المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الادعاءت الزائفة للحكومة البريطانية والامريكية ... باتريك كوكبيرن



الفرقاني
28-07-2005, 03:06 PM
الادعاءت الزائفة للحكومة البريطانية والامريكية ...

باتريك كوكبيرن

28 /07 /2005 م 04:37 صباحا

في احدى المرات، خاطب دوق ويلينجتون بعض الساسة البريطانيين المتهورين محذراً من التدخل العسكري غير المدروس في الخارج، فقال لهم إن “الأمم العظمى لا تخوض حروبا صغيرة”. وكان قصده هو ان الصراعات التي يفترض ان تكون محدودة يمكن ان تلحق ضرراً بليغاً بدول قوية. وبعدما شاهد ما فعلته حرب صغيرة في اسبانيا بنابليون فإنه كان يعرف ما يتحدث عنه

وتنضم حرب العراق الآن الى حرب البوير عام ،1899 والعدوان الثلاثي على السويس عام ،1956 كمغامرات غير مدروسة ألحقت ببريطانيا ضرراً اكثر من أي نفع آخر، وقد عززت هذه الحرب موقف تنظيم “القاعدة” بتزويده باعداد هائلة من الناشطين والمتعاطفين في انحاء العالم الإسلامي لم يكن التنظيم يملكها قبل غزو العراق عام 2003.
وقد تحولت الحرب، التي بدأت كإثبات من جانب الولايات المتحدة لقوتها باعتبارها القوة العظمى الوحيدة في العالم، الى اثبات للضعف إذ ان قوات الاحتلال الامريكية التي يصل عددها الى 135،000 جندي لا تسيطر على غالبية مناطق العراق.
وتعتبر حملة التفجيرات في العراق فريدة من نوعها. ولم يسبق ابداً من قبل ان وجد عدد كبير الى هذا الحد من الشبان المسلمين المتطرفين الراغبين في تنفيذ هذه الهجمات في محاولة للقضاء على من يرونهم أعداء لهم، وخلال يوم واحد في بغداد في الشهر الحالي نفذ 12 مقاوما ً تفجيرات في حين شهد العام الماضي اكثر من 500 عملية تفجير من هذا النوع.
وينتمي غالبية منفذي هذه التفجيرات في العراق الى دول اخرى غير العراق ولكن شبكة المتعاطفين والمؤيدين التي توفر المأوى الآمن والمال والمتفجرات وأجهزة التفجير والسيارات والمعلومات الاستخبارية هي شبكة محلية.
ويتضح تماما كذب انكارات رئيس الوزراء البريطاني توني بلير ووزير خارجيته جاك سترو بأن العداء لحرب العراق دفع المفجرين الى تنفيذ تفجيرات 7 يوليو/ تموز في لندن وتفجيرات يوم الخميس الماضي التي لم تنجح.
وتوصلت دراسة “اسرائيلية” منفصلة تناولت 154 مقاتلاً اجنبياً في العراق واجراها قسم الابحاث العالمية في مركز الشؤون الدولية في “اسرائيل” الى نتائج مفادها ان جميع الشبان الذين تناولتهم الدراسة تحولوا الى التطرف بسبب احتلال العراق فقط.
وقبل احتلال العراق، كان الذين ينفذون عمليات انتحارية يمثلون جماعة صغيرة مطاردة، ومنذ ان حدث الغزو تحولوا الى قوة فعالة وتبنت افكارهم وتكتيكاتهم جماعات إسلامية مقاتلة حول العالم. وربما لا تكون اعدادهم كبيرة ولكنها كافية لإحداث أذى كبير في العراق وأي مكان آخر يختارونه سواء كان ذلك في لندن أو شرم الشيخ.
وقد شل المفجرون بغداد فقد امضيت نصف الفترة الماضية منذ الغزو الأمريكي البريطاني في العراق ولم يحدث ان كان العراق أشد خطورة مما هو عليه اليوم. وتتعرض بعض الأهداف لضربات متكررة. ومن هذه الأهداف مركز التجنيد التابع لقوات الجيش العراقي في مطار المثنى في وسط بغداد الذي هوجم ما لا يقل عن ثماني مرات كانت اخرها في الاسبوع الماضي عندما لقي ثمانية اشخاص مصرعهم.
وتهز التفجيرات نوافذ غرفتي في فندق الحمراء، وفي بعض الاحيان، وعندما افكر في ان زجاج النوافذ سيتحطم، احتمي وراء جدار سميك، ويحظى الفندق الذي اقيم فيه بحراسة وحماية مكثفتين. وقد غير المقاومون أو بالأحرى الدفاعات المقامة ضد هجماتهم، وجه بغداد. فمواقع القوات الامريكية وقوات الحكومة العراقية في بغداد تحيط بها كتل اسمنتية هائلة تمتد في انحاء المدينة، وتؤدي هذه الحواجز الخرسانية الى خنق المدينة لإغلاقها الكثير من الشوارع.

وعلى الرغم من التغطية الصحافية والتلفزيونية الواسعة لاحداث العراق لا يزال الاعلام يفشل في نقل طبيعة الحياة اليومية التي يخيم عليها الموت والفوضى في بغداد. وفي المرة الأخيرة التي استخدمت فيها سيارة الى غرب بغداد من المطار في مطلع يوليو/ تموز الجاري، اوقفتنا على حين غرة أصوات طلقات نارية. وتبين ان تلك الطلقات اطلقتها قوات مغاوير الشرطة وهي قوة تضم 12 ألف فرد يفترض ان تكون رأس الرمح في هجوم الحكومة على أفراد المقاومة. وفي ذلك اليوم كان افراد مغاوير الشرطة يحملون نعشين ملفوفين بأعلام عراقية وبداخلهما جثماني اثنين من الضباط لقيا مصرعهما ذلك اليوم، على سيارتين من سيارات الشرطة وقد انطلقوا بسياراتهم وسط حركة المرور وهم يطلقون النار فوق الرؤوس. وأوقف السائقون سياراتهم على الفور بما ان الاشخاص الذين يعتقلهم مغاوير الشرطة ويحدث هذا الاعتقال في كثير من الاحيان من دون سبب معلوم يتم العثور على جثثهم في كثير من الاحيان في مكبات القمامة بعد ان يتعرضوا للتعذيب وينتهي الأمر بإعدامهم.
وبالنسبة للحكومة التي نادراً ما يخرج اعضاؤها من المنطقة الخضراء فإنها تبذل جهودا غريبة للتظاهر بأن هناك علامات عودة الى الأوضاع الطبيعية. وفي الأسبوع الماضي نشرت صحيفة مقالة عن اعادة إعمار بغداد، ونشرت فوق المقالة صورة رافعة على موقع بناء. ولكن لا توجد رافعات تعمل في بغداد ولذلك اضطرت الصحيفة الى استخدام صورة رافعة مهجورة يعلوها الصدأ موجودة في موقع بناء مسجد ضخم كان صدام حسين يقوم بتشييده عندما اطيح بنظامه قبل عامين.
وتشوه الادعاءات الزائفة المماثلة سياسة الامريكيين والبريطانيين في العراق، وترفع كلتا الحكومتين الامريكية والبريطانية حاليا شعار “المحافظة على المسار المعلن في العراق”. وربما تكون هذه دعاية مفيدة داخل الولايات المتحدة وبريطانيا ولكن مسؤولي الحكومة العراقية يؤكدون ان لندن وواشنطن ليس لهما “مسار” في العراق بل سياسة متعرجة الى ما لا نهاية.
وبالنسبة لمؤرخي المستقبل فسيحل العراق محل فيتنام على الأرجح كمثال حي على صحة رأي ويلينجتون حول الحروب الصغيرة التي تتسع لتصبح حروباً كبيرة. ومن المفارقات ان الولايات المتحدة وبريطانيا تظاهرتا في عام 2003 ان صدام حسين كان يحكم دولة قوية قادرة على تهديد جيرانها، في حين ان الحكومتين كانتا تعلمان تماما ان ذلك غير صحيح وكانتا تتوقعان نصراً سهلاً.
والآن، وفي عام ،2005 تجد واشنطن ولندن ان في العراق أناسا أشد خطورة من صدام وانهما غارقتان في صراع لا يمكن كسبه.

الخليج الامارتية
28/7/2005