الفرقاني
16-08-2005, 03:02 PM
الدور العربي في العراق المحرر
بقلم: فهد الريماوي
حمداً لله، فقد زلزلت العراق زلزالها، واستنفرت المقاومة ابطالها، وحطمت بغداد اغلالها، واطلقت الراجمات اثقالها، وتجرعت امريكا خزيها واحتلالها·
حمداً لله، فقد هلت بشائر التحرير، واطلت علائم الانتصار، وتجلت امارات الفتح العظيم·· فالمجاهدون قيد التقدم كل يوم، والمحتلون قيد التقهقر كل حين، اما البعثيون فقد استعادوا مجدهم القديم، وباتوا راية فوق سارية النضال، ووساماً على صدر المقاومة، وعنواناً لاشجع فصول الثورة واصول الكفاح المسلح·
لقد جاء نصر الله والفتح، ولم يعد يفصلنا عنهما سوى اشهر معدودة، واميال محدودة، ومحطات قليلة يحتاجها الغزاة لسحب فيالقهم المهزومة، وتهيئة شعوبهم المخذولة، وحفظ ماء وجوههم المربدة، وتقليل حجم خسائرهم الجسيمة، وانقاذ رؤوس عملائهم اذا وجدوا الى ذلك سبيلاً·
سيحاول الفتى بوش معاندة الوقائع، ولي اعناق الحقائق، وممارسة العاب التسويف والتزييف والكلمات المتقاطعة·· غير ان المية سرعان ما ستكذب الغطاس، والشمس سرعان ما ستظهر من خلف الغربال، والحقيقة سرعان ما ستبتلع افاعي التزوير والتسويف والاوهام·
وكما انفضحت مزاعم بوش حول اسباب العدوان على العراق، وثبت ان صدام حسين لم يمتلك اسلحة دمار شامل، ولم يقم علاقات مع تنظيم القاعدة·· فلسوف تتضح قريباً نتائج هذا العدوان الآثم، وعواقب ذلك الظلم الذي اقترفه راعي الابقار بحق حفيد حمورابي·
اسوأ القادة اولئك الذين يخدعون شعوبهم، ويكذبون على العالم، ويلبسون الباطل ثوب الحق، ويمنحون الدجل قوة الحقيقة·· اما اخطر القادة فهم اولئك الذين يخدعون انفسهم، ويصدقون اوهامهم، ويسابقون غرورهم، ويكابدون جنون العظمة، ويعاندون منطق التاريخ، ويضعون اشخاصهم فوق مصالح اوطانهم·
ومع ان امريكا دولة عصرية وحضارية متقدمة، ولا تنتمي بالتالي الى دول العالم الثالث، او زمن القرون الوسطى·· الا ان ادارتها الراهنة لا تختلف في سياساتها وممارساتها عن قيادات العالم الثالث، او اباطرة الزمن القديم·· فهي ادارة مغامرة ومغرورة ومأخوذة بنشوة القوة وسحر الثروة ونداء المتعة والمنفعة، اما نداء الحق والمنطق·· العدل والعقل·· الحس الانساني والدور الاخلاقي، فلا محل له من الاعراب·
مؤكد ان قوة امريكا العسكرية والتسليحية الهائلة قادرة على غزو العراق وافغانستان وحتى روسيا او فرنسا، غير ان ادارة بوش عاجزة تماماً عن هزيمة المقاومة العراقية، او تحالف القاعدة وطالبان·· ليس بالطبع لاسباب سياسية او عسكرية، بل لاسباب اخلاقية، وهي بالضرورة اسباب فوق سياسية وعسكرية، اذ شتان بين مقاتل امريكي يعتمد القوة قبل الحق، وبين مقاتل عراقي او افغاني يعتمد الحق قبل القوة·· وقديماً قال المارشال الفرنسي بيتان "ان هزيمة فرنسا بالحرب العالمية الثانية كانت اخلاقية قبل ان تكون عسكرية"·
تستطيع ادارة بوش ان تلعب بالوقت، ولكنها لا تستطيع ان تعبث بالتاريخ·· تستطيع ان تؤجل الانكسار، ولكنها لا تستطيع ان تحقق الانتصار·· تستطيع ان تزيف الوضع القائم، لكنها لا تستطيع ان تزور او تؤخر الوضع القادم·· تستطيع ان تشتري الكثير من الاعوان والعملاء، ولكنها لا تستطيع ان تستأصل الملايين من الاحرار والشرفاء·
هزيمة امريكا الوشيكة في العراق سوف تكون اخلاقية، قبل ان تكون عسكرية، ذلك لأن العدوان الامريكي على العراق جاء لاسباب رئاسية ثأرية، وليس لنصرة القانون الدولي او حقوق الانسان العراقي·· فالثابت ان ذلك العدوان البشع قد جاء رداً انتقامياً متأخراً على محاولة نظام الرئيس صدام اغتيال بوش الاب لدى زيارته الكويت قبل بضعة اعوام، والثابت ان الفتى بوش كان يتحين الفرص للبطش بالنظام العراقي منذ دخوله البيت الابيض، وقبل تفجيرات 11 ايلول التي منحته الحجة والذريعة·
هزيمة العدوان الامريكي على العراق، سوف تعني تلقائياً هزيمة المشروع الامريكي في الشرق الاوسط، وخلط اوراق هذه المنطقة الحساسة بشكل غير مسبوق، وتشجيع عدة قوى اقليمية مثل ايران وتركيا واسرائيل على محاولة التمدد وملء الفراغ، ولعل ايران مستعدة منذ اليوم، وربما الامس، لخلافة النفوذ الامريكي في العراق، سيما وان تدخلاتها السياسية والمذهبية في الشأن العراقي غير خافية على احد، ولسوف يكون لها ما بعدها·
تركيا ايضاً سوف يكون لها دورها في العراق الجديد، وبالذات في شماله الكردي، وكذلك اسرائيل التي غالباً ما ستعود الى مقدمة المشهد العسكري والسياسي، بعد ان كانت قد تركت لامريكا ان تنوب عنها في التدخل العسكري والامني المباشر لضرب العراق، وسرقة لبنان، وارهاب بعض الدول العربية، وتجنيد البعض الآخر·
ومع ان ثقتنا كبيرة في قدرة المقاومة العراقية الباسلة على صون وحدة التراب الوطني العراقي في مواجهة مخططات التجزئة والتقسيم، وعلى ضمان سلامة الجبهة الداخلية والهوية العربية في مواجهة مشاريع التجهيل والحروب الاهلية، وعلى دحر التدخلات الاقليمية شأن ما حدث للتدخل الامريكي·· الا اننا نؤكد على ضرورة واهمية وجود دور قومي عربي لمساندة العراق المحرر ودعمه والوقوف الى جانبه، ليس لمنع التدخلات الاقليمية في شؤونه الداخلية فحسب، ولكن ايضاً لمساعدته على النهوض من جديد، واستعادة سيادته وعافيته·
لهذا الهدف النبيل الذي تحتمه الضرورات الملحة وليس الخيارات المريحة، يتعين على كل من مصر وسوريا والسعودية والاردن ان تلتقي سريعاً - ولو على كره منها - لبحث وتدقيق حسابات ما بعد الانسحاب الامريكي من العراق المحرر، وتوفير مظلة قومية تسهم في حماية هذا القطر الغالي من التدخلات الاقليمية المتعارضة والمتناقضة والتي من شأنها الاضرار بالصالح العربي العام، وليس فقط بالشأن العراقي الخاص·
نفهم ان تعجز الامة العربية عن حماية العراق من الغزو الامريكي الغاشم، وان تتخاذل عن دعم المقاومة العراقية الباسلة في مواجهة الاحتلال·· ولكننا لا نفهم كيف تتخلى هذه الامة وانظمتها القريبة والبعيدة عن العراق الذي يوشك ان ينجح لوحده في تحرير ارضه وشعبه، كما يوشك ان يتعرض لاطماع وتدخلات اقليمية تستطيع الجهود الجماعية العربية ان تمنعها وتحول دونها، سواء بالتفاهم او التخاصم مع تلك العواصم الاقليمية وامتداداتها الاثنية والمذهبية والاستخبارية داخل العراق·
كل التحايا الحارة والسلامات العطرة والدعوات الصالحات الى فرسان المقاومة، وشجعان حزب البعث الذين يخوضون اشرف المعارك ضد اشرس الاعداء، ويحققون اروع الانتصارات وسط اصعب الاوضاع، ويجددون وهج "ذي قار" حين انتصرت القلة العربية الباسلة على الكثرة المجوسية الباغية، وينوبون عن الامة العربية كافة في كسر مشاريع الشرق اوسطية الطالعة من الاجندة الامريكية، وفي استعادة المشروع القومي النهضوي الوحدوي الذي طال انتظاره·
عسكر موريتانيا·· موعد مع الصحوة
من سويداء القلب، او صميم الفؤاد، نرحب بالانقلاب العسكري الشجاع الذي اطاح بعميل اسرامريكي مزدوج استطاع التسلل الى رئاسة الدولة الموريتانية العربية، والتحكم بالشعب الموريتاني الشقيق، والانحراف عن جادة الصواب القومي، والانفتاح غير المبرر على العدو الاسرائيلي، والدخول معه في مصالحة خيانية ومجانية لا ناقة فيها للشعب الموريتاني ولا جمل·
ورغم ان الرهان على الانقلابات العسكرية يبقى محفوفاً بالمجازفة والتهور والخطر، الا ان ترحيبنا بالانقلاب الموريتاني او تأييدنا له، لا ينبع من الرهان على ما سيفعل مستقبلاً، بل من الاعجاب بما فعل بالامس حيث اسقط العميل معاوية ولد الطايع الذي نصّبته الصهيونية والامبريالية حاكماً لقطر عربي عزيز، ومتحكماً في شعب عربي أبي، وخادماً للنفوذ الاسرامريكي في اقصى تخوم الوطن الكبير·
يكفي قادة الانقلاب من اركان "المجلس العسكري للعدالة والديموقراطية" فخراً ومجداً، انهم ارسلوا هذا الطاغية الصغير والخائن الكبير الى مزابل التاريخ، وازاحوا هذا الكابوس الثقيل والعميل عن كاهل العروبة المغلوبة على امرها، وارعبوا حكاماً اصناماً وخُداماً لهم سمات وسياسات وارتباطات ولد الطايع الذي توهم ان تبعيته للعدو الاسرامريكي سوف تحميه من غضبة شعبه وجيشه·
اياً كانت برامج ومناهج ومخططات وتطلعات الانقلابيين الموريتانيين الجدد، فهي لن تكون بأي حال من الاحوال، اكثر سوءاً وفساداً واستبداداً وارتباطاً بالخارج، من تلك التي تبناها ولد الطايع، ودأب على تنفيذها بالضد من ارادة الشعب الموريتاني والامة العربية، طوال عهده الطويل والبغيض والمثقل بالخيانة والنذالة·
ومع كلٍ، ورغم كل تحفظاتنا على مآلات انقلاب مبني للمجهول، ومكنونات قادته المحتاجين عربياً الى "ال التعريف"، الا ان البوادر والمقدمات والمؤشرات الاولى تبشر كلها بالخير، وتبعث على الامل والتفاؤل، وتصب في الاتجاه الايجابي والوطني والديموقراطي، وتنسجم مع بواكير الحالة النضالية والراديكالية التي تمر بها راهناً جماهير الامة العربية، بدءاً من المقاومة الباسلة في العراق وفلسطين، ومروراً بالمعارضة الشعبية العارمة في مصر، وانتهاءً بالاحوال الجهادية والدعوات الاصلاحية في جزيرة العرب·
اغلب الظن ان الفاعلية الثورية، او الحيوية النضالية قد باشرت العودة التدريجية الى القوام الشعبي العربي الذي ارهقه طول القعود والخمود، وافقده الكثير من اللياقة الوطنية والالتزام القومي، وابعده عن ذاته ومنطلقاته ومعتقداته ودوره التاريخي، وجعله نهباً لاطماع التحالف الصليبي - الصهيوني الذي تمادى في غيه وغروره·
اغلب الظن ان بواكير صحوة جهادية واستشهادية عربية قد لاحت في الافق القريب، وباتت تدق ابواب المستقبل·· ها هو حزب البعث يتولى هزيمة الاحتلال الامريكي في كل العراق، وها هي حركة "كفاية" تباشر هزيمة دهاقنة كامب ديفيد في مصر، وها هم قادة الانقلاب الموريتاني يسقطون ابشع رموز التطبيع والاستسلام على حافة المحيط الاطلسي·
ومع ان انتفاضة الاقصى لم تبلغ مداها، او تصل الى منتهاها، او تحقق كامل اهدافها، الا ان الانسحاب الصهيوني من قطاع غزة لم يكن ليتحقق في عهد ليكودي عتيق مثل شارون، لولا فعاليات وتضحيات تلك الانتفاضة الممنوعة حالياً من الصرف، والمرشحة مستقبلاً للاشتعال السريع لدى وصول خارطة الطريق واوهام السلام الى الجدار المسدود·
قد يبدو الواقع العربي ساكناً او آسناً، ولكن بالتدقيق يتضح ان هذا هو واقع الانظمة والحكومات وليس الشعوب والجماهير، فالانظمة هي التي شاخت وافلست وتهالكت، وهي التي تتعمد فرض ازماتها وافلاساتها على شعوبها بقوة القمع والتسلط والاستبداد، غير ان الشعوب باشرت في الآونة الاخيرة تمييز ذاتها عن انظمتها، واثبات جدارتها في مناهضة تلك الانظمة، سواء عبر الوسائل السياسية شأن الجاري في مصر، او الحركات الراديكالية شأن الحاصل في جزيرة العرب، او الانقلابات العسكرية شأن ما وقع في موريتانيا حيث قام الجيش لدى انسداد افاق التغيير السلمي، بعملية التغيير والتطهير نيابة عن الشعب·
ظاهرياً، تبدو الاوضاع العربية الراهنة طاعنة في الرداءة والبؤس، غير ان نظرة ثاقبة الى بواطن الامور سوف تكشف ان الجوهر يخالف المظهر، وان ما يمور في الاعماق يختلف عما يبدو على السطح، وان الطاقة النضالية الكامنة والهائلة لدى الشعوب العربية توشك ان تتفعل وتتقحم وتدخل حيز التعبير الثوري الشامل·· وليست الجيوش المعتبرة مؤسسات وطنية بالدرجة الاساس، بعيدة عن نبض شعوبها، ومصالح اوطانها·
لا مراء ان انهيار المعسكر الاشتراكي، وانتصار الغرب الرأسمالي الصليبي والصهيوني اوائل التسعينات قلب موازين القوى في سائر ارجاء العالم وبضمنها الوطن العربي الذي شهد استكبار قوى الردة والرجعية والفساد والتطبيع مع العدوين الامريكي والصهيوني·· غير ان دوام حالٍ من المحال، حيث لم تلبث قوى التحرر والنضال العربي ان خرجت من صدمتها، واستعادت عنفوانها واقتدارها، خصوصاً وان التحالف الصليبي - الصهيوني المأخوذ بنشوة الانتصار على المعسكر الاشتراكي قد بالغ في استفزاز الشعوب العربية، والتسلط على الوطن العربي، والتهجم على الدين الاسلامي، والمساندة للانظمة العميلة مقابل الاجهاز على الانظمة الاخرى·
على ان الجدير بالملاحظة والاهتمام هذه المرة، هو التحام النضال الشعبي العربي بعمقه الاسلامي، واتساع دائرة هذا النضال لتشمل الاشقاء من الشعوب والديار الاسلامية غير العربية·· ربما للرد بمفردات الانتماء الاسلامي على التحالف الصليبي - اليهودي الذي وضع الاعتبارات الدينية في قمة الاولويات والصراعات السياسية·
وعليه·· فالصحوة الشعبية العربية قائمة وقادمة، والفاعلية النضالية الوطنية والقومية حاضرة ومتعاظمة، وحركة التحرر والتقدم والديموقراطية جامعة ومتسارعة، بدءاً من معجزة المقاومة العراقية عند شط العرب، وانتهاءً بمفاجأة الثورة الموريتانية على المحيط الاطلسي·· وبشر الصادقين والصابرين والمرابطين في خنادق الجهاد، والقابضين على جمر المبادئ والثوابت.
منقول بتصرف
بقلم: فهد الريماوي
حمداً لله، فقد زلزلت العراق زلزالها، واستنفرت المقاومة ابطالها، وحطمت بغداد اغلالها، واطلقت الراجمات اثقالها، وتجرعت امريكا خزيها واحتلالها·
حمداً لله، فقد هلت بشائر التحرير، واطلت علائم الانتصار، وتجلت امارات الفتح العظيم·· فالمجاهدون قيد التقدم كل يوم، والمحتلون قيد التقهقر كل حين، اما البعثيون فقد استعادوا مجدهم القديم، وباتوا راية فوق سارية النضال، ووساماً على صدر المقاومة، وعنواناً لاشجع فصول الثورة واصول الكفاح المسلح·
لقد جاء نصر الله والفتح، ولم يعد يفصلنا عنهما سوى اشهر معدودة، واميال محدودة، ومحطات قليلة يحتاجها الغزاة لسحب فيالقهم المهزومة، وتهيئة شعوبهم المخذولة، وحفظ ماء وجوههم المربدة، وتقليل حجم خسائرهم الجسيمة، وانقاذ رؤوس عملائهم اذا وجدوا الى ذلك سبيلاً·
سيحاول الفتى بوش معاندة الوقائع، ولي اعناق الحقائق، وممارسة العاب التسويف والتزييف والكلمات المتقاطعة·· غير ان المية سرعان ما ستكذب الغطاس، والشمس سرعان ما ستظهر من خلف الغربال، والحقيقة سرعان ما ستبتلع افاعي التزوير والتسويف والاوهام·
وكما انفضحت مزاعم بوش حول اسباب العدوان على العراق، وثبت ان صدام حسين لم يمتلك اسلحة دمار شامل، ولم يقم علاقات مع تنظيم القاعدة·· فلسوف تتضح قريباً نتائج هذا العدوان الآثم، وعواقب ذلك الظلم الذي اقترفه راعي الابقار بحق حفيد حمورابي·
اسوأ القادة اولئك الذين يخدعون شعوبهم، ويكذبون على العالم، ويلبسون الباطل ثوب الحق، ويمنحون الدجل قوة الحقيقة·· اما اخطر القادة فهم اولئك الذين يخدعون انفسهم، ويصدقون اوهامهم، ويسابقون غرورهم، ويكابدون جنون العظمة، ويعاندون منطق التاريخ، ويضعون اشخاصهم فوق مصالح اوطانهم·
ومع ان امريكا دولة عصرية وحضارية متقدمة، ولا تنتمي بالتالي الى دول العالم الثالث، او زمن القرون الوسطى·· الا ان ادارتها الراهنة لا تختلف في سياساتها وممارساتها عن قيادات العالم الثالث، او اباطرة الزمن القديم·· فهي ادارة مغامرة ومغرورة ومأخوذة بنشوة القوة وسحر الثروة ونداء المتعة والمنفعة، اما نداء الحق والمنطق·· العدل والعقل·· الحس الانساني والدور الاخلاقي، فلا محل له من الاعراب·
مؤكد ان قوة امريكا العسكرية والتسليحية الهائلة قادرة على غزو العراق وافغانستان وحتى روسيا او فرنسا، غير ان ادارة بوش عاجزة تماماً عن هزيمة المقاومة العراقية، او تحالف القاعدة وطالبان·· ليس بالطبع لاسباب سياسية او عسكرية، بل لاسباب اخلاقية، وهي بالضرورة اسباب فوق سياسية وعسكرية، اذ شتان بين مقاتل امريكي يعتمد القوة قبل الحق، وبين مقاتل عراقي او افغاني يعتمد الحق قبل القوة·· وقديماً قال المارشال الفرنسي بيتان "ان هزيمة فرنسا بالحرب العالمية الثانية كانت اخلاقية قبل ان تكون عسكرية"·
تستطيع ادارة بوش ان تلعب بالوقت، ولكنها لا تستطيع ان تعبث بالتاريخ·· تستطيع ان تؤجل الانكسار، ولكنها لا تستطيع ان تحقق الانتصار·· تستطيع ان تزيف الوضع القائم، لكنها لا تستطيع ان تزور او تؤخر الوضع القادم·· تستطيع ان تشتري الكثير من الاعوان والعملاء، ولكنها لا تستطيع ان تستأصل الملايين من الاحرار والشرفاء·
هزيمة امريكا الوشيكة في العراق سوف تكون اخلاقية، قبل ان تكون عسكرية، ذلك لأن العدوان الامريكي على العراق جاء لاسباب رئاسية ثأرية، وليس لنصرة القانون الدولي او حقوق الانسان العراقي·· فالثابت ان ذلك العدوان البشع قد جاء رداً انتقامياً متأخراً على محاولة نظام الرئيس صدام اغتيال بوش الاب لدى زيارته الكويت قبل بضعة اعوام، والثابت ان الفتى بوش كان يتحين الفرص للبطش بالنظام العراقي منذ دخوله البيت الابيض، وقبل تفجيرات 11 ايلول التي منحته الحجة والذريعة·
هزيمة العدوان الامريكي على العراق، سوف تعني تلقائياً هزيمة المشروع الامريكي في الشرق الاوسط، وخلط اوراق هذه المنطقة الحساسة بشكل غير مسبوق، وتشجيع عدة قوى اقليمية مثل ايران وتركيا واسرائيل على محاولة التمدد وملء الفراغ، ولعل ايران مستعدة منذ اليوم، وربما الامس، لخلافة النفوذ الامريكي في العراق، سيما وان تدخلاتها السياسية والمذهبية في الشأن العراقي غير خافية على احد، ولسوف يكون لها ما بعدها·
تركيا ايضاً سوف يكون لها دورها في العراق الجديد، وبالذات في شماله الكردي، وكذلك اسرائيل التي غالباً ما ستعود الى مقدمة المشهد العسكري والسياسي، بعد ان كانت قد تركت لامريكا ان تنوب عنها في التدخل العسكري والامني المباشر لضرب العراق، وسرقة لبنان، وارهاب بعض الدول العربية، وتجنيد البعض الآخر·
ومع ان ثقتنا كبيرة في قدرة المقاومة العراقية الباسلة على صون وحدة التراب الوطني العراقي في مواجهة مخططات التجزئة والتقسيم، وعلى ضمان سلامة الجبهة الداخلية والهوية العربية في مواجهة مشاريع التجهيل والحروب الاهلية، وعلى دحر التدخلات الاقليمية شأن ما حدث للتدخل الامريكي·· الا اننا نؤكد على ضرورة واهمية وجود دور قومي عربي لمساندة العراق المحرر ودعمه والوقوف الى جانبه، ليس لمنع التدخلات الاقليمية في شؤونه الداخلية فحسب، ولكن ايضاً لمساعدته على النهوض من جديد، واستعادة سيادته وعافيته·
لهذا الهدف النبيل الذي تحتمه الضرورات الملحة وليس الخيارات المريحة، يتعين على كل من مصر وسوريا والسعودية والاردن ان تلتقي سريعاً - ولو على كره منها - لبحث وتدقيق حسابات ما بعد الانسحاب الامريكي من العراق المحرر، وتوفير مظلة قومية تسهم في حماية هذا القطر الغالي من التدخلات الاقليمية المتعارضة والمتناقضة والتي من شأنها الاضرار بالصالح العربي العام، وليس فقط بالشأن العراقي الخاص·
نفهم ان تعجز الامة العربية عن حماية العراق من الغزو الامريكي الغاشم، وان تتخاذل عن دعم المقاومة العراقية الباسلة في مواجهة الاحتلال·· ولكننا لا نفهم كيف تتخلى هذه الامة وانظمتها القريبة والبعيدة عن العراق الذي يوشك ان ينجح لوحده في تحرير ارضه وشعبه، كما يوشك ان يتعرض لاطماع وتدخلات اقليمية تستطيع الجهود الجماعية العربية ان تمنعها وتحول دونها، سواء بالتفاهم او التخاصم مع تلك العواصم الاقليمية وامتداداتها الاثنية والمذهبية والاستخبارية داخل العراق·
كل التحايا الحارة والسلامات العطرة والدعوات الصالحات الى فرسان المقاومة، وشجعان حزب البعث الذين يخوضون اشرف المعارك ضد اشرس الاعداء، ويحققون اروع الانتصارات وسط اصعب الاوضاع، ويجددون وهج "ذي قار" حين انتصرت القلة العربية الباسلة على الكثرة المجوسية الباغية، وينوبون عن الامة العربية كافة في كسر مشاريع الشرق اوسطية الطالعة من الاجندة الامريكية، وفي استعادة المشروع القومي النهضوي الوحدوي الذي طال انتظاره·
عسكر موريتانيا·· موعد مع الصحوة
من سويداء القلب، او صميم الفؤاد، نرحب بالانقلاب العسكري الشجاع الذي اطاح بعميل اسرامريكي مزدوج استطاع التسلل الى رئاسة الدولة الموريتانية العربية، والتحكم بالشعب الموريتاني الشقيق، والانحراف عن جادة الصواب القومي، والانفتاح غير المبرر على العدو الاسرائيلي، والدخول معه في مصالحة خيانية ومجانية لا ناقة فيها للشعب الموريتاني ولا جمل·
ورغم ان الرهان على الانقلابات العسكرية يبقى محفوفاً بالمجازفة والتهور والخطر، الا ان ترحيبنا بالانقلاب الموريتاني او تأييدنا له، لا ينبع من الرهان على ما سيفعل مستقبلاً، بل من الاعجاب بما فعل بالامس حيث اسقط العميل معاوية ولد الطايع الذي نصّبته الصهيونية والامبريالية حاكماً لقطر عربي عزيز، ومتحكماً في شعب عربي أبي، وخادماً للنفوذ الاسرامريكي في اقصى تخوم الوطن الكبير·
يكفي قادة الانقلاب من اركان "المجلس العسكري للعدالة والديموقراطية" فخراً ومجداً، انهم ارسلوا هذا الطاغية الصغير والخائن الكبير الى مزابل التاريخ، وازاحوا هذا الكابوس الثقيل والعميل عن كاهل العروبة المغلوبة على امرها، وارعبوا حكاماً اصناماً وخُداماً لهم سمات وسياسات وارتباطات ولد الطايع الذي توهم ان تبعيته للعدو الاسرامريكي سوف تحميه من غضبة شعبه وجيشه·
اياً كانت برامج ومناهج ومخططات وتطلعات الانقلابيين الموريتانيين الجدد، فهي لن تكون بأي حال من الاحوال، اكثر سوءاً وفساداً واستبداداً وارتباطاً بالخارج، من تلك التي تبناها ولد الطايع، ودأب على تنفيذها بالضد من ارادة الشعب الموريتاني والامة العربية، طوال عهده الطويل والبغيض والمثقل بالخيانة والنذالة·
ومع كلٍ، ورغم كل تحفظاتنا على مآلات انقلاب مبني للمجهول، ومكنونات قادته المحتاجين عربياً الى "ال التعريف"، الا ان البوادر والمقدمات والمؤشرات الاولى تبشر كلها بالخير، وتبعث على الامل والتفاؤل، وتصب في الاتجاه الايجابي والوطني والديموقراطي، وتنسجم مع بواكير الحالة النضالية والراديكالية التي تمر بها راهناً جماهير الامة العربية، بدءاً من المقاومة الباسلة في العراق وفلسطين، ومروراً بالمعارضة الشعبية العارمة في مصر، وانتهاءً بالاحوال الجهادية والدعوات الاصلاحية في جزيرة العرب·
اغلب الظن ان الفاعلية الثورية، او الحيوية النضالية قد باشرت العودة التدريجية الى القوام الشعبي العربي الذي ارهقه طول القعود والخمود، وافقده الكثير من اللياقة الوطنية والالتزام القومي، وابعده عن ذاته ومنطلقاته ومعتقداته ودوره التاريخي، وجعله نهباً لاطماع التحالف الصليبي - الصهيوني الذي تمادى في غيه وغروره·
اغلب الظن ان بواكير صحوة جهادية واستشهادية عربية قد لاحت في الافق القريب، وباتت تدق ابواب المستقبل·· ها هو حزب البعث يتولى هزيمة الاحتلال الامريكي في كل العراق، وها هي حركة "كفاية" تباشر هزيمة دهاقنة كامب ديفيد في مصر، وها هم قادة الانقلاب الموريتاني يسقطون ابشع رموز التطبيع والاستسلام على حافة المحيط الاطلسي·
ومع ان انتفاضة الاقصى لم تبلغ مداها، او تصل الى منتهاها، او تحقق كامل اهدافها، الا ان الانسحاب الصهيوني من قطاع غزة لم يكن ليتحقق في عهد ليكودي عتيق مثل شارون، لولا فعاليات وتضحيات تلك الانتفاضة الممنوعة حالياً من الصرف، والمرشحة مستقبلاً للاشتعال السريع لدى وصول خارطة الطريق واوهام السلام الى الجدار المسدود·
قد يبدو الواقع العربي ساكناً او آسناً، ولكن بالتدقيق يتضح ان هذا هو واقع الانظمة والحكومات وليس الشعوب والجماهير، فالانظمة هي التي شاخت وافلست وتهالكت، وهي التي تتعمد فرض ازماتها وافلاساتها على شعوبها بقوة القمع والتسلط والاستبداد، غير ان الشعوب باشرت في الآونة الاخيرة تمييز ذاتها عن انظمتها، واثبات جدارتها في مناهضة تلك الانظمة، سواء عبر الوسائل السياسية شأن الجاري في مصر، او الحركات الراديكالية شأن الحاصل في جزيرة العرب، او الانقلابات العسكرية شأن ما وقع في موريتانيا حيث قام الجيش لدى انسداد افاق التغيير السلمي، بعملية التغيير والتطهير نيابة عن الشعب·
ظاهرياً، تبدو الاوضاع العربية الراهنة طاعنة في الرداءة والبؤس، غير ان نظرة ثاقبة الى بواطن الامور سوف تكشف ان الجوهر يخالف المظهر، وان ما يمور في الاعماق يختلف عما يبدو على السطح، وان الطاقة النضالية الكامنة والهائلة لدى الشعوب العربية توشك ان تتفعل وتتقحم وتدخل حيز التعبير الثوري الشامل·· وليست الجيوش المعتبرة مؤسسات وطنية بالدرجة الاساس، بعيدة عن نبض شعوبها، ومصالح اوطانها·
لا مراء ان انهيار المعسكر الاشتراكي، وانتصار الغرب الرأسمالي الصليبي والصهيوني اوائل التسعينات قلب موازين القوى في سائر ارجاء العالم وبضمنها الوطن العربي الذي شهد استكبار قوى الردة والرجعية والفساد والتطبيع مع العدوين الامريكي والصهيوني·· غير ان دوام حالٍ من المحال، حيث لم تلبث قوى التحرر والنضال العربي ان خرجت من صدمتها، واستعادت عنفوانها واقتدارها، خصوصاً وان التحالف الصليبي - الصهيوني المأخوذ بنشوة الانتصار على المعسكر الاشتراكي قد بالغ في استفزاز الشعوب العربية، والتسلط على الوطن العربي، والتهجم على الدين الاسلامي، والمساندة للانظمة العميلة مقابل الاجهاز على الانظمة الاخرى·
على ان الجدير بالملاحظة والاهتمام هذه المرة، هو التحام النضال الشعبي العربي بعمقه الاسلامي، واتساع دائرة هذا النضال لتشمل الاشقاء من الشعوب والديار الاسلامية غير العربية·· ربما للرد بمفردات الانتماء الاسلامي على التحالف الصليبي - اليهودي الذي وضع الاعتبارات الدينية في قمة الاولويات والصراعات السياسية·
وعليه·· فالصحوة الشعبية العربية قائمة وقادمة، والفاعلية النضالية الوطنية والقومية حاضرة ومتعاظمة، وحركة التحرر والتقدم والديموقراطية جامعة ومتسارعة، بدءاً من معجزة المقاومة العراقية عند شط العرب، وانتهاءً بمفاجأة الثورة الموريتانية على المحيط الاطلسي·· وبشر الصادقين والصابرين والمرابطين في خنادق الجهاد، والقابضين على جمر المبادئ والثوابت.
منقول بتصرف