المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : طاسة وضايعة



الفرقاني
16-08-2005, 03:00 PM
طاسة وضايعة


بقلم: انصاف قلعجي
تشتهر الحمامات الشعبية وخاصة الدمشقية بأن لها احتفالية خاصة بها، اذ كان الحمام في يوم ما هو يوم عيد للعائلة، فتعد الام منذ الصباح الوجبات الخفيفة من عرائس الزيت والزعتر بالخبز المشروح والصفيحة والمخللات والفاكهة لتقضي العائلة النهار بطوله في الحمام· وكان هذا اليوم يعتبر (سيران) العائلة· تُعبأ اجران المياه، وتبدأ الام (بدَعك ومَعك) الطفل حتى ينسلخ جلده من كثرة النظافة· وكانت طاسة الحمام هي الوسيلة لصب الماء على جسم الطفل او الكبار· ولكن ماذا لو ضاعت الطاسة، وقامت القيامة في الحمام مع صراخ الاطفال وكثافة البخار الذي يحجب الرؤية وارتفاع درجة حرارة الحمام وغيره وغيره··
ليست المشكلة في الحمام وضياع الطاسة، ولكنها في هذا الوطن المجروح الذي غشاه دخان القنابل المحرمة والاسلحة الفتاكة والسيارات المفخخة وانقطاع الماء والكهرباء والاغتيالات والفساد واللصوصية والفقر والبطالة والتآمر والخيانات·· و·· وضاعت الطاسة··
وطن ممزق من اقصاه لاقصاه رغم كل الخير الذي فيه، والمواطن الذي لا حول له ولا قوة يسير كالمشدوه كأنه اصيب بضربة مفاجئة على رأسه فاصبح مسطولا وكل الاصابع تشير له بأنه المتهم·· انت مسلم فاذا انت ارهابي، انت تؤيد المقاومة فانت ارهابي، انت تنادي بالحرية والعدالة فانت ملعون الى يوم القيامة لانك ارهابي حتى وان تشاهدت بأن لا اله الا الله فانت تضمر امراً ارهابياً··
تماماً كما هو الحال في رواية "1984" للروائي البريطاني جورج اورويل كأنه كان يقرأ ما سيؤول اليه العالم في ظل النظام العالمي الجديد، هذا العالم الذي رأى اورويل بأن سيحكمه قوى تتقاسم مساحته وسكانه ويتحول ناسه الى مجرد ارقام في جمهوريات الاخ الاكبر الذي يراقب كل شيء، ويعرف كل شيء، وحيث تتحول القيم البشرية الى السلبيات، وحيث الشعوب مجرد ارقام هامشية في الحياة بلا مشاعر ولا عواطف وليس لديهم طموحات او آمال بل يعملون كالالات لينالوا رضا الاخ الاكبر، لانه يراقبهم··
هل حقا ضاعت طاسة المواطن العربي، واختفت البوصلة، وضاعت قيمه الا ما يفرضه نظام امريكا·· حتى الديكورات البرلمانية ما استطاعت ان تعيد الطاسة والبوصلة لهذا المواطن المرعوب المغيب·
وقد قال لاري فلينت: يكون حكم الاغلبية فعالاً فقط اذا اخذنا بعين الاعتبار حقوق الفرد لانه من غير الممكن ان يصوّت خمسة ذئاب وخروف واحد على ماذا يتناولون للعشاء!
ووحدها المقاومة بكل فصائلها، من سيعيد لهذا المواطن كرامته واعتباره.