الفرقاني
26-07-2005, 10:14 PM
معالم تصدّع الجبهة الأمريكيّة تجاه العراق المحتلّ
علي حسين باكير/ لبنان 20/6/1426
26/07/2005
معادلتان قائمتان في إطار متضادّ و متصارع.
الأولى: هي المعادلة الأمريكية التي ترتبط فيها قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على الاستمرار في احتلال العراق وفرض سيطرتها عليه بمدى نجاحها في القضاء على المقاومة الضاربة التي تواجه قواتها وتكبدها خسائر جسيمة.
والثانية: فهي معادلة المقاومة العراقية التي يرتبط نجاحها في الحاق الهزيمة بالجيش الأمريكي، و بقدرتها على استنزافه على نحو يؤدي إلى تصديع الجبهة الداخلية الأمريكية على الصعيدين السياسي والاجتماعي, و إلحاق خسائر مالية و مادّية في الأرواح و العتاد به تضطّره معها إلى الانسحاب.
في إطار هاتين المعادلتين, يبرز التناقض ما بين قائل: إنّ القوات الامركية تسيطر على الوضع في العراق، و إنّ العملية السياسية تتقدم و أنّ "المتمردين" ينهارون, و ما بين ناقل أنّ القوات الأمريكية تُستنزف ،
وأن العملية السياسية تنهار، و أنّ الوضع في العراق يذهب إلى أن يصبح جحيماً للأمريكيين و من معهم.
قراءة فيما يحصل في العراق منذ بدء الاحتلال عبر المعطيات و الوقائع
في صدد التعرف على حقيقة الوضع و مجريات الحرب في العراق منذ بدء الاحتلال الأمريكي، لا بدّ لنا من الاستعانة بالمعطيات والوقائع التي تعكس حقيقة ما يجري : إن القوات الأمريكية لم تتمكن من إحكام سيطرتها على الوضع، وهي تخوض حرباً حقيقية في كل أنحاء العراق، وتواجه ظروفاً قاسية لم تكن في حساب المخططين في البنتاغون الأمريكي الذين صوّروا الحرب كنزهة سوف تنتهي سريعاً في تحقيق أهدافها وانسحاب معظم القوات الأمريكية، فهناك شبه اتفاق لدى مراكز الدراسات والباحثين والمحللين والسياسيين على أن القوات الأمريكية وقعت في ورطة حقيقية، يهدّد الاستمرار والغرق فيها بتكرار عقدة فيتنام بصورة أكبر؛ نتيجة التقديرات الخاطئة، وعدم الاستماع ِإلى آراء الآخرين وتحذيراتهم من خوض حرب بالاستناد إلى معطيات غير صحيحة كان من بينها:
أولاً: الخطط التي وُضعت كانت متسرعة وتستند إلى تقديرات خاطئة عن الوضع العراقي، وقللت من حجم المقاومة التي ستواجه القوات الأمريكية، وصوّرت أن الشعب العراقي بغالبيته سوف يقف إلى جانب الولايات المتحدة لتحقيق ما يسمى بالديموقراطية.
ثانياً: استمرت الإدارة الأمريكية في التقليل من شأن المقاومة وقدراتها وإمكاناتها على الاستمرار وخوض حرب عصابات متطورة، وفي هذا الاطار قال السناتور الجمهوري (لينزي غراهام) لمحطة سي بي اس: "إن التمرد حي وفي حالة جيدة، لقد قللنا من تقديرنا لقدرته على الاستمرار، والإدارة كانت بطيئة في التكيف عندما تعلق الأمر بدعم قواتنا".
ثالثاً: انكشاف عدم صدقية الادعاءات التي خيضت الحرب بحجتها؛ إذ ثبت عدم وجود أسلحة الدمار الشامل و عدم قدرة العراقيين على صنع سلاح نووي.
أضف إلى كل ذلك أنّ الفاتورة المرتفعة مادياً وبشرياً التي تدفعها الولايات المتحدة نتيجة المقاومة الشرسة التي تواجه قواتها، فالخسائر البشرية بلغت أرقاماً لم تكن واشنطن تتوقع أن تصل إلى هذا الحد. فحسب الاعترافات الرسمية فإن أعداد القتلى في صفوف الجنود الأمريكيين بلغت أكثر من ألف وسبعمئة جندي , في حين أن عدد الجرحى الذين خرجوا نهائياً من المعركة لأنهم أُعطبوا ناهز الـ (12) ألف جندي،وهذه الارقام لا تشمل الجنود الذين يُعدّون مرتزقة.
أما الخسائر المادية فإنها ازدادت أضعاف ما كان مقدراً، فالإنفاق تجاوز الـخمسة مليارات شهرياً، بعدما كان مقدراً في السابق بـأربعة مليارات ولفترة زمنية محدودة، فإذا الفاتورة ترتفع، والفترة تطول، وهو ما أدّى إلى انعكاسات سلبية على الخزانة الأمريكية.
انتهت المعركة مع الجيش العراقي و لكن الحرب بدأت مع المقاومة
لقد بدا واضحاً بعد أكثر من سنتين على احتلال القوات الأمريكية للعراق أن الحرب لم تنته بل هي في تصاعد مستمر، حتى إن العديد من المحللين العسكريين يرون أن الحرب الحقيقية بدأت بعد احتلال العراق حيث يواجه الجيش الأمريكي حرب مقاومة من النوع المتقدم؛ مما جعله عاجزاً عن تحقيق النصر الذي يمكّنه من القول: إنه حقق المهمة التي كُلّف بها من قبل قادة البنتاغون في الإدارة الأمريكية. ولا تنبئ كل الجهود الأمريكية بوجود أفق لوضع حد للمقاومة في وقت قريب، وقد عبر عن ذلك الرئيس جورج بوش بالقول: إن الوضع في غاية الصعوبة، فيما قدّر رئيس أركان الجيوش الأمريكية الحاجة إلى تسع سنوات للسيطرة على التمرّد، في حين تشير كل تطورات الأحداث إلى أن الخطط العسكرية والسياسية التي نفذتها واشنطن لإنهاء المقاومة قد لاقت الإخفاق, ومن شواهدها:
اقتحام مدينة الفلوجة، ومن ثم مدينة القائم، وأخيراً عملية البرق في بغداد والرمح، و غيرها من العمليات، إلى جانب مواصلة العمليات العسكرية في جميع المدن والبلدات الأخرى لم تؤد إلى القضاء على المقاومة أو إضعافها كما كان يُعتقد، بل على العكس أدّت إلى تصاعدها على نحو كبير على الرغم من أن القوات الأمريكية قد استعانت بقوات الحرس الوطني والشرطة العراقية في عملية البرق(40 ألف جندي عراقي)؛ إذ أظهرت الوقائع أن المقاومة تمكنت من استيعاب هذه العملية وشنت ما يشبه عملية "رعد مضادة" تجلّت في تكثيف هجماتها، وهو ما تبين من حصيلة القتلى الأمريكيين الذين سقطوا خلال شهر أيار الماضي، والذين بلغوا (80) جندياً حسب الاعترافات الرسمية، وقد أدى ذلك إلى فشل محاولات واشنطن في بناء سلطة وجيش عراقيين للتخفيف من حجم الاستنزاف الذي تتعرض له القوات الأمريكية، أو لتمويه وجود الاحتلال وتحويل الصراع ليصبح عراقياً عراقياً ليكون الجندي العراقي كبش فداء فيما تستريح قواتها، أي ما عُرف بمصطلح "عرقنة" المعركة، بحيث تصبح وظيفة القوات الأمريكية دعم قوات الحكومة العراقية الموالية لها، ومثل هذا الإخفاق يعود إلى تكتيك المقاومة الذي اعتمد على إستراتيجية توجيه ضربات قاسية وقوية للقوات العراقية التي يجري بناؤها والحيلولة دون أن يقوى عودها، ودفع العراقيين إلى عدم الالتحاق بها، فيما جرى استهداف مدروس لأبرز الرموز المتعاملة مع الاحتلال.
انطلاقاً من ذلك يبدو واضحاً أن المقاومة من خلال التكتيكات التي اعتمدتها أحبطت الخطة الأمريكية العسكرية والسياسية؛ مما أدى إلى نجاحها في الحيلولة دون تمكن القوات الأمريكية من الشعور بالأمان والاستقرار لتنفيذ مخططها لاستعمار العراق، وتحويله إلى منصة لتغيير خريطة المنطقة، وهذا ما أظهر إخفاق واشنطن، وسيادة مناخ متزايد بعجزها، وعدم قدرتها على فرض سيطرتها.
نقل المعركة من العراق إلى الداخل الأمريكي
إن عدم نجاح واشنطن في تحقيق ما وعدت به الأمريكيين من الانتهاء سريعاً من الحرب، وإعادة الجنود الأمريكيين إلى بلادهم، وارتفاع أعداد القتلى والجرحى في صفوفهم، وازدياد الإنفاق العسكري، إلى جانب تزايد الخوف من الغرق في فيتنام جديدة أدّى إلى تصدّع الجبهة الأمريكية الداخلية، ونقل الصراع إلى الولايات المتحدة؛ حيث بدأ السجال يحتدم حول جدوى الاستمرار في البقاء في العراق وسط ارتفاع الأصوات المطالبة بالانسحاب من هناك، وهو ما يُعدّ نجاحاً كبيراً للمقاومة بعد ما يناهز العامين على الاحتلال. وقد برزت مؤشرات التصدع الأمريكي على الشكل التالي:
1- ظهور رغبة لدى غالبية الأمريكيين (59%) بانسحاب كامل أو جزئي للقوات الأمريكية من العراق حسب استطلاع للرأي أجرته صحيفة ( يو أس تو داي)؛ إذ أيد ستة من كل عشرة أمريكيين الانسحاب من العراق.
2- انخفاض نسبة شعبية جورج بوش؛ إذ أشار استطلاع للرأي أجرته صحيفة (نيويورك تايمز) وشبكة (سي بي اس نيوز) أن نسبة من يوافقون على سياسة بوش انخفضوا إلى 42 %.
3- تقديم أربعة نواب من الحزبين الجمهوري والديمقراطي مشروع قانون في الكونغرس يطالب بتحديد جدول زمني للانسحاب من العراق، واللافت في ذلك حصول انقلاب في موقف نواب جمهوريين كانوا من أشد المتحمسين لقرار الرئيس الأمريكي جورج بوش بشن الحرب، و أبرز الموقعين على مشروع القانون هو الجمهوري (ولتر جونز) الذي قال: "أعطيت صوتي لقرار إرسال القوات، وأشعر أننا فعلنا كل ما في وسعنا".
4- إقرار مدير عمليات الأركان المشتركة في الجيش الأمريكي الجنرال (جيمس كونواي) بأن المؤشرات على انخفاض الدعم الشعبي للحرب في العراق تثير القلق وقال: "إن الفيتناميين أدركوا ما يدركه عدونا الحالي وهو أن الرأي العام الأمريكي هو مركز القوة، وأن بلداً ديمقراطياً لا يمكن أن يفعل أموراً محدّدة لا تحظى بدعم المواطنين".
إن هذه المؤشرات على بدء التصدع في الجبهة الأمريكية الداخلية من المرحج أن تضغط من الآن فصاعداً على إدارة جورج بوش خصوصاً كلما نقلت الأنباء المزيد من سقوط القتلى الأمريكيين في العراق والإخفاق في الحد من عمليات المقاومة.
وسيتصاعد معها حجم الاعتراض داخل الكونغرس والمجتمع الأمريكي على الاستمرار في هذه الحرب؛ مما يزيد من الضغط للخروج من العراق خوفاً من تكرار الغرق في حرب مماثلة لحرب فيتنام، والتي بدأت نذُرها تلوح بالأفق منذ الآن.
علي حسين باكير/ لبنان 20/6/1426
26/07/2005
معادلتان قائمتان في إطار متضادّ و متصارع.
الأولى: هي المعادلة الأمريكية التي ترتبط فيها قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على الاستمرار في احتلال العراق وفرض سيطرتها عليه بمدى نجاحها في القضاء على المقاومة الضاربة التي تواجه قواتها وتكبدها خسائر جسيمة.
والثانية: فهي معادلة المقاومة العراقية التي يرتبط نجاحها في الحاق الهزيمة بالجيش الأمريكي، و بقدرتها على استنزافه على نحو يؤدي إلى تصديع الجبهة الداخلية الأمريكية على الصعيدين السياسي والاجتماعي, و إلحاق خسائر مالية و مادّية في الأرواح و العتاد به تضطّره معها إلى الانسحاب.
في إطار هاتين المعادلتين, يبرز التناقض ما بين قائل: إنّ القوات الامركية تسيطر على الوضع في العراق، و إنّ العملية السياسية تتقدم و أنّ "المتمردين" ينهارون, و ما بين ناقل أنّ القوات الأمريكية تُستنزف ،
وأن العملية السياسية تنهار، و أنّ الوضع في العراق يذهب إلى أن يصبح جحيماً للأمريكيين و من معهم.
قراءة فيما يحصل في العراق منذ بدء الاحتلال عبر المعطيات و الوقائع
في صدد التعرف على حقيقة الوضع و مجريات الحرب في العراق منذ بدء الاحتلال الأمريكي، لا بدّ لنا من الاستعانة بالمعطيات والوقائع التي تعكس حقيقة ما يجري : إن القوات الأمريكية لم تتمكن من إحكام سيطرتها على الوضع، وهي تخوض حرباً حقيقية في كل أنحاء العراق، وتواجه ظروفاً قاسية لم تكن في حساب المخططين في البنتاغون الأمريكي الذين صوّروا الحرب كنزهة سوف تنتهي سريعاً في تحقيق أهدافها وانسحاب معظم القوات الأمريكية، فهناك شبه اتفاق لدى مراكز الدراسات والباحثين والمحللين والسياسيين على أن القوات الأمريكية وقعت في ورطة حقيقية، يهدّد الاستمرار والغرق فيها بتكرار عقدة فيتنام بصورة أكبر؛ نتيجة التقديرات الخاطئة، وعدم الاستماع ِإلى آراء الآخرين وتحذيراتهم من خوض حرب بالاستناد إلى معطيات غير صحيحة كان من بينها:
أولاً: الخطط التي وُضعت كانت متسرعة وتستند إلى تقديرات خاطئة عن الوضع العراقي، وقللت من حجم المقاومة التي ستواجه القوات الأمريكية، وصوّرت أن الشعب العراقي بغالبيته سوف يقف إلى جانب الولايات المتحدة لتحقيق ما يسمى بالديموقراطية.
ثانياً: استمرت الإدارة الأمريكية في التقليل من شأن المقاومة وقدراتها وإمكاناتها على الاستمرار وخوض حرب عصابات متطورة، وفي هذا الاطار قال السناتور الجمهوري (لينزي غراهام) لمحطة سي بي اس: "إن التمرد حي وفي حالة جيدة، لقد قللنا من تقديرنا لقدرته على الاستمرار، والإدارة كانت بطيئة في التكيف عندما تعلق الأمر بدعم قواتنا".
ثالثاً: انكشاف عدم صدقية الادعاءات التي خيضت الحرب بحجتها؛ إذ ثبت عدم وجود أسلحة الدمار الشامل و عدم قدرة العراقيين على صنع سلاح نووي.
أضف إلى كل ذلك أنّ الفاتورة المرتفعة مادياً وبشرياً التي تدفعها الولايات المتحدة نتيجة المقاومة الشرسة التي تواجه قواتها، فالخسائر البشرية بلغت أرقاماً لم تكن واشنطن تتوقع أن تصل إلى هذا الحد. فحسب الاعترافات الرسمية فإن أعداد القتلى في صفوف الجنود الأمريكيين بلغت أكثر من ألف وسبعمئة جندي , في حين أن عدد الجرحى الذين خرجوا نهائياً من المعركة لأنهم أُعطبوا ناهز الـ (12) ألف جندي،وهذه الارقام لا تشمل الجنود الذين يُعدّون مرتزقة.
أما الخسائر المادية فإنها ازدادت أضعاف ما كان مقدراً، فالإنفاق تجاوز الـخمسة مليارات شهرياً، بعدما كان مقدراً في السابق بـأربعة مليارات ولفترة زمنية محدودة، فإذا الفاتورة ترتفع، والفترة تطول، وهو ما أدّى إلى انعكاسات سلبية على الخزانة الأمريكية.
انتهت المعركة مع الجيش العراقي و لكن الحرب بدأت مع المقاومة
لقد بدا واضحاً بعد أكثر من سنتين على احتلال القوات الأمريكية للعراق أن الحرب لم تنته بل هي في تصاعد مستمر، حتى إن العديد من المحللين العسكريين يرون أن الحرب الحقيقية بدأت بعد احتلال العراق حيث يواجه الجيش الأمريكي حرب مقاومة من النوع المتقدم؛ مما جعله عاجزاً عن تحقيق النصر الذي يمكّنه من القول: إنه حقق المهمة التي كُلّف بها من قبل قادة البنتاغون في الإدارة الأمريكية. ولا تنبئ كل الجهود الأمريكية بوجود أفق لوضع حد للمقاومة في وقت قريب، وقد عبر عن ذلك الرئيس جورج بوش بالقول: إن الوضع في غاية الصعوبة، فيما قدّر رئيس أركان الجيوش الأمريكية الحاجة إلى تسع سنوات للسيطرة على التمرّد، في حين تشير كل تطورات الأحداث إلى أن الخطط العسكرية والسياسية التي نفذتها واشنطن لإنهاء المقاومة قد لاقت الإخفاق, ومن شواهدها:
اقتحام مدينة الفلوجة، ومن ثم مدينة القائم، وأخيراً عملية البرق في بغداد والرمح، و غيرها من العمليات، إلى جانب مواصلة العمليات العسكرية في جميع المدن والبلدات الأخرى لم تؤد إلى القضاء على المقاومة أو إضعافها كما كان يُعتقد، بل على العكس أدّت إلى تصاعدها على نحو كبير على الرغم من أن القوات الأمريكية قد استعانت بقوات الحرس الوطني والشرطة العراقية في عملية البرق(40 ألف جندي عراقي)؛ إذ أظهرت الوقائع أن المقاومة تمكنت من استيعاب هذه العملية وشنت ما يشبه عملية "رعد مضادة" تجلّت في تكثيف هجماتها، وهو ما تبين من حصيلة القتلى الأمريكيين الذين سقطوا خلال شهر أيار الماضي، والذين بلغوا (80) جندياً حسب الاعترافات الرسمية، وقد أدى ذلك إلى فشل محاولات واشنطن في بناء سلطة وجيش عراقيين للتخفيف من حجم الاستنزاف الذي تتعرض له القوات الأمريكية، أو لتمويه وجود الاحتلال وتحويل الصراع ليصبح عراقياً عراقياً ليكون الجندي العراقي كبش فداء فيما تستريح قواتها، أي ما عُرف بمصطلح "عرقنة" المعركة، بحيث تصبح وظيفة القوات الأمريكية دعم قوات الحكومة العراقية الموالية لها، ومثل هذا الإخفاق يعود إلى تكتيك المقاومة الذي اعتمد على إستراتيجية توجيه ضربات قاسية وقوية للقوات العراقية التي يجري بناؤها والحيلولة دون أن يقوى عودها، ودفع العراقيين إلى عدم الالتحاق بها، فيما جرى استهداف مدروس لأبرز الرموز المتعاملة مع الاحتلال.
انطلاقاً من ذلك يبدو واضحاً أن المقاومة من خلال التكتيكات التي اعتمدتها أحبطت الخطة الأمريكية العسكرية والسياسية؛ مما أدى إلى نجاحها في الحيلولة دون تمكن القوات الأمريكية من الشعور بالأمان والاستقرار لتنفيذ مخططها لاستعمار العراق، وتحويله إلى منصة لتغيير خريطة المنطقة، وهذا ما أظهر إخفاق واشنطن، وسيادة مناخ متزايد بعجزها، وعدم قدرتها على فرض سيطرتها.
نقل المعركة من العراق إلى الداخل الأمريكي
إن عدم نجاح واشنطن في تحقيق ما وعدت به الأمريكيين من الانتهاء سريعاً من الحرب، وإعادة الجنود الأمريكيين إلى بلادهم، وارتفاع أعداد القتلى والجرحى في صفوفهم، وازدياد الإنفاق العسكري، إلى جانب تزايد الخوف من الغرق في فيتنام جديدة أدّى إلى تصدّع الجبهة الأمريكية الداخلية، ونقل الصراع إلى الولايات المتحدة؛ حيث بدأ السجال يحتدم حول جدوى الاستمرار في البقاء في العراق وسط ارتفاع الأصوات المطالبة بالانسحاب من هناك، وهو ما يُعدّ نجاحاً كبيراً للمقاومة بعد ما يناهز العامين على الاحتلال. وقد برزت مؤشرات التصدع الأمريكي على الشكل التالي:
1- ظهور رغبة لدى غالبية الأمريكيين (59%) بانسحاب كامل أو جزئي للقوات الأمريكية من العراق حسب استطلاع للرأي أجرته صحيفة ( يو أس تو داي)؛ إذ أيد ستة من كل عشرة أمريكيين الانسحاب من العراق.
2- انخفاض نسبة شعبية جورج بوش؛ إذ أشار استطلاع للرأي أجرته صحيفة (نيويورك تايمز) وشبكة (سي بي اس نيوز) أن نسبة من يوافقون على سياسة بوش انخفضوا إلى 42 %.
3- تقديم أربعة نواب من الحزبين الجمهوري والديمقراطي مشروع قانون في الكونغرس يطالب بتحديد جدول زمني للانسحاب من العراق، واللافت في ذلك حصول انقلاب في موقف نواب جمهوريين كانوا من أشد المتحمسين لقرار الرئيس الأمريكي جورج بوش بشن الحرب، و أبرز الموقعين على مشروع القانون هو الجمهوري (ولتر جونز) الذي قال: "أعطيت صوتي لقرار إرسال القوات، وأشعر أننا فعلنا كل ما في وسعنا".
4- إقرار مدير عمليات الأركان المشتركة في الجيش الأمريكي الجنرال (جيمس كونواي) بأن المؤشرات على انخفاض الدعم الشعبي للحرب في العراق تثير القلق وقال: "إن الفيتناميين أدركوا ما يدركه عدونا الحالي وهو أن الرأي العام الأمريكي هو مركز القوة، وأن بلداً ديمقراطياً لا يمكن أن يفعل أموراً محدّدة لا تحظى بدعم المواطنين".
إن هذه المؤشرات على بدء التصدع في الجبهة الأمريكية الداخلية من المرحج أن تضغط من الآن فصاعداً على إدارة جورج بوش خصوصاً كلما نقلت الأنباء المزيد من سقوط القتلى الأمريكيين في العراق والإخفاق في الحد من عمليات المقاومة.
وسيتصاعد معها حجم الاعتراض داخل الكونغرس والمجتمع الأمريكي على الاستمرار في هذه الحرب؛ مما يزيد من الضغط للخروج من العراق خوفاً من تكرار الغرق في حرب مماثلة لحرب فيتنام، والتي بدأت نذُرها تلوح بالأفق منذ الآن.