الفرقاني
14-08-2005, 01:59 AM
تفتيت العراق في الإستراتيجية الشيعية
12-8-2005
بقلم علي حسين باكير
بداية لا بد أن نعلم أن الطرح السني العربي العراقي يهدف إلى عراق واحد موحد مندمج في إطاره التاريخي والحضاري الذي ينتمي إلى الأمة العربية والإسلامية، والتي تتعارض مصالحها الحالية بالضرورة مع الولايات المتحدة لاحتلالها الأراضي العربية والإسلامية، وتتعارض أيضا مع مخططات دول أخرى أيضا تسعى لأن تكون الساحة العراقية هي ساحة المراهنة وتصفية الحسابات والمراوغات مع الولايات المتحدة الأمريكية، وأعني بذلك إيران بالدرجة الأولى، من أخذ بهذه المقدمة سيسهل عليه فهم المضمون.
يقول طارق عزيز في اجتماع له مع مسئول لبناني رفيع في فترة الثمانينات خلال تبادل للآراء حول مشاريع التقسيم في المنطقة، أن مشاريع التقسيم تبدأ من العراق، ثم يشرح وجهة نظره فيقول:
أولا: "إذا كنا نتفق على أن الغاية من التقسيم هي إقامة دويلات تقوم على الطائفية، التي تبرر وجود إسرائيل، فإن التقسيم يجب أن يؤدي إلى قيام دويلات صغيرة ضعيفة تزيد من مساحة إسرائيل".
ثانيا: إن التقسيم إذا قام مثلا في لبنان، فإنه يمكن أن يؤدي إلى توسيع سوريا والتي ستجد نفسها مضطرة وقادرة على إلحاق معظم الأقسام غير المسيحية من لبنان بها، في وقت سيجد فيه المسلمون أنفسهم في أجواء التوجه إلى التوحد مع سوريا. وهكذا فإن التقسيم لا يمكن أن يبدأ من لبنان، لأن تقسيم لبنان يؤدي إلى توسيع سوريا.
ثالثا: ممّا سبق نستطيع الاستدلال، بأن التقسيم لا يبدأ من سوريا أيضا، لأنّ تقسيم سوريا من شأنه أن يؤدي إلى توسيع العراق".
وينتهي طارق عزيز من عرض وجهة نظره، فيقول: "وهكذا فإن المخاوف من التقسيم تصبح في محلها إذا وجدنا أنفسنا في وقت ما في مواجهة مشروع للتفتيت يبدأ في العراق، لأنّ تقسيم العراق لن يؤدي إلى توسيع أي بلد عربي آخر، وسيكون الفتيل الذي يشعل رياح التقسيم في المنطقة عموما ويمد لهيبها إلى سوريا ومنها إلى لبنان".
ويبدو أن كلام طارق عزيز كان في محله، فتقسيم العراق بدأ منذ التخطيط لاحتلاله، وعراق ما بعد الاحتلال لن يكون عراق ما قبل الاحتلال أبدا، ولن يعود عراق الرافدين الذي خبرناه في تاريخنا الإسلامي والعربي.
* الشيعة يطالبون بتفتيت العراق!!
ذكرنا مرارا وتكرار أهداف الشيعة في تكوين دولة طائفية في العراق والتخطيط لتفتيته، وحذرنا مرات عديدة من ذلك، وكان آخرها في مقال منشور لنا بعنوان "إستراتيجية الحرب الشيعية على السنة في العراق"، واتهمنا وقتها بأننا نسعى إلى إثارة فتنة طائفية!! ولكن، وبعد أن نطق الشيعة أنفسهم بهذا المطلب، أصبح مقالنا في غاية الأهمية.
على العموم، فإن مصطلح الشيعة في هذا المقال يضم أيضا إيران، على اعتبار أن من يسعى إلى تفتيت العراق ليسوا أغلب شيعة العراق فقط، بل إيران أيضا باعتبارها المحرّك الأساسي لمثل هذه المشاريع التفتيتية، والتي تتوافق مع الخطط الأمريكية لهذه المرحلة ومع أهداف الأكراد في تشكيل دولة لهم أيضا.
ولكن ماذا قالوا هذه المرّة، وبماذا طالب هؤلاء الشيعة؟
طالب "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق"، وهو أحد الأحزاب الشيعية الرئيسية المشاركة في الحكومة العراقية عبر زعيمه عبد العزيز الحكيم في11 آب 5 بإقامة إقليم فيدرالي خاص بالشيعة يضم كل مناطقهم بجنوب العراق علاوة على وسط البلاد"المحافظات التسع هي كل من البصرة وميسان وذي قار وواسط بالإضافة إلى محافظات الفرات الأوسط متمثلة ببابل والنجف وكربلاء والمثنى والقادسية". وأضاف الحكيم: "نحن نؤكد على ضرورة إقامة إقليم واحد في جنوب ووسط العراق لوجود مصالح مشتركة بين ساكني هذه المناطق"، وقال "هادي العامري" رئيس منظمة بدر الجناح العسكري لحزب الحكيم، إنه "ينبغي أن تكون للشيعة حكومة فيدرالية في جنوب العراق"، وأضاف يجب أن نُصر على تشكيل إقليم واحد في الجنوب وإلا سنندم على ذلك، وتساءل قائلا: "ما الذي حصلنا عليه من الحكومة المركزية غير القتل؟". وتابع العامري: "يجب أن نحصل على الفيدرالية في الجنوب لكي نضمن حقوقنا التي حاول الأعداء منعنا من الحصول عليها".
وفي تحليلنا لهذه الفقرة الصغيرة نلاحظ ما يلي:
1- إن الشيعة وتحديدا أتباع إيران في العراق الذين شربوا من حليبها وتربّوا على أيديها ثمّ غنموا على المذبح الأمريكي للعراق (شركاء أمريكا المخلصين) مثل المجلس الأعلى للثورة الإسلامية بزعامة الحكيم وذراعها العسكري فيلق بدر كركيزة أساسية، ومثل حزب الدعوة الشيعي بكافة تفرعاته، ثم يأتي بعد هؤلاء بعض الشراذم من الأحزاب الشيعية الصغيرة والأفراد التابعين لهم، يريدون دولة شيعية لهم في العراق تحت اسم الفيدرالية تمتد من وسط العراق وحتى جنوبه.
2- إن الحجة في هذه المطالبة هو "وجود مصالح مشتركة بين ساكني هذه المناطق" كما قال الحكيم بالحرف الواحد، وهو هنا يعترف أن مصالح الشيعة تختلف عن مصالح الشعب العراقي، وهو محق في ذلك تماما، فمصالح الشيعة خاصة الآن مرتبطة كل الارتباط بالوجود الأمريكي في العراق لحمايتهم بعد أن أدخلوهم على دباباتهم ومدافعهم، كما ترتبط بالعنصر الفارسي الذي يعملون عنده وبخدمته كما سنشرح لاحقا (كي لا يتهمنا أحد بالطائفية، فنحن ننقل وقائع وليس قصصا ولا روايات، فاعتبروا يا أولي الألباب قبل أن يفوت الأوان ولات ساعة ندم).
3- الدعوة لتحقيق هذه الدولة الشيعية بأسرع وقت ممكن قبل الندم فيما بعد كما طالب بذلك من يدعى "الهادي"، عندما قال: "يجب أن نُصر على تشكيل إقليم واحد في الجنوب وإلا سنندم على ذلك"، وهو على حق في المطالبة بالسرعة قبل الندم، لأنّ الفوضى قائمة، والأمريكيون يخسرون أمام ضربات المقاومة الباسلة وسينسحبون عاجلا أو آجلا، وبالتالي إن لم يشكلوا هذا الكيان، فربما يتوقعون أن المقاومة ستقتص منهم وتنتقم شرّ انتقام لمعاونتهم أعداء العراق من أمريكا وإيران على احتلاله وتدميره وتفتيته وتشتيته و.......كل ذلك فقط لكي يتسيدوا هم، وفي النهاية خاب أملهم عندما عرفوا أنهم لا يملكون حتى أمر نفسهم، بعدما توقعوا أن يكونوا أسياد العراق لما بعد الاحتلال.
4- إن القوم كان كل هدفهم من تدمير العراق، حكمه والسيطرة عليه تحت مسميات عديدة مثل تحريره، تطويره، دمقرطته، ...الخ والدليل على هذا ما قاله "العامري" بلسانه "ما الذي حصلنا عليه من الحكومة المركزية غير القتل؟".
وبطبيعة الحال فإن المطالبة الآن في هذا الوقت بالتحديد بإقامة دولة شيعية تحت شعار الفيدرالية لم يأت من فراغ، وإنما جاء ضمن إطار تسلسلي من الخطوات، وبعد غطاء ديني من مرجعيات عراقية، وسياسي من إيران وأمريكا, ويمكن رصد هذه الخطوات على الشكل التالي:
1- زيارة الجعفري إلى إيران في 17/7/5، والتي تم وصفها بـ"التاريخية" (وهي كذلك لجهة ما حصل فيها من مهاترات) وتم الاتفاق خلالها حسب بعض المصادر على إقرار خطة توطين ما يقرب من مليوني شيعي إيراني في الأراضي العراقية، وينتمي هؤلاء إلى ثلاث فئات، الأولى من لهم فروع لعائلات وقبائل عراقية وجدوا في العراق قبل نزوح أبناؤهم باتجاه الأراضي الإيرانية، والفئة الثانية: الجيل الجديد من العراقيين الذين أجبرهم صدام حسين على الهجرة إلى إيران، والثالثة تضم العراقيات المتزوجات من إيرانيين، حيث سيتم منح أزواجهن وأبنائهن الجنسية العراقية. أضف إلى أن الإستراتيجية الإيرانية الجديدة بخصوص العراق لا تقتصر على جانب توطين الإيرانيين الشيعة فقط، بل تمتد لتبسط سيطرة كاملة على القطاعين الاقتصادي والأمني، وحتى الثقافي من قبيل إجراء تعديلات جوهرية في مناهج التعليم العراقية استجابة للمطالب الإيرانية، وتشمل إجراء تغيير كبير فيما يتعلق بتاريخ الحرب العراقية الإيرانية والعلاقات بين العرب والفرس، والتي لم تخل من توترات تاريخية.
2- تضمين مسودة الدستور العراق الدائم والمقترح (المنشورة في جريدة الصباح العراقية) في تاريخ 27/7/5 فقرة في المادة الثالثة تحديدا، تتحدث عن أن القومية الفارسية هي جزء أساسي ولا يتجزأ من مكونات الشعب العراقي!! والمادة الرابعة التي أشارت بشكل مبطن إلى إمكانية أن تكون اللغة الفارسية لغة رسمية!! عندما قالت "يحق للأقاليم أو المحافظات اتخاذ أية لغة محلية أخرى لغة رسمية إضافية (إلى جانب العربية والكردية) إذا أقرت غالبية سكانها ذلك باستفتاء عام!!!
3- تصريح المرجع الشيعي الأعلى آية الله علي السيستاني أن ليس لديه أي اعتراض على اعتماد مبدأ الفيدرالية في البلاد "إذا اختارها العراقيون"، أما نوع الفيدرالية وتفاصيلها، فهو قال إن هذا أمر متروك للجمعية الوطنية (التي يسيطر عليها الشيعة).
4- المجازر التي يقوم بها جيش الحكومة العراقية، والميليشيات الشيعية التي تحمي حكومة الاحتلال الأمريكي وعملائهم بحق أهل السنة وباقي الطوائف خاصّة في مناطق الوسط والجنوب، والتفسير المنطقي لذلك هو أنهم إذا أرادوا تشكيل دولة شيعية في هذه المناطق، فالأفضل أن لا تكون فيها أقليات من أي طائفة كانت!!
* لماذا يقوم الشيعة بتفتيت العراق؟
أما لماذا يطالب هؤلاء الشيعة بهذا المطلب وخاصّة في هذه الفترة بالذات، فذلك لأسباب عديدة نوجزها بما يلي:
أوّلا: الإستراتيجية الشيعية كانت تفترض الإبقاء على قوات الاحتلال في البلاد، وفي أحسن الأحوال عقد اتّفاق معها على إنشاء قواعد عسكرية خاصّة طويلة الأجل خارج المدن وبعيدا عن الناس. لكنّ المهم هو المحافظة على قوات الاحتلال في العراق، لماذا؟ بكل بساطة لأن كل الطبقة السياسية الشيعية الحاكمة اليوم في العراق جاءت على الدبابة الأمريكية، وهم عبارة عن موظفين لديها يتلقون رواتب وتدريبات عسكرية وأخرى لوجستيّة عن الديمقراطيّة والليبرالية والانفتاح وغيرها، وبالتالي فإن اندحار الاحتلال أو انسحابه سيؤدي إلى تدحرج هذه الطبقة عن السلطة التي انقضّت واستولت عليها بعد تدمير العراق ومؤسساته وتاريخه وحضارته ومجتمعه. ولما وجد هؤلاء الشيعة أن الأمريكيين يخسرون بالفعل في العراق وأن الدعوات تتصاعد للخروج منه، قرّر هؤلاء الشيعة أن أفضل حل في ظل عدم السيطرة على كامل العراق تشكيل دولة خاصّة لحماية المكتسبات والمصالح التي تم انتزاعها في ظل الاحتلال، وإلا فإن كل ذلك سيتبخر إذا انتصرت المقاومة في اعتقادهم.
ثانيا: أحد أسباب تكوين دولة شيعية هو فشل الشيعة عمليا في إثبات أنهم أكثرية الشعب العراقي، كما يروجون وكما روج لها المحتل الأمريكي والكاتب اليهودي حنا بطاطو، وهم قد فشلوا رغم الأغلبية المزعومة بالاستئثار بمقاعد البرلمان في المسرحية الرديئة المسماة انتخابات على الرغم من فتاوى السيستاني الذي أفتى بدخول النار لمن لا يصّوت (ملاحظة: هو نفسه لم يصوت!!)، وقد تطابقت هذه الفتوى مع فتوى بوش الثاني الذي دعا العراقيين إلى الانتخابات سعيا لسيطرة الشيعة الحلفاء على مناصب الدولة.
ثالثا: تأمين مصالح إيران أوّلا، فهذه الفئة الحاكمة التي يمكن أن نسميها "شركة مساهمة" لم تأت من فراغ، فمعظم هؤلاء إيرانيون وإن غيّروا أسماءهم واستبدلوا جوازاتهم (هناك العديد من المسئولين العراقيين هم إيرانيون فعلا، مثل بيان جبر صولاغ وزير الداخلية والعديد من القيادات الشيعية)، فإن أفعالهم تكشف حقيقتهم وإن لم يكن ذلك فعلى الأقل هم نشأوا وتربوا وترعرعوا وتدرّبوا شربوا من المشرب الإيراني، وأقل مثال على ذلك جماعة بدر والقيّمون عليها من آل الحكيم. وليس هناك تعارض بين خدمة الحلفاء الأمريكيين وولاة الأمر الإيرانيين تحت العلم العراقي، وخير مثال على ذلك العميل العلماني المزدوج "الجلبي" الإيراني الأمريكي، والذي فاز في لائحة الإيراني "السيستاني" الدينيّة العراقيّة!!! خلطة غريبة عجيبة.
* إيران ومطلب الدولة الشيعية في العراق المفتت:
وفي إطار البند السابق، يسعى هؤلاء إلى تحقيق مصلحة إيران في جعل العراق ساحة خلفية يسهل ابتلاعها واستخدامها في أوراق مساومة مع أمريكا أو غيرها من دول المنطقة، ولطالما كانت إيران تطمح إلى جعل العراق ساحة لها تبتلعه، على أساس أنه جزء من تاريخها الذي فقدته في يوم من الأيام، والذي مازالت إلى اليوم تذكر العرب به وتهدد وتتوعد كلما طالبها أحد باستعادة حقوقه المسلوبة منها، وعلى الرغم من ادّعائها الطابع الإسلامي، إلا أن الفارسية حاضرة بشكل دائم وأقوى في وجدانها. لكن لما وجدت أن العراق اليوم لم يتم السيطرة عليه كليا من قبل الشيعة كما كانت تتمنى إيران ذلك، فهي ترى أن الحصول على قطعة شيعية من الأرض خير وأبقى من عراق كبير تتوه فيه السيطرة ولا كلمة فصل للشيعة فيه، كما هو الحال اليوم.
أضف إلى ذلك أن دعم إيران لهذه الإستراتيجية يهدف إلى تشكيل تجمعات شيعية خالصة في الجنوب، ويعني ذلك تطهير الأماكن الذي يوجد فيها سنّة (مثلا حوالي نصف سكان البصرة من السنة)، وذلك تمهيدا لإقامة فيدرالية شيعية في البداية تتحول إلى دولة مع مرور الوقت، خاصّة أن أي دولة موعودة للشيعة في العراق المقسم تعتبر ورقة رابحة في يد إيران في أي استحقاق إقليمي أو دولي.
وليس صحيحا أن الملك الأردني هو أول من ابتدع هذا المصطلح أو طرحه أو حذّر منه. فقبل حوالي خمس سنوات تقريبا وفي برنامج "زيارة خاصة" الذي يقدمه سامي كليب على قناة الجزيرة تم استضافة "أبو الحسن بني الصدر" أوّل رئيس للجمهورية الإيرانية بعد الثورة في حلقة بعنوان:" الثورة الإيرانية وأميركا والعرب" في 17/1/ ، حيث طرح عليه كليب السؤال التالي: "هل كان الإمام الخميني يحدثك عن علاقة مع الجوار العربي، مع دول الخليج؟ وهل كانت لديه أطماع في التقدم عسكرياً تجاه هذه الدول من أجل تصدير الثورة مثلاً؟". فأجاب أبو الحسن: "لم يحدثني بهذا الموضوع، ولكن كان هناك مشروع آخر، كان يريد إقامة حزام شيعي للسيطرة على ضفتي العالم الإسلامي، كان هذا الحزام يتألف من إيران والعراق وسوريا ولبنان، وعندما يصبح سيداً لهذا الحزام يستخدم النفط وموقع الخليج الفارسي للسيطرة على بقية العالم الإسلامي".
* نموذج على محاولات تكوين دولة شيعية في الجنوب العراقي:
عندما نتكلم يجب أن نكون واقعيين لا نكون مجرد عاطفيين، يجب أن نضع الحقائق في إطارها الصحيح، ولكي ندلل على كلامنا نعطي مثالا من بين عدّة أمثلة على المحاولات التي تجري لإقامة دولة شيعية في جنوب العراق، وأبرزها كما نقلته جريدة القدس العربي وغيرها من الصحف في شهر أبريل الماضي عن مؤتمر يعقد في البصرة لتشكيل فدرالية من ثلاث محافظات جنوبية في العراق، حيث تذكر الصحيفة أن أطرافا حزبية وسياسية شيعية في المحافظات الجنوبية العراقية لاسيما (البصرة، الناصرية والعمارة) تنشط من أجل الإعلان عن (إقليم الجنوب) الذي يرتبط صوريا بالحكومة المركزية بغداد على غرار الإقليم الكردي في شمال العراق. وأن ابرز القيادات الداعمة لهذا المشروع هو المجلس الأعلى للثورة الإسلامية، ومنظمة بدر وأيضا حزب الدعوة بأجنحته المختلفة وأعضاء في مجالس المحافظات الثلاث ورؤساء بعض الإدارات فيها.
وفي الوقت الذي تدعم فيه إيران هكذا مشاريع، تبيّن أيضا أن دولة عربية مجاورة للبصرة تدعم هذا المؤتمر عبر تسهيلات عديدة ومكافآت مالية تصل إلى ملايين الدولارات لتحويل البصرة إلى (هونغ كونغ) الخليج كما يزعمون عند انفصاله عن الحكومة المركزية في العراق.
هذا وقد كان هدف المؤتمر مناقشة العمل على وحدة إقليم الجنوب اقتصادياً واستغلال أكبر نسبة من الثروات والموارد النفطية فيه لصالح المحافظات الثلاث، وتحديد شكل العلاقة الإدارية والمالية مع الحكومة المركزية، والعلاقة التنظيمية بين محافظات الإقليم الثلاث، وإنشاء جهة رقابية للإشراف على توزيع الموارد وإعداد الميزانيات، وتشكيل مجلس مشترك لإدارة وتسيير شؤون المحافظات الثلاث في مجالات الخدمات البلدية والصحية والتربوية والصناعية. ويتخوف معظم سكان البصرة والناصرية والعمارة من عقد مثل هذا المؤتمر، والتحسب من نتائجه التي قد تفضي لاحقاً إلى إنشاء كيانات وأقاليم ودويلات صغيرة تنفصل عن الدولة المركزية، ضمن مخطط بدأته الأحزاب والقيادات الكردية في الشمال لتفتيت العراق وتقسيمه وفصل أجزاء منه.
وكان القوم قد طرحوا في السابق تجربة مالية للانفصال، فقد أشارت صحيفة الشرق الأوسط في عدد لها قبل حوالي السنة أنه تمّ التداول آنذاك في الأسواق العراقية بفئات من الدنانير العراقية من الطبعة الجديدة سميت "بالدينار الشيعي"، كونها ختمت بعبارة ينسبها الشيعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهي: من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم انصر من نصره واخذل من خذله، وذكرت الصحيفة أنها حصلت على ورقة نقدية فئة 25 دينارا مختومة بهذا الحديث، وذكر آخرون أن العبارة ختمت على فئات أخرى طرحت مئات الملايين منها للتداول في العراق .. والقادم أعظم!!.
إن مشروع تقسيم العراق طائفياً وعرقياً صار واقعاً لا يتطلب غير الإعلان عنه بشكل رسمي، ولا يستبعد أن تكون نهاية العام الحالي الموعد المحدد لهذا الإعلان، خصوصاً وأن حكومة الجعفري الشيعية الكردية تسير في هذا الاتجاه، من خلال مؤتمرات واجتماعات مرة لإنشاء إقليم الجنوب ومرة أخرى لفيدرالية النجف وكربلاء وثالثة لإطلاق كيان محافظات الفرات الأوسط، وهذه الفعاليات تنظمها قيادات في الأحزاب الشيعية ويتم التداول فيها علناً بضرورة تكوين كيانات مستقلة عن المركز في بغداد بحجة التنظيم الإداري والتوزيع العادل للثروات ورفع المظلومية عن الشيعة، حتى وصل الأمر بأصوات تدعو إلى الاستيلاء على آبار وحقول النفط في البصرة والعمارة والاتفاق مع الشركات الأمريكية لاستحصال إيرادات ومبيعات النفط المصدر إلى الخارج، بمعزل عن بغداد، وليس مستبعداً أن يكون إصرار أحمد الجلبي على تسلم وزارة النفط جزءا من هذه الخطط، باعتباره أول من دعا إلى تخصيص نسبة من مبيعات النفط لإقليم الجنوب، وهو أحد الساعين إلى تأسيسه.
إن تحقق مشروع لدولة شيعية على مذبح العراق الموحّد، فمعنى هذا أن المشروع الأمريكي والصهيوني والإيراني في تفتيت العراق بعد تدميره قد نجح، وأن النموذج سيتم تصديره إلى الدول العربية الأخرى في إطار "الفوضى الخلاّقة".
12-8-2005
بقلم علي حسين باكير
بداية لا بد أن نعلم أن الطرح السني العربي العراقي يهدف إلى عراق واحد موحد مندمج في إطاره التاريخي والحضاري الذي ينتمي إلى الأمة العربية والإسلامية، والتي تتعارض مصالحها الحالية بالضرورة مع الولايات المتحدة لاحتلالها الأراضي العربية والإسلامية، وتتعارض أيضا مع مخططات دول أخرى أيضا تسعى لأن تكون الساحة العراقية هي ساحة المراهنة وتصفية الحسابات والمراوغات مع الولايات المتحدة الأمريكية، وأعني بذلك إيران بالدرجة الأولى، من أخذ بهذه المقدمة سيسهل عليه فهم المضمون.
يقول طارق عزيز في اجتماع له مع مسئول لبناني رفيع في فترة الثمانينات خلال تبادل للآراء حول مشاريع التقسيم في المنطقة، أن مشاريع التقسيم تبدأ من العراق، ثم يشرح وجهة نظره فيقول:
أولا: "إذا كنا نتفق على أن الغاية من التقسيم هي إقامة دويلات تقوم على الطائفية، التي تبرر وجود إسرائيل، فإن التقسيم يجب أن يؤدي إلى قيام دويلات صغيرة ضعيفة تزيد من مساحة إسرائيل".
ثانيا: إن التقسيم إذا قام مثلا في لبنان، فإنه يمكن أن يؤدي إلى توسيع سوريا والتي ستجد نفسها مضطرة وقادرة على إلحاق معظم الأقسام غير المسيحية من لبنان بها، في وقت سيجد فيه المسلمون أنفسهم في أجواء التوجه إلى التوحد مع سوريا. وهكذا فإن التقسيم لا يمكن أن يبدأ من لبنان، لأن تقسيم لبنان يؤدي إلى توسيع سوريا.
ثالثا: ممّا سبق نستطيع الاستدلال، بأن التقسيم لا يبدأ من سوريا أيضا، لأنّ تقسيم سوريا من شأنه أن يؤدي إلى توسيع العراق".
وينتهي طارق عزيز من عرض وجهة نظره، فيقول: "وهكذا فإن المخاوف من التقسيم تصبح في محلها إذا وجدنا أنفسنا في وقت ما في مواجهة مشروع للتفتيت يبدأ في العراق، لأنّ تقسيم العراق لن يؤدي إلى توسيع أي بلد عربي آخر، وسيكون الفتيل الذي يشعل رياح التقسيم في المنطقة عموما ويمد لهيبها إلى سوريا ومنها إلى لبنان".
ويبدو أن كلام طارق عزيز كان في محله، فتقسيم العراق بدأ منذ التخطيط لاحتلاله، وعراق ما بعد الاحتلال لن يكون عراق ما قبل الاحتلال أبدا، ولن يعود عراق الرافدين الذي خبرناه في تاريخنا الإسلامي والعربي.
* الشيعة يطالبون بتفتيت العراق!!
ذكرنا مرارا وتكرار أهداف الشيعة في تكوين دولة طائفية في العراق والتخطيط لتفتيته، وحذرنا مرات عديدة من ذلك، وكان آخرها في مقال منشور لنا بعنوان "إستراتيجية الحرب الشيعية على السنة في العراق"، واتهمنا وقتها بأننا نسعى إلى إثارة فتنة طائفية!! ولكن، وبعد أن نطق الشيعة أنفسهم بهذا المطلب، أصبح مقالنا في غاية الأهمية.
على العموم، فإن مصطلح الشيعة في هذا المقال يضم أيضا إيران، على اعتبار أن من يسعى إلى تفتيت العراق ليسوا أغلب شيعة العراق فقط، بل إيران أيضا باعتبارها المحرّك الأساسي لمثل هذه المشاريع التفتيتية، والتي تتوافق مع الخطط الأمريكية لهذه المرحلة ومع أهداف الأكراد في تشكيل دولة لهم أيضا.
ولكن ماذا قالوا هذه المرّة، وبماذا طالب هؤلاء الشيعة؟
طالب "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق"، وهو أحد الأحزاب الشيعية الرئيسية المشاركة في الحكومة العراقية عبر زعيمه عبد العزيز الحكيم في11 آب 5 بإقامة إقليم فيدرالي خاص بالشيعة يضم كل مناطقهم بجنوب العراق علاوة على وسط البلاد"المحافظات التسع هي كل من البصرة وميسان وذي قار وواسط بالإضافة إلى محافظات الفرات الأوسط متمثلة ببابل والنجف وكربلاء والمثنى والقادسية". وأضاف الحكيم: "نحن نؤكد على ضرورة إقامة إقليم واحد في جنوب ووسط العراق لوجود مصالح مشتركة بين ساكني هذه المناطق"، وقال "هادي العامري" رئيس منظمة بدر الجناح العسكري لحزب الحكيم، إنه "ينبغي أن تكون للشيعة حكومة فيدرالية في جنوب العراق"، وأضاف يجب أن نُصر على تشكيل إقليم واحد في الجنوب وإلا سنندم على ذلك، وتساءل قائلا: "ما الذي حصلنا عليه من الحكومة المركزية غير القتل؟". وتابع العامري: "يجب أن نحصل على الفيدرالية في الجنوب لكي نضمن حقوقنا التي حاول الأعداء منعنا من الحصول عليها".
وفي تحليلنا لهذه الفقرة الصغيرة نلاحظ ما يلي:
1- إن الشيعة وتحديدا أتباع إيران في العراق الذين شربوا من حليبها وتربّوا على أيديها ثمّ غنموا على المذبح الأمريكي للعراق (شركاء أمريكا المخلصين) مثل المجلس الأعلى للثورة الإسلامية بزعامة الحكيم وذراعها العسكري فيلق بدر كركيزة أساسية، ومثل حزب الدعوة الشيعي بكافة تفرعاته، ثم يأتي بعد هؤلاء بعض الشراذم من الأحزاب الشيعية الصغيرة والأفراد التابعين لهم، يريدون دولة شيعية لهم في العراق تحت اسم الفيدرالية تمتد من وسط العراق وحتى جنوبه.
2- إن الحجة في هذه المطالبة هو "وجود مصالح مشتركة بين ساكني هذه المناطق" كما قال الحكيم بالحرف الواحد، وهو هنا يعترف أن مصالح الشيعة تختلف عن مصالح الشعب العراقي، وهو محق في ذلك تماما، فمصالح الشيعة خاصة الآن مرتبطة كل الارتباط بالوجود الأمريكي في العراق لحمايتهم بعد أن أدخلوهم على دباباتهم ومدافعهم، كما ترتبط بالعنصر الفارسي الذي يعملون عنده وبخدمته كما سنشرح لاحقا (كي لا يتهمنا أحد بالطائفية، فنحن ننقل وقائع وليس قصصا ولا روايات، فاعتبروا يا أولي الألباب قبل أن يفوت الأوان ولات ساعة ندم).
3- الدعوة لتحقيق هذه الدولة الشيعية بأسرع وقت ممكن قبل الندم فيما بعد كما طالب بذلك من يدعى "الهادي"، عندما قال: "يجب أن نُصر على تشكيل إقليم واحد في الجنوب وإلا سنندم على ذلك"، وهو على حق في المطالبة بالسرعة قبل الندم، لأنّ الفوضى قائمة، والأمريكيون يخسرون أمام ضربات المقاومة الباسلة وسينسحبون عاجلا أو آجلا، وبالتالي إن لم يشكلوا هذا الكيان، فربما يتوقعون أن المقاومة ستقتص منهم وتنتقم شرّ انتقام لمعاونتهم أعداء العراق من أمريكا وإيران على احتلاله وتدميره وتفتيته وتشتيته و.......كل ذلك فقط لكي يتسيدوا هم، وفي النهاية خاب أملهم عندما عرفوا أنهم لا يملكون حتى أمر نفسهم، بعدما توقعوا أن يكونوا أسياد العراق لما بعد الاحتلال.
4- إن القوم كان كل هدفهم من تدمير العراق، حكمه والسيطرة عليه تحت مسميات عديدة مثل تحريره، تطويره، دمقرطته، ...الخ والدليل على هذا ما قاله "العامري" بلسانه "ما الذي حصلنا عليه من الحكومة المركزية غير القتل؟".
وبطبيعة الحال فإن المطالبة الآن في هذا الوقت بالتحديد بإقامة دولة شيعية تحت شعار الفيدرالية لم يأت من فراغ، وإنما جاء ضمن إطار تسلسلي من الخطوات، وبعد غطاء ديني من مرجعيات عراقية، وسياسي من إيران وأمريكا, ويمكن رصد هذه الخطوات على الشكل التالي:
1- زيارة الجعفري إلى إيران في 17/7/5، والتي تم وصفها بـ"التاريخية" (وهي كذلك لجهة ما حصل فيها من مهاترات) وتم الاتفاق خلالها حسب بعض المصادر على إقرار خطة توطين ما يقرب من مليوني شيعي إيراني في الأراضي العراقية، وينتمي هؤلاء إلى ثلاث فئات، الأولى من لهم فروع لعائلات وقبائل عراقية وجدوا في العراق قبل نزوح أبناؤهم باتجاه الأراضي الإيرانية، والفئة الثانية: الجيل الجديد من العراقيين الذين أجبرهم صدام حسين على الهجرة إلى إيران، والثالثة تضم العراقيات المتزوجات من إيرانيين، حيث سيتم منح أزواجهن وأبنائهن الجنسية العراقية. أضف إلى أن الإستراتيجية الإيرانية الجديدة بخصوص العراق لا تقتصر على جانب توطين الإيرانيين الشيعة فقط، بل تمتد لتبسط سيطرة كاملة على القطاعين الاقتصادي والأمني، وحتى الثقافي من قبيل إجراء تعديلات جوهرية في مناهج التعليم العراقية استجابة للمطالب الإيرانية، وتشمل إجراء تغيير كبير فيما يتعلق بتاريخ الحرب العراقية الإيرانية والعلاقات بين العرب والفرس، والتي لم تخل من توترات تاريخية.
2- تضمين مسودة الدستور العراق الدائم والمقترح (المنشورة في جريدة الصباح العراقية) في تاريخ 27/7/5 فقرة في المادة الثالثة تحديدا، تتحدث عن أن القومية الفارسية هي جزء أساسي ولا يتجزأ من مكونات الشعب العراقي!! والمادة الرابعة التي أشارت بشكل مبطن إلى إمكانية أن تكون اللغة الفارسية لغة رسمية!! عندما قالت "يحق للأقاليم أو المحافظات اتخاذ أية لغة محلية أخرى لغة رسمية إضافية (إلى جانب العربية والكردية) إذا أقرت غالبية سكانها ذلك باستفتاء عام!!!
3- تصريح المرجع الشيعي الأعلى آية الله علي السيستاني أن ليس لديه أي اعتراض على اعتماد مبدأ الفيدرالية في البلاد "إذا اختارها العراقيون"، أما نوع الفيدرالية وتفاصيلها، فهو قال إن هذا أمر متروك للجمعية الوطنية (التي يسيطر عليها الشيعة).
4- المجازر التي يقوم بها جيش الحكومة العراقية، والميليشيات الشيعية التي تحمي حكومة الاحتلال الأمريكي وعملائهم بحق أهل السنة وباقي الطوائف خاصّة في مناطق الوسط والجنوب، والتفسير المنطقي لذلك هو أنهم إذا أرادوا تشكيل دولة شيعية في هذه المناطق، فالأفضل أن لا تكون فيها أقليات من أي طائفة كانت!!
* لماذا يقوم الشيعة بتفتيت العراق؟
أما لماذا يطالب هؤلاء الشيعة بهذا المطلب وخاصّة في هذه الفترة بالذات، فذلك لأسباب عديدة نوجزها بما يلي:
أوّلا: الإستراتيجية الشيعية كانت تفترض الإبقاء على قوات الاحتلال في البلاد، وفي أحسن الأحوال عقد اتّفاق معها على إنشاء قواعد عسكرية خاصّة طويلة الأجل خارج المدن وبعيدا عن الناس. لكنّ المهم هو المحافظة على قوات الاحتلال في العراق، لماذا؟ بكل بساطة لأن كل الطبقة السياسية الشيعية الحاكمة اليوم في العراق جاءت على الدبابة الأمريكية، وهم عبارة عن موظفين لديها يتلقون رواتب وتدريبات عسكرية وأخرى لوجستيّة عن الديمقراطيّة والليبرالية والانفتاح وغيرها، وبالتالي فإن اندحار الاحتلال أو انسحابه سيؤدي إلى تدحرج هذه الطبقة عن السلطة التي انقضّت واستولت عليها بعد تدمير العراق ومؤسساته وتاريخه وحضارته ومجتمعه. ولما وجد هؤلاء الشيعة أن الأمريكيين يخسرون بالفعل في العراق وأن الدعوات تتصاعد للخروج منه، قرّر هؤلاء الشيعة أن أفضل حل في ظل عدم السيطرة على كامل العراق تشكيل دولة خاصّة لحماية المكتسبات والمصالح التي تم انتزاعها في ظل الاحتلال، وإلا فإن كل ذلك سيتبخر إذا انتصرت المقاومة في اعتقادهم.
ثانيا: أحد أسباب تكوين دولة شيعية هو فشل الشيعة عمليا في إثبات أنهم أكثرية الشعب العراقي، كما يروجون وكما روج لها المحتل الأمريكي والكاتب اليهودي حنا بطاطو، وهم قد فشلوا رغم الأغلبية المزعومة بالاستئثار بمقاعد البرلمان في المسرحية الرديئة المسماة انتخابات على الرغم من فتاوى السيستاني الذي أفتى بدخول النار لمن لا يصّوت (ملاحظة: هو نفسه لم يصوت!!)، وقد تطابقت هذه الفتوى مع فتوى بوش الثاني الذي دعا العراقيين إلى الانتخابات سعيا لسيطرة الشيعة الحلفاء على مناصب الدولة.
ثالثا: تأمين مصالح إيران أوّلا، فهذه الفئة الحاكمة التي يمكن أن نسميها "شركة مساهمة" لم تأت من فراغ، فمعظم هؤلاء إيرانيون وإن غيّروا أسماءهم واستبدلوا جوازاتهم (هناك العديد من المسئولين العراقيين هم إيرانيون فعلا، مثل بيان جبر صولاغ وزير الداخلية والعديد من القيادات الشيعية)، فإن أفعالهم تكشف حقيقتهم وإن لم يكن ذلك فعلى الأقل هم نشأوا وتربوا وترعرعوا وتدرّبوا شربوا من المشرب الإيراني، وأقل مثال على ذلك جماعة بدر والقيّمون عليها من آل الحكيم. وليس هناك تعارض بين خدمة الحلفاء الأمريكيين وولاة الأمر الإيرانيين تحت العلم العراقي، وخير مثال على ذلك العميل العلماني المزدوج "الجلبي" الإيراني الأمريكي، والذي فاز في لائحة الإيراني "السيستاني" الدينيّة العراقيّة!!! خلطة غريبة عجيبة.
* إيران ومطلب الدولة الشيعية في العراق المفتت:
وفي إطار البند السابق، يسعى هؤلاء إلى تحقيق مصلحة إيران في جعل العراق ساحة خلفية يسهل ابتلاعها واستخدامها في أوراق مساومة مع أمريكا أو غيرها من دول المنطقة، ولطالما كانت إيران تطمح إلى جعل العراق ساحة لها تبتلعه، على أساس أنه جزء من تاريخها الذي فقدته في يوم من الأيام، والذي مازالت إلى اليوم تذكر العرب به وتهدد وتتوعد كلما طالبها أحد باستعادة حقوقه المسلوبة منها، وعلى الرغم من ادّعائها الطابع الإسلامي، إلا أن الفارسية حاضرة بشكل دائم وأقوى في وجدانها. لكن لما وجدت أن العراق اليوم لم يتم السيطرة عليه كليا من قبل الشيعة كما كانت تتمنى إيران ذلك، فهي ترى أن الحصول على قطعة شيعية من الأرض خير وأبقى من عراق كبير تتوه فيه السيطرة ولا كلمة فصل للشيعة فيه، كما هو الحال اليوم.
أضف إلى ذلك أن دعم إيران لهذه الإستراتيجية يهدف إلى تشكيل تجمعات شيعية خالصة في الجنوب، ويعني ذلك تطهير الأماكن الذي يوجد فيها سنّة (مثلا حوالي نصف سكان البصرة من السنة)، وذلك تمهيدا لإقامة فيدرالية شيعية في البداية تتحول إلى دولة مع مرور الوقت، خاصّة أن أي دولة موعودة للشيعة في العراق المقسم تعتبر ورقة رابحة في يد إيران في أي استحقاق إقليمي أو دولي.
وليس صحيحا أن الملك الأردني هو أول من ابتدع هذا المصطلح أو طرحه أو حذّر منه. فقبل حوالي خمس سنوات تقريبا وفي برنامج "زيارة خاصة" الذي يقدمه سامي كليب على قناة الجزيرة تم استضافة "أبو الحسن بني الصدر" أوّل رئيس للجمهورية الإيرانية بعد الثورة في حلقة بعنوان:" الثورة الإيرانية وأميركا والعرب" في 17/1/ ، حيث طرح عليه كليب السؤال التالي: "هل كان الإمام الخميني يحدثك عن علاقة مع الجوار العربي، مع دول الخليج؟ وهل كانت لديه أطماع في التقدم عسكرياً تجاه هذه الدول من أجل تصدير الثورة مثلاً؟". فأجاب أبو الحسن: "لم يحدثني بهذا الموضوع، ولكن كان هناك مشروع آخر، كان يريد إقامة حزام شيعي للسيطرة على ضفتي العالم الإسلامي، كان هذا الحزام يتألف من إيران والعراق وسوريا ولبنان، وعندما يصبح سيداً لهذا الحزام يستخدم النفط وموقع الخليج الفارسي للسيطرة على بقية العالم الإسلامي".
* نموذج على محاولات تكوين دولة شيعية في الجنوب العراقي:
عندما نتكلم يجب أن نكون واقعيين لا نكون مجرد عاطفيين، يجب أن نضع الحقائق في إطارها الصحيح، ولكي ندلل على كلامنا نعطي مثالا من بين عدّة أمثلة على المحاولات التي تجري لإقامة دولة شيعية في جنوب العراق، وأبرزها كما نقلته جريدة القدس العربي وغيرها من الصحف في شهر أبريل الماضي عن مؤتمر يعقد في البصرة لتشكيل فدرالية من ثلاث محافظات جنوبية في العراق، حيث تذكر الصحيفة أن أطرافا حزبية وسياسية شيعية في المحافظات الجنوبية العراقية لاسيما (البصرة، الناصرية والعمارة) تنشط من أجل الإعلان عن (إقليم الجنوب) الذي يرتبط صوريا بالحكومة المركزية بغداد على غرار الإقليم الكردي في شمال العراق. وأن ابرز القيادات الداعمة لهذا المشروع هو المجلس الأعلى للثورة الإسلامية، ومنظمة بدر وأيضا حزب الدعوة بأجنحته المختلفة وأعضاء في مجالس المحافظات الثلاث ورؤساء بعض الإدارات فيها.
وفي الوقت الذي تدعم فيه إيران هكذا مشاريع، تبيّن أيضا أن دولة عربية مجاورة للبصرة تدعم هذا المؤتمر عبر تسهيلات عديدة ومكافآت مالية تصل إلى ملايين الدولارات لتحويل البصرة إلى (هونغ كونغ) الخليج كما يزعمون عند انفصاله عن الحكومة المركزية في العراق.
هذا وقد كان هدف المؤتمر مناقشة العمل على وحدة إقليم الجنوب اقتصادياً واستغلال أكبر نسبة من الثروات والموارد النفطية فيه لصالح المحافظات الثلاث، وتحديد شكل العلاقة الإدارية والمالية مع الحكومة المركزية، والعلاقة التنظيمية بين محافظات الإقليم الثلاث، وإنشاء جهة رقابية للإشراف على توزيع الموارد وإعداد الميزانيات، وتشكيل مجلس مشترك لإدارة وتسيير شؤون المحافظات الثلاث في مجالات الخدمات البلدية والصحية والتربوية والصناعية. ويتخوف معظم سكان البصرة والناصرية والعمارة من عقد مثل هذا المؤتمر، والتحسب من نتائجه التي قد تفضي لاحقاً إلى إنشاء كيانات وأقاليم ودويلات صغيرة تنفصل عن الدولة المركزية، ضمن مخطط بدأته الأحزاب والقيادات الكردية في الشمال لتفتيت العراق وتقسيمه وفصل أجزاء منه.
وكان القوم قد طرحوا في السابق تجربة مالية للانفصال، فقد أشارت صحيفة الشرق الأوسط في عدد لها قبل حوالي السنة أنه تمّ التداول آنذاك في الأسواق العراقية بفئات من الدنانير العراقية من الطبعة الجديدة سميت "بالدينار الشيعي"، كونها ختمت بعبارة ينسبها الشيعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهي: من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم انصر من نصره واخذل من خذله، وذكرت الصحيفة أنها حصلت على ورقة نقدية فئة 25 دينارا مختومة بهذا الحديث، وذكر آخرون أن العبارة ختمت على فئات أخرى طرحت مئات الملايين منها للتداول في العراق .. والقادم أعظم!!.
إن مشروع تقسيم العراق طائفياً وعرقياً صار واقعاً لا يتطلب غير الإعلان عنه بشكل رسمي، ولا يستبعد أن تكون نهاية العام الحالي الموعد المحدد لهذا الإعلان، خصوصاً وأن حكومة الجعفري الشيعية الكردية تسير في هذا الاتجاه، من خلال مؤتمرات واجتماعات مرة لإنشاء إقليم الجنوب ومرة أخرى لفيدرالية النجف وكربلاء وثالثة لإطلاق كيان محافظات الفرات الأوسط، وهذه الفعاليات تنظمها قيادات في الأحزاب الشيعية ويتم التداول فيها علناً بضرورة تكوين كيانات مستقلة عن المركز في بغداد بحجة التنظيم الإداري والتوزيع العادل للثروات ورفع المظلومية عن الشيعة، حتى وصل الأمر بأصوات تدعو إلى الاستيلاء على آبار وحقول النفط في البصرة والعمارة والاتفاق مع الشركات الأمريكية لاستحصال إيرادات ومبيعات النفط المصدر إلى الخارج، بمعزل عن بغداد، وليس مستبعداً أن يكون إصرار أحمد الجلبي على تسلم وزارة النفط جزءا من هذه الخطط، باعتباره أول من دعا إلى تخصيص نسبة من مبيعات النفط لإقليم الجنوب، وهو أحد الساعين إلى تأسيسه.
إن تحقق مشروع لدولة شيعية على مذبح العراق الموحّد، فمعنى هذا أن المشروع الأمريكي والصهيوني والإيراني في تفتيت العراق بعد تدميره قد نجح، وأن النموذج سيتم تصديره إلى الدول العربية الأخرى في إطار "الفوضى الخلاّقة".