مشاهدة النسخة كاملة : قصيدة جاهلية ! مليئة بالحكمة السياسية
عبدالغفور الخطيب
23-07-2005, 09:53 PM
هذه قصيدة للشاعر العربي الكبير الأفوه الأودي الجاهلي ! ... وقد اكتشف فيها سر خراب قومه
فوضع تلك القصيدة المليئة بالحكمة السياسية ...
فينا مَعاشِـرُ لـم يَبْنُـوا لقومِهـمُ ..................وإنْ بَنى قومُهُمْ ما أَفْسَـدوا عـادُوا
لا يَرْشُدون ولن يَرْعَـوا لِمُرْشِدِهـمْ................فالغَي منهُمْ معـاً والجَهْـلُ ميعـادُ
والبيـتُ لا يُبْتَنَـى إلا لـهُ عَمَـدٌ......................ولا عِمـادَ إذا لـمْ تُـرْسَ أَوْتـادُ
فـإنْ تجمـعَ أَوتــادٌ وأَعـمـدَةٌ.....................وساكنُ بلغوا الأمرَ الـذي كـادوا
لا يَصْلُحُ الناسُ فَوضَى لا سَراةَ لَهُمْ................ولا سَـراةَ إذا جُهالُهُـمْ ســادُوا
تُلفَى الأمورُ بأهلِ الرشْدِ ما صَلَحَت.................ْفـإنْ تَوَلـوْا فبالأَشْـرارِ تَنْـقـادُ
إذا تَولـى سَـراةُ القـومِ أَمْرَهُـمُ..................نَما على ذاك أَمْرُ القـومِ فـازْدادُوا
أمارةُ الغَي أنْ تَلقَى الجميعَ لدى ال............. إبـرامِ للأمـرِ، والأذنـابُ أكتـادُ
كيفَ الرشادُ إذا ما كنتَ فـي نَفَـر................ٍلهُمْ عنِ الرشْـدِ أَغْـلالٌ وأَقيـادُ؟
أَعطَوْا غُواتَهَـمُ جَهْـلاً مَقادَتَهُـمْ....................فكلهُـمْ فـي حبـالِ الغَـي مُنْقـادُ
حانَ الرحيلُ الى قـومٍ وإنْ بَعُـدوا..................فيهِـمْ صَـلاحٌ لِمُرْتـادٍ وإرْشـادُ
فسوفَ أجعَلُ بُعْـدَ الأرضِ دونَكُـمُ................وإنْ دنَـتْ رَحِـمٌ منكُـمْ ومِيـلادُ
إن النجاةَ إذا مـا كنـتَ ذا بَصَـرٍ....................مِـن أجـةِ الغَـي إبعـادٌ فإبعـادُ
عبدالغفور الخطيب
23-09-2005, 11:17 PM
و البيت لا يبتنى الا وله عمد ...... ولا عماد اذا لم ترس أوتاد
و نحن إذ نعلن إعجابنا بهذا البيت ، وتتراءى لنا أفكار ، كيف نستلهم من هذا البيت المليء بالحكمة ، حكمة نستفيد منها في أيامنا ؟ ..
لا شك أن شاعرنا بدوي الحياة ، لم يكن لينظم تلك القصيدة في دولة مترامية الأطراف ولم يكن لديه مؤسسات المجتمع المدني .. ولم يكن حتى لديه وازع ديني يحضر في أذهان المفكرين عندما يناقشوا وضعا سياسيا ما كما في أيامنا .. بل كان يتكلم عن بيت شعر كناية لسلطة العشيرة أو القبيلة ، أو الحلف العشائري في أحسن الأحوال ..
ولو أردنا إسقاط الحكمة المستنبطة من البيت على واقعنا الحالي ، لدخلنا بإشكالية عدد الأعمدة .. وهل هناك عمود أهم من الأعمدة الأخرى ؟ .. فلو طلبنا من مفكر سياسي ذو خلفية دينية كم عمود تقترح لمواضعة بيت الشعر السابق مع واقعنا ؟ لأجاب بسرعة البرق أن لا عمود سوى عمود الدين ..
ولو طرحنا السؤال على مثقف سياسي يؤمن بعصرية الحياة السياسية ، لأجاب بتردد : ليكن عدد الأعمدة أربع أو خمس أعمدة .. عمود السلطة التشريعية .. وعمود السلطة القضائية وعمود السلطة التنفيذية .. وعمود السلطة الصحافية ، ويصمت قليلا ليضيف لنضع عمودا للسلطة الدينية .. وقد قالها للمصالحة مع منتقدي مثل هذا الطرح الذي يصفه البعض بالعلمانية ..
وهنا تطرح أسئلة .. و أين دور النقابات .. و أين دور الأحزاب ؟ و أين دور الأقليات القومية أو القوميات ، و أين دور الأقاليم ؟ .. هل نعتبرها أوتاد تمسك انتصاب الأعمدة .. ليكن ذلك ..
لكن كيف البدء بإجراء أي اقتراح ؟ .. هل نفيق باكرا .. وكل منا قد استلم ورقة كتب عليها ما هو مطلوب ؟ ليبدأ بالسير في حياته وفق منهج منظم .. يعبر عن الإرادة الجماعية ؟ الجواب بالتأكيد : لا يمكن حدوث ذلك بصدفة محضة ..
لنقترح مصطلح نطلق عليه الإرادة الراهنة .. يصف حالة التغيرات السياسية ، حيث لا يعقل أن تبدأ دولة ما حياتها السياسية بعد أي تغيير منذ أن بدأت الإنسانية حياتها السياسية .. بل تصطنع وضعا يتلاءم مع قدرتها كقوة مغيرة ومسيطرة في ظرف راهن ، ومع ما وجدته من أجهزة من صنع من سبقها .. حيث تتدرج بتنقية أو تدريب تلك الأجهزة على القبول بالتغيير ..
إن الإرادة الراهنة عادة هي من يقترح عدد الأعمدة وشكلها ، وأي تلك الأعمدة هو الأهم وهو الأساس .. وعلى أمل أن يكون هذا العمود صالحا ، أو منخورا آيلا للسقوط ..
عبدالغفور الخطيب
23-09-2005, 11:20 PM
لنفترض أن الإرادة الراهنة .. أسقطت حكما .. أو ورثت حكما .. و اقترحت أن يكون عمود البيت الوحيد هو عمود الدين .. فكيف ستقيمه ؟ وعلى أي أساس؟ و على أي مذهب و طائفة ؟ حتما سيكون مذهب الفئة أو القوة صاحبة الإرادة الراهنة ..
هنا ستستعدي أبناء الطوائف الأخرى ، أو الأديان الأخرى .. وسيقول قائل ، وليكن كم سيشكلون هؤلاء من نسبة ، انهم لا يشكلون عشرة بالمائة من المجتمع ، هل علينا أن نغضب تسعين بالمائة من أجل عشرة بالمائة ؟
ان من يتكلمون هكذا .. يتهيأ لهم أن عصرا ما في زمن ما كان الحكم فيه يمثل ال تسعين بالمائة .. انه لم يكن يمثل سوى الفئة ذات الإرادة الراهنة .. ولم تكن تلك الظاهرة بائنة فقط أيام الخلفاء الراشدين .. وان كان هناك من يعتبر أن تلك المسألة خلافية ، أي بها خلاف .. ويرد توفيق من حكموا فيها، الى قربهم من عهد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم .. فكان الرأي السائد هو رأي الصحابة الذين لا زالت نقاوة إيمانهم تطغى على كل نزعة ..
أما فيما بعد فقد كانت طبيعة الحكم هي أقرب للنظام الملكي ، الذي لم ينزل به نص قرآني ، أو حتى حديث نبوي .. وقد تم تناوله بحالة من السكوت ، عندما كان هناك توافق بين رأي الفئة الحاكمة ذات الإرادة الراهنة ، وما يصبو اليه عموم المسلمين ..أما في حالة الخلاف فقد كانت الإرادة الراهنة تستنهض إرادات راهنة أخرى تتصارع معها أو مع شخوصها .. حتى يحسم الصراع لفئة.
وما كان من معارك الجمل وصفين .. وخلاف آل البيت مع الأمويين . وما حدث من صراع بين آل عباس والأمويين . وتصفية المأمون لأخيه الأمين .. ومن قبله حرب المنصور مع عمه عيسى ابن عبد الله .. ان كل ذلك يؤكد مسألة الإرادة الراهنة .. دون الخوض بمن كان معه الحق ومن كان يفتقده .. فالأساس بالحديث هو استخلاص العبر .. لا أن نوغر صدور أبناء الأمة على ماضيهم لينقطعوا عنه .. أو في أسوأ الأحوال أن لا ينتموا اليه ..
لو انتبه العرب والمسلمون لما ورد على لسان أبي بكر الصديق ، عندما زكاه عمر بن الخطاب رضي الله عنهما .. فقد خطب بالمسلمين قائلا : ( بما معناه لم يحضرني حرفية النص ) .. { ان صاحبكم قد مات وانه كان معصوم بوحي ومدعوم بمليك .. أما أنا فمعربد بشياطين مثلكم .. أعينوني أعانكم الله }
وكان قد تلا { وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين }..
ان تلك الإشارة من الصديق رضوان الله عليه ، كانت دعوة واضحة للبحث عن أسلوب يضمن وحدة المسلمين و جعل الشورى منهجا قابل للتطبيق ..
ولا زال المسلمون لوقتنا الراهن لم يحسموا مسألة التوفيق بين الحفاظ على دينهم و إرضاء رب العالمين من جهة .. والنهوض بمصالح الأمة بما يحفظ لهم أسباب رزقهم وكرامتهم ..
عبدالغفور الخطيب
23-09-2005, 11:21 PM
هل يستطيع أي حكم تجاوز الدين ؟
حتى قبل الاسلام ، لم يكن الحاكم بعيدا عن الدين .. و حتى قبل وجود الأديان السماوية المعروفة .. فعند الفراعنة كما عند سكان وادي الرافدين كان الحاكم أحيانا يمثل دور مندوب الآلهة وأحيانا ينسب لنفسه أنه ابنها أو حتى هو الآلهة .. وقد كان هذا الدور له وظيفة سياسية تساعد على فرض النظام .. وتعطي للحاكم صفة العدل وعظمة المسؤولية التي تناط به .. وتلزم الآخرين بوجوب طاعته و فداحة خطأ من يعارضه ..
وقد استمر هذا الوضع الى عهدنا الراهن .. فتجد أن الخطاب السياسي مخلوطا بالديني ليضفي عليه مسحة استثنائية .. بل أحيانا تجد مفكرين وفلاسفة وشيوخ دين ينذروا أنفسهم لربط حاكم ما بصلة بالنبي صلى الله عليه وسلم .. لتكتمل مقومات كاريزمية الشخصية الحاكمة .. وتجد في أمكنة أخرى ، تيارات دينية تأخذ شكل الطريقة أو المذهب لتعطي للحكم قوة مدعومة دينيا ..
من هنا ندرك نحن .. مدى عبثية التفكير بمعاداة الدين من قبل الحكام .. هذا اذا ما تماهوا وتزلفوا لشيوخه .. فلا يمكن لأحد أن يتصور أنه يصدر قرارا بإلغاء الحج أو الصوم .. لماذا لأن الحكم الذي نحت شرعيته من خلال قطع إقطاعيات سياسية واقتصادية لمن يعينوه في إدارة الدولة .. و نافق للشعب الذي يمتلئ فضائه الذهني بأجواء دينية تتدخل في نظام الأخلاق وتتدخل في المعاملات وتمارس العبادات بها بانتظام ، كم تشاهد مظاهر الدين واضحة في المآتم والأفراح ... فلا أظن أن حكما يمكن أن يضع نفسه وجها لوجه أمام الدين الذي يحمله العباد ويلتزمون به ..
حتى لو كان الحكم ملحدا أو على دين مضاد للشعب .. فلم تستطع ثلاثة أرباع قرن من الحكم الشيوعي أن تنسي شعب الشيشان أن يخرج منهم مجاهدون ، كما لم تستطع مدة قريبة منها أن تنسي الشعب الفلسطيني أن يظهر منه منظمات جهادية ك حماس والجهاد الاسلامي .. بل كل ما كان الحكم معاديا للدين كلما تولدت منظمات تلتزم الدين بصورة أكبر ..
عبدالغفور الخطيب
23-09-2005, 11:24 PM
هل يتم انتاج نسخ محسنة من الإرادة الراهنة ؟
يعتبر التغيير بالحكم حدثا حادا ، يترك انطباعات و آثارا بليغة ، على مستوى نخب الفكر والسياسة . ويبقي ذاكرة أليمة على الصعيد الجماهيري . فتغيير الحكم قد يقتل أناسا كان لهم أثر على أصعدة مختلفة .. فعندما يختفوا تختفي معهم أنماطا من رجال الحكم ومن يحيطون بهم من مستفيدين ، و يختفي معهم أدباء أو وعاظ كانوا يحسبوا على العهد الفائت ..
وسيبرز أناس ، تعارضوا وتضادوا مع العهد الفائت .. ان هذا التغيير ، كان في الماضي يصل تأثيره الى قارة أخرى ، كما حدث في هجرة قسم من الأمويين الى الأندلس .. ولا يزال التغيير يحدث دويا ، ويترك آثارا بليغة في الخريطة الجغرافية والسياسية ..
لكن ، هل تعاد نسخ من الإرادة الراهنة بعد كل تغيير ؟ .. أم يجري تحسين على المولود الجديد ؟ .. كثير من المثقفين والمراقبين يعتقدون أنها نسخ متشابهة ..
الحقيقة التاريخية أثبتت أن النخب الجديدة استفادت من العبر المستخلصة من الدروس التي تمت لمن سبقها .. فعندما كان الخلاف بين أتباع الحسين بن علي من جهة والأمويين من جهة أخرى .. جاء العباسيون ليتصالحوا في البداية مع آل البيت ، ليتجنبوا خطورة الصراع .. فازدهر عصر المنصور والرشيد والمأمون الى أيام المتوكل .. لكي تعاد الكرة بفعل عوامل مختلفة ..
وفي العصر الحديث عندما تعرض القوميين لظلم الشيوعيين في عهد عبد الكريم قاسم ، وما تم تعذيبهم من نساء و رجال في الموصل بعد حركة الشواف ، جاء من قام بالتغيير في 8/2/1963 لينتقموا بالتنكيل بمن عذبوهم في العهد السابق مما عجل بسقوط الحكم العارفي .. ليأتي بعد ذلك عهد تجاوز مسألة الانتقام في البداية .. ليصل لصفحات معقدة من الصراعات الجانبية مع آخرين جدد ..
في مصر .. رغم الالتفاف الذي حصل عربيا حول فكرة التغيير التي حصلت في عام 1952 .. فان نرى في الوقت الحاضر من يسلط الأضواء على جوانب كانت غير مرئية في وقتها .. فتم نبشها و بثها على القنوات الفضائية ، لأغراض آخرها هو طرح الحقيقة ! .. إنما خلاصة ما سنقوله في هذا الشأن أن الحاضنة التي تحمل قوى الإرادة الراهنة المقبلة في أي بقعة من بقاع الوطن العربي تراقب بعين فاحصة .. مستفيدة من الثورة التقنية في الحصول على المعلومات .. وإنها بالتأكيد ستتجاوز أو تجتهد بتجاوز الأخطاء التي تجعلها في مواجهة قوى أخرى لها وجهات نظر تختلف عنها ..
عبدالغفور الخطيب
23-09-2005, 11:26 PM
بين التعصب الديني والتعصب العشائري والتعصب الحزبي :
لم ينصف أي مخلوق الناس ، رغم حث رب العالمين على ذلك ، فقصة نبي الله ابراهيم عليه السلام .. مع الشيخ الطاعن بالسن ، الذي صادفه وهو يهم بتناول طعاما كان يحتفظ به بصرة .. فطلب الشيخ منه أن يتناول بعض الطعام حيث أنه لم يذقه منذ ثلاثة أيام وهو يسير على قدميه .. فوافق نبي الله ابراهيم عليه السلام بمشاركة الشيخ ، طالبا منه أن يسمي باسم الله .. فرفض الشيخ ذلك مستنكرا ذلك الطلب .. فزجره نبي الله ومنعه من الأكل .. فانصرف الشيخ مخذولا .. فنزل الوحي مبلغا عتاب الله لنبيه .. قائلا : لقد صبرت أنا عليه أكثر من ثمانين عاما .. ألم تستطع أنت أن تصبر عليه دقائق ؟ .. فركض نبي الله وراء الشيخ معتذرا منه .. فسأله الشيخ عن سبب الاعتذار ، فبلغه ، فما كان من الشيخ الا ان قال آمنت برب ابراهيم وسمى باسم الله و أكل ..
أما نحن فان كنا علماء دين أو علماء فكر أو شيوخ عشائر ، فلا نكف عن الغمز بجانب من ليس معنا ! حتى وان كان يمشي على الطريق الذي نمشي عليه .. فكثير من التيارات السياسية التي تعتمد المنهج الديني في أداءها .. لا تكتفي بالمساس بأصحاب الفكر من التيارات التي لا تعتمد الدين كأساس لطريقها السياسي ، بل تتعداه الى تيارات تتشابه معها باعتماد الدين كمنهج .. فمن خلال الاطلاع على تجارب خمسة أحزاب أو جماعات اسلامية .. يظهر للعيان ان كل من تلك الأحزاب له ملاحظات تصل لحد العداء مع الأربعة الأخرى ..
ومن بين تلك الأحزاب ، حزب ينادي بعودة الخلافة منذ أكثر من نصف قرن ، يتسم أعضاءه بالثقافة العالية والقدرة على المحاججة .. ومن يستقرئ تاريخ هذا الحزب ، لن يجد أنه قدم شهيدا واحدا طيلة حياته .. رغم سعة سوح الجهاد في بلاد المسلمين ..
ان تلك الأحزاب التي تتمسح بالحرص على تطبيق الدين .. قد أضافت جوا الى حركات التحرر .. من المناكفة السجالية مما عطل ويعطل من تقدم الحركة الجماهيرية التي تنشد التغيير .. فقد أضيف لتراث الأحزاب والحركات السياسية فلم يعد أحد يتميز عن الأخر في الطعن بجهد الآخرين ..
ان من يتأمل تلك الظاهرة ، لا يكاد يميز بينها وبين الخلافات القبلية التي كانت سائدة قبل الاسلام ! وما زالت في كثير من بقاع الوطن العربي الكبير .. وصدق الله العظيم اذ قال : { يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِين } الحجرات آية 17 ..َ
عبدالغفور الخطيب
23-09-2005, 11:28 PM
عندما تتسع جهة الهدف تتباطأ الخطى :
في أرياف بعض البلاد العربية ، تقوم النسوة بصناعة أطباق من قش القمح ، من خلال حبكه مع بعض باستخدام ألوان زاهية ، وعندما يكتمل الطبق الدائري ، تظهر لوحة جميلة كانت تعلق لتزيين جدران الغرف ، أو تستعمل كأحد الأواني المنزلية .. لم تكن المرأة التي تقوم بتلك المهمة على دراية كبيرة بالتقنيات الحديثة أو نظرياتها ..
كل ما هناك أن تضع في مخيلتها شكل الرسمة بعد نهايتها ، ثم تقوم بصبغ القش ، وتحضيره ، ومن ثم تقوم بعمل عقدة متينة متقنة ، يتوقف على متانتها مستقبل عملها .. كان يطلق على تلك العقدة اسم ( بدوة ) أي منها سنبدأ ..
ان أي مشروع سياسي ، أو اقتصادي ، أو قصصي الخ ، يحتاج لقدر من الخيال ويحتاج الى ( بدوة ) متينة .. لن يكون الخيال الذي يفقد متانة البدوة ، محكوم عليه بالنجاح .. فتحديد جهة سفرك أو زيارتك ، يحتم عليك تحضير لتلك الزيارة ، فان كانت زيارتك لمريض ، تستوجب أخذ نسخة من القرآن الكريم أو باقة زهور لتلك الزيارة .. وهي تختلف عندما تذهب لمنطقة صخرية لاقتلاع بعض الأحجار .. فستصحب معك عدة من نخل وفأس .. لا باقة زهور ..
ان من سيقوم باعلان خطاب سياسي ، ووسيلة التغيير فيه من الناس ، المسلمين الذين يعدون أكثر من مليار مسلم ، عليه أن يتدرب أن يكون مقبولا في أوساط أسرته ومن ثم حيه ومن ثم قريته أو مدينته ومن ثم قطره وهكذا ..
فلا يعقل أن تقوم مجموعة ما ، مغمورة وتعتقد أنها مشهورة .. بدعوة في السودان مثلا .. وتنهال عليها الوفود من السنغال وسوريا و إندونيسيا ..لتكون أتباعا مطيعة ومنفذة لما تطلب تلك الجماعة .. فكل قطر به من الجماعات المشابهة ما يكفيه ..
من هنا نقول ، اننا عندما ندعو للتحرك داخل الوسط القومي ، لم نسفه الدعوة للدعوة الاسلامية ، كما اننا لم نستسهل الدعوة القومية نفسها ، لكننا نذكر بأهمية التدرج بتعريف الأشخاص والمجموعات والتدرب على الحياة العامة ..و اننا لم نذكر ذلك ، الا لكون تلك المسألة أسهل للرسم ( كلوحة الطبق في المثال السابق )
ولنفرض جدلا أننا حققنا وحدة إسلامية ، قوامها سكان الكرة الأرضية ال 6 مليار نسمة .. الا نحتاج أسس تعتمد المنطقة واللغة و الجغرافيا لتسهيل إدارة تلك الدولة العملاقة .. ولنا بالتاريخ أمثال كثيرة .. فعندما أوكل الخليفة العباسي ولاية أفريقيا ( تونس الآن ) ل ابراهيم ابن الأغلب .. اقتطع تلك الولاية وحصرها بالوراثة لأبناء ابراهيم الأغلب الذي امتد حكمهم 99 سنة .. كما ان إنشاء الدولة الصفارية واليعفرية كان إجراء ، ابتدعته الإرادة الراهنة ( الحكم ) في وقتها ..
اننا نخشى أن نستفز أخوة لنا في الطرح داخل منتدى ، قد يكون من يقرأ هذا الموضوع عشرة او عشرون شخصا .. فكيف نضمن أن يتفق مليار على فكرة؟
عبدالغفور الخطيب
23-09-2005, 11:30 PM
ما رأيكم لو نبحث موضوع الصلح ؟
قد يتساءل قارئ مشبع بالأحكام المسبقة التي لا يتزحزح عنها قيد أنملة ، نتصالح مع من ؟ فان كان من أعنيه قوميا سيستحضر ما قدر ان يستحضره ضد من أن يعتقد أنهم أعداءه و أعداء أمته و أعداء تقدمها ، سواء كان من يطلب مصالحته ليبراليا أو ماركسيا أو إسلاميا . وكذلك ممكن أن يعترض أي مثقف من أي طيف من الأطياف التي اعترض عليها القومي ، على كل الأطياف ..
حسنا لنقترح هدنة ، ممكن من خلالها أن نكتشف أن نقاط التقاء كل تلك الأطياف أكثر من نقاط اختلافها .. فلا أظن أن هناك طيف يدعو الى تفشي البطالة وبيع الوطن ، و إشاعة الرشوة والفساد .. ولا أظن أن هناك طيف من كل الأطياف يدعو لمنع الصلاة أو الحج أو الزكاة .. ولن يستطيع للأسباب التي ذكرناها .. و لا أظن أن هناك طيف يدعو لاحتكار السلطة بعدما اطلع على أسرار تخلف الأمة ..
و أظن أن الأخطار الطبيعية كالزلازل و البراكين والعواصف توحد الوحوش وطرائدها باتخاذ الحيطة والحذر .. ألم يتعظ العرب من هذا المثل .. أو ألم ينتبهوا كيف توحدت أطياف الهند و جنوب إفريقيا .. في التخلص من أخطارها الخارجية و أخذت تصعد شيئا فشيئا بتطوير تجربتها ، حتى تعايشت أعراق وديانات أكثر مما لدينا عشرات بل مئات المرات ؟
كل ما هو مطلوب من أي طيف ، أن يتنازل ويستمع لغيره .. ويناقشه بهدوء ، ويتغاضى مرحليا في بحث نقاط الاختلاف ، ويركز على نقاط اللقاء .. فان الطريق طويل .. وان رفقة الدرب والطريق تجعل الناس لطفاء فيما بينهم وتنصهر آلامهم و أحلامهم ببعض .. حتى لا يعودوا يفكروا إطلاقا بمعاداة بعضهم البعض .. وعندها سيقترحون عدد الأعمدة التي ترفع بيتهم ويقترحون معها الأوتاد ...
عبدالغفور الخطيب
23-09-2005, 11:32 PM
عتاب بسيط يتبعه ود عميق واستعداد للعمل :
ها قد جلس الفرقاء ، وبدءوا جلستهم بعتاب بسيط ، يلوم أحدهم الآخر على تصريح له في مكان ما أو في صحيفة ما ، ويؤكد الآخر أنه لا بد من الالتزام بالثوابت ، فلا يمكن أن يكون كذا وكذا ، ويهز الآخرون رؤوسهم متساهلين ، لأنهم أدركوا أنه لا مناص من جلوسهم وعرض ما لديهم أمام بعضهم البعض ، فالتلكؤ في عدم حسم خلافات الأطياف لن يكون في خدمة أحد سوى أعداء الأمة
و يبدي كل طرف بتكريم غيره في أن يقوده ، دون التمسك بأي معارضة سابقة لتلك الأطياف التي تتفق على محور ثابت واحد وهو درء أخطار أعداء الأمة عنها ، ومن ثم سيناقشون أثناء مسيرتهم في درء العدوان عن الأمة كيفية تأسيس صيغ الحكم المستقبلي بما يراعي وجهات نظر الجميع وفق ثوابت يتم الاتفاق عليها .
وبعد أن فرغوا من تقديم طيف عليهم في مسؤولية القيادة .. تفاجئوا بمجموعة من العوائق التي لم تكن تبرز في المراحل السابقة مثل :
1ـ من أين نبدأ ، هل نبدأ من قطر عربي معين ، أم ندعو لمؤتمر يضم مندوبين عن الأقطار العربية .. أم أننا نبدأ إسلاميا ، وندعو ممثلين عن كل الأقطار الاسلامية ، أو حتى لو لم تكن أقطارهم أو دولهم إسلامية !
2ـ ما هو اسلوب التغيير الذي نعتمده ، هل هو اسلوب المعارضة أو المقاومة المسلحة ، أو النضال البرلماني .. واستخدام كل وسائل النضال المدني من التوعية الى العصيان المدني .؟
3ـ ماذا سيتم تسمية هذه المجموعة ، حركة ، حزب ، جبهة ، مؤتمر ؟
4 ـ أين سيكون مقر الانطلاقة الأولى ، في قطر ما ؟ في دولة عربية ، أم اسلامية ، أم في المهجر ؟
5 ـ هل تبدأ الدعوة سرية .. أم تظهر للعلن ؟
6 ـ كيف ستكون ردة الفعل الحكومية العربية والاسلامية والعالمية وما هي الاحتياطات لضمان ديمومة هذا التحرك ؟
عبدالغفور الخطيب
23-09-2005, 11:35 PM
تعليق يحتاج الوقوف قليلا :
اطلع أحد أصدقائي على ما أكتب في هذا المجال .. ووصل الى ما وصلت اليه في موضوع المصالحة . فما كان منه الا ان ابتسم وتطلع نحوي ، ولم يقل شيئا ، لكن استنتجت من ابتسامته الماكرة أنه قد اتهمني بأني في طريقي لأصبح طوباويا ( حالما) .. فبادلته الابتسامة .. متسائلا عن عدم تأييده لما قرأ ..
لقد دخل في موضوع ، لم أكن قد وضعته بالحسبان ، و أنا أحاول أن أنتهج أسلوبا مبسطا ، لطرح مادة للتفكير أمام القراء .. لقد فاجأني بعامل ، نحس به دون أن نراه واضحا ، بل نرى آثاره ماثلة عند قطاعات واسعة من أبناء الأمة .
استهل حديثه بإضافة عامل من عوامل الوحدة العربية .. وأنهاه بلكن .. لقد قال هل تعلم أنني أؤمن بأن الصحراء هي أحد عوامل الوحدة العربية ، أو على الأقل أحد عوامل القومية العربية .. لم ينتظر مني تساؤلا .. بل أضاف : لا تكاد مدينة عربية أن تبعد عن الصحراء أكثر من مائة كيلومتر .. وهذا مما جعل أثر الصحراء ماثلا على كل أبناء الأمة .. وعليه فإن مشروع المصالحة ، سيكون صعبا ان لم أجزم بأنه مستحيل ..
فيضيف ، ان الثنائيات المتضادة ، تؤثر تأثيرا هائلا على رؤى العرب ، فأثر قلة الماء جعل الصراع عليه شبه أزلي .. فقد كانت معظم صراعات العرب و هجراتهم قبل الاسلام نابع من الماء كمصدر للحياة ومصدر للصراع عند العرب .
فالعطش الشديد أوجد للماء طعم مختلف عما هو عليه عند أبناء الراين والدانوب ، فالتوجس من مشاركة الآخرين في ماء قليل ، جعلت العرب يهاجرون مسافات طويلة ، ولكن مع ذلك كانت الصحراء تمثل لهم مرجعا ووحيا لا يبتعدون عنه ، كما هي المركبة الفضائية تعتبر مرجعا لرواد الفضاء بابتعادهم عن الأرض .
لقد نفذ صبري .. فقلت له .. وما علاقة ما تقول بما أقترح في موضوع المصالحة ؟
عاد وابتسم ، و أخذ نفسا عميقا ثم قال : ان العلاقة وطيدة وواضحة .. شخصيتنا العربية مجبولة على الثنائية .. لقد أثر بها الاسلام لقرن أو اثنين أو ثلاثة في تهذيبها .. ثم عادت تلك الثنائية ، وما زالت ماثلة حتى اليوم ..
لن يقبل أحدنا بالآخر .. بل ينبذه ويتضاد معه .. فمن ليس معنا هو ضدنا .. لم يكتشف تلك المقولة بوش .. بل أجدادنا الذين خسروا خراسان و الأندلس وغيرها من البقاع ولا يزالوا يخسرون ..بفعل اختراعهم ثنائيات ( عدنان ـ قحطان ) .. واليوم أحفادهم يتفننون باختراع تلك الثنائيات ..
انظر : وطني عميل .. مسلم ملحد .. تقدمي رجعي .. يساري يميني .. متنور جاهل .. يصفن متأسيا .. ثم يسأل : هل تعتقد أن بلدا تنتج بمائة مليار دولار ، من النفط سيكون حاكمها عميلا ؟ ولمن ؟ .. هل تعتقد أن أحد يصلي ويصوم ويخرج زكاته ويحج البيت وطبعا هو يشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله .. ان هذا الشخص اذا حاول ترشيد أو التفكير بالدور العملي للدين : تقوم عليه قيامة بعض المدعين بالحرص على الأمة بأنه خارج الملة وعلماني ، وملحد وكأنهم وكلاء الله في الأرض .. ان تلك الثنائيات يا عزيزي تحتاج مزيدا من الوقت والتمهيد لها حتى يستطيع هؤلاء أن يبدءوا حوارا مع بعض ..
عبدالغفور الخطيب
23-09-2005, 11:37 PM
الشعارات التي رفعت خلال القرن الماضي :
بعد أن ظهرت شعارات مثل المستبد العادل لمحمد عبده ، و شعار لا يصلح أمر هذه الأمة الا كما صلح أمر أولها لجمال الدين الإفغاني ، وشعار لا يصلح أمر هذه الأمة الا بما صلح أمر أعداءها ل بطرس البستاني وسلامة موسى .. تطورت شعارات الأمة السياسية دون أن يدرك واضعوها أنها كانت تشكل عوائق إضافية أمام ركض الأمة نحو مصيرها ..
فمنهم من استعار شعارات لم تستولد في بيئتنا ( يا عمال العالم اتحدوا) ومنهم من وضع شعارات وحدة وحرية واشتراكية ، ثم أتبعها بمعاداة الصهيونية و الإمبريالية والرجعية .. ومنهم من وضع شعار ( الإسلام هو الحل ) ..
كان من أهم دراسة الشعارات التي أفرزت في العالم .. تلك النصيحة التي تقول أنه ( لا ترفع شعارا أكبر من إمكانياتك ) .. فانك إن فعلت ذلك .. فانك ستستعدي من هم أقوى منك ، فيعيقون نموك .. كمن تنذره أمه للأخذ بثأر أبيه تشرح عن نواياه وهو لم يبدأ السير فسيكون عرضة لقتل أعداءه له قبل تمكنه منهم ..
لن نناقش لا أصحاب الشعارات الإسلامية ولا الشيوعية ولا الليبرالية .. فان نصيبهم من الحكم لا يكاد يذكر أمام تجربة القوميين .. لذا سنناقش شعاراتهم لا من باب التشفي ولا من باب التمهيد لغيرهم ، بل من باب التحذير من الوقوع بأخطائهم .. فحتى الأخطاء تصبح إرثا للشعوب ، وعلى الشعوب تحمل وزرها حتى لو كانت تقف ضدها .. فلم يشفع للروس أن قيصرهم الأحمق قد باع الاسكا بأربعة ملايين دولار للأمريكان !!
كانت شعارات القوميين ذات طبيعة وجدانية ، تعتمد ملئ الصدور بالكبرياء القومية ، دون أدنى درجة من درجات التحضير والتهيئة السياسية ، فقد كانوا سببا في تهريب أموال الأمة للخارج ، لعدم إحساس البرجوازيين الوطنيين بأمان تجاه تلك الفئة التي كانت تلتهم الحكم من قطر عربي الى آخر .. فقد جاء وقت في أواسط الستينات أن كان 80% من الشعب العربي تحت حكومات من هذا النوع ( حكومات الشعارات القومية ) (مصر العراق الجزائر اليمن سوريا السودان ) ..
ولو تمعنت بسير تلك الحكومات لاكتشفت أنها أكثر الحكومات بالانكفاء القطري وأكثرها بملاحقة خصومها وإلغاء الآخر .. ما الفائدة اذن من إدعائهم القومية ؟
كما أن وصف شرائح عريضة من القوى الأرستقراطية العربية ، قد تنبهت لخطورة المد القومي ، فبادرت للإحتماء بالأجنبي وربطت مصيرها به ..
لقد حدث أن نبه الشيوعي الضرير ( باكونين ) ، أن نبه ( لينين ) لعدم استعداء البرجوازية الوطنية ، و نصحه بعمل مقتربات معها من أجل الإستفادة من امكانياتها المالية والتقنية .. وكانت النتيجة أن أمر لينين بإعدام رفيقه باكونين من أجل هذره المنحرف .. ولو تم بعثهما الآن لطأطأ لينين رأسه معتذرا لرفيقه باكونين ، وقال له انك على حق !
ونحن اليوم عندما نرى ان أكثر من 2.3 تريليون من الدولارات تودع في البنوك الأجنبية .. و أن فوائد القروض هناك تصل في بعض الأحيان لنسبة قريبة من الصفر ، في حين تصل في بلادنا الى 17% .. معتمدين على خجل المقترض و خوفه من الفضيحة الدينية و الاقتصادية .. حتى بات أكثر من تلثي العرب قريبين من خط الفقر .. وانه في اعتقادي أن وراء ذلك ، هي الزمر الضعيفة التي حكمت مدعية القومية ، قد أساءت للقومية و أبناءها من خلال شعارات وضعها أناس يفتقرون لخيال اقتصادي و سياسي يؤهلهم الى أن يمضوا الى نهاية المشوار ..
عبدالغفور الخطيب
23-09-2005, 11:39 PM
أزمة قيادات وليس أزمة شعوب أو أفكار :
لا كلام يعلو على كلام الله .. ولا سنة تصل الى مرتبة سنة رسول الله .. وأي فكر يوضع سواء كان المطلوب من وراءه النصح أو الترشيد لخطى نحو هدف .. فان ذلك الفكر لا يعدو كونه كلاما مقروءا أو مسموعا ، لا قيمة له ان لم يتحول لإجراء ..
يستطيع كل أبناء الأمة معرفة الحق من الباطل ، بقدر ما أشبعت أجوائهم وفضاءهم الذهني بالقول و إعادة القول و شرح القول و تأويل القول .. وان كانت تخونهم القدرة على التعبير ، فليس يعني أنهم جهلة .. فالتعبير والكتابة والكلام هي ملكات تنمو من كثرة تدريبها وتمرينها ..
لكن ليس كل من يتكلم مؤهل لجذب الناس حوله ، وعليه أن لا يتوقع أن يقدموه عليهم ليصبح قائدا لهم ..فالقيادات لها شروطها ، ولها مناهج تكوينها ، وليس رغبة فقط من الشخص في عينة من الوقت لكي يصبح قائدا ، فإنه سيتحول الى قائد بمجرد أنه أراد ذلك ..
ان القيادة تعني فيما تعنيه ، صواب رأي القائد فيمن يقود .. وفي الحديث ( ان كنتم ثلاثة فأمروا واحدا عليكم ) .. ان من يقود اثنين ، عليه معرفة مواطن القوة والضعف لديهم .. و يكلفهم بواجبات يكون هو على رأسها ، ويكون متأكدا من أنهما سيقدران عليها .. وان لا ينتقل من مهمة الى أخرى الا بعد حشد ما يلزم من مستلزمات للمضي بها قدما .. والحشد هنا يشمل التوعية و تهيئة الوازع للتحرك ، ثم التدرب على أسوأ ما سيلاقي القائد و مجموعته من مصاعب ..
واذا أراد أن يصبح قائدا على مجموعة أكبر ، فعلى أفراد مجموعته الأولى التبشير بإمكانيات قائدهم و قدراته ، ليكسبوا اليه أنصارا ، يكونون قادة فرعيين في المستقبل ..
فمن يريد أن يطرح نفسه لقيادة مدينة ، أو محافظة ، أو قطر أو أمة ، عليه أن يكون قد بدأ في قيادة الأثنين ثم تدرب على أسرة الصف المدرسي ، ثم اتحاد الطلبة والنقابة والنادي والبلدية وغيرها ، بما يجعل الناس يتذكرون تاريخه ، ويقيمونه من خلال حسن أداءه و سلوكه في تلك الدرجات الدنيا ، لكي يقبلوا به كقائد متقدم !
ان تمثل السلوك بالمبادئ ، وتشرب الذي يطمح أن يصبح قائدا بها .. فلا يعقل أن تدعو للوحدة العربية والاسلامية ، وجيرانك يشكون منك ، وانت تثير الفتن العشائرية والطائفية .. وانت تتخاصم و أخوانك على تركة !
ولا يعقل أن تنادي بالحرية .. وانت لا تحسن الاستماع لمن تحاور ! ولا يعقل أن تنادي بالاشتراكية أو المساواة بالرزق ، و أنت تنسب بحث أحد العاملين معك لإسمك ، و تغض النظر عن المرتشين .. أو تبارك لمرتشي في منصب حكومي أو تتوسط لديه ... ان الناس تراقب .. وقبلهم يراقبك الله ..
عبدالغفور الخطيب
23-09-2005, 11:42 PM
ليس هناك مشكلة في تقديم من يريد على الآخرين :
اذا توفرت النوايا بالتحرك نحو تغيير حال الأمة فلا أظن أن العاقلين سيجدون مشكلة ما في تقديم أي كان عليهم ليقودهم لعبور جسر التغيير .. هذا اذا تساوت فيما بين حلفاء التغيير الرغبة على التغيير ، وقبول من يشاركهم في تلك العملية ، أما فيما لو كانت الرغبة بالتفرد بالتغيير للإستحواذ على السلطة ، بعد نيلها ، فليبشر من أراد التفرد بتكرار أزمات الأمة الى مالا نهاية ..
و قد أكون متفائلا ، فيما لو قلت أن معظم الأطياف الحالمة بالتغيير قد دربت أنفسها على التعاون مع آخرين ، حتى لو كان التطابق بين تلك الأطياف غير كامل .. وان كان الأمر كذلك .. فان مسألة تقديم أي طيف لقيادة الآخرين لن تكون أكثر من مشكلة فنية بحتة وذلك للأسباب التالية :
1 ـ ان حسم شكل التغيير والإتفاق عليه ، بات يشكل تراثا نضاليا مشتركا لكل الأطياف حيث معرفة الواقع الراهن تحتم التسليم بما يلي :
أ ـ ان الحكومات العربية الراهنة ، هي غير تلك الحكومات التي كانت في أواسط القرن الماضي ، الذي كانت تتم فيه الانقلابات العسكرية بجهد تكتيكي متواضع ، لا يتطلب سوى مجموعة من الضباط الشجعان .. وكتابة بيان رقم 1
ب ـ لقد احترفت الحكومات العربية ، أساليب التعامل مع الانقلابات العسكرية ، حتى أصبح من غير الممكن نجاحه دون تخطيط خارجي .. وذلك كون تلك الحكومات أو معظمها هي نتاج لتلك الانقلابات ..
ج ـ لقد تكونت حول الحكومات العربية ، هالات من المستفيدين منها سياسيا واقتصاديا ، بالاضافة لطبقات الموظفين الهائلة التي لا تود المغامرة بوضعها الحرج أصلا للتزاحم على غنائم غير واضح أنها سهلة المنال ..
د ـ لقد كانت معظم مكونات الشعب في أواسط القرن الماضي ، بعيدة عن الدولة حيث الطبيعة الاقتصادية الخاصة لمعاش المواطنين هي السائدة .. فكان هذا العزل للشعب ، أحد العوامل التي تساعد في انفراد المتصارعين على السلطة ، الذي كان ينتج عنه انقلابا ما ..
هـ ـ لقد تكونت لدى الحكومات العربية سجلات متواصلة قد يصل عمرها في بعض الدول الى حوالي تسعون عاما .. في حين الذاكرة لدى المعارضة ، والتي ممكن أن توظف في دحر من في الحكم ، لا تتعدى سنوات قليلة بفعل تبديل المواقف السياسية الدائم لدى قياداتها التنفيذية ..
2 ـ من هنا فإن التقدم نحو التغيير ، لا بد من أن يكون سلميا ، شعبيا يوظف طاقات المجتمع المدني كاملة المتمثلة ب :
أ ـ النشاط الانتخابي على صعد البرلمان والنقابات و الأندية و الجمعيات والبلديات و غيرها من الروابط و المنظمات التي تعني بتمثيل شريحة من الرأي العام ..
ب ـ التنسيق في المواقف الإعلامية و الأدبية و المسرحية .. لتبسيط خطاب التغيير ليصل الى كل المواطنين ، من أجل استثمار مواقفهم في الضخ داخل الفضاء الذهني الذي يسود المجتمع الكلياني ، حتى يضغط باتجاه المجتمع السياسي ( الدولة ) ، لتبدأ التعامل مع ظروف التغيير بجدية ..
3 ـ توقف الأطياف السياسية ( المحسوبة على المعارضة) من دفع خلافاتها فيما بينها الى السطح .. و توظيف نشاطها للحوار فيما بينها من أجل صياغة برنامج سياسي ، بسيط اللغة ، واضح المعالم ، يوزع الأدوار بين قوى الشعب ، ويؤشر على الثوابت التي لا يفترض تخطيها من قبل كل طيف ..
4 ـ ان صناعة تلك الكراديس وفرق العمل الوطنية .. كفيلة من نقل حركة قوى التغيير من حالة الشرذمة الى حالة التيار المؤثر .. والذي لا يستطيع وزير داخلية أو رئيس دولة من تجاهله ..
عبدالغفور الخطيب
23-09-2005, 11:45 PM
مزايا للسلطات تتفوق بها على المعارضة
كما تبين فان الحكومات العربية ، وان كانت لا تتمتع بوصف محدد .. ولكنها جاءت نتيجة مسارات متشابهة .. طلبة درسوا في الخارج ، أتقنوا لغة الأجنبي وتعاونوا معه في عهد الاستعمار بوظائف أوكلت لهم ، أو بمواقع عسكرية احتلوها في عينة من الوقت .. إضافة الى كونهم أبناء عائلات لها مكانتها الاجتماعية ، التي من خلالها استطاعت ان ترسل أبناءها للخارج ..
خرج الاستعمار ، بمعاهدة ، برضا ، حلت محله تلك النخب ، والتي لم يكن عداءها تجاهه سافرا جدا . كانت تلك النخب أقوى من الشعب للأسباب التالية :
1 ـ تفوق بالمعلومات على مستوى السياسة الدولية ، في حين تفتقر القوى المعارضة الى تلك المعلومات .. و تتسلح بخطاب لإثارة الهمم الطيبة ، ليس الا .
2 ـ تماسك بين النخب الحاكمة منذ يومها الأول ، لتجانس نوعيتها ، وتقاسم الأدوار فيما بينهم عن رضا . بالمقابل ، فان تراص صفوف الشعب حول خطاب معارض لما كان ولا يزال سائدا .. لا يعدو كونه ضجيجا غير فاعل .. وفي أحسن الأحوال ، يصبح حجم قوة المعارضة كحجم عشيرة قوية .. وهي مع ذلك لن تغير نظاما سياسيا ..
3 ـ استحواذ النخب الحاكمة على وسائل الاتصال بالجمهور .. كالإذاعة والتلفاز .. والصحف الموالية للنظام .. و خطباء المساجد و من يطبقوا مناهج التربية والتعليم الخ .. في حين تغلق السبل أمام القوى المعارضة للوصول الى الجمهور .. وتسن القوانين لحماية السلطات وتتذرع بسنها لحماية الأمن الوطني!
4ـ اقتناص أفراد و أحيانا رموزا هامة من بين صفوف المعارضة ، في حين لا تستطيع المعارضة كسب أحد من صفوف السلطة الا فيما ندر ..
5 ـ توظيف إمكانيات الدولة للحفاظ على السلطة .. وتسيير الانتخابات وفق ما تؤول اليه النتائج لصالح السلطات نفسها .. اذ تفتح أمام المرشحين لتمشية طلباتهم في خدمة مصالح الناخبين .. وتغلق أمام المعارضين .. مما يجعل الناخبين يدلون بأصواتهم لشرعنة الأنظمة نفسها ..
في حين معظم من يتحلون بخلق عظيم و ينحازون طبيعيا للشعب ، هم من فقراء الشعب و بؤساءه .. مما يجعلهم عاجزين ضمن المفاهيم الحديثة للانتخابات .. فيفشلون وتذهب فرصهم في التقرب من صنع القرار !
6 ـ ان حالة المواطنين الذين مر عليهم قرنا من الزمان تقلب فيه أشكال من الحكومات التي وان اختلفت أسماء أصحابها ، الا أن وصفا واحدا يجمعهم وهو أنهم كلهم ( زمر فاسدة و غير مؤهلة ) ..
ان تلك الحالة جعلت من الادعاء بأن الجماهير تصطف خلف المعارضة مقولة كاذبة .. كما ان إدعاء السلطات بأن أغلبية الشعب معها هي مقولة كاذبة أيضا.
عبدالغفور الخطيب
23-09-2005, 11:48 PM
رأس الحكم و الهالة المحيطة به .. من يحرس من ؟
لقد تكلمنا عن القوى المسئولة عن تغيير أي نظام حكم ، واقترحنا لها ، مصطلح تسمية و هو ( الإرادة الراهنة ) .. وهي التي تفوض شخصا ما بأن يمارس بعض صلاحيتها و يتكلم باسمها ، وهو فيما بعد يصبح رأس الحكم ..
ان رأس الحكم ، عادة ما يكون أكثر شخص مؤهل في وقت التغيير لتسلم مقاليد الحكم ، و ان كانت الإرادة الراهنة تخطئ في تسمية هذا الرأس ، فانها بالتأكيد ستقع في مأزق قد يكلفها رأس الحكم ، ورؤوسا أخرى معه أقل أهمية منه .. وهذا كان واضحا منذ أيام الحكم الأموي .. وحتى اليوم ..
لكن كيف يختار رأس الحكم أعوانه من الصف الأول و كيف يتعامل معهم ؟ . لا شك أن أحد الخصائص التي جعلت رأس الحكم يحظى بموقعه الجديد ، هو درايته بمراكز القوى الفاعلة في الدولة التي سيرأسها .. سواء كانت عسكرية أو اقتصادية أو دينية .. أو عشائرية واجتماعية ، أو سياسية .. فالأشخاص الذين سيكونون حوله منذ اللحظة الأولى ، كانوا على علم بساعة الصفر من قوى الإرادة الراهنة .. أو أن يكون هؤلاء الأشخاص هم أنفسهم القوى الراهنة .
سيكون على هؤلاء الأشخاص ، مسئولية اختيار من يليهم من صفوف حماية النظام ، ورأسه .. و من هنا تبنى التشكيلات الأولى منذ اللحظة الأولى للتغيير .. و لكن يبقى رأس الحكم ، في وضع غير مطمئن في البداية .. فيسعى الى توطيد قبضته على مقاليد الحكم ، و إثبات قدرته كرأس قوي للحكم ..
ان صياغة العقود بين الشركاء في الحكم الجديد هي أشبه بصيغة تعاقد مهربي المخدرات .. لن يستطيعوا الاحتكام الى القضاء عندما يختلفوا ، لأن عملهم كله خارج القضاء و القانون .. فان أكل أحدهم جزءا من حق الآخر ، على الآخر أن يصمت أو يقتله !
لذا فان الأثمان عادة ما تقبض أولا بأول بين الشركاء في الحكم .. وهي تتمثل بتعيينات رفيعة لكل من الشركاء ليزيد من عزوته و أنصاره ، لضمان ديمومته في هذا النعيم الجديد .. وهؤلاء يرتبون مسألة اقتسام القطاع الاقتصادي فيما بينهم وبشرف ! .. وهذا الشرف كالذي يلتزم به من يسطو على كنز ، يقتسمه مع شركاءه بشرف !
لكن ، هل يستطيع رأس الحكم أن يستأثر بكل مقاليد الحكم ؟ . الجواب بالتأكيد لا .. ليس لشيء ، فان وضع رأس الحكم كمن يحمل في الصندوق الخلفي لسيارته حملا ثقيلا .. يتمنى أن يجلس الى جانبه في المقعد الأمامي أحد الركاب ليسليه في مسيره ، و يحفظ توازن السيارة !
لكن ، لماذا هذا الولاء الشديد ممن يحيطون برأس الحكم ؟ هل هو خوف منه؟ أم ماذا ؟ .. ان الخوف ليس آت من رأس الحكم كشخص ، بل آت من كون رأس الحكم هو من يمثل الارادة الراهنة التي تمنح لمن يسمح لنفسه بالتفكير بتغيير هذا الواقع الراهن !
إضافة ، الى ان من هم في موقع الهالة لرأس الحكم قد عرفوا وزنهم ، و تفحصوا حدود إمكانياتهم .. و عرفوا أن مصلحتهم تأتي من حماية رأس الحكم الذي يمثل الإرادة الراهنة .. و رأس الحكم من مصلحته أن يحمي تلك الهالة التي حوله التي تجعل بينه وبين الجماهير المحكومة مسافة إضافية تبعد الاحتكاك بهم بصورة مباشرة !!
عبدالغفور الخطيب
23-09-2005, 11:52 PM
هل يمكن للحكومات العربية أن تتصالح مع شعوبها ؟؟
يكثر الحديث هذه الأيام عن الإصلاح للنظم العربية .. وفضل أمريكا بذلك ! ويصفن الرجل العاقل و المرأة العاقلة طبعا .. ليتأمل ما يجري . ويقطب حاجبيه ويبتسم .. هل أن كل هذا الحراك يدل على إصلاح أو رغبة بالإصلاح ؟ .. وهل فعلا أن أمريكا تود الإصلاح في المنطقة ؟ أو هل هي صالحة أصلا حتى تتمنى لغيرها الإصلاح ؟
لقد وصلنا في المقالات السابقة ، الى أن السلطات العربية ذات الرأس القوي والهالة المستفيدة من الرأس ، هي أشبه بشركات تستثمر شعوبها و أوطانها .. وان كانت كذلك ، فهي شركات على درجة من الثراء .. وان كانت كذلك ، فإنها لا ترغب بإدخال شركاء جدد لها ليقتسموا معها هذا النعيم ..
وهي كما ننظر لها بأنها شركات مؤلفة من شركاء أثرياء .. فانهم ينظرون لمجموعات المعارضة ، وحتى الشعب .. بأنها شركات مفلسة رصيد كل منها صفر .. وان جمعت صفر مع صفر أو مليار صفر مع مثله .. فالنتيجة تكون صفر .. هكذا هو منطق السلطات ( الشركات ) العربية ..
وان كانت تلك الحكومات أبنية متصدعة .. فهل الإصلاح يفيدها ؟ هل ينفع معها تغيير الدهان والأبواب .. أم لا بد من ردمها وتسويتها بالأرض ، ومن ثم إقامة أبنية بطرز حديثة ومواد أكثر ملائمة ؟
أم هي رجل تكالبت عليه الأمراض ، في القلب والدماغ و الأطراف .. والكلى ويشك بوجود السرطان .. وان كل المحاولات الجارية .. ما هي الا إطالة كاذبة لعمر هذا الرجل الآيل للسقوط ..
تبين أن هذا الرجل أكل لحم أبناءه ، فأصيب بالنقرس ، وما عادت ركبه ، تستطيع حمله .. فهل القتل الرحيم هو الحل .. أم الإبقاء على المراهنات في أن يعود هذا الجسم للوقوف كرجل عفي واردة ؟
لقد فهمت أمريكا الفاسدة .. المصير الذي سيؤول اليه مصير هذا الرجل المريض ، فحاولت أن تملي عليه كتابة وصية لأحباءها من أبناءه ..ليرثوا ما كان لديه .. وما كان لديه لم يكن بعيدا عن متناول يد أمريكا .. وان كانت تمن على الكثير أنها تعطي .. لقد كانت تعطي كسرة خبز لتأخذ المحصول كله !
اذن فالرغبة غير موجودة عند هذه الحكومات ( الرجل المريض) في إصلاحات حقيقية .. وان كانت تبث رسائل مفادها أنها والإصلاح على موعد . وعلى الجميع الانتباه فأنصاف أو أرباع الحلول ، ما هي الا الصيغ الجديدة لكتابة وصية الرجل المريض .. كما كتب مسودة نصها محامي نصاب !!
عبدالغفور الخطيب
23-09-2005, 11:54 PM
هل لنا من استنتاج في هذه المرحلة ? :
بعد أن قدمنا مقتربات مبسطة ، ساعدت ـ على ما أظن ـ في تكوين أرضية صالحة ، لبناء تصور مستقبلي لما نطمح به .. وقبل أن نحاول اقتراح لشكل التحرك المستقبلي .. فاننا سندرج ما يمكن أن يكون استنتاجا متفق عليه :
1 ـ ان القوى المعارضة العربية هي قوى ذات نشاط طبيعته البارزة لغوية فقط، وان تلك اللغة المطروحة في الخطابات السياسية العربية المعارضة لها آثار أبسط ما يقال عنها أنها فاشلة و فشلها يتمثل بما يلي :
أ ـ اعتماد اسلوب التهويش و ( فهرسة ) أخطاء الآخرين .. دون تحديد من هم الآخرين .. فاختلال التوازن بين الذاتي و الموضوعي لتلك القوى جعلها ذات مسحة حزينة .. ودائرة تأثيرها محدودة جدا ..
ب ـ اعتماد اسلوب إثارة الهمم الطيبة ، بذكر مناقب التمسك بالدين أو القومية ، دون الالتفات الى الذهاب بعيدا نحو التدرب على طرح برامج عمل تشد الجماهير لتلتف حول تلك القوى و تجعلها مؤثرة فعلا ..
ج ـ خلق حالة معرفة محترفة للأنظمة الحاكمة ، بكيفية التعامل مع القوى المعارضة ، مما بعد المسافات بين تلك الأنظمة و المعارضة لصالح الأنظمة .
2 ـ ان السلوك التمثيلي ( المنفعي ) .. يكون واضحا عند الاصطفاف مع الانظمة ، أكثر منه وضوحا عند الاصطفاف مع المعارضة .
بعبارة أخرى ان الأنتليجسيا ( مجموعة المثقفين و أصحاب المعارف و التقنيين الحديثين ) .. ترى ان المراهنة على المعارضة هي مراهنة خاسرة !!
3 ـ ان تكرار كلام المعارضة ، ونمطه ، وحتى مفرداته .. حرمها من إبراز رموز نضالية ، تساعد في استقطاب الجماهير من حولها ..
4 ـ ان طول مدد بقاء السلطات العربية في الحكم ، جعل من حجم ملفات المعارضة الكثيرة لها خير سند في إبقاء حجمها بتناقص مستمر ..
5 ـ لقد دخل اليأس لنفوس الكثير من كوادر المعارضة .. بحيث أن حالة توهج خطابهم خفتت و تسلل الكثير منهم الى جانب السلطة .. بل و تراجع الخطاب ذا الطابع الثوري ، ليصبح ذا لون تصالحي باهت ..
6 ـ ان المعارضة العربية ، ان لم تنقلب على ذاتها ، معيدة النظر في شكل خطابها السياسي ، وتنمية الإحتراف السياسي لدى كوادرها ، و معرفة أساليب المناورة في الكر و الفر .. فإن أفضل خدمة تقدمها للأمة هو الإنسحاب من حياة الأمة السياسية بشكل نهائي .. تاركة المجال لأجيال تتلمس طريقها ، دون حتى الاستعانة بهذا التراث البائس المليء بالأخطاء ..
عبدالغفور الخطيب
23-09-2005, 11:57 PM
كيفية إنقلاب المعارضة على ذاتها ؟؟
كما هو معروف ، المعارضة في أي بقعة بالعالم ليست ذات لون و شكل ودوافع متساوية .. فالسلطة التي يعارضها المعارضون ، كالذي يغرق بديونه من قبل دائنين ، ديونهم ترتبت بشكل يختلف عند كل دائن عن الآخر .. فمن الدائنين من هو مبلغه عالي ، ولا يحبذ أن يكسب دائن غيره قضيته قبله ، حتى لن يتبقى له ما يستوفيه ..
ومن الدائنين من تعرض الى محق في تجارته ، فمطالبته ستكون ، خليط من حب الإنتقام مع إقرار القانون والعدالة .. وان كانت الأخيرة تأخذ منحى ثانويا جدا ..
ويلجأ الدائنون في أغلب الأحيان الى تغليف مطالبتهم ، بغلاف أخلاقي و ديني ، فيسوقوا دوافع حملتهم بالمطالبة واحدة بعد واحدة ، ليملئوا الفضاء الذهني ، بشعور بعدالة قضيتهم .. وهم نادرا ما يصغون للضجيج الصادر من طرف دائن آخر . وإن حدث وان لمح أحد بمطالب جهة دائنة أمام دائن آخر ، فانه سيبادر الى تسفيه حدة مطالب غيره . وهذا بالنتيجة سيصب في مصلحة المدين ، لأنه ضمن تشتيت المطالبات ، لكسب مزيد من الوقت ، تنمو من خلال هذا الوقت إطالة عمره فالتا من العدالة !
في الأساس ، عندما يحس مجموع الدائنين في عدالة قضاياهم ، فإنهم سيبادرون بتشكيل ( مجلس الدائنين) .. الذي يقيم تركة الجهة المدينة ، وكيفية إقتسام تلك التركة .. والتصرف بها ..
هذا حال المعارضة العربية .. شخوص مدعية بتمثيل الجماهير ، بتمثيل الدين ، بتمثيل الأوطان .. ودون تفويض من أحد .. فترد المحاكم دعواهم ، لعدم التخصص ، أو لغياب التوكيل الرسمي من صاحب القضية .. أو لغياب الأدلة ..
فحتى تكون هناك دعوى قابلة للكسب ، لا بد من صياغة لائحة الادعاء ، وتحضير التوكيلات اللازمة .. و تجهيز الشهود .. و حشد كل ما يلزم من مال وفقهاء بالقانون ، وتوحيد الدائنين ضمن ممثلية واضحة ، عندها سيكون لتلك المعارضة شأن ..
عبدالغفور الخطيب
23-09-2005, 11:58 PM
هل الانتخابات هي الحل الحاسم بين الفرقاء ؟
عندما تصدر دعوات للتفاهم بين الفصائل السياسية العربية ، فإن بعض الأطراف ، تبادر على الفور بالرفض الساخر .. مستهزئة بمن بادر في المصالحة و التنسيق فيما بين كل فصائل المعارضة ، قائلة ومن معه هذا ؟ ومن يمثل .. كل أتباعه أملأهم بحافلة متوسطة ..
هذا اذا لم تلصق صفة العميل والانتهازي ، والمتعاون مع السلطة ، وغيرها من الصفات والكلام الذي اذا وصل الى الطرف المبادر ، فانه سيصنع نهاية خط للسباق الخير ، وبداية خط لسباق التبادل في الشتائم والتهم !!
ثم تخرج الحكمة البالغة والقول الفصل من أفواه المتخاصمين ، بأن صناديق الاقتراع هي الفيصل بيننا ، وهي التي تحسم من التيار الذي تقف وراءه الجماهير ، ومن التيار الدخيل على الوطن والذي ستلفظه الجماهير خارجا ، هو وطروحاته المشبوهة الدخيلة على أمتنا و أخلاقنا و ديننا !!
إن هؤلاء المتكلمون ، لم يتعودوا الا أن يستمعوا الى أنفسهم ، وان زاد عدد المستمعين لهم فسيكونون من الخاصة التي تهز رؤوسها إعجابا و موافقة .. وان أتيح لهم أن يخطبوا في مكان عام .. فانهم سيسهبون بكلام عمومي يزينوه بأقوال الله تعالى ، و أقوال رسوله الكريم .. كمقومات لشخصية رسموها لأنفسهم ، تشفع لديهم عند الناخبين ..
إنهم يتصورون أن الجماهير بثقل حياتهم ، وبؤسها ترقب خطاباتهم لحظة بلحظة ، علها تخرج من بؤسها وفاقتها .. وكدحها الذي لن يفضي الا لمزيد من المعاناة الشديدة ..
ويكون الرد باستمرار ، يخذل الحالمين بكسب رضا الجماهير ، التي تنتظر فرسانها الحقيقيين . فتبدأ التبريرات وتبدأ إلقاء التهم على الدولة .. و حتى أعضاء المجموعة التي أخفقت في انتخاباتها .. بل و أحيانا يحلو لهؤلاء المنظرين ، بأن يهاجموا الشعب نفسه ، ويصفوه بأوصاف لا تليق به .. أو على الأقل تنسف الإدعاء بحبهم وولائهم للشعب .. فمن يحب فردا أو جهة لا يذمها !
ان للإنتخابات فنونا و خططا و أصول .. وهذا ما سنتناوله في الحديث المقبل .
عبدالغفور الخطيب
24-09-2005, 12:01 AM
الانتخابات شكل من أشكال التذاوت لدى الناخب بالأول ..
انتخب لغويا .. اختار .. انتقى .. فاضل بين أفراد مجموعة و انتخب منهم الأفضل .. المنتخب الوطني لكرة القدم .. صفوة لاعبي الوطن ، بعد استعراض الأفضل من كل لاعبي الوطن .. ويتم الاختيار تحت أعين متمرسين و محترفين .. وهذا مهم جدا .. اذ لا يمكن أن يقوم باختيار أفضل لؤلؤة من لم يرى لؤلؤا بحياته !!
تظهر بين فترة و أخرى مسألة الانتخابات ، وكأنها الحل السحري لكل مشاكل الأمة ..والانتخابات ، فكرتها واحدة سواء كانت لانتخاب جمعية لنبش القبور أو انتخاب رئيس جمهورية . وفي النهاية من يحصل على أصوات أكثر ، سيكون هو المنتقى أو المنتخب أو المختار أو الشيخ ..
تماما كما هي مسألة اعتماد المجموع الدراسي في دخول الجامعات .. فقد يكون أحد الطلاب قد تم تسخير مجموعة من المعلمين القادرين لتعليمه في البيت او في مدرسة خصوصية جدا .. فعندما نفاضل بينه وبين طالب ، يعيش في بيت به غرفة واحدة ، وقد تجد به معاقا ، أو قد تجد أن هذا الطالب هو المكلف بالصرف على أهل هذا البيت .. وعندما نتخيل كيف سيقوم هذا الطالب بالاستعداد للإمتحان ، ندرك أن المفاضلة بينه وبين الطالب المنعم هي مفاضلة غير واقعية ولا تجوز ..
لقد تم حل عدم التوازن بالظروف ، بالمصارعة و الملاكمة ، فتجد وزن الريشة ووزن الذبابة حتى تصل الى وزن الديناصور .. أما في الانتخابات ، والقبول في الجامعات فلم تزل المشكلة قائمة ..
لقد أدرك الفقير والمعدم ، في كل أصقاع الأرض ، أن ليس له فرصة في الصعود الى مصاف علية القوم بواسطة الانتخابات ، حتى لو حفظ كل كتب الدنيا وكان وسيما ورشيقا وعيناه تلمعان ببريق الشخصية المطلوبة .. كل هذا لن يشفع له حتى لو ترشح لادارة جمعية نبش القبور والتي لن يجد من ينافسه بها ، فبمجرد نجاحه بالتزكية ستلغى تلك الجمعية ، التي لم تؤسس أصلا ..
فاذا كانت البروليتاريا هي التي تفرخ عمال العالم الذين فشلوا في تحقيق أسطورة ديكتاتوريتهم المفقودة .. فان ( العربتاريا) التي تزود المرشحين بالأصوات .. اكتشفت ان ليس لها أمل في السلطة الا بمواسم الانتخابات .. فتلقى من كان يترقق في كلامه للمسؤولين أن لديه كومة من اللحم يريد أن يعيشهم ، تصبح تلك الكومة من اللحم أصواتا لها قيمتها في موسم الانتخابات .. فأحيانا يقدم على الآخرين لتلك الميزة ، و أحيانا يقبض على الصوت ثمنا يتناسب مع سخونة المعركة الانتخابية .. و أحيانا يحرم بقسوة كل المرشحين من هذا الصوت .. وهذه أبسط حقوقه !
وسنتحدث في المرة القادمة عن أصول لعبة الصوت وفنونها ..
عبدالغفور الخطيب
24-09-2005, 12:03 AM
تكنيك لعبة الصوت في الانتخابات :
يجلس شخص مع نفسه ، فتتراءى له صور مجد يحبكها في خياله ، من خلال دخوله دائرة الأضواء العامة .. فتراوده نفسه أن يخوض معركة الانتخابات .. فيختار أشخاصا يضمن موافقتهم سلفا على المضي بتحقيق حلمه .. ويتجنب من يعتقد أنهم سينصحوه بعدم خوض مثل تلك التجربة ، وسيتركهم للأخير .
ان كان ابن حزب أو ابن مال أو ابن عشيرة أو ابن بلد .. أي ينطلق من تلك الأرضيات كقاعدة له ، فانه سيرافق المريدين له بالتحرك وفق المنطلقات التالية:
المعركة الانتخابية :
صدق من أسماها بالمعركة الانتخابية ، ففيها من مقومات المعركة ما يجعلها تستحق مثل هذا الاسم ..
الآخر في المعركة ..
يتحاشى كل من ينزل للإنتخابات بأن يظهر أطماعه الشخصية ، بل انه يختار آخر لخوض المعركة ضده ، وينسج القصص اللازمة لإحداث حالة التوتر لدى من يود أن يتبعوه في تلك المعركة .. فان كان ينطلق من عشيرة فانه سيذكر سوء حظ عشيرته باللحاق بمصاف العشائر التي صار منها رئيس وزراء أو وزير أو نائب أو محافظ .. انه يذكر ذلك لأبناء عشيرته ليضمن التفافهم حوله من أجل أن يفاوض بإسمهم عندما يكون للناخب الحق بأكثر من صوت ..
وان كان ابن مال أو ابن حزب أو ابن منطقة ، فانه يركز على مثالب غيره و وجوب الالتفاف حوله من أجل قهر غيره من المرشحين .. ويفرح كثير من المرشحين عندما يتعرفوا على أسماء غيرهم .. فتكون حججهم في تكوين حالة التوتر هي التركيز على الآخر ، لكي يوغر صدور الناخبين ضده .. ونادرا ما يلتف الناخب العربي حول برنامج المرشح أو كفاءته ..
التعبئة العامة :
كما في المعركة ، مجرد ما تعلن نوايا خوض المعركة ( بإحداث التوتر ) فان الخطوة المقبلة ستكون التعبئة العامة ..وهنا يتسابق المرشحون الى الوصول الى مفاتيح تجمعات الأصوات .. من خلال الزيارة لوجهاء العشيرة أو وجهاء المهنة أو وجهاء المنطقة .. و مخاطبة ما لم يتمكن الالتقاء بهم ، بواسطة وسائل الاعلام والمبشرين من المتطوعين او المأجورين لهذا الغرض !
الإشاعات :
تلجأ جهات متعددة الى الإشاعة لإبعاد الناخبين عن التصويت لشخص ما ، وغالبا ما تلجأ دوائر الدولة العربية لمثل تلك الاشاعات ، لتبعد من تراهم مشاكسين وغير مضمونين اذا ما أصبحوا أعضاء بالبرلمان ، حيث يخلقوا بعض المتاعب أثناء منح الثقة للحكومة أو التصويت على تشريع ما .. فتبث الدولة عناصرها بين جمهرة الناخبين ، ليخلقوا اشاعات تقلل من التفاف الناخبين حول هذا الصنف من المرشحين ..
فان كان بوسط ديني ، ذكرت عن ذلك المرشح الأكاذيب التي تتهمه بتعاطي الكحول ، أو القمار ، أو علاقات غير شريفة مع دوائر أجنبية ، أو حتى الدولة نفسها ، اذا كان المرشح يعتمد خطاب سمته العامة هي التحدي للدولة ..
كما أن المرشحين الآخرين يبتكروا مثل تلك الاشاعات لإضعاف خصومهم ، ويبقوا يكرروا إشاعة أن فلان انسحب ، وقبض من فلان مبالغ لقاء انسحابه ، وذلك لكي يقتلوا همم المريدين لهذا المرشح أو ذاك .
وسنتناول في الحديث المقبل شكل خطاب المرشحين وسلوكه أثناء حملة الانتخابات ..
عبدالغفور الخطيب
24-09-2005, 12:06 AM
طبيعة سلوك المرشح و خطابه .. وردود فعل الناخبين تجاهه :
ما أن تبدأ المعركة الانتخابية ، حتى نرى مجموعة من المريدين للمرشح ، يلازمونه ليلا نهارا ، و يبتسمون له و يطمئنوه أنه ناجح بإذن الله ، ويقوموا بالنصح له ، ولا شرط أن يكون الناصح متمرسا في مسألة الانتخابات .. ولكنه طالما أنه يلقى من يستمع له ، فلماذا لا يقدم مثل هذا النصح !!
و أحيانا يفاجأ المرشح بوجود أشخاصا يلازمونه حركته كمريدين ، ولم يكن قد وضع بحسبانه أثناء التفكير بترشيح نفسه ، أن يكونوا حوله .. وعموما فان أصناف المريدين الأوائل يندرج تحت :
1 ـ أشخاص يكونون مفتونين بالمرشحين منذ أمد .. وقد عرفت قاضي تمييز ناجح جدا ، يتلذذ في تمثيل دور التابع الحقير ، لعقيد متقاعد ، لا يفقه شيئا .. ولا يستطيع تركيب جملتين على بعض ، في حين ان التابع أو المريد يتفوق عليه في كل شيء!!
2 ـ أشخاص يستعملوا المرشحين كسواتر ( استحكامات) يهاجمون غيرهم للنيل منهم من خلال هؤلاء المرشحين ..فتكون متعته هائلة اذا رسب من يكره ، حتى لو رسب المرشح الذي يقف معه ، والذي من خلال رسوبه رسب خصمه الأصلي .. وتزداد متعته فيما لو نجح المرشح الذي يقف معه .
3 ـ أشخاص ، يعتقدون أن فرص النجاح لمن يقفوا معهم ، عالية ، فيحجزون مقاعدهم للتقرب من هؤلاء المرشحين سلفا ..
4 ـ أشخاص مغمورين ، لا يسمع بهم أحد .. فيجدوا في أيام الانتخابات فرصا للتعريف بأنفسهم من خلال التواجد بين الجموع ..
5 ـ أشخاص يستهويهم الموائد و ما يقدم من خدمات ، مأكل أو مشرب ، في مناسبات الانتخابات ..
6 ـ أشخاص ، يبحثون عن مكاسب في مواسم الانتخابات ، كتوظيف أبناءهم من خلال نفوذ المرشحين .. أو طمعا بكفالة بنكية .. أو أن يقبضوا سلفا ثمن وقوفهم بجانب المرشح ..
أما عن موقف الجمهور الذين يتعرضوا لاقتحام مواقعهم ( دواوين ، أندية ، قاعات ، بيوت ، نقابات الخ ) .. ويستمعون لخطاب مقيت باهت ، كله عموميات ووعود كاذبة ، لا تستطيع الدولة نفسها تحقيقها .. فكيف بهؤلاء المرشحين ( مشاريع رجال مهمين ) ؟
1 ـ معظم ردود فعل ممثلي الجماهير ، هي ابتسامة ماكرة و طمأنة غير حقيقية للوقوف الى جانب الزائر من المرشحين ..
2 ـ أحيانا يقوم المضيف بإكرام الزائرين من المرشحين و حواشيهم .. لكي يوهموهم أكثر بأنهم واقفون معهم .. فيقدموا الحلويات و الشراب .. ويعرضوا عمل وجبات .. ويعملوا مع كل المرشحين نفس الشيء ..
3 ـ قد يمعن ممثلو الجماهير ، بزيارة مقرات الحملة الانتخابية لمرشح ، وتقديم بعض الأشخاص كمتطوعين في الحملة الانتخابية .. ويقوموا بنفس العمل مع أكثر من مرشح ..
4 ـ أحيانا يقوم ممثلو الكتل الناخبة ( الجمهور ) بإفشاء بعض الأسرار عن مرشحين آخرين ، لمرشح ، من أجل الزيادة في ايهامهم بالوقوف معهم .. ويعملوا نفس الشيء مع باقي المرشحين ..
5 ـ اذا ظهرت النتائج فتجد هؤلاء الممثلين أول من يهنيء بالنجاح .. ولا ينسى من الذهاب الى الآخرين ممن أخفقوا ليواسيهم !!
ان سلوك الناخبين هذا يبين لنا ، كيفية ان النفاق أصبح أحد الوسائل التي يتماشى معها كثير من الناس .. وفي نفس الوقت فان المرشحين .. بعد كل جولة .. يتصرفون و كأن النجاح بات مضمون !!
هذه الانتخابات في البلاد العربية .. ولا أظن أن حالها أفضل كثيرا في البلاد المتقدمة .. ولكن انبهار الكثير بما يحدث بالغرب ، يجعله ينظر لها بشكل وردي زاهي .. ولكنه لا يختلف كثيرا عما يجري في بلادنا ..
عبدالغفور الخطيب
29-09-2005, 10:38 PM
عدة أشكال لتداول السلطة والنتائج متقاربة :
امتلأت المجلات و الصحف و الكتب حديثا عن الديمقراطية وتداول السلطة والحكم بشكل عادل .. وكلما ازدادت معرفتنا بما كان يحدث في السابق في هذا المجال ، منذ عهد الفراعنة والسومريين ومرورا بكل عصور الامبراطوريات الكبرى أو الحكومات او الدول الكبرى في العالم ، ومنها وطننا العربي وعالمنا الاسلامي ، فاننا لن نجد فروقا هائلة بين كل الطرق في تداول السلطة ..
فأهم انجازات العالم الحضارية ، جاءت من خلال حكم الرجال الأشداء ، وتشبع أجواء دولهم بما يؤمنون .. حتى لو كانوا حكاما فرديين ، أو أباطرة أو منتخبين بطرق التداول الحديثة ( الديمقراطية ) .. فلم يكن عهد حمورابي ، أو عهود الفراعنة ، أو عهد قياصرة روما أو عهد عبد الملك بن مروان أو عهد الرشيد أو المنصور أو المأمون أو عبد الرحمن الناصر في الأندلس ، أو عهد يوسف بن تاشفين أو عهد ستالين .. وغيرهم من الرجال الأشداء .. عهود تم تداول السلطة بها بالطرق الديمقراطية ..
فمن أهل العدل و الشورى في تداول السلطة كما يراها بعض علماء التاريخ الاسلامي ، أو انتخابات أعضاء المؤتمر العام للحزب الواحد أو الحزب القائد ، أو من خلال نفوذ أصحاب رأس المال في الدول الغربية من يتحكم بسير الانتخابات لتكون في صالح أشخاص دون غيرهم .. فكلها طرق لا يمكن سلخها عن فكرة ( قوة الإرادة الراهنة ) .. فالجهة التي تملكها ، هي الجهة التي ستحكم البلاد ..
فتعريف أهل العدل ، سيكون مثارا للخلاف ، اذ من سيختار هؤلاء ؟ ومن قال أنهم أكثر من غيرهم أهلية في القدرة على التكلم باسم المسلمين .. وما دور الطوائف أو أبناء الديانات الأخرى .. كلها نقاط خلاف ، لا أظن أنها من السهولة بمكان بحيث يتم تجاوزها ، أو حتى البدء في الخطوة الأولى لها بيسر ..
أما الانتخابات لقيادات الأحزاب ، التي تزعم أنها أدرى بمصلحة الشعب من الشعب نفسه ، فانها تكون محكومة من أقصى الغرب الليبرالي الى أقصى الشرق الشيوعي ( الصين ) ومرورا بالأحزاب التي ينشئها الحاكم و يعطيها لقب الوطني أو الدستوري أو أي اسم يدل على أحقيتها بالتفكير بالنيابة عن الشعب . ان تلك الانتخابات من أمريكا حتى الصين ما هي الا خطوة إضافية لشرعنة قوة الإرادة الراهنة ، التي تختلف بنظرياتها وفقا لخطابها المعلن ، ووفقا لأيديولوجيتها التي تفلسف بها حكمها ..
أما تلك الدول التي لا بها لا حزب حاكم ، ولا بها انتخابات ، فانها دول حزينة نسيت خطوة مهمة لشرعنة نظامها بإقامة انتخابات ، يسهل تسييرها بحنكة متوسطة نحو الإتجاه الذي يريده صاحب قوة الإرادة الراهنة ..
سيقول قائل ، وما هو الذي يجري في دول الغرب ؟ أو اليابان أو الهند ؟ .. سأقول انها أشبه بلعبة ( الطرة والنقش ) بين صنفين ليبراليين يتزعما قوة الارادة الراهنة التي استسلم لها كل الناخبين بأنهم لا يستطيعون الخروج من تلك الحلقة المفرغة .. فالتناوب بين الديمقراطيين والجمهوريين في أمريكا ، والعمل والليكود بالكيان الصهيوني ، والعمال والمحافظين في بريطانيا، والاشتراكيين والجمهوريين الديغوليين في فرنسا .. وابحث في كل تجربة ، ستجد السياسة قريبة من بعض .. و أحزاب الفقراء الخائبين ، تحظى بمقاعد برلمانية سخيفة التأثير .. أو لا تذكر أسماؤها الا في وقت التعادل بين القوتين أو ( الوجهين للقوة الواحدة ) ..
تبقى حظوظ المواطن ، عندما يحتاج الحاكم في الأصناف الثلاثة الى العدل ، ليوظفه كأحد الوسائل لشد الناس من حوله ، ليس الا .. وان لم يكن بحاجة لشد الناس فانه لا عدل يذكر ..
صدام العرب
30-09-2005, 04:26 AM
جزاك الله خير الجزاء عن هذا الطرح إن كان طرحك
وبارك بك على نقلك إن كان منقول
عبدالغفور الخطيب
30-09-2005, 07:16 AM
شكرا لمروركم الكريم أخي صدام العرب
انه طرحي .. وانزله أولا بأول .. لكن لشدة معاناتي
مع موقعي الحبيب بغداد الرشيد
فقد انقطع بعض المرات لمدة عشرة أو عشرين يوم
فاضطر لتنزيل ما تأخرت عنه مرة واحدة
فنحن من نفس المنشأ
لك أطيب تحياتي
صدام العرب
30-09-2005, 12:31 PM
حيّاك الله على هذه الدراسة القيّمة
والحمدلله أن جعل لنا إخوانا لم نرهم لهم كل هذه الفطنة والمعرفة
الحمدلله رب العالمين على كل شئ
عبدالغفور الخطيب
30-09-2005, 03:46 PM
آن الأوان أن تراجع القوى السياسية مواقفها :
تذهب يوم الجمعة الى المسجد لأداء صلاة الجمعة ، وتسمع بين فينة و أخرى طلب خطيب الجمعة من المصلين أن يفسحوا المجال لبعضهم لأن المسجد لم يعد يتسع للمصلين .. وكم مسجد يكون في المدينة ؟ قد يكون هناك مئات المساجد وكم مسجد في بلاد العرب و كم مسجد في بلاد المسلمين ؟ وكلها ستجدها مزدحمة ..
ولو سمحت قوانين الحج أن يحج أكثر من مليوني مسلم كل عام لوصل العدد الى خمسة ملايين بأقل تقدير .. ولو ضربنا خمسة في ستين متوسط أعمار المسلمين لوصل العدد الى 300 مليون مسلم يؤدي فريضة الحج ..
هل كل هؤلاء يقومون بشعائرهم ، رياء و نفاق ؟ .. لا أظن والله أنهم كلهم كذلك ، بل أغلبيتهم تقوم بها امتثالا لله و تطبيقا لشرائع الدين ..
هل كل العرب من هؤلاء يخافون حكامهم لدرجة الجبن و الفزع ؟ .. لا أظن ذلك أيضا ..فمن بين هؤلاء من يسجن ومن بين هؤلاء من يتم استجوابه في أكثر من مناسبة ، ومن بين هؤلاء من يتمنى أن يستشهد في سبيل الله ، ومن بين هؤلاء من يستشهد فعلا في سبيل الله ..
لماذا اذن هم لا يتحركون ؟ .. واذا تحركوا ماذا يفعلون .. ووراء من هم سيسيرون ؟ فالفوارق بينهم ليست عظيمة لا من حيث التزامهم بدينهم ولا من حيث تمنيهم لوحدة العرب و للوحدة المسلمين .. ولا من حيث قدرتهم على تمييز الحق من الباطل .. فكم من هؤلاء يرمي لقمته ويتوقف عن الطعام عندما يسمع خبرا ينبئه عن ضيم ، حل في فلسطين أو العراق .. وكم من هؤلاء يسأل ليطمئن عن أخبار المقاومة هنا وهناك ؟ .. انهم كثر
ان من يضخم دور الابتعاد عن الدين والعهر الذي يراه في الفضائيات ، ويحاول أن يعممه على كل المسلمين .. هو بكل تأكيد مخطئ .. وان من يرصده من الناس هؤلاء ، لا تساوي نسبته الا نسبة المتبجحين و المتكلمين باسم الدين ويرمون الشعوب بأسوأ الأوصاف ..
ان هؤلاء الناس لم يعد يشدهم أي خطاب تم استهلاكه ، فلا تنقصهم الموعظة للعودة الى دينهم ، ولا تنقصهم المشاعر القومية ولا الوطنية .. فهم ينتظرون بل و يراهنون على ظهور فرسان يترجموا تلك المواعظ الى أفعال و يلحقونها بانتباه الى ما يهم الشعب من تأمين لقمته و عمله و علمه و يضمن علاجه وسكنه ، و قبل كل شيء يضمن كرامته بين الأمم ويعيد للأمة العربية والاسلامية مكانتها الريادية ..
ان عينهم على ما يحدث بالعراق ، من تسطير لكتابة سفر جديد ، من تاريخ الأمة الجديدة ، وعين على فلسطين ، راجين من رب العباد أن يحمي من يرابط في تلك البؤرتين من مجاهدين شرفاء .. ليبنى فوق جهادهما و معه ، و بعد تحقيق نتائجه القريبة بعون الله ، بناء أمة مزدهرة ..
صدام العرب
01-10-2005, 03:48 PM
فهم ينتظرون بل و يراهنون على ظهور فرسان يترجموا تلك المواعظ الى أفعال و يلحقونها بانتباه الى ما يهم الشعب من تأمين لقمته و عمله و علمه و يضمن علاجه وسكنه ، و قبل كل شيء يضمن كرامته بين الأمم ويعيد للأمة العربية والاسلامية مكانتها الريادية ..
نحن لها يا رجل
ونحن تعني أنت و أنا و هو و هي
كلنا لها
اللّهم اكتب لنا شهادة في سبيلك وصلّ على نبيّنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم تسليما كثيرا
اللّهم آمين
عبدالغفور الخطيب
03-10-2005, 03:13 PM
هشاشة النحن الواحدة تستوجب تجزئتها من أجل إعادة تركيبها :
عندما نشأت الحركات الحضارية أو الفكرية العملاقة في التاريخ ، نسبت كل الانجازات العظيمة لها ، وما كتب حولها أصبح تراثا يضاف لتراث الأمة التي تنتسب اليها المجموعة الأولى صانعة خط البداية لانطلاق تلك الحضارة ..
و عندما بعدت المسافات الزمانية أو المكانية عن المجموعة المبادرة في صنع الحضارة ، أصبح الانتماء لتلك المجموعة ومبادئها ، أشبه ما يكون بالنمط الأسطوري .. حيث يمارس دون فهم كبير لكيفية النشوء و البدء في تلك الانطلاقة العملاقة الأولى ..
و يكثر المنتسبون لتلك الحضارة أو اسمها ، و يسود على السطح قيادات تدعي الانتساب ، و تعتقد في نفس الوقت أنها تسير على نهج السلف المؤسس لتلك الحضارة .. فينبري لها مجموعات مختلفة ، ترى في نفسها أنها أكثر تطابقا مع النموذج الأول للمؤسسين الأوائل .. فتظهر انشقاقات أشبه بظاهرة التطريد بخلية النحل ، عندما تضعف الملكة فيها .. حيث يرى كل طرف منشق أنه هو صاحب الرؤية الصحيحة المطابقة لرؤية السلف ..
انها ظاهرة تحدث ميكانيكيا في الصبات الكونكريتية ، اذ كلما اتسعت مساحة السطح المصبوب ، كلما تشققت أجزاءه .. فيلجأ المهندسون لصناعة الفواصل بين الصبة آخذين بعين الاعتبار ظاهرة التمدد و التقلص ..
اتسعت الرقعة التي ساد عليها المسلمون .. ظهرت الطوائف و الإمارات و الدول و تصدعت الدولة .. اتسعت الحركة الشيوعية في العالم ، ظهرت الاجتهادات وظهرت الخلافات فحدث التصدع ومن ثم الاقتراب من التلاشي .. ظهرت حركة المقاومة الفلسطينية ، فاتسعت فأصبحت بعينة من الوقت 72 فصيل كل واحد له رؤاه .. تقترب وتتضاد مع غيره في كثير من النقاط .
أبناء القومية العربية ، النحن الأساسية عندهم ( نحن العرب) ولكن يشاغلها مجموعة من النحنوات ، تدفع أصحابها في أغلب الأحيان لنسيان النحن الأساسية .. ما تفسير ذلك ؟
ان أقوى المجموعات الاصطناعية الفاعلة هي ( الفريق) فهي أقوى من الطائفة والرهط والفوج والعشيرة والقوم والشعب وحتى الأمة .. والمجموعات تلك هي مجموعات طبيعية ، و أكثر عددا من الفريق . لكن الفريق أكثر انضباطا وأكثر تعاونا و أكثر قدرة على فهم دور كل عضو في هذا الفريق لواجبه ..
ففريق كرة القدم يهيج الجمهور الذي يشجعه ويلعب بعواطفه ، وكلا المجموعتين اصطناعيتين .. والجمهور أكبر من الفريق .. كذلك يحدث في كل مجالات الاختراع و الاستكشاف وغيرها .. فالناس تتفاعل أكثر مع أشخاص تراهم و تعمل معهم ، و لا تتفاعل مع أشخاص توفوا منذ زمن أو لم يتم رؤيتهم أو تتعذر رؤيتهم .. و إعطاء الفرق حرية الحركة كمجموعات عمل ، ينتج ابداعا يجلب المجد السريع لأعضاء الفريق و يرفد المجموعة المؤسسة للحضارة أو الحالة الحضارية بأمجاد لا تنضب تنسب لها ..
اذن لماذا لا نستبق الأمور ، حتى لا تتشقق أجسام كياناتنا القائمة لتصبح أجزاء لا نتحكم بها ، ونصنع أجزاء ترتبط ببعض كارتباط صبة الكونكريت ، بين فرق لها أدوارها و مهامها و ساحات عملها .. ليست منفصلة عن الجسم الكبير بل تشكل فيه كما تشكل الوحدات المتناغمة في السجادة .. ليس قيمة للوحدة الواحدة دون اعتبار السجادة كلها ..
كيف سيحدث ذلك ؟ هل نمسك شريطا كرارا و نقسم الوطن مربعات و نبدأ بزركشته حتى يصبح سجادة جميلة ؟ .. حتما لا ، بل يحدث باستنهاض أوعية المجتمع المدني من نقابات و أندية و بلديات وإعطاءها كل عوامل الابداع .. و ربط تلك الممثليات بجسم أكبر يمثل تلك الأنشطة ، ويرفد الدولة بالنسغ الصاعد حنى تستطيع رفده بالنسغ النازل ..
صدام العرب
03-10-2005, 04:00 PM
كلام جميل نظريا
ولكن فعليّا وعلى أرض الواقع الذي لا يخفى على أحد أن هذه الفرق موجودة وهذا النظام (السجادة) بالفعل وجدت ولأكثر من مرة على عتبات الزمن القريب والمتوسط.
ولكن المشكلة كانت دوما تكمن وتكرر من عدم تقبّل هذه الفرق لكينونة فرقة أخرى تسموها سواء أكان سموا إبداعيا أو كميا أو حتى نوعيا.
وبدلا من أن يكون هذا السمو عنصر دفع للفريق أصبح مؤسسا لانشقاق الفريق عن الفرق الأخرى والطعن في مصداقية التقييم.
هذا على مستوى الفرق المذكورة أعلاه فإن حدث وتجاوزت الفرق هذا المطب سقطت تلقائيا في فخ المجموعة الأكبر والتي تشمل عدّة فرق أمام مجموعات أخرى
وعبر تاريخنا العربي -الأسطوري- ثبت أن أفضل دستور منع هذا التمزق لصعوبة الطعن في مقاييسه كان الإسلام
وعليه فإننا في هذا الوقت وقبل التأسيس لهذه الفرق و الأدوار المنوطة بها علينا إثبات الدستور الأوحد الذي لا مراء عليه وباعتقادنا الشخصي أن الدستور الأفضل على المستوى الشعبي هو الدين... على الرغم من تفتقات شق الدين من خلال فتوى العصر... وهذا يقودنا إلى خارج الموضوع نحو بحث آخر الزمان ولكنه يبقى بلا منازع الأفضل
شكرا على هذا الحوار المفيد...أفاد الله به الإخوان
عبدالغفور الخطيب
04-10-2005, 07:31 PM
في بلادنا العربية السياسة تشبه السياسة لكنها ليست هي :
العقود أي عقود تتم بين أطراف تتساوى في أوضاعها لحد ما ، و لن يكون عقدا حقيقيا بين طرفين أحدهم قوي جدا ، و الآخر ضعيف جدا . فالدائن الذي يرهن ممتلكات المدين ، اذا أراد أن يعمل معه تسوية ما فان تلك التسوية ستكون بصالح الدائن بالتأكيد .. اتفاقيات أوسلو خير دليل على ذلك ، وما تلاها نتيجة حتمية للقبول بمبدئها ..
نحن لدينا آلاف الملاحظات على النظام الرأسمالي العالمي ، وتلك الملاحظات نستنبطها كمراقبين من جراء أثرها علينا كأمة . لكن الأطراف المتعاقدة هناك متقاربة بقوتها ، فتتناوب على تداول السلطة ، على ضوء ما تكسب من أصوات في لعبة ( الانتخابات ) .. لذا فان العقد فيما بين تلك الأطراف و ضعت نصوصه وتم التصويت عليها لتكون أساسا للاحتكام عند الخلاف . وهذا آت من ثنائية وجه القوة الراهنة ( التي لنا عليها الملاحظات السلبية ) .
لكن تطورت عندهم أسس القوانين التي يحتكموا لها بفعل ، قوة المراقب الذي تنحى وقتيا عن الحكم ، وأصبح معارضا لمن في الحكم ، فيقوم باقتناص أخطاءه وإخبار جمهور الناخبين بها ، لزعزعة بقاء من الحكم لمدة أطول .. فيضطر من في الحكم أن يتنافس بجدلية نافعة لتلك المجتمعات ، مع المعارض و يقدم لهم ما هو أفضل ..
لديهم ملوك ولديهم رؤساء جمهوريات ، لكن هؤلاء لهم دور لا يعدو كونه أكثر من رمز ، أو صمام أمان يوحي باستمرارية النظام و يمارس بعض الأدوار الكرنفالية ، و كلما كانت تلك الصورة أكثر وضوحا ، كلما كانت التجربة البرلمانية أكثر نزاهة ، لحرص الطرفين الأقوياء على مراقبتها ، لحساسية النتائج ، فتصبح النزاهة ذات وظيفة و ضرورة أكثر من أن تكون هدفا و سمة أخلاقية للنظم البرلمانية ، التي لا مكان فيها أصلا للضعفاء ..
أما في بلادنا العربية ، تجد أن الملك ، يحمل لقب و اسم ملك ، لكن له كل شيء فهو من يضع قوانين الانتخابات ( في حالة الدول التي بها انتخابات) .. وهو الذي يختار الوزراء ، وهو الذي يحل البرلمان أو يبقيه ، وهو الذي يرسم السياسة الخارجية ، ولم يحدث في تلك الدول ان تم تصويت داخل مجلس الوزراء .. فكلهم من لون واحد ، و اختيارهم يتم ضمن دوائر المخابرات والديوان الملكي ..
في النظم الجمهورية ، رئيس الجمهورية يقوم بنفس أدوار الملك السابقة ، ولكنه يحبذ اسم رئيس جمهورية عن ملك ، لا أدري لماذا ؟ ولكنها قد تتعلق بماض أيديولوجي ، أو تتعلق بصيغ الخطاب ذي الطابع ( الإسزاري) الذي يضفي على نفسه اللون الوطني ، في حين هو غارق لأذنيه بخطط لإرضاء السيد الإمبريالي ..
هناك برلمانات عربية ، هي تحمل اسم برلمان ، لكنها ( تحويلة إضافية) للتعبير عن صوت النظام الملكي في الممالك ، و الجمهوري ( في الجمهوريات ) و تبقى تعبر عن ذاتها الجماعية بروح ذاتية أفرادها كمجموع يسترضي بقاء قبول النظام لها لتسيير مصالحها الذاتية والفئوية ، ويبقي احتمالية بقاءها في البرلمان مدة إضافية .. وهي بذلك لن تختلف كثيرا عن لعبة الصوت في الدول الإمبريالية ، والتي يمنح الرضا فيها القوى المهيمنة رأسماليا و تتوزع في خندقين ، وليس خندق واحد ..
من هنا نقول أن وجود آخر قوي ، تفتح له قنوات النشاط داخل بلادنا يؤمن سير الحياة السياسية بشكل سريع . و على أصحاب القوة الراهنة الذين بيدهم الحكم أو يطمحوا لاستلام الحكم أن يعتنوا بالآخر ( المعارض) كاعتنائهم بذاتهم الجماعية لتأمين ما يلي :
1 ـ تنمية قدرات أفرادهم من خلال استفزازها لعمل ما يتم انتقاده جماهيريا من خلال رصد عناصر المعارضة لبؤر الفساد ، وممارستها النقد للدولة ..
2 ـ منع تسلل المتطفلين على الخط السياسي ، واستغلاله أسوأ استغلال ، و تجيير مساوئ هذا الاستغلال لطهرية الخط السياسي الحاكم ، الذي سيجد نفسه مضطرا للدفاع عن تلك العناصر الانتهازية المتسللة للحكم ، في غياب معارضة نشطة ، تمارس النشاط بروح وطنية عالية ترفد بها خط الدولة الوطني .
3 ـ تفويت الفرصة على المعارضة الخائبة ، من خلال دفعها لقول ما عندها وجعل الجمهور يقرر كم هي خائبة . و عدم ترك المجال لها لتبرر خروجها من البلاد و تمثيل دور الشهيد ، مما يجعلها تشوش على الوطن بصورة أكبر خطرا.
4 ـ تضييق الخناق على حلقات الفساد ، من خلال جعل الوطن ساحة مفتوحة لكل الشرفاء ، يسهمون في مراقبة كل مفسد .. وهذا يسهل ، دفع أطهر و أنقى العناصر الوطنية للتمكن من احتلال أعلى مناصب الدولة عن جدارة .
5 ـ تعزيز فكرة التحصن الجماهيري لدى الحكم ، بدلا من جعله أسير لفكرة التوازنات و المصالح الدولية الكثيرة والمتربصة بكل بلادنا ..
6 ـ تفويت التدخلات الخارجية ، من خلال ترسيخ مفاهيم تناقل السلطة بين أبناء الشعب بطريقة لا يمكن التكلم حولها ..
ان تلك الأمور السابقة ، لا يمكن التدرج بها و تحقيقها ما لم يتم التحرر الوطني بشكل كامل .. ولكن لا يمكن إغفالها و تجاهلها الى أبعد الحدود .. بل ممكن أن يتم التحدث بها مع فصائل وطنية ، حتى أثناء التحرر أو ترسيخ التحرر ، فهي أدوات فعالة في تحقيق التحرر الوطني ، وترسيخه ، و المضي قدما في تحقيق الدولة القوية التي لا تهاب أي خطر ..
عبدالغفور الخطيب
07-10-2005, 05:12 PM
الاستثناء داء يحطم كل قاعدة :
تحث كل نصوص السماء على العدل ، ويقول تعالى (يا ايها الذين امنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على الا تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى واتقوا الله ان الله خبير بما تعملون ) المائدة 8
كما أن نصوص كل الخطابات السياسية في الأرض ، يؤسس منذ بداية انطلاق الخطاب السياسي للحركة السياسية على فكرة العدل .. و ما أن يتم تسلم الحكم من قبل تلك الفئة ، الا وتظهر استثناءات هنا وهناك مما يلفت انتباه الجمهور وتظهر بؤر للتشويش على الحركة السياسية فتعيق من تقدمها ، وتفتح عليها جبهات لم تكن بالحسبان ..
لكن كيف تظهر الاستثناءات بمسار الحركة السياسية ، على افتراض نظافة ونزاهة الحركة محتكمين لأيديولوجيتها و منطلقاتها النظرية :
1 ـ بالرغم من نقاء الفكرة الوطنية و طهريتها ، فان أفراد الحركة السياسية الذين امتلكوا زمام تفوق ( الإرادة الراهنة ) صاحبة التغيير في الوضع السياسي ، قد ينقصهم الكثير من فنون الإحتراف السياسي الذي هو شرط أساسي من شروط ديمومة قوة الفئة السياسية صاحبة ( الإرادة الراهنة ) ، فستواجه فرسان التغيير من تلك الأنواع من المظاهر :
أ ـ ضعف في القدرة على تصنيف القادمين الجدد الذين أضيفوا الى نواة التغيير الأولى .. فيكون ذلك بؤرة جديدة لاحتمال ظهور المتاعب .
ب ـ تعدد العروض السياسية الدولية ، و صعوبة التعامل معها بكفاءة .. فتظهر أشكال من الاستعجال في اتخاذ القرارات ، و أحيانا أخرى إبطاء غير مرغوب فيه ..
ج ـ تنوع الواجبات الداخلية لإدارة الدولة ، والتي لم تكن الفئة السياسية قد تمرنت عليها بشكل كاف أثناء دعوتها الأولى . مما يضطرها للتعامل مع كوادر قديمة ، أو أن تعين كوادر غير قادرة على ضبط الأمور الا بالاستعانة بالكوادر القديمة ..
د ـ تنشط أجهزة نقل المعلومات حول أطقم الإدارة المنتشرة في عرض البلاد ، الى أعلى هيئة ، فتتخذ على ضوء تلك المعلومات إجراءات قد لا تكون منصفة . وتكون المعلومات المنقولة مخلوطة في رغبات إقصاء لمن كتبت بحقهم التقارير من أجل التفرد بمواقع من قبل ناقلي تلك المعلومات من الجيل الذي أضيف للنواة الأولى في التغيير ..
2 ـ لازدحام المهام و عدم كفاية وقدرة الكوادر في إدارة شؤون الدولة الداخلية والخارجية ، مع احتمال تسلل قوى معادية بنسيج هؤلاء الكوادر ، واحتراف القوى المتسللة للتماهي مع هالات قوة ( الإرادة الراهنة ) فان مظاهر ستبرز على هامش هذه الوضعية منها :
أ ـ إحالة الكثير من القضايا من مستوى الى المستوى الأعلى حتى يحس المستوى الأعلى بثقل تلك القضايا ، فإما أن يستعجل باتخاذ قرارات إزاءها .. أو يمنح المستويات الأدنى صلاحيات لاتخاذ قرارات تخفف العبء عنه .
ب ـ بالحالتين ، ستظهر مجموعات من الشخوص ، في كل قطاع من قطاعات الادارة و السياسة والاقتصاد .. تكون أشبه بالإقطاعيات منها بدولة المؤسسات والقانون ..
3 ـ لتسهيل حركة سير الأمور و ضبطها ، يتخذ أعلى مستوى ، قرارات أو تعليمات أو قوانين ، ليسير على هديها كل الكوادر في كل المستويات ..
4 ـ لتصلب و ضع الشخوص وازدياد أهميتهم شيئا فشيئا ، فان أجهزة القضاء ومعظم العاملين ، سينظرون الى هؤلاء الشخوص على أنهم خارج نطاق تلك التعليمات و القرارات و القوانين ..
5 ـ تتهافت المستويات الدنيا من كوادر الدولة الى الارتباط بالشخوص أصحاب الحظوة تلك .. عسى ان تتشفع لهم عند أعلى مستوى فيما لو تعرضت الى إشكال يمس عدم انضباطهم بالتعليمات و القرارات و القوانين ..
6 ـ عندما تزداد إيقاعات مشاكل الدولة الأمنية و السياسية .. لن توضع المشاكل الناجمة عن عدم ضبط أداء المستويات الوسطى و إقطاعياتها ، على سلم أولويات أعلى مستويات الحكم .. فتستشري ظواهر فساد ، ما كانت ستظهر لولا السيرورة التي جاءت بها تلك المستويات ..
7 ـ تجير كل مفاسد تلك المستويات أو الإقطاعيات ، على رأس الحكم ، ويصبح يفكر بإصلاح ما هو فاسد .. فتكون القسوة ، في كثير من المرات هي الحل .
8 ـ يهرب الملاحقون من الفاسدين ممن انتبه اليهم رأس الحكم ، ويصبحوا رصيدا إضافيا لمشاكل الدولة ..
ان كل هذا لم يكن ليحدث ، لو لم تستثنى شخصيات من العدالة .. والعدالة هنا لم يكن لتوجد ما لم يوجد الفهم الكامل لعلاقات الانتاج في المجتمع ، وصلة تلك البؤر الاقتصادية و الاجتماعية مع بعضها و مع الدولة نفسها ..
ان هذه الصيغة من دورة استلام الحكم وفقدانه ، مرت بها معظم أو كل الدول العربية ، لأن الخطاب السياسي الذي كان قوامه وجدانيا ، انشائيا ، لا يعدو كونه خطابا لإثارة الهمم الطيبة ، لكنه لم يرتق الى الفهم السياسي ، لأن المعارضة أصلا لم تكن تقسم الأدوار فيما بينها لمراقبة الدولة التي تنشد تغيير النظام السياسي فيها ..
فلو طلب من المعلم المعارض في الفصيل السياسي الذي ينشد تغيير الحكم ، بمراقبة ما يجري في وزارة التربية ، وطلب من الطبيب الذي ينتسب الى الفئة السياسية التي تنشد التغيير أن يراقب وزارة الصحة .. وهكذا .. فان الفئة السياسية تصبح قادرة على تشكيل حكومة ظل ، قبل استلامها الحكم ، ولتمكنت أيضا من صياغة خطابها السياسي بما يناغي آلام و آمال الجماهير .. وعندها سيزداد الالتفاف الجماهيري حولها ، و لأصبحت أقدر في التغيير الشامل ، والحفاظ على ما بعد التغيير ..
لكن دأبت معظم الحركات السياسية العربية ، على توزيع المهام بين كوادرها النشطة ، تضع المعلم مسؤولا عن الأطباء ، والطبيب عن العمال .. ويقتصر نشاطها الجماهيري على مظاهرة اذا ضربت بيروت أو بغداد أو الخرطوم .. فيكون نشاطها باستمرار ، كردة فعل باهتة ، لا يصنع فعلا .. ومن هنا عزفت الجماهير العربية عن الالتفاف حول تلك الفئات التي لم يعد منها الا أسماء !!
صدام العرب
07-10-2005, 05:29 PM
جاري القراءة
عذرا للتأخير
عبدالغفور الخطيب
10-10-2005, 08:44 PM
ملامح العشائرية لا زالت ترفرف في سماءنا :
1
كان العرب قبل الاسلام يعتمدون نظام العشيرة لأغراض متعددة ، فكان شيخ العشيرة يقوم بأدوار متعددة ، فهو مسؤول الأمن وهو مسؤول الاقتصاد وهو مسؤول القضاء ، وهو مسؤول الثقافة وهو مسؤول التخطيط .. وبقدر ما كانت تلك الأدوار تتم على أحسن صورة ، بقدر ما كان الاسم يتغير ، فيرتقي أحيانا الى زعيم و أحيانا الى أمير وأحيانا الى سلطان وملك ..
كانت المسألة الأمنية باستمرار تأخذ مكانة متقدمة في تفكير الزعيم القبلي ، وهي بالتأكيد ترتبط باقتصاد القبيلة ، الذي يرتبط بالحياة الرعوية ، فاعتداءات المعتدين كانت لطرد أفراد قبيلة من مرعى خصب ، أو إبعادهم عن مصدر ماء وأحيانا يسلبون مواشي القبيلة التي تتعرض للغزو ..
كان شح الماء هو السر وراء تنقل العرب حتى وصلوا الى نهر السنغال في غرب أفريقيا .. وكان شح الماء وراء تشرذم القبائل .. فلا توجد في جزيرة العرب مصادر مياه تتجمع عليها حواضر ذات سكان كثر ، بل كان ذلك في بعض مناطق بلاد الشام ، والعراق .. ولما كانت الهجرات بسبب الماء ، فلم يتجمع المهاجرون بشكل موجات تنفي ما قبلها ، بل تتعايش معها على حذر ..
من هنا فان القبائل التي كانت تستطيع الدفاع عن نفسها دون مساعدة غيرها من القبائل كانت ثلاثة : عبس و ذبيان و ضمرة .. وكان يطلق على القبيلة التي تستطيع تأمين أربعمائة مقاتل للدفاع عن نفسها ، اسم (جمرة) .. ولم يذكر عند عرب الحجاز سوى الثلاث جمرات السابقة ..
وعندما كان يحدث أن تتعرض منطقة لغزو قبائل ، في سنين القحط ، فان أحلافا تتأسس من عدة قبائل ، وتتخذ لنفسها (طوطما ) من قماش أو خشب ، يكون هو ( صايتها ) فطوطم الثور ، تكون القبائل المتحالفة تحته ، تسمى بني ثور ، وطوطم الأسد بني أسد و الثعلب ، و اسماء الطواطم دائما تأخذ أسماء حيوانات ..
2
في العصر الحديث حلت الدولة محل العشيرة و شيخها ، فهي التي تؤمن الحماية وهي التي تستورد وتنتج مؤن المواطنين ، وهي التي تعطيهم المعلومات من خلال مناهج تربية وتعليم مركزية ، وهي التي تعين القضاة ليفصلوا بين الناس عندما يختصمون ..
لكن تظهر ملامح العشائرية في كثير من النواحي :
1 ـ استخدام النسيج العشائري ، للتفضيل الانتخابي ، وهما أمران لا يستقيمان. فالتفاضل في مرحلة الترشيح سيكون متأثرا بقرب المرشح أو بعده عن من سيقرر من سيكون المرشح ، وفي الاقتراع سيكون أبناء العشائر في كثير من البلاد العربية ، متأثرين ومحكومين بعلاقة القربى بين الناخب والمرشح .
2 ـ التستر على هفوات أبناء الأقارب ..داخل أجهزة حكومات كثير من البلدان العربية ..
3 ـ ترقية أبناء قبيلة دون غيرهم ، لضمان كسب ولاء تلك القبيلة .. وهناك بعض الدول العربية من تفصل وزارات و دوائر على ضوء أبناء العشائر .. فترى مثلا يقال أننا لم نأخذ الاعتبار في تشكيل الوزارة العشيرة الفلانية ، فليعطوا وزارة الزراعة ، ولم نرضي العشيرة الفلانية ، فلنعطيهم الملحق التجاري في الدانمارك و محافظ كذا ..
باختصار توضع الدائرة المناسبة للعشيرة المناسبة ، وليس ينتدب للوزارة أو الدائرة الفلانية من يحل مشاكلها من رجال !!
4 ـ يتستر رجال الفكر والسياسة على اعتمادهم المستتر على قبائلهم وعشائرهم ، ففي حين يكون حديثهم للصحف والإعلام و في المجالس ينادي بحياة راقية متقدمة تسودها قيم الدين والعدل والخلق .. يكونون مدركين تماما أن الالتصاق بالقبيلة أو العشيرة هو السند الأكثر ثباتا ..
وبالرغم أن بعض الدول العربية ، قد تدربت على تغيير هذه الرؤية من سلوكها كمصر مثلا ، وهذا ما يفسر اصرار الثعالبي في كتاباته على استخدام تعبير مصر و الأمة العربية ، مصر والبلاد العربية .. فقد يكون محمد علي باشا ومن قبله المماليك لفترات طويلة لم يعتمدوا أساس العشيرة للولاء للدولة ، مما نقل المصريين نحو التمدن بالحياة السياسية قبل غيرهم من أخوتهم العرب .
لقد كان لقصر فترات الحكم الحديثة نوعا في معظم البلدان العربية ، هو ما جعل حكام البلاد العربية يلجئون للتمركز في قلب الحماية العشائرية و اللعب على مناغاتها . وان كان هناك مبرر لذلك ممكن أن يعطى لهؤلاء الحكام ، فهو مبرر الهواجس الأمنية لدى الفئات الحاكمة في البلاد العربية ، والتي تتوجس خيفة من كل من حولها ، فتضطر الى الانكفاء وراء معادلات عشائرية لضمان أمن الحكم .. ويترك أهم المراكز الأمنية و أكثرها حساسية ، ليتولاه أكثر الناس قربا و ثقة من رأس الحكم ..
ان ضمان الأمن البديل عن ذلك الأسلوب الذي لا يخلو من إثارة الضغائن والحسد و تنمية روح التآمر والانقضاض على الحكم اذا ما واتت الفرص لذلك . ان الأسلوب الأمثل هو ترسيخ وسائل تناقل السلطة بطرق أكثر وضوحا وعدلا ، ولما كانت الظروف الداخلية والخارجية ، لا تسمح بنمو الأجواء التي يتم فيها ترسيخ تلك الوسائل ، فستبقى العشائرية ترفرف في سماء أمتنا وتبقى المخاطر والمثالب تأتي كنتائج طبيعية لها ..
عبدالغفور الخطيب
15-10-2005, 03:36 AM
أي شكل للحكم ممكن أن يعبر بالعرب الى واقع أفضل ؟
( 1 )
العربي بحكم تاريخه القديم و لغته و بيئته ذات الطابع الصحراوي ، الباعثة للتأمل و الفقيرة ، له ضمير متوجس يخشى المشاركة في الاقتصاد والسياسة ، ويكره الانضباط و يتوق للحرية ، فهو ميال لترك المكان الذي يتوجس منه ما يبعث على قلقه ويحد من حريته ..
ولم تكن ممالك العرب القديمة الا أشكالا أميبية تتغير بالمساحة والشكل والتكوين السكاني ، من ممالك جنوب الجزيرة العربية ، حتى ممالك بادية الشام ، وان كانت إنجازات حضارات مصر والعراق القديمتين قد غطت على تلك الخصلة وجعلتهما كاستثناء ، فان من يغوص بالتاريخ أكثر فانه سيجد ما نرمي اليه من عدم ثبات الشكل العام في حدود الدولة .
ولما جاء الاسلام أوجد وازعا دينيا قويا لربط محور النظرة العام لإدارة المجتمع بالالتزام بشرع الله .. ولكن بقي ذلك الوازع يواجه ذبذبات تبتعد بعض الشيء عن المحور الجديد ، ليطفو مكانها عنعنة عشائرية هنا وهناك ، أو عرقية .. وكانت تخفت عندما يعلو صوت المعتدين .. حتى آلت الأوضاع لما وصلت اليه في نهاية حكم المتوكل ..
أما في العصر الحديث ، فقد أضيف لحالة التموج في معرفة فقه السلطة وطرائق إدارتها ، عوامل جديدة ، وهذه العوامل تتمثل بما يلي :
1 ـ ظهور النفط في المنطقة .. وما تبعه من تركيز عالمي استراتيجي على تلك المنطقة مما جعل القائمين على تثبيت أركان الحكم أو حتى إنشاؤه لا يستطيعون إسقاط هذا العامل من حساباتهم ..
2 ـ تشكلت الدول القومية في أوروبا ، على هامش استقلالها من الإمبراطورية العثمانية كما في حالة هنغاريا و بلغاريا و غيرها من الدول التي كانت تحت الحكم العثماني ، أو بعد نضال وحدوي كما حدث في ألمانيا وفرنسا .. حيث امتزج الفكر القومي مع الفكر الذي يتعلق بعلاقات الانتاج ، على هامش الثورة الصناعية ..
في حين خرج الشعب العربي من احتلال عثماني ، وان كان الكثير من النخب الفكرية في مطلع القرن العشرين ، يترحمون على أيامه . خرج العرب منهكين من الضعف والجهل والفقر .. فقد كانوا على جفاء مع خبرات الحكم منذ ما يقرب من ألف عام .. ليجدوا أنفسهم في أحضان استعمار جديد قوي ، ثبت في وطنهم التجزئة ، كما ثبت نخب ترتبط به ثقافيا ومصلحيا ، لا زالت مصانعها تنتج نتاج يعلن الولاء لتلك الدول لحد الآن .
3 ـ كان على النخب المتطلعة للخلاص أن تواجه كل تلك العوامل مجتمعة وفي آن واحد وبإمكانيات غير كافية لإنجاز انتصارات حاسمة . والمهام التي كان على تلك القوى أخذها بعين الاعتبار هي :
أ ـ تعبئة جماهيرية عامة ، لرفع مستوى الاستعداد لدى الشعب العربي لمواجهة كل الأعداء .. وبنفس الوقت يكونوا حالة من الجهوزية لاستلام الحكم . وقد كان يعيق تلك القوى في مطلبها هذا ، انتباه الأجنبي لهذا الحراك الذي لم يكتمل لحد الآن .. وتقوم الدول ( المستقلة اسما) بتنفيذ رؤى الأجنبي
ب ـ التطلع الى عقد تحالفات مع قوى عالمية ، للمساعدة في إنجاز مهام التغيير المحلي ، لكن مع إبقاء جوانب ناقصة في صيغ التحالف مما أو جد حالة من بقاء اليد العليا لتلك القوى الأجنبية مستمرة ، وبنفس الوقت يفتح لها ثغرات في جبهات التغيير القادمة ، يمكنها من مسك خيوط اللعبة السياسية بعد التغيير أو جزءا منها على الأقل للتكيف مستقبلا مع أي تطورات قد لا تكون من صالح تلك القوى الغربية ..
4 ـ عدم حسم النظم المعرفية التي تؤسس لفقه الدولة ما بعد التحرر ، ففي حين تتبنى بعض القوى شعارات قومية ، تفتح معها حالات استعداء أيديولوجية مع تيارات دينية و تيارات إثنية قومية ، وتيارات ليبرالية قطرية ، وتيارات ذات منشأ ماركسي .. أو اختيار أي من النظم المعرفية التي تخدم مصلحة فقه من الأنواع الأخرى .. مما يبقي الجدل أزليا في تفريخ خلافات على هامش النظم المعرفية تلك ..
5 ـ لغياب الاحتراف السياسي المعد مسبقا في إدارة الدولة .. تبقى الشعارات التي طرحت في الخطاب السياسي ، مجرد شعارات ، لا ترتقي لأي برنامج إجرائي .. وقد رأينا في أواسط الستينات ، حكومات عربية في ست دول ، تشابهت الطروحات القومية فيها ( الجزائر ، مصر ، العراق ، سوريا ، السودان ، اليمن ) .. وهي دول تشكل 80% من مجموع سكان الوطن العربي ..
وبالرغم من مناداتها بالقومية كأرضية فقهية للتشريع الإداري لدولها ، فانها لم تستطع الارتقاء بالحالة الوحدوية قيد أنملة ، ولم تستطع تطوير الاتفاقات الاقتصادية التي كانت تتم على هامش نشاط جامعة الدول .. كالسوق العربية المشتركة ، و اتفاقات المشاريع الاقتصادية التي كتب عنها ملايين الصفحات .
لا بل تراجعت تلك الدول الى الانكفاء القطري ، و أخذت تتلاسن فيما بينها ، فقد كانت معظم الخلافات العربية تتم بين تلك الدول ، لا بين غيرها من الدول التي لم تنادي بالقومية أو تنشد الوحدة بخطابها السياسي ..
لم تستطع تلك الدول استغلال حالة تضميد جراح الدول التي خرجت من الحرب العالمية الثانية ، وبقيت في حالة شد فيما بينها بالإضافة الى الانتباه الى داخلها للوقوف من جديد . فلو انتبهت تلك الدول العربية التي كانت تنادي بالقومية لطورت حالتها التضامنية التعاونية التي تهيئ للنهوض بالتوجه نحو الوحدة . هذا بالاضافة لحالة التوازن الدولية التي كان يعبر عنها من خلال الحرب الباردة.
لذا فان حركة التغيير التي يحتاجها الوطن العربي اليوم ، سيكون أمامها مهاما إضافية ، فهي بالاضافة لما ذكرنا أولا ، سيكون عليها وضع كل التغيرات العالمية بالحسبان . وهذا يتطلب إعادة صياغة الخطاب السياسي بما يبقي على طابعه الوجداني القديم ، مع إضافة فنون التحول التنظيمي والسياسي المرافق له، كما سيحتاج الى كوادر تستطيع فهم تلك الصياغات الجديدة ، ونقلها للجماهير من أجل تعبئتها و رصفها رصفا يتلاءم مع حجم تلك التغيرات ..
صدام العرب
15-10-2005, 09:23 PM
بارك الله بك
عبدالغفور الخطيب
18-10-2005, 02:22 AM
( 2)
هل يستطيع العربي أن يتكيف مع تلك التغيرات العالمية ؟
اذا قلنا أن العربي لم يفطر على الانضباط .. فان تلك السمة لم تعد ملصقة به الى ما لا نهاية مع شخصيته العربية .. وان كانت صفة عدم الانضباط تعود له فانها ستعود اذا تهيأت لها ظروف مناسبة ..
لكن نرى أن ابن الريف أو البادية ، الذي ينتقل الى المدينة ، فان كان لا يلتزم في مكانه الأصلي بالاصطفاف بطابور ليأخذ حاجته أو يسير بمعاملته ، لأنه يعتقد أنه من وجهاء تلك المنطقة أو من أبناءها الذين يجب أن يكون له حظوة معينة في التمييز عن غيره ! . فانه بالمدينة سرعان ما يلتزم بما يسري على غيره .. واذا خرج الى خارج وطنه ، فانه سرعان ما يقوم بما يقوم به أهل البلاد التي انتقل اليها ..
يبقى هنا على قيادات قوى التغيير أن تنظر الى المواطن الذي ، تكتب خطابها من أجله ـ أو هكذا تدعي ـ ، نظرة كشريك وإن كان في موقع أدنى من حيث الدور الذي يقوم به .. ولا تستصغر من شأن أي مجموعة أو شأن أي مواطن حتى ..
ففي البناء العام ، يكون أي إغفال لأي جزء من أجزاء البناء ، سواء كان تحت الأرض ، في مراحل التأسيس ، أو في مرحلة الصبغ و الدهان ، يجب أن يكون من مواصفات جيدة و يرتبط بما حوله بمواد أو عوامل ربط تتفق مع خواصه ..
فان كانت الجماهير بمثابة قاعدة لبناء الدولة ، يجب أن تكون واقفة على أرض ثابتة ، ومسلحة تسليحا جيدا و آخذة حاجتها من الإسمنت و تروى بعد كل إضافة فوقها ليضمن عدم تشققها .. وكما يحسب المهندس موضوع الأثقال و قطر كل عمود عندما يتطلع لبناء من عدة طبقات .. فعلى السياسيين أن يحسبوا قدرة تحمل جماهيرهم للأهداف التي وضعوها بخططهم .
وكما أن تداخل أطراف قضبان الحديد مهم جدا في ربط كل وحدة بالبناء ، فان ربط رأس الحكم و الحلقات الأدنى منه و الأدنى منها ، يجب أن يكون محكما ومنسجما مع طبيعة كل مادة ..
فان كان في حصى القاعدة بعض التراب الذي أدخل من باب الغش للتوفير ، والربح فان هذا التراب سيكون عامل تشقق للقاعدة التي تحمل البناء .. وان كانت بعض بلاطات الأرضية مغشوشة فان الماء سيخترق الأرضية و يتصدع البناء .. وهذا ينسحب على أعمدة البناء و تنفيذ السقوف ، و من بعده تأتي المستلزمات الأخرى كإسالة المياه و الإضاءة و الدهان و قبل كل ذلك طراز البناء و شكله و إضافات الجماليات عليه ..
ونحن إذ ننشد الأصالة ، فلن نستورد شعبا أو طرازا لهذا الشعب ، بل إن المهندس المقتصد هو من يوظف المواد الخام المتوفرة حوله ، توظيفا يتلاءم مع خصائصها .. لا أن يضعها بأوامر لا تتناسب مع إمكانياتها ، فرجل الدين له دوره و الطيار له دوره و المعلم له دوره .. وان أهملنا أي شريحة ، فان دورها يصبح كالأنقاض ( الردم) .. سيشوه البناء .. و لن يكون يوما أي مواطن بلا دور ، فمن يترك مواطنيه بلا دور ، عليه أن يكف عن دور المهندس السياسي في المجتمع ، رحمة بالمجتمع ..
صدام العرب
18-10-2005, 07:00 PM
هذا موضوع قيّم رغم أن هناك ملاحظات صغيرة جدا يأتي وفتها بإذن الله
هل هذا من تأليفك أم أنه موضوع جاهز
لأنه يستحق عن جدارة على أن يصنّف في كتاب
عبدالغفور الخطيب
18-10-2005, 07:59 PM
أخي صدام العرب .. أشكرك كل الشكر على المواظبة في قراءة ما
أكتبه .. وانا قد حاولت منذ شهر شباط أن أقدم مثل تلك المحاولة لكن
مع الأسف لم ترى سوى تعليقا واحدا .. أيضا كان من جنابكم ..
وليس جاهزا لحد الآن .. لكنني من خلال تجوالي بالمنتديات وما أطلع
عليه من نقد ، أحيانا يكون قاسي ومؤلم تجاه الفكر الوحدوي القومي ..
وأحيانا يرافقه إسقاط كامل من ذوي التوجه الديني الصرف .. فوضعت
مقتربات تهيئ لطرح .. قد يصلح أن يكون مادة للتفكير لدى المهتمين ..
وكانت المقتربات عبارة عن تكثيف مختصر جدا لدول وممالك العرب ما
قبل الاسلام .. ثم أخذت موضوع ( من الوحدة الى التجزئة ) .. ويرافقه
موضوعات تصب في دراسة تاريخ ( جيران العرب من المسلمين ) ..
حتى تكون الصورة قابلة للتكوين عند من يحاول ربطها مع بعض .
و أنا معك ، فأحيانا عندما أعيد قراءة ما كتبت بعد مدة ، فأحاول تبيان
الفكرة في المقالة الثانية ..
على العموم أنا أعتبره محاولة متواضعة من ( هاو ) .. قد يغير هذا
الاعتبار ، تشجيع أمثالكم ..
بارك الله بك
ولك أطيب أمنياتي بالتوفيق
عبدالغفور الخطيب
19-10-2005, 03:24 AM
هل العربي يتحين الفرص للانقضاض على دولته ؟
الدولة في ذهن العربي تمثل طرفا آخرا في الغالب ، و نادرا ما تكون ما تمثل الإرادة الكلية للشعب .. وهذا يرجع لمفهوم الدولة عندنا كعرب ، والذي يكون باستمرار مشوبا بضبابية و عدم وضوح و اهتزاز في أكثر من منحى أو معنى :
لغويا : الدولة لفظ آت من الجذر(دال) ، وتداول ، ودواليك ، و (تلك الأيام نداولها بين الناس ) وكلها دلائل تفهم من يستمع لها بعدم الثبات ، بعكس تلك التي في ألفاظ غير عربية فمثلا تعني كلمة STATE المأخوذة من STATUS تعني الجبل ، أو الصخرة الصلبة ..
جغرافيا : ليس هناك ذاكرة ثابتة عند العرب ، ولا اتفاق على حدود الدولة القوية التي ينشدونها ، ففي حين نعتبر امرؤ القيس و النابغة الذبياني و جميل صدقي الزهاوي ، و أحمد شوقي وأبو القاسم الشابي ، وسليمان العيسى ، أبطال مسرحية من فصل واحد ومكان واحد ، هو مكان التراث و الحضارة الموحدة للأمة ..
نجد هناك مساحات لاعتبار الكويت و قطر والأردن ، كل منها أمة ، فيسمى مجلس النواب و الأعيان عندهم ب ( مجلس الأمة ) .. أي أمة ؟ هل هي الأمة التي تتطابق مع الأمة التي في الذاكرة الحضارية و التراثية ، أم الأمة التي تتقاطع معها ، وتعتبر من يطالب بمجد الأمة التراثية و الحضارية ، ارهابيا و متدخلا في شؤون الأمة ( القزمة ) في الواقع السياسي الراهن ؟
كما سنجد أناسا لا يرغبون في استخدام مصطلح الأمة العربية ، بل يتوقون لمصطلح الأمة الاسلامية ، بما فيه من تعقيدات كثيرة ..
اجتماعيا : يكاد كل أبناء الوطن العربي ، يتفقون على مسألة واحدة ، وهي بالطبع تصب باتجاه عدم الارتياح الذي يكنه المواطنون للدولة .. وهي اقترانها بأسماء أسر .. فالفراعنة و الكنعانيون و السومريون .. والأمويون و العباسيون وحتى تصل الى السعوديين وغيرهم ..
فيقف المواطن حائرا ، يبحث عن علاقته و مصلحته القوية في الدفاع عن تلك الأسر ، وغالبا لم ولن يجدها .. فاذا لم تحكم الدولة ( الأسرة) قبضتها على جموع المواطنين ، فانهم بمجرد أن يكون هناك فرصة للإنقضاض على الدولة ونهبها ، فانهم لا يتوانون ..
ان تفسير التهرب من الضرائب ، والبحث المستمر عن الواسطة التي تعفي أحد المواطنين من واجباته نحو الدولة ، كالإعفاء من الجمرك أو قبول أحد الطلبة ذوي المعدلات المتدنية في الجامعة بدلا من طالب متفوق ، أو أكثر أحقية ضمن لوائح القبول الموضوعة ، و غيره من مئات بل آلاف الأمثلة ، كلها تصب في مسألة أن الدولة ليس لها وظيفة تاريخية أو حتى ضرورة تاريخية واضحة المعالم ، ليس لدى المواطنين فحسب ، بل حتى لدى القائمين عليها ..
لقد لفت انتباهي في أحد الأقطار العربية ، حيث توضع على الطرق رادارات لمحاسبة من يتجاوز السرعة ، حيث تقف (دورية شرطة ) وتخالفه .. ففي الغالب يقوم المواطنون بتحذير بعضهم البعض بواسطة الأضوية العالية ، فالقادم من جهة الدورية يحذر من يقابله من السواق لكي يخفف السرعة ، حتى لا يقع في المخالفة .. وهذا ربما يكون طبيعيا ، لتحالف أبناء البلد ـ دون أن يعرفوا بعض أثناء التحذير ـ ضد الدولة ..
لكن الذي أثار استغرابي ، أن من كان يحذر المركبة التي كنت فيها ، هو ضابط شرطة لم يزل في ملابسه الرسمية ، ولكن دوامه قد انتهى ..
ان هذه الأجواء المفعمة بكره فكرة الدولة ، تجعل المواطن في القرن الحادي والعشرين ، هو نفسه المواطن في القرن الثالث الميلادي ، فعندما أيقن الأعراب الذين كانوا مع ( زنوبيا ) ملكة (تدمر) أنها فشلت في حصارها لروما ، وأنها لا بد من أن تخسر الحرب .. قاموا بسرقة الجيش الذي كانوا فيه ينضوون ..
صدام العرب
19-10-2005, 06:52 PM
الأخ العزيز
لك أن تثق أن ما تدعوه عمل هاو قد ارتقى على ذلك بمراحل
وله متابعيه
وكما ذكرنا سابقا أن الأوضاع الحالية قد لا تسمح بالتواصل الحواري المفصّل
ولكن هذا وفي كل الأحوال لا يعني أنه لا يلقى القبول بل والبحث والدرس في أكثر من اتجاه
ولا نقول إلا أن جعله الله في ميزان حسناتك وأفاد به أمة محمد عليه أفضل الصلاة والتسليم
عبدالغفور الخطيب
20-10-2005, 08:27 PM
العربي بين مفهومي النخوة و تلقي الأوامر ..
اذا صاحت امرأة بالحي مستصرخة من فيه من حيف حل بها أو اقترب أن يحل ، فان من في الحي ممن سمعها سيهرعون لنجدتها دون أي منظم لهم . فالعرض و الأرض مقترنات ببعضهما عند العربي ، ويرتبطان بمسئوليته تجاههما . في حين يهرب من خدمة العلم أو التجنيد الإجباري الكثير ، لا لأنه جبان ، بل لأن ذلك يقترن بأوامر .. وهنا يبرز الواجب بدل المسئولية !
عندما يكون لدى أحدنا ولد في مقتبل العمر ، و نود تكليفه بمهمة بسيطة كأن يشتري بعض الخضار للبيت من أجل عمل طعام للأسرة .. فان كان هذا الولد سيلقى عليه مجموعة من التعليمات ، كوجوب أن يلبس في رجليه و ينتبه من السيارات في الشارع ، وأن يبلغ تحيات الوالد لبائع الخضار ، ويعد النقود التي يعطيها للبائع وينتقي الخضار الجيدة الخ من قائمة طويلة من التعليمات ، فان ذلك يوحي باحتمالين إما تدني مستوى الوالد العقلي أو تدني مستوى الولد .. فيكفي أن يعطي الوالد بالحالات الطبيعية لولده إشارة بالطلب لإحضار بعض الخضار !
ان تعدد القوانين و تعدد الجهات المصدرة للقوانين والتعليمات ، في الدولة وتداخل عدة قوانين في قضية واحدة .. فترى مثلا قانون نقابة المهندسين يسمح بمسألة ما ، في حين لا تسمح بها قوانين البلديات . ان تلك الحالة تجعل المواطن أمام خيارات عدة ، بين البحث عمن يرشده لفهم قانون ما ، أو البحث عمن يرشده على التحايل على قانون ما .
يكون أحدنا ابن أسرة كبيرة أو عشيرة كبيرة أو ابن قطر كبير أو ابن أمة كبيرة .. وعندما يقع في محنة ما يحس أن كبر الهالات التي كانت حوله أو ينتمي لها لم تسعفه كثيرا .. لا بل سيجد نفسه وحيدا في كثير من الأحيان .. ان وجوده وحيدا ، يحتاج الى وقفة ..
فلا يعقل أن تجتمع عشيرة بكل رجالها في لحظة معينة لتنصر أحد أفرادها في شجار لم تأخذ العشيرة علم بأسبابه و توقيتاته .. كما أن هذا الشجار قد يكون المخطئ به هو ابن العشيرة ، فتخبو دوافع الوقوف الى جانبه .. وان حدث ووقفت العشيرة بجانب ابنها مرة ، فلن تقف معه على الدوام ، هذا بحالات عدم إخبار العشيرة باحتمالات حدوث مثل ذلك الشجار ..
أو قد يتعرض تاجر لإفلاس ، ولن يجد من يقف الى جانبه لكي يعيد وقوفه من جديد على قدميه لاستعادة عافيته التجارية ..
كنا نحس بألم شديد عندما ينتصر الكيان الصهيوني بغربته و أعداد أفراده الضئيلين في منطقتنا العربية ، ونحن أصحاب الأرض و التراث و الحضارات وقبل كل شيء أصحاب الحق ..ونتساءل بحسرة شديدة لماذا حدث و يحدث ذلك ونحن الأكثر ..
ان أي فئة قليلة منظمة ومؤمنة بسيرورتها نحو أهدافها ، ستتغلب على الفئة الأكبر غير المنظمة ، وغير المدربة على الإيمان بقضاياها ، وهذه مسلمة لا تحتاج الى حديث كثير ..فخمسة أشخاص ينوون الشر لقرية مكونة من ألف نسمة ، سيحققون هدفهم ، طالما أنهم هم في حالة توثب و تنظيم والقرية عبارة عن شخص غير مبال وغير مستعد مضروب بألف !
هذا في حالة الشرور .. أما في حالة الخير و الحق فان الخمسة يستطيعون التغلب على آلاف مؤلفة .. اذا استطاعوا ان يسوقوا خططهم و برامجهم لجموع المواطنين الغافلة ، فانهم بكل تأكيد سيكسبون و سيحققون انتصارات هامة قصرت المدة أم طالت و لا أظنها ستطول ..
فالرهان على المقاومة العراقية البطلة ينبع من هذا الأساس في الفهم .. وان شئنا التأسيس لحالة عربية أوسع ، فالطرق مفتوحة على سعتها .. لا نحتاج الا قليلا من خفض الجناح و الصبر في نقل وعي من يعي لمن لا يعي ، مع الاهتمام بإبراز رغبتنا بالحاجة لمن نخاطب لا أن نسفه دوره الساكن ، متخذين من سكونه الآني صفة دائمة ملتصقة به و بمن حوله ..
علينا التذكر أن في كل شيء حولنا أو في إمكاننا الوصول اليه فائدة ما ، فكما قد نجد ببقايا بيدر القمح الذي نأكله ، تبن لحيواناتنا ووقودا لأفراننا ، لا نستصغر من رأي في صالح قضايانا يأتي من معارض في دول أعداءنا .. فهذا سيفتح ثغرات بجبهة أعداءنا .. وهذه ليست استلهاما لأساليب أعداءنا في حربهم علينا فحسب ، بل هي سنة الصراع على مر التاريخ ..
لكن قبل أن نقوم بالتفكير باستغلال جهود من هم معنا من شعوب أعداءنا ، علينا أن نتدرب لنمتن علاقاتنا بمن هم من جنسنا و ديننا و أمتنا و أقطارنا .. وعندما ننجز رص جبهتنا الداخلية ، لا نعود في حاجة لمزيد من التعليمات لتلمس طريقنا .. فنحن أبناء أمة نجيبة تكره الإطالة في التعليمات و تكره الضيم وتحب النخوة وتهب من أجل رفعة شأن الأمة ودينها ..
عبدالغفور الخطيب
22-10-2005, 01:42 AM
ان من يرث شيئا مأمونا يحبذ أن لا يكون له شريك فيه ؟
من يولد في بيت فقير ، ويموت والده ، عليه أن يشق طريق حياته بجد ومواظبة و كدح ، وقد يفلح و قد لا يفلح .. لكن من يولد في بيت غني موسر ، فانه يبقى طيلة حياته يحلم بحيازة ما سيترك أبوه ، فان توفت والدته بحياة أبيه فانه سيكون من كبار المعارضين لزواج أبيه ، لما قد يخلق له هذا الزواج من شركاء في التركة لم يحسب حسابهم أثناء أحلامه ..
ومنهم من يمضي ما تبقى من عمر أبيه ، في التآمر على نيل أكبر قدر من التركة ، كأن يأخذ وكالة ، أو يعبئ صدر والده ليحرم أخوته الآخرين من التركة في حياة أبيه ، أو أن ينال نصيبا من والده في حياته كحظوة دون أخوته ..
وقد يكون الأب مستقيما مؤمنا ، لا ينشد سوى رضا الله ، و إحلال العدل بين أبنائه و بناته .. ولكن دهاء بعض أبناءه يجعله أحيانا يبتعد عن الصواب ، فتمتلئ صدور من يغبن في حياة الأب أو بعد غيابه ..
هذه أحوال الحكم في بلادنا العربية ، فمن يحيط برأس الحكم ، يستمرئ الأبهة التي يحظى بها ، فحتى يضفي عليها صفة الديمومة ، أو يضيف على حظوته مزيدا من الامتيازات ، فعليه أن يمنع بروز مزيد من الشركاء .. حتى لو كانوا على درجة من القدرة و الإبداع مما يصب في مصلحة الوطن .. فتلوح في صفحة أفكاره ، أن رأس الحكم قد يعجب بمثل هؤلاء المبدعين ، فيقربهم منه أكثر ، وقد يكون هذا التقريب على حساب من هم قريبون في الوقت الراهن .
ان الهالة المحيطة برأس الحكم ، قادرة على معرفة ما يسره و ما يغيضه ، فيختارون فهرسا كاملا بخصال قد يبدو شيئا منها ظاهر لرأس الحكم ، كالادعاء بالمعرفة أو المعرفة نفسها ، ويضيفون عليه ما يجعل هذه المعرفة مصدرا للإزعاج و الخطر في المستقبل .. ويعمد من في الهالة المحيطة بالحكم على إعطاء رأيهم على دفعات ، يكون توقيت إبلاغ رأس الحكم بها منوطا بمعرفتهم الدقيقة بإحداث الأثر الذي ينشدون من وراءه ..
ان الهالة التي تحيط برأس الحكم ، تعرف خصائص و أطماع مكونات الهالة عنصرا عنصرا ، فتتعايش مع بعض وتوحد جهدها لخدمة أهدافها كفئة متعايشة مع بعضها و مع رأس الحكم .. لذا فان الخارجين من دائرة نعيمها أو رضاها ستتعامل مع رأس الحكم و الهالة المحيطة به ككيان واحد أو مجموعة واحدة .
و إن كانت وحدة الهالة المحيطة برأس الحكم لها ما يبررها .. فان وحدة أعداءها رغم اختلاف دوافع العداء له ما يبرره ..وان كان عدم تعرض أعداء أي حكم لبعضهم البعض ، وظهورهم (في حالة التعايش) و كأنهم جبهة أو حشد متماسك ، فان هذا الحشد سرعان ما يختلف و ينفرط عقد تعايشه الآني ، بمجرد إحساسه ببعض الأمان .. وذلك عند اقتسام الغنائم و التركة !!
ان هذا الشكل من الحكم سيجبرنا على ربط ما بدأنا به الحديث ، بتشبيه الحكم بالخيمة التي عناها الشاعر
( البيت لا يبتنى الا وعماد له ... ولا عماد ان لم ترس أوتاد )
ان ديمومة أي حكم ، وانطلاقه نحو العظمة ، يكون مرهونا بدقة ربط كل أجزاء الحكم من رأس وهالة و هالات و أقاليم و محافظات و أقضية و نواح و قصبات وقرى ، و أحياء و أسر و أفراد .. مرورا بتنظيم القطاعات الفاعلة ، دعائيا وإداريا و مهنيا و ثقافيا و فنيا ..
وهذه الوحدات المتداخلة والمتشابكة والفاعلة لا ينظم سيرها دون اصطدام أو تضاد سوى منظومة فكرية تراعي الموروث النوعي للأمة و الفهم الواعي لكيفية تفجير إبداعات المجموعات و الأفراد وفق التطور الحضاري الذي يمكن للأمة القيام به بكفاءة قياسية ..
صدام العرب
22-10-2005, 06:25 PM
اللهم انصر الإسلام والمسلمين
اللهم أعز الإسلام والمسلمين
اللهم دمّر الكفرة والمشركين
جاري القرآءة
عبدالغفور الخطيب
25-10-2005, 01:17 AM
المصلح السياسي .. و مفهوم البطولة المنتظرة ..
عندما يسود الكبت في مجتمع ما و زمان ما ، فان مكنونات المجتمع من أحاسيس ستجد طريقها للظهور بأشكال مختلفة .. تماما كما هي الحال اذا ترك أحد أنابيب معجون الأسنان مفتوحا لمدة فان فوهة الأنبوبة ستتصلب عليها المادة ، حتى لا تعود تخرج منها بيسر .. و اذا ما تعرضت الأنبوبة لضغط عليها فان محتوياتها ستخرج من خاصرتها أو من أي مكان عدا الفتحة الأساسية ..
لن يتوقع أحد مكان خروج الاحتقانات ، ولن تنسب الأقوال و الانتقادات الى أشخاص معينين .. وستغيب ظاهرة البطل الذي له اسم محدد ، وسيظهر أبطال بشكل أشباح ترى أثرهم و لكن لن تعرف أسماؤهم .. وقد يسرق أي شخص أو أي فئة عمل الأبطال المستترين ، وينسبه لنفسه ، أو قد تنسب جهة ثالثة البطولة الى جهة أخرى ، لتوظف هذا التنسيب لأغراضها . كل هذا يحدث طالما الأبطال الحقيقيون لا يفضلون الإعلان عن أنفسهم .. لغايات يدركونها تمام الإدراك و يعلمون وقت تبيان شخوصهم ..
في القديم ، خرج بعض الرواة بالحديث بلسان الحيوانات ، لكي يعبروا عما يسود من بؤس ومن ظلم ، لا يستطيعون قوله بالقلم العريض .. فأسهمت أعمالهم في ملئ الفضاء الذهني بما يجول بخاطر البؤساء من الشعب ، فكان عمل ( كليلة و دمنة ) إعلانا مواربا لمنطوق الصامتين من الشعب ..
و اليوم الطاغوت الأكبر بظلاله العالمية الثقيلة يحاول أن يخرس أي صوت يخرج هنا وهناك ، منذ بدايته .. فمن الطبيعي أن يتحول التذمر الى تأمل و تفكير و همس و من ثم الى صراخ صامت .. يتم التعبير عنه بمقالة بحديث في زاوية ، بعمل فني ، أو بأشكال تعبيرية مختلفة ستملأ الفضاء الذهني برأي عام لا يستطيع من يكرهه أن يتتبع مصادره ..
سيكتشف القاصي و الداني أن حالة الرضا المزعومة ، لم تعد كما تعبر عنها لا الدوائر الغربية و لا الدوائر الرسمية العربية ..
ان المصلح السياسي هو كالمصلح الاجتماعي ، أو هو مصلح اجتماعي أصلا ، لن تكون مناسبة ظهوره ، مناسبة استثنائية ، أو محض صدفة ، بل تكون نتيجة انشغال المجموع العام من الناس في التفكير بمسائل مشتركة ، دون إبلاغ بعضهم البعض عن هذا الانشغال .. فتكون مناسبة ظهور المصلح السياسي (البطل في هذه الحالة) .. هي مناسبة طبيعية .. ولكنه سبق الآخرين الى خط اكتشاف الممر المؤدي للخلاص قبل غيره ..
قد يكون المصلح فردا ، وقد يكون فردا من مجموع أفراد .. خاضوا تجربة جماعية عملاقة ، لكنهم لم يستطيعوا الوصول بها الى نهايتها ، لأن الظروف الموضوعية تغلبت على قدرتهم الناشئة في عينة من الوقت . وهذا لا يعني بالضرورة التسليم بخطأ السلوك .. بقدر ما هو اعتراف بعدم إحكام فنون اللعبة بما يتلاءم مع شراسة القوى الداخلة ضمن الظرف الموضوعي ..
في حالة أن يكون الفرد أو الفئة هم من النوع الذي خاض تجربة عملاقة ، وبدا لمن يراقب أو من الضعاف الذين اشتركوا بخوض التجربة تلك ، والذين خاضوها لا لتمثل عقيدة منهجها بسلوكهم المتصاعد .. بل من خلال التصرف كمن هم سائرين ضمن ( نزعة القطيع ) .. في تلك الحالة فان التعنيد أي استخراج جيل قد عركته التجارب المريرة و بقي على إيمانه ، سيكون من ضمن المكاسب الهائلة التي قد لا يطول الاعتراف بوضعها ..
في حين يرتكس من كان يراهن على التجربة كمراقب ، أو من الضعاف ، على أن لا أمل يرتجى بعد من المضي بما تم السير به .. وسيكونون بابتعادهم أو بالافصاح عن مكنونات دواخلهم ، قد قدموا خدمة جليلة للأمة .. حيث يكون من تبقى على عهد الإيمان الأولي قد ارتقى لمصاف الأبطال ..
عبدالغفور الخطيب
26-10-2005, 02:45 PM
أبواب أمل مشرعة .. أمام أبناء أمتنا ...
لم تكن الأمة العربية في حال وجداني ، أفضل مما هي عليه الآن .. وقد يستغرب البعض من طرح كهذا في أيام كهذه .. ووجاهة استغرابه آتية من قبح ما يرى .. لكن ان أقبح صور المرأة الجميلة ، هي في لحظات ولادتها ، حيث ينفش شعرها و يسيل ريالها و يكثر صراخها .. لكن ما تضع من مولود ينسي من يرصد تلك الأعراض قبحها ، بل يجعل هذا القبح طقسا من طقوس الولادة لا بد منه ..
ما الذي يدعونا لتلمس أبواب الأمل تلك ؟
1 ـ لقد مر على الأمة العربية أكثر من ألف عام سلبت السلطة من أبناءها ، من خلال تسامحهم في إعطاء الأولوية الدينية على الأولوية القومية ، فمارس الحكم على العرب ، عروق مختلفة ممن اعتنقوا الاسلام .. ليس من الانصاف التعامل مع كل من حكمنا منهم بنفس الطريقة .. فمنهم قادة عظام أعطوا الدين بعده العالمي من خلال فرض هيبة الحضارة الاسلامية .. ومنهم من ذاد عن الأمة أخطار المغول والصليبيين ..
لقد تكدست فرص مزاولة الحكم عند أسر غير عربية ، وحرمت منها أبناء العرب بشكل لا مثيل له .. فتولد شعور عند أبناء الأمة ، كالشعور الذي يمر به من استعان بأحد لانقاذ أرضه من العدو ، فينقذها و يستغلها أسوأ استغلال ، حارما أصحابها الأصليين من خيرها .. بل وينقل خيرها الى مكان بعيد غير الذي استخرج منه .. ويستغله في بناء حواضرها و تعليم أبناءها .. في حين يبقى ابن الأرض المستغلة ينعم بحمى المستغل (بكسر الغين) و ينعم معه بالفقر والجهل والبؤس !
ان هذا التأرجح بالشعور تجاه تلك الحكومات التي حكمت العرب و هي من أصل غير عربي .. هو من أوجد التباين في النظرة الإيبستمولوجية للمستقبل .. فمن مناد بالعودة الى الدين كمخلص الى مناد بتقليد الغرب بليبراليته و ماركسيته ، الى مناد بتجميع العنصر العربي حيث وجد في الرقعة التي ألصق عروبته باسمها ..
ان كل هذا و ما جرى عليه من تجريب ، خلال قرن من الزمان ، و بعد مطالعة نتائج كل تجربة على أي خلفية ، و الوقوف عند إخفاقات ونجاحات كل نموذج .. اكتسب العربي خبرات لا أظن أن هناك في العالم من اكتسب مثلها من خبرات .. وهذه نقطة أمل أولى ..
2 ـ بعد أن دافع المدافعون عن فضل غير العرب على العرب ، في الدفاع عن ديارهم .. وبعد أن تأمل العرب بما هم فيه ، وهل حقا أن هؤلاء لهم كل هذا الفضل علينا ، لدرجة أننا نتسامح معهم لتذويب شخصيتنا ؟
لم يأت هؤلاء على العرب طائعين يعلنون اسلامهم ، بل بعد معارك تحرير ونشر الاسلام ، ولم يألو جهدا في مقارعة الفاتحين العرب ، وعندما تم إدخالهم في الاسلام ، كان العرب عنصر نقي في جيوش الفتوحات .
3 ـ ان اسهام غير العرب في نشر الدين أو في الفتوحات ، أو في العلوم ، هو آت من تهيئة أجواء و بيئة الإبداع لهؤلاء في كل المجالات ، عسكرية أو علمية ، يعني بضاعتنا ردت إلينا ..
مع ذلك بعد كل هذا وذاك خرجت أجيال ، لا يعييها التوفيق بين كل تلك الرؤى في تلمس طريق الخلاص .. فلم تعد المغالاة بالتطرف ، سواء كان العرقي ، أو الطائفي أو غيرها ، تقرب من الخلاص ..
عبدالغفور الخطيب
28-10-2005, 02:27 PM
لا نحب اسمكم أيها العرب !
يتطير البعض من ذكر مصطلح الوطن العربي ، أو الهوية العربية ، متذرعا بأن في تلك البقعة عروق غيركم أيها العرب .. و تنطلي تلك الاعتراضات على التسمية ، حتى على بعض المثقفين العرب ، فيقولون : فعلا نحن نستفز هؤلاء بذكر العروبة و جعلها مقترنة باسم المكان ..
ماذا نسمي بلادنا ؟ أنسميها بلاد العرب و الكرد ونسرد كل مجموعة اثنية حتى يكون الاسم واقعي ؟ وفي كل الأشياء فان الشيء الأكثر هو من يحمل الاسم ، فكيس الحنطة الذي به حبات شعير أو حتى عدس ، حتى لا يفهم بأن الشعير أرخص من الحنطة .. فانه سيبقى كيس حنطة .. ولن يذكره أحد باسم كيس الحنطة الذي به حبات شعير وعدس وزيوان و بعض الحصى و اللؤلؤ !
ثم ألا يحق للعرب أن يحملوا اسم تلك المنطقة ، فبغض النظر على أنهم الأكثرية ، لكنهم الفاتحين لها و الصابغين لها بصبغة حضارية موحدة ، من دين و أدب و أحلام و آلام ..
ألم تأخذ أمريكا ك ( قارة ) اسمها من اسم ( أمريكو فسبوشي) .. وألم تأخذ كولمبيا اسمها من ( كولومبس) .. لم نسمع أحد يحتج على تلك المسألة ..
لقد حاول البعض بقصد خبيث أن يهمش مسألة القومية ، أو حتى يلغيها ، بحجة نتانة الدعوة لها . رغم أن القومية العربية لم تكن قومية شوفينية في أي عهد ، بل كانت منفتحة على كل القوميات وتفاعلت معها آخذة من غيرها و معطية لها .. رغم كل ذلك ، فان من يحرم ذكر القومية مستندا الى الآية الكريمة { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } الحجرات 13
نعم ان الأكرم عند الله هو الأتقى .. وأيضا موضوع التعارف ، يبلغ درجة هامة ، في كل شيء .. فنحن عندما نقول (عرب) ليس إعلانا بالحرب على العالم ، بل لنعرف غيرنا بأننا عرب .. فلا يعقل أن يحمل كل سكان العالم نفس الاسم ، حتى لو اعتنقوا كلهم دين الاسلام .. فلا بد من التعريف بالمنطقة واللغة والتاريخ ، حتى يسهل التعامل مع تلك العينة من أبناء الأرض .
ان المقاصد الخبيثة التي يطلقها البعض عن قصد ، ويرددها بعض العرب عن حسن نية .. ترتبط مع نشاط فكري آخر ، يسفه من ماضي العرب ، وقدرتهم على الإبداع .. فعندما يتكلم عن الطب يقول الرازي و أصله من كذا وابن سينا و أصله من كذا و الفارابي و الغزالي والبخاري .. ولا يحاول ذكر عربي في أي مجال ، ليوصل لك رسالة بالتالي ، بأن أهميتك كعربي ، جاء بها رفد هؤلاء غير العرب بالإبداعات !
لقد تناسى هؤلاء بأن من فجر إبداعات غير العرب ، هم العرب بحملهم للرسالة وإداراتهم العادلة . كما أن هذه الأمة الراهنة هي وريثة حضارات وادي النيل والعراق واليمن و شواطئ المتوسط و الأطلسي .. ولا يستطيع أحد بالكرة الأرضية أن يزعم أنه وريث تلك الحضارات العملاقة غير العرب ..
ان القضية أكثر عمقا من الاعتراض على الاسم ، بالقدر الذي هو اعتراض على اللغة التي تفسر القرآن .. ويعلم أصحاب تلك الدعوات أغراضهم جيدا .. فقد حاولوا ببداية القرن العشرين استبدال الحروف العربية بلاتينية أسوة بما حصل في تركيا .. ثم تبعوها بدعوات التحدث و الكتابة باللهجة المحلية ، ولكنهم فشلوا ، وستذهب كل محاولاتهم بالفشل ، لأن الله تعالى قد طمأننا بأنه الضامن لبقاء هويتنا .. اذ قال { انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون } الحجر 9 .
و قال تعالى أيضا { وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وما جعلنا القبلة التي كنت عليها الا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وان كانت لكبيرة الا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع ايمانكم ان الله بالناس لرؤوف رحيم } البقرة 143
وحتى نكون شهداء ، يعني سيكون حضورنا مستمرا الى يوم القيامة ، لنشهد على الناس ، فلن نندثر كأمة و لن يندثر دورنا في حمل الرسالة ، وتفسير ما قد يصعب على أبناء غير العرب تفسيره من القرآن ..
صدام العرب
28-10-2005, 03:07 PM
معك متابعون
عبدالغفور الخطيب
29-10-2005, 03:36 PM
أجيال متعددة تتعايش في حالة فريدة ..
من كان يعيش في عام 1955 م ومن كان يعيش في عام 955 م ، يكونان متشابهان في كثير من المسائل .. سواء كانت في طرق كسب الرزق أو تماسك الأسرة ، أو القاعدة الخلقية المؤثرة في السلوك أو إكتناه سلوك الآخرين ..
في عام 1955م لم تكن نسبة العاملين في غير قطاع الزراعة والرعي ، أكثر من 25% من أبناء الأمة العربية .. و يتوزع هؤلاء على قطاعات التجارة والخدمة في الجيش و قطاع التربية والتعليم و بشكل أقل في الصحة و النقل وقطاعات أخرى ..
أما اليوم فإن التوزيع قد انقلب ، حيث لا يعمل في قطاع الرعي والزراعة الا حوالي الربع من سكان الوطن العربي ، في حين تضخم أعداد العاملين في القطاعات الأخرى ، كما تم استحداث قطاعات عمل كثيرة و جديدة . وهذا أدى الى تغير هائل في موضوع التعامل مع الدولة و الصورة التي يريدها المواطن من الدولة أن تكون عليها ..
كما أن التوزيع الجغرافي للسكان قد تأثر تأثرا ملحوظا ، حيث انتقل قسم كبير من سكان البوادي والريف العرب ، الى حواضر من مدن كبرى الى مدن متوسطة ، وما تبع هذا الانتقال من صهر الكثير من النظرات تجاه كثير من المسائل ، ومن بينها مسألة النظر الى موضوع الدولة ..
و للوقوف على تأثير تلك التغيرات ، سنحاول إلقاء نظرة موجزة لثلاث أجيال متعايشة الآن مع بعضها ، تختلف في نظراتها التقييمية تجاه الكثير من المسائل التي تتناول موضوع الدولة ، لكنها تسهم في ضخ آراء تتزاحم في الفضاء الذهني العربي العام ..
أولا : جيل الأجداد المتبقي على قيد الحياة :
رغم أن هذا الجيل لا يتعدى نسبة 12% من سكان الوطن العربي ، الا أنه لا يزال يحظى بتأثير هام في الحياة العامة ، من حيث :
1 ـ أن معظم من هم في سدة الحكم أو من يعطي فقها للحكومات العربية هم من أبناء هذا الجيل .. بما يحملوه من خبرات تخص الحكم والحياة معا ، تنتمي لمخزون معرفي متأثرا بالمسار التاريخي السابق ..
2 ـ ان معظم ممتلكات الأمة من أموال و جذور أموال ، لا زالت بأيدي هذا الجيل الذي يديرها أو يحب أن تدار بمعرفته المتكونة من خبرات سابقة !
3 ـ ان السلطات الاجتماعية ، غير المصنفة على أنها مرتبطة مع الحكم ، لا تزال بأيدي أبناء هذا الجيل .. فالعشائر و أشباه منظمات المجتمع المدني من أحزاب و نقابات و غرف تجارة و جمعيات خيرية و غيرها .
ولما كانت ذخائر هذا الجيل (الأجداد) ، تتضاد بدرجة أو أخرى مع الأجيال التي بعدها من أبناء و أحفاد من حيث :
1 ـ أن جيل الأجداد الذي كان معزولا ثقافيا ، ولا يتلقى ثقافته ومعرفته الا من خلال القنوات التي تسمح سلطات الأب في حينه و سلطات الدولة . مما جعل المسطرة التي يقيس عليها الأمور التي تستوجب القياس ، تتسم بنمط تراثي .
2 ـ ان شكل النشاط الذي كان سائدا في أواسط القرن الماضي كان ينقسم الى خندقين لا ثالث لهما وهما الأول : خط الوطنيين والثاني : خط الأعداء .. وقد كان الخط الأول من السعة بمكان بحيث أنه يضم في جوانبه الديني والقومي واليساري .. ضد الاستعمار ومن كان يقف الى جانبه .. مما جعل طابع النشاط المعارض ، يأخذ صيغة جبهوية أو حشدية أو حركية ..
3 ـ لقد زاد حجم المسكوت عنه في صفوف قوى التحرر العربي ، وكان ذلك في سبيل الاستقلال و التحرر .. وما أن استقلت بعض الدول العربية ، حتى طفا المسكوت عنه الى السطح ، ليشكل بيئة خصبة لنمو أشكالا مختلفة من الصراعات على السلطة لا تزال تولد قلاقل من أقصى غرب الوطن العربي الى أقصى شرقه ..
4 ـ كانت نمطية الجهد الذي قامت به قوى المعارضة في كل أطيافه ، نمطية تتصف بالعموميات الوجدانية و إثارة الهمم الطيبة والتغني بأمجاد ، لم يستطيعوا رسم إحداثياتها بدقة .. ولا حتى يوظفوها توظيفا تاريخيا يصب في مصلحة الاستفادة من دروس و هفوات الماضي ..
في حين ان الجيلين الجديدين ، قد لمسا نوعا من عبثية المناداة بتلك الصيغ العمومية للخطاب السياسي في أواسط القرن الماضي .. فجامل أبناء الجيلين من في الحكم ، وكانوا أول من ينتقد الحكم في أي فرصة ، يحسون بها أنهم قد خرجوا من خطر ذلك الحكم !
عبدالغفور الخطيب
30-10-2005, 07:09 PM
الجيل الثاني : جيل التحولات و التغييرات ..
اذا كان الجيل الأول ( الأجداد الذين لا زالوا على قيد الحياة) .. قد استقى معلوماته و تكوينه المعرفي عن طرق قراءة كتب التراث التي تم إعادة طبع الكثير منها في بداية الخمسينات ، و ما تعلمه في المدارس على أيدي معلمين وضعت مناهج التدريس بين أيديهم وفق تلك الروحية ..
واذا كان ذلك الجيل قد عاش فترات الاستقلال الشكلي الأولى لمعظم الأقطار العربية ، كما عاش مرحلة اغتصاب فلسطين و معارك تحرير الجزائر و الكثير من الأقطار العربية .. وتوج تلك الأجواء بقراءات لشعراء مثل الزهاوي و الرصافي و علي محمود طه و أحمد شوقي و أبو القاسم الشابي و سليمان العيسى .. مما جعل مزاجه مزاجا مراهنا على نصر وشيك !
فان جيل الآباء قد عاش فترة التجريب المرير العقيم ، التي ضاع بها ما تبقى من فلسطين .. و هوت الشعارات النارية التي كان يتم التعبير عنها من خلال خطابات عبد الناصر ، و الكتب القومية و الماركسية و الإسلامية .. و أعيقت مشاريع (أحلام الوحدة) .. و انكفأت الحكومات التي كان مؤسسوها ينادوا بالوحدة ، صوب التقوقع القطري .. وتم التفنن بالتضييق على الحريات العامة ، بحجج مثل الطوارئ و دقة الظرف الراهن !
في مثل تلك الأجواء المخيبة للآمال ، ما كان أمام جيل الآباء الذين تعددت مشاربهم المعرفية والثقافية بصورة تفوق مصادر آباءهم عشرات المرات من خلال القنوات التالية :
1 ـ آلاف الخريجين من جامعات أجنبية وعربية ، امتزجت معارفهم العامة مع معارفهم العلمية ( المهنية ) .. وبعد عودتهم ، أحدثوا تغييرا في المزاج العام .
2 ـ تطور القنوات الإعلامية ، سواء كانت بالإذاعة أو التلفزيون ، أو المجلات والكتب ، وارتخاء قبضة المراقبة الحكومية في البلدان العربية .. مما أسهم في تطوير تقنية التعاطي في الرأي عند الناس ..
3 ـ التسلسل الدرامي للأحداث السياسية في الوطن العربي ، وظف طاقة هؤلاء الشباب بتوجيهها نحو إبداء الرأي و تناقله بين شرائح المجتمع العربي .
4 ـ تطور الجامعات العربية ، و جعل ساحات الجامعات ميدانا رحبا ، لتجنيس (صهر) الرؤى ، وتكوين محور نظري سائد بين أبناء هذا الجيل ..
واذا عرفنا أثر النزوع للإستهلاك الذي قفز بشكل طفرات متتالية لأبناء هذا الجيل والذي اختلف اختلافا بينا عن طرق الاستهلاك المحدود لأبناء الجيل السابق . فاننا نستطيع التعرف للشكل الذي برر به أبناء هذا الجيل تحركهم من خلاله .
لقد اتسم سلوك معظم أبناء هذا الجيل في كل البلدان العربية تقريبا بالتالي :
1 ـ المراهنة على تطور سريع في حياتهم .. وعدم إظهار الرضى في الحياة .
2 ـ التزلف و التملق للقائمين على الحكم ، كل حسب تواجده ، في الدوائر أو التقرب من مديريات الناحية أو القضاء أو المحافظة .. والتباري في إثبات حسن السلوك تجاه من هم في الحكم ..
3 ـ تبرير الرشوة والفساد بحجج واهية ، تستند كلها الى ضيق الحياة المعيشية ، والنظر الى من هم أعلى منهم و كيف ينعمون بأموال البلاد !
4 ـ عدم المشاركة العلنية بالحياة العامة ، الا اذا ربط من يحكم تلك المشاركة بمفاهيم الولاء و ما يتبعه من ترقيات للأفراد ..
5 ـ العزوف عن القراءة و المطالعة ، بحجة عدم الفائدة من ذلك .. وان كل الذين يكتبون من الكذابين !
6 ـ التفكير المستمر بالهجرة .. اذا لم يتم تكوين ثروة سريعة لدى أبناء هذا الجيل ..
ان أثر هذا الجيل الذي يتصف بصفة الطارئ على الوطن ، لم ينتبه لها لا جهاز حكومي عربي ، ولا جهاز تعبوي دعائي معارض .. فكان أثر هذا الجيل الذي تعامل مع الوطن وكأنه زائر أو ضيف ، أثرا مزدوجا ، فبالإضافة أنه سلبي ومؤذي في أغلب الأحيان ، فقد خلف جيلا أكثر تطرفا بعدم المبالاة و حتى الانحراف .. الا القلة التي اهتمت أصلا بترابط الأجيال !!
صدام العرب
30-10-2005, 07:42 PM
هاي اشوكت تكتب هالحجي
وانت صايم لو بالليل لو شلون يعني
عبدالغفور الخطيب
31-10-2005, 01:03 PM
الجيل الثالث ( النشء الجديد ) :
اذا كان الجيل الثاني الذي اتسم نشاطه بعدم اليقين من أي شيء ، و أصبحت الرموز التي كانت تشكل أمثلة عليا لدى الجيل الأول ، سواء كانت مجسدة بأشخاص بعض معلمي المدارس و الجامعات وبعض الكتاب والشعراء و القاصين الجيدين .. كل تلك الشخصيات تم التشكيك في صلاحيتها أن تكون أمثلة عليا لدى الجيل الثاني ..
فان الجيل الثالث قد أضاف لهؤلاء النماذج التي كانت تحرس القيم ، وتبث بعض المحفزات لإثارة الهمم لدى المجتمع ، أضاف لهم جيل الآباء و اعتبره جيلا لا يصلح انتقاء أمثلة عليا منه . أما لماذا ؟ وما الذي حصل ؟:
1 ـ راقب النشء الجديد منظومة القيم ولاحظ بعدها عما هو سائد ، فلم تعد قاعدة أو مقولة ( أحب لأخيك ما تحبه لنفسك ) .. ولم تعد قاعدة ( حديث نبوي): (مثل المؤمنين في تحابهم كمثل الجسد الذي اذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر و الحمى ) .. ولم تعد قاعدة ( القناعة كنز لا يفنى) .
2 ـ ان الانفصام الذي حصل بين مفردات ( منظومة القاعدة الخلقية) وبين كل ما يجري ، جعل أبناء هذا الجيل يقلصوا دوائر نشاط بحثهم عن مطابقة تلك (المثل) مع أقرب الناس اليهم ، علهم يهتدوا الى مثل أعلى يقتدون به .. فيلحظوا الأب و قد خضع للعبة التزلف والنفاق التي ذكرناها .. ولاحظوا المعلم الذي أصبح يتفنن في كسب رزقه بالاحتيال على الطرق السوية في التدريس ، وجر بعض الطلبة ليأخذوا عنده بعض الدروس الخصوصية .. فهوى أهم منبعين لاستلهام المثل الأعلى من بينهما ..
3 ـ لكثرة الخريجين وازدياد نسبة التعليم ، و عدم تميز المتعلم عن غيره ، لم تعد العملية التعليمية تشكل رديف للعملية التربوية التي تبقي حالة التطور الحضاري ، مقترنة بمفاهيم الأصالة و مفاهيم النمو المتوازن ..
4 ـ ازدادت الفوارق بين الأغنياء و الفقراء خلال العشرين سنة الماضية ، وقفزت أحلام تتدخل في شكل سلوك الأجيال .. كما ازدادت معها متوسط أعمار الزواج لدى الجنسين ، مما خلق وضعا مرتبكا لم تعهده الأمة ، على أكثر من صعيد ..
5 ـ ان الثورة الإعلامية العالمية ، وتقديم نماذج من الحياة اليومية ، ونماذج من المشاكل .. دفعت هذا الجيل الى الإحساس بانعدام الوزن ، واسوداد المستقبل أمام أبناءه .
ان كل تلك المعطيات أوجدت صفات لهذا الجيل ممكن تلخيصها بما يلي :
1 ـ عدم القراءة و المطالعة ، للإحساس بعدم نفعها .. بل و تعدت تلك الصفة الى المواظبة على الانتظام بالمدارس و المعاهد و الجامعات .. فأعطت صبغة عامة على انخفاض المستوى العلمي قياسا بمن سبق من الأجيال .
2 ـ انخراط ابناء هذا الجيل في نماذج متناقضة غير سوية ، فمن الالتزام المبالغ به بالتجمعات ذات الطابع الديني .. الى الانحراف و تعاطي كل أشكاله التي لم تكن تعرفها الأمة سابقا ..
3 ـ فقدان الإحساس بالهوية الوطنية ، وهذا يتمثل بأزياء بعض الملابس و قصات الشعر ، و ترديد بعض الأغاني و الغوص باستخدام الشبكة العنكبوتية لصرف فيض الاحتقانات المتعددة ، وبأشكال تنذر بخطورة ما !
4 ـ فقدان حالات الانضباط الاجتماعي العام .. كما رافق تلك الصفة عدم التهيب أو الخوف من شيء ، وهي صفة لم تتواجد بالجيلين السابقين بهذا الوضوح .
ويبقى بين كل تلك النماذج مساحات يعيش بها نماذج سوية ، سيكون لها شأنا وقدرة استثنائية في تصويب حال الأمة ..
عبدالغفور الخطيب
01-11-2005, 01:01 PM
تتابع الأجيال .. البذرة أهم أم الفسيلة ؟
نعلم في مهنتنا أن تطابق مواصفات النبات الذي يتكاثر بالبذور يكون أقلا منه في النبات الذي يتكاثر بالفسيلة أو ما يطلق عليه التكاثر الخضري . فلو رميت ببذرة مشمش أو تمر أو حتى قمح في مكان ما ، وقدر لها أن تنبت ، فانها لن تشابه النبات الأصلي الذي أخذت منه .. وبالغالب تكون أسوأ من النبات الأصلي ، لذا كان آباؤنا يبحثون بجدية في حقل واسع عن سنابل يأخذون بذورها ، ويزرعونها في منأى عن الاختلاط بغيرها ، من أجل تحسين البذور لديهم .
أما الإكثار بالفسائل أو العقل أو التكاثر الخضري بشكل عام ، فيكفي أن تأخذ فسيلة أو جزءا خضريا من نبات و تعتني به ، حتى ينتج نباتا مطابقا لمواصفات أمه .
نحن أمام مهمتين : الأولى المحافظة على الخصال الجيدة للجيل السابق ، والمهمة الثانية : هي تحسين الجيل القادم بمواصفات تزيد جودة عن سابقاتها من الجيل الأول . كيف ؟
ان سباق التتابع الذي يجري على صعيد الرياضة ، حيث يركض من نقطة الانطلاق (أ ) أحد المتسابقين ليعطي رسالة ( في الرياضة عصا خفيفة) للمتسابق الذي عند النقطة ( ب) وهذا بدوره يركض ليعطيها للمتسابق الذي عند النقطة (ج) وهكذا حتى يستلمها من هو عند آخر نقطة ..
ان من يراقب تقنيات هذا السباق ، يرى أن المتسابق عند النقطة التالية (ب) مثلا ، سيركض مسافة تساوي عشر أو خمس المسافة التي ركضها من هو قبله حتى يصلا معا الى النقطة ( ب) ، فيكون عندها تسارع الذي استلم الرسالة يساوي أفضل حالاته للانطلاق ، وهكذا يفعل كل واحد عند أي نقطة .
لو أسقطنا هذا المثل على تتابع أجيال حركة النهوض العربي ، فلا بد أن يكون التفاهم بين الأجيال يتشابه مع التفاهم بين المتسابقين في المثال السابق ، فلا يعقل أن يبقى أحدنا محتفظا بكامل لياقته الفكرية مدى الحياة ، فلا بد أن يستلم راية النضال أبناء الأجيال القادمة .. وحتى يتم تسليمهم على أحسن وجه ، لا بد من التصالح و التفاهم معهم ..ليبقى التسارع في حالاته المثلى ..
اننا عندما تحدثنا عن رداءة الجيلين و ما مر بهما من ظروف جعلتهما يعطيا صفة أو صبغة سيئة تنذر برداءة ما هي عليه الأمة . لم نذكر ذلك كدعوة للتسليم باستحالة التغيير في حال الأمة . فتلك الصفات تجدها في كل أمم العالم . ولكننا أشرنا الى أن هناك مساحات ، يعيش فوقها نماذج مؤصلة ، لم تستطع أن تعبر عن الأمة بخصائصها هي ، بل استطاعت النماذج السيئة أن تعبر عن ذاتها السيئة ، مما ألصق صفات السوء بالأمة .
لكن ان نسبة 2.5% من أي مجموعة ، فئة كانت أو طائفة أو شعب أو أمة هي كافية لتحدث التحول و التحسين لواقع الأمة ..
يكفي أن يلتقي خمسة من الجادين ، لينظموا مظاهرة يخرج بها عشرات الألوف .. و هي نسبة لم أخترعها ، بل هي نسبة اتفق عليها كل علماء علم النفس السياسي .
ففي صف طلاب مكون من أربعين طالب ، يستطيع واحد أن يحل سؤالا صعبا ، ولا يستطيع واحد أن يحل سؤالا اذا استطاع أن يحله ال 39 طالب ، و يبادر واحد من الطلاب على الضحك على موقف لم يكتشفه الآخرون ، ولكنهم يضحكون عندما يبين لهم وجه الضحك بالموقف .. ويبقى طالب واحد لا يضحك اذا ضحك كل الطلاب !
من الواضح أن عملية تجميع الجادين في الأمة هي أسهل مئات المرات من تجميع غيرهم ، لأن ما يجمعهم يحمل أسباب الوجاهة ، في حين غيرهم لا يستطيع الثبات لرداءة و سفالة ما يطرح من أفكار ..
عبدالغفور الخطيب
04-11-2005, 02:47 AM
متى يتحرك الناس للتغيير و كيف يتحركون ؟
الامتعاض ، عدم الرضى ، الرفض ، السخط ، العصيان المدني ، التمرد .. والكثير من المصطلحات التي تشير لحالات تسبق التغيير في أي بلاد . لكن ما الذي يجعل أن يكون هناك شعبا راضيا و شعبا رافضا ، و إنسانا راضيا و إنسانا رافضا ؟
قد يقدم لإنسان كسرة خبز وقليل من الماء ، ويكون شاكرا و راضيا و قانعا وحامدا .. وقد يقدم له طعام فاخر من أجود الأصناف ، ولا يبدي الرضا و لا الشكر ، بل سيفتش عن أدق التفاصيل و يجعلها مدخلا لإبداء عدم رضاه .. كالاحتجاج على كمية الملح الزائد أو الناقص ، أو درجة نضج الطعام الخ .
في حالات قبول المواطن للحكم أو عدم قبوله ، لا تخضع الأمور دائما لاحتكام المنطق والعلم ، بل تخضع لنفس المزاج الذي سقناه بمثال الطعام .. فمن المواطنين من يمدح الحكم أي حكم ، دون أن يلمس منه أي شيء إيجابي أو سلبي ، وهناك من يعلن رفضه وعدم حبه للحكم منذ اللحظة الأولى ؟
تتدرج حاجات الناس في ثلاث مراحل متتالية من حيث الأهمية ، المرحلة الأولى : هي الحاجة للمنفعة الحدية ، ففوائد السكن الحدية مثلا ، هي الوقاية من عوامل الجو والطبيعة وتأمين الستر للساكن .. فان توفرت ينتقل الإنسان لتلبية الحاجة الثانية وهي الرمزية ، كأن يلتزم بنمط البناء السائد في المنطقة من طراز عربي اسلامي ، أقواس ، مقرنصات الخ .. فاذا تحققت انتقل الى اشباع الحاجة التميزية ، كأن يختار بعض أصناف الرخام أو الحجر مع التفنن بنقشها ليتميز على غيره من السكان الذين أمنوا سكنهم أولا والتزموا بالطراز المعماري ثانيا .. فلم يبق الا أن يتنافس معهم على تخصص يميزه !!
سنجد هذا التسلسل في كل المناحي ، بالملبس والطعام ووسائط النقل .. حتى في تقبل موضوع الدولة ..
فالحاجة الاساسية للدولة ، كما يراها البعض هي تأمين القانون الذي يحمي الناس من بعضهم ويؤمن حماية البلاد من العدوان الخارجي ، ويوظف خيرات البلاد لخدمة أبناء البلاد .. وقد تكون هناك أهداف في مخيلة أي فرد تتقدم على غيرها من الأهداف الأخرى التي تكون هي لدى أفراد آخرين بالصدارة ..
لكن ما هي العوامل التي تجعل السمة العامة لدى المواطنين هي عدم الرضا ؟
1 ـ غياب العدل ، وكثرة الاستثناءات تجعل المواطنين يتبرمون من وضع الحكم .. وعندما يحكم على مواطن بحكم قاس ، ويدرك أنه لا يوجد من ينصفه لأنه وقع بشباك معقدة من الإجراءات التي تكفل عدم تغييرها صرامة الرؤى الحكومية تجاه ، مثل تلك الأصناف من الأحكام .. فإن المواطن سيشعر بقهر وإحباط هائلين ، سيشكلان في داخله ندبا يبني عليها مواقفه المستقبلية ..
2 ـ ضيق المعاش على المواطن ، يجعل مشاعره تجاه المكان الذي يعيش فيه غير ودية لأنه لم يشبع حاجاته الحدية من مأكل و مشرب ومسكن و تعليم و علاج من خلال تلك الأوضاع .. فان وده تجاه المكان و من يديره ( الحكم ) ستكون بلا شك ، مشاعر غير ودودة بأقل تعبير ..
3 ـ مشاهدة المواطن لنماذج تقل عنه كفاءة و نشاطا ، لكنها تعيش في أوضاع أكثر راحة و يمن منه .. وذلك لأنها محسوبة على جانب الولاء للنظام الحاكم ، فهذا يجعل هؤلاء الأشخاص مهاميز استفزاز مستمر لذلك المواطن ، خصوصا اذا كان على صلة مكانية أو زمانية بتلك النماذج .. كزمالة في المدرسة أو الكلية أو جار أو قريب .. وقد عرف عن ماضيه ما يؤكد عدم استحقاقه للعيش بهذا النمط المتفوق على نمط المواطن ..
4 ـ نموذج المفروزين من الحكم ، لعدم مطابقة سلوكهم مع السلوك العام للحكم.
5 ـ هناك نماذج تكون أكثر نشاطا في تحركها ، و أكثر قيمة عند القوى الخارجية التي تتربص بأي بلد سوءا .. وهي النماذج التي كان آباؤها و أجدادها متسيدون في عهود قديمة ، كعهد الإقطاع أو عهود الحكومات المرتبطة بالأجنبي بوقاحة ، فهؤلاء مهما كان شكل الحكم ، يبقى الحنين لأمجادهم السابقة هو من يحركهم ويدفعهم للمساهمة في رفض أي حكم لا يعيد لهم أمجادهم ..
6 ـ النموذج الأخير الذي ينشط و يغلب على نشاط كل النماذج السابقة .. هو نموذج الرافضين للحكم لعدم تحقيق الشخصية الوطنية للبلاد ، وعدم تحقيق إنجازات على صعد تطوير هيبة البلاد و النهوض بها اقتصاديا و علميا .. وهؤلاء في الغالب هم من السياسيين المحترفين .. الذين يستطيعون في الغالب استثمار تذمر الفئات الأخرى ..
وعلى العموم فإن كل تلك الفئات والنماذج ، غالبا ما كانت تفشل في البلدان العربية ، التي توقف فيها الأثر العسكري في تغيير الأنظمة منذ أكثر من ثلاثين عاما لأسباب ذكرناها في موضع سابق .. كما أن السلطات الحاكمة في أغلبية الأقطار العربية والتي تمكنت من معرفة وقف التغييرات التي تتم بواسطة الجيش (رغم حالة موريتانيا كاستثناء) .. فقد احترفت التعامل مع القوى المعارضة .. واستطاعت شرذمتها و تخفيف أثرها .. بالإضافة لافتقار تلك الفئات المعارضة نفسها لتحديث أساليب معارضتها المدنية ..
عبدالغفور الخطيب
05-11-2005, 12:34 PM
المنظومة الأخلاقية عند العرب :
(1)
للعرب خصائص ينفردون بها عن بقية شعوب الأرض ، وتلك الخصائص كما أسلفنا آتية من الطبيعة الجغرافية و المناخية ، إضافة الى الموروث الحضاري العميق الذي يمتد قرابة عشرة آلاف عام ، حيث أنه لا يوجد من ينافس العرب على الإدعاء باستحقاقهم الانتساب الى حضارات وادي النيل والعراق وشرق المتوسط و جنوب جزيرة العرب .. حيث تسربت أهم مفردات السلوك البشري من جيل الى جيل حتى بقي أهمها قائما الى وقتنا الحاضر ..
وقد شاهدت في مناطق حوران ، شيوخا يستخدمون ألفاظا وأمثالا من يتأملها يجد ما أشرت لها .. فتجد أحدهم يقول ( بمشير يتساوى اللوكسي والعفير ) .. وهو مثل يطلقه فلاحو حوران من مزارعي الحبوب المعتمدة على الأمطار ( البعلية أو الديمية ) .. واللوكسي هو الزراعة المتأخرة في تشرين الثاني أو كانون الأول (نوفمبر أو ديسمبر) .. والعفير هو التبكير بالزراعة في أيلول و تشرين الأول ( سبتمبر أو أكتوبر) .. و ( مشير ) هو شهر آذار (مارس) عند الفراعنة في مصر .. وملخص المثل هو : من زرع مبكرا أو متأخرا فان المزروعات ستتساوى في آذار (مارس) ..
وتجد هؤلاء الفلاحين يفرحون عندما ينزل المطر بكميات كافية ، فتجدهم يبشرون بعضهم وهم يتحلقون حول المواقد في الشتاء ( أبشر فقد ألقحت !) ، وعندما تحريت عن هذا المصطلح الذي استمعت اليه كثيرا ، وجدت أن السوريين كانوا يعتقدون أن السماء (ذكر) والأرض (أنثى ) .. وتبشيرهم لبعض أن خصاب الأرض قادم لا محالة فقد (ارتوت ) ..
كما أن هناك عادات يقومون بها في رمضان ، يعتقدون أنها اسلامية وهي بالحقيقة فرعونية تماما .. فانهم يوزعون اللحوم على الفقراء من أيام الخميس في رمضان ، اعتقادا منهم أنها مرتبطة بالدين .. ولكنني كنت من القلائل الذين يتذكرون قبل أربعين عاما عندما كان كل بيت يذبح مجموعة من الخراف في شهر نيسان ويوزعون لحومها ، ونيسان في التقويم (الجلفي) الريفي في المنطقة كان اسمه ( الخميس) ، نعم شهر اسمه الخميس ..
ومن يكن على اطلاع على سلوك أهل مصر زمن الفراعنة ، عندما كانوا يرمون في نهر النيل أجمل بناتهم ، ظنا أن إله النيل قد فشل في حبه ، وأخذ يذرف الدموع بغزارة .. فاتقاءا للفيضان الناجم عن تلك الدموع ، كانوا يضحون ببناتهم عسى أن يهدأ إله النيل ! ثم تطورت تلك الحالة واستبدلوا البنات بأبقار ثم خراف و كان هذا التطور قد حدث أواسط القرن الألف الثاني قبل الميلاد .
ولما كان الفيضان يحدث في شهر أبريل ( نيسان الخميس ) فقد تطورت تلك العادة التي أصلها أسطوري ، وكان له تفسيره في حينه ، حتى وصلت الينا واستعيض عن الخميس الشهر بخميس رمضان !!
اننا و نحن نسوق تلك العينات البسيطة من التراث ، التي لا تدلل فقط على وحدة التراث العربي واختلاطه و تماسك الأمة بعفويتها على مر العصور .. بل لنؤسس عليه كيفية نشوء مخطط البناء الأولي للقاعدة الخلقية عند العرب ، وكيفية بناء منظومة محددات السلوك العام ..
عبدالغفور الخطيب
07-11-2005, 01:00 AM
المنظومة الأخلاقية عند العرب :
(2)
كما هو معروف فان فكرة القومية ، هي فكرة حديثة ، وان كان السلوك وفقها سلوك قديم ، وان البقعة المكانية بما تحتويه من مخزون حضاري و سلوكي ولغوي هي ما تصبغ البلاد مع سكانها بصبغة تختلف عن بقاع أخرى ..
فتكرار المفردات اللغوية وتكرار ردات الفعل إزاء ما يدور حول الفرد ، وتقييم ردات فعل الآخرين تجاه فعله ، يشبه الى حد كبير مسألة التوفيق بين صنبوري الماء النازل من فتحات ( دش الحمام ) .. فان كان الماء باردا أو حارا فان الجسم لا يطيقه .. وهكذا هي حالة مواضعة التعايش بين الفرد أو الفئة مع المجتمع الأوسع ..
فان ذهب أحدنا و كان أصله من البادية أو الريف الى المدينة فانه لا يحتاج الكثير من الوقت حتى يهتدي لفكرة التوازن و المواضعة بين سلوكه و منظومة أو منظومات سلوك الآخرين .. وهكذا نفعل اذا خرجنا من بلادنا و أقمنا للدراسة أو للتجارة في بلاد غير عربية ، فسرعان ما نتكيف ونلتزم بضوابط و منظمات سلوك من نحن في ضيافته ..
لا يشترط أن نقتنع أو نحب عادات و سلوك الآخرين الذين ننتقل اليهم ، بل لضرورات التعايش غير المحرج فاننا سنتكيف ، وان كان ذلك على مضض . وعندما ننفرد بأنفسنا أو أسرنا التي نشأنا بينها ، فاننا لا نحتاج الى من يقول لنا عودوا الى سابق عهدكم في سلوككم .. فان كنا لم ننشأ على استخدام الشوكة والسكين ، فاننا وان عشنا مدة نستخدمها بإتقان في ضيافة مجتمع آخر .. سرعان ما نعود الى طرق تناول الطعام على نهج أهلنا ..
هذا ينسحب على مفردات اللغة أو اللهجة أو اللغة نفسها . كما ينسحب على منظومة القيم التي ينظر بها الى أمور كبرى كالدين والسياسة والدولة ، وغيرها من محاور نشاط المجتمع العام ..
وكلما طال الزمن كلما انصهرت جزئيات الذات الفردية بالذات المجتمعية .. حتى يصبح من الشذوذ التفكير بالذات الفردية أو الفئوية مقارنة بالذات المجتمعية الأوسع ..
هذا يدفعنا الى وجوب التسليم بإمكانية تعايش الأعراق والأديان والطوائف في مكان واحد ، اذا اهتدوا الى الكيفية التي يتعاملون بها مع بعضهم البعض ، ومع مرور الوقت فان الانصهار بين جزئيات سلوكهم ، ستصنع حالة من الاستعداد للتلاقح الفكري و الوثوب من قبل الجميع للدفاع عن تلك المنظومات الفكرية التي تكونت على مرور الزمن ..
لقد عشت في مدينة الموصل أكثر من عشرة سنوات ، وتلك المدينة بها من الأخلاط العرقية والطائفية ما لم يكن موجودا في أي مدينة بالوطن العربي .. فمن عرب الى أكراد الى تركمان الى شبك الى جرجر الى آثوريين و فليحي وغيره من الأعراق و الطوائف .. لم يكن لدي أي استثناء أو استهجان من أي نوع من الناس هناك ، فكان لي أصدقاء و جيران يفيضون طيبة وود ، وحسن استقبال و حسن معاملة .. بل أن من ربى ابني و بنتي البكر هم من الشيعة الشبك ..
لم أستطع التعرف على عرق و طائفة أصدقائي بيسر ، لأنهم كانوا متشابهون في كل شيء في النخوة و تفقد الصديق و الاستقبال بالبيت ، وتقييم ما يحدث على مستوى الوطن والأمة ..
انك لو سرت في سيارتك في أحد الشوارع العامة ، فانك ستصدف سيارات من موديلات مختلفة منها الحديث والثمين ومنها القديم و قليل الثمن .. ولكنهم يلتزمون كلهم بقواعد السير .. وانه من الشذوذ أن يفتح أحدهم نافذة سيارته باهضة الثمن ويسخر من الذي في جانبه اذا كانت سيارته قديمة ، فان فعل ذلك فانه سيواجه إما بشتيمة أو بنظرة ازدراء و امتعاض مستتر !
تتعايش أصناف من الكائنات الحية مع بعضها وتقتسم ما كتبه الله لها من رزق وتتقاتل أحيانا اذا تم التعدي على خصوصية فرد من أفراد هذا الصنف .. و أحيانا تتعايش أنواع من الكائنات الحية في بقعة واحدة ويلتزم كل نوع حسب ما سخر له من إمكانيات ..
ونحن البشر نتعايش مع غير من الكائنات الحية بالإضافة لتعايشنا مع أبناء جنسنا البشري . ونتعظ من أنه إذا هاجمنا ( نحلة ) فانها تحاول الدفاع عن نفسها بلدغة مؤلمة ، وهي تعلم أنها ستفقد حياتها بعد خروج حوصلة اللدغ !
في إفريقيا العربية ، تعرض المغرب العربي من ليبيا حتى موريتانيا لاحتلال الرومان لستة قرون .. وعند دخول المسلمين الفاتحين سرعان ما اعتنق سكان تلك المناطق الدين الجديد ، بل و أصبحوا فاعلين في الفتوحات الاسلامية الأخرى . في حين لم يعتنقوا دين المستعمر الروماني الذي احتلهم ستة قرون .
ان الاستعداد في التلاقح الفكري عند شعب شمال إفريقيا ، هو ما يفسر سرعة انخراطهم بالدين الجديد وذودهم عنه ، وهو ما يرجع تشابه الأصول العرقية عندهم مع أصول الفاتحين . في حين لم يبقي سكان اسبانيا و البرتغال على دينهم الاسلامي ، بعد خروج العرب ، لانعدام استعداد التلاقح الفكري بين العرقين .
اننا ونحن نذكر ذلك ، نؤكد على تشابه أصول القاعدة الخلقية لدى سكان الوطن العربي من المحيط الى الخليج ..
عبدالغفور الخطيب
09-11-2005, 12:54 PM
المنظومة الأخلاقية عند العرب
(3)
لكن ما هي الأخلاق و ما علاقتها بالتعامل مع الدولة ؟
تضع الجماعات أحكاما ، منها ما يأخذ شكل العرف لتكراره ومنها ما يأخذ شكل القانون ويكون في أغلب الأحيان مكتوبا و تزعم الحكومات بتنفيذه على كل من يشملهم هذا القانون .
وأحيانا تعتمد الجماعات الطبيعية كالعشائر بوضع قوانينها بالمشافهة ، وان دونت في بعض البلاد .. وتضع الجماعات الاصطناعية كالنقابات و الأحزاب والجمعيات لوائح داخلية لها تكون بمثابة قانون ..
و أحيانا تصبح العادات السائدة بين الناس بمثابة شاهد و وازع يساعد في ضبط التعاملات بين الناس ..
كل تلك الأوعية التي تحفظ النصوص المكتوبة أو المسموعة ( بالمشافهة) يصبح لها سلطة مستترة يتعامل معها المواطن بإبقاء هيبتها ، وان كان له رأي مخالف بها .. وكلها مجتمعة تسهم في صناعة ركائز القاعدة الخلقية .. لكنها نفسها ليست الأخلاق ..
ان الالتزام بدفع قيمة شيك مكتوب لصالح شخص أو شركة أو جهة ، هو حق مبني على الاستحقاق المتعارف عليه قانونيا و معاملة . لكن ان فقد الشيك من الشخص المستفيد أو الجهة المستفيدة .. وتمت مراجعة محرر الشيك ، فاعتبر المسألة عادية وقام بتحرير شيك بدلا منه ، فان تصرفه هذا هو ما يدل على خلقه .. رغم أن وضعه القانوني لا يلزمه بكتابة شيك جديد ..
إذن فالتطوع بالالتزام بعناصر القاعدة الخلقية ، بما فيها القوانين ، هو ما يطلق عليه ب ( الأخلاق ) .. وغير ذلك ، يكون الالتزام بالقوانين و الأعراف وغيرها ، ما هو الا سلوك حسن قويم ..
عناصر القاعدة الخلقية :
تعتمد القاعدة الخلقية على ثلاثة ركائز مهمة .. حيث تعتبر تلك الركائز المنابع الأقوى في تغذية نوازع الاعتبار الأخلاقي .. وهي تتغير من بلاد الى أخرى ومن أزمان الى أخرى :
1 ـ الموروث الثقافي والفكري ، الذي يحوي بينه النصوص المكتوبة والنصوص المتناقلة بين الأجيال بشكل أمثال و حكم شعبية ، و بلهجات المناطق . وهذه مع الأسف يتم التكلم بها و ترديد مفرداتها بين حين وآخر ، خصوصا عند تطابق الحدث أو الواقعة مع الحدث و الواقعة التي قيل بها المثل .
2 ـ قوانين الدولة العامة : حيث تصيغ الدولة قوانينها لضبط سير المعاملات لمواطنيها و فض الخلاف فيما بينهم اذا وقع . و عندما يحس المواطن أن ملاذ القوانين هو أكثر خدمة لوضعه ، فانه يتملص بل و يسفه أحيانا مفردات القاعدة الخلقية التي تكون منابعها تراثية ، اذا لم تخدمه الأخيرة ..
3 ـ الصحبة و تكرار سلوكها اليومي ، يصنع قيما آنية تسهم هي الأخرى في تحديد مسالك القاعدة الأخلاقية ..
لكن يبقى الأدب و الكلام الشعبي هو الناطق باسم القاعدة الأخلاقية لأي شعب .. وعندما تفحص النصوص التي تعبر عن القاعدة الخلقية .. نجد أنها نصوص متخلفة عن مواكبة التطور الحضاري .. وهذه مسؤولية الأدباء و الشعراء و الحكماء ..
فمقولة أنه لا يجب أن نسأل الضيف عن غرضه و اسمه الا بعد مرور ثلاثة أيام و ثلث من قدومه لا تتناسب مع تطور حركة الطيران والفندقة .. فلا يعقل أن نترك أعمالنا و نبقى نسامر ضيفنا ونتأمل قسمات وجهه ثلاثة أيام وثلث ( وهي المدة التي يعطى بها الجاني العطوة الأمنية في حالات القتل) .. في حين بتلك المدة يمكن أن نسافر من طوكيو الى سان فرانسيسكو ونعود !
كما أن تشبيه الوطن بالأم والأب و النفس ، لم تعد تنسجم مع سلوك معاداة الوطن ..
( بلادي وان جارت علي عزيزة ... وأهلي وان ضنوا علي كرام )
وطني لو شغلت بالخلد عنه....... نازعتني عنه بالخلد نفسي
فالمولود الذي تواظب أمه على مسح قاذوراته بصبر وحب ، والشيخ الذي يواظب أهله على خدمته في آخر أيامه بصبر ووفاء .. ليس أفضل من وطن يفتح أبواب الأمل أمام أبناءه أكثر مما يفتحها المولود ، و أعطى أبناءه أكثر مما أعطى الشيخ أهله ..
فكيف تتفق تلك النصوص مع ما يمارسه الأغلبية تجاه أوطانهم .. أين العيب ؟ هل هو في الوطن أم في القاعدة الخلقية التي لم تتهيأ لحماية الوطن ؟
صدام العرب
10-11-2005, 04:20 PM
بارك الله بك
وجزاك عن القراء خير الجزاء
عبدالغفور الخطيب
11-11-2005, 01:25 PM
المنظومة الأخلاقية عند العرب
(4)
سلوك الحكام والمواطنين أخلاقيا
يتصدر الهاجس الأمني لدى الحكام العرب قائمة أولويات عملهم ، لذا فان الفقه الصادر من طرف الحكام يبدو واضحا للعيان من خلال النصوص التي يكلف بها من يصيغ القوانين .. حتى وان بدا في ظاهرها الحرص المفرط على الوطن ، لكن هو في الحقيقة الحرص المفرط لحماية من في الحكم ..
و أحيانا لا تعود لجان الصياغة العامة لفقه الحكم تلقي بالا ، لما سيقوله المواطن فتذهب بعيدا حتى تسمي البلاد باسم العائلة الحاكمة و أحيانا يكون النشيد الوطني لا يتغنى بالوطن بقدر ما يتغنى بالحاكم .. وهذا ينبع من الإفراط بالثقة بقوة الحكم أو الاستخفاف بالشعب .. وهما صفتان لا يتفقان مع مفردات الخلق العربي فالغرور صفة مذمومة .. كما أن تكون حاكما لشعب مستكين أو هزيل ( كما يظن الحاكم ) فهي صفة لا تبعث على المفخرة ..
يتسلل الى منظومة الأخلاق العربية قاعدة قد تكون غريبة في ظاهرها ، ذكرها (شكسبير ) عندما صاغها بشكل ( الخيانة عمل مشروع و العمل المشروع خيانة ) و قاعدة ذكرها (ماكدوجال) صاغها بشكل ( ليس من الأخلاق أن تعيش في مجتمع غير خلوق !) .. ويبدو أن النخب الحاكمة والنخب المعارضة العربية قد فهمت مكنونات تلك القاعدتين ..
رغم أن شكسبير وضح مراده من تلك القاعدة ، عندما ضرب مثل القتل فاعتبره عملا لا أخلاقيا .. لكنه أضاف أنه عندما يطأ العدو أرضك فان عدم قتله يصبح عملا لا أخلاقيا .. أما ماكدوجال ، فكان يناقش ظواهر اجتماعية تلزم من يعيش داخل جماعة تلتزم بأسس قواعد خلقية ، حتى لو كانت لا توافق أهواء من يعيش فيها فعليه الالتزام بما يلتزم به الجميع ..
ان النخب المعارضة للحكم ، تعطي لنفسها فتاوى على ضوء القاعدتين السابقتين ، للتعامل مع الشيطان لإزاحة من في الحكم .. ولا تتعامل مع من في الحكم على أساس أنه من قاذورات الوطن ، يجب تحمله لكي يقوى عوده !
لقد رشحت تلك المفاهيم الهجينة على جذور القاعدة الخلقية العربية ، الى أدنى طبقات الشعب فانتشرت سلسلة من الأمثال الشعبية التي تتماهى مع القاعدتين المتسللتين . فتجد أمثال : ( حط راسك بين الروس وقول يا قطاع الروس ) و (امشي الحيط الحيط وقول يا الله الستيرة ) و( سيدك كلب بوس ايده ) و ( اذا انجنوا ربعك عقلك ما ينفعك ) و ( العاقل بين المجانين مجنون ) والمثلين الأخيرين لمن يلاحظ يتطابقان تماما مع قاعدة ماكدوجال ( ليس من الأخلاق أن تعيش بين مجتمع غير خلوق وتمارس الأخلاق ) ..
ان التمسك بالحكم واستبعاد العناصر الكفوءة انطلاقا من الهواجس الأمنية من طرف الحكم ، والاستثناءات التي تحابي الموالين و تطارد المعارضين ، هي مظاهر غير أخلاقية لا تتفق لا مع قوانين السماء و لا مع قواعد أخلاق أهل الأرض ..
كما أن التهرب من دفع الضرائب و التهرب من خدمة العلم ، وسرقة المياه والكهرباء و أراضي الدولة ، والاستعانة بالأعداء على أبناء وطنك ، هي مظاهر لا أخلاقية من قبل المواطن .. فالفضيلة لها وجه واحد وشكل واحد ..
عبدالغفور الخطيب
12-11-2005, 01:16 PM
المنظومة الأخلاقية عند العرب
(5)
زيادة حجم المسكوت عنه تؤدي الى الانحراف
تصوروا أن غريبا اضطر الى العيش في بقعة ما ، وكانت درجة اضطراره تمنعه من ترك المكان الذي حل به .. و رأى أن في الحي الذي يسكن فيه رجل غير فاضل ، يحترمه أهل الحي مضطرين .. وكان هذا الغريب على درجة عالية من الأخلاق ، ويدرك تماما أن هذا الرجل غير فاضل و أن أهل الحي يتعاملوا معه بابتذال ونفاق .. ماذا سيكون أمام هذا الغريب ؟
انه سيفكر مليا و لا يجد أمامه سبيلا الا أن يبتسم كاذبا أمام الرجل غير الفاضل ، وهذه أول خطوات الانحراف و الابتعاد عن المحور الرئيس في منظومة الأخلاق التي تسيره .. و تتطور الأمور شيئا فشيئا وقد يحس مضطرا بوجوب دعوة هذا الرجل الى بيته .. و كون غير الفاضل لا يعير اهتماما لعناصر القاعدة الخلقية ، فانه قد يسأل أسئلة لا تليق بزائر ، أو قد يترك عينيه تتفحصان محرمات البيت في النهاية ..
عندما يتحول المواطنون العرب في أوطانهم الى غرباء ، فان سلوكهم سيكون في كل أحياء أوطانهم كسلوك الغريب ، فان أراد أن يحصل على وظيفة فانه يريق ماء وجهه وان أراد أن يحصل على ترخيص لمحل أو بناء أو يراجع دائرة أمنية ، فانه سيكذب و يتوسل و يترقق لمن يجده في تلك (الأحياء !) .. و اذا ما مرت أموره بسلام في تلك المراجعات ، فانه سيتحول الى ناصح و خبير يعلم من سيمر بالخطوات التي مر بها ، طرائق و مهارات التذلل ..
و اذا حضر فرحا أو مأتما ، أو جلسة عامة فانه لن يكون خبيرا بمن يجلس في تلك الاجتماعات ( وهذا طبيعي) ، لكنه سيكون خبيرا في حبس لسانه عن قول الحق ، توجسا من أن أحد الجالسين سيكون مخبرا أو عنصرا ينقل ما سيقوله الى جهات قد تؤذيه .. فيهز رأسه لمنافق للسلطات قد يذكر محاسن التطبيع مع الكيان الصهيوني ، أو حكمة القيادة السياسية في التعامل مع المسألة الفلانية .. وهو يدرك أن هذه الحكمة المزعومة ما هي الا التسليم بعبثية الوقوف أمام أعداء الأمة ..
ينهض المدعوون للمناسبة ، وقد استمعوا لصوت القوة الطافية على السطح في البلاد ، وينقل الناقلون أخبار ذلك اللقاء لمسئوليهم بأن الأمور ممتازة !
كما ينهض من كان الاحتقان و الشعور بالبؤس من واقعنا العربي قد ملأ صدره ، ولكنه عندما تتكرر مثل تلك اللقاءات و ما يجري بها ، فان إحساسا غريبا يجتاح كيانه ، بأنه ليس غريبا فقط ، بل أنه عبارة عن ذرة غبار من أصل ثلاثمائة مليون ذرة غبار مثله !
كل هذا لازدياد حجم المسكوت عنه بين الناس .. والذي يقود الى سيادة قيم غريبة عن أمتنا عن ديننا عن حقيقتنا .. لو علم هذا الساكت أنه يمثل الأكثرية وأن المتكلمين هم الأقلية وهم الغرباء ، لكان موقفه مختلفا ، ومن يدري فلعله يعلم أنه من الأكثرية ، وأن الناطقين هم الأقلية ، لكنه يدرك أيضا أن هؤلاء الأكثرية يحتاجون الى مادة لاصقة (إسمنتية ) تربطهم ببعض !
عبدالغفور الخطيب
14-11-2005, 01:35 AM
المنظومة الأخلاقية العربية
(6)
مفهوم المصلحة جعل القاعدة الخلقية نصوصا غير فاعلة
المصلحة والصالح هما مصطلحان غير ثابتين المعالم ، يدلان على المنفعة التي تعود للمعني بهما سواء كان فرد أو فئة أو شعب أو قطر أو أمة ..
وتتمدد حدود المصلحة مع تمدد حدود المعرفة حول مصالح الآخرين ، فعندما كانت وسائط النقل و الإعلام محدودة ، كانت حدود المصلحة ترتبط بالبقعة التي يعيش بها الفرد ، مطلعا على قائمة حاجات من يعيش قربه ، فيتكيف بحدود مصلحته مع تلك المعرفة عن مصالح الآخرين ..
وعندما أصبح العالم الواسع وكأنه بقعة صغيرة معروفة الحدود ، فقد تعرف الفرد كما تعرفت الشعوب على مصالح الأفراد والشعوب ومن ثم الدول كمعبر عن مصالح تلك الشعوب ..
وبرز مصطلح المصلحة العامة كتعبير عن حاجة المجموع العام من الأفراد ، و أخذ من يدعي بتمثيل تلك المصلحة العامة ، وهم كثر سواء كانوا في الحكم أو في المعارضة ، يستخدمون عناصر المصطلح نفسه ، كمسطرة لقياس سلوك الآخرين .. أو يبررون سلوكهم و يربطون حكمته الخفية بالمصلحة العامة .
وعندما يود من يريد الهجوم على فرد أو فئة ، فانه يبرز سلوكها العام وكأنه يخدم مصلحة خاصة ضيقة تعود للفرد أو الفئة .. وهو عندما يسوق وقائع هجومه ، يريد أن يوصل برسالته أن هذا الفرد أو الفئة ، ترجح مصالحها الخاصة على المصلحة العامة . وان هذا الخطاب له دافع تعبوي يراد منه في النهاية تصفية أو إضعاف من يقصد بهذا الخطاب .
لا يخلو أي عمل عام يراد من عنوانه العريض خدمة المصلحة العامة ، لا يخلو من دوافع تصب بالمصلحة الخاصة ، ويبقى هذا مشروعا أخلاقيا اذا ما كان الدافع الخاص أقصر أو أصغر من الدافع العام . فالخدمة المتفانية للوطن بحرص ، قد تقود لترقية من يقوم بها الى منصب أفضل ( وهي مصلحة خاصة) فلا بأس .. وكذلك لا تخلو طاعة الله في الالتزام بأوامره و تطبيقها من مصلحة خاصة ، وهي المكافئة بالتوفيق بالدنيا و دخول الجنة في الآخرة ..
لكن عندما تتطاول المصلحة الخاصة لتعلو فوق المصلحة العامة فان المسميات هنا ستختلف ، فيصبح الفساد والانحراف هما الاسمين اللازمين لمثل تلك الحالة. وعندها تشيع مبررات التقليد و الإقتداء بالسلوك لتعم المجتمع بشكل عام .
اذا سادت أجواء الفساد والانحراف في المجتمع ، لا يعود التذكير بعناصر القاعدة الخلقية له أي أهمية تذكر ، ويصبح التمرد عليه سهلا .. وهو يكون شبيه بتشجيع فريق كرة قدم غير مدرب ، وأفراده تم انتقاءهم بطريقة المحاباة وليس لكفاءتهم ، وانه مهما وقف الجمهور ورائهم مصفقا و مشجعا ، فان طاقاتهم ( اللياقة ) ستكون محدودة ، وانهم سيخسرون مباراتهم .. ولن يشجعهم الجمهور بعد الخسارة !
تبرز هنا مصلحة البلاد ، واستخدام المخزون لعناصر القاعدة الخلقية العربية في صياغة خطاب التعامل عالميا . اننا عندما نخاطب الأمريكي أو الأسترالي أو كوفي عنان عن عدم أحقية الصهاينة في فلسطين ، منطلقين بخطابنا من حقائق تاريخية ، فان ذلك لن يترك لديهم أي أثر . فكل هؤلاء لا يقيمون للأصل الجغرافي أي وزن ، لأنهم كلهم مهاجرين !
ان المصلحة العامة والعليا عند شعوب الأرض ، لها مساطرها المختلفة عن مسطرتنا ، انها مصالح مرتبطة بالقوة ، لا بالمنطق و حقائق التاريخ .. وقد أدرك أجدادنا تلك المسألة التي عزز مفهومها كتاب الله عز وجل ( و أعدوا لهم ما استطعتم من قوة ..) .. من هنا عندما تخلف ملك الروم عن دفع ما أملته عليه قوة الدولة زمن الرشيد خاطبه قائلا : ( من هرون الرشيد الى كلب الروم) ان الذراع القوي يصون المصلحة التي تكون بيئة صالحة لضمان استمرارية نمو القيم الأخلاقية و تطورها ..
صدام العرب
15-11-2005, 07:50 PM
<
<<<
<<<<<
<<<
<
عبدالغفور الخطيب
16-11-2005, 04:54 AM
المنظومة الأخلاقية عند العرب
(7)
سلوك رجال الأمن و أثره في خدش القاعدة الخلقية
بدءا نحن نعلم جيدا تعطش أبناء العرب للسلطة و خوفهم منها بنفس الوقت ، هذا الشعور المركب تخلل في نفوس أبناء الأمة منذ ألف عام على الأقل ، أي منذ أن انتزعت السلطة من العرق العربي وذهبت الى عروق أخرى ..
فأصبح التعطش للسلطة مقرون بالتعطش للإستهلاك .. حيث كانت الأخرى مرهونة بما يبقى للمواطن من بعد أن ينتزع منه ما ينتزع ويتبقى له القليل ، حتى أصبح حلم التنعم بالغذاء الجيد أو الملبس الجيد أو المسكن الجيد قريب من الحلم في أن يصبح المرء حاكما أو رجلا في الحكم له أهميته !
الأمن و رجاله وظيفة ممتدة في أعماق التاريخ ، وهي غير الجيش و رجاله ، و قد تفنن العرب بالعصر الحديث ، باستنباط الدوائر الأمنية فهناك دول أو مشاريع دول بها حوالي عشر دوائر أمنية ، لا تنسيق بينها ، وهناك أجهزة مخابرات تصل الى خمسة أجهزة في دولة أعداد ملايين مواطنيها لا تصل الى أعداد تلك الأجهزة ..
نحن نعلم أن جهاز العيون قد نشأ منذ عهد الأمويين ، وهو حق لكل دولة أو قوة ( الإرادة الراهنة ) التي تحكم أي بلد , ولسنا بصدد مناقشة هذه الأحقية في الوقت الحاضر ، لكننا حاولنا ذكر ذلك لربط تصور دور هذه الأجهزة ، بالجانب الأخلاقي و التأثير به ..
إن تصنيف هذه الأجهزة بين نظم الحكم في معظم أنحاء العالم ، هو أجهزة تنفيذية ، وهو اسم يدل على مدى الحرية التي تترك لمثل تلك الأجهزة لتزاول نشاطها بالطريقة التي ترغبها .. و ستجد دائما عند المسائلة منفذا تبرر به ما يسمى بالتجاوزات .. و ستجد أيضا من يغطي عليها أخطائها الى حين ..
نستطيع القول بأن حالة الحكم الحديث في البلاد العربية ، هي حالة مستجدة ليس لها ماض متواصل ، بحيث تهتدي لوضع أكثر ملائمة لتثبت بها أركان حكمها و ترضي بها شعوبها ..
و نظم الحكم كانت في الفترات السابقة ، تنقسم الى قسمين ، إما أنظمة طموحة تهيئ نفسها لصناعة حكم وطني ، لا يرتبط بالأجنبي ، الا بقدر ما تملي عليه فنون السياسة الوطنية . و نظم حكم لا تجد بدا من الارتباط بالأجنبي لقلة حيلتها و معرفتها بعدم القدرة على أن تصبح وطنية . وكلا النمطين كانا لديهما إشكالية في شرعية أنظمتها مع قطاعات لا يستهان بها من المواطنين .
و في جميع الأحوال حتى في عصر الرسل عليهم السلام ، كان هناك معارضين .. فمن يسميه طرف بأنه ذكي و ملهم ، تجد له في الطرف المقابل من يطلق عليه لقب الخبيث و اللئيم .. ومن يسميه طرف بأنه شجاع ، سيكون هناك طرف يسميه متهور و قليل الدراية ..
كلا النمطين سيوكلان لأجهزتهما بأن تمنع نشاط المعارضين .. وهنا ستنفجر عقد و عطش الماضي عند رجال الأمن ليتلذذوا و يتمتعوا بالتعامل مع من يلاحقونهم حتى لو كانوا لا يزالون على ضفاف دوائر الشك ..
وهذا التلذذ لا نشاهده فقط فيمن يلاحقون الخصوم السياسيين ، بل نلاحظه عند شرطي المرور ، ففي حين يمكن أن يؤدي مهامه بلطف عندما يقول للسائق الذي سيخالفه بأنه متأسف اذ انه سيضطر لمخالفته لأنه متجاوز السرعة المسموح بها ، أو أنه يقود سيارة قد تسبب الأذى للآخرين .. لكنه يفضل أن يصر أحد عينيه و يرمي السائق بنظراته الحاقدة ، ويسأله أسئلة لا تليق في مثل تلك المواقف ، حتى يقوم السائق بالترجي و التودد والتذلل .. وبقدر ما يوفق السائق باختيار الألفاظ الودودة بقدر ما يفلح بالإفلات من المخالفة .. و أحيانا لا بد من رشوة لاختصار المسافة .. وهذا كله مناف للأخلاق ..
أو قد نجدها عند ( خباز ) من الأهالي و ليس حكوميا .. اذا كان قد فتح مخبزه يوم الجمعة أو في غياب غيره من الخبازين عن العمل ، اذ يصرخ على المواطنين و يجبرهم على الاصطفاف بالدور .. مستغلا حاجتهم .. أو نجدها عند سائق تاكسي في حالة ندرة المواصلات ، يبقى يطوف حول المسافرين متمتعا بمناداتهم له ، وهو يحرك يديه بعدم الرغبة بالذهاب الى أي مشوار ..
كل ذلك نابع من التعطش للسلطة عند مختلف أصناف المواطنين .. سواء كانوا في الحكم أو خارجه ، وما على المواطن الذي يتعرض الى مثل تلك النوبات التلذذية الا ان يتكيف و ينافق ليخلص من شرورها ..
لو عدنا لرجال الأمن فانهم ان شتموا أو ضربوا أو عذبوا أو خدشوا كرامة مواطن ، وكل هذا محتمل ووارد .. فانهم على أعدادهم و أعداد المرات التي يقومون بعملهم على النحو السيئ ، فانهم سيجيرون كل تلك الممارسات على من في الحكم ، حتى لو كان قديسا .. وسيدفعون المواطنين الى الكذب و النفاق والرشوة و أحيانا الوشاية بغيرهم و أحيانا الانحلال الخلقي الكامل .
عبدالغفور الخطيب
17-11-2005, 05:34 AM
المنظومة الأخلاقية العربية
(8)
تطبيق القانون و أثره على القاعدة الخلقية ..
عندما كان أجدادنا على مسافة قريبة من زمن مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كانوا يتمنعون عندما يطلب من أحدهم تولي القضاء ، لخوفهم من الله عز و جل أن يخطئوا و يظلموا ..
اليوم ان أحد الممرات التي يصل بها رجال القضاء الى مناصبهم ، هي كليات الحقوق ، أو القانون كما تسمى في بعض الأقطار العربية ، وهذه الكليات لا تضخ رجالا للقضاء فحسب بل الى الشرطة والى دوائر لها تماس مع صياغة و تطبيق القانون ..
ومن يتأمل قليلا ، يجد أن معظم الدول العربية ، تتساهل في قبول الطلاب في هذا الصنف من العلوم ، الذي هو على درجة خطيرة من قضايا المجتمع ، ففي أغلب الأحيان توضع كلية الحقوق في آخر قائمة الاختيارات للقبول ، وتدرج تحت الكليات الأدبية ، أي التي ينخرط طلاب القسم الأدبي في صفوفها ، ونحن نعلم أن الاختيار الأدبي هو الآخر في أدنى سلم الاختيارات في الدراسة الثانوية ، الا للمبدعين الذين يختاروا القسم الأدبي وهم قادرون على دخول غيره ، وعلى اختيار كلية الحقوق وهم قادرون على دخول غيرها .. وهم قلة ونوادر ..
وهناك صنف ينال شهادته من خلال المراسلة مع أحد الجامعات ، فيتأهل لنيل الشهادة بقدر ما يحفظ من نصوص ، لا بقدر ما يفهم من تلك النصوص ، من خلال المثاقفة و الحوار مع أساتذته و أقرانه في الفصل الدراسي ..
على أي حال ، ان تسلم احد الخريجين لوظيفته سيتدرج عليه فعل (الروزنامة) زمنيا و يصبح قاضيا .. و عليه في عينة من الزمن أن يبت و يفصل في قضايا المتخاصمين .. و مجموع القضايا التي يبت بها و ما أكثرها و ما أكثر أمثاله من القضاة و قضاياهم التي يبتون بها ، ستصبح مخزونا تراثيا آنيا ، يقيس عليه القضاة و يتناقله المتخاصمون ، بين الناس ، ليصبح معرفة و ثقافة قضائية ، يتكيف معها المحامون و الذين ينسحب عليهم ما انسحب على القضاة في طريقة تحصيلهم لعلمهم و مزاولتهم لمهنتهم . كما يتكيف معه المتخاصمون الذين يسلكون دروبا على هدي ما استطاعوا جمعه من قضايا شبيهة .
ان عمليات التكيف و التحايل و تدخل الهيئات الحكومية في الإيحاء للقضاة لإصدار أحكاما تتلاءم مع الرغبات و الصلات و حساسية بعض القضايا من مختلف الأنواع ، سيصنع بيئة خصبة لنمو أشكالا من السلوك اللاأخلاقي ، من رشوة وكذب و تزييف حقائق و شهادة زور ، و تطور الوسائل الإجرامية بما يجعل القضاء غير قادر على إحقاق الحق ..
صدام العرب
18-11-2005, 07:05 AM
موضوع رائع
ندعو الجميع للاطلاع والمشاركة
عبدالغفور الخطيب
19-11-2005, 02:44 AM
أشكرك أخي صدام العرب كثيرا لاستمرارك في متابعة هذا الموضوع
وإضافة تعقيباتك المشجعة ، فلك جزيل الشكر
كما أشكر كل الأخوة الذين يمرون على الموضوع مما يعطيني
دفقة كبيرة من قرارة النفس ، و ترسيخ الإحساس بأني بين
أهلي و من راهنت على حبهم في الله
جزاك الله وجزاهم كل خير
عبدالغفور الخطيب
19-11-2005, 02:49 AM
المنظومة الأخلاقية العربية
(9)
النظام التعليمي و أثره في خلخلة القاعدة الخلقية :
لو عدنا الى عصر الزهو العربي ، لوجدنا هناك علاقة صميمية وعضوية بين المعلم و التلميذ .. فكلما كان يتم الحديث عن أي مبدع بأي مجال ، بالفقه ، بعلم الكلام بالفلك بالطب الخ .. كان يذكر الشيوخ الذين تتلمذ على أيديهم ذلك المبدع ، فكانت الأمة أمة واحدة متماسكة زمانيا و معرفيا .. فتزداد أهمية المبدع بذكر شيوخه ، ويضاف لشيوخه على أرصدتهم من الأهمية حتى لو كانوا أموات ، ما يحقق ذلك المبدع من أعمال ..
هكذا كان التعليم ، يقترن بالتربية ويقترن بمفردات الحضارة .. فكانت أعلامه ولا زالت تتمتع بمجد نابع من ما يلقوا من قراء و مستفيدين .. فكان المعلم من زاوية أخرى يصلح أن يكون مثالا أعلى للتلاميذ ، وكون طبيعة معارفنا ـ نحن العرب ـ شمولية ، وليست تخصصية ، فكانت تذكر أخلاق و شجاعة و دقة وذكاء المعلم ، فتكتمل معها صورة نموذج المثل الأعلى ، مما يصون أركان القاعدة الخلقية من خلال هذا المسار .
جرى في القرن العشرين تنويع في مشارب العلم و المعرفة ، وتدرجت معها كياسة و حصافة و مكانة المعلم من الجيد الى الأسوأ ـ مع الأسف ـ . فبينما بقيت هيبة المعلم كمثل أعلى شاخصة لأواسط سبعينات القرن الماضي ، لكنها تسارعت بتدهورها بشكل ملفت للنظر ..
فبينما عاد الخريجون من أقطار الدنيا المختلفة ، الى بلادهم العربية ، وعاد معهم ما التقطوه من مسلكيات ، كانوا يدعون لالتزام بها ، حتى وان لم يصرحوا بذلك ، و أحيانا يصرحون من خلال ذكرهم بمقارناتهم لواقعنا وواقع البلاد التي تخرجوا منها .. وعندما يحظى أحدهم بإفتتان الطلبة بعلمه ، فقد يفتتنوا بمسلكه الذي لن يكون بالضرورة متطابقا مع قدرته العلمية .. فيتم اكتساب مسلكيات تنساب من خلال الخريجين الجدد الى أجيال المدارس ثم الى أترابهم و أهاليهم .
لقد طرأ تغير اقتصادي مهم في أواسط السبعينات ، انعكس على صورة المعلم والتعليم بشكل عام ، فقد انتشرت مهن وحرف تكسب أصحابها عشرات أضعاف ما يكسب المعلم أو المتعلم ، مما جعل صورة المثل الأعلى لدى المعلم تهتز لدرجة الانهيار .. و جعل التمسك بالتعليم لدى الطلبة أو ذويهم ، ليس بالمسألة التي تحتل مكانة متقدمة كما كانت قبلها .. فبات الالتزام بالدوام و الاستماع لتأنيب وتوجيه المعلم ( الجانب التربوي) ، ليس ملزما كثيرا لدى الطالب ، لا بل أحيانا يتعدى الطلاب على معلميهم ..
كما أن هذا الإحساس بغياب الأهمية ، قد تغلغل في نفوس المعلمين أنفسهم ، إذ أخذ المعلم يقارن وضعه الاقتصادي بوضع زملاءه الفاشلين الذين لم يستطيعوا تكملة دراستهم لتدني قدرتهم على المواصلة ، فيجدهم في وضع مادي أفضل .. فيبدأ بصراع مع القيم المحفوظة في عناصر القاعدة الخلقية ، وقيم عصر الفوضى ، فأحيانا يلجأ للدروس الخصوصية ، حيث يحجب كفاءته عن طلاب الصف ليجرهم الى الدروس الخصوصية ، و أحيانا ينجح من لا يستحق مقابل هدية ( رشوة) ، و أحيانا يسرب الأسئلة ، أو يتيح بامتحانات الوزارة لغش بعض الطلبة ..
ان هذا الانحراف ، سيدفع بعناصر فاسدة لتعلو مراتب علمية ومهنية و إدارية لو ضبطت العملية التربوية و التعليمية والتزمت الدوائر المختصة بعناصر القاعدة الخلقية ، لمنعت شرورهم من النيل من المجتمع ..
ان هذا الوضع يذكرني برؤية اليابانيين عندما سئلوا عن سر نهوضهم السريع فأجابوا اننا نهتم بالمعلم فنمنحه ( هيبة القاضي و سلطة الضابط و راتب الوزير) .
عبدالغفور الخطيب
20-11-2005, 07:42 PM
المنظومة الأخلاقية العربية
(10)
الإعلام و أثره في خلط المفاهيم بالقاعدة الخلقية :
الإعلام قديم قدم الحياة ، كان في السابق يأتي من خلال اختلاط الناس ببعضهم ، فيتناقلون المعلومات والأخبار والمهارات فيما بينهم .. فبالمسافة التي كان يستطيع الفرد قطعها ، كانت معلوماته تتكون ، وعند عودته من رحلته على راحلته ، فانه ينقل ما سمع و ما رأى لمن يلتقي بهم من أهل بلده ..
لقلة وسائل الإعلام في السابق ، ولاتساع أوقات الفراغ ، وقلة الأبواب التي كان الفرد يقضي بها أوقات فراغه .. فكان يسمع الخبر أو المعلومة عشرات بل ومئات المرات بما تحويه من حقائق و عبر و حكم ، ودون ملل ، بل أحيانا كان يطلب من الراوي للخبر أو القصة أن يعيدها في كل سهرة ..
عندما انتشر الكتاب ، أصبح جليس يتفوق على الجلساء محدودي المعلومات ، فكان من يستطيع الشراء والقراءة للكتاب ، يطلع على أشعار و أقوال أناس بعيدين عنه مكانا وزمانا ..
في أواسط القرن الماضي ، استطاعت الحكومات العربية ، أن تمسك بزمام توريد المعلومات الى حد ما ، وكان من يفتح على اذاعة صوت العرب ، ينظر اليه نظرة كلها شكوك وتوجس ، هذا اذا لم تستدعيه الدوائر الأمنية وتوبخه وتهدده . مع ذلك فقد كان الاحتشام والرزانة و الحث على مكارم الأخلاق ، السمة الطاغية على الإعلام العربي ، هذا بالإضافة لتمجيد الحاكم .
هناك صفة لا أخلاقية يطلق عليها الغرب ( توم البصاص ) .. وهي صفة التلذذ بمراقبة نساء الحي من خلال منظار .. وهذه الصفة تجدها أو تجد بذور الاستعداد لها عند غالبية الشباب ، وقد تشبع تلك الصفة من خلال السينما والتلفزيون و الكتب والمجلات الممنوعة و أخيرا الإنترنت ..
عندما كان الفرد يحاصر بمعلومات أقل ، ولكن كل المعلومات تحمل التأكيد على مكارم الأخلاق .. فان خياله كان محصورا بهذا النطاق الذهني المشروط بذلك . و لما لم يعد الجلوس بالدواوين ، والاستماع للأشعار أو قراءة ما هو مفيد ، أمرا ينافس تلك الحرية التي تطلق العنان لخصائص صفة ( توم البصاص) .. من خلال التجول بمحطات فضائية ، أو مواقع على الإنترنت . فان النتيجة بالتأكيد تصبح ليست لصالح مفردات القاعدة الخلقية .
ان مشاعية المعلوماتية وتطورها المذهل ، خلق حالة تستدعي التفكير بكل جدية ، بما ستؤول اليه تلك الحالة .. فالسكوت عنها سيخلق حالة من الاستخفاف بالمثل و القيم صغيرها و كبيرها .. فقد كانت الماسونية في السابق تقنص هؤلاء الذين يتوقون للمظاهر البرجوازية ، من خلال الاحتفالات أو ذكرهم لأنواع الأطعمة أو أنواع الملابس أو أنواع البيوت والسيارات و الزوجات وغيرها . فتمتحن هذا الاشتياق و تترجمه لمن أراد ، وحسب أهمية المقنوص ، فمن خلال تلبية بعض آماله البرجوازية تستطيع أن تكسبه لصفها ، لاختراق ، أو مزيد من اختراق الوطن .
اليوم لا تحتاج تلك الدوائر الماسونية و الإمبريالية لمزيد من العناء في اقتناص عملاءها .. بل يكفي القليل من تتبع اهتمامات هؤلاء الأشخاص ، واختيار أكثرهم أهمية ونفعا لها ..
صدام العرب
20-11-2005, 09:24 PM
ونحن معك ونكتفي بتعليق بسيط هنا أو هناك لمتابعة الموضوع كاملا
وحين يأتي وقت الطرح فالنقاش مفتوح في أحد أخصب الميادين للمثقفين العرب
عبدالغفور الخطيب
21-11-2005, 05:30 PM
الفصــل الثاني
أعمدة البيت :
بدءا لا بد من التنويه أن هذا العمل يتم يوما بعد يوم ، ولم يكن مكتوبا سابقا ، ولم تعمل له مسودات ، ولم يتم تنقيحه لغويا ، و عليه فانه يخلو من شروط وضع العمل الطويل التي تلتزم بمقدمة و تلتزم بفهرسة وتبويب ، ولم يجر به تقميش ( أي أخذ بعض النصوص من أعمال سابقة يستوجب الاشارة لها و لمؤلفها ودار النشر وسنتها ) .. بل هو عمل يوضع للتعامل مع الشبكة العنكبوتية ، و يتلاءم طول كل حلقة مع مزاج القارئ ..
بعد أن تعرضنا سابقا لما يشبه الفقه في بناء البيت ، والذي هو كناية سياسية واضحة ، سنستمر باستخدام تلك الكناية ، بين حين وحين ، لاستكمال بناء البيت .. ولما كان البيت في القصيدة عبارة عن بيت شعر (بفتح الشين ) فاننا سنقوم باقتراح أعمدة البيت ..
حتى بيوت الشعر ، كانت الحواضر العربية مدنا و قرى كبيرة ، تقدمها لمن يطلبها من سكان البادية ، فتضع لهم منتجات من الغزل والنسيج الملائمين لغرض بناء البيت ، وتضع عصيا من خشب ، ثم تطورت تلك العصي ( الأعمدة) مع تطور الحضارة .. وتضع لهم حبالا و أوتادا في متناول يد طالبيها .
لكن في بيتنا المقصود ، سننتقي نحن الأعمدة المناسبة ، و لن نلجأ لأعمدة مستوردة ، ولا نقوم باستخدام أعمدة لا تتناسب مع العصر ، بل سنجتهد بقدر الإمكان بأن ننتقي ما يؤدي الغرض من أعمدة لها صفة الأصالة و بنفس الوقت صفة القدرة على الصمود بوجه التغيرات المناخية التي حدثت ..
وقد تعاود مسألة عدد الأعمدة للبيت بالظهور مرة أخرى ، فعمود البيت الواحد لا يوحي بفخامة البيت بل سيدل على أنه بيت متواضع ، قد يصلح لحارس في حقل صيفي يزرع به البطيخ و القثاء . وكلما زادت أعمدة البيت دلت على فخامته و سعته ، وتوحي بالعز لمن يسكنه .
سنقلب العصي التي أمامنا و اختيار أكثرها استقامة و أكثرها متانة ، ونختار عددا منها لتكون مهيأة في النهاية لحمل البيت .. وسنناقش مزايا كل عصا بشيء من الصبر ، حتى لا نضطر للتجريب بين فترة و فترة ، فنظهر أمام غيرنا بأننا أشبه بالنور ( الغجر) الذين يغيرون مكانهم و شكل خيامهم و قماشها بين حين وحين وحسب الموسم ..
بل سنحاول بناء بيت يهابه من يقبل عليه ، كبيت أحرار يجير من يستجير به و تخرج منه إشارات الذود عن حماه ، و يقدم الطعام و الحماية والكرامة لساكنيه ..
عبدالغفور الخطيب
22-11-2005, 02:53 PM
الأحزاب :
الحزب في اللغة هو مجموعة من الناس يؤمنون بأفكار و يسلكون سلوكا يتماشى مع تلك الأفكار ، ولا يشترط أن يكون أفراد المجموعة قد التقوا أو عاشوا حتى في نفس العصر أو نفس المكان .. والأحزاب في القرآن أحيانا يقصد بهم قوم عاد و ثمود وآل فرعون و أصحاب الرس .. وهم أقوام عاشت في أزمنة و أمكنة مختلفة ، لكنهم تساووا في معاداة الرسل ..
والحزب في السياسة هو مجموعة دعائية دائمة مصطنعة تسعى لاستلام السلطة .. وهو كما ملاحظ تعريف منحوت ليلائم الوصف والوظيفة التي يقوم بها الحزب ..
وعندنا نحن العرب ، يكاد المصطلح أن يكون مكروها و ممجوجا ، وهذا ما يفسر بعض الشيء الصدود الجماهيري للانخراط بالأحزاب طوعا ، بالإضافة لعوامل أخرى سنأتي على ذكرها . و قد أثر التراث الاسلامي تأثيرا كبيرا على موقف الصدود الجماهيري ، لاقتران هذا المصطلح بمعاداة الرسل كما أسلفنا .
ولكن شاء الكارهون أم لم يشاءوا ، فان تكوين القوى المؤثرة بالحياة السياسية ، هو أقرب ما يكون للأحزاب ، حتى لو لم يطلقوا على أنفسهم هذا الاسم .. حيث تكون لديهم وجهات نظر محددة بالشكل الذي يجب أن يكون عليه الحكم ، ومن يقصوا عنه ومن يقبلوا معهم و مع من يتحالفون ومن يعادون ، فتكون لديهم بؤرة ترتب الأفكار ، و أعوان يبشرون بتلك الأفكار و يشرحونها ويطلبون من الآخرين تبنيها ، و عندما يكونوا بالحكم فإنهم يحرصوا على تطبيق تلك الأفكار و حراسة سير مسارها ..
وهذا يتم عندما يتساوى الناس بالدين ، أو الإقامة ، أو النسب العشائري ، وهذا يدعونا للوقفة عند شرح فكرة المجموعات الاجتماعية ، لتسهيل وضع مقتربات للحديث عن فعل الأحزاب ، وصلاحية أن يكون الحزب أو الأحزاب عمودا للبيت أو حتى أعمدة ..
الحزب كمجموعة :
تقسم المجموعات الاجتماعية من حيث ديمومتها ، الى قسمين :
مجموعة مؤقتة ، كركاب الطائرة أو مشجعي فريقي كرة قدم أو جاهة عشائرية ، ما أن ينزلوا في أرض المطار أو تنتهي المباراة أو ينهوا ما ذهبوا لأجله (في حالة الجاهة ) ، حتى ينتهوا من أن يبقوا كجماعة ..
ومجموعة دائمة ، كأبناء العشائر و أبناء الأوطان و أبناء المهنة ، و أفراد الأحزاب ، فلهم صفة الديمومة ، طالما بقوا في مجموعتهم ولاء و إقامة و مهنة وقد تحدث استثناءات ، عندما تتبرأ عشيرة من ابن لها أو يهاجر فرد و يترك وطنه الى غير رجعة ، و يفصل أحد أعضاء الحزب .. ولكنها تبقى نادرة وشاذة عن القاعدة .. و ان حدثت فان الإعلان الرسمي لتغيير صفة الفرد عن مجموعته ، لا يمنع الآخرين من أن يبقوا ينظرون له على صفته الأولى ..
وتقسم المجموعات الاجتماعية من حيث طبيعتها الى قسمين :
مجموعة طبيعية ، كالآسيويين و العراقيين و أبناء النيل الخ .. حتى أبناء العشائر و المدن و القرى يعتبرون مجموعات طبيعية ..
ومجموعة مصطنعة ، تتم طوعا ، كأبناء الأندية و النقابات و الجمعيات و الأحزاب و الحكومات وغيرها من كل ما يشير الى تطوع الفرد للانتماء لمجموعة دون غيرها ..
وتنقسم المجموعات الاجتماعية من حيث وظيفتها الى قسمين :
مجموعة دعائية : يكون همها صياغة الأفكار ، وطرحها للآخرين من أجل تبنيها و تنفيذها .. وهذه المجموعات مثل منتديات الفكر و الأدب و جماعات الضغط و الأحزاب ..
ومجموعات إدارية : تهتم بتنفيذ جزءا من مهام المجتمع ، كالأندية الرياضية وغرف التجارة و البلديات و الحكومات ، والجمعيات التعاونية ، والجمعيات الخيرية ، و النقابات ..
وتنقسم المجموعات الاجتماعية من حيث موقفها من الدولة الى قسمين :
مجموعة تسعى الى استلام السلطة ، و أفضل مثال عليها الأحزاب .. وهذا هو الاختلاف الوحيد بينها و بن مجموعة ( جماعات الضغط ـ اللوبيات ) ..
ومجموعة تسعى الى تحقيق أهداف محددة لفئتها .. و هي تشمل كل المجموعات الأخرى من نقابات و أندية وجمعيات الخ .
عبدالغفور الخطيب
23-11-2005, 02:29 PM
شروط تكوين الحزب :
بداية تختلف الأحزاب من حيث تكوينها و تواصل أداءها ، فهناك الأحزاب التكاملية التي ترى في حل مشاكل الوطن و المجتمع طريقا لحل مشاكل الفرد ، وهي لها أيديولوجيات تدور حول محور ثابت من الأهداف ، و لها طقوسها التنظيمية وفق نظرية تنظيمية تحتكم لديها في إدارة الحزب .
وهناك الأحزاب التمثيلية التي ترى أن حل مشاكل المجتمع يمر من خلال حل مشاكل الفرد ( الرؤية الليبرالية ) .. وهي ليست لها منظومة أيديولوجية ، بل رؤية عائمة تتوافق مع مصالح النظام السياسي العام ، كأحزاب أمريكا و أوروبا واليابان .. كما أن ليس لها طقوس تنظيمية ، كالاجتماعات الدورية و غيرها .
وقد سقط هذا النموذج في البلاد العربية سقوطا ذريعا ، رغم أنه لا يزال تنتج منه المنطقة كل عام عشرات الأحزاب ، التي سرعان ما تتلاشى و تختفي ولا يستطيع المراقب الاحتفاظ بأسمائها لفترة طويلة .. لذا سنركز على الصنف التكاملي في حديثنا ..
في الأحزاب التكاملية يشترط لتكوين الحزب ، خمسة عناصر مهمة هي : الأيديولوجية والطليعة و الجماهير و الانضباط (النظرية التنظيمية ) والاحتراف السياسي ..
ونحن إذ سنقوم بمناقشة هذه العناصر ، لا نفعل ذلك على هدي أولئك الذين يخرجون أو يخرجون من أحزابهم ( بفتح الياء و ضمها بالكلمتين) .. ولا نقوم به على هدي الذين يبشرون لحزبهم ممجدين بكل ما يقوم به حتى لو كان خطأ ، بل نقوم بذلك إيمانا بأن الأحزاب هي أدوات جماهيرية ، من حق الجماهير على من يصيغ خطاب تلك الأحزاب أن يبين وصفها الدقيق دون شطح بالشتم أو التمجيد الأجوف ..
لقد تساوت أحزابنا مع أحزاب الغرب ، بمسألة التكتم الشديد الذي يلف كياناتها بحيث أنه حتى الدارسون المتقدمون ، لا يستطيعون معرفة حقائقها الدقيقة .. فيأخذوا معلوماتهم إما من حانقين خارجين على أحزابهم ، وإما من ناطقين بيروقراطيين يقدموا للسائل ما يريد أن يفرج عنه قادة الحزب من معلومات ..
نحن إذ نزكي الأحزاب أن تكون عمودا للبيت أو من أعمدته ، فلن نعطيها حقها ، بل قد تكون بمثابة الأوردة والشرايين بالجسم ، أو المنظومة العصبية الرئيسية بالجسم .. وعلى القلب أو الدماغ أن لا يفخر ، اذا رأى بقعة محترقة في الجلد ، فمهما بلغت أعداد خلاياه في حالة الجسم البشري ، ومهما بلغت أعداد شعر الجلد في جسم الثور ( أجلكم الله) ، فان بقعة عارية من الشعر ستعيب الجسم ..
وهذا ما سنحاول تبيان أخطاءه ، دون الإشارة لنموذج ، لا للعجز عن ذكر نماذج ، بل لنقدم شيئا محايد ، قد يصلح الاستفادة منه في عدة أقطار عربية ، ولا أزعم شمولية التأثير بقدر ما أسهم مساهمة متواضعة في البوح متألما على واقعنا ، حتى لو كان هذا البوح قد يرمى في درج مكتب أو يتم الإطلاع عليه للحظات و ينسى ، فيبقى رياضيا حتى لو كان جزء من مليون فهو أفضل من الصفر في جميع الأحوال ..
عبدالغفور الخطيب
24-11-2005, 02:44 PM
الحزب والأيديولوجيا :
(1)
الأيديولوجيا مصطلح مستورد ، لو تم استخدام ترجمته على أنه الفكر ، لما كان للموضوع أي معنى ، فمختلف العلوم قد ينطبق عليها هذا المعنى ، ولو قلنا أنه الحالة الإيبستمولوجية التي تعني بإكتناه موضوعات الفكر التي تخص موضوع السياسة والدولة ، لاقتربنا من الوصف الحقيقي للكلمة ، لكن سنزيد من تعقيد الشرح على من يتابع الموضوع ..
عموما فان ما يتجمع من أفكار و رؤى عند فئة تجاه تصوراتهم لإدارة الدولة وسياساتها ، فان هذا هو ما يعنينا بالأيديولوجية ، في هذا الموضوع ..
وقد اختلف علماء الاجتماع السياسي حول أهمية الأيديولوجية ، بالنسبة للحزب ، فأعطاها بعضهم معطى أولي هام ، واشترط أن يكون لدى الحزب منظومة أيديولوجية متكاملة ، وهذا الرأي بني على غزارة الإنتاج الفكري في النصف الثاني من القرن الثامن عشر ، حيث تبلورت أفكار الليبرالية والاشتراكية والقومية و الشيوعية ..والموقف من الدين ..الخ
أما فلاسفة القرن العشرين فقد قللوا من أهمية الأيديولوجية كشرط أساسي من شروط تكوين الحزب ، متذرعين بأن مشاعية الأفكار تتغلغل في نفوس الأفراد والمجتمعات ، و أصحاب الرأي ، بحيث تصبح تلك الأفكار من تراث وملك شعوب الأرض كموروث ثقافي لا يجعل ممن يحمل أفكارا بوضع متميز على غيره .. كحيازة رخصة (إجازة ) قيادة السيارات ، فبعد أن كانت تميز أصحابها كممتهنين لقيادة السيارات ، لم تعد اليوم صفة استثنائية مميزة ، بل يحملها الطبيب والمهندس و العسكري الخ !
لن نخوض بتلك الاختلافات و فلسفتها رغم وجاهة كل منها ، لكننا أشرنا اليها لكي نضع القارئ في حالة تصور لأوضاع المثقفين المنتشرين حولنا ، وكيفية تناولهم لشؤون الحياة السياسية العامة في بلادنا ..
أما الرأي عندي ، فاننا إذا اقترحنا أن يكون الحزب عمودا مهما ، بل ذهبنا الى أن يكون بمثابة الشرايين والأوردة في الجسم . فاننا لا نتردد في وصف الأيديولوجيا بمثابة الدم الذي يجري في تلك العروق . وكما أن الدم يجب أن يصل الى كل عضو وخلية في الجسم . فان الأيديولوجيا مهمتها أن تتناول كل ناحية من نواحي الحياة للمجتمع .
وكما أن نقل الدم له شروطه ، من حيث الزمرة والفصيلة ، لكي يتقبله الجسم فان الأفكار تخضع لنفس القاعدة ، وكما أن نقل دم يمكن أن يكون ملوثا بجرثومة (الإيدز ) فان هناك أفكار تكون خطورتها أكثر من ذلك الصنف من الدم.
وكما أن الدم يتجدد ، ويمر في الرئتين لتنقيته وإعادة توظيبه ليؤدي مهمته فان الأفكار ، يجب أن تبقى بحيوية متجددة لتلائم ما يستجد من مؤثرات خارجية وداخلية ، لتجعل أعضاء المجتمع بجاهزية كاملة في جميع الأوقات ..
وكما أن الدم يجب أن ينقل بقنوات أو شعيرات قادرة على أداء مهمتها العضوية بشكل سليم ، حيث لا خثرة (جلطة) و لا انسداد ولا تضيق و لا احتشاء في تلك القنوات .. فان من ينقل الأفكار من أجهزة الحزب ، يجب أن يكون بكفاءة عالية ..
واذا كانت الأفكار ( الأيديولوجيا) مهمتها ترشيد حركة الدولة بصفتها المجتمع السياسي الذي يقود المجتمع الكلي ( الشعب) فان هذا الترشيد ، يجب أن يكون مواكب و قريب من مسارات العمل الذي يكون المجتمع ( كخلايا في الجسم) بصدد تنفيذه .. فلا تنفع إشارات المرور التي تنبه سائق السيارة بوجود منعطف خطير ، اذا وضعت بعد المنعطف .. ولا تنفع كتب الطبخ الصيني ، في بيئة لا يوجد بها مواد تلك الطبخات !!
لقد اتسمت معظم الخطابات الأيديولوجية للأحزاب العربية ، بسمة إثارة الهمم الطيبة ، ومواضيع ذات طابع وجداني هائم ، تستند على أنظمة معرفية مشوشة ، مما جعل المثقفين يمجوا الحديث بها شيئا فشيئا ، حتى يخشى أن يتم الإقلاع عنها بما فيها من إيجابيات هامة ، يجب الانتباه لتنقيتها و إعادة توظيبها ، لنضمن حيوية الفكر العربي ..
صدام العرب
25-11-2005, 09:11 AM
أحسنت
بارك الله بك
عبدالغفور الخطيب
27-11-2005, 01:53 AM
من يقوم بصياغة الأيديولوجيات :
نجد أنفسنا قريبين من مصطلح على صلة كبيرة مما نحن بصدد مناقشته .انه مصطلح ( الوعي ) .. وهو مصطلح يستخدم بكثرة ، في المناقشات السياسية ، وسنمر عليه لنجعل من حالة التأسيس للمضي بالفكرة الى نهايتها ، شيئا خاليا من نقاط الخلاف على قدر الإمكان ..
فالوعي هو القدرة على إنتاج صورة و إعادة تركيبها ، وهذا يصلح لمناقشة الوعي الماضوي ( أي المنسوب للماضي ) ، وعندما يكون الماضي قريبا ، مثلا عقدين أو ثلاثة أو خمسة ، فان ذاكرة الفرد تعود لإنتاج تلك الصورة التي حدثت كعراك بالحي أو موت شخص بطريقة معينة ، فان ذلك سيتم إعادة انتاج صوره بشيء من التفصيل كلما كانت الحادثة لها وقع حاد في وقتها .. ولكن يتم نسيان وجبة الغداء أو لون قميص شخص أو هل كان يركب سنا من الذهب أو غيره .
في حالة الماضي البعيد ، فان كثيرا من التفاصيل ستسقط ، ولكن يعاد انتاج الصورة بإمكانيات مختلفة ، فمعركة أحد التي مر عليها أكثر من أربعة عشر قرنا ، سيتم تصورها ، من حيث كيفية مسارها و كيف استغلال الجيب الذي كان مكلفا به خالد ابن الوليد وحسمه للمعركة ..
ان إعادة تشكيل الصور القديمة ، يعتمد على قدر كبير من الثقافة ، فاذا أراد مؤلف سينمائي أو مخرج أن يعيد انتاج صور قديمة ، عليه أن يكون مطلعا على نمط المباني و الملابس والاسلحة ووسائط النقل القديمة من خلال مطالعاته الكثيرة .. فكلما كانت ثقافة من يريد أن يصيغ نصا أيديولوجيا ، ثقافة متنوعة وواسعة كلما كانت الصور التي يعيد انتاجها أقرب للحقيقة ..
أما من يريد أن ينتج صورا مستقبلية ، لم تحدث ، ولكنه يتنبأ لها أن تحدث وفق السياق العلمي لحتمية حدوثها ، فان هذا النمط من الوعي المستقبلي ، سيتم من قبل أشخاص لهم ثقافة واسعة و معرفة بحركة المجتمع و واقعه ، ومعرفة بزيادة السكان و معرفة بحركة الأعداء المحيطين به أو البعيدين عنه ، وما سيمرون به من مشاكل ..
ان صياغة الأيديولوجية تتطلب وعيا عميقا بالماضي و الحاضر والمستقبل ، وتضع خططها الاستراتيجية وفقا للوسائل التي ستستخدم في المضي قدما في تحقيق ما وضع من أهداف .. فأي خلل يحدث ، سواء بعدم ملائمة الوسائل للأهداف وعدم قدرتها على القيام بتحقيق الأهداف ، أو تطوير تلك الأهداف بشكل يجعلها أقرب للإنحراف منها الى التكتيك . كل ذلك سيجعل من الذي ينظر الى قدسية تلك الأيديولوجية أن يفكر في عمل (تحويلة ) على مسارها ..
ان من يضع صيغ الأيديولوجيات ، لم يمتازوا على غيرهم من أبناء المجتمع في كثير من النواحي ، فالإحساس بالآلام ، و رسم أحلام المجتمع ، واستنهاض القيم العليا للأمة ، و امتلاء الصدور بالغيظ والإرادة للخلاص من كل ما هو قائم صفات قد يشترك بها كل أبناء المجتمع ..
لكن المبادرة و القدرة على الصياغة ، هي ما يميز المصلحين الاجتماعيين الذين عندما يتناولوا موضوع الدولة وعلاقاتها يتحولون الى مصلحين سياسيين . من هنا نصل الى الأجواء أو البيئة التي تخرج هؤلاء الذين يكثفوا حالات المجتمع و آلامه و آماله ، في شكل صيغ للأيديولوجيات ..
عبدالغفور الخطيب
27-11-2005, 03:41 PM
أثر الأيديولوجيا على النشاط الجماهيري :
ان أثر الأشخاص كرموز ، وأثر الأيديولوجيا كفكر محرك ومحرض للجماهير ، هو كأثر الحصى أو الحجر أو أي كتلة عندما ترمى فوق سطح مائي ، يترك أمواجا ( روجات ) ، تتناسب أحجامها و سعتها مع وزن الكتلة التي ترمى ..
و تتخذ الأيديولوجيا كنشاط أو نتاج للعقل الفاعل ، بمعاونة العقل السائد ، أشكالا يكون أثرها واضحا عندما يتناولها العقل السائد ( أي مجموع القبول أو الرفض عند الغالبية العظمى من الناس ) ..ويعتمد تقبل الناس للأيديولوجية على ضوء تطابقها مع سلسلة مصالحهم المتدرجة من مصلحة الفرد كوحدة منعزلة عن المجموع العام من المجتمع ، الى كونه وحدة ممثلة لإرادة المجموع ..أي مجموع طلباته الخاصة التي تشبع حاجاته ، مع مجموع طلباته العامة التي تشبع خاصيته كمواطن يفرح بالإنتصارات والاختراعات والحياة الآمنة الرغيدة ..
ان بداية ظهور معالم أي أيديولوجية ، ليبدأ بإحساسها والاعتراف بوجودها من قبل أبناء المجتمع أو من يعني بمراقبة ذلك المجتمع ، من دول جوار أو دول عالمية . إن ذلك يعني إيذانا ببداية الأيديولوجية المضادة لها ، فتتكون بالداخل أي داخل المجتمع التي ظهرت به تلك الأيديولوجية الواعدة ، رؤى تتجمع لتصبح أيديولوجيا مضادة . وهذه يصيغها أبناء المجتمع الذين يستشعرون الخوف القادم من تلك الأيديولوجيا الواعدة .
وسرعان ما تتحالف القوى الخارجية مع رواد الأيديولوجيا المضادة للأيديولوجيا الواعدة ، اذا ما استشعرت تلك القوى الخارجية الخوف على مصالحها من القادم غير المرغوب فيه . فتظهر للعيان تحالفات غير معلنة في كثير من الأحيان ، تكون عناصرها غير متجانسة ، بل ومتضادة أحيانا ، الا أنها تلتقي على محور واحد ، هو معاداة الأيديولوجية الواعدة ..
ان هذا النمط من الحراك الذهني والحراك المضاد له ، هو نمط طبيعي ، لا يستدعي التطير والانفعال ، و ان كان واضعو خطوط الأيديولوجيا الواعدة لم يضعوا بحسبانهم تلك التحالفات و ردات الفعل المضادة ، فانهم يكونوا قد أسقطوا عاملين مهمين من عوامل الديالكتيك (الجدلية ) .. وهما حيوية الفكر ، وحراسة تطوره وفق ما يطرأ من عوامل قد تعيقه !
وان كان واضعو الأيديولوجية ، قد وضعوا نصوصهم لمواجهة قوى غاشمة تعيق نمو الأمة ، فان هناك شرائح تعتبرهم قوة غاشمة ، يجب إيقافها أو إعاقة نموها ..
تلجأ الهيئات الى وضع نصوصها استنادا الى ثوابت محببة لنفوس الجماهير ، تطمح من وراء ذلك أن تحظى بهالة كاريزمية ، تعطيها أولوية في مساندة الجماهير والتفافها حولها .. فمنهم من يضع الدين في الصدارة ومنهم من يضع القومية في الصدارة ومنهم من يضع الواقعية في الصدارة ، ومن من يخلط كل عناصر ذلك بخطابه ..
لقد جرى تطور هائل على القدرة الجماهيرية ( باعتبارها شخصية هائمة ولكنها تعبر عن توحدها بشكل ما ) .. وهذا التطور كان بمثابة التحصن وعدم أخذ الخطاب الأيديولوجي على محمل الجد . فلو فتشنا بكل الخطابات لن نجد خطابا واحدا يذم الجماهير أو يبشرها بمستقبل مظلم أو يدعو لتفشي البطالة و نشر الأمية والأمراض .. بل كلها تدعو لجنات عدن ومستقبل زاهر والتقرب من الله ، ونشر الأمن والرخاء الخ ..
ان أهم ما يعني الجمهور به ، هو تمثل ما يقال في الخطاب مع سلوك من في الحكم أو من في المعارضة ، فلا يعقل أن يطالب أحد الأحزاب بالوحدة وعناصره أو بعضهم يفرقون بين عشيرة وعشيرة ، أو شعب و شعب ، أو مدينة ومدينة .
لو كانت الأيديولوجيا وحدها تحكم ، لحكمت المكتبات العامة لما تحويه من كتب يربض بين صفحاتها كلام جميل ومنمق .. ان السلوك والسلوك وحده الذي يتطابق مع الكلام ، هو ما يجعل الكلام له أهمية وأثر . ألم يكن كلام الله عز وجل وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم ، أفضل كلام أتى على الأمة ؟ . ألم تنحرف الأمة عن مسارها قبل ظهور أمريكا و الكيان الصهيوني ؟ .. انه السلوك المطابق أو غير المطابق لما يقال في الكلام ( الأيديولوجيا ) .
عبدالغفور الخطيب
28-11-2005, 02:39 PM
من يحرس ويضمن تدفق الأيديولوجية لتؤدي دورها في الحياة العامة ؟
طفت على مر التاريخ ، وفي مختلف بقاع الأرض إمبراطوريات و دول ، رفعت شعارات تكون بمثابة رمز و تلخيص لعقيدتها و فكرها ( أيديولوجيتها ) وكان فقه تلك الأيديولوجيات ، يتفشى و يتغلغل في نقاط مفاصل الحياة العامة ، يذكرون به و يتذكرونه كإشارات مرور ضرورية لتنبيه من يسير في ربوع البلاد ، في كل المجالات ، فتجدهم على المنابر الدينية و معابر الحدود ، والدوائر الأمنية وغرف صفوف الدراسة من رياض الأطفال حتى الجامعات ..
لم تنشأ في تلك الدول ، دوائر بإسم دائرة مطابقة المواصفات الأيديولوجية ، تنبه من يتداول بضاعة ( الأيديولوجية ) قولا أو فعلا ، لتنبهه بأن بضاعته غير مطابقة للمواصفات القياسية الأيديولوجية !
وطالما أن المادة ، هي عبارة عن نصوص ، فان النص سيفهم من قبل من يقرأه أو يسمعه ، وفق آلية معقدة تعتمد على القدرة على فهم اللغة التي كتب أو قيل بها النص .. لذلك فإن التأويل و الاجتهاد كان باستمرار يظهر ، ويظهر معه من يدافع عن سلوك ما ، ويبرره وفق تطابق هذا السلوك مع ما يعتقد من تفسير لنص يتم توظيفه في خدمة التفسير .. من هنا ظهرت الطوائف الدينية في السابق ، وظهرت الانشقاقات في الأحزاب في العصور الحديثة ..
و اذا كانت اللغة ، لها وظيفة فورية ، تتم بها صياغة ما يريده واضع النص ، في وقتها ، فان طول الفترة الزمنية ، التي تفصل بين المطلع على لغة النص ، وفقدانه تفاصيل الظرف الذي تمت به صياغة النص ، سيجعل من التعامل مع النص أمرا لا يتطابق تماما مع روح النص ..
قبل أربعة عقود من الزمان مثلا ، كنت أسمع مفردات يتداولها المزارعون ، يصفون به أدوات الفلاحة و منتجاتها ، فبعد أن اختفت تلك الأدوات و منتجاتها ، فان الجيل الحالي لا يستطيع أن يفهم شيئا من حديث يدور بين اثنين من ذلك الجيل ، وهذا سهل متابعته و فحصه بالوقت الحاضر ..
هناك مسألة أخرى تتعلق بحراسة مضمون النص ، و هي مدى اقتناع من يطالب بالتقيد بالنص ، وهي صفة تدرب عليها بني البشر ، فيعرفون صدق المتكلم من زيف مشاعره ، من خلال طريقته بالنطق ، و حماسه أو تلكؤه في النطق ، وسوقه للأمثلة التي تدعم حجته ، فيصفون من يتكلم أحيانا ، بأن الكلام يخرج من أعماقه ، كناية عن صدقه ، ويصفون آخر بأن كلامه ( من الجوزة وفوق ) وهي كناية عن نفاقه وعدم قناعته بما يقول .. فكيف يقنع شخص غير مقتنع بما يقول ، شخصا آخر ؟
ان هدم صرح الأيديولوجية عادة يأتي من الأعلى ، فعندما يلاحظ من هم في نقاط مفاصل المجتمع بأن الذين هم أعلى منهم ، يمارسون تجاوزات على ضوابط الأيديولوجيا ، فان حرصهم على نقاط المرور سيرتخي ، شيئا فشيئا ، حتى يكون الالتزام بنصوص الأيديولوجيا استثناءا ، و اختراق قدسيتها هو السائد ..
صدام العرب
28-11-2005, 06:16 PM
لك متابعون فاستمر
أعانك الله
عبدالغفور الخطيب
29-11-2005, 02:26 PM
ثانيا : التنظيم
لم يتفق علماء الاجتماع السياسي ، على اعتبار أهمية التنظيم بالنسبة للحزب ، فقسم رهن عمل الحزب بوجود تنظيم قوي ، مشبهين دور التنظيم بدور الإسمنت في مواد البناء ، يربط أجزاء البناء و يجعلها متماسكة ، في حين يكون الناس أو أفراد الجماعات دون تنظيم ، كالحصى المتناثر في بقاع واسعة ، حتى لو تشابه بشكله و حجمه ، فان ليس باستطاعته تشكيل طوبة واحدة دون أن يتم تجميعه ( بتنظيم ) .. وأصحاب هؤلاء الرأي هم الذين يصنفوا تحت باب الأحزاب التكاملية التي تؤمن بحل مشاكل المجتمع ككل ، لتحل بعدها مشاكل الأفراد تلقائيا ..
أما القسم الثاني ، فانه لا يعطي للتنظيم أي أهمية أولوية ، بل يترك للجاهزية النابعة من حضور مصلحة الفرد وحضور مصلحة الجماعة باستمرار ، فوفق حركة السياسة اليومية ، وما تترك من آثار على الجماعة التي ينتمي لها الفرد تكون محفزا مستفزا لردة فعل متوازنة من قبل قيادات الحزب الذين يمثلون المجموعة ويفوضوا من قبلها تفويضا يشبه تفويض مجلس إدارة لشركة من قبل المساهمين بها ..
بنية الحزب وعلاقتها بالتنظيم :
نادرا ما يؤثر الخطاب الأيديولوجي بتفاصيله الدقيقة هو ما يجعل الأفراد ينخرطوا في صفوفه طوعا .. بل هناك عوامل أخرى :
1 ـ في بعض الأنماط الليبرالية يولد الطفل ومعه بطاقة الإنتماء الحزبي ، كما في أحزاب أمريكا التي تتناوب الحكم ..
2 ـ في بعض الأنماط التي تنتشر في بعض بلدان العالم الثالث ، يكون زعماء القبائل أعضاء قياديين مفصليين في مناطقهم وقبائلهم ، كما هي الحال في الحزب الإشتراكي في ساحل العاج الذي حكم البلاد عدة عقود ..
3 ـ في بعض البلدان يكون الحزب أشبه بالكونفدرالية ، كالحزب الديمقراطي المسيحي في إيطاليا ، اذ يتكون من عدة ( زمر) تصل أحيانا فوق العشرة ، يكون لكل زمرة استراتيجيتها الإنتخابية ، ومؤتمرات خاصة بها ، كأنها بقطر ثاني ..
4 ـ في بعض البلدان تتداخل بنية الحزب مع بنية تنظيمات أخرى قد تتوافق مع بنية الحزب أو تتعارض ، كما يحدث في حزب العمال البريطاني ، فعندما يذكر الحزب في عينة من الوقت أن أعضاؤه 7 ملايين ، وهم بالحقيقة مليون واحد والباقين هم أعضاء النقابات العمالية ، والأخير لا يتوانى في الإضراب لإسقاط الحكومة العمالية عندما تتعرض مصالح العمال كعمال لخطر ..
5 ـ في بلادنا العربية ، تزحف جموع الأعضاء للإنتساب لحزب الحاكم ، أي حاكم ، فتكون عضويتها مهتزة رجراجة ، في كثير من الأحيان ..وتتكدس معظم قيادات الأحزاب الفكرية القوية و التنظيمية المتمكنة ، في العواصم ، وتترك الأطراف مع معاناة ليست قليلة ..
عبدالغفور الخطيب
30-11-2005, 02:57 PM
التنظيم و أثره في بناء الحزب ( ظرف المعارضة )
عندما نطالع ما يكتبه علماء الاجتماع السياسي ، فان نصيب رواد الفكر العربي من تلك الكتابات التي تناقش موضوع الأحزاب ، ستكون ـ مع الأسف ـ قليلة ومبتسرة ، ومحكومة بذوق ( بلوتوقراطي) ينافق حزبا حاكما أو يهاجم حزبا لا يكن له ودا ، وذلك للهواجس الأمنية التي تحكم البلاد العربية و من يكتب بها ، من ناحية ، ومن ناحية أخرى أن من يكتبوا بهذا المجال هم أكاديميون لم يعيشوا الحياة الحزبية العربية في الغالب ، فانطبعت كتاباتهم بما يكتبه ( ماكس فيبر) و ( موريس ديفرجه) وغيرهما ..
ونجد أنفسنا بعض الأحيان أسرى لنصوص يضعها رواد علم الاجتماع السياسي العالمي ، حيث يلخص النص ما يريد قوله أحد كتابنا بعشرات الصفحات .. فعندما يذكر ( ماكس فيبر ) بأن التنظيم الحزبي هو حاصل مجموع متغيرات ثلاث : الأول ، المتغير المستقل المتمثل بالعواطف و أسلوب القيادة والمتغير التابع المتمثل بالانتاجية والفعالية والمتغير الوسيط المتمثل بالحوافز والإشباع .. نعلم عندما نربط تلك الشواخص التمييزية بما يعني الرجل .
وعندما يذكر ( موريس ديفرجة ) بأن الحزب هو مجموعة اصطناعية دائمة ، تكون ديمومتها مرهونة بتنظيم الأطراف لا تنظيم المستوى القيادي ، ليصبح تعريف الحزب وفق تلك الرؤية ، بأنه مجموعة المجموعات .. ندرك وقتها كم تلخص تلك الكلمتين ما يعني التنظيم بالنسبة للحزب ..
اذا كان مفكرو الغرب يكتبون عن الحياة الحزبية كتنظيمات كفلت حمايتها أصول اللعبة السياسية في بلادهم . إذ تتم حماية الأحزاب المعارضة التي تتناوب مع الأحزاب الحاكمة ، الحكم ، فان السلوك الذي يسلكه الحزب الحاكم تجاه من هم خارج الحكم سيكون بمثابة قانون ، سينسحب عليه عندما يستلم غيره من أحزاب المعارضة الحكم .. فيصبح السلوك له محوران محور الوظيفة ومحور الضرورة ..
أما في بلادنا العربية ، والتي تصبح تلك الكتابات لا معنى لها ، لاختلاف سلوك من في الحكم تجاه من هم في المعارضة . إذ يمارس من في الحكم إقصاء و إعاقة من هم خارج الحكم ، فتجف منابع (الدياليكتيك ) وتقل حيوية تنمية الحياة السياسية ، وتكثر منافذ الإفساد والفساد ، والتي تفرخ هي الأخرى نتوءات يبنى فوقها تشقيق وحدة المجتمع أولا ومن بعدها يصل للحزب الحاكم ..
**********
الأساس في نشأة الأحزاب في بلادنا أن تكون معارضة ، وهذا يجعل من تصنيع خطابها وأساليب تنظيمها أن تكون باستمرار متحفزة لنقد من هم في الحكم ، والتبشير بأحلام هائمة ، لم يتدرب واضعوها على ممارسة السياسة كحكام بل تدربوا على أن يكونوا محكومين معارضين .. فبمجرد وصولهم للحكم ، لن تسعفهم تجربتهم كمعارضين في إدارة الحكم ، بل يستلهموا شخصية من سبقهم بالحكم في إقصاء من يعارضهم وتدور الدائرة .. وهذا ليس ما نحن بصدده .
تتسم أشكال إدارة التنظيم بالبلاد العربية في أوقات المعارضة بما يلي :
1ـ تكون السمة العامة للتنظيم ، سمة تعبوية تبشيرية بالحزب .
2 ـ تسقط فكرة الحوافز في حالة أحزاب المعارضة ، بل إذا أردنا نحت مصطلح يناقض الحوافز وإشباع حاجات العضو الحزبي ، فاننا لن نجد أفضل من مصطلح (ضريبة الإنتماء الحزبي) والتي تصل قيمتها أحيانا حياة العضو ، أو سجنه أو إبعاده عن أشكال الحياة الطبيعية ..
3 ـ سمة المحاباة والترقق والتساهل في انضباطية الأعضاء لضمان بقاءهم ، في أجواء تخلو من الحوافز ، وتزداد بها قيمة (ضريبة الانتماء )..
4 ـ التوجس والشكوك من تسلل عناصر معادية ..
5 ـ تنوع الأعداء وكثرتهم ، فسرية التنظيم ، تفتح عليه جبهات كثيرة معظمها على هامش الإيمان الفكري ، إضافة لضراوة عداء الدولة ..
6 ـ الصدود الجماهيري في الانضمام لتلك الأحزاب ، حيث لا حوافز ولا إشباع وارتفاع عنصر المغامرة ..
7ـ ذبول حالة الروح الوثابة ، عند بعض الأعضاء ، وتسرب بعضهم من صفوف الحزب ، وشيوع حالات من الإحساس بانعدام الوزن .
عبدالغفور الخطيب
02-12-2005, 01:57 PM
أثر التنظيم في ديمومة أو هدم قوام الحزب :
اذا كانت الحوافز و إشباع حاجات الأعضاء ، لا تتوفر في أجواء المعارضة ، وتجعل من الناس يتخوفون من الدخول للأحزاب ، و أن الأعضاء ترتخي هممهم ويتسرب منهم ما يتسرب ، وتزداد تلك الظروف مع شدة الهجمات على الأحزاب والحزبيين ( طبعا في بلادنا العربية ) .. فان من يصمد و يبقى سيصنف مع مرور الزمن على أنه من صنف المناضلين والأبطال ، وهو وصف يستحقه .
فإن تلك الظاهرة ستنقلب و تتغير مع وصول حزب ما الى السلطة ، أو تشكيل حزب تؤسسه سلطة قائمة بالأصل .. فإن أمواجا من المنتسبين الجدد ستنهال للانضمام لهذا الحزب ( حزب السلطة ) .. وسيكون للحوافز وإشباع الحاجات الفردية لدى المنتسبين شأن كبير ..
وبغض النظر عن جدارة الحزب من عدمها ، وبغض النظر عن صحة و أهمية ما يطرح هذا الحزب ، فإننا سنتناول الميكانيكية التي يجري بها التنظيم ، وهذا ما يعنينا في هذا المقال ..
إن حالة الالتفاف الجماهيري سواء ، بدوافع صادقة نتيجة زوال ما كان يمنعهم من التعبير عن إرادتهم في سابق العهد ، أو نتيجة التسابق لتحصيل جزءا من الحوافز و المكاسب التي تتحقق نتيجة للانضمام للحزب . ان تلك الحالة تشعر القائمين على الحزب و الذين أحدثوا التغيير السياسي ، بالغبطة والفرح الكبيرين نتيجة انضمام تلك الأمواج .. لكن سيظهر مجموعة من الأعراض غير المرغوب بها و التي تتمثل ب :
1 ـ قلة أعداد الكوادر القادرة على استيعاب هذا الكم الهائل ، وتنظيمه بشكل يضمن رفد الحالة الجديدة ، بأفواج صادقة و جادة ومبدعة ..
2 ـ ضعف القدرة على تمييز المتسللين لتخريب الحالة الجديدة و التجسس عليها من داخلها .. خصوصا اذا عرفنا أن الصامتين والمبتسمين والمطيعين والمواظبين على حضور الاجتماعات و الاحتفالات و ما أكثرها ، سيتطور وضعهم بسرعة هائلة ، حتى لو كانوا صهاينة !
3 ـ قد يصادف أن ينضوي أحد المؤمنين حقا بما جاء به الحزب من أفكار و أهداف ، ويكون المسؤول عنه فقيرا بالثقافة و أحيانا بالشخصية ، فلا يحس هذا المؤمن الوافد بأهلية المسؤول الفقير الذي قد يكون سبقه بشهر أو يوم ، أو يكون في دائرة الثقة أكثر من المؤمن المجهول .. فان تلك الحالات ستكون بوابات لحرمان الحزب من إبداعات هؤلاء المؤمنين الجدد ، وقد يتحولوا لأعداء اذا ما استغل المسؤول الفقير وضعه من حيث ثقة المسئولين به ، بإقصاء هذا الوافد المزعج بطرحه المحرج بنظراته ، مما يخدش هيبة المسؤول أمام الجماعة التي هو مسؤول عنها ، والتي يفترض أن تمنحه التوقير و التبجيل .
4 ـ قد يتسلق هؤلاء الفقراء بإبداعهم ، ليعتلو مكانات مرموقة في ناحية أو قضاء أو محافظة ، أو حتى على مستوى البلاد ، وهي نادرة ، وان حدثت فإنها تصبح ظاهرة غريبة . ولكي يداري هؤلاء( الفقراء بقدرتهم الإبداعية ) خيبتهم وحرجهم من تفوق المبدعين الذين هم تحت مسئوليتهم ، فان موضوع إقصائهم يصبح واردا في أي لحظة ، وسيجد من ينوي ذلك ، عشرات الطرق اليسيرة لتنفيذ مقصده ، ونادرا ما يجد من يردعه ، حتى من ( الأقوياء المبدعين ) .
5 ـ تصاغ لوائح داخلية للتنظيمات الحزبية في البلاد العربية ، تكون في ظاهرها محكمة و قوية ، ولكنها غالبا ما تستخدم في إقصاء غير المرغوب بهم ويتم تجاوزها أو حتى مجرد التلميح بها ، ممن هم مع خط الأقوياء الراهنين .
6 ـ هناك حالة تنسحب على تنظيمات الأقطار العربية لبعض الأحزاب التي لها ما يشبه الامتداد في تلك الأقطار ، فبعض الدول التي يتسلم حزب ما الحكم بها ، تجد أن شبه الامتداد في بلد لا يحكمه ذلك الحزب ، فان من يقودوا تنظيم شبه الامتداد ، سيتصرفون وفق التقاليد الحزبية التي تعم في البلد المحكوم من الحزب نفسه .. وينسحب السلوك التنظيمي في ذلك البلد المحكوم من قبل الحزب على أشباه الامتداد التي قد تستنبط نمطا من الحوافز التي تجعلها متمكنة من إدارة التنظيم بالطريقة نفسها التي يدار بها الحزب في بلد الحكم .
7 ـ ان الهواجس الأمنية التي تحرك سلوك معظم ، لا بل كل الدول العربية ، تجاه أبناء تلك البلاد ، تستلهمها التنظيمات الحزبية ، التي هي أقدر على وصف هذا السلوك من غيرها و تمارسها تجاه أعضاءها دون أن تعلم أنها تقوم بذلك .
فيخبو صوت الإبداع ، ويكثر المسكوت عنه ، وتستنسخ نسخ كثيرة من الفرد الواحد ، لتقوم بأدوار متناغمة بشكل منقطع النظير مع إرادة الفرد الواحد .. حتى ليظن المراقب أن هناك خطا ساخنا بين الشخصية المحورية في الحزب وكل من هؤلاء الذين أحيانا تبعد المسافة بينهم لتزيد عن آلاف الأميال ..
إن هذه الصيغ رأيناها في أمكنة مختلفة من العالم سبقونا بتلك التقاليد ، من الاتحاد السوفييتي الى الصين ..
وللإنصاف ان كنا نتحدث عن أهمية الحافز وإشباع رغبات الأعضاء الأكثر وفاء .. فلن نغفل حجم الناتج الذي يتم من خلال تلك العملية المعقدة ، فقد نما الاتحاد السوفييتي نموا هائلا خلال عدة عقود ، جعلت منه قطبا هاما ، بعد أن كان يوضع على جدول أعمال أي غزو من نابليون بونابرت حتى هتلر ..
كما نمت الصين ولا زالت تنمو ، وان كانت الصين قد جمعت مع تلك الطرق للسلوك ، طرقا أخرى أصبحت تحد من الفردية المطلقة ، فلذلك إن ديمومتها قد تكمن في هذا السر ..
عبدالغفور الخطيب
03-12-2005, 03:46 PM
الانضباط أهم ركائز العمل العام :
اذا كان الجذر ضبط ، يفيد بمعنى حكم المعايير للحركة عند الجمادات ، كمن يضبط حركة ساعة أو محرك سيارة أو دوزان آلة موسيقية ، فان الانضباط يعني التطوع في تنفيذ المهام ، وان كان هناك من يأمر بالالتزام ، فان الاستجابة لأوامره يجب أن تكون مخلوطة مع رغبته في الالتزام ، وتكون نسبة الخلط لصالح تلك الرغبة ، لا لصالح اللوائح الداخلية التي تكافئ أو تعاقب ..
فعندما يلتزم أحد العازفين في فرقة سيمفونية بإشارات قائد الفرقة ، فانه وبعد أن أجرى عملية الضبط ( الدوزان ) لآلته .. سيكون مسرورا في هذا الانضباط ، كما أنه يرغب في أن يلتزم جميع أعضاء الفرقة بتلك الإشارات ، فانه لو اختل دور عازف ، لاختل الأداء بالكامل للفرقة ، بما فيهم المنضبطين ، وبالتالي فان تقييم العمل العام للفرقة الموسيقية ، سيكون رديئا ، ولن يعود بأي مكافئة معنوية لأي عضو بتلك الفرقة ، لا من حيث الإعجاب أو التوقير أو التبجيل ..
ان كان هناك أعضاء بالفرقة يتمنون أن يخطئ زملائهم في العمل ، لكي يظهر أدائهم أمام الآخرين أنه متميز ، فهم مخطئون . وهذه خاصية طبيعية نجدها عند ممالك النمل و النحل ، فالأداء العام المتقن يحقق الفوائد المعنوية والمادية للجميع .. وان ثقب بسيط في ( بئر لجمع المياه) سيفقد البئر ماؤه .. وان ثقب بسيط في سفينة سيجعل الماء يغرقها ..
ان الإنضباطية بإرادة طائعة ، هي المنشودة في العمل العام ، أما الإنضباطية بالإلزام ، وان كانت في بعض الأحيان تقتضيها ظروف أمنية معينة ، تستوجب التكتم عن شرح فقهها . لكن المبالغة في اعتماد قاعدة ( نفذ ثم ناقش) ، تجعل همم المنفذين تتراجع بعض الشيء .
ان الانضباط لا يعني فقط الالتزام بأوامر الحزب بل يعني أيضا :
1 ـ الالتزام بأخلاقيات المجتمع الذي يعيش به الحزبي ، وعدم التمرد على عناصر القاعدة الخلقية السائدة .
2 ـ عدم إظهار و إرجاع عمل الحزب ، للحزب وحده ، فهذا يجرح مشاعر من يؤيده ، ولكنه لا ينخرط بصفوفه .
3 ـ عدم الثرثرة بأمور الحزب ، بين الناس ، فالحزبي بين الناس هو مواطن ، وحزبيته في حزبه .. ولن يكون الإنسان حزبي جيد أو سياسي جيد ، ما لم يكن مواطن جيد .. فالشرايين في الجسم لا يمكن رؤيتها من فوق الجلد !!
4ـ ضبط إيقاع حياة الحزبي مع شعاراته ، من أهم عناصر الانضباط .. فشعار (الحزبي أول من يضحي وآخر من يستفيد ) تحتاج طهارة و إثبات لمن يستمع لمثل تلك الشعارات ..
5 ـ ضبط حالة المحاباة و الشللية و الاتصالات الجانبية ، وهذه الصفات تظهر بانسداد القنوات الطبيعية للتعبير ، ليلوذ من لا يسمح له التعبير ، بأحد تلك الأساليب و القنوات الضارة ..
هناك وجه شبه بين التنظيم الحزبي ( في نموذج الحزب التكاملي) مع التنظيمات العسكرية ..
عندما أطلق نابليون بونابرت قوله الشهير ( أعطني خمسة لأسيطر بهم على العالم ) والتقف بعض خبراء التنظيمات هذا القول ، ليبقى أثره ماثلا حتى اليوم ، حيث أن أي قيادة فيلق أو فرقة أو لواء أو كتيبة الخ .. تكون خمسة أو حول هذا الرقم ..
وعندما أراد الحزبيون في أواخر القرن التاسع عشر أن يسقطوا هذه المقولة على التنظيمات الحزبية ، أفلحوا في تشكيل القيادات المركزية وأعداد مسئولي اللجان المشرفة بأسمائها المختلفة من حزب الى حزب .. وعندما تقتضي الأمور أن تكون هناك قيادة واسعة تصل احيانا الى عشرين أو مائة ، فإنهم ينحتون وظيفة لهيئة جديدة ، كالمكتب السياسي أو أمانة سر للقيادة الواسعة نفسها ويبقى هذا العدد المستحدث يقارب الخمسة !
المهند
03-12-2005, 09:56 PM
حياك الله على هذا الجهد
راح اسويه كتاب بس اتخلص
تحياتي
http://www.baghdadalrashid.com/vb3/images/imgcache/notfound.gif
عبدالغفور الخطيب
05-12-2005, 04:47 AM
الاحتراف السياسي هو ما يعطي الحزب هيبته
اذا ما ركزنا في الشرطين الأوليين ، على موضوع الحوافز ، فاننا سنتناول موضوعا هو أقرب لفكرة الانتاجية والفاعلية ، التي عناها ( ماكس فيبر ) .. لكننا هنا ، سنتكلم بالذات عن موضوع الاحتراف السياسي ، كشرط ، يزيد أو ينقص من الفاعلية السياسية أو إنتاج تلك الفاعلية كعرض ثانوي ، له تأثيره على سمعة الحزب و ديمومة تلك الفاعلية ..
فالحزب أي حزب ، كما غمز بهذا الجانب (موريس ديفرجه) عندما قال : ( اذا أردت إنشاء حزب ما عليك الا أن تجد مقرا ، وأمين سر و ختم .. و أحيانا قد تكتفي بالختم !) .. فهو هنا يغمز بجانب سهولة إنشاء الأحزاب ، وهي ماثلة اليوم في أكثر من قطر عربي ، عندما يستقوي هؤلاء بالأجنبي !
فإذا كانت فاعلية الحزب أي حزب هي حصيلة فاعلية أعضاءه ، و اذا كان فعل كل عضو من أعضاء الحزب به سمة الاحتراف ، فان السمة العامة لفاعلية الحزب سيطغى عليها طابع الاحتراف .. و اذا كان العكس فان العكس هو لنتيجة ..
لكن ما هو الاحتراف السياسي ؟ .. نحن نعلم أن هناك احتراف بكرة القدم ، بالقتل ، بالطب .. أما في السياسة ، فكيف يكون ذلك ؟
تماما كما هي في كرة القدم .. فاذا تحول أعضاء الحزب كجمهور لقيادته المحترفة ، فان ذلك لا يجلب للحزب كثيرا من الانتصارات ، بل اذا أخفق فان هذا الجمهور سينقلب عليه ، كما ينقلب جمهور فريق كرة القدم على الفريق الذي يشجعه بحالة الخسارة .. ولكن لنتصور أن عشرات الألوف التي تجلس على المدرجات ، تتقن اللعب بدرجة تقترب من اللاعبين الأساسيين في الملعب ، فان التشجيع يكون له شكل مختلف ، اذ يتحول كل متفرج من الجمهور الى لاعب احتياط .. بالإضافة الى أنه في حالات إخفاق الفريق بإحراز نتيجة ، سيتفهم هذا الجمهور هذا الإخفاق ، وسيعالج أسبابه على وجه السرعة في حالة أن يكون الجمهور محترف ..
ان قدرات العمل السياسي ، تختلف عن قدرات العمل الحزبي ، فاذا كانت الأخيرة تجري في كواليس الحزب و غرفه المحكمة ، فان الأولى تستوجب العمل بأجواء مختلفة ، والمحاورون بتلك الحالة مختلفون .. وكما للعب كرة القدم قوانين تنظمه ، فان للعمل السياسي قوانين تحكمه ..
لم يعد المحاور من نفس الطينة ، ولم يعد الفقه السياسي من نفس اللون ، في حالة العمل السياسي ، يستوجب التعامل مع حزب حليف ، أو خصم ، أو حزب يختلف مع حزب العضو على بعض النقاط .. و قد يكون العمل مع دولة (في حالة المعارضة للحزب ) ، تتربص تلك الدولة باقتناص أي خطأ يقع به الحزبي لتجد تلك الدولة طريقة للتضييق على الأحزاب .
الجلوس في الدواوين :
ينظر أبناء الريف و عوام الناس الى أعضاء الأحزاب ، نظرة مليئة بالمشاعر المختلطة التي تحتاج عزل ما هو ضار منها .. وهذا يحتاج لين جانب ، وتوضيح لمنطوق ما تقوله الأحزاب ، وهذا أبسط درس بالاحتراف السياسي ، فأكثر ما يزعج أبناء الأرياف ، أن يكون جليسهم يتعامل عليهم بدور الأستاذ ، حتى لو خاطبوه هم بذلك !
فان صدف أن كان الذين يبشرون بفكر حزب عند عامة الشعب ، أكثر من واحد ، فان جلسوا بديوان ، أن يحذروا الجلوس بجنب بعض ، و اذا تكلم مسن بحضورهم ، فليكونوا مصغيين له إصغاء كامل ، حتى لو كانت لغته ركيكة وما يطرح من أفكار ليس بذي بال .. و أن يحذروا أن يتهامسوا أثناء حديثه ( اذا ما جلسوا بجانب بعضهم البعض) .. أو يبتسم أحدهم أثناء الكلام لذلك الشيخ ، و تكون الابتسامة بالنظر لبعضهم البعض .. فقد يكون هناك بالديوان من أبناءه أو أحفاده أو مريديه .. وان ذلك سيؤذي مشاعرهم ، ويجعلهم يدخروا تلك المواقف لتحويلها لموقف مضاد تجاه حزب المبشرين الفاشلين ..
كسب المؤيدين باستمرار :
اذا كان الحزب ، حسب التعريف السابق ، مجموعة مصطنعة دعائية دائمة تسعى لاستلام السلطة ، فان أصول الاحتراف السياسي تستدعي الاقتراب من الأذرع الإدارية كالنقابات و الجمعيات و غيرها لجعلها تتبنى برامج الحزب وتنفيذ تطلعاته ، وهذا بالتالي يجعل من احتراف العمل الإداري بمختلف وجوهه شرطا أوليا لاحتراف العمل السياسي ، لأن صقل المهارات اللازمة في هذا الشأن سيخدم فكرة تطوير برامج الأحزاب ، ويحسن لغة و إمكانيات أعضاء الأحزاب .
توظيف الأصدقاء في خدمة أهداف الحزب :
لغياب الأعداء المباشرين عن متناول يد العضو الحزبي ، فان نشاطه سينكب على اختيار أعداء متوفرين حوله ، فيعتمد مناكفة الفرقاء من الأحزاب الأخرى رغم التقائها مع حزب المعني بكثير من الأمور التي ممكن توظيفها في خدمة برامج تلك الأحزاب التي يفترض أن تتحالف ، أو على الأقل ألا تتعادى في مسائل مجانية ..
وعلى القيادات المفصلية في المناطق والمركز ، أن تعتمد برنامجا تربويا مكثفا ، لحث عناصرها على عدم فتح جبهات ، لا يفترض فتحها ، مع أحزاب أو هيئات قد تصلح أن تكون متحالفة مع حزب المعني ..
وان عناصر الأمن في معظم البلدان العربية تستغل ذلك استغلالا جيدا ، لعمل هوة بين الأحزاب لتتمكن من الانفراد بحزب بعد الآخر ..
عبدالغفور الخطيب
07-12-2005, 02:01 PM
الأعمدة :
الأسرة الحاكمة هل تصلح أن تكون عمودا ؟
(1)
عندما نقلب صفحات كتب التاريخ ، نتعرف على عائلات حكمت في مختلف أنحاء الأرض ، من الفراعنة والسومريين ومرورا بالأمويين والعباسيين و العثمانيين ، وانتهاء بالأسر الحاكمة في العالم بالوقت الحاضر و من بينها جزء من الدول العربية ..
كانت الأسر في السابق تصل الى الحكم من خلال إقصاء من سبقها بالحكم بواسطة القوة ، أو كانت تقوم بطرد المحتل و تحل محله برضا المحاربين الذين تعاونوا معها في ذلك .. وكانت ديمومة حكم أي أسرة تعتمد على قدرتها في الذود عن حمى الوطن ونشر السلام بين المواطنين وتأمين الحياة الكريمة لهم .. وتنتهي بانتهاء تلك الخصائص عنها ..
وكانت كل أسرة تبحث لها عن كاريزمية خاصة بها ، وتوظف رجال الدين في الحث على طاعة تلك الأسر ، سواء كانوا مسيحيين أو مسلمين أو بوذيين ، ومن قبلهم الكثير من الدول وكذلك في العصر الراهن ..
وكانت القوى الاجتماعية ، قبائل أو فرسان أو ملاك ، يأخذون حقوقهم من تلك الأسر ويكونوا بمثابة شركاء مستترين لها ، ولهم أسهم من عوائد الدولة ونصيب وان لم يتساوى مع نصيب الأسر الحاكمة لكنه يبقي هؤلاء الحلفاء أو الأعوان المطيعين على طاعتهم طالما شعروا بالرضا ، واعترفوا ضمنا بعدم قدرتهم للوصول الى حال أفضل مما هم فيه .
ومع تطور الفكر السياسي الذي رافق الثورة الصناعية في أوروبا ، تطورت أدوار تلك الأسر الحاكمة ، بعد أن اختفى منها العديد ، كما حدث في بروسيا وفرنسا وألمانيا وروسيا ، وامتد هذا التغيير لقضم مستعمرات كثيرة في العالم وتقليص نفوذ دول مستعمرة .. فأبقت دول على حكم تلك الأسر كوجه رمزي كما حصل في بلجيكا وبريطانيا وبعض الدول الاسكندنافية .
أما في بلادنا العربية ، فان الأسر الحاكمة وان جاء بعضها بمساق شبيه لما حدث في التاريخ ، الا ان البعض الآخر ، جاء كإرادة تزامنت مع ترتيب منطقتنا بعد أن خرجت من دائرة الحكم العثماني المنهك ، فكانت تتناغم في معظم الأحيان مع الشكل الذي وضعت عليه اتفاقية (سايكس بيكو ) .
وان كان الشكل الملكي في أوروبا قد اتخذ صورة رمزية ، ليتماشى مع تقاليد تناقل السلطات في أوروبا ، فان شكل حكم الأسر في المنطقة العربية ، قد اتخذ احتياطات كافية لمنع تداول السلطة وتناقلها بنفس أسلوب الغرب ، وان كان هناك أشكال ديكورية تنتشر هنا وهناك ، لكن بفاعلية محدودة ، تتفق بالنهاية مع ما تتطلع اليه الأسر الحاكمة من رؤى ..
لقد تصلب الوضع الاجتماعي ، أو خريطة القوى المؤثرة سكانيا ، من خلال نحت شرعية تلك الأنماط من الحكم ، فضمنت قوى اجتماعية نصيبها من توزيع الأدوار و تأمين مصالحها فاستبسلت بالدفاع عن مثل تلك الأنظمة ، لأنها تدافع عن مصالحها بالحقيقة ، وكانت تمنعها في اتخاذ بعض التنازلات تجاه مصلحة الحريات العامة ، لأن ذلك سيكشف مدى الفساد التي تسببه تلك القوى المحيطة بالأسر الحاكمة .. فكانت الأسر تستجيب لإيماءات تلك القوى ، لضمان تحقيق المصالح المشتركة لها ولمن يحيط بها .
صدام العرب
07-12-2005, 09:45 PM
حقّا هو جهد لا يليق به سوى الإعجاب
بارك الله بك
عيني المهند حدد الطبعة مالتك لأنو من يمنا وصينا الجماعة لعى هيج شي طبعا بعد موافقة الأصل
عبدالغفور الخطيب
10-12-2005, 02:15 PM
أشكر مروركم الكريم .. وتشجيعكم الضمني
سواء ما أرى من كلمات طيبة وقوية
أو من خلال تزايد المارين
وفق الله الجميع لما فيه خدمة الأمة
عبدالغفور الخطيب
10-12-2005, 02:17 PM
الأسر الحاكمة في البلاد العربية ..
هل تستطيع مواصلة إعادة إنتاج نفسها ؟
استطاعت الأسر الحاكمة في البلاد العربية من الحفاظ على نفسها منذ بداية القرن الماضي ، ولغاية اليوم ، متفوقة بذلك على غيرها من أشكال الحكم الأخرى في القدرة على البقاء . وتكاد تكون متشابهة في أداء حكمها إذ أنها استفادت منذ البداية من العوامل التالية :
1ـ استفادت من الحرمان الطويل للعرب في حكم أنفسهم الذي استمر زهاء ألف سنة ، وعليه فقد رضي العرب ، بل تساهلوا و تسابقوا للالتفاف حول تلك الأسر لتقوم بحكمهم ، مراهنين بأنها أقل سوءا إن لم تكن أفضل من غير العرب .
2ـ أوهمت تلك الأسر شعوب بلادها بأنها الوحيدة التي تحظى بمزايا فريدة ، لا يمكن ان يستطيع أحد أن يجمع مثلها .. كالحظوة الكاريزمية المنسوبة للدين ، أو الفن الاستثنائي الفريد بالتعامل مع القوى العالمية والمحلية ، لإبقاء حالة الاستقرار بالبلاد . وقد تكون بالنقطة الأخيرة محقة لالتقاء المسار الذي تقوم به مع إرادات و أجندة تلك القوى .
3 ـ اعتمدت تلك الأسر ، الأوضاع الاقتصادية التي كانت سائدة قبل مجيئها ، كخط فاصل للمقارنة مع ما حصل بعد وجودها .. وقد خدمتها التطورات الطبيعية سيما تلك المتعلقة ببروز النفط بالمنطقة . فكانت وما زالت تلمح لتجيير تلك التغيرات لتحصرها بنفسها كمسبب .
4 ـ اعتمدت تلك الأسر ، سحب اعتماد الناس على رزقهم من خلال أعمال كانوا يمتهنونها مئات السنين ، وربطتهم بمحور نشاطها وعطاءاتها ، ليبقى هؤلاء الناس ينشدون رضى تلك الأسر من خلال طاعتها .
5 ـ اعتمدت تلك الأسر ، بناء قواتها الأمنية والعسكرية والمخابراتية ، أسلوبا يتناسب مع رؤيتها في نحت شرعيتها و ربطت قيادات تلك الأجهزة بها مباشرة وحصرته بأبناءها أو أبناء القوى التي تعتمد عليها لإبقاء حالة الشرعية تلك ، وكانت تقصي الضباط الذين تتوجس منهم خطرا ولو ضئيلا ، في وقت مبكر .
6 ـ اعتمدت تلك الأسر ، أسلوب إشغال الناس بمراقبة بعضهم البعض ، وجعلتهم في وضع يتنافسون فيه لنيل رضاءها . فمن خلال الدعوات للقصر أو خلال التعيينات أو من خلال أشكال الانتخابات محدودة التأثير عليها ، فكان الناس يتباهون بالمجالس بذكر مناقبهم أو مناقب رجال أقاربهم ، الذين نالوا هذا الشرف العظيم ، ويجلس الآخرون الذين يستمعون في حالة حلم وهيام للوصول الى مثل تلك الحظوة !
لكن نعود بالسؤال : هل تستطيع تلك الأسر البقاء على نفسها أو تعيد إنتاج نفسها بشكل يتماشى مع التطورات المحلية و العالمية ؟
لقد أخذت الأجيال التي عاشت أجواء مبررات وجود تلك الأسر ، بالزوال شيئا فشيئا بفعل الموت وتقادم الأعمار ، وأخذت مساحة الذاكرة التي تحمي تلك المبررات تصغر شيئا فشيئا ، وتنحصر في خلف الأسر المحيطة بالأسر الحاكمة وعليه فان ظروفا استجدت تهدد بقاء تلك الأسر :
1 ـ زوال قوة خطاب أهلية تلك الأسر ، بعدما تعرضت الأمة لسلسلة من الإهانات على مرأى ومسمع تلك الأسر ، والتي لم تكن على الحياد ، بل كانت تشارك وتسهم في وصول أعداء الأمة الى أهدافهم ، في حين كانت الجماهير تنتظر من تلك الأسر التي التفت حولها كل هذه المدة ان تذود عن الأمة .
2 ـ مشاعية المعلومات ، مما جعل المواطن الذي افتتن كل تلك المدة بهذه الأسر أن يطلق العنان لإشغال عقله و يتفحص سلوك تلك الأسر .
3 ـ جرب بطون أبناء تلك الأسر ومن يحيط بهم ، و ابتلاعهم معظم ثروات البلاد ، وتمثيل دور المتصدق و المتحسن على أبناء الشعب ، مما خلق دملا يزداد حجمه يوما بعد يوم ، ولا أحد يستطيع أن يتنبأ بوقت انفجاره ، وان كانت أحد مظاهر خراجاته تتمثل بما يطلق عليه ( الإرهاب ) .
4 ـ إصرار تلك الأسر الحاكمة على الاعتماد على رجال دولة ، هم من أكثر الناس فسادا وعدم أهلية ..
5 ـ تسرب بعض رجال الدولة ، الذين لم يعد مرغوب بهم من قبل الأسر الحاكمة ، و تسريب بعض المعلومات عن دواخل تلك الأسر بالصالونات السياسية والدواوين او في خارج البلاد ، مما يشكل صاعقا لمتفجرات الشعب القادمة ، وبرأيي أن هذا العامل هو من أخطر العوامل ان لم يكن أخطرها ، التي تهدد تلك الأسر .
6 ـ تمزق تواصل الذاكرة بين القوى الأجنبية وجدارة تلك الأسر بالبقاء ، ونحن رأينا كيف تم ذلك مع نهاية العهد القاجاري في ايران أو نهاية حكم هيلاسي لاسي في أثيوبيا و شاه ايران الأخير محمد رضا .. كيف أن الاعتماد على القوى الأجنبية وحده لا يصلح ان يكون ضمانة لديمومة تلك الأسر .
7 ـ كانت تلك الأسر الحاكمة ، أحد العوامل الماثلة أمام أبناء الأمة العربية في تعطيل محاولات التقارب والتناغم في الأداء العربي ، لضمان بقاءها في الحكم ولتنعم بحالات الهنأة و الدعة .. مما صنع مزاجا إقليميا بالنظر لها نظرة لا تنم عن احترام وحرص على بقاءها ..
صدام العرب
10-12-2005, 09:04 PM
لا شكر على واجب
فللحق نقول أن الله قد منحك موهبة الكتابة بهذا الأسلوب الراقي
فالحمدلله رب العالمين
عبدالغفور الخطيب
11-12-2005, 03:10 PM
الأعمدة
العسكر : هل يصلحون أن يكونوا عمودا في العصر الحديث ؟
(1)
لا نستطيع كعرب و نحن نتكلم عن آفاق العمل السياسي المقبل ، والمتعلق بتأملات حول تناقل السلطة و إدارة الدولة ، أن نغض النظر عن موضوع تدخل العسكر في هذا الشأن ، ليس لأنه لصيق بتلك المسألة فحسب ، بل لأنه رافق صناعة الدولة منذ صدر الاسلام وحتى اليوم ، وكان له في معظم الأحيان المعطى الأولي والمحوري لتلك المسألة ، وكانت باستمرار كلمته هي العليا .
لكي لا نحرف مسار مطالعتنا لهذا الموضوع ، ونشتت تركيزنا فيما نرمي اليه بهذا الاستجواب لأنفسنا عن كيفية تصورنا للخلاص مما نحن فيه ، فلن نغوص بأعماق التاريخ للوقوف على الكيفية التي كان للجيش والعسكر أثر بها في صنع وتثبيت الدولة في عصور ما قبل الاسلام ، لكننا سنكتفي للتأسيس لهذا الباب أن نسترجع تطورات الدور العسكري في ذلك بعجالة مركزة ، تسهم في تحديد إحداثيات الصورة التي نحاول رسمها ..
لقد مر الجيش منذ قيام الدولة الاسلامية بعدة تطورات ، يستطيع من يتأملها أن يستلهم الشكل الذي كان يستطيع الجيش من خلاله التدخل في شؤون الدولة ، وعندها فإن رؤية المستقبل تكون أكثر وضوحا في اقتراح أشكال تضمن قوة الدولة وديمومتها .
المرحلة الأولى : من صدر الدولة الاسلامية الى نهاية العصر الأموي
لقد أثر الإسلام كعقيدة تأثيرا هائلا في توحيد الناس ، وبقي الالتزام به كموجه للمقاتل هو السائد في كل تلك المرحلة ، وان كانت الشؤون التنظيمية للجيش تعود في بنيتها العامة للقبائل ، والتي كان لها مقاتلوها قبل الإسلام وكان لهم تدريبهم و طرق تعبئتهم واستنفارهم الخاصة والملائمة لوضع تغيب فيه السلطة المركزية للدولة ..
فعندما كانت تدخل قبيلة في الإسلام ، فان تشكيلها العسكري يدخل معها ، ويكون في حالة جاهزية كاملة وقت المعركة ، وغالبا ما يبقى التشكيل على حاله ، وتكون مهمة الخليفة ، تعيين القيادات لتلك التشكيلات و أحيانا تكون قيادات التشكيلات من نفس أبناء القبيلة صاحبة التشكيل ، كما أن الخليفة هو من يقوم بإعطاء إشارة التحرك العسكري ، ويقوم بتوزيع الغنائم ، وفق الشرع .
وقد برز مصطلح (عسكر) وهو لغويا (دون الخوض بالتفاصيل) الكثرة من الشيء المتجمعة ، فيقال العسكران عن منى وعرفة ، حيث يتجمع الحجيج فيهما . وهو في موضوعنا يعني الرجال الذين ينخرطون في الخدمة لقاء أجر من بيت مال المسلمين ، ويمتهنوا الخدمة العسكرية ، مفرقينهم بذلك عن (الجند) حيث يؤدي الرجال دورهم في القتال في معركة و بعد انتهاءها يعودون لبيوتهم وزراعتهم ، وكانوا يأخذون لقاء عملهم مما كسب من الغنائم .
وقد يكون الوصف الحركي للجيوش وتشكيلاتها التي كانت تحدث على هامش التصنيف القبلي هو وراء تلك التسمية ، فعندما كانت تقيم تلك القوات مع عائلاتها . ففي البصرة حيث أقامت تشكيلات قبائل الأزد و تميم وبكر و عبد قيس وعالية ، وكان لكل قبيلة معسكرها الخاص . وقد حدث هذا في كل (الأمصار) المفتوحة ..
وبعد سقوط الدولة الأموية ، تهاوت الحالة العسكرية بصبغتها العربية بشكل دراماتيكي سريع ، ومهدت للمرحلة الثانية ، التي كان فيها دور العساكر غير العربية في بناء الدولة وإرادتها ، واضحا و مؤثرا ..
عبدالغفور الخطيب
13-12-2005, 01:38 PM
الأعمدة
(2)
العسكر : هل يصلحون أن يكونوا عمودا في العصر الحديث ؟
المرحلة الثانية : مرحلة الازدهار .. وتعدد ولاء الجيوش
اذا كانت المرحلة الأولى دشنت قواعد دولة قوية ذات إرادة مركزية ، مهدت لإطلاق إبداعات المبدعين في المرحلة التي تليها ، فان المرحلة التي تلتها والتي امتدت من بدء العهد العباسي الى نهاية عهد الخليفة العباسي العاشر (المتوكل) والتي أطلق عليها عصور الازدهار ، فانها شهدت من جانب آخر تهديد تلك الإرادة المركزية ، وأسست لتجزئة سلسة لا زالت آثارها قائمة حتى اليوم .
فبعكس المرحلة الأولى ، كانت الجيوش في الأطراف تتبع إرادة حكام محليين كانوا يكلفونها بتصليب أوضاعهم المستقلة و أحيانا التطاول على أصقاع الدولة المركزية وقضمها شبرا بعد شبر .
ومع ذلك كان كل من حكام تلك المناطق الانفصالية ، يدعي بأنه يصون وحدة أراضي الدولة المركزية ، ويذود عن حماها ، وهو بالحقيقة ، كان يتحين الفرص ليحظى بالانفراد بالإيحاء للخليفة (المركزي) لتحسين وضع ملكه وسلطاته ولم يشبع هؤلاء حتى لو قاموا بدور الخليفة نفسه من وراء ستار .
ولتعدد أعراق الجيوش ، التي تزامنت مع تداخل تشكيل دول أو دويلات كثيرة ، بدءا من دولة الأغالبة في تونس والأدارسة في المغرب و ودولة بني سامان ودولة بني صفار (في فارس و خراسان ) ودولة اليعافرة في اليمن ، ومن ثم دولة الغزنويين في افغانستان و التسارع الشديد بعد ذلك في تكوين كميات هائلة من الدويلات ( العقيليين في الموصل ) والحمدانيين في حلب ، الطولونيون والأخاشدة والمهديين والفاطميين والبويهيين والزنكيين الخ من تلك الدويلات وجيوشها التي حمتها .
ان تكوين تلك الجيوش ، قد أحدث تصور لحدود الدولة القطرية ، التي كانت تمثل في كثير من الأحيان ولا زالت ، خطا لحماية القطر الذي يطمع به حاكم تلك المساحة و جيشه ، وقد كون هذا التسلسل ذاكرة سياسية جغرافية لسكان تلك البلاد ، فلا عجبا ان تجد اليوم من يدافع عن تلك القطرية ، لأنه يعجز بالبحث عن بقعة في تلك الذاكرة تجعله يحس بمشاعر وحدوية مع أشقاءه في الأقطار الأخرى ..
ان بداية هذا المسلسل ، تم تجيير فعلها لمصلحة (العسكر) الذين كرسوا تلك القطرية منطلقين من مصلحة صاحب الغاية الانفصالية . وقبل ذلك كانت صفقات الانفصال تتم على هامش مقايضة الفعل العسكري باقتطاع ملك لمن يقدم تلك هذا الفعل ، فكانت صفقة ابراهيم ابن الأغلب بإعطاءه تونس له ولأبناءه من بعده لقاء إسكات الأدارسة في المغرب ، وكانت صفقة بني صفار في ايران لقاء وقوفهم مع المأمون في صراعه مع أخيه الأمين .. وهكذا تم مع عبد الرحيم بن يعفر في اليمن .
عبدالغفور الخطيب
14-12-2005, 01:32 PM
(3)
المرحلة الثالثة : مرحلة الحاميات الثابتة
يمكن القول أن هذا الشكل من الأداء والتنظيم العسكري قد بدأ في عهد المماليك ، حيث كان يقتطع لهم أو يقطعون لأنفسهم مساحات ، تقام فيها الحاميات الثابتة ، وتغلق تلك الحاميات على من في داخلها ، لا يسمح حسب هذا النموذج الاختلاط بالحياة المدنية بشكل واسع .
ثم تطورت تلك الحالة عند العثمانيين ، لتصبح تلك الحاميات مدارس متخصصة في زرع العقيدة العسكرية والولاء المطلق لقيادة العسكر ، وقد أتاح هذا النمط من زيادة التدريب واحتراف فنون القتال ، بشكل يتفوق على غيرهم من الجيوش ، وهذا كان من أحد أسباب تحقيق الانتصارات المتتالية للعثمانيين .
وقد ظهر تنظيم الانكشارية الذي كان يعزل أطفال البلاد ذات الديانة المسيحية عن أهلهم وتربيتهم تربية عسكرية شديدة ، بعد العمل على تعليمهم الاسلام ، وكان هؤلاء الانكشاريون لا يقيمون أصلا في حاميات قريبة من أوطانهم التي أخذوا منها طوعا او قسرا .. ومع الزمن تتصلب أحاسيسهم و يصبحون أشبه باللاعبين المحترفين .
كانت تلك الحاميات تابعة إداريا للسلطان مباشرة ، فيعين قياداتها و يفوض الولاة في الولايات إدارتها أو التنسيق مع قياداتها في ضبط الأمن والحدود .
لم يكن في قيادة تلك الحاميات أي عنصر غير تركي ، ولكن كان فيها من الجند والعسكر ، والذين كانوا يوضعون في مناطق نائية عن بلادهم .. وكان عندما يجند العربي مثلا ويؤخذ للخدمة ، فن رحلة نحو المجهول قد بدأت .. وغالبا ما تنتهي بالموت .
استمر استبعاد العناصر غير التركية ، في قيادة ، وحتى في رتب الضباط ، في تلك الحاميات لغاية القرن التاسع عشر عندما كثرت القلاقل في أطراف الامبراطورية ، فتم ترقية أو إناطة مسؤوليات الضباط الى قسم من أبناء العرب والذين كانوا يبعدوا أيضا عن أوطانهم فابن العراق يخدم بالمغرب وابن الشام يخدم بالبلقان ، وابن المغرب يخدم بالشام وهكذا .
وقد أدخل قسم من هؤلاء الضباط الى دورات متقدمة كان يحضر لها مدربون من بروسيا و فرنسا ، وتقدموا في رتب الجيش ، حتى بدأت تنشط حركات قومية تركية ، تدعو الى تتريك الامبراطورية هي و أطرافها ، فنشأ عند هؤلاء الضباط العرب هواجس قومية مضادة ، وأخذوا يفكرون بتنظيمات ذات طابع قومي ، إضافة لمطالبتهم بتغيير سياسة الخدمة خارج أوطانهم .
عبدالغفور الخطيب
16-12-2005, 06:12 PM
المرحلة الرابعة : مرحلة الاستعمار الأوروبي
اختلفت تلك المرحلة عن سابقاتها بالتركيز على الأقليات الإثنية ، ببناء جيوش عربية ، قياداتها من أبناء الأقليات ، وذلك لحصر ولائهم بالمستعمرين ، دون أن تنازعهم على هذا الولاء ارتباطات هؤلاء النخب مع قبائلهم وشبكة علاقات تلك القبائل مع بعضها ، مما كان يصنع هاجسا كبيرا عند المستعمرين .
ومن هذا المنطلق انخرط في الجيش الذي بني تحت أعين المحتلين في العراق ، أبناء الأقلية الكردية والآشورية ، وفي سوريا العلويين والدروز والأرمن ، وفي لبنان الموارنة وهكذا ، وقد أسهمت تلك السياسات في زرع بذرة توكيد الذات الإثنية لدى تلك الأقليات التي انتقلت من الظل الى دائرة الأضواء ، فأخذت تطور من محاولاتها في تعميق دورها السيادي ، فكانت طلائع الأحزاب الشيوعية من هؤلاء الفئات ، ومنافذ الدخول لإحداث قلاقل داخل البلاد العربية من خلال تلك الفئات التي خرجت عن مواضعة تعايشها القديم مع الأكثرية العربية ، لتمارس دورا بالوكالة عن القوى التي كانت تنوي زعزعة الاستقرار في تلك البلاد .
وبعد بوادر الاستقلال الاسمي ، أخذت العائلات الميسورة وذات النفوذ ، زج أبناءها بالجيش لتتقاسم مع تلك الأقليات النفوذ العسكري ، ولتصنع حالة من التعايش السيادي غير الثابت في معظم البلدان العربية .
وبعد الاستقلال وانشغال الدول في معارك الاستقلال ، وفيما بعد حروب داخلية كحالة العراق مع الأكراد ، أو في حالات الحروب الخارجية ، كالتي كانت مع الكيان الصهيوني ، و ما شملها من حالات تعبئة غير جادة ، كل ذلك جعل من المؤسسات العسكرية ، لوجود حالة التوتر الدائم تلتهم حوالي ثلثي ميزانيات الدول العربية .
وهذا أوجد حالات تكدس التقنيات و الأموال في المؤسسات العسكرية ، فتهافت أبناء الأرياف و البادية للانخراط بالجيش ، طمعا بدخل ثابت ومتفوق نوعا عن غيره من مصادر الرزق .. وفي كل مرحلة اهتزاز أمن السلطات الحاكمة يجري تغيير في رأس المتنفذين في القوات المسلحة ، والتي كان يحرص رأس الحكم على ضمان ولائها ..
من هنا نكتشف أن المؤسسة العسكرية أسهمت في بقاء حدود الدولة القطرية ، لطابع الاستقلال النزق والذي بقي ولا زال ، من مفاصل قياداته المحترفة ، ممن تربى في مدارس المحتلين و أرضعوا وربوا ممن أفتتن بهم على هذا النهج القطري .. فأصبحت قيادات الأمن والاستخبارات بيد الأقلية غير العربية في كثير من الدول ، مما أبقى القنوات مفتوحة مع الأجنبي ، والذي كان يضع تلك الشخصيات كثوابت في نظم تعاونه ورضاه عن الكثير من الأنظمة العربية .
وبالمقابل فان الصراع الذي قام بين المنخرطين من أبناء الريف ، والحرس القديم ممن تناسل من السلالات الأولى لقيادات الجيوش العربية ، بقي قائما فيأخذ طابع الانقلاب العسكري في أكثر من قطر عربي ، حتى كنت ترى أن أكثر رؤساء الدول العربية منذ الأربعينات وحتى اليوم ، تقترن برتبة عسكرية السيد الرئيس العقيد او الرائد او الفريق او اللواء او المشير الخ .
ان هذا الوضع الذي لا زالت آثاره واضحة حتى اليوم ، كان على صلة كبيرة جدا بما رافقه من طابع اقتصادي وثقافي و صناعي وزراعي متأثرا بالحالة الإيبستمولوجية العسكرية وهذا ما سنمر عليه في حديثنا القادم .
عبدالغفور الخطيب
17-12-2005, 02:48 PM
أثر العسكر في تردي أوضاع العرب :
برز دور العسكر في العصر الحديث ، خلال قرن من الزمان متوافقا مع مجموعة من العوامل التي جعلت من العسكر أقرب الى أن يكونوا العامل الأهم في تردي أوضاع العرب :
1 ـ لقد تزامن ظهورهم كقوة ، متحالفين بالسر مع قوى أرستقراطية ، التقت معهم بالصلة مع المستعمر القديم ولو بتنسيق خارجي نظمته أجهزة المستعمر القديم . لقد تزامن ذلك مع الاستقلال الشكلي الذي حصل مع خروج المستعمر ، دون نصر واضح الا في حالات محدودة في مصر والجزائر و السودان واليمن ، وحالات أقل وضوحا في العراق وسوريا و ليبيا ، وحالات لا تكاد ترى في باقي الدول العربية .. هذا في مرحلة إعلان الاستقلال .
كل هذا جعل تلك القوى تتصرف ، وكأنها لها أحقية حصر وكالة سلعة ما في الاستيراد والبيع و إعادة التفويض .
2 ـ لقد أوجد هذا الشكل من القوى الراهنة مزاجا ، تم التعايش والتعامل معه من قبل أبناء الشعب بلين واعتراف ضمني ، بالسكوت اللامحدود عن حالات التصرف بأموال البلاد ، تحت ذرائع الدواعي الأمنية ، خصوصا بعدما علا الضجيج بالاستعداد للمعركة الحاسمة مع الكيان الصهيوني والتي انتهت حتى إدعاءات قيامها يوما عند هؤلاء .
3 ـ بالمقابل فان القوى التي نبتت في رحم الشعب وتسللت الى أعماق الجيش أو الجيوش العربية ، وتأثرت أو تبنت طرح فكر عقائدي تكون هنا وهناك ، واستطاعت بالتالي انتزاع السيادة من الحرس القديم . ان تلك استلهمت أسلوب تعامل الحرس القديم مع شؤون الدولة ، لا بل وتعاملت مع الوحي الذي كان يلهم الحرس القديم ، في كثير من النماذج .
4 ـ ان الشكلين ، الحرس القديم و أضداده ، قد أسقطوا رؤاهم على كافة مناحي الحياة المدنية ، بل وكان في كثير من الأحيان بعد أن يتعبوا من الحياة العسكرية ، التي غالبا ما كانت تقتصر على الزي العسكري باللباس فقط ، فانهم يتحولون الى الوزارات ، لا لحل مشاكل الوزارات بهم ، بل لحل إشكالية مستقبلهم بوضعهم بتلك الوزارات ..وكان في أحيان أخرى يتزعموا أحزابا ويطوعوا أجهزتها وسياساتها بما يخدم و ضعهم وأهدافهم .
5 ـ لقد تعامل هؤلاء مع وزارات ومنشئات الدولة العربية ، كإقطاعيات بشكل جديد تنمى من خلاله ثرواتهم من خلال العقود والعقود بالباطن ، والتي بنوا من خلالها شبكة حماية من المنتفعين توزعت بربوع البلاد لتبقي الغلبة للنظام ومن يستفيد منه .
6 ـ ان صفقات الأسلحة ، التي كانت تدخل البلدان العربية ، وهي من الدرجة الثانية أو الثالثة ، ولا تفرق هنا مدى درجتها ، طالما ان استخدامها كان محصورا ، في استتباب الأمن ( أمن النظام ، وليس البلاد ) . ان ذلك جعل لتلك القوى حماة خارجيين ، يعتبرونهم كنزا لا ينضب ، اذ من خلالهم يصرفون بقايا سلاحهم الذي لم يعد ذو أهمية استراتيجية لبلادهم ، ولولا جيوش المغفلين أو لصوص البلاد العربية ، لصهرت تلك الدول المتقدمة سلاحها الذي صدرته لنا وتعاملت معه كمواد خام !
7 ـ ان هناك جيوشا خفية مدنية ، تنسق مع القوى الراهنة العسكرية وتحتمي بمن تحتمي بها الأخيرة ، مهمتها تعطيل تطور البلاد مدنيا ، ونموذج (سعيد مالك العلي ) وزير الري العراقي كان نموذجا ذكيا اذ استطاع ان يكون وزيرا منذ أيام العهد الملكي ، الى أن أعدم في السبعينات ، بعدما انكشف أمره في تعطيل إنشاء سد الموصل .
8 ـ لذلك كله ، تكالبت القوى الخارجية و الداخلية المستفيدة ، من خلال ما تبقى من الحرس ( العسكري ) القديم و حلفاءه المدنيين ، في كبح أي محاولة لتطوير التصنيع العسكري في أي بلد عربي .. ونموذج العراق واضح .
عبدالغفور الخطيب
18-12-2005, 03:27 PM
هل لا زالت فرص العسكر في الحكم باقية ؟
اذا كانت الأجواء التي سادت مطلع القرن الماضي ، تسمح بصعود نجم العسكر وتسلمهم مقاليد الحكم في البلاد العربية وتفويض أنفسهم بالتصرف بأموال البلاد ورسم استراتيجياتها في كل المناحي ، مستغلين بذلك حالة عدم الإحساس بضرورة الدولة التي استمرت لقرون طويلة قبل صعود نجمهم ، وتواضع طلبات المواطنين الحياتية التي كانوا يقضونها بأنفسهم ، وجهل المواطنين بحقوقهم ، وعدم معرفتهم بأهمية حراكهم ، فان الوقت الحاضر اختلف تماما .
لقد تعاقب على الذاكرة الجماعية لأبناء الأمة العربية ، أشكال كثيرة من أصناف الحكم ، وكانت الصفة العامة للحكام لا تبتعد كثيرا عن صورة النعمان ابن المنذر الذي كان له يوم سعد ويوم نحس ، فحالة التسليم القدري لأهواء الحاكم بنحسه وسعده ، هي السائدة ، حتى تغلغلت في قصصهم و آدابهم و سلوكهم .
ولكن بعد أن تعرف المواطن على الصور التي يمكن أن تتحقق من حراكه اذا تحرك ، فلن يبقى أمامه مستحيلا ، لا يمكن الوصول اليه . وعندما يستعرض المواطن العربي عينات قوة أمته وانتصاراتها ، فانه يجدها حيث يسود العدل ويقل الفساد ، ويلتحم الشعب مع قياداته . وبعد أن تكررت إرهاصاته وجرح كرامته وابتعدت عنه أسباب الحياة الآمنة ، كان لا بد أن يتفحص الدارة الكهربائية لسيارته متتبعا إياها في كل وصلة .
حقا أن الجيوش لا يمكن الاستغناء عنها في الذود عن حدود البلاد وثرواتها ، وحقا انه لا فائدة من كنز الكنوز و جمع الثروات و تحقيق الازدهار اذا ما كان هناك من يتربص بالبلاد سوءا ، وهذا الأمر يبقى ماثلا طالما هناك حياة .
فالاهتمام بالجيش وتسليحه وتنقيته من الجواسيس والمفسدين ، لا يقل أهمية عن تشجيع العلم و تسجيل براءات الاختراع و تأمين العمل والسكن والصحة العامة للمواطنين . لكن دون التركيز على إناطة هذا الأمر للقيادات العسكرية ، التي تسقط وضعها الكامل على الحياة المدنية مما يفسد الحالتين معا ، العسكرية والمدنية .
ان تحقيق مسألة التوازن تلك يتأتى فقط عندما تتحقق شرعية كاملة للحكم ، ولن تبقى أي إشكالية حول تلك الشرعية ، فانها لوبقيت هناك إشكالية ، فانه كما يهمس بها المواطن فان الحكم يدركها ، مما يدفعه الى التوجه للمبالغة في كسب ود الجيش وما حوله من أجهزة أمن ومخابرات وغيرها ، مما يصنع أسس الفساد والتفرقة و إطلاق أيدي تلك الأجهزة لتكيف نشاطاتها ، من خلال التفويض الذي أعطي لها ، لعمل توازن بين مصالحها و مصالح من فوضها .
ان المواطنين ، يدركوا ذلك جيدا ، وان كانت تخونهم قدرتهم على التعبير ، التي تتحالف مع فرص إبقائهم ساكتين ، فانهم يتكيفوا مع تلك الظروف ، من خلال الهجرة من الوطن أو التزلف للحكم أو العيش مع احتقاناتهم لتنفجر بأي لحظة ، باتجاهات لن تكون محمودة في أغلب الأوقات ، لوجود من يتنبأ بتلك الانفجارات أو يعمل على توقيتها مستغلا إياها أسوأ استغلال .
ان سلسلة الانقلابات التي حدثت في كثير من الأقطار العربية ، ذهب ضحيتها قادة عسكريون ، لهم شأنهم ، كما ذهب ضحيتها ساسة و أناس قد يكون توفيرهم ، هو لصالح الوطن ، كما قد يكون ذهب بها أيضا أناس لا اعتبار لهم ، لكن كان يمكن اختصار كل تلك التضحيات لو تم تأسيس علاقة ، بين مراكز القوة في البلاد و جعل السيد سيدا في محيطه و اختصاصه ، ضمن سيادة عليا لهيبة الدولة ، ترسى دعائمها ، وتوزع الأدوار بها ، بالفطنة والتجربة والتطوير المستمر .
عبدالغفور الخطيب
19-12-2005, 04:55 PM
الأعمــدة :
المرجعية الدينية :
في أوقات كثيرة يتجنب نوع من المثقفين العرب ، التطرق للحديث بمواضيع الدين ، وان كان الكثير منهم من يلتزم بواجباته الدينية من عبادات و حسن سلوك والتزام وتحيز للإيمان ضد الكفر ، وغيرها من العلامات التي لا يصنفوا من خلالها الا مع الجانب الذي ضد الإلحاد ، أو في بعض الأحيان يعتبرون من خيرة الناس إيمانا بالله عز وجل و الالتزام بأوامره .
لكن ما يجعلهم يأخذون موقف عدم الخوض بهذا المجال من الحديث ، ينبع من عدم إلمامهم بعلوم الفقه والشريعة والاجتهادات التي حصلت بها خلال القرون الطويلة ، مما يجعلهم في موقف أضعف بالحوار بهذا المجال الواسع والمتشعب ، وبنفس الوقت قد يضعهم في جانب و كأنهم من المشككين في مسائل ، تجعلهم بنظر القراء في خانة أعداء الدين ، وتجعل من يرد عليهم ، وكأنهم حماة للدين نصبتهم انتصاراتهم في الحوار غير المتكافئ معرفيا .
ان المساجلات التي تمت بهذا المنحى من النشاط الفكري ، بالرد والرد على الرد ، لم تترك قيمة مهمة في مساعدة الباحثين عن مسالك الخلاص للأمة ، بل زادت في تشويش الباحثين ، وتمزيق تركيز الجماهير ، التي تنتظر مخلصين من أي صنف يخرجها مما هي فيه من بؤس ، و ما تلبث ان تصطف وراء الدعاة للعودة الى الدين . مما يجعل هؤلاء الدعاة يزهون بالحجم الأكبر من تأييد الناس حولهم ، ولكن بالواقع ان التفاف الناس حول هؤلاء مرده هو :
1ـ انهم استفادوا ثقافيا ، بأن كل ما كتب في تاريخ المسلمين ، يجيرونه لهم على أنهم امتداد طبيعي له ، وهم ينفردون بهذا الجانب عن غيرهم .
2 ـ انهم استفادوا تعبويا ، بأنهم يستغلون المساجد والمآتم والمناسبات الدينية للتعريف برموزهم و تأكيد مسألة ارتباطهم بجذور الأمة بقوتها ، فيتعرف عليهم الناس بخطاب يلتقي مع ما في نفوس الناس . في حين تغلق الأبواب من قبل الدولة العربية أمام غيرهم من التيارات ، والتي تسهم هذه الحركات الدعائية الدينية في تشويه صورتها أمام الجماهير ، متحالفة بذلك مع الدولة العربية !
3ـ ان الذاكرة القريبة ، خلال قرن مثلا ، لا تسجل أي تقصير على تلك الحركات ، كونها لم تمارس الحكم ، بل صنفت على أنها حركات معارضة كل تلك المدة ، مما عفا ذلك تلك الحركات من أخطاء الحكم ، وجعل الناس يدربون أنفسهم على التطلع لحصول هؤلاء على الحكم .
4 ـ من يتفحص سلوك تلك الحركات ، يجد تناقضا مع ما تطرح ، لا من خلال مهادنتها بعض الأنظمة العربية التي لا تخفي ولا تنكر علاقاتها مع أعداء الأمة ، بل تذهب أكثر من ذلك في تسلم مهام حكومية وإحالة عطاءات الدولة لها ، بالمقاولات وغيرها .. وهذا النموذج ماثل في ثلاثة أقطار عربية بوضوح .
5 ـ ان هناك من تلك الأشكال الداعية للعودة للدين ، من يتعامل مع الأعداء بوضوح ، ومن خلال أكثر من طائفة دينية ، وهذا النموذج ماثل الآن في العراق وسبقه في أقطار أخرى .
6 ـ هناك من تلك الحركات ما يدعو لعودة الخلافة الاسلامية ، منذ أكثر من ستين عاما ، ويعتمد على مركز نشاطه في دول أجنبية ، لم يسجل في تاريخ تكوينه أي عملية فدائية ، ولم يشترك في أشكال المقاومة في الأقطار التي تستدعي المقاومة ، ولم يستشهد لها عضو واحد .
لهذا وغيره من الأسباب ، رأينا ـ وعلى تردد ـ ان نلقي الضوء على هذا الجانب الهام ، وتفحص وضع صلاحيته أن يكون عمودا في البيت ..
عبدالغفور الخطيب
20-12-2005, 04:53 PM
ما هي المرجعية الدينية التي نقصد ؟
ونحن بصدد مناقشة أعمدة البيت ، وهي هنا ذات كناية سياسية بحتة . فلن نهتم بالدرجة الأولى الا الى الإشارة لعلاقة الدين بالدولة ، وهو ما يهمنا بهذا الصدد ، كونه بالوقت الحاضر يأخذ شأوا كبيرا في طرح الكثير من الناشطين سياسيا في مجال التبشير باعتماد الدين ، منحى يأخذ المعطى الأولي .
أما المرجعية الدينية بمفهومها العملي ، فان جذورها تمتد عميقا الى ما بعد وفاة نبي الله ( إدريس ) عليه السلام ، حيث عاش مدة طويلة يعلم الناس تعاليم الله عز وجل ، إضافة الى تعليمهم شؤون الحياة كاملة من فن الخياطة والنجارة والطب وكافة ما يفيدهم في حياتهم . فاحتل بنفوس الناس مكانة إضافية فوق مكانته كرسول من عند الله ، وعندما توفي ، فقد الناس شخصا استثنائيا ، حتى اختلفوا في نشأته وتكوينه ، فمنهم من قال انه ليس بشرا بل ملكا من ملائكة الله ومنهم من قال انه الله نفسه ، وأخيرا خرج لديهم رأي توفيقي ، بأنه وكيل الله في الأرض ، ورفعه الله اليه ليتمثل بنجم أو كوكب ، فبرزت عبادة الكواكب ، والتي كانت الغيوم والنهار يمنع رؤيتها فأقيمت له تماثيل و أصنام الخ .
وقد أخذت تلك الهالة والاختلاف حول (إدريس ) عليه السلام ، والذي أطلقت عليه بقية الشعوب غير العربية ، اسم (هرمس) تتمثل بتنصيب وكيل ، حتى بعد ان بعد أثر (هرمس) مع طول الوقت ، و بعث الرسل من بعده ، فقد برز باسم (البابا) في الديانة المسيحية ، بمختلف طوائفها ، وبرز باسم (الحاخام الأكبر) عند الديانة اليهودية قبل ذلك ، كما برز عند بعض الطوائف الاسلامية ، التي اعتنقت الاسلام من شعوب الهضبة الايرانية ، بمسميات مختلفة ، (آية الله ) أو المرجع الفلاني .. وهي استعاضة واضحة بجذورها الهرمسية .
أما عند أهل السنة المسلمين ، والذين لم ينظروا الى الرسل الا كمبلغين لرسالات الله عز وجل ، فلم يكن الله يحتاج لوسيط بينه وبين العبد ، فلم تظهر تلك المهمة الا في أشكال محدودة ، كما ظهر عند شيخ الأزهر ، ذلك المسجد الذي أسسه أهل الشيعة و أعطوه وظيفة تختلف عن وظائف المساجد عند أهل السنة ، ولما أعيد الصلاة بهذا المسجد بعد توقف طويل ، عادت معها جذور مكانة الإمام ، ولو أن أثرها بقي محدودا على عموم أهل السنة .
ولولا محاولتنا صناعة مقتربات للتجسير لموضوعنا ، لما خضنا بتلك المسألة ، ولكن أصل النظرة تجاه موقف الدين من الدولة ، ينبع عند أهل السنة ، بفحص موقف الصحابة رضوان الله عليهم ، واتخاذ مواقفهم بما فيها ما تم الاختلاف عليه و رجوح آخر الآراء ، كمرجعية تاريخية ، يقاس عليها في اتخاذ المواقف من مسألة الدولة .
عبدالغفور الخطيب
23-12-2005, 07:15 PM
صحوة إسلامية :
كثير ما يحب بعض الكتاب ان يطلقوا على ، سعة الأشكال المطالبة بعودة الدين الى الصدارة ، والى أن يأخذ دوره الأول في إدارة شؤون الدولة ، بالصحوة الاسلامية ، و في اعتقادي انهم أحبوا استخدام هذا المصطلح ، لأنه يشير الى حالة انتباه ، يعتقدها البعض انها جاءت بعد غفلة ونوم طويلين .. وهم يستعينوا بهذا التشبيه بما حدث لأهل الكهف !
ان مصطلح كهذا ( صحوة) قد لا يصلح في هذا المقام ، لأن الصحوة التي تلي النوم مباشرة ، تتبع بحركة طبيعية اعتيادية ، تتماشى مع مدة النوم الطبيعية ، لعدة ساعات ، وهي بالتالي لن تقوم بتغيير رأسي ونوعي للعمل الذي سبق النوم اليومي الاعتيادي .
واذا أصر الذين يستخدمون هذا المصطلح للتشبيه بما حدث لأهل الكهف ، نوم طويل ، فانه سيكون من الخطأ ، اتباعه بمصطلح السلفية ، والذي يعني فيما يعني تنقية ، السلوك الديني من البدع ، والعودة للتمسك بما سار عليه السلف الصالح في مرحلة ازدهار الدولة الإسلامية الأولى ، والتي تصل الى الثلث الأول من العهد العباسي .
لكننا رأينا كيف أن أهل الكهف ، الذين انقطعوا عن الحياة الاعتيادية ، زهاء ثلاثمائة عام ، كيف حاروا في تدبير أمرهم ، وكيف كانوا مميزين او استثنائيين عن بقية الناس الذين ، سرعان ما اكتشفوا أمرهم . وهذا ما يدعو للتأمل في حالة الاستعاضة تلك ، التي نحن بصددها .
هذا اذا سلمنا بأن حالة الانقطاع عن الدين قد طالت مدة مساوية ، لما حدث لأهل الكهف .. ولكن في الحقيقة ، لم يلحظ أي متفحص لمسار تاريخ الأمة الاسلامية ، وليست العربية فقط ، بمثل هذا الانقطاع ، واذا استثنينا ما حدث لأهل الأندلس ، من حملات إبادة وتنصير إجباري ، فان عهد الأمة بدينها قد بقي ثابتا ، بل ويتصلب كلما استفز من قوة خارجة ، فلم يستطع السوفييت إخفاء أثر المسلمين في جمهوريات تتارستان وبشكيريا و داغستان و أنجوش والشيشان ، كما لم تستطيع قوى لادينية أخرى إخفاء أثر الدين في كل من مقدونيا وألبانيا والبوسنة والهرسك الخ .
أما في العهود القديمة ، فان غزاة كالتتار (المغول) سرعان ما اعتنقوا الديانة الاسلامية ، وهكذا فعل غيرهم وكاد أن يفعله نابليون بونابرت .
إذن فالتواصل الديني ، ليس هو ما فقدناه ، بل فقدنا القدرة على اكتشاف منهج في إدارة دولتنا . وان قال أحدهم ان الاسلام دين ودولة ، فنقول نعم انه دين ودولة ، لكننا في معظم نقاشاتنا الاسلامية والدينية ، لم ننصف الدولة بوجهة نظر واضحة المعالم تؤسس لحالة إجرائية ، بل امتلأ الخطاب بالمواعظ والتحذيرات و تذكر ما نود تذكره عن أسلافنا ، ورمي ما قد يكون فيه مثيرات الانتباه التي تدلنا على صنع حالة توافق بين الدين والدولة .
عبدالغفور الخطيب
25-12-2005, 03:35 PM
لم يكن بالضرورة أن يحكم المسلمين من هو أكثرهم فقها بالدين :
عندما نناقش موضوع الدولة ، كبشر لا على التعيين ، فاننا ننظر لها من زاوية كونها مسألة تعني بتنظيم شؤون الناس الحياتية الدنيوية . وعندما نناقش الدولة من خلال كوننا ندين بدين الاسلام ، فاننا سنضع في نقاشنا عاملا جديدا ، وهو مدى تطابق القوانين والأوامر الصادرة عن الدولة ، مع شرع الله ، والنصوص الواردة في القرآن الكريم ، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والكيفية التي تعامل بها الصحابة رضوان الله عليهم ، في العهد الراشدي ، كونهم المرجعية ، التي لا يكثر حولها الاختلاف .
ولو تفحصنا ، تاريخ الدولة الاسلامية ، أو الدول التي ظهرت ، أثناء فترة الخلافة ، والتي كانت كل منها تذود عن ثغور المسلمين ، وتطلق إبداع المبدعين في مختلف مناحي الفنون والعلوم و الفقه والسنة .
لكن لو رأينا كيفية وصول الذين كانوا يحكمون أو يتزعموا تلك الدول ، لما رأينا أي أثر للدين في إيصالهم للحكم ، بل كانوا يصلون للحكم ، إثر صراعات قبلية أو عصبية أو سياسية في أغلب الأحيان .
ولو تفحصنا أزمنة تواجد علماء الدين والفقه الإسلامي ، وتزامنها مع حكام الدول الإسلامية ، لوجدنا أن ليس هناك توافق مستمر ومودة مستمرة بين الحاكم وهؤلاء العلماء ، بل نجدها أحيانا تصل الى حد العداء ، كما حدث لابن حنبل ، وغيره من العلماء ..
ونحن من زاوية نزهو ونفتخر بإنجازات خليفة أو حاكم إسلامي من فتوحات وإشاعة أجواء المعرفة ، ونذكر مناقبه كأحد القادة السياسيين الذين أسهموا بقوة بترسيخ دعائم الدولة الاسلامية وحضارتها ، وبنفس الوقت نزهو ونفتخر دينيا بإنجازات أحد العلماء أو الأئمة الذي كان يعاصر ذاك الخليفة أو الحاكم ، وقد تعرض لعدم إنصاف من ذلك الخليفة او الحاكم !
ولو ناقشنا الكيفية التي كانت تنتقل بها الخلافة أو الحكم من واحد لآخر ، لما استطعنا تكييف أمرها وفقا للشرع ، بل نسكت عن تلك الكيفية والتي كانت الخلافات حولها في حينها من الدرجة بمكان الى ان آلت اليه الدولة الى مجموعات كثيرة من الدول أو الدويلات .
ان عظمة الإنجازات التي حققتها تلك الدول ، و ان كانت تدفعنا لتناسي الكيفية التي كان يتم بها تناقل السلطة ، فاننا اليوم و نحن نناقش أمرنا ، لا بد من أن نعترف أن الدولة كانت تتكون على هامش رؤى سياسية ، وليس على هامش رؤى دينية ، وكان الخلاف السياسي قد يحدث بين أكثر المسلمين ورعا وتقوى ، حتى لو كانوا من المبشرين بالجنة .
عبدالغفور الخطيب
27-12-2005, 03:03 PM
الأوتاد :
لو سلمنا جدلا بمعقولية اعتبار ما ذكرناه من هيئات أو أشكال اجتماعية ، لتكون بمثابة أعمدة ، ونحن هنا ، ليس لنا خيارات متعددة ، للبحث عن غير ذلك . فان تلك الأعمدة وعلى افتراض تناسق أدوارها مع بعض ، وهذا ما سنتناوله لاحقا ، فانها بحاجة لأوتاد تحفظ وقوفها بشكل عمودي ، وتضمن ثبات انتصاب البيت ، وكلما كثرت الأوتاد فان الرياح لا تستطيع النيل من البيت ، حتى لو تغيرت اتجاهاتها كل ساعة .
فعمود الأحزاب المقترح ، سيسهل عملية رسم الخطط الإنمائية ، ضمن صياغة برامج يدعو لها من خلال هيئاته ، ويتوسم خيرا من التجمعات الإدارية (الأوتاد) في أن تترجمها . وعمود الأسر المتزعمة في أقاليم أو مناطق من الدولة (أي دولة) سيضمن حالة التذاوت (توكيد الذات) لفئات عريضة من المجتمع ، تحاول التعبير عن ذاتها الجماعية التي تعتد بها . وعمود العسكر ، يصنع إحساسا لدى ساكني البيت بالأمان . أما عمود الدين ، فانه يحفظ المنظومة الأخلاقية العامة التي تفلسف مكافحة الفساد والخوف من الله في حالة ظلم العباد .
ولكن قبل أن ندخل بتفصيل موضوع الأوتاد ، علينا أن نمر سريعا ، على مصطلح الديمقراطية ، لما له علاقة بوصف ما سيئول اليه حديثنا في النهاية ، أي الى أي الأنماط ينتمي الشكل الذي نحاول صياغة مسودته ، في المستقبل ، أي أين هو من الديمقراطية ؟
منذ محاولات مونتسكيو الأولى وجهد جان جاك روسو وفولتير ، وحتى الآن فان دعاة الديمقراطية ، يزعمون بأنها أسلوب ، يضمن تناقل السلطة بعدل بين المواطنين ويحقق إطلاق إبداعات المجتمع .. وهذا الانتقاء من أهداف الديمقراطية ، وان كان مقصودا ، فانه سيسهل علينا محاكمة الصيغ التي انتشرت في العالم ومدى مطابقتها لتلك المزاعم .
فلو سلمنا مع الشكل الإجرائي النهائي الذي سيوصل ، أفراد دون غيرهم الى السلطة ، وهو الاحتكام لدى صناديق الاقتراع ، فاننا سنلحظ على وجه السرعة بأن الشخوص الواصلة الى مجالس النواب ، ان لم يكن لها جذور قوية مدعمة من أهمية الذين يصلحون كأوتاد ، فان حظوظ تلك الشخوص بالوصول للبرلمان تكاد تكون معدومة ، حتى لو كان أصحابها علماء . فقوة المال وقوة الأسرة ودعم الهيئات الدينية ، أو الانطلاق من خلفية عسكرية ، شروط يستوجب وجودها لكي ينافس من ينافس على الوصول للبرلمان .
إذن لنعدل من صياغة مزاعم دعاة الديمقراطية ، ونقول انها أسلوب يضمن تناقل السلطة بعدالة بين القوى المؤثرة ( وليس المواطنين بشكل مطلق) .
أما الهدف الثاني الذي انتقيناه ، فهو قد يكون صحيح ، فهو يدعو لإطلاق الإبداعات العامة لدى عموم الشعب .. لكن وفق إرادة القوى المؤثرة أيضا . فان كان موضوع الخصخصة الذي يضر بمصالح الفقراء ، يخدم مصالح القوى المؤثرة فان قوانين الخصخصة ستمرر من خلال مجالس النواب ، رغم عدم رضا الشعب ، الذي يدرك ذلك ، وهو يعطي صوته للمرشحين !
عموما ، فان معالجة ذلك ستكون أوضح ، في مناقشات قادمة ، سواء كانت في الأوتاد أو حبال الشد للبيت ..
عبدالغفور الخطيب
29-12-2005, 03:19 PM
اذا هبت الرياح .. فمن تتبع الأوتاد ؟
نعلم وظيفة الأوتاد بتثبيت البيت جيدا ، ونعلم ان الجزء المخفي منها داخل الأرض هو الأكبر ، في حين أن الجزء الظاهر ، هو فقط لعمل عقدة الربط لحبل الشد بين قمة العمود و الوتد .
لكن ان شاء مهندس البيت أن يجعل الأوتاد تنتسب للأعمدة ، أكثر مما تنتسب للأرض ، فان آثار الرياح العاتية ، ستؤثر على البيت كله ، بما فيه أعمدته إذا ما اتفق على جعل الأوتاد تظهر فوق الأرض متشامخة، ومنتسبة للأعمدة أكثر ما تنتسب الى الأرض .
نعم ، ان هناك دواعي ضخمة لوجود علاقة بين الأعمدة و الأوتاد ، وهي علاقة تكامل أدوار ، لا علاقة تنافر ، لكن اذا كان كثيرا ما يتم الاستعاضة بعمود عن آخر ، والبيت قائم ، فإنه عندما ترى أن الأعمدة زائلة ، ستزول معها الأوتاد فان هناك خلل كبير ، يعيق من تواصل واستمرارية بناء البيت .
النقابات أوتاد ، الجمعيات التعاونية أوتاد ، منتديات الثقافة أوتاد ، الجمعيات الخيرية و المنظمات التي تعني بهدف دراسي أو تعني بتكريس مثل وقيم ، أيضا تعتبر من الأوتاد ، الأندية الرياضية وغرف التجارة وغرف الصناعة والبلديات ، كلها أوتاد .. إنهم في العالم يطلقون عليها منظمات المجتمع المدني ، وقد لا يروق هذا المصطلح المستورد لكثير من أبناء أمتنا .
لن نغوص كثيرا في تفصيل كل واحدة من تلك المنظمات ، فكل واحدة منها تعتبر موضوعا ، يمكن كتابة عدة كتب عنه .. وذلك سيجعلنا نبتعد عن محور حديثنا ، ونصعب من متابعته .. لكننا سنتحدث عن ظروف نشأة تلك المنظمات والكيفية الأكثر فائدة للتعامل معها ، باعتبارها منظمات ذات ضرورة و وظيفة في آن واحد ..
نشأة منظمات المجتمع المدني :
عندما أخذ الانسان يتدرج بتحضره شيئا فشبئا ، فان هناك جماعات اصطناعية أخذت تظهر من رحم الجماعات الطبيعية ، فصنف من أبناء المهنة يعتبرون جماعة اصطناعية داخل قبيلتهم أو قريتهم أو وطنهم .
ان لغة وصحبة وتعاون وتنافر ، ستحدث بين أفراد تلك الجماعات المصطنعة ، فعندما يسهبون بالكلام في مهنتهم فان من يستمع اليهم لا يكاد يفهم الكثير مما يتحدثون به ، فمفردات الرعاة غير مفردات النجارين غير مفردات الأطباء ، وآلام و أحلام كل صنف من هؤلاء ، تختلف عن آلام و أحلام غيره . واذا اشتكى مهندس من العقبات التي تواجه مهنته ، فان من يستمع اليه من غير أبناء مهنته ، لن يتفاعل معه بنفس الحرارة التي يتعامل بها زميله .
ان هذا الوضع صنع منذ الأزمان الغابرة ، مجتمعات غير مرئية ، لا فواصل بينها و بين المجتمع الكلي الطبيعي ، لكن كان هناك اعتراف بوجودها ، فان رجوع الأفراد أو تذكرهم لقائمة طويلة من الأسماء التي تتشابه في مهنتها ولون تلك المهنة .. وهو تحديد واضح للاعتراف بها .
لن نكون مغالين ، اذا قلنا أن العرب بجذور حضارتهم المتوغلة في القدم ، كانوا أول سكان الأرض ممن أشار في قوانينه وتشريعاته لمكونات المجتمع المدني .. فشرائع حمورابي دالة كبرى .. و إحالة بناء الأهرام لجماعات متخصصة هو كذلك دالة ، وتفنن الفينيقيين بعلوم البحر والسفن ، هو دالة ، ومزاود دول كمنهو وقتبان وتمثيل كل المهن بتلك المزاود هو سبق تنظيمي وإداري واضحين .
لذا لم نعجب عندما كان هذا الرشح للإمتداد الحضاري ، يصل الى الدولة العباسية عندما كان لكل مهنة شيخ ، يرجع له في فض المشكلات بين المهنيين المتخاصمين .. كما استنبط القرامطة فكرة هي أقرب للنقابات في عصرنا الحديث وقد أسهم القرامطة بخلطهم الهدف السياسي مع المهني ، في إلهام الحركة الماسونية في صياغة أدبياتها .
وعندما قامت الثورة الصناعية ، في أوروبا ، لم تنطلق الدعوة لإنشاء النقابات من فراغ ، بل وجدت تراثا عميقا كانت بصمات حضارتنا واضحة كل الوضوح فيه ، وما عملوه فقط هو مواضعة وتكييف لما كان يستجد عندهم ، من أمور .. ولما حاول العرب نقل تلك التجربة أو تطبيقها من جديد ، فقدوا القدرة على تتبع فقهها في الدور والغاية .
عبدالغفور الخطيب
30-12-2005, 08:08 PM
بين الموضوع و الادعاء والاستدعاء :
لا شك أن مؤسسات المجتمع المدني ، بمختلف أصنافها ، كانت ولا تزال تأتي كاستجابة شرطية ، لظرف ما ، تأثر به المتنادون في تشكيل مؤسستهم ، فعندما سحقت إنسانية عمال الخياطة في بريطانيا ، تشكلت أول نقابة في التاريخ الحديث عام 1747 م كاستجابة شرطية ، لدرء الأذى الذي تعرض لها عمال الخياطة هناك .
وعندما تتلوث منطقة بإشعاع نووي ، فان أهل المنطقة تتنادى لتشكيل تنظيم لها يتابع موضوع الخطر الذي يهدد المنطقة ، وهي استجابة شرطية عاقلة ، للتعبير بردة فعل متحضرة وملائمة ..
وان كان تشكيل المنظمات المدنية ، يأتي كوصفة طبية لمعالجة مرض ما ، فان تلك الوصفة ، قد لا تفيد مريض آخر في مكان آخر وبمرض آخر .
تماما كما أن نص الوصفة لا يمكن تناقلها ، فان أدبيات المؤسسات النقابية ، لا يمكن تناقلها كما هي بين سكان الأرض .. كما هي الحال بالنسبة للعرائض أو الاستدعاءات التي تقدم للدوائر ، فهي تختلف من مستدعي لآخر ومن دائرة لأخرى ، وان كان بالآونة الأخيرة ، ظهر كتاب الاستدعاء عند أبواب الدوائر الحكومية ، محتفظين بنماذج محددة ، متروك بها فراغات تعبأ حسب صاحب المشكلة . لكن تلك النماذج تختلف من دائرة لدائرة ، ومن كاتب الى آخر .. ومع ذلك ان تلك النماذج أصبحت أضعف من إعداد عريضة او استدعاء ، لكل مراجع .. ولكن كسل ( العرضحلجي) جعله يبدع في مثل هذا الابتكار .
لكن في جميع الأحوال فان ( العرضحلجي) أو كاتب الاستدعاءات ، يصبح لديه تخصص في صياغة العرائض .. ولا بد له مع ذلك من الاستماع لصاحب الشكوى لكي يتفنن هو بصياغتها ، ليقوم بالتأثير الوجداني على من تعنيه تلك العريضة ..
في حال تأسيس النقابات والجمعيات والهيئات العربية .. فقدت مسألة الموضوع والاستدعاء كثيرا من خصائصها .. فكاتب الاستدعاء كان من المثقفين الذين لا يرتبطون عضويا و صميميا مع من يستدعي من أجلهم ، فكانت صياغته باهتة في كثير من الأحيان ، ولا تعبر كثيرا عن واقع من تطوع للدفاع عنهم . بل صاغها على عاتقه ، كتقليد عالمي ، كوصفة طبية وقعت بيده فأعجب بها فأراد أن يهديها للعمال والفلاحين وغيرهم ، لكن بادعاء نسبها لنفسه .
المسألة الثانية ، فوق ان ليس هناك من كلفه في صياغة تلك العريضة ، وان كان هو قد قبض أجرتها على شكل مجد أو على شكل شهرة ، او من أجل هجرة موضعه من بين صفوف الكادحين ، ليخطو بتلك الوسيلة عن طريق إسكاته بتسليمه منصبا حكوميا او غيره . فوق ذلك كله فان من كتبت باسمه أو باسمهم العريضة ، أنهم لم يفهموا مفرداتها ، ولم يوقعوا عليها أو حتى يبصموا . وقد يكونوا لم يعلموا أصلا أن هناك من كتب مثل تلك العريضة .
في حالات نصوص العرائض ، يكون الشخص او الجهة المقدمة لها العريضة معروفة ، وتروس العريضة باسمها ، ويتبعها عنوان الشكوى او الطلب . فيقال مثلا السيد مدير الأحوال المدنية في ... أرجو التفضل بمنحي شهادة ميلاد او وفاة الخ .. لكن في حالة نصوص استدعاء تأسيس نقابة أو منظمة من منظمات المجتمع المدني .. فان العنوان يفهم فهما و لا يعلن عنه صراحة ..
فالجهة الأولى التي تبعث لها تلك العريضة ، التي تشبه الإنذار ، هي جماهير المهنة أو الجماعة التي يعنيها مضمون النص ، لكي ينبهها من مخاطر معينة ، تحيق بها ، فان لم تنتبه وتنتسب الى تلك المنظمة ، سيلحقها حيف من نوع معين وفي زمن معين .
أما الجهة الثانية ، فهي الدولة بكل مؤسساتها ، تعلمهم تلك الوثيقة ، بأن ينتبهوا فإن هناك مزاج خاص بالجماعة الفلانية ، آخذ بالتكون ، فلتراعي الدولة وهيئاتها المشرعة هذا المزاج ، ولتأخذ حذرها ، فلم تعد طريقها سالكة في تجاهل تلك الجماعة .
أما الجهة الثالثة ، فهي القوى الوطنية والمنظمات الأخرى ، التي تتهيأ لمناصرة هذا المولود الجديد ، والذي سيكون نصيرا جديدا لها في التعاون على الخروج مما فيه الأمة .
عبدالغفور الخطيب
04-01-2006, 11:55 PM
لو علم الحكام أهمية المؤسسات الشعبية لاعتنوا بها جيدا
تتغلغل الهواجس الأمنية نفوس الحكام و أعوانهم ، فيغالوا في إحتياطاتهم ، بأن يصبحوا يشككون في أي تجمع ، حتى لو كان مأتما ، فتجلس العيون بين الذقون ، وتوحد ربها مع الموحدين ، وتشغل بقية الحواس لقنص أي خبر من أي نوع لترفعه لمن هو أعلى منها ، وتفرح اذا كان الصيد ثمينا !
هذا في المآتم ، أما في غيرها ، فان أي تجمع لا يهتف بحياة رب البيت ، هو تجمع مشكوك فيه ، وغير مرغوب فيه أصلا ، ولا يعطى إذنا من الحاكم الإداري الا بعد أن يأذن من يأذن ، لإقامة مثل هذا التجمع .
ماذا يريد الحاكم ومن حوله من وراء كل ذلك ؟ أظن أن الكل يعرف أن هذا السلوك هو أشبه بسلوك الأمريكان ، تحت عنوان الهجوم الاستباقي ، حيث يستشعر الحاكم خطورة أي تجمع ، في حالة تركه يأخذ مدياته القصوى ، أي أنه سيكون له صوت مسموع ، ويكشف أشياء لا يحب الحاكم أن تكشف ، وهي كلها تصب في لا مصلحة الفساد والمفسدين .
لكن ، هل يستفيد الحاكم فيما لو ترك تلك المنظمات ان تنمو نموا طبيعيا ؟
من المؤكد أن فائدته ، أكبر بكثير من وأدها في بداية نموها ، فهي تضمن للحاكم عدة مزايا لا تتحقق في حالة غيابها :
1 ـ لن يكون الحاكم مضطرا ، لغض النظر عن المفسدين ، الذين يقبضون ثمن قمعهم لتلك المنظمات ، وحماية الحاكم من شرور قد يكون مبالغ فيها . وهذا يقلل من مبررات هجوم المعارضة على نظام الحكم .
2 ـ ان التنظيمات النقابية والمدنية الأخرى ، تدفع بتحسين مستوى الفكر الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والبيئي و الخيري و التعاوني ، مما ينتج عنه :
أ ـ تنمية المهن من خلال تقارب المهنيين ، فيتحسن أدائهم الاقتصادي .
ب ـ تجمع المهنيين عمالا وفنيين ، تحت عنوان معلوم ( مقر و جماعة ) مما يسهل المواطن في طلب خدماتهم دون عناء .. ويسهل من يريد تطوير مسألة أن يتجه لعنوان محدد .
ج ـ تغذية الفضاء الذهني للمشرعين ، عند وضع نصوص القوانين ، مما يسهل عملية إحاطة القانون بتفاصيل أكثر دقة ، وهذا يخدم موضوع القضاء والعدالة .
د ـ إيجاد عناوين لخبراء ، يغذون الدولة بالكوادر والخبرات الاستشارية اللازمة ، و يغذون البرلمانات بأسماء تم التعرف على خبراتها في مجالات عدة .
هـ ـ ضخ وجوه قادرة على تمثيل بلادها في التعاملات الخارجية ، مما يعطي الحكم شكلا من الرضا و قرارة النفس ، إضافة لما يعود عليه من فوائد مادية وأمنية مختلفة .
3 ـ تسهيل مهمة الحكم الأمنية ، فمن يريد أن يراقب خمسين مليونا ، من الأسهل عليه مراقبتهم ، في كراديس أو مجموعات ، و تكون مصنفة حسب المهنة أو الاهتمام ، أكثر مما يهيم على وجهه في البحث بينهم من خلال فوضى وعدم انتظام ضمن مجموعات ..
كما أن التعرف على طلبات هؤلاء المعنيين المتخصصين ، يسهل على الدولة دراسة تلك المطالب بشكل أفضل ، ويجعل من خطاب الدولة الإعلامي والسياسي يواكب تلك الطلبات .. فيضمن عندها توضيح وجهات النظر بحرية ، من طرفي الدولة و تلك المنظمات كشريكين مهمين في تسيير أمور البلاد .
إضافة الى ان مؤسسات الدولة الأمنية ، سترتفع وتيرة جاهزيتها ، من خلال تخصيص أقسام بها ، لا لكي ترعب وترهب تلك الجماعات المنظمة ، بل لتكون وظيفتها كعيون تحمي أمن الدولة ، وتنقل أماني تلك المنظمات أولا بأول .
4ـ إتاحة المجال للجمهور ، أن يطلع على خطابات متنوعة في البلاد ، ويمنع ظهور شهداء و مظاليم مجانا ، بل يتعرف على نوعية خطابهم من خلال ترك المجال لهم أن يفصحوا عما يريدون .. وهنا ستقوى رؤية المواطن في حالة الانتخابات لمن يمنح ثقته . وبعكسه فان تكميم الأفواه ، قد يؤدي الى عمل ماكنة المرآين والدجالين وقد يظلم الناس الحقيقيين ، الذين شملهم ، الضغط الشديد في التشديد عليهم من خلال منظماتهم .
ان الدولة التي تملك إعلاما ومالا ووظائف و أحيانا حزب حاكم ، وتخشى هؤلاء وتنظيماتهم ، هي بالضرورة دولة مليئة بثغرات ، لا بد ان تتوسع تلك الثغرات شيئا فشيئا ، حتى تصنع هوة بينها وبين الشعب . فان كانت هي تسير وفق نهج سليم و صحيح ولا تستطيع إحداث الاستقرار والرفاه و الأمان لمواطنيها ، فعليها إعادة النظر بتشكيلاتها المتحكمة بسير الحياة لدى شعبها وعليها ان تنتبه من المفاصل الفاعلة بها ..
عبدالغفور الخطيب
10-01-2006, 09:38 PM
متى تكون الأوتاد أضعف من أن تؤدي دورها ؟
لقد تعرفنا على المحور العام لنمط الخدمات التي تقدمها المنظمات الشعبية والمدنية لمنتسبيها و للدولة و للجمهور ، وان كان الايجاز من القصر بمكان ، بحيث أنه سيحتاج الكثير من التفصيل ، لكننا ونحن نناقش ذلك الفصل ، فاننا سنترك الحرية للقارئ ليزيد عليها من حصيلته الثقافية ، كيفما شاء ، علنا نعود اليها في مناسبة أخرى .
لكن أحيانا تعاق تلك المنظمات ، ليس بفعل خارجي ، حكومي أو غيره ، بل نتيجة لعوامل ذاتية ، تخص القائمين وعليها ، وتتعلق بالكيفية التي تم بها صياغة خطابها العام ، والكيفية التي تصرف بها أمورها . ولكون أن المنظمات التي نقصدها ، هي من السعة بمكان ، من حيث اختلاف أدوارها ، و أسمائها ، وأعضاءها ، و إمكانية التصاق العضو بمنظمته ، وفق قانون أم لا . كل تلك الأمور تظهر صعوبة ليست بالقليلة ، في الحديث عن كل تلك الأطياف من التنظيمات ، بصفة عامة .
لكننا سنحاول ، قدر الإمكان أن نشمل بحديثنا ، تلك الصفات التي تلتقي بها معظم المنظمات الشعبية والمدنية ..
1 ـ غياب القوانين التي تلزم الأعضاء بالالتصاق في منظماتهم ، ففي حين نجد أن بعض المنظمات المهنية ، لا تجيز لمن يمتهن نفس مهنتها أن يزاول العمل ، دون أن يكون عضوا فاعلا يسدد اشتراكاته سنويا ، ويخضع لإجراءات المنظمة ، وهذا يظهر في نقابات المحامين والمهندسين و الأطباء ، وغيرها في كثير من البلدان العربية ..
في حين نجد أن صنفا من المنظمات الشعبية و المدنية ، لا يحمى بقانون ولا يلزم أعضاءه الاستمرار بعضويتهم ، كالأندية الرياضية ، والمنتديات الثقافية ، وجمعيات البيئة ، والكثير من الجمعيات الخيرية ، مما يجعل تلك المنظمات لا تخرج دائرة قوتها عن رئيسها وبعض الناشطين ، مثل جمعية حماية المستهلك !
وهنا تصبح المنظمة كوتد وضع في أرض رخوة ، سرعان ما يهتز وينقلع مع أول هبة ريح قوية .
2 ـ اعتماد التقليد أساسا في إنشاء و تأسيس بعض المنظمات ، ويحدث ذلك عندما يقوم شخص أو مجموعة أشخاص بتأسيس منظمة ، غريبة في عنوانها عن ما يرنو اليه المجتمع ، بل رأت تلك المنظمة قد ازدهر نشاطها في أحد البلدان ، و أراد مؤسسها أن يطبقها في المجتمع الذي يعيش به ، كجمعية حماية السلاحف ! . ان هذا الشكل من المنظمات هو كمن يعين خبير لانقاذ الغارقين في السباحة ، بمنطقة صحراوية !
ان هذا النمط من المنظمات أشبه بالوتد الذي يحاول صاحبه دقه في صخرة صماء ، فهو كما هو سابقه الذي دق في أرض رخوة ، سرعان ما ينقلع .
3 ـ إطالة زمن القائمين على المنظمة الشعبية أو المدنية ، بحيث يبقوا على رئاسة تلك المنظمة سنين قد تطول ، بقدر أعمارهم ، فلا يغادرون تلك المواقع القيادية الا بالوفاة . مثل ذلك يجعل المنظمة الشعبية أو المدنية ، قليلة التوسع والنمو ، لا بل تتقزم شيئا فشيئا .. وهذا يحدث ببعض الأندية الرياضية .
4 ـ طغيان الجانب السياسي على الجانب الذي تحمل عنوانه تلك المنظمة ، كأن يكون القائمون على تلك المنظمة ، يريدون تفهيم أعضاء تلك المنظمة بأن ما يقومون به ، هو ترجمة لإرادة قوة مستترة ، سواء كانت تلك القوة هي الدولة ، أو حزب يتباهى بسعة أعضاءه ، أو القوة الاجتماعية التي يكون لها النصيب الأكبر من الأعضاء . ان هذا الوضع يجعل من الأعضاء المعارضين قليلي الحيلة ، ويدفعهم للانسحاب من عضوية تلك المنظمة . أو يجعل المؤيدين يعيشون حالة من الخدر والاتكال و عدم الانتاج الفاعل .
5 ـ مشاكل تتعلق بالتمويل .. حيث تعاني كثير من المنظمات الشعبية والمدنية الكثير من المتاعب المالية التي تعيق حركتها ، وعندما تعرض عليها بعض الأموال فانها ترضخ لإرادة الممول ، الذي ينظر إليها كمستودع للرأي العام ، أو سلما للتعريف بنفسه ، وفي الحالتين فان تعثرا يحل بتلك المنظمات و يخلخل مكانتها كأوتاد .
خلاصة : من راقب وتدا يربط به حبل الخيمة أو البيت ، فانه سيلحظ على وجه السرعة أن قوة أداءه آتية من عمق ولوجه الأرض ، و ميله للجهة البعيدة عن العمود وليس بميله نحو العمود .
عبدالغفور الخطيب
12-01-2006, 05:11 PM
حبال الربط :
لا تقل أهمية حبال الربط عن الأعمدة و الأوتاد ، فهي من اسمها تدل على وظيفتها و ضرورتها ، وقد ذكر الله عز وجل أهمية هذا الربط ، وباللفظ نفسه ، عندما قال ( واعتصموا بحبل الله ) ..
تربط أطراف الحبال ، من جهة بالأوتاد ، ومن جهة بالأعمدة ، وهي ما يبقي البيت في حالة شدها بشكل جيد ، منتصبا شامخا ثابتا ، و قد تم الاستعاضة عنها بالأبنية الحديثة ، بالجسور الساقطة أو أعصاب حديد البناء . وفي كلتا الحالتين فان سمك القضيب أو الحبل ، تخضع لدراسة أو مهارات متراكمة ، وكذلك الاتجاه الذي يوضع به وشكل العقدة أو طريقة الربط .
وفي حالتنا التي نحن بصددها ، فان وظيفة الحبل هنا أو عصب البناء ، هي لترجمة إرادة الأعمدة من خلال تواصلها مع الأوتاد . فان كانت وظيفة الأعمدة الأساسية هي النهوض بالبيت وفق مثل و قيم اجتماعية و عقائدية ، وهي بالأساس وظيفة دعائية بحتة كما أسلفنا ، فان مهمة الأوتاد هي الحفاظ على تلك المثل والقيم والعقائد قائمة ومنتصبة لتؤدي دورها . ودور الأوتاد في هذه الحالة سيكون إداري بحت و إجرائي .
لكن ما يعيق حركة السكان للبيت ، هو تشابك الحبال عندما يصر صاحب الإرادة الراهنة سواء كان فردا أو جماعة ، أن يتصل بكل وتد من الأوتاد ، دون ربطها بعمود مخصص ، فتكون عندها حركة السكان تتعرض للإعاقة (الشركلة) بحبال البيت الكثيرة والمتشابكة .
و أحيانا أخرى تتوزع ولاءات الأوتاد وتتمزق حبال ربطها ، عندما تدخل عنعنات عشائرية أو طائفية أو حتى سياسية داخل تكوين الوتد نفسه ، فان ذلك سيضعف ربط الوتد بالحبل أو الحبال التي تربطه و تهتز أركان البيت لسوء الربط المحكم .
نحن لا ننكر الحالة الطبيعية لتعدد انتماءات القائمين بتشكيل الأوتاد ، فكلهم قد ينتمي لفصيل سياسي أو طائفة دينية أو مدينة أو مهنة ، وهذا الكلام ينسحب على كل المواطنين ، لكن أن تتيه قدرة من يشكلون جسم الوتد على ترتيب أولوية انتماءاتهم و ولاءهم ، فهنا السر في ضعف الحالة العربية ، فمن كان ضمن تشكيل وتد عليه أن يعطي أولوية ولاءه لهذا التشكيل في أداء وظيفته .. على افتراض أن باقي التشكيلات تقوم بوظائفها على نفس النحو . تماما كما هي المرابطة على الثغور ، فلا يشغل المرابط باله في أمور أسرته و بلدته وغيرها فمهمته بالمرابطة محددة وواضحة .
كما أن أوامر حركته في المرابطة ، لا تأتي من زعيم عشيرته أو مدينته أو فقيه طائفته ، بل تأتي من آمر وحدته العسكرية فقط ، وهذا ما يفرق الجيوش المحترفة عن الفزعات التي تقوم لنصرة أي قضية دون تنظيم !
عبدالغفور الخطيب
15-01-2006, 03:41 PM
من يقوم ببناء البيت و من يقرر الكيفية التي يتم بها البناء ؟
لقد مررنا بشكل موجز على تكوين البيت ، من أعمدة و أوتاد و حبال ، وبينا أن أكثر من جهة تصلح أن تكون عمودا ، و أكثر من جهة تصلح أن تكون وتدا ، و علمنا أن الحبال وهي بالإضافة لدورها في الشد والربط ، فإنها تعتبر كأنابيب التغذية ، أو كالشرايين أو الأعصاب .
ولكن من يقترح ويصمم هذا البيت ؟ ومن يختار أعمدته و أوتاده و حباله ، ثم هل أن هذا البناء سيتم لأول مرة ، أم أن الساكنين كانوا في ارتحال مستمر ، واختاروا بعضهم البعض أثناء ترحالهم ، أم أنهم سيقومون بإعادة بناء البيت ؟
ان كل بناء يحتاج لمخطط ، ومن يضع المخطط ، لا بد أن يكون ذو علم ومهارة ، و لكنه مجرد أن ينبري لتقديم خدماته ، سيجد من يعترض على قيامه بهذا الدور ، تحت عشرات أو مئات الأسباب ، وهذه صفة التصقت فينا نحن البشر منذ بداية عهد البشرية ، حيث اختلف ابنا آدم عليه السلام .
وإن كنا قد اقترحنا اصطلاح القوة الراهنة في بداية حديثنا ، و عنينا بها تلك القوة التي ترث حكما لبلاد ، وتصبح كلمتها هي الكلمة العليا في الشكل العام للبيت ، ونظمه و قوانينه و ضوابطه ، وهذا أيضا طبيعي ، فطالما أن هناك غالب هناك مغلوب ، وطالما أن هناك كلمة عليا ، فان هناك كلمة أدنى منها .
ويعتقد أصحاب الكلمة الدنيا ، أنهم تم غدرهم وظلمهم ، و اصطيادهم ، وسيدربون أنفسهم على إعاقة عمل القوة الراهنة ، و تحين الفرص للإنقضاض عليها و أخذ مكانتها في إصدار الأوامر ، حيث أن الأمير أو الآمر هو من يعطي الأوامر .. وهذا طبيعي جدا ، ومن سنن الحياة .
لكننا ونحن نعلم أن من يقرأ ذلك يعلم أيضا ما نشير اليه ، فإن ما يعنينا هنا هو شكل بيتنا (كعرب) و مكانة هذا البيت بين بيوت العالم ، وكيفية تقليل مشاكل سكانه والتي مررنا عليها ، والتي مثلناها بسيادة المفسدين و غير المؤهلين ، واحتلالهم معظم مفاصل الحياة اليومية ، وهدرهم لأموال الأمة ، و وضع العقبات أمام الآخرين في موضوع تناقل السلطة ، وهي مظاهر لازمت تاريخ الأمة منذ زمن ليس بقليل .
إن معرفة ذلك ، وبشكلها العمومي و المشاع ، تشكل أرضية صلبة للانطلاق في البدء بمشروع النوايا لبناء البيت . و عندها ستحدد الخطوات واحدة بعد الأخرى .
فلو فرضنا أن من آمن بذلك واحد أو مجموعة من الناس ، بغض النظر عن مكان تواجدهم ، و في أي قرية أو مدينة أو قطر عربي ، فهم سينطلقون من عمومية الاستحقاق العام بالتفكير والحرص على مصلحة الأمة ، واحترام فيض الفكر الذي ينطلق منه أي فرد أو فئة ، طالما أنها تلتقي في النهاية بموضوع المصلحة ، فعندها ستكون مصادرة التفكير بمصلحة الأمة على الآخرين من المحرمات ، أو مفسدات الشروع بالتنفيذ .
مع الإقرار بوجود مصالح فردية و جماعية تتعلق بإقليم أو مكانة أسرية أو مكانة اقتصادية ، شريطة أن لا تعلو تلك المصالح من هذا النوع على المصلحة العليا للأمة .. عندها تبدأ الخطوات الإجرائية .
عبدالغفور الخطيب
20-01-2006, 06:38 PM
ما هي المصلحة العامة و من يقررها ؟
يكثر الحديث عن المصلحة العامة ، و يكون المستمع للحديث ، بمجرد أن يسمع بهذا المصطلح ، تقفز لمخيلته صورة سريعة عن تلك المصلحة العامة ، ولكن تلك الصورة تكون بالأبيض و الأسود ، تفقد لونها أو ألوانها ، و أحيانا تفقد حدودها ، وأحيانا تصطبغ بصبغة المتحدث نفسه . فوزير إعلام دولة عربية عندما يتكلم عن المصلحة العامة ، فإنه يقصد مصلحة النظام ، تماما كما يتكلم وزير الداخلية عن الأمن ، فإنه يعني بكلامه أمن النظام .
أما أبناء الأحزاب و النقابات و العسكر و أبناء الأسر و الزعامات التقليدية ، فإنهم يشرحون موضوع المصلحة العامة وفق مخزونهم المعرفي عنها وفق منظومتهم الأيديولوجية .
إن هذا الشكل الأميبي ( من الأميبا) حول تحديد المصلحة العامة ، سيعقد تشكيل أساس البناء ويكرس التيه لفترات أطول ، وسيكرس الخلاف ، وتبقى الدورة أزلية ..
لكن هل هناك مصلحة عامة نموذجية ، يمكن أن تنسحب على أي قطر أو حتى مدينة أو قرية ، وفي كل العهود و الأزمان ؟ .. لا أظن ذلك بكل تأكيد ، فالمسألة تتغير بتغير طرائق الرزق ، وتتغير بتغير الأعداء ، و التحالفات ، وهذه ليست ثابتة أيضا .. فعدو الأمس قد يصبح حليف اليوم ، ولنا في أوروبا خير مثال .
مع ذلك فان إيجاد وعاء يستطيع استيعاب كل تلك التغيرات ، في المواقف هو مسألة حسمت على مر التاريخ ، و تجلت في العصر الراهن بشيء أطلق عليها مصطلح ( دستور ) .. وهو يناقش أحقية كل فئات المجتمع بالتعريف عن ذاتها ويضمن حركتها بما لا يتعارض مع الحركة العامة للمجتمع الكلي .
و أحيانا تبادر الأحزاب أو التيارات الفكرية ، بكتابة دساتير مقترحة للمجتمع ، لا تطلق عليها مصطلح ( دستور ) بل تشرح أهدافها التي تزعم أنها تقدمها كخدمة للمجتمع ، وتناضل أو تسعى من أجل تحقيقها ، ومن يتأملها سيجدها تشكل دستورا من قبل ذلك الفصيل أو التيار .. ولكن تقاس مسألة القبول لهذا البرنامج من عدمه ، من قبل المجتمع ، من خلال الأتباع الذين يؤمنون أو يشاركوا من كتب مثل تلك الأدبيات رؤيتهم .
وقد تكون قساوة أنظمة الحكم ، أو ضعف إعلام ذلك التيار على تبيان رؤيته لا يعطي لمسألة الأتباع أهمية كبرى ، لذا فان الاحتكام لتلك المسألة يعتبر مبكرا لاعتباره مؤشرا على رجاحة تفسير موضوع المصلحة وفق أساس حجم الأتباع .
وعليه فان الالتقاء بين التيارات و أخذ ما يشتركون فيه من نقاط ، هو المدخل الأكثر أهمية في التحرك العام .
عبدالغفور الخطيب
25-01-2006, 04:15 PM
ضبط النوايا حسب توقيت المنطقة
كل مثقف وسياسي ، يستطيع أن يضع عشرات الفهارس من الأخطاء ، عن أي حالة يراقبها ، وهذا ليس جديدا ومستحدثا ، و يتكلم عن الآخرين ، كأنه يريد أن يقول لهم ، لو قيض لي الأمر ، لكان مختلفا ، ولكان أفضل ..
فلو قيل لأحدهم ، ابدأ من الآن فقد قيض الأمر لك ، فما أنت فاعل ؟ وتكلم بصوت مرتفع ، ولا يمكنك العودة الى مكتبتك أو إطار مرجعيتك ، فقل ما تعتقد أنك تتذكره ، أكثر من غيره ، و تتقن الحديث فيه . فإنه سيتلعثم و يحشد كل طاقاته ، ولن يخرج في سرد ما في باله ، عن الصور التي يلصقها فيمن ينتقدهم .
ولو قلت له لقد أصبحت الرجل الأول في هذه البلاد ، فما أنت فاعل مع السياسة الدولية ؟ لأخذ يتكلم كلاما عموميا ، ثم سيجد نفسه أنه أمام معادلات صعبة ، لم يكن يشغل باله كثيرا بها ، وهو يمارس هوايته المفضلة ، الانتقاد تجاه أي حكم عربي ، ثم ينتهي به المطاف الى أنه سيهادن تلك الدولة ويتقي شر تلك الدولة و ينسق مع تلك الدولة ويتحالف مع تلك الدولة .
واذا سئل هل ستقاطع كل الدول العربية الأخرى المشمولة بانتقاداتك ، أم ستسعى لإقامة علاقات طبيعية معها ؟ خصوصا تلك المجاورة ، سيصمت ويجيب أخيرا بأنه لن يستغني عنها ، وسيحضر كل لقاءات الأخوة العربية ، و سيعمل على الارتقاء بمستوى العمل العربي المشترك . هذا بغض النظر عن التقييم الذي كان يمارسه كناقد ، سواء كانت صفة الدولة المنتقدة بالرجعية او الملحدة أو الفقيرة أو الغنية ، ستكون إجابته هي نفسها ، بأنه سيعمل مع تلك الدول .
وان سألته عن فرنسا أو أمريكا أو الصين أو كندا ، وعن الكيفية التي سيتعامل بها معها ، سيجد صيغ ومبررات تتفق مع واقع الحال العالمي السياسي ، بغض النظر عن موقف تلك الدول بالتصويت مع الكيان الصهيوني ، أو ضد أي قضية من قضايانا العربية . وعندما تسأله عن الحكمة في هذا الموقف وهذا التبرير ، لعلاقاته مع دول عالمية ، الصبغة العامة لمواقفها تجاهنا ليست بالمريحة ، سيجد عشرات المبررات ، عن اقتضاء الضرورات .
حسنا ، ألم يصبح ضروريا حيال هذا التكيف المهين في بعض الأحيان للتعامل في شأن السياسة الدولية ، وتلك التنازلات وحالات غض النظر الكثيرة ، أن يتنازل من يفكر بالوصول للسلطة أو من هو فيها ، أن يتنازل بعض الشيء ، تجاه أبناء وطنه ؟
ان الدستور وحتى القوانين التي تصدر بموجبه ، هي عقد اجتماعي أو ميثاق شرف يضبط العلاقات فيما بين الناس ، و يبين صلاحيات الدولة وقياداتها ، فيما لا يتعارض مع ضمان الكرامة وحرية العمل والتعبير وفق ضوابط توضع من خلال نصوص الدستور والقوانين نفسها .
وحتى يكون هذا الدستور ملزما ، والقوانين التي تصدر بموجبه ملزمة ، ومرضي عنها من قبل هيئات و ممثليات المجتمع ، لا بد من إشراك كل تلك الهيئات والممثليات في صياغته ، شريطة أن تكون تلك الممثليات تمثل كل الشعب وفق أسس تبعد المخادعة في توصيل هؤلاء الممثلين لتلك الهيئات .
عبدالغفور الخطيب
26-01-2006, 07:14 PM
شروط كتابة مواثيق العمل العام :
ونحن لم نزل نتكلم ، فيمن يكون صاحب الإرادة في بناء البيت ، وحتى لا يعترض عليه أحد في المستقبل ، فإننا نتكلم بمعنى آخر عن وثيقة التكليف التي تبرز عندما يعترض أحد عليها ، ليكون الشروع في البناء ، يسير بدقة و بتعاون الجميع و إسهامهم في عملية البناء .
و في هذه الحالة سواء ، كان البيت في مراحل النية من بناءه أو هو مبني بالفعل ، لكن بناءه أوشك على السقوط ، ولا بد من إعادة البناء بأسس أكثر ثباتا ، وبشكل يتحمل ما سيضاف عليه من طبقات في حال البناء الحديث .
ان تلك الوثيقة ، سواء كانت دستور قائم أو مشروع دستور ، أو حتى خطابا يدعو الجميع للمشاركة في صياغة الدستور ، فان ذلك يتطلب شروطا أساسية :
1 ـ توفر الرغبة الصادقة لدى أبناء المجتمع في إيجاد مثل ذلك الدستور ، أو الميثاق الذي يرسم لهم طريق البناء .
2 ـ عدم وجود مؤثرات خارجية ، تتدخل في صيغ كتابة تلك المواثيق ، وتتدخل في تقنين عملية مناقشتها .. فلا دستور ، ولا قوانين توضع في ظل الاحتلال ..
3ـ عزل مؤثرات الدولة القائمة ، في حالة إعادة صياغة الدستور ، أو التقليل من تأثيرها في عمليات الاستفتاء عليه ، وإيجاد هيئات مدنية و قضائية ، من النقابات و منظمات المجتمع المدني و قضاة يشهد بنزاهتهم .
4 ـ إتاحة الفرصة لكل ممثليات المجتمع بصياغة مسوداتها ، والتبشير بها ، ومناقشتها بحرية قبل الوصول الى طرح مشروع واحد للاستفتاء .
5 ـ إحالة مسودة المشروع النهائي قبل الاستفتاء عليه ، لمنظمات المجتمع المدني لشرح فصوله ومواده ، وعدم التدخل في المناقشات الشعبية به ، و تدوين الملاحظات عليه ، وترك المجال لكل أبناء المجتمع للاطلاع على تلك الملاحظات .
6 ـ في حالة أن تبادر الدولة في طرح مثل هذا المشروع ، فعليها أن لا تتذرع بوجود مجلس نواب أو برلمان ، وهو من يكلف بذلك ، بل تدعو الهيئات الشعبية ومنظمات المجتمع المدني الى المشاركة بكثافة في الصياغة و العمل جنبا لجنب الدولة في ذلك حتى ينتهي المشروع في آخر مراحله . لأن العذر في عدم قبول اقتصار هذا الدور على النواب ، آت من عدم الاعتراف بالصيغ التي أوصلتهم للمجلس اعترافا كاملا .
7 ـ إذا شاءت الدولة أن تثبت حسن نواياها ، فعليها أن تدعم هذا المشروع ماليا ، وتسمح للمتكلمين من كل الأطياف أن يشرحوا وجهات نظرهم في وسائل الاعلام التي تدار من الدولة في حالة مركزية الاعلام ، أو تلزم أجهزة الإعلام الأهلية بهذا النمط من إتاحة الفرصة للجميع أن يبدوا ملاحظاتهم .
خاتمة :
عند هذا فقط سيتم الابتداء ببناء البيت وفق رؤية مجتمعية عامة ، سينظم فيه عندها عمل الأحزاب والنقابات و الهيئات المدنية الأخرى ، وسترسم صلاحيات من هم في قمة هرم السلطة ، وما هي المدة القصوى التي يحكمون بها ، ومتى يحق عزلهم . ويحدد علاقة الدولة بالدين و غيره من المسائل وفق إرادة المجتمع الكلي أو ساكني البيت ..
انتهى
صدام العرب
29-01-2006, 04:52 AM
عاشت ايدك
ولنا عود
Powered by vBulletin® Version 4.1.11 Copyright © 2025 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved