الكبير في الكونجرس لمواصلة الحرب، بالرغم من المعارضة المتزايدة لها من جانب الرأي العام الأمريكي، الذي أصيب بإحباط شديد خلال الأسابيع الماضية من جراء التغطية الإعلامية لهذه الحرب، وخاصة منذ الإعلان عن مقتل قتل 14 جنديا أمريكيا يوم 3 أغسطس الجاري في عملية واحدة، الخبر احتل "المانشيتات" الرئيسية للصحف الأمريكية. وقد نشرت "الواشنطون بوست" الخبر على صدر صفحتها الأولى تحت عنوان "حرب العراق لن تنتهي قريباً"، ثم أتبعت ذلك الخبر بمقال تحت عنوان "السياسة الأمريكية تجاه محور الشر تعاني فيضاً من النكسات"..المقال أشار إلى أن أخطاء الإدارة في العراق أدت إلى تقوية الوضع الإستراتيجي لكوريا الشمالية وإيران أيضاً، التي بدأت علاقاتها تتوطد مع الحكومة الجديدة في بغداد، في الوقت الذي يزداد فيه الموقف الأمريكي في العراق تأزما.

أما صحيفة نيويورك تايمز، فقد وجهت نقدا شديدا لسياسة بوش، من خلال مقال للصحفي الشهير "فرانك ريتش" تحت عنوان "شخص ما أخبر الرئيس أن الحرب قد انتهت". كما نشرت الصحيفة تحليلا حول الأوضاع في العراق وتداعياتها على الحزب الجمهوري وإدارة بوش، تحت عنوان "أخبار العراق السيئة تهدد صقور الإدارة الأمريكية"، قالت فيه إن التدهور المستمر في العراق والخسائر الباهظة التي تتكبدها القوات الأمريكية تهدد فرص مرشحي الحزب الجمهوري في الفوز في الانتخابات القادمة، وأن جانبا كبيرا من أعضاء الحزب، بمن فيهم المتشددون من أمثال "نيوت جينجريتش"، المتحدث الجمهوري السابق لمجلس النواب، باتوا يعترفون بخطورة المأزق الذي تواجهه الإدارة الأمريكية في العراق، والذي لا يقل بحال من الأحوال عن مأزقها في حرب فيتنام..

وقد كشفت استطلاعات الرأي العام الأخيرة عن نتيجة مشابهة. فالاستفتاء الذي أجرته النيوزويك منذ أسبوعين كشف أن ثقة الأمريكيين في صواب معالجة بوش للحرب العراقية قد انخفضت إلى أقصى درجة وبلغت نحو 34 %، وهي نسبة مساوية تقريبا لتقييم ثقة الأمريكيين في معالجة الرئيس جونسون لحرب فيتنام عام 1968. وكان استطلاعا أجرته وكالة أسوشيتد برس قد كشف عن نسبة تأييد أفضل من جانب الأمريكيين لحرب العراق ومعالجة بوش لها في حدود 38%. ولكن هذا الاستطلاع أجري قبل حادث مقتل الجنود الأربعة عشر مباشرة. استطلاع أخر أجرته صحيفة "يو إس تو ديه" منذ أيام قليلة، كشف أن غالبية الشعب الأمريكي يرون أن شن الحرب على العراق كان خطأ فادحا، أصبحت معه الولايات المتحدة أكثر عرضة للهجمات. وأكثر من 60% ممن شملهم الاستطلاع أيدوا الانسحاب الفوري للقوات الأمريكية.

الخلافات الشديدة داخل الإدارة الأمريكية بشأن قضية سحب القوات الأمريكية تسببت في مزيد من الفوضى والارتباك على المستوى التنفيذي. فعندما بدأ قادة الجيش في طرح فكر سحب جانب من القوات الأمريكية في العراق، البالغ قوامها 140 ألف جندي، بحلول الربيع القادم، حتى أعلن بوش رفضه للفكرة. في الوقت الذي انتقد فيه العديد من صقور الإدارة الأمريكية وزير الدفاع بسبب تصريحاته حول الموقف في العراق، والتي تسببت في قدر كبير من البلبلة لدى الرأي العام.

"وليام كريستول"، أحد عقول المحافظين الجدد، كتب مقالاً في "الويكلي ستاندارد" قال فيه: "إن ما يحتاج إليه الرئيس الأمريكي الآن هو أن يخبر البنتاجون بالتوقف تماماً عن الإدلاء بأية تصريحات عن عمليات القتال، والتخطيط لسحب القوات الأمريكية". وأضاف: "لكي يحقق الرئيس بوش النصر في العراق، لابد أن يكون لديه وزير دفاع عنده الرغبة في القتال، والقدرة على تحقيق النصر". أما "فريدريك كاجان" المحلل العسكري الشهير، فكتب مقالاً في الواشنطن بوست، رفض فيه أي حديث عن الانسحاب، باعتباره خطوة خطيرة وغير مبررة، وأوضح أن قوات المشاة والشرطة العراقية المدربة من جانب واشنطن، يمكن الاعتماد عليها بصورة كبيرة في العديد من المهام الأمنية نيابة عن القوات الأمريكية خلال المرحلة القادمة. لكن الخبير الاقتصادي "كيفن هاسيت" قال في عمود له بنفس الصحيفة إن حرب العراق أصبحت تمثل مشكلة سياسية كبيرة لبوش وللجمهوريين، حيث حالت دون أن يعرف الشعب كيف كان يدار الاقتصاد الأمريكي. وتساءل: لماذا أصبح الأمريكيون ساخطين على كل شيء؟ واستطرد قائلاً بأنه ليس لديه إجابة مقنعة ، سوى أن انتخابات العام المقبل والحملة الانتخابية قد اقترب موعدها.

الأمر المثير للدهشة أن الرئيس بوش الذي قضى ثلاثة أسابيع محبطا في مزرعته بكراوفورد، تجنب الاجتماع مع "سيندي شيهان" والدة أحد الجنود الأمريكان ، الذين قتلوا في العراق العام الماضي، والتي قادت التظاهرة المعارضة للحرب أمام مزرعته، ولم يفعل شيئاً لمواجهة الغضب الشعبي المتزايد تجاه الأوضاع في العراق. واكتفى بالقول بأن من حقه الاستمتاع بعطلته..

سلبية مسئولي الإدارة الأمريكية، وسماحهم لـ "شيهان" –أم أحد الجنود الأمريكان الذين قتلوا في العراق- بالسيطرة على التغطية الإعلامية للأخبار الواردة من تكساس فاجأت المراقبين، ودعمت الانطباع السائد لديهم بأن هذه الإدارة فقدت الحس السياسي، ولم يعد لديها إجابات مقنعة على التساؤلات التي تطرحها "شيهان" والجماهير المحتشدة خارج مزرعة الرئيس.

في الوقت الذي يتزايد الانقسام داخل الحزب الجمهوري والإدارة الأمريكية بشأن الانسحاب من العراق، على نحو يهدد بإشعال أزمة سياسية، فإن القاعدة العريضة في الحزب الديمقراطي تؤيد إجراء انسحاب تدريجي من العراق، ومع ذلك فإن بعض صقور الحزب يؤيدون وجهة نظر بوش، ويساندونه في مخاوفه من أن يؤدي الانسحاب إلى تأثيرات سلبية على مصداقية الولايات المتحدة ومكانتها الدولية