الفرقاني
28-07-2005, 02:59 PM
قتل المدنيين في العراق والمشهد الأخير
عامر الكبيسي / بغداد 22/6/1426
28/07/2005
نحن الإعلاميين في العراق عندما نريد استقاء الأخبار الميدانية وعلى رأسها الأمنية، والتي تتعلق- غالباً- بالانفجارات التي تحصل على الأرض العراقية هنا وهناك فإن أخبارنا غالباً ما تأتي من مصدرين.
المصدر الأول: هو المصدر الأمني والذي يتمثل برجال الشرطة الذين يحملون معهم أجهزة الاتصال اللاسلكي؛ إذ تمر من خلال هذه الأجهزة مجموعة المعلومات المتكاملة والمتمخضة من تناقل الحوادث الجارية بعد وقوعها بمدة زمنية قد تكون قصيرة نسبياًً، وهو ما يعني أن المعلومات ستمر بشكل متدفق عبرهذه الأجهزة من زمن وصول الشرطة
إلى مكان وقوع الحادث وإرسال الرسائل الصوتية إلى من يهمه الأمر بإعطاء تقرير مبسط عن الحادث يسمعه كل من يحمل تلك الأجهزة
ورجال الشرطة، هؤلاء بدورهم -ووفق تنسيق خفي مرة ومعلن أخرى- يعمدون إلى تمرير تلك الأخبار بحثاً عن المال إلى بعض الصحفيين الذين يقومون بدورهم بإيصال تلك الأخبار إلى الوكالات الإخبارية المنتشرة في طول البلاد وعرضها وفي الحقيقية -وبحسب الاستقراء العام لمجمل الأخبار التي تم تناقلها على هذه الشاكلة- تكون نسبة المصداقية فيها كبيرة جداً، وإن كانت غالباً ما تعطي الأرقام الأولية لعدد الضحايا، كما يُؤخذ عليها غالباً التدليس في عملية نقل بعض الأخبار إلى مسؤوليهم بحيث يذكرون أعداد القتلى من المدنيين من غير الإشارة إلى سبب سقوطهم: هل كان ناتجاً فقط عن انفجار العبوة أو السيارة المفخخة على سبيل المثال أم كان الكثير منهم قضى نتيجة الرد العشوائي من قبل المستهدف أصلاً في الهجوم؟
أما المصدر الثاني الذي يتم استقاء المعلومات منه فهو المصدر الطبي والذي يتمثل غالباً بالتصريحات غير الرسمية من قبل الأطباء في مختلف مستشفيات العراق، والمحافظات والتي بدورها تركز على أعداد من وصلوا إلى المستشفى بعد انفجار في مكان معين، والضحايا يكونون من المدنيين أو رجال الشرطة والحرس الوطني، بعضهم يرتدي الزي الرسمي وآخرون يرتدون الزى المدني لكن الذي يبدو ومن خلال الاطلاع على مجمل التفجيرات الناتجة بواسطة العبوات الناسفة أولاً، وانفجار السيارات المفخخة ثانياً، والمقابلات المباشرة والاشتباكات بين المسلحين وعناصر الأمن و الأمريكيين ثالثاً يبدو أن هذه الانفجارات عن طريق العبوات والمفخخات لا تخلف وحدها قتل المدنيين على الإطلاق
ففي كل حادث تفجير يقع على الأمريكيين وقوات الأمن ومن لحظة وقوعه فإن من المؤكد أن هنالك رداً عشوائياً كبيراً من قبل الأمريكيين على وجه الخصوص إذا كان الانفجار قد استهدفهم أو من قبل الحرس الوطني إذا كانوا هم المقصودين في الانفجار فالطلق العشوائي الكبير الذي يخرج من فوهات بنادق الاحتلال وعناصر الجيش له الأثر السلبي الواضح على جموع المدنيين الذي يكونون بالقرب من وقوع الانفجار والذين يسقط الكثيرون منهم بسببه، بالإضافة إلى احتراق سيارات الكثيرين بسبب إطلاق النار غير المسؤول، كذلك إذا ما توافق سير تلك الرصاصات الطائشة بعض المحال المجاورة أو البيوت المجاورة للحادث؛ مما يؤدي إلى إلحاق أضرار بالغة بتلك الدور أو المحال التجارية أو المزروعات والتي قد تنتهي إلى الحرق.
إن الأرقام الأخيرة التي تصدر من قبل المصادر الطبية لا تفرق غالباً بين من يُقتل بسبب الانفجار، وبين من يُقتل بسبب الطلق الناري العشوائي الكثيف بعد الانفجار وخاصة إذا ما عُلم أن معظم المستشفيات العراقية -وبسبب حوادث القتل الكثيرة- غالباً ما تترك الأبحاث الجنائية وأسباب الموت لعدة أسباب قد تتعلق في الكثير منها بعدم قدرة المستشفيات على القيام بهذه المهمة، وتخصيص جهودها لاستيعاب الأعداد القادمة من المصابين والقتلى في كل يوم، ناهيك عن عدم وجود من يسأل عن الكثير من القتلى بعد موتهم أو العثور عليهم ربما بعد أيام كثيرة، وهو الأمر الذي يجعلهم يخرجون من ثلاجات الموتى من غير تدقيق عن الأسباب الكامنة وراء قتلهم، وما على الأهل سوى احتساب الأمر إلى الله، والإسراع بأبنائهم إلى المقابر، وتُقيد أعمال القتل بعدها ضد مجهول.
لذلك عندما يُذكر في وسائل الإعلام أن الانفجار نتج عنه قرابة عشرة قتلى من المدنيين فإن هذا يُعدّ المشهد الأخير وحسب .... وما خفي من طيات هذا الرقم قد يكون من المستحيل معرفته في ظل لظروف الراهنة؛ إذ هل من المعقول أن تذهب حالة الإطلاق العشوائي في كل انفجار أدراجها من غير أن تصيب أحداً من المارة، وخاصة إذا عُلم أن هذه الحالة لا تتكرر فحسب بل هي أشبه ما تكون بتوصيات أمريكية إلى مجموعات العناصر الأمنية التي دربتها، والتي تعلمت منها أن الانفجار إذا وقع فإن عليها أن تتنبه إلى احتمال وجود هجوم آخر أو عملية اشتباك قادمة، ولذلك عليها أن تزيد من النيران التي تطلقها لبث الرعب في صفوف المهاجمين أو للقضاء على من يختبئ منهم في مكان ما، كأن يكون صاحب الجهاز الذي فجّر العبوة أو السيارة عن بعد، أو حامل الكاميرا التي تصور الحادث لحظة وقوعه، أو مجموعة أخرى تريد أن تنقض على آخرين قد يكون الهدف أخطأهم ومن الجدير بالذكر أن هناك أشبه ما يُعرف بالتدليس الخبري سواء كانت الجهة الإعلامية قاصدة ذلك أم لم تكن وغالباً ما يحصل التدليس بذكر أعداد من سقطوا بوصفهم عراقيين وحسب، ويبدو هذا واضحاً في العناوين الرئيسة التي تريد الاختصار في عدد الكلمات قدر الإمكان والتي تنتهي إلى القول بأن عدداً من العراقيين سقطوا في العراق بين قتيل وجريح والتدليس يكون هنا بأن من بين هؤلاء رجال شرطة وآمنين وحرس وطني، وبالطبع نحن نتفق على أن هؤلاء هم عراقيون لكن ذكر الخبر بهذه الطريقة للاختصار أو للتدليس عن الحقيقية، ولا يعدو كونه خطأً جوهرياً، ومن ذلك ما يحفل به كذلك الشريط الإخباري في القنوات الفضائية ومواقع الإنترنت، والتي تريد الاختصار فتقع هي الأخرى بخطأ التدليس وكان من الأجدر أن تذكر الحصيلة منفصلة تماماً بين العراقيين المدنيين ورجال الحرس والشرطة أما الحالات الأخرى، والتي يقع فيها من يرتدي زي المدنيين ويُعدّون على أنهم من بين القتلى المدنيين فتبدو موجودة أو كثيرة؛ فقد صرح وزير الداخلية العراقي قبل الدخول فيما اصطلح على تسميته بعملية البرق الأمنية أن هناك أكثر من أربعين ألف رجل أمن سيشاركون فيها، وسيُمثّل أكثر من ثلث هؤلاء باللباس المدني لتشتيت نظر الفئات المسلحة، ولإمكانية تعقبهم بعد الهجمات، فعندما يسقط من هؤلاء قتلى -غالباً إن لم نقل دائماً- يحسبون على أنهم مدنيون سقطوا جراء التفجيرات وأعمال الاغتيال، كما أنهم يزاولون الأعمال الحرفية أو يبتاعون بعض البضائع على قارعة الطريق لنقل المعلومات، وهذه الطرق واضحة ولا تكاد تخفى على الشارع العراقي، والذي يتداول خبراً ما في مكان ما ربما مفاده أن من يبيع البنزين أو السجائر هنا تابع للأجهزة الأمنية أو على أقل تقدير يساهم في نقل المعلومات الاستخبارية إلى الأجهزة الأمنية، وإن كان الشيء نفسه يحصل مع الجماعات المسلحة، والتي من الواضح أنها تجعل لها في حي أو منطقة عيناً تراقب التحركات، ومن غير هؤلاء هنالك الكثير من عناصر الأمن غير المشاركين في عملية البرق يرتدون الزي المدني، ومن الممكن أن تتجول في بغداد وتجد أن الكثير من نقاط التفتيش يختلط فيها المدنيون وغير المدنيين، كما أن الكثير من حالات الاعتقال كان يشارك فيها من يرتدي الزي المدني ويحمل السلاح.
أما الحالات الأخرى من وقوع مدنيين قتلى، ويتم العثور عليهم بعد مدة فقد ازدادت هذه الحوادث بشكل خطير، وكلهم يوجدون مقتولين ومعذبين بشكل مرعب بعد أن دُوهمت منازلهم من قبل عناصر الشرطة العراقية والحرس الوطني أو ما اصطلح عليه بالقول :إنهم ممن يرتدي زي الشرطة العراقية أو الحرس الوطني، وفي أوقات يكون التجول فيها ممنوع حتى وصل الحال بهيئة علماء المسلمين إلى القول بأن الحكومة العراقية وعلى يد أجهزتها الأمنية الكثيرة تمارس إرهاب الدولة بقتل هؤلاء وقد يكون هؤلاء قد تمكن ذووهم من معرفة جثثهم أو قد أبلغوا عن اختفائهم قبل موتهم، لكن آخرين يوجدون مقتولين وبشكل كبير من غير أن يعرف أحد من أخذهم ومن أين ومتى قُتلوا، وبيد من.
ورغم أن التقرير الأخير الذي صدر عن لجنة الإحصاء العراقية البريطانية الأمريكية التي وُصفت بالمستقلة يقول: إن عدد من سقط فقط بنيران القوات الأمريكية يُقدر بالآلاف فإن هذه الآلاف قليلاً ما تجد صداها في وسائل الإعلام وخاصة تلك
المنابر الإعلامية التي أوجدتها قوات الاحتلال بعد دخولها العراق، والتي يبدو من الواضح أن مهمتها لا تعدو كونها تبرئة قوات الاحتلال من كل تهمة تلتصق بها وتحويل تلك التهم إلى عناصر المقاومة أو الجهات الخارجية القادمة من خلف الحدود، والتي لا تأتي بخبر من قريب أو بعيد عن أي بيان أو صورة تنشرها الفصائل المسلحة سواء تلك التي تستهدف الأمريكيين أو التي تتبرأ من قتل مدنيين بل حتى تعد الأمر حد إلصاق التهم، واختلاق أكاذيب لا أساس لها من الصحة عن قتل مدنيين بيد العناصر المسلحة؛ إذ قامت الكثير من القوات العراقية بعرض صور لمن قالت: إنهم مجرمون ينتمون إلى فئات مسلحة وقتلوا الكثير من العراقيين، ويتم ذكر هؤلاء بالاسم الصريح، لكن الذي يحصل وفوجئت به الكثير من الجهات التي يعنيها
الأمر هو أن المقتولين الذين تم ذكرهم خلال التحقيقات واعترف "المجرمون "بقتلهم يأتون إلى هيئة علماء المسلمين أو نقابة المحامين العراقية، ويقولون لها :لقد ذُكرت أسماؤنا في هذه التحقيقات على أننا قد قُتلنا بيد من خرجوا من على تلك الشاشات، ونحن مازلنا على قيد الحياة، ويبدو أن الخوف يتملكهم وبدؤوا يعتقدون بأن أسماءهم كانت على قوائم معينة أُريد لها التصفية لكنها كُشفت خطأً، وأن أيامهم القادمة أيام معدودة
ومن ذلك أصدرت نقابة المحامين العراقية تقريراً كاملاً عن الأكاذيب التي نُشرت على لسان معتقلين أجبروا تحت التهديد وحسب التقرير على كلام لا أساس له من الصحة ثم تأتي الحوادث الدامية التي لا يتبناها أحد ولا يُعرف من يقف وراءها إلى اليوم ومنها الحادث الإجرامي الرهيب الذي حدث في مدينة المسيب جنوب بغداد والذي راح
ضحيته(90) قتيلاً عراقياً وجُرح (150) آخرون كلهم من المدنيين بالإضافة إلى الحادث المروّع في بغداد الجديدة، والذي قُتل فيه أطفال بعمر الورود، والذي لم تتبن أي جهة
مسؤوليتها عن الحادثتين الأليمتين بل على العكس من ذلك حيث نفت جهات مسلحة في العراق مسؤوليتها عن العملية، ولكن وإلى الآن ما زال التركيز إعلامياً وسياسياً على أن من قام بهذه الفعلة هم الجماعات المسلحة في العراق، وإن كان المسؤول عن حفظ أمن هؤلاء المدنيين هم قوات الاحتلال والقوات الحكومية، وإذا كنا أطلنا الحديث عن قتل المدنيين بيد غير العناصر المسلحة فإن العناصر المسلحة في العراق متهمة كذلك بهذا الموضوع، وإن من بينها من أوغل في قتل المدنيين بحجج التترس مرة، وبحجج لا يستقيم معها دليل شرعي أو عقلي، وخاصة ما كان يحصل في حوادث الخطف التي يريد المختطفون التعويض المالي عليها وبعدها يقتلون بعض الأبرياء، الأمران اللذان لا يرضاهما العقلاء من أهل العراق ولا رجال العلم فيه غالباً على المستوى الشعبي أو النخبوي على خلفية أن قتل المدنيين العراقيين خط أحمر يجب الوقوف عنده وعدم تجاوزه بحال من الأحوال، ولكن ومن الظلم أن يكون البلاء كله يقع على عاتق الفئات المسلحة، وتُترك التهمة بعيدة عن أصحابها الحقيقيين وبهذه النهاية لا بد من القول بأن المقاومة إذا ما كانت ترفع شعاراً إسلامياً لا لبس فيه فإن عليها أن تتحرى في عملياتها عدم استهداف المدنيين كخطوة أولى كما
أن عليها أن تسارع بالنفي في كل حادثة هي براء منها.
عامر الكبيسي / بغداد 22/6/1426
28/07/2005
نحن الإعلاميين في العراق عندما نريد استقاء الأخبار الميدانية وعلى رأسها الأمنية، والتي تتعلق- غالباً- بالانفجارات التي تحصل على الأرض العراقية هنا وهناك فإن أخبارنا غالباً ما تأتي من مصدرين.
المصدر الأول: هو المصدر الأمني والذي يتمثل برجال الشرطة الذين يحملون معهم أجهزة الاتصال اللاسلكي؛ إذ تمر من خلال هذه الأجهزة مجموعة المعلومات المتكاملة والمتمخضة من تناقل الحوادث الجارية بعد وقوعها بمدة زمنية قد تكون قصيرة نسبياًً، وهو ما يعني أن المعلومات ستمر بشكل متدفق عبرهذه الأجهزة من زمن وصول الشرطة
إلى مكان وقوع الحادث وإرسال الرسائل الصوتية إلى من يهمه الأمر بإعطاء تقرير مبسط عن الحادث يسمعه كل من يحمل تلك الأجهزة
ورجال الشرطة، هؤلاء بدورهم -ووفق تنسيق خفي مرة ومعلن أخرى- يعمدون إلى تمرير تلك الأخبار بحثاً عن المال إلى بعض الصحفيين الذين يقومون بدورهم بإيصال تلك الأخبار إلى الوكالات الإخبارية المنتشرة في طول البلاد وعرضها وفي الحقيقية -وبحسب الاستقراء العام لمجمل الأخبار التي تم تناقلها على هذه الشاكلة- تكون نسبة المصداقية فيها كبيرة جداً، وإن كانت غالباً ما تعطي الأرقام الأولية لعدد الضحايا، كما يُؤخذ عليها غالباً التدليس في عملية نقل بعض الأخبار إلى مسؤوليهم بحيث يذكرون أعداد القتلى من المدنيين من غير الإشارة إلى سبب سقوطهم: هل كان ناتجاً فقط عن انفجار العبوة أو السيارة المفخخة على سبيل المثال أم كان الكثير منهم قضى نتيجة الرد العشوائي من قبل المستهدف أصلاً في الهجوم؟
أما المصدر الثاني الذي يتم استقاء المعلومات منه فهو المصدر الطبي والذي يتمثل غالباً بالتصريحات غير الرسمية من قبل الأطباء في مختلف مستشفيات العراق، والمحافظات والتي بدورها تركز على أعداد من وصلوا إلى المستشفى بعد انفجار في مكان معين، والضحايا يكونون من المدنيين أو رجال الشرطة والحرس الوطني، بعضهم يرتدي الزي الرسمي وآخرون يرتدون الزى المدني لكن الذي يبدو ومن خلال الاطلاع على مجمل التفجيرات الناتجة بواسطة العبوات الناسفة أولاً، وانفجار السيارات المفخخة ثانياً، والمقابلات المباشرة والاشتباكات بين المسلحين وعناصر الأمن و الأمريكيين ثالثاً يبدو أن هذه الانفجارات عن طريق العبوات والمفخخات لا تخلف وحدها قتل المدنيين على الإطلاق
ففي كل حادث تفجير يقع على الأمريكيين وقوات الأمن ومن لحظة وقوعه فإن من المؤكد أن هنالك رداً عشوائياً كبيراً من قبل الأمريكيين على وجه الخصوص إذا كان الانفجار قد استهدفهم أو من قبل الحرس الوطني إذا كانوا هم المقصودين في الانفجار فالطلق العشوائي الكبير الذي يخرج من فوهات بنادق الاحتلال وعناصر الجيش له الأثر السلبي الواضح على جموع المدنيين الذي يكونون بالقرب من وقوع الانفجار والذين يسقط الكثيرون منهم بسببه، بالإضافة إلى احتراق سيارات الكثيرين بسبب إطلاق النار غير المسؤول، كذلك إذا ما توافق سير تلك الرصاصات الطائشة بعض المحال المجاورة أو البيوت المجاورة للحادث؛ مما يؤدي إلى إلحاق أضرار بالغة بتلك الدور أو المحال التجارية أو المزروعات والتي قد تنتهي إلى الحرق.
إن الأرقام الأخيرة التي تصدر من قبل المصادر الطبية لا تفرق غالباً بين من يُقتل بسبب الانفجار، وبين من يُقتل بسبب الطلق الناري العشوائي الكثيف بعد الانفجار وخاصة إذا ما عُلم أن معظم المستشفيات العراقية -وبسبب حوادث القتل الكثيرة- غالباً ما تترك الأبحاث الجنائية وأسباب الموت لعدة أسباب قد تتعلق في الكثير منها بعدم قدرة المستشفيات على القيام بهذه المهمة، وتخصيص جهودها لاستيعاب الأعداد القادمة من المصابين والقتلى في كل يوم، ناهيك عن عدم وجود من يسأل عن الكثير من القتلى بعد موتهم أو العثور عليهم ربما بعد أيام كثيرة، وهو الأمر الذي يجعلهم يخرجون من ثلاجات الموتى من غير تدقيق عن الأسباب الكامنة وراء قتلهم، وما على الأهل سوى احتساب الأمر إلى الله، والإسراع بأبنائهم إلى المقابر، وتُقيد أعمال القتل بعدها ضد مجهول.
لذلك عندما يُذكر في وسائل الإعلام أن الانفجار نتج عنه قرابة عشرة قتلى من المدنيين فإن هذا يُعدّ المشهد الأخير وحسب .... وما خفي من طيات هذا الرقم قد يكون من المستحيل معرفته في ظل لظروف الراهنة؛ إذ هل من المعقول أن تذهب حالة الإطلاق العشوائي في كل انفجار أدراجها من غير أن تصيب أحداً من المارة، وخاصة إذا عُلم أن هذه الحالة لا تتكرر فحسب بل هي أشبه ما تكون بتوصيات أمريكية إلى مجموعات العناصر الأمنية التي دربتها، والتي تعلمت منها أن الانفجار إذا وقع فإن عليها أن تتنبه إلى احتمال وجود هجوم آخر أو عملية اشتباك قادمة، ولذلك عليها أن تزيد من النيران التي تطلقها لبث الرعب في صفوف المهاجمين أو للقضاء على من يختبئ منهم في مكان ما، كأن يكون صاحب الجهاز الذي فجّر العبوة أو السيارة عن بعد، أو حامل الكاميرا التي تصور الحادث لحظة وقوعه، أو مجموعة أخرى تريد أن تنقض على آخرين قد يكون الهدف أخطأهم ومن الجدير بالذكر أن هناك أشبه ما يُعرف بالتدليس الخبري سواء كانت الجهة الإعلامية قاصدة ذلك أم لم تكن وغالباً ما يحصل التدليس بذكر أعداد من سقطوا بوصفهم عراقيين وحسب، ويبدو هذا واضحاً في العناوين الرئيسة التي تريد الاختصار في عدد الكلمات قدر الإمكان والتي تنتهي إلى القول بأن عدداً من العراقيين سقطوا في العراق بين قتيل وجريح والتدليس يكون هنا بأن من بين هؤلاء رجال شرطة وآمنين وحرس وطني، وبالطبع نحن نتفق على أن هؤلاء هم عراقيون لكن ذكر الخبر بهذه الطريقة للاختصار أو للتدليس عن الحقيقية، ولا يعدو كونه خطأً جوهرياً، ومن ذلك ما يحفل به كذلك الشريط الإخباري في القنوات الفضائية ومواقع الإنترنت، والتي تريد الاختصار فتقع هي الأخرى بخطأ التدليس وكان من الأجدر أن تذكر الحصيلة منفصلة تماماً بين العراقيين المدنيين ورجال الحرس والشرطة أما الحالات الأخرى، والتي يقع فيها من يرتدي زي المدنيين ويُعدّون على أنهم من بين القتلى المدنيين فتبدو موجودة أو كثيرة؛ فقد صرح وزير الداخلية العراقي قبل الدخول فيما اصطلح على تسميته بعملية البرق الأمنية أن هناك أكثر من أربعين ألف رجل أمن سيشاركون فيها، وسيُمثّل أكثر من ثلث هؤلاء باللباس المدني لتشتيت نظر الفئات المسلحة، ولإمكانية تعقبهم بعد الهجمات، فعندما يسقط من هؤلاء قتلى -غالباً إن لم نقل دائماً- يحسبون على أنهم مدنيون سقطوا جراء التفجيرات وأعمال الاغتيال، كما أنهم يزاولون الأعمال الحرفية أو يبتاعون بعض البضائع على قارعة الطريق لنقل المعلومات، وهذه الطرق واضحة ولا تكاد تخفى على الشارع العراقي، والذي يتداول خبراً ما في مكان ما ربما مفاده أن من يبيع البنزين أو السجائر هنا تابع للأجهزة الأمنية أو على أقل تقدير يساهم في نقل المعلومات الاستخبارية إلى الأجهزة الأمنية، وإن كان الشيء نفسه يحصل مع الجماعات المسلحة، والتي من الواضح أنها تجعل لها في حي أو منطقة عيناً تراقب التحركات، ومن غير هؤلاء هنالك الكثير من عناصر الأمن غير المشاركين في عملية البرق يرتدون الزي المدني، ومن الممكن أن تتجول في بغداد وتجد أن الكثير من نقاط التفتيش يختلط فيها المدنيون وغير المدنيين، كما أن الكثير من حالات الاعتقال كان يشارك فيها من يرتدي الزي المدني ويحمل السلاح.
أما الحالات الأخرى من وقوع مدنيين قتلى، ويتم العثور عليهم بعد مدة فقد ازدادت هذه الحوادث بشكل خطير، وكلهم يوجدون مقتولين ومعذبين بشكل مرعب بعد أن دُوهمت منازلهم من قبل عناصر الشرطة العراقية والحرس الوطني أو ما اصطلح عليه بالقول :إنهم ممن يرتدي زي الشرطة العراقية أو الحرس الوطني، وفي أوقات يكون التجول فيها ممنوع حتى وصل الحال بهيئة علماء المسلمين إلى القول بأن الحكومة العراقية وعلى يد أجهزتها الأمنية الكثيرة تمارس إرهاب الدولة بقتل هؤلاء وقد يكون هؤلاء قد تمكن ذووهم من معرفة جثثهم أو قد أبلغوا عن اختفائهم قبل موتهم، لكن آخرين يوجدون مقتولين وبشكل كبير من غير أن يعرف أحد من أخذهم ومن أين ومتى قُتلوا، وبيد من.
ورغم أن التقرير الأخير الذي صدر عن لجنة الإحصاء العراقية البريطانية الأمريكية التي وُصفت بالمستقلة يقول: إن عدد من سقط فقط بنيران القوات الأمريكية يُقدر بالآلاف فإن هذه الآلاف قليلاً ما تجد صداها في وسائل الإعلام وخاصة تلك
المنابر الإعلامية التي أوجدتها قوات الاحتلال بعد دخولها العراق، والتي يبدو من الواضح أن مهمتها لا تعدو كونها تبرئة قوات الاحتلال من كل تهمة تلتصق بها وتحويل تلك التهم إلى عناصر المقاومة أو الجهات الخارجية القادمة من خلف الحدود، والتي لا تأتي بخبر من قريب أو بعيد عن أي بيان أو صورة تنشرها الفصائل المسلحة سواء تلك التي تستهدف الأمريكيين أو التي تتبرأ من قتل مدنيين بل حتى تعد الأمر حد إلصاق التهم، واختلاق أكاذيب لا أساس لها من الصحة عن قتل مدنيين بيد العناصر المسلحة؛ إذ قامت الكثير من القوات العراقية بعرض صور لمن قالت: إنهم مجرمون ينتمون إلى فئات مسلحة وقتلوا الكثير من العراقيين، ويتم ذكر هؤلاء بالاسم الصريح، لكن الذي يحصل وفوجئت به الكثير من الجهات التي يعنيها
الأمر هو أن المقتولين الذين تم ذكرهم خلال التحقيقات واعترف "المجرمون "بقتلهم يأتون إلى هيئة علماء المسلمين أو نقابة المحامين العراقية، ويقولون لها :لقد ذُكرت أسماؤنا في هذه التحقيقات على أننا قد قُتلنا بيد من خرجوا من على تلك الشاشات، ونحن مازلنا على قيد الحياة، ويبدو أن الخوف يتملكهم وبدؤوا يعتقدون بأن أسماءهم كانت على قوائم معينة أُريد لها التصفية لكنها كُشفت خطأً، وأن أيامهم القادمة أيام معدودة
ومن ذلك أصدرت نقابة المحامين العراقية تقريراً كاملاً عن الأكاذيب التي نُشرت على لسان معتقلين أجبروا تحت التهديد وحسب التقرير على كلام لا أساس له من الصحة ثم تأتي الحوادث الدامية التي لا يتبناها أحد ولا يُعرف من يقف وراءها إلى اليوم ومنها الحادث الإجرامي الرهيب الذي حدث في مدينة المسيب جنوب بغداد والذي راح
ضحيته(90) قتيلاً عراقياً وجُرح (150) آخرون كلهم من المدنيين بالإضافة إلى الحادث المروّع في بغداد الجديدة، والذي قُتل فيه أطفال بعمر الورود، والذي لم تتبن أي جهة
مسؤوليتها عن الحادثتين الأليمتين بل على العكس من ذلك حيث نفت جهات مسلحة في العراق مسؤوليتها عن العملية، ولكن وإلى الآن ما زال التركيز إعلامياً وسياسياً على أن من قام بهذه الفعلة هم الجماعات المسلحة في العراق، وإن كان المسؤول عن حفظ أمن هؤلاء المدنيين هم قوات الاحتلال والقوات الحكومية، وإذا كنا أطلنا الحديث عن قتل المدنيين بيد غير العناصر المسلحة فإن العناصر المسلحة في العراق متهمة كذلك بهذا الموضوع، وإن من بينها من أوغل في قتل المدنيين بحجج التترس مرة، وبحجج لا يستقيم معها دليل شرعي أو عقلي، وخاصة ما كان يحصل في حوادث الخطف التي يريد المختطفون التعويض المالي عليها وبعدها يقتلون بعض الأبرياء، الأمران اللذان لا يرضاهما العقلاء من أهل العراق ولا رجال العلم فيه غالباً على المستوى الشعبي أو النخبوي على خلفية أن قتل المدنيين العراقيين خط أحمر يجب الوقوف عنده وعدم تجاوزه بحال من الأحوال، ولكن ومن الظلم أن يكون البلاء كله يقع على عاتق الفئات المسلحة، وتُترك التهمة بعيدة عن أصحابها الحقيقيين وبهذه النهاية لا بد من القول بأن المقاومة إذا ما كانت ترفع شعاراً إسلامياً لا لبس فيه فإن عليها أن تتحرى في عملياتها عدم استهداف المدنيين كخطوة أولى كما
أن عليها أن تسارع بالنفي في كل حادثة هي براء منها.