واصلوا الجهاد
02-06-2004, 12:17 PM
ترجمة دورية العراق *
يروي هذه القصة جندي امريكي هو جاروب والش خدم في العراق وكان قدره ان يكلف مع آخرين بحراسة 21 شاحنة تنقل وقودا من (بلد) الى (مطار بغداد) حيث رأى الموت بعينيه و جرح عدة مرات في هجوم كاسح للمقاومة يوم 9 نيسان 2004 حيث لم ينج من الشاحنات غير ثلاث . هذه القصة تنشر لأول مرة ولم و لن تسمعونها من الجنرال كيميت :
شركتي تعمل في مجال نقل الوقود. اننا شركة النقل 724 الاحتياطية في الجيش. ولكن في العراق عندنا مقاولون مدنيون هم شركة كيلوغ براون و روت *. انهم في هذه الشركة يقومون بكل عمليات نقل الوقود. وهكذا اصبحنا نحن اساسا القوة الحامية لقوافلهم.
الجمعة 9 نيسان ، حوالي الساعة 7 صباحا، بدأت فصيلتي في الاستعداد لمرافقة قافلة وقود من معسكر ال اس أي اناكوندا LSA Anaconda في (بلد) الى مطار بغداد الدولي. كانت مهمتنا حراسة 21 شاحنة وقود مدنية . وكان عددنا 26 في كل المجموعة وكنت في الشاحنة الواحدة والعشرين مع مدني ، وكنت في مقعد الراكب. لم اركب مع مدني في قافلة من قبل. ان المدنيين الامريكان ليسوا مقاتلين ولهذا لايحملون اسلحة ** ، وهكذا كنت الوحيد الذي احمل سلاحا. لقد جعلني ذلك الوضع متوترا لأن هذا يعني انه ليس هناك احد يسند ظهري اذا هوجمنا.
خرجنا من ابواب اناكوندا في العراق حوالي الساعة 10 صباحا . وكانت القافلة تسير على مايرام وكان تقريبا يوما عاديا في العراق. كانت هناك سيارات ذاهبة وآتية في الطريق السريع ذي الاربع حارات وكان هناك اناس يتحركون في كل المدن . كان يوما طبيعيا. بعد حوالي ساعة ونصف من الرحلة ، لاحظنا تناقص السيارات والناس. ثم فوجئت بصوت قائدي اللفتنانت – الذي كان في الشاحنة التي في المقدمة – يأتي على الراديو وهو يقول :" انهم يطلقون علينا الرصاص – الكل يستعد " ولم تمض دقية جاء صوت آخر في الراديو وهو يقول :" انفجرت الان شاحنة اللفتنانت ولا اعرف اين اذهب او ماذا اعمل" نظرت الى السائق وقلت " اوه . (.خر.. ) الامر سيء " وما ان انهيت كلامي حتى انفجرت الشاحنة التي كانت امامنا مباشرة.
كان شيء لم ار مثله في حياتي. كنا في وسط بغداد على طريق سريع رئيسي ونحن نهاجم. كانت هناك مبان حولنا والناس في المباني يطلقون النار علينا. نظرت الى يساري ورأيت تسع سيارات تمشي في ثلاثة صفوف ووفيها ركاب ونساء واطفال . كنت اظن ان الراكبين فيها يتفرجون علينا ونحن نصاب ولكني رأيت رجالا يطلقون النار علينا من خلف السيارات.. ثم بدأت الاطلاقات علينا من اسلحة خفيفة وكانت اصوات الطلقات مثل كرات جولف تصطدم بالمعدن. وبدأت ارد على النار ولكني لم استطع اصابة المهاجمين بل اصابت طلقاتي النساء والاطفال الذين بدأوا يتساقطون. واستمر المهاجمون في اطلاق النار.
كانت اول مرة اقتل فيها احدا ولهذا كنت مهزوزا . وكنا نسير بسرعة 45 ميل في الساعة وكانت هذه اقصى سرعة ممكنة . بعد ان تجاوزنا النساء والسيارات وصلنا الى معبر كان مزدحما بالناس وهم يحملون اغطية سوداء عليها كتابات باللغة العربية .وكانوا يطلقون علينا النار من الجسر ويحاولون ان يسقطوا الاغطية على زجاج الشاحنات الامامي . ولم استطع ان ارد على النار بسبب وضع جلوسي في الشاحنة. امرت السائق ان يخفض رأسه ولايظهر منه سوى عينيه لرؤية طريقه. ولو كان قد اصيب فلن تكون هناك وسيلة للخروج من الطريق السريع. وكان امامنا 8 اميال للوصول الى غايتنا.
لم يستطع الناس على الجسر استهداف شاحنتنا بالاغطية السوداء ولكنه اصابوا بالرصاص القمرة والتانكر . وكان البنزين يندفع من الشاحنة ويتدفق على الطريق السريع. امرت السائق ان يحاول ان يسرع لأنه لو اشعل البنزين لانتهينا.
ووجدنا انفسنا خلف شاحنة ماثيو موبين وهو جندي زميل كان يركب مع مدني ايضا ولكن حالما كنا خلفه حتى تفجرت شاحنته، وتمايلت الشاحنة على الطريق السريع ثم خرجت عنه وهوت الى منخفض بين مجموعة مبان. كانت مثل كرة كبيرة ملتهبة. فيما بعد شوهد مات (تصغير ماثيو) على قناة الجزيرة كرهينة. ويعتقد انه مازال كذلك . بعد ان انفجرت شاحنته امامنا واصلنا السير ورأينا شاحنة اخرى منقلة على جانبها في حفرة الى يسارنا – كانت احدى شاحناتنا. وكان على جانبي الطريق شاحنات مدنية عراقية يستخدمها العراقيون كقنابل طريق . . ما ان تصل اليها حتى يفجرونها عن بعد.
وخلف الشاحنة العسكرية على اليمين رأيت رجلا ممدا على بطنه يرفع رأسه ويخفضه للنظر الينا . ظل يرفع رأسه ، ثبت سلاحي على المرآة الجانبية لشاحنتنا وبدأت اصوب نحن رأسه وكنت على وشك ان اصيبه في الرأس او الظهر وكل ماكنت افكر فيه عندذاك :" انه احد المهاجمين وسوف يفجر كلا الشاحنتين ونحن نمر به." ورأيته يرفع يده اليسرى بشيء ابيض لم اتبينه ولكن قلبي كان يضرب في ذلوعي وكنت على يقين من انه يرفع مفجرا على بعد ، ولكني استمريت في التحديق به ولم اصوب نحه وكلما اقتربنا اكثر واكثر تبين لي انه مدني امريكي يرفع بيده بطاقة هويته يلوح بها لنعرف انه منا . عندما كنت في المستشفى فيما بعد رأيت نفس الشخص في الاخبار . كان توماس هاميل الذي استطاع الفرار بعدذلك من خاطفيه. ولكننا كنا نسير بسرعة فائقة لاتمكننا من فعل شيء فلم نتوقف ونساعده لأننا كنا هدفا لاطلاقات وتفجيرات في كل مكان. ولكن في ذلك الوقت لم اكن متأكدا من اننا فعلنا الشيء الصحيح بتركه دون مساعدة ولم اكن متأكدا تماما انه واحدا منا حقا.
توماس هاميل
ماأن تجاوزناه حتى رأيت في المرآة الخلفية الشاحنة التي وراءنا تنفجر ثم تنقلب عدة مرات على الطريق. لم ار شيئا شبيها بذلك طوال حياتي. لقد هزني هذا المنظر فعلا. كان شيئا مثل الافلام . ولكننا استمرينا في الانطلاق ومررنا بخمسة او ستة شاحنات عراقية مفجرة والنيران تلتهب فيها. كان هناك دخان اسود يغطي كل شيء . مررنا من خلاله ونحن ندعو الا تصيبنا اية شرارة من النار. لم نكن نستطيع رؤية شيء. ونحن نجتاز النار كان الجو ساخنا جدا والدخان الاسود الكثيف يبتلع كل شيء حتى اني لم استطع ان اتنفس.
اخيرا رأينا النور وخرجنا من النار. كانت تجربة مرعبة . كانت هناك شاحنة اخرى امامنا تسير ببطء شديد حوالي 20 ميلا في الساعة. وكانت المقطورة تلتلهب بالنار. قررنا ان نساعدهم وابطأنا حتى حاذيناهم . صرخت بالسائق ان يتوقف لنأخذهم معنا . كان هناك مدنيان . ابطأوا وتوقفنا امامهم بمسافة قليلة . ولكن لسوء الحظ انفجرت شاحنتهم في تلك اللحظة وقذفت بشاحنتنا الى جانب الطريق. ولكن السائق استطاع السيطرة عليها . وهكذا استمرينا في المسير نحو غايتنا. ولم نكن نعلم اين يقع المطار ولكننا كنا نحاول ان نصل الى هناك . كان هناك شاحنات صغيرة في كل مكان مفجرة والنار تشتعل فيها . كان شيئا رهيبا لايستطيع المرء ان يبالغ فيما يحدث وفي وصفه . كان افظع مايمكن تخيله : اجساد في كل مكان وشاحنات تحترق وتتفجر واطلاق نار كثيف.
اخيرا ، رأينا المعبر الذي نحتاج ان نصل اليه . في هذا الوقت كان كل مابقي من القافلة هو ثلاث شاحنات الى جانب شاحنتنا. كانت واحدة تتقدم نحو المعبر واثنتان خلفنا . كانت التي خلفنا تبعد عنا بوالي ميل او ميلين وكانت هناك مركبة همر خلفها . تقدمنا نحو المعبر ولكن عندما استدرنا الى اليسار للتوجه نحو المطار بدأ سائقنا يصرخ. انحنيت الى الامام ونظرت من نافذته . كان هناك خط دخان ينطلق نحو شاحنتنا . كان ار بي جي .
كان الشيء التالي الذي اذكره هو انقلاب شاحنتنا على جانبها الايمن ، جانب الراكب الذي اجلس فيه. كنت رابطا الحزام فلم استطع التحرك ولكن السائق لم يكن كذلك وسقط فوقي وهو يرفس ويصرخ ويحاول الخروج من الشاحنة. كان فوقي تماما وبدأت اضرب الزجاج الامامي بمؤخرة سلاحي حتى كسرته فخرج منه السائق واستدار الي وبدأ يسحب خوذتي . كان يحاول اخراجي من الشاحنة من خوذتي . ولكن ركبتي كانت محشورة بين المقعد ولوحة القياس في مقدمة الشاحنة وكان حزامي يقيدني . استمر السائق في جذب خوذتي بقوة مؤلمة وقلت له اولا ان يتركني ويتخذ ستارا من النيران التي مازالت تطلق علينا ولكن فيما بعد وهو مازال يجذبني وصلت الى مرحلة لا استطيع معها التنفس . كنت اشعر كأن رأسي سينفجر لشدة جذبه. اخيرا فككت قيد خوذتي وتخلصت منه . ثم صرخت به ان يركب الشاحنة مرة اخرى ويخفض رأسه ولكنه لم يكن يستمع الي وبدلا من ذلك جاء الي مرة اخرى . فككت حزام الامان وسحبت ركبتي من خلف لوحة القياس فسقط على ظهري وخرجت ساقاي من النافذة . وهنا بدأ السائق يسحبني من كاحلي . واستمريت في الصراخ به ان يتركني ويستتر ولكنه لم يستمع اخيرا رفسته في صدره بقدمي اليسرة وبوجهه بقدمي اليمنى ، فسقط على ظهره وقبل ان يلمس الارض كان الدم يغطي وجهه . تصورت ان اصيب باطلاقة . وفكرت حينها :" ياللجحيم . لقد مات وبقيت وحدي" ولكنه سقط على مؤخرته وظل جالسا هناك . قلت في نفسي :" هذا غريب انه لم يمت." وكنت على يقين من انه اصيب باطلاقة في وجهه. ولكنه في تلك اللحظة فتح عينيه على سعتهما وهو يقول :" اوه ياالهي . انك مصاب. سأموت . سأموت ) نظرت الى جسدي ولم ار أي ثقوب رصاص . ولم تكن لدي فكرة عما يقوله . ثم نظرت اليه وقلت :" تمدد ولا تنهض" من اجل سلامته.
ثم وقفت لاخرج من الشاحنة . كانت قدمي اليمنى تؤلمني بشدة حتى تصورت انها قد كسرت. نظرت اليها ورأيت الدم يغطي قدمي . ثم ادركت ان الدم الذي كان على وجه السائق كان دمي عندما كنت ارفسه اصبت باطلاقة. واكتشفت فيما بعد ان اثنان من اصابع قدمي قد سحقتا . وعندما نظرت الى الجرح عرفت مقدار الالم الذي يسببه لي ، ولكن كان الادرينالين عاليا في جسدي بحيث كنت ماازال استطيع الوقوف. نظرت الى مؤخرة الشاحنة لأرى ان كانت تشتعل . كان هناك ثقب في مقطورة الشاحنة مساحته 6 اقدام وكان الوقود ينسكب في كل اتجاه ورأيت نارا صغيرة تتقد داخل المقطورة وفي العجلات.
التفت ونظرت باتجاه مقدمة الشاحنة ولكن قبل ان ادير رأسي ضربني شيء في صدري. كانت الضربة من الشدة بحيث سقطت على ظهري في الشاحنة . وانا ممدد هناك نظرت الى صدري فرأيت رصاصة مدفونة في سترتي الواقية ضد الرصاص وهي تدخن. كانت الرائحة فظيعة . جذبت الرصاصة واحترقت اصابعي . نهضت وخرجبت مرة اخرى من الشاحنة . نظرت امامي على مسافة على الجسر فرأيت طفلين على بعد مائة الى مائة وخمسين متر مني . كان الاثنان يحملان كلاشينكوف . احدهم كان في سن العاشرة والاخر في حوالي السابعة. وكان هذا الاخير يحمل السلاح مقلوبا من مخزن الرشاش وكان الاخر الذي في العاشرة كان يطلق ثلاثة جولات في المرة الواحدة علي.
اصابت اول جولة الزجاج على جانب مقعد السائق قريبا من رأسي . التفت لألتقط سلاحي وعندذاك اطلق مرتين علي في ظهري . دخلت الاطلاقات من ظهري الى قمرة الشاحنة. ***
جن جنوني وهو مازال يطلب النار علي . امسكت سلاحي وقفزت خارجا واطلقت طلقتين فوق رأسيهما . لم اكن اريد ان اقتلهما ، فهما طفلان . بعد ان اطلقت النار فوق رأسيهما استدارا و ركضا هاربين. ثم سقطت على الارض لم اكن استطيع التنفس او الحركة. لقد اصبت اربع مرات . نظرت الى حيث سقط سائقي . لم اجده . نظرت الى الخلف فرأيته يركض وراء الشاحنة في الاتجاه المعاكس لما يفترض ان يكون طريقنا. ولم استطع ايقافه . كان يركض كالمجنون . اذن لم يبق سواي ساقطا على ركبتي . ولم اكن استطيع التنفس اوالحركة وكان رأسي يدق بشدة . عرفت ان النهاية اقتربت . لم يكن من الممكن ان اخرج من هنا حيا . اما سأموت او أاسر .
ومع ذلك لم أستسلم . نهضت وامسكت بسلاحي وسرت الى سور الجسر لأنظر الى الطريق السريع . كانت كل شاحناتنا تحترق . كان الطريق مغطى بمركباتنا وقتلانا المدنيين . وكانت النار والدخان الاسود في كل مكان. كان مشهدا رهيبا . آخر ما أتذكره انه كانت هناك مركبتان الى يسار الطريق ولكني لم ارهما ولهذا توقعت ان يكونا اصيبتا ايضا .وفيما كنت هناك انظر الى الدمار اصابت السور الذي اقف عنده حوالي عشرين الى ثلاثين اطلاقة . تمددت علىالارض وبدأت ازحف باتجاه نهاية الجسر حيث طريق المطار والرصاص يتبعني.
ثم اكتشفت اني اتجه الاتجاه الخاطيء فليس هذا طريق المطار وانما هو طريق يؤدي الى وسط المدينة (بغداد) . وهناك قد اصاب مرة اخرى وربما لن انجو منها . كان الرصاص يتناثر حولي في كل مكان فيما نهضت وركضت باتجاه شاحنتنا المحترقة . قد يبدو هذا جنونيا ولكن الشاحنة في ذلك الوقت كانت المكان الآمن الوحيد. وانا اتجه نحو الشاحنة رأيت آخر شاحنة صغيرة كنت قد رأيتها على الطريق السريع تصعد الجسر خلف شاحنتنا . كانت مضروبة من كل الجوانب وكل عجلاتها قد اصيبت . وكانت المقطورة تحترق وثقوب الرصاص تغطيها. ابطأت عندما وصلت الي فركبتها وامرت السائق ان ينطلق بسرعة . كان هناك سائق وراكب والاثنان مدنيان كان السائق مصابا ولكن ليس شيئا خطيرا والراكب كان يشتم ويلعن وقد اصيب في ذراعه.
كنا نسير بسرعة 25 الى 30 ميل في الساعة ولم يكن قد بقي شيء من اطارات الشاحنة . كانت تسير على عجلاتها المعدنية الداخلية . وعندما دخلنا بغداد اطلقت النار على مبانيها وعلى كل شيء حولنا من اجل تقليل الاطلاقات التي تطلق علينا ولكن لم ينفع هذا للاسف . كلما اطلقت اكثر كلما ردوا علينا بالمزيد. ولم اكن استطيع ان اثبت سلاحي . كنت اقف على السلم الجانبي للشاحنة وانا امسك السلاح بيد وباليد الاخرى اتشبث بالشاحنة . وقررت اني سوف اكون متكنا اكثر اذا وصلت الى مقدمة الشاحنة وامسكت المرآة الجانبية لأصل الى المقدمة ولكن المرآة كسرت في يدي ، وفيما كنت على وشك السقوط حين امسك الراكب بمقبض سترتي الواقية من الخلف وجذبني ليمنعني من السقوط . ولا ادري كيف فعل ذلك وكان لايحسن سوى الشتم والثرثرة.
حاولت مرة اخرى . تشبثت بنافذة الراكب وقفزت الى مقدمة الشاحنة وتمددت على بطني وانا اطلق النار في كل الاتجاهات. والنار تطلق علينا من كل مكان . كان شيئا فظيعا ولا ادري كيف لم اصب . لقد سمعت صوت اطلاقة تمر قربي وقد أتت من جانبي اليمين الذي كان جانب السائق. نظرت الى مصدرها فرأيت الطفلين اللذين كانا فوق الجسر سابقا . كانا يطلقان النار علي مرة اخرى. كان الاكبر الذي اصابني من قبل يطلق النار على المقطورة والشاحنة وكان الاصغر يطلق النار باتجاهي . اطلقت فوق رأسيهما ولكنهما لم يتزحزحا . ثم صوبت نحو صدر الطفل واطلقت جولة . اصابته في رقبته وسقط ميتا على الارض.
نظر اليه الطفل الاكبر ثم الي وبدأ يطلق نحوي النار ، انقلبت لئلا اصاب ثم صوبت نحو رأسه ولكن الرصاص اصاب الجدار خلفه فسقط عليه بعض الهشيم واوقعه ارضا. اعرف انه لم يمت ولكنه وقع على الارض وهذا ماكان جيدا بالنسبة لي. ثم بدأت الشاحنة في الابطاء شيئا فشيئا حتى توقفت . تدحرجت من المقدمة وتمددت امام الشاحنة ولكني اكتشفت ان كل الاطلاقات كانت تسقط حولي . وكان بعض الرصاص يصيب الشاحنة وكنت ادرك انها لو اصابت المدنيين داخل السيارة فلن ينجوان فهما مصابان فعلا . نهضت وركضت بعيدا عن الشاحنة بحوالي 50 الى 75 متر وتمددت . وبدأت اطلق النار على المباني كلما رأيت احدا . في تلك اللحظة كان الجميع اعدائي ماعدا ابناء بلدي.
بقينا هكذا لمدة عشر دقائق تقريبا حين ظهرت المركبة الهمر التي رأيتها سابقا . كانت املنا الاخير . قفزت ولوحت لها. وساعدت المدنيين على ركوب الهمر ثم قفزت اليها وانطلقنا باتجاه مطار بغداد . كنا مازلنا نبعد بحوالي ثلاثة اميال . كانت مسافة بعيدة والهمر في حالة سيئة . سرنا مسافة طويلة والتقطنا في طريقنا اثنين اخرين : احدهما جندي هو جريجوري جودريتش والاخر مدني. كنت اجلس خلف السائق وهكذا عندما قفز جودريتش الى الشاحنة جلس على ركبتي والمدني قفز خلف الراكب . كنا مزدحمين فقد كان هناك حوالي عشر اشخاص في مركبة تستوعب اربعة .
كان جودريتش يطلق النار وهو في حجري . ثم سمعت صوتا مكتوما . لقد اصيب وبدأ يصرخ :" آه . . آه لقد اصبت . لقد اصبت" ازحته جانبا لاستطيع مساعدته . كان الدم يتدفق من فمه ولم استطع ان افعل له شيئا . كان قد انتهى . كنا نسير بسرعة عشرة اميال في الساعة حين توقفت المركبة واعتقد انها اصيبت في الرادياتر . وكان مازال امامنا مسافة طويلة حتى نصل ابواب المطار . وكنا تحت نيران ثقيلة . لم نكن طوال هذه الرحلة بمنجى عن اطلاق النار من الاسلحة الخفيفة .
جلسنا داخل الهمفي ننظر الى احدنا الاخر . كان يراودنا شعور واحد : اننا لن ننجو . استخدم الراكب الراديو لطلب المساعدة ولكن لم يجب عليه احد. فقدنا الامل ونحن جالسين نستمع الى الرصاص وهو يضرب في الهمر . كنا نعرف ان الامر انتهى . كانت الهمر هي املنا الوحيد والان لم تعد كذلك . وبما انه كان من الخطر جدا خروجنا من المركبة فقد جلسنا هناك حوالي عشر الى خمس عشرة دقيقة.
ثم سمعنا صوتا زاعقا قويا . تطلع ثلاثة منا من خارج سقف المركبة فرأينا دبابة برادلي تتقدم نحونا وكانت تطلق النار على أي شيء يتحرك في المدينة . وكانت تتبعها دبابتان اخريان . احاطتنا الدبابات وسيارتا همر مدرعتان . كان شيئا رائعا . اخرجنا الجنود من الهمر المتعطلة . ووضعت مع ثلاثة اخرين في المقعد الخلفي لمركبة همر مدرعة . ساروا بنا نحو ميل ثم اخبرونا بأنهم سينقلوننا الى دبابة . خرجت وبمساعدة مدني آخر لحمل المدني الثرثار الى الدبابة ولكن للاسف اصيب المدني الذي كان يساعدنا في ظهره وسقط . سحبت الرجل الثرثار الى الدبابة ورجعت لأنقل المدني الاخر ولكن كان هناك من نقله قبلي. نظرت حولي لارى ان كان هنا من يحتاج الى المساعدة . ثم ركبت البرادلي . اغلق الجنود الباب وانطلقنا . كنا خمسة افراد بضمني في الدبابة ثلاثة منهم جثثا هامدة .
اخذتنا الدبابة الى المطار والى المستشفى هناك . لا استطيع اناتذكر الكثير عما حدث هناك . كنت اشعر بآلام مبرحة واعتقد اني غبت عن الوعي . قضيت يومين في مستشفى المطار ثم ارسلت الى (بلد) لمدة يوم في مستشفاه . وفي اليوم التالي ارسلت الى المركز الطبي الاقليمي لاندشتال في المانيا لمدة اسبوع . بعد ذلك رجعت الى الولايات المتحدة الى مستشفى والتر ريد العسكري في واشنطن حيث قضيت اسبوعا آخر. وقد رأى الاطباء هناك انه من الافضل لي ان اعود الى عائلتي لقضاء بعض الوقت معهم من اجل ان انسى ماحدث . والان انا هنا في بيتي حتى 25 آيار / مايو. ثم سوف اعود الى المستشفى لاجراء جراحة . واذا شفيت بسرعة فسوف ارسل مرة اخرى الى العراق . واتطلع الى العودة ثانية فقد تركت الكثير من الاصدقاء هناك كما اني فقدت بعض اصدقائي في ذلك الهجوم .
______
• فرع من شركة هاليبرتون التي فازت بمعظم العقود العراقية
** من الصعب تصديق انه هناك مدني اجنبي لايحمل سلاحا في هذه الظروف الخطرة ، ولعله يقصد ان سلاحهم خفيف او انهم غير مدربين على القتال مثله ، او انها محاول دعائية منه ليقول ان المدنيين الاجانب عزل و ليسوا مقاتلين .
*** تفسير نهوضه رغم اصابته الخطيرة التي ذكرها هو انها لم تكن بالخطورة التي تعيقه بسبب ارتدائه سترة الوقاية من الرصاص التي ذكرها اكثر من مرة .
تعليق دورية العراق : من الواضح من الرواية ان الجندي الامريكي اضفى على نفسه شيئا من (المنعة والبطولة) ولكن جنديين امريكيين اخرين شاركا في القافلة ونجيا اكدا ان وقائع القصة حقيقية .
المصدر: www.intellectual conservative.com
17/5/2004
* ترجمة دورية العراق - يرجى ذكر اسم دورية العراق عند اعادة النشر وشكرا
يروي هذه القصة جندي امريكي هو جاروب والش خدم في العراق وكان قدره ان يكلف مع آخرين بحراسة 21 شاحنة تنقل وقودا من (بلد) الى (مطار بغداد) حيث رأى الموت بعينيه و جرح عدة مرات في هجوم كاسح للمقاومة يوم 9 نيسان 2004 حيث لم ينج من الشاحنات غير ثلاث . هذه القصة تنشر لأول مرة ولم و لن تسمعونها من الجنرال كيميت :
شركتي تعمل في مجال نقل الوقود. اننا شركة النقل 724 الاحتياطية في الجيش. ولكن في العراق عندنا مقاولون مدنيون هم شركة كيلوغ براون و روت *. انهم في هذه الشركة يقومون بكل عمليات نقل الوقود. وهكذا اصبحنا نحن اساسا القوة الحامية لقوافلهم.
الجمعة 9 نيسان ، حوالي الساعة 7 صباحا، بدأت فصيلتي في الاستعداد لمرافقة قافلة وقود من معسكر ال اس أي اناكوندا LSA Anaconda في (بلد) الى مطار بغداد الدولي. كانت مهمتنا حراسة 21 شاحنة وقود مدنية . وكان عددنا 26 في كل المجموعة وكنت في الشاحنة الواحدة والعشرين مع مدني ، وكنت في مقعد الراكب. لم اركب مع مدني في قافلة من قبل. ان المدنيين الامريكان ليسوا مقاتلين ولهذا لايحملون اسلحة ** ، وهكذا كنت الوحيد الذي احمل سلاحا. لقد جعلني ذلك الوضع متوترا لأن هذا يعني انه ليس هناك احد يسند ظهري اذا هوجمنا.
خرجنا من ابواب اناكوندا في العراق حوالي الساعة 10 صباحا . وكانت القافلة تسير على مايرام وكان تقريبا يوما عاديا في العراق. كانت هناك سيارات ذاهبة وآتية في الطريق السريع ذي الاربع حارات وكان هناك اناس يتحركون في كل المدن . كان يوما طبيعيا. بعد حوالي ساعة ونصف من الرحلة ، لاحظنا تناقص السيارات والناس. ثم فوجئت بصوت قائدي اللفتنانت – الذي كان في الشاحنة التي في المقدمة – يأتي على الراديو وهو يقول :" انهم يطلقون علينا الرصاص – الكل يستعد " ولم تمض دقية جاء صوت آخر في الراديو وهو يقول :" انفجرت الان شاحنة اللفتنانت ولا اعرف اين اذهب او ماذا اعمل" نظرت الى السائق وقلت " اوه . (.خر.. ) الامر سيء " وما ان انهيت كلامي حتى انفجرت الشاحنة التي كانت امامنا مباشرة.
كان شيء لم ار مثله في حياتي. كنا في وسط بغداد على طريق سريع رئيسي ونحن نهاجم. كانت هناك مبان حولنا والناس في المباني يطلقون النار علينا. نظرت الى يساري ورأيت تسع سيارات تمشي في ثلاثة صفوف ووفيها ركاب ونساء واطفال . كنت اظن ان الراكبين فيها يتفرجون علينا ونحن نصاب ولكني رأيت رجالا يطلقون النار علينا من خلف السيارات.. ثم بدأت الاطلاقات علينا من اسلحة خفيفة وكانت اصوات الطلقات مثل كرات جولف تصطدم بالمعدن. وبدأت ارد على النار ولكني لم استطع اصابة المهاجمين بل اصابت طلقاتي النساء والاطفال الذين بدأوا يتساقطون. واستمر المهاجمون في اطلاق النار.
كانت اول مرة اقتل فيها احدا ولهذا كنت مهزوزا . وكنا نسير بسرعة 45 ميل في الساعة وكانت هذه اقصى سرعة ممكنة . بعد ان تجاوزنا النساء والسيارات وصلنا الى معبر كان مزدحما بالناس وهم يحملون اغطية سوداء عليها كتابات باللغة العربية .وكانوا يطلقون علينا النار من الجسر ويحاولون ان يسقطوا الاغطية على زجاج الشاحنات الامامي . ولم استطع ان ارد على النار بسبب وضع جلوسي في الشاحنة. امرت السائق ان يخفض رأسه ولايظهر منه سوى عينيه لرؤية طريقه. ولو كان قد اصيب فلن تكون هناك وسيلة للخروج من الطريق السريع. وكان امامنا 8 اميال للوصول الى غايتنا.
لم يستطع الناس على الجسر استهداف شاحنتنا بالاغطية السوداء ولكنه اصابوا بالرصاص القمرة والتانكر . وكان البنزين يندفع من الشاحنة ويتدفق على الطريق السريع. امرت السائق ان يحاول ان يسرع لأنه لو اشعل البنزين لانتهينا.
ووجدنا انفسنا خلف شاحنة ماثيو موبين وهو جندي زميل كان يركب مع مدني ايضا ولكن حالما كنا خلفه حتى تفجرت شاحنته، وتمايلت الشاحنة على الطريق السريع ثم خرجت عنه وهوت الى منخفض بين مجموعة مبان. كانت مثل كرة كبيرة ملتهبة. فيما بعد شوهد مات (تصغير ماثيو) على قناة الجزيرة كرهينة. ويعتقد انه مازال كذلك . بعد ان انفجرت شاحنته امامنا واصلنا السير ورأينا شاحنة اخرى منقلة على جانبها في حفرة الى يسارنا – كانت احدى شاحناتنا. وكان على جانبي الطريق شاحنات مدنية عراقية يستخدمها العراقيون كقنابل طريق . . ما ان تصل اليها حتى يفجرونها عن بعد.
وخلف الشاحنة العسكرية على اليمين رأيت رجلا ممدا على بطنه يرفع رأسه ويخفضه للنظر الينا . ظل يرفع رأسه ، ثبت سلاحي على المرآة الجانبية لشاحنتنا وبدأت اصوب نحن رأسه وكنت على وشك ان اصيبه في الرأس او الظهر وكل ماكنت افكر فيه عندذاك :" انه احد المهاجمين وسوف يفجر كلا الشاحنتين ونحن نمر به." ورأيته يرفع يده اليسرى بشيء ابيض لم اتبينه ولكن قلبي كان يضرب في ذلوعي وكنت على يقين من انه يرفع مفجرا على بعد ، ولكني استمريت في التحديق به ولم اصوب نحه وكلما اقتربنا اكثر واكثر تبين لي انه مدني امريكي يرفع بيده بطاقة هويته يلوح بها لنعرف انه منا . عندما كنت في المستشفى فيما بعد رأيت نفس الشخص في الاخبار . كان توماس هاميل الذي استطاع الفرار بعدذلك من خاطفيه. ولكننا كنا نسير بسرعة فائقة لاتمكننا من فعل شيء فلم نتوقف ونساعده لأننا كنا هدفا لاطلاقات وتفجيرات في كل مكان. ولكن في ذلك الوقت لم اكن متأكدا من اننا فعلنا الشيء الصحيح بتركه دون مساعدة ولم اكن متأكدا تماما انه واحدا منا حقا.
توماس هاميل
ماأن تجاوزناه حتى رأيت في المرآة الخلفية الشاحنة التي وراءنا تنفجر ثم تنقلب عدة مرات على الطريق. لم ار شيئا شبيها بذلك طوال حياتي. لقد هزني هذا المنظر فعلا. كان شيئا مثل الافلام . ولكننا استمرينا في الانطلاق ومررنا بخمسة او ستة شاحنات عراقية مفجرة والنيران تلتهب فيها. كان هناك دخان اسود يغطي كل شيء . مررنا من خلاله ونحن ندعو الا تصيبنا اية شرارة من النار. لم نكن نستطيع رؤية شيء. ونحن نجتاز النار كان الجو ساخنا جدا والدخان الاسود الكثيف يبتلع كل شيء حتى اني لم استطع ان اتنفس.
اخيرا رأينا النور وخرجنا من النار. كانت تجربة مرعبة . كانت هناك شاحنة اخرى امامنا تسير ببطء شديد حوالي 20 ميلا في الساعة. وكانت المقطورة تلتلهب بالنار. قررنا ان نساعدهم وابطأنا حتى حاذيناهم . صرخت بالسائق ان يتوقف لنأخذهم معنا . كان هناك مدنيان . ابطأوا وتوقفنا امامهم بمسافة قليلة . ولكن لسوء الحظ انفجرت شاحنتهم في تلك اللحظة وقذفت بشاحنتنا الى جانب الطريق. ولكن السائق استطاع السيطرة عليها . وهكذا استمرينا في المسير نحو غايتنا. ولم نكن نعلم اين يقع المطار ولكننا كنا نحاول ان نصل الى هناك . كان هناك شاحنات صغيرة في كل مكان مفجرة والنار تشتعل فيها . كان شيئا رهيبا لايستطيع المرء ان يبالغ فيما يحدث وفي وصفه . كان افظع مايمكن تخيله : اجساد في كل مكان وشاحنات تحترق وتتفجر واطلاق نار كثيف.
اخيرا ، رأينا المعبر الذي نحتاج ان نصل اليه . في هذا الوقت كان كل مابقي من القافلة هو ثلاث شاحنات الى جانب شاحنتنا. كانت واحدة تتقدم نحو المعبر واثنتان خلفنا . كانت التي خلفنا تبعد عنا بوالي ميل او ميلين وكانت هناك مركبة همر خلفها . تقدمنا نحو المعبر ولكن عندما استدرنا الى اليسار للتوجه نحو المطار بدأ سائقنا يصرخ. انحنيت الى الامام ونظرت من نافذته . كان هناك خط دخان ينطلق نحو شاحنتنا . كان ار بي جي .
كان الشيء التالي الذي اذكره هو انقلاب شاحنتنا على جانبها الايمن ، جانب الراكب الذي اجلس فيه. كنت رابطا الحزام فلم استطع التحرك ولكن السائق لم يكن كذلك وسقط فوقي وهو يرفس ويصرخ ويحاول الخروج من الشاحنة. كان فوقي تماما وبدأت اضرب الزجاج الامامي بمؤخرة سلاحي حتى كسرته فخرج منه السائق واستدار الي وبدأ يسحب خوذتي . كان يحاول اخراجي من الشاحنة من خوذتي . ولكن ركبتي كانت محشورة بين المقعد ولوحة القياس في مقدمة الشاحنة وكان حزامي يقيدني . استمر السائق في جذب خوذتي بقوة مؤلمة وقلت له اولا ان يتركني ويتخذ ستارا من النيران التي مازالت تطلق علينا ولكن فيما بعد وهو مازال يجذبني وصلت الى مرحلة لا استطيع معها التنفس . كنت اشعر كأن رأسي سينفجر لشدة جذبه. اخيرا فككت قيد خوذتي وتخلصت منه . ثم صرخت به ان يركب الشاحنة مرة اخرى ويخفض رأسه ولكنه لم يكن يستمع الي وبدلا من ذلك جاء الي مرة اخرى . فككت حزام الامان وسحبت ركبتي من خلف لوحة القياس فسقط على ظهري وخرجت ساقاي من النافذة . وهنا بدأ السائق يسحبني من كاحلي . واستمريت في الصراخ به ان يتركني ويستتر ولكنه لم يستمع اخيرا رفسته في صدره بقدمي اليسرة وبوجهه بقدمي اليمنى ، فسقط على ظهره وقبل ان يلمس الارض كان الدم يغطي وجهه . تصورت ان اصيب باطلاقة . وفكرت حينها :" ياللجحيم . لقد مات وبقيت وحدي" ولكنه سقط على مؤخرته وظل جالسا هناك . قلت في نفسي :" هذا غريب انه لم يمت." وكنت على يقين من انه اصيب باطلاقة في وجهه. ولكنه في تلك اللحظة فتح عينيه على سعتهما وهو يقول :" اوه ياالهي . انك مصاب. سأموت . سأموت ) نظرت الى جسدي ولم ار أي ثقوب رصاص . ولم تكن لدي فكرة عما يقوله . ثم نظرت اليه وقلت :" تمدد ولا تنهض" من اجل سلامته.
ثم وقفت لاخرج من الشاحنة . كانت قدمي اليمنى تؤلمني بشدة حتى تصورت انها قد كسرت. نظرت اليها ورأيت الدم يغطي قدمي . ثم ادركت ان الدم الذي كان على وجه السائق كان دمي عندما كنت ارفسه اصبت باطلاقة. واكتشفت فيما بعد ان اثنان من اصابع قدمي قد سحقتا . وعندما نظرت الى الجرح عرفت مقدار الالم الذي يسببه لي ، ولكن كان الادرينالين عاليا في جسدي بحيث كنت ماازال استطيع الوقوف. نظرت الى مؤخرة الشاحنة لأرى ان كانت تشتعل . كان هناك ثقب في مقطورة الشاحنة مساحته 6 اقدام وكان الوقود ينسكب في كل اتجاه ورأيت نارا صغيرة تتقد داخل المقطورة وفي العجلات.
التفت ونظرت باتجاه مقدمة الشاحنة ولكن قبل ان ادير رأسي ضربني شيء في صدري. كانت الضربة من الشدة بحيث سقطت على ظهري في الشاحنة . وانا ممدد هناك نظرت الى صدري فرأيت رصاصة مدفونة في سترتي الواقية ضد الرصاص وهي تدخن. كانت الرائحة فظيعة . جذبت الرصاصة واحترقت اصابعي . نهضت وخرجبت مرة اخرى من الشاحنة . نظرت امامي على مسافة على الجسر فرأيت طفلين على بعد مائة الى مائة وخمسين متر مني . كان الاثنان يحملان كلاشينكوف . احدهم كان في سن العاشرة والاخر في حوالي السابعة. وكان هذا الاخير يحمل السلاح مقلوبا من مخزن الرشاش وكان الاخر الذي في العاشرة كان يطلق ثلاثة جولات في المرة الواحدة علي.
اصابت اول جولة الزجاج على جانب مقعد السائق قريبا من رأسي . التفت لألتقط سلاحي وعندذاك اطلق مرتين علي في ظهري . دخلت الاطلاقات من ظهري الى قمرة الشاحنة. ***
جن جنوني وهو مازال يطلب النار علي . امسكت سلاحي وقفزت خارجا واطلقت طلقتين فوق رأسيهما . لم اكن اريد ان اقتلهما ، فهما طفلان . بعد ان اطلقت النار فوق رأسيهما استدارا و ركضا هاربين. ثم سقطت على الارض لم اكن استطيع التنفس او الحركة. لقد اصبت اربع مرات . نظرت الى حيث سقط سائقي . لم اجده . نظرت الى الخلف فرأيته يركض وراء الشاحنة في الاتجاه المعاكس لما يفترض ان يكون طريقنا. ولم استطع ايقافه . كان يركض كالمجنون . اذن لم يبق سواي ساقطا على ركبتي . ولم اكن استطيع التنفس اوالحركة وكان رأسي يدق بشدة . عرفت ان النهاية اقتربت . لم يكن من الممكن ان اخرج من هنا حيا . اما سأموت او أاسر .
ومع ذلك لم أستسلم . نهضت وامسكت بسلاحي وسرت الى سور الجسر لأنظر الى الطريق السريع . كانت كل شاحناتنا تحترق . كان الطريق مغطى بمركباتنا وقتلانا المدنيين . وكانت النار والدخان الاسود في كل مكان. كان مشهدا رهيبا . آخر ما أتذكره انه كانت هناك مركبتان الى يسار الطريق ولكني لم ارهما ولهذا توقعت ان يكونا اصيبتا ايضا .وفيما كنت هناك انظر الى الدمار اصابت السور الذي اقف عنده حوالي عشرين الى ثلاثين اطلاقة . تمددت علىالارض وبدأت ازحف باتجاه نهاية الجسر حيث طريق المطار والرصاص يتبعني.
ثم اكتشفت اني اتجه الاتجاه الخاطيء فليس هذا طريق المطار وانما هو طريق يؤدي الى وسط المدينة (بغداد) . وهناك قد اصاب مرة اخرى وربما لن انجو منها . كان الرصاص يتناثر حولي في كل مكان فيما نهضت وركضت باتجاه شاحنتنا المحترقة . قد يبدو هذا جنونيا ولكن الشاحنة في ذلك الوقت كانت المكان الآمن الوحيد. وانا اتجه نحو الشاحنة رأيت آخر شاحنة صغيرة كنت قد رأيتها على الطريق السريع تصعد الجسر خلف شاحنتنا . كانت مضروبة من كل الجوانب وكل عجلاتها قد اصيبت . وكانت المقطورة تحترق وثقوب الرصاص تغطيها. ابطأت عندما وصلت الي فركبتها وامرت السائق ان ينطلق بسرعة . كان هناك سائق وراكب والاثنان مدنيان كان السائق مصابا ولكن ليس شيئا خطيرا والراكب كان يشتم ويلعن وقد اصيب في ذراعه.
كنا نسير بسرعة 25 الى 30 ميل في الساعة ولم يكن قد بقي شيء من اطارات الشاحنة . كانت تسير على عجلاتها المعدنية الداخلية . وعندما دخلنا بغداد اطلقت النار على مبانيها وعلى كل شيء حولنا من اجل تقليل الاطلاقات التي تطلق علينا ولكن لم ينفع هذا للاسف . كلما اطلقت اكثر كلما ردوا علينا بالمزيد. ولم اكن استطيع ان اثبت سلاحي . كنت اقف على السلم الجانبي للشاحنة وانا امسك السلاح بيد وباليد الاخرى اتشبث بالشاحنة . وقررت اني سوف اكون متكنا اكثر اذا وصلت الى مقدمة الشاحنة وامسكت المرآة الجانبية لأصل الى المقدمة ولكن المرآة كسرت في يدي ، وفيما كنت على وشك السقوط حين امسك الراكب بمقبض سترتي الواقية من الخلف وجذبني ليمنعني من السقوط . ولا ادري كيف فعل ذلك وكان لايحسن سوى الشتم والثرثرة.
حاولت مرة اخرى . تشبثت بنافذة الراكب وقفزت الى مقدمة الشاحنة وتمددت على بطني وانا اطلق النار في كل الاتجاهات. والنار تطلق علينا من كل مكان . كان شيئا فظيعا ولا ادري كيف لم اصب . لقد سمعت صوت اطلاقة تمر قربي وقد أتت من جانبي اليمين الذي كان جانب السائق. نظرت الى مصدرها فرأيت الطفلين اللذين كانا فوق الجسر سابقا . كانا يطلقان النار علي مرة اخرى. كان الاكبر الذي اصابني من قبل يطلق النار على المقطورة والشاحنة وكان الاصغر يطلق النار باتجاهي . اطلقت فوق رأسيهما ولكنهما لم يتزحزحا . ثم صوبت نحو صدر الطفل واطلقت جولة . اصابته في رقبته وسقط ميتا على الارض.
نظر اليه الطفل الاكبر ثم الي وبدأ يطلق نحوي النار ، انقلبت لئلا اصاب ثم صوبت نحو رأسه ولكن الرصاص اصاب الجدار خلفه فسقط عليه بعض الهشيم واوقعه ارضا. اعرف انه لم يمت ولكنه وقع على الارض وهذا ماكان جيدا بالنسبة لي. ثم بدأت الشاحنة في الابطاء شيئا فشيئا حتى توقفت . تدحرجت من المقدمة وتمددت امام الشاحنة ولكني اكتشفت ان كل الاطلاقات كانت تسقط حولي . وكان بعض الرصاص يصيب الشاحنة وكنت ادرك انها لو اصابت المدنيين داخل السيارة فلن ينجوان فهما مصابان فعلا . نهضت وركضت بعيدا عن الشاحنة بحوالي 50 الى 75 متر وتمددت . وبدأت اطلق النار على المباني كلما رأيت احدا . في تلك اللحظة كان الجميع اعدائي ماعدا ابناء بلدي.
بقينا هكذا لمدة عشر دقائق تقريبا حين ظهرت المركبة الهمر التي رأيتها سابقا . كانت املنا الاخير . قفزت ولوحت لها. وساعدت المدنيين على ركوب الهمر ثم قفزت اليها وانطلقنا باتجاه مطار بغداد . كنا مازلنا نبعد بحوالي ثلاثة اميال . كانت مسافة بعيدة والهمر في حالة سيئة . سرنا مسافة طويلة والتقطنا في طريقنا اثنين اخرين : احدهما جندي هو جريجوري جودريتش والاخر مدني. كنت اجلس خلف السائق وهكذا عندما قفز جودريتش الى الشاحنة جلس على ركبتي والمدني قفز خلف الراكب . كنا مزدحمين فقد كان هناك حوالي عشر اشخاص في مركبة تستوعب اربعة .
كان جودريتش يطلق النار وهو في حجري . ثم سمعت صوتا مكتوما . لقد اصيب وبدأ يصرخ :" آه . . آه لقد اصبت . لقد اصبت" ازحته جانبا لاستطيع مساعدته . كان الدم يتدفق من فمه ولم استطع ان افعل له شيئا . كان قد انتهى . كنا نسير بسرعة عشرة اميال في الساعة حين توقفت المركبة واعتقد انها اصيبت في الرادياتر . وكان مازال امامنا مسافة طويلة حتى نصل ابواب المطار . وكنا تحت نيران ثقيلة . لم نكن طوال هذه الرحلة بمنجى عن اطلاق النار من الاسلحة الخفيفة .
جلسنا داخل الهمفي ننظر الى احدنا الاخر . كان يراودنا شعور واحد : اننا لن ننجو . استخدم الراكب الراديو لطلب المساعدة ولكن لم يجب عليه احد. فقدنا الامل ونحن جالسين نستمع الى الرصاص وهو يضرب في الهمر . كنا نعرف ان الامر انتهى . كانت الهمر هي املنا الوحيد والان لم تعد كذلك . وبما انه كان من الخطر جدا خروجنا من المركبة فقد جلسنا هناك حوالي عشر الى خمس عشرة دقيقة.
ثم سمعنا صوتا زاعقا قويا . تطلع ثلاثة منا من خارج سقف المركبة فرأينا دبابة برادلي تتقدم نحونا وكانت تطلق النار على أي شيء يتحرك في المدينة . وكانت تتبعها دبابتان اخريان . احاطتنا الدبابات وسيارتا همر مدرعتان . كان شيئا رائعا . اخرجنا الجنود من الهمر المتعطلة . ووضعت مع ثلاثة اخرين في المقعد الخلفي لمركبة همر مدرعة . ساروا بنا نحو ميل ثم اخبرونا بأنهم سينقلوننا الى دبابة . خرجت وبمساعدة مدني آخر لحمل المدني الثرثار الى الدبابة ولكن للاسف اصيب المدني الذي كان يساعدنا في ظهره وسقط . سحبت الرجل الثرثار الى الدبابة ورجعت لأنقل المدني الاخر ولكن كان هناك من نقله قبلي. نظرت حولي لارى ان كان هنا من يحتاج الى المساعدة . ثم ركبت البرادلي . اغلق الجنود الباب وانطلقنا . كنا خمسة افراد بضمني في الدبابة ثلاثة منهم جثثا هامدة .
اخذتنا الدبابة الى المطار والى المستشفى هناك . لا استطيع اناتذكر الكثير عما حدث هناك . كنت اشعر بآلام مبرحة واعتقد اني غبت عن الوعي . قضيت يومين في مستشفى المطار ثم ارسلت الى (بلد) لمدة يوم في مستشفاه . وفي اليوم التالي ارسلت الى المركز الطبي الاقليمي لاندشتال في المانيا لمدة اسبوع . بعد ذلك رجعت الى الولايات المتحدة الى مستشفى والتر ريد العسكري في واشنطن حيث قضيت اسبوعا آخر. وقد رأى الاطباء هناك انه من الافضل لي ان اعود الى عائلتي لقضاء بعض الوقت معهم من اجل ان انسى ماحدث . والان انا هنا في بيتي حتى 25 آيار / مايو. ثم سوف اعود الى المستشفى لاجراء جراحة . واذا شفيت بسرعة فسوف ارسل مرة اخرى الى العراق . واتطلع الى العودة ثانية فقد تركت الكثير من الاصدقاء هناك كما اني فقدت بعض اصدقائي في ذلك الهجوم .
______
• فرع من شركة هاليبرتون التي فازت بمعظم العقود العراقية
** من الصعب تصديق انه هناك مدني اجنبي لايحمل سلاحا في هذه الظروف الخطرة ، ولعله يقصد ان سلاحهم خفيف او انهم غير مدربين على القتال مثله ، او انها محاول دعائية منه ليقول ان المدنيين الاجانب عزل و ليسوا مقاتلين .
*** تفسير نهوضه رغم اصابته الخطيرة التي ذكرها هو انها لم تكن بالخطورة التي تعيقه بسبب ارتدائه سترة الوقاية من الرصاص التي ذكرها اكثر من مرة .
تعليق دورية العراق : من الواضح من الرواية ان الجندي الامريكي اضفى على نفسه شيئا من (المنعة والبطولة) ولكن جنديين امريكيين اخرين شاركا في القافلة ونجيا اكدا ان وقائع القصة حقيقية .
المصدر: www.intellectual conservative.com
17/5/2004
* ترجمة دورية العراق - يرجى ذكر اسم دورية العراق عند اعادة النشر وشكرا