المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من سيكشف التاريخ والأكاذيب؟



kimo17
11-08-2005, 03:31 PM
من سيكشف التاريخ والأكاذيب؟

بقلم: د. علي محمد فخرو
خلال الأسبوع الماضي كانت هناك فضيحة وكانت مناسبة حزينة. الأولى كانت فضيحة بيع إنكلترا في أوائل الخمسينات من القرن الماضي مادة الماء الثقيل للكيان الصهيوني التي ساعدته على صنع قنابله الذريًّة. كانت الصًّفقة بحوالي عشرين مليون جنيه. لكن معانيها المعنوية والأخلاقية ليست لها حدود ولا ثمن. فالدولة التي قدًّمت فلسطين هدية للصهيونية أعطت السارق قوة هائلة للإحتفاظ بما سرق. حتى الأسبوع الماضي كان الاعتقاد بأن الدول التي ساعدت الصهيونية على صنع القنبلة الذرية كانت فرنسا لوحدها. اليوم تبين أن اليد التي كانت ملطُّخة بالدم كانت نفس اليد الملطُّخة بالعار.
الثانية كانت مناسبة ذكرى إلقاء القنبلة الذرية على مدينة هيروشيما اليابانية منذ حوالي ستّين عاماً من قبل أمريكا. الجديد الشبه مؤكًّد في الأمر أن الحكومة الأمريكية كانت تعرف عن عزم اليابان على الإستسلام خلال بضعة أيام، لكن الحقد الأعمى والرغبة البربريًّة الأمريكية في تجربة آثار القنبلة على بشر أحياء وعلى تجمع سكاني محدد دفعها الى التضحية بعشرات الألوف من القتلى ومئات الألوف من الجرحي والمشوهين. لو أضفنا أن انكلترا قد ساهمت في تمزق الوطن العربي الى دويلات وأن أمريكا استعملت بارجة ليبرتي المشهورة للتجسُّس على الجيش المصري في حربه ضد إسرائيل، وفي تجنيد خمسة عشر ألف من المرتزقة لمحاربة الجيش المصري في اليمن في أوائل الستينات، وفي إمداد الكيان الصهيوني بتكنولوجيا الصواريخ البالغة التقدم، ثم أضفنا الأكاذيب التي ظهرت بهما الدولتان لتبرير الحرب العدوانية على العراق حسبما يظهر يومياً في شكل كتب وتقارير وشهادات وفضائح... لو قدمنا ذلك لقسم كبير من إعلامنا العربي المرئي والمسموع والمقروء، فهل سيكون كافياً بأن يقتنع بأننا أمام دولتين استعماريتين لاتؤمنان بأي قيم ولا بأيّّّّّّ أخلاق ولا بأي عدالة أو رحمة؟ أم أن القائمين على ذلك الإعلام سيلجأون الى الحيلة إياها : باتهامنا بأننا ما زلنا أسرى شعارات الخمسينات الإيديولوجية؟
حقائق التاريخ تلك وفضائح الإخفاء والكذب تطرح على الساحة الإعلامية العربية أسئلة لابدًّ من الإجابة عليها :
أولاً: ما الذي يدفع بفئة كبيرة من الكتاب والإعلاميين العرب، من الذين لا ينتمون الى مجموعات الخيانة والنخاسة ولا الى مجموعات البراءة الطفولية في السياسة، الى الإصرار على التعامل مع الوجود الاستعماري لهاتين الدولتين في العراق وكأنه موضوع قابل للأخذ والعطاء ووجود ينطلق من حسن النوايا لقادة الدولتين؟ ولماذا يتجاهل هؤلاء عشرات الكتب التي أصدرها صحافيون ومحللون سياسيون ومفكرون فلاسفة وأساتذة اقتصاد في أفضل الجامعات في البلدين والتي تشير جميعها الى أن غزو العراق كان من أجل بترول العراق والخليج ومن أجل الهيمنة الصهيونية على المنطقة وكجزء من استعمار جديد يلبس لباس العولمة والديمقراطية الليبرالية؟ ماهو السبب الذي يجعل مؤلٍّفي تلك الكتب من مواطني تلك الدولتين يقرأ التاريخ والسياسة والاقتصاد قراءة صحيحة وعميقة ويجعل الكثيرين من العرب المماثلين لأولئك في المكانة العلمية والفكرية والقدرات يقرأون التاريخ والسياسة والاقتصاد قراءة مشوشة بليدة صبيانية؟
ثانيا: أي نوع من المنطق ذاك القادر على أن يتصور أن دولتين بهذا التاريخ المخزي في تعاملها مع العرب. وبالممارسة المنتظمة في الماضي والحاضر للكذب والتلفيق، قادرتان على الإنسلاخ من طبائع الأمور في تركيبتهما السياسية والإنتقال الى وضع الراعي الحنون للحرية والديمقراطية في أرض العرب؟ ثم أين ذهبت مقولة هرتزل، مؤسس الصهيونية بشأن إنشاء إسرائيل لتكون قلعة المدنية الغربية أمام بربري الإسلام هل سيسمح أحفاد هرتزل بأن تنسي انكلترا وأمريكا هذه المقولة في الوقت الذي تقوم حملة ضدًّ الإسلام تحت غطاء محاربة الإرهاب؟ .
ثالثا: لهتلر مقولة مشهورة من أنك إذا أعدت الكذبة مئة مرة فستبقي كذبة، أما إذا أعدتها عشرة آلاف مرة فإنها ستصبح حقيقية ـ الا تمارس الدولتان، وهما ترددان أكذوبة رغبتهما في الديمقراطية للعرب، نفس اللعبة الهتلرية؟ ألم يقع كتاب العرب ورجال إعلامهم من الذين أشرنا إليهم سابقاً في أحابيل هـــذه اللعبة؟
إذا كان إعلاميو العرب وكتابهم لايشرحون للإنسان العربي مخازي تاريخ من عاداهم وأحابيل سياسة من يريد خداعهم، فمن ياترى سيفعل ذلك؟
د. علي محمد فخرو

========================