المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المقاومة العراقية صياغة الانتصار والمستقبل



الفرقاني
16-08-2005, 02:56 PM
المقاومة العراقية صياغة الانتصار والمستقبل


بقلم: اسماعيل ابو البندورة
الآن وضعتنا المقاومة الباسلة في العراق على ابواب مرحلة جديدة، من اهم عناوينها وسماتها ارتفاع صوت الحق وانتصاره على الباطل وبزوغ ارادة الشعب التي لا تقهر عندما يعرف الشعب طريقه وغايته، وبسالة الانسان العربي في مواجهة المعتدين ووجود القيادة المناضلة المخلصة المؤمنة، وبروز وحدة المقاتلين وترفعهم عن الخلافات والصغائر السياسية، وعدم احتكار القيادة، فالكل سواء في البطولة وكل من يحارب الاعداء قائد وشريك، والتوحد بين العروبة والاسلام في مزيج نضالي فريد، وترك ارث الماضي السلبي والتطلع الى الامام، والتزاحم على الشهادة والاستشهاد، والايمان القوي بالنصر على الرغم من قوة العدو وبأسه، والتفاف الشعب حول مقاومته يمدها بالشرط الضروري للمواصلة والاستمرار، وقدرة المقاومة على نقل الناس من الحياد الى المشاركة، وتشوه صورة العملاء والدمى وكراهية الشعب لهم، والانتقال اخيراً الى رؤية المستقبل وصياغته وتراجع العدوان وافشال مخططاته واعترافه بالفشل والهزيمة بعد ان استنفذ كل الوسائل اللااخلاقية وغير المشروعة في تبرير عدوانه ومواصلة وجوده·
لقد عرفت امريكا في العراق انها لن تقهر العرب بعد الآن وان هزيمتها ممكنة وفي العراق تحديداً ارض الحضارة والنضال والدفاع عن كرامة الامة·
اننا نتحدث الآن عن مقاومة فريدة في التاريخ ظهرت في اصعب ظروف وتواجه فيها طرفان لا تكافؤ بينهما في القوة احداها أعتى قوة في العصر الحديث وفي الطرف الاخر شعب معتدى عليه ويبحث عن حريته وتقدمه واستقلاله، ولا يملك في المواجهة سوى الايمان والصبر وقوة الارادة والاعتزاز بالقيم والتقاليد الكبرى للامة·
انها صورة من صور المواجهة والتجابه بين الحق والباطل في أجلى صورها، بين الوحشية والانسانية، بين العقل واللاعقل، بين القوة المادية والقوة المعنوية، بين الحرية والعبودية·
لقد ظهرت هذه الصور جميعها في هذه المواجهة الفريدة التي ارادها عقل وحشي يسعى الى الهيمنة وانتهاك حق الشعوب في الحياة والاستقلال والكرامة، ولذلك كان الطرف الآخر في المواجهة نوعياً في رده ومثيراً للتأمل في فعله اذ راودت خياله في لحظة تاريخية معينة انه يدافع عن قيم كبرى واشياء ونزوعات مشتركة بين الشعوب، وان القدر اختاره لكي يكون المدافع عن هذه القيم والنزوعات، ولذلك تحدى القوة الباغية وانتصر عليها وتحول قتاله معها الى معركة حضارية بين رؤيتين وقيمتين وبين فكرتين : فكرة الحرية وفكرة الاستعباد، فكرة الوحشية وفكرة التمدن، فكرة الايمان واللاايمان، فكرة الهيمنة وفكرة الاستقلال الى آخر هذه الثنائيات المتعاكسة التي برزت ويمكن ان تبرز لاحقاً في سياق هذه المواجهة·
ان كل ما نورده هنا اصبح يظهر يومياً ومن خلال يوميات وتجليات القتال والمقاومة في العراق ولا يبدو طارئاً على احداثها ومجرياتها حتى اننا نشاء احياناً استذكار العناوين التي تأطرت بها المواجهة منذ البداية عام 1991 عندما استشرف قائد العراق المجاهد صدام حسين طبيعتها وسماتها واطلق عليها اسم "ام المعارك"، وكانت هي وعلى ضوء معطيات المعركة الراهنة وبما تحمله من سمات المعركة الحضارية والافق التاريخي تتويجاً لمعارك ومرحلة كبرى من مراحل المواجهة ذلك ان المعركة وما تتسم به من سمات نوعية جعلها لا تبدو حدثاً عسكرياً عادياً وانما تجابه ومواجهة بين فكرتين وموقعين ورؤيتين : الرؤية الاستعمارية المتوحشة والرؤية القومية الاستقلالية النزاعة للحرية والانسانية، كما ان المواجهة في تواصلها على هذا النحو وظهور بعض السمات المغايرة فيها تستحق ان تكون بالاسم الذي اطلق عليها "المنازلة الكبرى" بكل المعاني النضالية فهي معركة الشعب ضد اعدائه، وهي معركة الشعب في وحدة نظرته للاستعمار والهيمنة، وهي معركة امة وليست معركة نظام او شعب صغير، وهي دفاع عن قيم الحق والعدالة والحرية وليست صداماً بسيطاً يمكن حله والوصول الى حلول سريعة فيه·
وارى الآن بأن هذه العناوين هي التي دفعت المقاومة الباسلة لتكون بهذه السرعة والدقة وبهذا الصفاء وبهذه القدرة العالية التوتر وبهذا الوضوح في رؤية التناقضات وفي رؤية العدو او معسكر الاعداء بكل طبقاته ومعطياته وقدراته وهو ما اعطاها القدرة على تحقيق نتائج باهرة في فرصة زمنية عمرها عامان ونيف·
الا ان المطلوب ونحن نقرأ سمات المقاومة الباسلة في العراق ونراجع بعض معطياتها ونفرح للنتائج التي حققتها في الميدان ان نستعد من الآن لرؤية ما يمكن ان تصل اليه في المستقبل لان المقاومة افتتحت افقاً وفضاءً واسعاً للاحتمالات والتوقعات واصبح النصر قاب قوسين او ادنى ولابد من الآن ان تبدأ فينا عملية الدفع باتجاه توليد المشروع الوطني الكبير في العراق الذي يتأسس اولاً على الاعتزاز بارادة الشعب الذي انضج المرحلة الظافرة في تاريخ العراق والايمان العميق بوحدة الارادة الشعبية التي قاتلت العدو مدفوعة بحب الحرية والاستقلال ورفض الهيمنة والاستعباد، والقناعة ثانياً بأنه لولا تضافر كل الجهود واجتماع كل فئات الشعب العراقي الرافضة للاحتلال في صف واحد لما كان هناك نتائج عظيمة مثل عظمة طرد الاحتلال والانتصار عليه، وهذا يؤكد ضرورة توحد القوى التي قاتلت العدو لصياغة المستقبل المشترك وعدم احتكار المواقف والمواقع وعدم الاستفراد في ادارة البلاد واحترام التعددية وكل صيغ الحرية التي تليق بشعب دافع بدمه عن كرامته وحريته·
ولابد من اعتبار مرحلة مواجهة قوات الاحتلال على انها مرحلة صهر وتذويب للخلافات واعتماد على اهداف كبرى وتجاوز لسلبيات المرحلة الماضية وظروفها ومعطياتها والانتقال الى مرحلة الوفاق والحوار والتفاهم على مصير ومستقبل العراق بروح عالية من المسؤولية الوطنية والقومية ونبذ كل صور الخلاف السلبي والحديث عن الرؤى الايجابية التي يمكن ان تسهم في بلورة تيار قومي وطني يقود البلاد في عملية البناء والنهضة والتقدم·
اننا نعرف القوة الكامنة في المقاومة لاشتقاق الطرق المناسبة لصياغة المستقبل ولكننا نضع الاشارات على الطريق حتى يراها الجميع وهم يدافعون بهذه البسالة والفرادة والعزة عن وطنهم المحتل ووجود جوقة الشياطين في المنطقة الخضراء وهم يكيدون كيداً ويحاولون بكل السبل اجهاض هذه المقاومة المتواصلة وحسن تدبيرها في القتال وبأسها الشديد في مواجهة أعتى قوة في العالم·
اننا نسعى الى تحويل حالة الانشداه التي احاقت بقوة الاحتلال ومن تبعها من قوى في الداخل والخارج من قدرة المقاومة وقوة وفرادة النتائج العسكرية التي حققتها الى حالة انشداه وافشال دائم وتحطيم للعقل الاستعماري الذي اراد ان يحول العراق الى نموذج جديد للسيطرة والالحاق وجعل العراق المقبرة الكبرى لهذه الاحلام والمشاريع الاستعمارية.