الأمين
29-07-2005, 02:16 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
حزب البعث العربي الاشتراكي
في استقراء وتعامل المقاومة مع تطورات أدوار و مأزق الأنظمة العربية المدمجة مع مخططات الاحتلال الأمنية والسياسية
تمهيد:
موقف و تعامل المقاومة العراقية المسلحة مع الأنظمة العربية المدمجة مع مخططات الاحتلال السياسية والأمنية في العراق، كان و لا يزال مؤسسا على طبيعة أدوار تلك الأنظمة في مراحل ما قبل العدوان والاحتلال... ومستوعبا لتطور وتعمق تلك الأدوار في مرحلتي التحضير للعدوان والاحتلال وما بعدهما. وعليه فقد استقرأ واستوعب وتحسب وتعامل المنهاج السياسي والستراتيجي للمقاومة، كما صاغه البعث في مرحلة مبكرة من عمر المقاومة المسلحة، ووجه مصيبا ومحقا في بلورة موقف مقابل سياسي وطني وقومي...له اعتباراته الأمنية العراقية "المقاومة" في المقام الأول، ولم يغفل متابعة وتحديد الممارسات السياسية والاستخبارية والأخرى لكل نظام عربي مدمج، وفقا لتطور حالة الدمج التي وصل أليها مع مخططات الاحتلال في العراق المقاوم.
مثلما كان لعوامل ومحددات الجغرافيا دورها في تشكيل منظومة "دول الجوار" كما رغب الاحتلال قبل وبعد العدوان، فأن طبيعة وأدوار أنظمة عربية غير مجاورة للعراق كان مأخوذا في عين الاعتبار من قبل الاحتلال، حيث ولاعتبارات ستراتيجية وسياسية ووظيفية وغيرها كان مطلوبا ولا يزال دور النظام المصري وبعض أنظمة الخليج العربي غير المجاورة للعراق.
في هذا الوقت بالذات، حيث ينتقل الاحتلال الأمريكي من مرحلة تعمق وتسارع المأزق إلى مرحلة دخول الانهيار، ينعكس ذلك على الأنظمة العربية المدمجة قبل غيرها من أنظمة الإقليم، بشكل تداعيات أمنية وسياسية واقتصادية وأخلاقية صعبة... حيث تتشكل متعمقة حالة تأزيم الإقليم بمجمله، وبشكل متفاوت على أنظمته السياسية وفقا لمرحلة اندماجها القسرية أو الاختيارية في مخططات الاحتلال الأمنية والسياسية في العراق المقاوم. وعندما تعيش بعض الأنظمة العربية مرحلة استنفاذ الدور أو تسارع حالة الاستنفاذ أو حتى التلويح باستنفاذ الدور، تصبح في موقع لا يسمح لها بالمناورة والتريث تجاه أوامر الولايات المتحدة لتطوير وتعميق اندماجها في مخططات ومشروعات الاحتلال الأمريكي في العراق المقاوم. وهنا نحيل إلى ما صدر عن البعث المقاوم في هذا الخصوص خلال العامين الماضيين، بدأ مما اشره واستوعبه وتحسب له وتعامل معه البعث في المنهاج السياسي والستراتيجي للمقاومة، وحتى صدور هذا البيان الذي اقتضته ضرورة التطورات الجارية.
لقد كان للتدبير البعثي بالإطلاق الفوري للمقاومة المسلحة المستمرة في مواجهة الاحتلال "الحتمي المبيت"، وفقا للتصور الستراتيجي الثوري للقيادة السياسية لحكومة جمهورية العراق الشرعية، ما عكس سلبا وبشكل مبكر تداعيات مأزق الاحتلال الأمريكي على مجمل الإقليم، وبالذات على مكوناته السياسية المرتبطة خيارا أو قسرا بمخططات الولايات المتحدة. ومع انعدام الفوائد "وبالذات المالية" لتلك الأنظمة المدمجة مع مخططات الاحتلال الأمريكي الأمنية والسياسية "باستثناء النظام الأردني وفي أعلى قمة هرمه فقط"، فان استمرار وتطور حالة الدمج لتلك الأنظمة... ارتبطت بشكل مبكر في مقايضة حالة استنفاذ الدور، ولاحقا ارتبطت بالارتباط الوظيفي لتلك الأنظمة مع سياسات الولايات المتحدة، وكان ذلك "بمثابة تمديد لأدوار تلك الأنظمة"، اقتضته طبيعة الفشل الذي يعيشه مخطط الاحتلال الأمريكي في العراق المقاوم. لقد شكل الدمج الأمني والسياسي لتلك الأنظمة العربية مع مخططات الاحتلال في العراق، مفاعلا ومسارعا في نفس الوقت... لتشكيل وتعميق مآزق تلك الأنظمة سياسيا وأمنيا واقتصاديا وأخلاقيا... وهذا هو واقعها المعاش الآن.
إن هذا البيان الذي نتوجه فيه للرفاق البعثيين والمقاومين المجاهدين أولا، ومن بعدهم للشعب العراقي وأبناء الأمة العربية في أقطارها المختلفة، وخاصة تلك المدمجة مع مخططات الاحتلال، سوف يركز لحالة اقتضتها ضرورة التطورات الجارية والتحسب و التحذير لما هو آت، على استقراء وتحليل وتوقع تطورات حالات الدمج ومآزقها وتداعياتها لكل من أنظمة السعودية ومصر و الأردن.
نظام أبناء عبد العزيز:
انطلاقا من الدور التاريخي- الوظيفي لهذا النظام منذ تأسيسه في الجزيرة العربية بداية القرن العشرين... والذي بنى على أساس تحقيق التزاوج بين النفط والتخلف الديني والاجتماعي، لصالح الاستعمار البريطاني ومن بعده الإمبريالية الأمريكية، و من خلال الوظيفة المستمرة له كناطور للنفط، ومروج وممول وداعم وناشر لأفكار إسلامية متخلفة، في مواجهة كل حركات التحرر والتقدم "بما فيها الإسلامية"، على أساس "أفق وهمي" يتجاوز القومية العربية ومفهوم وحقيقة الأمة العربية الواحدة إلى مقولة الأمة الإسلامية وكياناتها المتحالفة تبعيا "في معظم الأوقات" مع الغرب، فان حالة دمج هذا النظام مع مخططات ومشروعات الاحتلال الأمريكي في العراق المقاوم لها خصوصيتها انطلاقا من عاملين: الأول قديم، وهو النفط وعلاقته الحالية بمجمل وتفصيلات سياسة الطاقة الأمريكية بشكل عام، واعتباراتها الستراتيجية الناظمة لدى إدارة بوش الابن حاليا، والثاني حديث، وهو تنامي وتطور المعارضة الداخلية السياسية والأمنية والفكرية للنظام منذ بداية تسعينات القرن الماضي.
كان نظام أبناء عبد العزيز ولا يزال وفقا لارتباطه الوظيفي والتبعي بسياسات الغرب وفي المقدمة منها الولايات المتحدة، وانطلاقا من خصوصيته الاجتماعية المتخلفة الانغلاقية والمذهبية، والتي تبنتها ودعمتها السياسات الاستعمارية والإمبريالية في مراحل مختلفة من مواجهتها مع المشروع النهضوي والقومي العربي... لقد كان ولا يزال هذا النظام، المركز الفكري والمالي واللوجستي لمؤامرات حيكت وتحاك في مواجهة أطراف عربية مقابلة ومتنوعة من علمانية وليبرالية وقومية وتقدمية ومدنية، وفي مرحلة متأخرة تقابل هذا النظام مضادا مع حركات إسلامية انفصلت عن مساره التبعي المطلق لسياسات الغرب والولايات المتحدة، بحيث أخذت تنافسه في منطلقاته الإسلامية... واتجهت إلى تثوير تلك المنطلقات تأسيسا على قاعدة جهادية كان قد تبناها النظام "مأمورا" بشكل انتقائي متناغم ومصالح الغرب والولايات المتحدة وفي مواجهة الأطراف المقابلة لهما في فترة الحرب الباردة. وتبنتها لاحقا الحركات المعارضة للنظام بشكل انتقائي "مضاد" لتنبينه الانتقائي قبلا، وتمكنت تلك الحركات تأسيسا على تلك المنطلقات من تحقيق وتكرار المواجهة المسلحة مع النظام في نجد والحجاز والاحساء.
لقد كان لذلك التعارض الفكري والسياسي الحاصل والمتعمق بين نظام أبناء عبد العزيز والحركات المنفصلة عنه والمقاومة له، ما أوجب و شدد من مطالب إصلاحية غربية وأمريكية موسمية أعقبت تاريخ 11 أيلول 2001، و من ثم خبت وتراجعت تلك المطالب الإصلاحية عندما انتكس وفشل المشروع الاحتلالي الأمريكي في العراق... وانعكس فشله على تراجع المطالب الإصلاحية من هذا النظام... مقايضة مع إعمال وتعميق دمجه السياسي والأمني والمالي والإعلامي مع مخططات ومشروعات الاحتلال الأمريكي المندحرة في العراق المقاوم.
كان نظام أبناء عبد العزيز قد واجه معارضة سياسية ومقاومة عسكرية في فترة سبقت احتلال العراق في العام 2003، واتت مباشرة بعد أن استقدم هذا النظام القوات الأجنبية وفي مقدمتها الأمريكية لأراضيه قبل وأثناء وبعد المنازلة الكبرى في أم المعارك... وكان هذا الاستقدام التأمري والمشاركة المالية السخية والعسكرية الذيلية في العدوان على العراق في العام 1991 سببا مباشرا وأساسيا في تبلور المعارضة السياسية والمقاومة العسكرية له، والتي لا تزال مستمرة ومتكررة حتى اللحظة، ويذكيها ويطور من أساليبها ويوسع من قاعدتها وانتشارها ويكرر من مواجهاتها، حالة الدمج السياسي والأمني للنظام مع مخططات ومشروعات الاحتلال في العراق المقاوم. لقد ارتدت سلبا المفاهيم والطروحات والعقائد الانغلاقية المتخلفة، والمذهبية الضيقة والمتشددة، والتي طالما نادى بها وروج لها وصدّرها للخارج وطبقها داخليا هذا النظام... ارتدت عليه عندما ظهر جليا لمواطينه أن كل تلك الطروحات والعقائد كانت لخدمة بقاء النظام، وتبرير تخلفه الاجتماعي السياسي، وانغلاقه المذهبي، وتبديده الاقتصادي لثروات البلد من ناحية، وأنها من ناحية ثانية كطروحات وعقائد، كانت مصممة وموظفة في خدمة الغرب والولايات المتحدة ومصالحهما في المنطقة العربية والعالم.
مأزق نظام أبناء عبد العزيز كنموذج مهم للأنظمة العربية المدمجة مع مخططات ومشاريع الاحتلال الأمريكي في العراق المقاوم، يشكل حالة خاصة بسبب من تفاعل التناقض البنياني والسياسي للنظام مع طروحاته وعقائده التبريرية. والنظام عينه يشكل مرآة انعكاسية لسياسات ومصالح الولايات المتحدة، ونفوذ مراكز القوة والتحكم فيها في المجالات السياسية والأخرى، وهذه المرآة تكون صافية ونظيفة في أحيان، ومعكرة وقذرة في أحيان أخرى، وكل وقائع تنظيف أو تعكير سطح المرآة تكون أمريكية القرار بالمقام الأول ولأسباب أمريكية محظة، وتلعب الحساسية المفرطة لسياسة وستراتيجية الطاقة الأمريكية فيها دورا فاعلا.
أنه ووفقا لخصوصية الحالة الموصوفة في أعلاه، ومستوى الفشل المتحقق في ستراتيجية الطاقة للولايات المتحدة في ظل إدارة الرئيس بوش الابن، يتمتع النظام السعودي بحالة من المرواحة في مكان يفرض عليه الدعم المالي والإعلامي والإفتائي لمخططات الاحتلال ومشروعاته في العراق المقاوم، ويشهد تراجعا في مداخلاته الأمنية والاستخبارية التي مارسها بقدر أكبر في مرحلة مبكرة أعقبت الاحتلال. إن الإشعاع الارتدادي للمقاومة العراقية المسلحة على حركة المقاومة المسلحة لنظام أبناء عبد العزيز في الداخل، شكل خصوصية لمأزق النظام المدمج مع مخططات الاحتلال الأمريكي في العراق، حيث أن نشوء حالة المعارضة السياسية والمقاومة العسكرية للنظام قد ارتبطت أصلا باستقدامه للقوات الأمريكية لضرب العراق وإدامة حصاره والتمهيد لاحتلاله.
وعلى مستوى التأثير الإقليمي، يشهد نظام أبناء عبد العزيز حالة من تراجع مستوى التأثير على سياسات ومواقف أنظمة مجلس التعاون الخليجي، إلى حد من نشوء حالة تنافس بين تلك الأنظمة في مستويات الخدمة والدعم المقدمة لسياسات ومصالح الولايات المتحدة في الإقليم، سواء فيما يخص التطبيع مع الكيان الصهيوني، أو الدعم العسكري واللوجستي لمشروعات الاحتلال في العراق المقاوم.
إن البعث المقاوم يؤشر لتطورات حالة الدمج لنظام أبناء عبد العزيز مع مخططات الاحتلال في العراق وتداعيات مأزق هذا النظام حيث يتحسب ويحذر وسيتعامل مع يلي:-
1- إن هذا النظام سوف يحتفظ بدور سياسي "منتظرا أو مأمورا" لاستخدام ورقة "التوازن الطائفي" في مواجهة التدخل والتأثير الأمني والسياسي المسموح أمريكيا لإيران، حيث أن تابعيها (إيران) السياسيين هم الحلفاء الداخليين الذين شكلوا ويشكلون الأداة الأمنية الفاعلة والسياسية للاحتلال في العراق. ولقد تعزز دور هؤلاء الحلفاء الخونة مع تعاظم المقاومة المسلحة التي لم يتوقعها الاحتلال، حيث أن المكابرة السياسية للاحتلال تقتضي منه و حتى اللحظة إدامة وتفعيل التحالف مع تابعي إيران داخل العراق المقاوم. في فترة قادمة وغير بعيدة قد تفرضها بها حالة الانهيار التي بدأ يدخلها الاحتلال الأمريكي في العراق... سوف يحاول هذا النظام من التطوع أو أن ينفذ أمرا أمريكيا بفتح الخطوط مع قوى عشائرية ودينية ومناطقية على أساس من إقامة "توازن طائفي" يسمح في المحصلة النهائية من إطالة أمد الاحتلال، من خلال محاولة تطويق المقاومة العراقية المسلحة ومحاولة زج تلك القوى في المشروع السياسي الخائب للاحتلال واستحقاقاته السياسية البائسة.
2- إن هذا النظام وبفعل وتأثير حركة المقاومة السياسية والمسلحة داخل نجد والحجاز من جهة، وبفعل الإشعاع الارتدادي للمقاومة العراقية المسلحة على المقاومة العسكرية للنظام في الداخل ،وكونه أعلن نفسه أنه طرف متحالف للولايات المتحدة في "محاربة الإرهاب"... سوف يرغم بإعادة وتنشيط دوره الأمني والاستخباري في العراق وفقا لترتيبات زج وتحريك أدوار متوقعة تفرضها وتديرها استخبارت الاحتلال العسكرية أو وكالة المخابرات المركزية.
3- أن هذا النظام وفي محاولة لتلميع و إعادة تفعيل دوره العربي والإسلامي الباهت، سوف يكون ووفقا لطلب الولايات المتحدة، محركا لجلب و إحلال قوات عربية و إسلامية للتمركز في مناطق بعينها في العراق المقاوم.
احتمالات تحقق ما ورد في أعلاه، قد رتب وفقا لتسلسل محكوم بأولويات الإمكانية والقابلية لهذا النظام، مثلما هو محكوم أيضا بتطورات وتسارع وضع الاحتلال المتداعي في العراق المقاوم.
إن نظام أبناء عبد العزيز يتأثر بشكل مباشر بتطورات الجهد المقاوم في العراق، وسوف يكون نظاما مأزوما فاقدا لشرعيته الوطنية والقومية "والدينية المقترضة"، ولن يكون له من رصيد يناور به على المدى المنظور، أكثر من تطورات أزمة الطاقة وسياسات الولايات المتحدة بالتعامل معها على مدى السنوات القليلة القادمة، والتي ستكون متأثرة بهزيمة الاحتلال القادمة بالعراق وما ستستتبعه من تغيرات آتية في مكونات المنظور الستراتيجي الإقليمي والدولي للولايات المتحدة. إن محاولة النظام من الانقلاب على نفسه بثورة إصلاحية ستكون غير واردة، بسبب أن أي محاولة إصلاحية داخلية حقيقية... ستزعزع بنيان النظام وقاعدته الاجتماعية السياسية المستندة بالأساس لفكر ديني ومذهبي انغلاقي وتبريري متخلف... أضحى مستنفذا ومرفوضا من قبل حلفاء النظام الداخليين والخارجيين، مثلما هو متقدم عليه من قبل المعارضة السياسية المتعددة الاتجاهات والمقاومة العسكرية السلفية الجهادية الجارية لهذا النظام.
نظام حسني مبارك:
دور نظام مبارك ينطلق من حقيقة تراجع الدور السياسي التاريخي لمصر في محيطها العربي، والذي أضحى دورا مبنيا على قاعدة الخروج الموضوعي "الأسبق" لمصر من ساحة الصراع العربي الصهيوني، وتحول دورها السياسي الرسمي إلى نطاق دائرة الدولة القطرية الأكبر في النظام الرسمي العربي المتداعي. وإذا كان وصول حسني مبارك للحكم في مصر قد تم وفقا لاستنفاذ متسارع لدور السادات المصري والإقليمي، وبغض النظر عن أسلوب وأدوات انتقال الحكم لمبارك، فان محاولات مبارك ومدى استجابة النظام الرسمي العربي لعودة مصر المكبلة بأحكام وضرورات اتفاقية كامب ديفيد، قد أدت وللأسف إلى لعب حسني مبارك دورا مضافا ونوعيا في زعزعة وارتهان النظام الرسمي العربي أكثر فأكثر لمتطلبات الولايات المتحدة السياسية والأمنية في الوطن العربي، وخاصة الخليج والجزيرة العربيين. الثقل التاريخي والموضوعي لمصر في النظام السياسي العربي، قابلته الخفة السياسية والشخصية لحسني مبارك في مجموع مفردات مواقفه السياسية العربية... منذ أن انكشف دوره السياسي الخفيف والمدمر في منظومة مجلس التعاون العربي ... واستمر تاليا.
في الحالة الأصيلة "قبلا" تم وزن الدور الرسمي المصري، أو دور النظام المصري من خلال دور مصر العربي والإقليمي والدولي ، لكن في الحالة المزيفة "حاليا" لا بد من الفصل بين وزن مصر ودورها "المفترض والمغيّب"، وبين وزن ودور نظامها، أي أن هناك مشروعية مصرية وعربية للتمييز بين الثقل والخفة والأصالة والتزييف. ومن هذا المنطلق المشروع والعملي، نتناول ونستقرئ ونحلل ونتحسب ونحذر من دور نظام مبارك كأحد الأنظمة العربية المدمجة مع مخططات ومشروعات الاحتلال لأمريكي في العراق المقاوم.
حالة الخفة الشخصية والسياسية لنظام مبارك سمحت له بتبني مواقف متناقضة ومتبدلة... بحيث يتم التنقل من موقف لأخر أو موقع لغيره، وبسرعة الشخص الخفيف لا النظام السياسي. ولعل الموروث السياسي من نظام السادات لنظام مبارك، والذي طبع بطابع الشخص الآتي بعد مرحلة عبد الناصر،والذي (أي السادات) استنفد شخصا ونظاما بسرعة تمثلت في سرعة إنجاز دوره بإخراج مصر من ساحة الصراع العربي الصهيوني، قد أثر في نظام وشخص مبارك، من حيث الخفة وإتقان إدامة التقلب، في محاولة لتمديد الدور السياسي والشخصي وعدم استنفاذهما بسرعة. هذا الاستقراء التحليل يمتلك قدرا كبيرا من الصدقية... وتؤكده حالة نظام مبارك في الوقت الحاضر، فيما يخص الشأن الداخلي وأولويات الاحتفاظ بالسلطة تمهيدا لنقلها للابن الوريث. وكذلك فمحاولات تمديد الدور، ساهمت في طبع سياسة النظام والشخص بالخفة والتقلب والانتقال من النقيض إلى النقيض في الشأنين العربي والإقليمي.
لقد أرتضى مبارك الشخص أولا ومبارك النظام ثانيا، دورا سياسيا "ممنهجا" لمصر بقي محكوما بإرث السادات، الذي طال واستهدف تزويرا وإلغاء كل ما أسسه نظام عبد الناصر الوطني والقومي. فكان أن أصبح دور مصر العربي متمما لدور الولايات المتحدة في سياق تطبيق منظورها الستراتيجي للتعامل مع العرب والإقليم، بما في ذلك فلسطين والخليج والنفط. ومن هنا أسس مبارك الشخص والنظام حالة من تناغم المصالح مع نظام أبناء عبد العزيز، ولم يعكر هذه الحالة سوى ما طبع الخفة الشخصية لمبارك في علاقاته مع الغير من كان ومهما كان.
لقد كشف مبارك "الشخص الخفيف" و "النظام المرتهن" تمسكه بالدور الذي صممته الولايات المتحدة لمصر، والذي تعزز بدعم وإسناد نظام أبناء عبد العزيز لهذا الدور المصري تحت نظام مبارك... فلقد كانت مواقف مبارك النظام والشخص مثالا حيا على هذا التمسك من خلال المناورات التي قام بها في "مجلس التعاون العربي"، وكان واضحا أن مبارك قد تنازل عن دور مصر العربي التاريخي والموضوعي... وهذا ما أكدته مسيرة النظام السياسية منذ ذلك الحين وحتى الآن. إن الدور العربي والإقليمي الذي قامت أو تقوم به مصر، هو الدور الذي يتوقف القيام به على القبول "الإسرائيلي" ليتوسط أو يبادر أو يروج نظام مبارك لإرساء ترتيبات أو صيغ يتطلبها "أمن إسرائيل" في مواجهاتها للانتفاضات الفلسطينية من جهة، أو تطبيع العلاقات العربية معها من جهة أخرى.
عندما يكون مبارك الشخص والنظام معايشا لمأزق "استنفاذ الدور" وأمام استحقاق دستوري ينطوي هذه المرة على مخاطرة قد تكون غير محسوبة ليس بسبب من عدم إعادة الانتخاب لفترة رئاسية خامسة، بل بسبب من تغير البيئة السياسية المصرية وتحديها للنظام المرتهن والشخص الخفيف تأسيسا على دور الشارع "الذي غيب" ولفترة طويلة، واستنادا إلى طروحات الديمقراطية والتغيير والإصلاح التي يعتبرها مبارك الشخص والنظام مدخلا لتنفيذ استنفاذ الدور، الذي طالما كان هاجسه الشخصي منذ تعينه في منصب الرئاسة كنتيجة منطقية لحادث المنصة. هذه المعايشة "المعاناة" ستكون ممتدة وفاعلة، حتى بعد إعادة انتخاب مبارك كنتيجة متكررة في استحقاق السابع من أيلول القادم. وهنا سيكون مبارك الشخص الخفيف والنظام المرتهن، في موقع يحتم عليه الخضوع والتبرع في آن واحد بمواقف وخطوات... قد يكون من بينها الخطير والمنطلق من حالة الدمج المسبق لنظامه مع مخططات ومشروعات الاحتلال السياسية والأمنية في العراق المقاوم، والمعزز بتداعيات مأزق النظام في سعيه الحثيث لإدامة الدور بما يكفل التوريث المنشود. وهنا يكون من واجب البعث والمقاومة وشعب العراق المقاوم التحسب والحذر، تأسيسا على هذا الاستقراء الواقعي المعزز بتجارب سابقة لمواقف هذا الشخص الخفيف وهذا النظام المرتهن. تحديدا واقعيا... كان النظام المصري الساداتي وامتدادا ووريثا له نظام مبارك، قد شقا الصف العربي على مستوى النظام الرسمي، ابتداء من تنفيذ الدور الساداتي بزيارة القدس المحتلة وما تبعها.... ومرورا بتنفيذ مبارك للدور التآمري الصارخ في مؤتمر القمة الاستثنائي في آب 1990 ،عندما هيأ لدخول واحتلال وتموضع القوات الأمريكية والأجنبية الأخرى للجزيرة والخليج العربيين، وشاركها فبي العمليات الحربية مع قوات أنظمة عربية أخرى في ضرب العراق، بعدما عطل وأفشل الدور العربي في الحل بعد الثاني من آب 1990.
لقد فرط نظام مبارك في كل إمكانية لدور مصري مفترض ومطلوب و مقبول عربيا، وحصر الدور المصري فيما توافق عليه "إسرائيل" فلسطينيا، وفيما تطلبه منه الولايات المتحدة عربيا وإقليميا في حربها الذرائعية على الإرهاب ومحاولاتها الخائبة لتجبير مأزقها العسكري والسياسي والأخلاقي في العراق المقاوم. لقد غاب الدور المصري عن كل القضايا العربية والإفريقية الأخرى: "الحصار على ليبيا، جنوب السودان و دارفور، الصحراء الغربية، النزاعات الحدودية السعودية مع اليمن وعمان والإمارات وقطر".
إن إمكانية وصحة التوقع لما سيتخذه نظام مبارك من مواقف تعزز من حالة دمج نظامه مع مخططات ومشروعات الاحتلال الأمنية والسياسية في العراق المقاوم، سوف تتوقف في المدى الزمني القصير على تمرير الاستحقاق الدستوري في السابع من أيلول القادم، والذي سيكرر النتيجة للمرة الخامسة بفوز مبارك برئاسة مصر وفي مواجهة مع المنافس
أيا كان وفقا لم رتبته التعديلات الدستورية الأخيرة. وعلى مدى يتبع... سوف يكون النظام في موقف يبرر له ما سيقوم به من تفعيل لحالة الدمج انطلاقا من مطلبه وموقفه المعلن سابقا باستمرار تواجد وزخم قوات الاحتلال على أرض العراق، والترويج لمقولة الحرب الأهلية في حال انسحاب تلك القوات... ولقد عزز نظام مبارك موقفه ضمن حالة دمجه المعاشة مع متطلبات الاحتلال عندما سبق الغير بتعين سفير لنظامه في بغداد. وكان أن حرك قبلا الجامعة العربية وأمينها العام " الموظف الكبير" المشتق من نظامه، بالتعامل مع الصيغ السياسية التي خلقها الاحتلال، كحقيقة واقعة تمثل العراقيين وفقا لمطلب ورغبة الاحتلال.
إن الأدوار السياسية التي يمكن لنظام مبارك القيام بها لاحقا، ستكون محكومة بضعف النظام وارتهانه الهيكلي للولايات المتحدة وسياساتها العربية والإقليمية من جهة، وبمدى تعامل وقبول الولايات المتحدة مع الوضع المصري اللاحق لاعادة انتخاب مبارك في أيلول القادم. نظام مبارك سيكون محكوما بتفاقم الوضع السياسي و المعاشي والأمني الداخلي وما يفرضه ذلك من تعزيز وتصليب مطالب التغيير والحرية في المجتمع المصري، ومطالب التغيير هذه سوف لن تكون خارج التقاطع مع ضغوطات ومطالب الولايات المتحدة بالتغيير السياسي في مصر وفقا "لمصلحتها هي:، حيث سوف يخلط النظام داخليا أوراق المطالبة بالتغيير المصرية والأمريكية في محاولة لاضعاف المطالب المصرية، وسوف يؤكد في الوقت نفسه على دور نظامه في الحرب الذرائعية الأمريكية على الإرهاب، والتي تبرر مزيدا وتفعيلا لحالة الدمج السياسي مع مخططات ومشروعات الاحتلال الأمريكي في العراق المقاوم.
أما الأدوار الأمنية فسوف تكون محكومة بتفاقم الوضع الأمني في مصر، أي بتفاقم أمن النظام، فمصر كانت وستبقى تحكمها تعادلية متعارضة تحد من تدخلها الأمني "و إن كان أو سيكون له قبولا أمريكيا" وهنا لابد لنا من التأشير لعوامل هامة:
1- المؤسسة العسكرية المصرية موضع مراقبة وتحكم من قبل الولايات المتحدة، وقد نجحت "إسرائيل" في تحديد وتحجيم دورها المستقبلي ليكون محصورا بمنطقة غرب القناة وضمن "مصر الأفريقية"، وكل دور غير ذلك باتجاه الشرق هو ما توافق أو ستوافق عليه "إسرائيل"، ولا يعدو أن يكون دورا أمنيا " وليس عسكريا" و موازيا لما تقوم به "إسرائيل" في تقابلها الأمني مع الشعب الفلسطيني.
2- وبناء على ذلك فان توقع أي تواجد عسكري مصري "معلن" في العراق المقاوم، إنما يتطلب موافقة وقبولا "إسرائيليان"، وبقطع النظر عن رغبة واحتياج الولايات المتحدة المحتلة للعراق في الوقت الحاضر أو المستقبل.
3- إن أي دور أمني أو عسكري مفترض أو متوقع لنظام مبارك في العراق المقاوم، سوف لن يغير إذا ما تم "وهذا أمر مستبعد"، في حتمية التغيير القادم على النظام، فالنظام مستنفذ مصريا أولا، وعليه استحقاقات مرتبطة بضعفه وارتهانه للولايات المتحدة، بما يمنعها من تجديد دوره أو تمديده لمدى أبعد، فالشخص من حيث العمر قد كبر، والتوريث سوف يصطدم بمتطلبات المؤسسة العسكرية الواجب إدامة مراقبتها والتحكم بها، بما يستدعي أن تأتي هي بالرئيس اللاحق، وأن لا تكون طرفا في التقابل السياسي الداخلي، بل تبقى ضابطة لإيقاع الدور السياسي المصري العربي والإقليمي كما كان منذ رئاسة السادات واستمر في عهد مبارك.
البعث والمقاومة العراقية المسلحة يستوعبان دور نظام مبارك، كنظام مدمج مع مخططات الاحتلال، وفقا لما استقرأ وحلل في أعلاه، حيث سيكون التحسب من الدور السياسي التمريري لنظام مبارك، ضمن منظومة النظام الرسمي العربي المتداعية، ومن خلال مقررات الجامعة العربية أو دول الجوار. إن ما ارتضاه مبارك لمصر من دور سياسي محدود ومرتهن في خدمة الولايات المتحدة و "إسرائيل" لن يفيد الولايات المتحدة التي تخسر وبسرعة حربها العسكرية ومشروعها السياسي في العراق المقاوم.
نظام عبدالله الثاني:
بالرغم من ثبات واستمرارية مؤسسة الحكم في الأردن، منذ أن منح عبدالله الأول الأمارة في شرق الأردن من قبل بريطانيا وفقا لما تمخضت عنه اتفاقية سايكس – بيكو وما تلاها من تهيئة لاقامة وطن قومي لليهود في فلسطين وإصدار وعد بلفور، فان التسمية وفقا للعنوان الفرعي أعلاه "نظام عبدالله الثاني"، لها مبرراتها العملية المؤسسة على طبيعة ونوعية التغيير المتسارع الذي أحدثه الملك عبدالله الثاني في مؤسسة الحكم وسياسة الأردن العربية والإقليمية، ضمن ترتيب ودور الوظيفة العضوية لنظامه في منظومة سياسات ومصالح وتحركات الولايات المتحدة الأمريكية في الإقليم. و النظام الأردني هو الأكثر والأسبق اندماجا مع مخططات وسياسات ومشاريع الاحتلال الأمريكي في العراق المقاوم، ينطلق في تنويع و تفعيل دوره انطلاقا من الثقة و القبول والرغبة الأمريكية أولا، ومن ضعف المعارضة السياسية للنظام في الداخل ثانيا، ومن مصلحة ذاتية للنظام ورأسه... مؤسسة ومبررة على مكاسب مالية وغيرها منحت وستكون ممنوحة له في المستقبل... في سياق استمرارية وتعمق حالة الدمج مع مخططات الاحتلال في العراق ثالثا.
لقد سبق النظام الأردني وقبل انتقال العرش لعبدالله الثاني، غيره من الأنظمة العربية، في لعب دور مقبول ومخطط وفاعل ضمن سياق التحرك الأمريكي، وبعد وقف إطلاق النار في شباط 1991بما خدم ما سمي في حينه "مخطط الإطباق على العراق" والذي استند إلى قرارات رئاسية أمريكية (Executive Orders)في أواخر عهد بوش الأب، حيث وضع الأردن الرسمي سياسيا واستخباريا في خدمة ذلك المخطط، كما ناقشه واتفق عليه في حينه الملك الراحل حسين و برنت سكوكرفت مستشار الأمن القومي قي إدارة بوش الأب.
لقد خبرت أدوار ومواقف النظام الأردني في عهد الملك حسين على قاعدة المنفعة، وكانت هناك المواقف المدفوعة الثمن، ضمن سياق تبريرات الحاجة وضعف موارد القطر الأردني، ومثل هذه التبريرات لا زالت تحكم وبقوة أكبر مواقف النظام في عهد الملك عبدالله الثاني، حيث أن قاعدة المنفعة المالية للنظام ورأسه هي أساس اتخاذ وتبديل المواقف، وان غلفت بحاجة البلد،و أطلق عليها في الخطاب السياسي للنظام وحكوماته المتكررة المتعاقبة وإعلامه الرسمي بالمواقف القومية والمبدئية، هذه المواقف خبرت في القادسية وامتدادها على مدار ثماني سنوات، وكذلك بموقف الأردن الرسمي بعد الثاني من آب 1990 وحتى وقف إطلاق النار، وكانت تلك المواقف في حينها تتناغم أساسا مع مواقف الشعب العربي الأردني، مثلما كانت تلبي قاعدة التعامل النفعي التي تبناها النظام الأردني ولا يزال.
يمكن لنا التأشير إلى مفصل زمني اثر في سياسات ومواقف ومبادرات النظام الأردني، وذلك عندما أطلق بوش الأب الدعوة إلى مؤتمر مدريد بعد قرار وفق إطلاق النار في شباط 1991، ومن ثم انعقاد هذا المؤتمر، حيث أعطيت الدبلوماسية الأردنية دورا هاما "لتعمل كمظلة للتمثيل الفلسطيني"، بعد أن كان قرار الملك حسين بفك الارتباط السياسي والإداري مع الضفة الغربية المحتلة قد حد من أدوار النظام السياسية المؤثرة إقليميا. لقد شكلت تتابعات مؤتمر مدريد وتوقيع اتفاقية وادي عربة لاحقا ما عزز وفّعل دور النظام الأردني رغم المعارضة الشعبية الأردنية المعروفة والمستمرة للاتفاقية وتداعياتها، حيث نشير هنا إلى:-
1- روج النظام وخطابه السياسي وماكنته الإعلامية إلى الاعتراف بالحدود الغربية للدولة الأردنية من قبل "إسرائيل" والمجتمع الدولي، وعليه ركز النظام بالترويج على إنجاز توقيف طروحات "الوطن البديل"، وكان في عرف النظام ذلك الإنجاز هو ثمن مقبوض لمعاهدة وادي عربة والاعتراف والتبادل الدبلوماسي والتجاري وغيرهما مع "إسرائيل".
2- توازى ذلك كله مع تبدل نوعي مرتبط بوظيفة النظام التاريخية على مستوى الإقليم، حيث شخص التبدل في الدور السياسي والاستخباري للنظام فيما يخص مخطط الولايات المتحدة تجاه العراق، وإسقاط البعث، ومطلب تغيير النظام فيه، فكانت هناك مواقف أردنية رسمية معلنة وصلت إلى حد التبشير بإسقاط البعث والقيادة العراقية من قبل الملك حسين في مطار عمان المدني في حينه.
3- عندما كان الإنجاز المترتب على اتفاقية وادي عربة ينحصر في مصلحة النظام واستفادته دونما مصلحة واستفادة الشعب العربي الأردني، فان تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، قد عزز من موقف الشعب الأردني الرافض للاتفاقية وتداعياتها، والداعم للعراق وقيادته في مواجهة الحصار والتآمر الدولي والإقليمي إلى حد التظاهرات الشعبية في مدن أردنية .
4- تأسيسا على الاستيعاب المشار إليه سابقا لخبرة تعامل النظام الأردني على أساس قاعدة المنفعة الخاصة به رغم التبريرات والذرائع، فان تعامل قيادة العراق أسس على تأكيد مصلحة الشعب العربي الأردني في كل مجريات العلاقة وتطوراتها والمرتبطة بتبدل أدوار النظام، حيث حافظ العراق على ما كان مصلحة للشعب الأردني بالتعامل الاقتصادي والتجاري، وكان ذلك مدخلا في إحداث تأثير على شخوص النظام والدولة في الأردن، حيث كانت هناك دائما مواقف مدفوعة الثمن أو مؤسسة على المصلحة والمنافع الشخصية ، لها ما يبررها في مواجهة العراق وقيادته للحصار الجائر المفروض عليه من جهة، ولاعتبارات الجغرافية الاقتصادية من جهة ثانية.
لقد تميزت الفترة الممتدة منذ اتخاذ موقف الارتباط العضوي للنظام بخطة الإطباق على العراق، كما وضعت في واشنطن في حينه، و حتى فترة الشروع بالعدوان في ليلة التاسع عشر من آذار ،2003 بمدى من الدمج والإسناد الاستخباري الممنهج لمسعى الولايات المتحدة بضرب واحتلال العراق، أو إسقاط القيادة، من خلال الرهان الخائب على تحركات و خيانات داخلية، حيث:-
1- تم التعامل و إعطاء الدعم والإسناد المالي والإعلامي، والسماح بالتواجد التنظيمي والإداري والبث الإذاعي الموجه، من على أرض القطر الأردني، لقوى معارضة "منتقاة"ساقطة ومرتبطة باستخبارات الولايات المتحدة وغيرها، مؤملين من دور لها في داخل العراق.
2- تم وبالتعاون والموافقة من قبل دوائر أمريكية متخصصة، خلق ميزانيات مخفية من خلال صفقات وهمية، لمثل هذا الدعم، ولدفع ثمن مواقف النظام وشخوصه المتنفذة. لقد امتد التعامل بتلك الترتيبات المالية لفترة طويلة امتدت لما بعد تسلم الملك عبدالله الثاني الحكم، أدت إلى فساد وسوء ائتمان، طال دوائر ورؤساء الاستخبارات الأردنية، إلى أن قررت الولايات المتحدة وقف العملية وكشفها، بما عرف في حينه بقضية التسهيلات المصرفية.
3- لم يمنع كشف الفضيحة المالية الصارخة تلك من استمرار وتصاعد الدمج والإسناد الممنهج "المؤسس على الربط العضوي الوظيفي المتوضع سابقا" لمسعى الولايات المتحدة العدواني تجاه العراق وقيادته الوطنية الشرعية، حيث تكثف مثل هذا التعاون في عهد الملك عبدالله الثاني وكان لذلك أسبابا متعددة:
· استغلال الولايات المتحدة للتغيير الذي نشاْ بعد وفاة الملك الراحل حسين... وانتقال الملك إلى عبدالله الثاني... ذلك التغيير الذي أقصى ولي العهد المخلوع الأول الأمير حسن، وعهد بولاية العهد فيه للأمير حمزة بن الحسين، الذي أصبح وفي فترة قياسية ولي العهد المخلوع الثاني.
· الاتجاهات المؤسسية والحرفية في سياسات الملك عبدالله الثاني، والتي شكلت مسارا سمح بإطلاق يد التعاون والدمج بين المؤسستين العسكرية والأمنية - الاستخبارية في الأردن مع مثيلتيها الأمريكيتين.
· تعميق الربط العضوي والوظيفي للدور الأردني السياسي والأمني مع منظور وسياسات ومخططات الولايات المتحدة في الإقليم، معززا بالثقة الأمريكية(الحالية) الممنوحة للملك ومؤسساته الأمنية والعسكرية، وبارتفاع المستوى الحرفي لتلك المؤسسات.
لقد تفوق الدور الأمني الأردني "المساعد" على الدور السياسي في حالة الدمج المعاشة مع مخططات ومشروعات الاحتلال الأمريكي في العراق المقاوم لأسباب واعتبارات متعددة، يمكن إرجاعها إلى فشل الولايات المتحدة السياسي والأمني في العراق، عندما برز الرد البعثي المقاوم بسرعة ووفقا لتدبير رصين محكم من جهة، وبسبب من اعتماد الولايات المتحدة على شراذم ساقطة ومنبوذة ومأجورة، بما فيها تلك التي حظيت وبسخاء بالإسناد والدعم من قبل النظام الأردني من جهة ثانية، وبسبب من تناقضات مصالح مالية أساسا بين النظام الأردني وعملاء وخونة عراقيين مدعومين من دوائر قرار أمريكية عسكرية بحتة من جهة ثالثة، وبسبب من تغليب مصلحة واستفادة النظام على النهج والترتيبات السياسية الطويلة الأمد من جهة رابعة، وبسبب من حساسية التعاطي السياسي القائم حاليا بالتعامل مع الشراذم العراقية الخائنة على أسس طائفية ومذهبية، بما ينعكس سلبا على النظام الأردني والأسرة الحاكمة ونسبها من جهة خامسة، وبسبب مؤثر قائم على رفض واسع ومستمر للشعب العربي في الأردن للاحتلال وسلطته العميلة المعينة من جهة سادسة.
وعليه فأن البعث والمقاومة يشخصان ويستوعبان ويحذران ويتحسبان، من الدور الأردني الرسمي، الأسبق و الأكثر اندماجا مع مخططات الاحتلال الأمريكي في العراق سياسية و أمنية، وبغض النظر عن الضعف في التأثير السياسي للنظام الأردني في العراق المقاوم. فالدور الرسمي الأردني مؤسس على الارتباط الوظيفي العضوي مع سياسات الولايات المتحدة ومنظورها الستراتيجي للمنطقة، وهو دور نفعي واضح قائم على ذرائعية بحتة تبيح المحظورات.
الخلاصة:
تأزيم الإقليم وأنظمته السياسية التي كانت متآمرة على العراق وشعبه وقيادته، وهذا لا يتطلب جدالا الآن، أضحى حقيقة معاشة ومستمرة، ولن تغفر سؤ الحسابات الستراتيجية والسياسية والأمنية للإدارة الأمريكية الحالية، التي قاتلت العراق نيابة عن "إسرائيل"، من أخطاء وخطايا الأنظمة العربية المدمجة، وهي كثيرة غير التي اقتضت الضرورة في هذا البيان من التعرض لها. وفي هذا الوقت الذي تبرز فيه حقيقة دخول الاحتلال الأمريكي مرحلة الانهيار التام في العراق المقاوم، سوف لن يكون بمقدور تلك الأنظمة المدمجة من الإتيان بشيء غير استمرار تورطها مع الولايات المتحدة في حربها واحتلالها الخاسريين للعراق، والتراجع اللاحق عن مواقف متآمرة غير مسموح به أمريكيا، فتلك الأنظمة إما ذيلية أو مرتبطة عضويا ووظيفيا مع سياسات ومصالح الولايات المتحدة، وهي ستواجه مآزقها من دون دعم الولايات المتحدة التي لا تدعم غير "إسرائيل" في هذه المنطقة من العالم.
جهاز الإعلام السياسي والنشر
حزب البعث العربي الاشتراكي
العراق في التاسع والعشرين من تموز 2005
حزب البعث العربي الاشتراكي
في استقراء وتعامل المقاومة مع تطورات أدوار و مأزق الأنظمة العربية المدمجة مع مخططات الاحتلال الأمنية والسياسية
تمهيد:
موقف و تعامل المقاومة العراقية المسلحة مع الأنظمة العربية المدمجة مع مخططات الاحتلال السياسية والأمنية في العراق، كان و لا يزال مؤسسا على طبيعة أدوار تلك الأنظمة في مراحل ما قبل العدوان والاحتلال... ومستوعبا لتطور وتعمق تلك الأدوار في مرحلتي التحضير للعدوان والاحتلال وما بعدهما. وعليه فقد استقرأ واستوعب وتحسب وتعامل المنهاج السياسي والستراتيجي للمقاومة، كما صاغه البعث في مرحلة مبكرة من عمر المقاومة المسلحة، ووجه مصيبا ومحقا في بلورة موقف مقابل سياسي وطني وقومي...له اعتباراته الأمنية العراقية "المقاومة" في المقام الأول، ولم يغفل متابعة وتحديد الممارسات السياسية والاستخبارية والأخرى لكل نظام عربي مدمج، وفقا لتطور حالة الدمج التي وصل أليها مع مخططات الاحتلال في العراق المقاوم.
مثلما كان لعوامل ومحددات الجغرافيا دورها في تشكيل منظومة "دول الجوار" كما رغب الاحتلال قبل وبعد العدوان، فأن طبيعة وأدوار أنظمة عربية غير مجاورة للعراق كان مأخوذا في عين الاعتبار من قبل الاحتلال، حيث ولاعتبارات ستراتيجية وسياسية ووظيفية وغيرها كان مطلوبا ولا يزال دور النظام المصري وبعض أنظمة الخليج العربي غير المجاورة للعراق.
في هذا الوقت بالذات، حيث ينتقل الاحتلال الأمريكي من مرحلة تعمق وتسارع المأزق إلى مرحلة دخول الانهيار، ينعكس ذلك على الأنظمة العربية المدمجة قبل غيرها من أنظمة الإقليم، بشكل تداعيات أمنية وسياسية واقتصادية وأخلاقية صعبة... حيث تتشكل متعمقة حالة تأزيم الإقليم بمجمله، وبشكل متفاوت على أنظمته السياسية وفقا لمرحلة اندماجها القسرية أو الاختيارية في مخططات الاحتلال الأمنية والسياسية في العراق المقاوم. وعندما تعيش بعض الأنظمة العربية مرحلة استنفاذ الدور أو تسارع حالة الاستنفاذ أو حتى التلويح باستنفاذ الدور، تصبح في موقع لا يسمح لها بالمناورة والتريث تجاه أوامر الولايات المتحدة لتطوير وتعميق اندماجها في مخططات ومشروعات الاحتلال الأمريكي في العراق المقاوم. وهنا نحيل إلى ما صدر عن البعث المقاوم في هذا الخصوص خلال العامين الماضيين، بدأ مما اشره واستوعبه وتحسب له وتعامل معه البعث في المنهاج السياسي والستراتيجي للمقاومة، وحتى صدور هذا البيان الذي اقتضته ضرورة التطورات الجارية.
لقد كان للتدبير البعثي بالإطلاق الفوري للمقاومة المسلحة المستمرة في مواجهة الاحتلال "الحتمي المبيت"، وفقا للتصور الستراتيجي الثوري للقيادة السياسية لحكومة جمهورية العراق الشرعية، ما عكس سلبا وبشكل مبكر تداعيات مأزق الاحتلال الأمريكي على مجمل الإقليم، وبالذات على مكوناته السياسية المرتبطة خيارا أو قسرا بمخططات الولايات المتحدة. ومع انعدام الفوائد "وبالذات المالية" لتلك الأنظمة المدمجة مع مخططات الاحتلال الأمريكي الأمنية والسياسية "باستثناء النظام الأردني وفي أعلى قمة هرمه فقط"، فان استمرار وتطور حالة الدمج لتلك الأنظمة... ارتبطت بشكل مبكر في مقايضة حالة استنفاذ الدور، ولاحقا ارتبطت بالارتباط الوظيفي لتلك الأنظمة مع سياسات الولايات المتحدة، وكان ذلك "بمثابة تمديد لأدوار تلك الأنظمة"، اقتضته طبيعة الفشل الذي يعيشه مخطط الاحتلال الأمريكي في العراق المقاوم. لقد شكل الدمج الأمني والسياسي لتلك الأنظمة العربية مع مخططات الاحتلال في العراق، مفاعلا ومسارعا في نفس الوقت... لتشكيل وتعميق مآزق تلك الأنظمة سياسيا وأمنيا واقتصاديا وأخلاقيا... وهذا هو واقعها المعاش الآن.
إن هذا البيان الذي نتوجه فيه للرفاق البعثيين والمقاومين المجاهدين أولا، ومن بعدهم للشعب العراقي وأبناء الأمة العربية في أقطارها المختلفة، وخاصة تلك المدمجة مع مخططات الاحتلال، سوف يركز لحالة اقتضتها ضرورة التطورات الجارية والتحسب و التحذير لما هو آت، على استقراء وتحليل وتوقع تطورات حالات الدمج ومآزقها وتداعياتها لكل من أنظمة السعودية ومصر و الأردن.
نظام أبناء عبد العزيز:
انطلاقا من الدور التاريخي- الوظيفي لهذا النظام منذ تأسيسه في الجزيرة العربية بداية القرن العشرين... والذي بنى على أساس تحقيق التزاوج بين النفط والتخلف الديني والاجتماعي، لصالح الاستعمار البريطاني ومن بعده الإمبريالية الأمريكية، و من خلال الوظيفة المستمرة له كناطور للنفط، ومروج وممول وداعم وناشر لأفكار إسلامية متخلفة، في مواجهة كل حركات التحرر والتقدم "بما فيها الإسلامية"، على أساس "أفق وهمي" يتجاوز القومية العربية ومفهوم وحقيقة الأمة العربية الواحدة إلى مقولة الأمة الإسلامية وكياناتها المتحالفة تبعيا "في معظم الأوقات" مع الغرب، فان حالة دمج هذا النظام مع مخططات ومشروعات الاحتلال الأمريكي في العراق المقاوم لها خصوصيتها انطلاقا من عاملين: الأول قديم، وهو النفط وعلاقته الحالية بمجمل وتفصيلات سياسة الطاقة الأمريكية بشكل عام، واعتباراتها الستراتيجية الناظمة لدى إدارة بوش الابن حاليا، والثاني حديث، وهو تنامي وتطور المعارضة الداخلية السياسية والأمنية والفكرية للنظام منذ بداية تسعينات القرن الماضي.
كان نظام أبناء عبد العزيز ولا يزال وفقا لارتباطه الوظيفي والتبعي بسياسات الغرب وفي المقدمة منها الولايات المتحدة، وانطلاقا من خصوصيته الاجتماعية المتخلفة الانغلاقية والمذهبية، والتي تبنتها ودعمتها السياسات الاستعمارية والإمبريالية في مراحل مختلفة من مواجهتها مع المشروع النهضوي والقومي العربي... لقد كان ولا يزال هذا النظام، المركز الفكري والمالي واللوجستي لمؤامرات حيكت وتحاك في مواجهة أطراف عربية مقابلة ومتنوعة من علمانية وليبرالية وقومية وتقدمية ومدنية، وفي مرحلة متأخرة تقابل هذا النظام مضادا مع حركات إسلامية انفصلت عن مساره التبعي المطلق لسياسات الغرب والولايات المتحدة، بحيث أخذت تنافسه في منطلقاته الإسلامية... واتجهت إلى تثوير تلك المنطلقات تأسيسا على قاعدة جهادية كان قد تبناها النظام "مأمورا" بشكل انتقائي متناغم ومصالح الغرب والولايات المتحدة وفي مواجهة الأطراف المقابلة لهما في فترة الحرب الباردة. وتبنتها لاحقا الحركات المعارضة للنظام بشكل انتقائي "مضاد" لتنبينه الانتقائي قبلا، وتمكنت تلك الحركات تأسيسا على تلك المنطلقات من تحقيق وتكرار المواجهة المسلحة مع النظام في نجد والحجاز والاحساء.
لقد كان لذلك التعارض الفكري والسياسي الحاصل والمتعمق بين نظام أبناء عبد العزيز والحركات المنفصلة عنه والمقاومة له، ما أوجب و شدد من مطالب إصلاحية غربية وأمريكية موسمية أعقبت تاريخ 11 أيلول 2001، و من ثم خبت وتراجعت تلك المطالب الإصلاحية عندما انتكس وفشل المشروع الاحتلالي الأمريكي في العراق... وانعكس فشله على تراجع المطالب الإصلاحية من هذا النظام... مقايضة مع إعمال وتعميق دمجه السياسي والأمني والمالي والإعلامي مع مخططات ومشروعات الاحتلال الأمريكي المندحرة في العراق المقاوم.
كان نظام أبناء عبد العزيز قد واجه معارضة سياسية ومقاومة عسكرية في فترة سبقت احتلال العراق في العام 2003، واتت مباشرة بعد أن استقدم هذا النظام القوات الأجنبية وفي مقدمتها الأمريكية لأراضيه قبل وأثناء وبعد المنازلة الكبرى في أم المعارك... وكان هذا الاستقدام التأمري والمشاركة المالية السخية والعسكرية الذيلية في العدوان على العراق في العام 1991 سببا مباشرا وأساسيا في تبلور المعارضة السياسية والمقاومة العسكرية له، والتي لا تزال مستمرة ومتكررة حتى اللحظة، ويذكيها ويطور من أساليبها ويوسع من قاعدتها وانتشارها ويكرر من مواجهاتها، حالة الدمج السياسي والأمني للنظام مع مخططات ومشروعات الاحتلال في العراق المقاوم. لقد ارتدت سلبا المفاهيم والطروحات والعقائد الانغلاقية المتخلفة، والمذهبية الضيقة والمتشددة، والتي طالما نادى بها وروج لها وصدّرها للخارج وطبقها داخليا هذا النظام... ارتدت عليه عندما ظهر جليا لمواطينه أن كل تلك الطروحات والعقائد كانت لخدمة بقاء النظام، وتبرير تخلفه الاجتماعي السياسي، وانغلاقه المذهبي، وتبديده الاقتصادي لثروات البلد من ناحية، وأنها من ناحية ثانية كطروحات وعقائد، كانت مصممة وموظفة في خدمة الغرب والولايات المتحدة ومصالحهما في المنطقة العربية والعالم.
مأزق نظام أبناء عبد العزيز كنموذج مهم للأنظمة العربية المدمجة مع مخططات ومشاريع الاحتلال الأمريكي في العراق المقاوم، يشكل حالة خاصة بسبب من تفاعل التناقض البنياني والسياسي للنظام مع طروحاته وعقائده التبريرية. والنظام عينه يشكل مرآة انعكاسية لسياسات ومصالح الولايات المتحدة، ونفوذ مراكز القوة والتحكم فيها في المجالات السياسية والأخرى، وهذه المرآة تكون صافية ونظيفة في أحيان، ومعكرة وقذرة في أحيان أخرى، وكل وقائع تنظيف أو تعكير سطح المرآة تكون أمريكية القرار بالمقام الأول ولأسباب أمريكية محظة، وتلعب الحساسية المفرطة لسياسة وستراتيجية الطاقة الأمريكية فيها دورا فاعلا.
أنه ووفقا لخصوصية الحالة الموصوفة في أعلاه، ومستوى الفشل المتحقق في ستراتيجية الطاقة للولايات المتحدة في ظل إدارة الرئيس بوش الابن، يتمتع النظام السعودي بحالة من المرواحة في مكان يفرض عليه الدعم المالي والإعلامي والإفتائي لمخططات الاحتلال ومشروعاته في العراق المقاوم، ويشهد تراجعا في مداخلاته الأمنية والاستخبارية التي مارسها بقدر أكبر في مرحلة مبكرة أعقبت الاحتلال. إن الإشعاع الارتدادي للمقاومة العراقية المسلحة على حركة المقاومة المسلحة لنظام أبناء عبد العزيز في الداخل، شكل خصوصية لمأزق النظام المدمج مع مخططات الاحتلال الأمريكي في العراق، حيث أن نشوء حالة المعارضة السياسية والمقاومة العسكرية للنظام قد ارتبطت أصلا باستقدامه للقوات الأمريكية لضرب العراق وإدامة حصاره والتمهيد لاحتلاله.
وعلى مستوى التأثير الإقليمي، يشهد نظام أبناء عبد العزيز حالة من تراجع مستوى التأثير على سياسات ومواقف أنظمة مجلس التعاون الخليجي، إلى حد من نشوء حالة تنافس بين تلك الأنظمة في مستويات الخدمة والدعم المقدمة لسياسات ومصالح الولايات المتحدة في الإقليم، سواء فيما يخص التطبيع مع الكيان الصهيوني، أو الدعم العسكري واللوجستي لمشروعات الاحتلال في العراق المقاوم.
إن البعث المقاوم يؤشر لتطورات حالة الدمج لنظام أبناء عبد العزيز مع مخططات الاحتلال في العراق وتداعيات مأزق هذا النظام حيث يتحسب ويحذر وسيتعامل مع يلي:-
1- إن هذا النظام سوف يحتفظ بدور سياسي "منتظرا أو مأمورا" لاستخدام ورقة "التوازن الطائفي" في مواجهة التدخل والتأثير الأمني والسياسي المسموح أمريكيا لإيران، حيث أن تابعيها (إيران) السياسيين هم الحلفاء الداخليين الذين شكلوا ويشكلون الأداة الأمنية الفاعلة والسياسية للاحتلال في العراق. ولقد تعزز دور هؤلاء الحلفاء الخونة مع تعاظم المقاومة المسلحة التي لم يتوقعها الاحتلال، حيث أن المكابرة السياسية للاحتلال تقتضي منه و حتى اللحظة إدامة وتفعيل التحالف مع تابعي إيران داخل العراق المقاوم. في فترة قادمة وغير بعيدة قد تفرضها بها حالة الانهيار التي بدأ يدخلها الاحتلال الأمريكي في العراق... سوف يحاول هذا النظام من التطوع أو أن ينفذ أمرا أمريكيا بفتح الخطوط مع قوى عشائرية ودينية ومناطقية على أساس من إقامة "توازن طائفي" يسمح في المحصلة النهائية من إطالة أمد الاحتلال، من خلال محاولة تطويق المقاومة العراقية المسلحة ومحاولة زج تلك القوى في المشروع السياسي الخائب للاحتلال واستحقاقاته السياسية البائسة.
2- إن هذا النظام وبفعل وتأثير حركة المقاومة السياسية والمسلحة داخل نجد والحجاز من جهة، وبفعل الإشعاع الارتدادي للمقاومة العراقية المسلحة على المقاومة العسكرية للنظام في الداخل ،وكونه أعلن نفسه أنه طرف متحالف للولايات المتحدة في "محاربة الإرهاب"... سوف يرغم بإعادة وتنشيط دوره الأمني والاستخباري في العراق وفقا لترتيبات زج وتحريك أدوار متوقعة تفرضها وتديرها استخبارت الاحتلال العسكرية أو وكالة المخابرات المركزية.
3- أن هذا النظام وفي محاولة لتلميع و إعادة تفعيل دوره العربي والإسلامي الباهت، سوف يكون ووفقا لطلب الولايات المتحدة، محركا لجلب و إحلال قوات عربية و إسلامية للتمركز في مناطق بعينها في العراق المقاوم.
احتمالات تحقق ما ورد في أعلاه، قد رتب وفقا لتسلسل محكوم بأولويات الإمكانية والقابلية لهذا النظام، مثلما هو محكوم أيضا بتطورات وتسارع وضع الاحتلال المتداعي في العراق المقاوم.
إن نظام أبناء عبد العزيز يتأثر بشكل مباشر بتطورات الجهد المقاوم في العراق، وسوف يكون نظاما مأزوما فاقدا لشرعيته الوطنية والقومية "والدينية المقترضة"، ولن يكون له من رصيد يناور به على المدى المنظور، أكثر من تطورات أزمة الطاقة وسياسات الولايات المتحدة بالتعامل معها على مدى السنوات القليلة القادمة، والتي ستكون متأثرة بهزيمة الاحتلال القادمة بالعراق وما ستستتبعه من تغيرات آتية في مكونات المنظور الستراتيجي الإقليمي والدولي للولايات المتحدة. إن محاولة النظام من الانقلاب على نفسه بثورة إصلاحية ستكون غير واردة، بسبب أن أي محاولة إصلاحية داخلية حقيقية... ستزعزع بنيان النظام وقاعدته الاجتماعية السياسية المستندة بالأساس لفكر ديني ومذهبي انغلاقي وتبريري متخلف... أضحى مستنفذا ومرفوضا من قبل حلفاء النظام الداخليين والخارجيين، مثلما هو متقدم عليه من قبل المعارضة السياسية المتعددة الاتجاهات والمقاومة العسكرية السلفية الجهادية الجارية لهذا النظام.
نظام حسني مبارك:
دور نظام مبارك ينطلق من حقيقة تراجع الدور السياسي التاريخي لمصر في محيطها العربي، والذي أضحى دورا مبنيا على قاعدة الخروج الموضوعي "الأسبق" لمصر من ساحة الصراع العربي الصهيوني، وتحول دورها السياسي الرسمي إلى نطاق دائرة الدولة القطرية الأكبر في النظام الرسمي العربي المتداعي. وإذا كان وصول حسني مبارك للحكم في مصر قد تم وفقا لاستنفاذ متسارع لدور السادات المصري والإقليمي، وبغض النظر عن أسلوب وأدوات انتقال الحكم لمبارك، فان محاولات مبارك ومدى استجابة النظام الرسمي العربي لعودة مصر المكبلة بأحكام وضرورات اتفاقية كامب ديفيد، قد أدت وللأسف إلى لعب حسني مبارك دورا مضافا ونوعيا في زعزعة وارتهان النظام الرسمي العربي أكثر فأكثر لمتطلبات الولايات المتحدة السياسية والأمنية في الوطن العربي، وخاصة الخليج والجزيرة العربيين. الثقل التاريخي والموضوعي لمصر في النظام السياسي العربي، قابلته الخفة السياسية والشخصية لحسني مبارك في مجموع مفردات مواقفه السياسية العربية... منذ أن انكشف دوره السياسي الخفيف والمدمر في منظومة مجلس التعاون العربي ... واستمر تاليا.
في الحالة الأصيلة "قبلا" تم وزن الدور الرسمي المصري، أو دور النظام المصري من خلال دور مصر العربي والإقليمي والدولي ، لكن في الحالة المزيفة "حاليا" لا بد من الفصل بين وزن مصر ودورها "المفترض والمغيّب"، وبين وزن ودور نظامها، أي أن هناك مشروعية مصرية وعربية للتمييز بين الثقل والخفة والأصالة والتزييف. ومن هذا المنطلق المشروع والعملي، نتناول ونستقرئ ونحلل ونتحسب ونحذر من دور نظام مبارك كأحد الأنظمة العربية المدمجة مع مخططات ومشروعات الاحتلال لأمريكي في العراق المقاوم.
حالة الخفة الشخصية والسياسية لنظام مبارك سمحت له بتبني مواقف متناقضة ومتبدلة... بحيث يتم التنقل من موقف لأخر أو موقع لغيره، وبسرعة الشخص الخفيف لا النظام السياسي. ولعل الموروث السياسي من نظام السادات لنظام مبارك، والذي طبع بطابع الشخص الآتي بعد مرحلة عبد الناصر،والذي (أي السادات) استنفد شخصا ونظاما بسرعة تمثلت في سرعة إنجاز دوره بإخراج مصر من ساحة الصراع العربي الصهيوني، قد أثر في نظام وشخص مبارك، من حيث الخفة وإتقان إدامة التقلب، في محاولة لتمديد الدور السياسي والشخصي وعدم استنفاذهما بسرعة. هذا الاستقراء التحليل يمتلك قدرا كبيرا من الصدقية... وتؤكده حالة نظام مبارك في الوقت الحاضر، فيما يخص الشأن الداخلي وأولويات الاحتفاظ بالسلطة تمهيدا لنقلها للابن الوريث. وكذلك فمحاولات تمديد الدور، ساهمت في طبع سياسة النظام والشخص بالخفة والتقلب والانتقال من النقيض إلى النقيض في الشأنين العربي والإقليمي.
لقد أرتضى مبارك الشخص أولا ومبارك النظام ثانيا، دورا سياسيا "ممنهجا" لمصر بقي محكوما بإرث السادات، الذي طال واستهدف تزويرا وإلغاء كل ما أسسه نظام عبد الناصر الوطني والقومي. فكان أن أصبح دور مصر العربي متمما لدور الولايات المتحدة في سياق تطبيق منظورها الستراتيجي للتعامل مع العرب والإقليم، بما في ذلك فلسطين والخليج والنفط. ومن هنا أسس مبارك الشخص والنظام حالة من تناغم المصالح مع نظام أبناء عبد العزيز، ولم يعكر هذه الحالة سوى ما طبع الخفة الشخصية لمبارك في علاقاته مع الغير من كان ومهما كان.
لقد كشف مبارك "الشخص الخفيف" و "النظام المرتهن" تمسكه بالدور الذي صممته الولايات المتحدة لمصر، والذي تعزز بدعم وإسناد نظام أبناء عبد العزيز لهذا الدور المصري تحت نظام مبارك... فلقد كانت مواقف مبارك النظام والشخص مثالا حيا على هذا التمسك من خلال المناورات التي قام بها في "مجلس التعاون العربي"، وكان واضحا أن مبارك قد تنازل عن دور مصر العربي التاريخي والموضوعي... وهذا ما أكدته مسيرة النظام السياسية منذ ذلك الحين وحتى الآن. إن الدور العربي والإقليمي الذي قامت أو تقوم به مصر، هو الدور الذي يتوقف القيام به على القبول "الإسرائيلي" ليتوسط أو يبادر أو يروج نظام مبارك لإرساء ترتيبات أو صيغ يتطلبها "أمن إسرائيل" في مواجهاتها للانتفاضات الفلسطينية من جهة، أو تطبيع العلاقات العربية معها من جهة أخرى.
عندما يكون مبارك الشخص والنظام معايشا لمأزق "استنفاذ الدور" وأمام استحقاق دستوري ينطوي هذه المرة على مخاطرة قد تكون غير محسوبة ليس بسبب من عدم إعادة الانتخاب لفترة رئاسية خامسة، بل بسبب من تغير البيئة السياسية المصرية وتحديها للنظام المرتهن والشخص الخفيف تأسيسا على دور الشارع "الذي غيب" ولفترة طويلة، واستنادا إلى طروحات الديمقراطية والتغيير والإصلاح التي يعتبرها مبارك الشخص والنظام مدخلا لتنفيذ استنفاذ الدور، الذي طالما كان هاجسه الشخصي منذ تعينه في منصب الرئاسة كنتيجة منطقية لحادث المنصة. هذه المعايشة "المعاناة" ستكون ممتدة وفاعلة، حتى بعد إعادة انتخاب مبارك كنتيجة متكررة في استحقاق السابع من أيلول القادم. وهنا سيكون مبارك الشخص الخفيف والنظام المرتهن، في موقع يحتم عليه الخضوع والتبرع في آن واحد بمواقف وخطوات... قد يكون من بينها الخطير والمنطلق من حالة الدمج المسبق لنظامه مع مخططات ومشروعات الاحتلال السياسية والأمنية في العراق المقاوم، والمعزز بتداعيات مأزق النظام في سعيه الحثيث لإدامة الدور بما يكفل التوريث المنشود. وهنا يكون من واجب البعث والمقاومة وشعب العراق المقاوم التحسب والحذر، تأسيسا على هذا الاستقراء الواقعي المعزز بتجارب سابقة لمواقف هذا الشخص الخفيف وهذا النظام المرتهن. تحديدا واقعيا... كان النظام المصري الساداتي وامتدادا ووريثا له نظام مبارك، قد شقا الصف العربي على مستوى النظام الرسمي، ابتداء من تنفيذ الدور الساداتي بزيارة القدس المحتلة وما تبعها.... ومرورا بتنفيذ مبارك للدور التآمري الصارخ في مؤتمر القمة الاستثنائي في آب 1990 ،عندما هيأ لدخول واحتلال وتموضع القوات الأمريكية والأجنبية الأخرى للجزيرة والخليج العربيين، وشاركها فبي العمليات الحربية مع قوات أنظمة عربية أخرى في ضرب العراق، بعدما عطل وأفشل الدور العربي في الحل بعد الثاني من آب 1990.
لقد فرط نظام مبارك في كل إمكانية لدور مصري مفترض ومطلوب و مقبول عربيا، وحصر الدور المصري فيما توافق عليه "إسرائيل" فلسطينيا، وفيما تطلبه منه الولايات المتحدة عربيا وإقليميا في حربها الذرائعية على الإرهاب ومحاولاتها الخائبة لتجبير مأزقها العسكري والسياسي والأخلاقي في العراق المقاوم. لقد غاب الدور المصري عن كل القضايا العربية والإفريقية الأخرى: "الحصار على ليبيا، جنوب السودان و دارفور، الصحراء الغربية، النزاعات الحدودية السعودية مع اليمن وعمان والإمارات وقطر".
إن إمكانية وصحة التوقع لما سيتخذه نظام مبارك من مواقف تعزز من حالة دمج نظامه مع مخططات ومشروعات الاحتلال الأمنية والسياسية في العراق المقاوم، سوف تتوقف في المدى الزمني القصير على تمرير الاستحقاق الدستوري في السابع من أيلول القادم، والذي سيكرر النتيجة للمرة الخامسة بفوز مبارك برئاسة مصر وفي مواجهة مع المنافس
أيا كان وفقا لم رتبته التعديلات الدستورية الأخيرة. وعلى مدى يتبع... سوف يكون النظام في موقف يبرر له ما سيقوم به من تفعيل لحالة الدمج انطلاقا من مطلبه وموقفه المعلن سابقا باستمرار تواجد وزخم قوات الاحتلال على أرض العراق، والترويج لمقولة الحرب الأهلية في حال انسحاب تلك القوات... ولقد عزز نظام مبارك موقفه ضمن حالة دمجه المعاشة مع متطلبات الاحتلال عندما سبق الغير بتعين سفير لنظامه في بغداد. وكان أن حرك قبلا الجامعة العربية وأمينها العام " الموظف الكبير" المشتق من نظامه، بالتعامل مع الصيغ السياسية التي خلقها الاحتلال، كحقيقة واقعة تمثل العراقيين وفقا لمطلب ورغبة الاحتلال.
إن الأدوار السياسية التي يمكن لنظام مبارك القيام بها لاحقا، ستكون محكومة بضعف النظام وارتهانه الهيكلي للولايات المتحدة وسياساتها العربية والإقليمية من جهة، وبمدى تعامل وقبول الولايات المتحدة مع الوضع المصري اللاحق لاعادة انتخاب مبارك في أيلول القادم. نظام مبارك سيكون محكوما بتفاقم الوضع السياسي و المعاشي والأمني الداخلي وما يفرضه ذلك من تعزيز وتصليب مطالب التغيير والحرية في المجتمع المصري، ومطالب التغيير هذه سوف لن تكون خارج التقاطع مع ضغوطات ومطالب الولايات المتحدة بالتغيير السياسي في مصر وفقا "لمصلحتها هي:، حيث سوف يخلط النظام داخليا أوراق المطالبة بالتغيير المصرية والأمريكية في محاولة لاضعاف المطالب المصرية، وسوف يؤكد في الوقت نفسه على دور نظامه في الحرب الذرائعية الأمريكية على الإرهاب، والتي تبرر مزيدا وتفعيلا لحالة الدمج السياسي مع مخططات ومشروعات الاحتلال الأمريكي في العراق المقاوم.
أما الأدوار الأمنية فسوف تكون محكومة بتفاقم الوضع الأمني في مصر، أي بتفاقم أمن النظام، فمصر كانت وستبقى تحكمها تعادلية متعارضة تحد من تدخلها الأمني "و إن كان أو سيكون له قبولا أمريكيا" وهنا لابد لنا من التأشير لعوامل هامة:
1- المؤسسة العسكرية المصرية موضع مراقبة وتحكم من قبل الولايات المتحدة، وقد نجحت "إسرائيل" في تحديد وتحجيم دورها المستقبلي ليكون محصورا بمنطقة غرب القناة وضمن "مصر الأفريقية"، وكل دور غير ذلك باتجاه الشرق هو ما توافق أو ستوافق عليه "إسرائيل"، ولا يعدو أن يكون دورا أمنيا " وليس عسكريا" و موازيا لما تقوم به "إسرائيل" في تقابلها الأمني مع الشعب الفلسطيني.
2- وبناء على ذلك فان توقع أي تواجد عسكري مصري "معلن" في العراق المقاوم، إنما يتطلب موافقة وقبولا "إسرائيليان"، وبقطع النظر عن رغبة واحتياج الولايات المتحدة المحتلة للعراق في الوقت الحاضر أو المستقبل.
3- إن أي دور أمني أو عسكري مفترض أو متوقع لنظام مبارك في العراق المقاوم، سوف لن يغير إذا ما تم "وهذا أمر مستبعد"، في حتمية التغيير القادم على النظام، فالنظام مستنفذ مصريا أولا، وعليه استحقاقات مرتبطة بضعفه وارتهانه للولايات المتحدة، بما يمنعها من تجديد دوره أو تمديده لمدى أبعد، فالشخص من حيث العمر قد كبر، والتوريث سوف يصطدم بمتطلبات المؤسسة العسكرية الواجب إدامة مراقبتها والتحكم بها، بما يستدعي أن تأتي هي بالرئيس اللاحق، وأن لا تكون طرفا في التقابل السياسي الداخلي، بل تبقى ضابطة لإيقاع الدور السياسي المصري العربي والإقليمي كما كان منذ رئاسة السادات واستمر في عهد مبارك.
البعث والمقاومة العراقية المسلحة يستوعبان دور نظام مبارك، كنظام مدمج مع مخططات الاحتلال، وفقا لما استقرأ وحلل في أعلاه، حيث سيكون التحسب من الدور السياسي التمريري لنظام مبارك، ضمن منظومة النظام الرسمي العربي المتداعية، ومن خلال مقررات الجامعة العربية أو دول الجوار. إن ما ارتضاه مبارك لمصر من دور سياسي محدود ومرتهن في خدمة الولايات المتحدة و "إسرائيل" لن يفيد الولايات المتحدة التي تخسر وبسرعة حربها العسكرية ومشروعها السياسي في العراق المقاوم.
نظام عبدالله الثاني:
بالرغم من ثبات واستمرارية مؤسسة الحكم في الأردن، منذ أن منح عبدالله الأول الأمارة في شرق الأردن من قبل بريطانيا وفقا لما تمخضت عنه اتفاقية سايكس – بيكو وما تلاها من تهيئة لاقامة وطن قومي لليهود في فلسطين وإصدار وعد بلفور، فان التسمية وفقا للعنوان الفرعي أعلاه "نظام عبدالله الثاني"، لها مبرراتها العملية المؤسسة على طبيعة ونوعية التغيير المتسارع الذي أحدثه الملك عبدالله الثاني في مؤسسة الحكم وسياسة الأردن العربية والإقليمية، ضمن ترتيب ودور الوظيفة العضوية لنظامه في منظومة سياسات ومصالح وتحركات الولايات المتحدة الأمريكية في الإقليم. و النظام الأردني هو الأكثر والأسبق اندماجا مع مخططات وسياسات ومشاريع الاحتلال الأمريكي في العراق المقاوم، ينطلق في تنويع و تفعيل دوره انطلاقا من الثقة و القبول والرغبة الأمريكية أولا، ومن ضعف المعارضة السياسية للنظام في الداخل ثانيا، ومن مصلحة ذاتية للنظام ورأسه... مؤسسة ومبررة على مكاسب مالية وغيرها منحت وستكون ممنوحة له في المستقبل... في سياق استمرارية وتعمق حالة الدمج مع مخططات الاحتلال في العراق ثالثا.
لقد سبق النظام الأردني وقبل انتقال العرش لعبدالله الثاني، غيره من الأنظمة العربية، في لعب دور مقبول ومخطط وفاعل ضمن سياق التحرك الأمريكي، وبعد وقف إطلاق النار في شباط 1991بما خدم ما سمي في حينه "مخطط الإطباق على العراق" والذي استند إلى قرارات رئاسية أمريكية (Executive Orders)في أواخر عهد بوش الأب، حيث وضع الأردن الرسمي سياسيا واستخباريا في خدمة ذلك المخطط، كما ناقشه واتفق عليه في حينه الملك الراحل حسين و برنت سكوكرفت مستشار الأمن القومي قي إدارة بوش الأب.
لقد خبرت أدوار ومواقف النظام الأردني في عهد الملك حسين على قاعدة المنفعة، وكانت هناك المواقف المدفوعة الثمن، ضمن سياق تبريرات الحاجة وضعف موارد القطر الأردني، ومثل هذه التبريرات لا زالت تحكم وبقوة أكبر مواقف النظام في عهد الملك عبدالله الثاني، حيث أن قاعدة المنفعة المالية للنظام ورأسه هي أساس اتخاذ وتبديل المواقف، وان غلفت بحاجة البلد،و أطلق عليها في الخطاب السياسي للنظام وحكوماته المتكررة المتعاقبة وإعلامه الرسمي بالمواقف القومية والمبدئية، هذه المواقف خبرت في القادسية وامتدادها على مدار ثماني سنوات، وكذلك بموقف الأردن الرسمي بعد الثاني من آب 1990 وحتى وقف إطلاق النار، وكانت تلك المواقف في حينها تتناغم أساسا مع مواقف الشعب العربي الأردني، مثلما كانت تلبي قاعدة التعامل النفعي التي تبناها النظام الأردني ولا يزال.
يمكن لنا التأشير إلى مفصل زمني اثر في سياسات ومواقف ومبادرات النظام الأردني، وذلك عندما أطلق بوش الأب الدعوة إلى مؤتمر مدريد بعد قرار وفق إطلاق النار في شباط 1991، ومن ثم انعقاد هذا المؤتمر، حيث أعطيت الدبلوماسية الأردنية دورا هاما "لتعمل كمظلة للتمثيل الفلسطيني"، بعد أن كان قرار الملك حسين بفك الارتباط السياسي والإداري مع الضفة الغربية المحتلة قد حد من أدوار النظام السياسية المؤثرة إقليميا. لقد شكلت تتابعات مؤتمر مدريد وتوقيع اتفاقية وادي عربة لاحقا ما عزز وفّعل دور النظام الأردني رغم المعارضة الشعبية الأردنية المعروفة والمستمرة للاتفاقية وتداعياتها، حيث نشير هنا إلى:-
1- روج النظام وخطابه السياسي وماكنته الإعلامية إلى الاعتراف بالحدود الغربية للدولة الأردنية من قبل "إسرائيل" والمجتمع الدولي، وعليه ركز النظام بالترويج على إنجاز توقيف طروحات "الوطن البديل"، وكان في عرف النظام ذلك الإنجاز هو ثمن مقبوض لمعاهدة وادي عربة والاعتراف والتبادل الدبلوماسي والتجاري وغيرهما مع "إسرائيل".
2- توازى ذلك كله مع تبدل نوعي مرتبط بوظيفة النظام التاريخية على مستوى الإقليم، حيث شخص التبدل في الدور السياسي والاستخباري للنظام فيما يخص مخطط الولايات المتحدة تجاه العراق، وإسقاط البعث، ومطلب تغيير النظام فيه، فكانت هناك مواقف أردنية رسمية معلنة وصلت إلى حد التبشير بإسقاط البعث والقيادة العراقية من قبل الملك حسين في مطار عمان المدني في حينه.
3- عندما كان الإنجاز المترتب على اتفاقية وادي عربة ينحصر في مصلحة النظام واستفادته دونما مصلحة واستفادة الشعب العربي الأردني، فان تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، قد عزز من موقف الشعب الأردني الرافض للاتفاقية وتداعياتها، والداعم للعراق وقيادته في مواجهة الحصار والتآمر الدولي والإقليمي إلى حد التظاهرات الشعبية في مدن أردنية .
4- تأسيسا على الاستيعاب المشار إليه سابقا لخبرة تعامل النظام الأردني على أساس قاعدة المنفعة الخاصة به رغم التبريرات والذرائع، فان تعامل قيادة العراق أسس على تأكيد مصلحة الشعب العربي الأردني في كل مجريات العلاقة وتطوراتها والمرتبطة بتبدل أدوار النظام، حيث حافظ العراق على ما كان مصلحة للشعب الأردني بالتعامل الاقتصادي والتجاري، وكان ذلك مدخلا في إحداث تأثير على شخوص النظام والدولة في الأردن، حيث كانت هناك دائما مواقف مدفوعة الثمن أو مؤسسة على المصلحة والمنافع الشخصية ، لها ما يبررها في مواجهة العراق وقيادته للحصار الجائر المفروض عليه من جهة، ولاعتبارات الجغرافية الاقتصادية من جهة ثانية.
لقد تميزت الفترة الممتدة منذ اتخاذ موقف الارتباط العضوي للنظام بخطة الإطباق على العراق، كما وضعت في واشنطن في حينه، و حتى فترة الشروع بالعدوان في ليلة التاسع عشر من آذار ،2003 بمدى من الدمج والإسناد الاستخباري الممنهج لمسعى الولايات المتحدة بضرب واحتلال العراق، أو إسقاط القيادة، من خلال الرهان الخائب على تحركات و خيانات داخلية، حيث:-
1- تم التعامل و إعطاء الدعم والإسناد المالي والإعلامي، والسماح بالتواجد التنظيمي والإداري والبث الإذاعي الموجه، من على أرض القطر الأردني، لقوى معارضة "منتقاة"ساقطة ومرتبطة باستخبارات الولايات المتحدة وغيرها، مؤملين من دور لها في داخل العراق.
2- تم وبالتعاون والموافقة من قبل دوائر أمريكية متخصصة، خلق ميزانيات مخفية من خلال صفقات وهمية، لمثل هذا الدعم، ولدفع ثمن مواقف النظام وشخوصه المتنفذة. لقد امتد التعامل بتلك الترتيبات المالية لفترة طويلة امتدت لما بعد تسلم الملك عبدالله الثاني الحكم، أدت إلى فساد وسوء ائتمان، طال دوائر ورؤساء الاستخبارات الأردنية، إلى أن قررت الولايات المتحدة وقف العملية وكشفها، بما عرف في حينه بقضية التسهيلات المصرفية.
3- لم يمنع كشف الفضيحة المالية الصارخة تلك من استمرار وتصاعد الدمج والإسناد الممنهج "المؤسس على الربط العضوي الوظيفي المتوضع سابقا" لمسعى الولايات المتحدة العدواني تجاه العراق وقيادته الوطنية الشرعية، حيث تكثف مثل هذا التعاون في عهد الملك عبدالله الثاني وكان لذلك أسبابا متعددة:
· استغلال الولايات المتحدة للتغيير الذي نشاْ بعد وفاة الملك الراحل حسين... وانتقال الملك إلى عبدالله الثاني... ذلك التغيير الذي أقصى ولي العهد المخلوع الأول الأمير حسن، وعهد بولاية العهد فيه للأمير حمزة بن الحسين، الذي أصبح وفي فترة قياسية ولي العهد المخلوع الثاني.
· الاتجاهات المؤسسية والحرفية في سياسات الملك عبدالله الثاني، والتي شكلت مسارا سمح بإطلاق يد التعاون والدمج بين المؤسستين العسكرية والأمنية - الاستخبارية في الأردن مع مثيلتيها الأمريكيتين.
· تعميق الربط العضوي والوظيفي للدور الأردني السياسي والأمني مع منظور وسياسات ومخططات الولايات المتحدة في الإقليم، معززا بالثقة الأمريكية(الحالية) الممنوحة للملك ومؤسساته الأمنية والعسكرية، وبارتفاع المستوى الحرفي لتلك المؤسسات.
لقد تفوق الدور الأمني الأردني "المساعد" على الدور السياسي في حالة الدمج المعاشة مع مخططات ومشروعات الاحتلال الأمريكي في العراق المقاوم لأسباب واعتبارات متعددة، يمكن إرجاعها إلى فشل الولايات المتحدة السياسي والأمني في العراق، عندما برز الرد البعثي المقاوم بسرعة ووفقا لتدبير رصين محكم من جهة، وبسبب من اعتماد الولايات المتحدة على شراذم ساقطة ومنبوذة ومأجورة، بما فيها تلك التي حظيت وبسخاء بالإسناد والدعم من قبل النظام الأردني من جهة ثانية، وبسبب من تناقضات مصالح مالية أساسا بين النظام الأردني وعملاء وخونة عراقيين مدعومين من دوائر قرار أمريكية عسكرية بحتة من جهة ثالثة، وبسبب من تغليب مصلحة واستفادة النظام على النهج والترتيبات السياسية الطويلة الأمد من جهة رابعة، وبسبب من حساسية التعاطي السياسي القائم حاليا بالتعامل مع الشراذم العراقية الخائنة على أسس طائفية ومذهبية، بما ينعكس سلبا على النظام الأردني والأسرة الحاكمة ونسبها من جهة خامسة، وبسبب مؤثر قائم على رفض واسع ومستمر للشعب العربي في الأردن للاحتلال وسلطته العميلة المعينة من جهة سادسة.
وعليه فأن البعث والمقاومة يشخصان ويستوعبان ويحذران ويتحسبان، من الدور الأردني الرسمي، الأسبق و الأكثر اندماجا مع مخططات الاحتلال الأمريكي في العراق سياسية و أمنية، وبغض النظر عن الضعف في التأثير السياسي للنظام الأردني في العراق المقاوم. فالدور الرسمي الأردني مؤسس على الارتباط الوظيفي العضوي مع سياسات الولايات المتحدة ومنظورها الستراتيجي للمنطقة، وهو دور نفعي واضح قائم على ذرائعية بحتة تبيح المحظورات.
الخلاصة:
تأزيم الإقليم وأنظمته السياسية التي كانت متآمرة على العراق وشعبه وقيادته، وهذا لا يتطلب جدالا الآن، أضحى حقيقة معاشة ومستمرة، ولن تغفر سؤ الحسابات الستراتيجية والسياسية والأمنية للإدارة الأمريكية الحالية، التي قاتلت العراق نيابة عن "إسرائيل"، من أخطاء وخطايا الأنظمة العربية المدمجة، وهي كثيرة غير التي اقتضت الضرورة في هذا البيان من التعرض لها. وفي هذا الوقت الذي تبرز فيه حقيقة دخول الاحتلال الأمريكي مرحلة الانهيار التام في العراق المقاوم، سوف لن يكون بمقدور تلك الأنظمة المدمجة من الإتيان بشيء غير استمرار تورطها مع الولايات المتحدة في حربها واحتلالها الخاسريين للعراق، والتراجع اللاحق عن مواقف متآمرة غير مسموح به أمريكيا، فتلك الأنظمة إما ذيلية أو مرتبطة عضويا ووظيفيا مع سياسات ومصالح الولايات المتحدة، وهي ستواجه مآزقها من دون دعم الولايات المتحدة التي لا تدعم غير "إسرائيل" في هذه المنطقة من العالم.
جهاز الإعلام السياسي والنشر
حزب البعث العربي الاشتراكي
العراق في التاسع والعشرين من تموز 2005