المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطة العراق في مواجهة العدوان /الذكرى اَلأُولَى لسقوط بغداد، عاصمة الرشيد



الفرقاني
21-07-2005, 06:37 PM
خطة العراق في مواجهة العدوان

الذكرى اَلأُولَى لسقوط بغداد، عاصمة الرشيد

العميد المتقاعد أَدِيب راشد/بيروت - لبنان *

تجري اَلأَحْدَاث حولنا فنندفع خلفها نتتبعها محاولين فهم تطوراتها وخلفياتها ونتائجها . ولنتوصل إِلَى ذلك لا بُدّ لنا من دراسة ما يدور حولنا بتقنية المؤرخ، تَقَصِّيًا وتقميشاً وغربلة، مُفْسِحين المجال للتعرف إِلَيْها بمنهجيات أُخْرَى على رأسها اَلإِعْلام على ما فيه من إِيجَابِيَّات وسلبيات نَظَرًا لاسْتِعْمَالاتِهِ المختلفة في أَيَّامنَا.

وتتعقد اَلْمَسْأَلَة أَكْثَر فَأَكْثَر بالنسبة إِلَى المؤرخ في القدرة على اَلإِحَاطَة بالكمية الهائلة من المعلومات الرسمية والخاصة، المعلن منها والسري، والوثائق المفضوحة وغيرها.. هذا مع العلم أن الملفات السرية المعاصرة لا توضح دَوْمًا القرارات السرية، إِضَافَة إِلَى أن معظم الوثائق تكتب "للتبرير الذاتي" بحسب قول كيسنجر. فلا مُبَرِّر يمنع إِذَنْ من مواكبة التاريخ مع ترك المجال مَفْتُوحًا للتصحيح عندما يتوجب ذلك.

في التاسع من نسيان سنة 2003م، سقطت بغداد تحت أَقْدَام (جحافل الغزاة مغول العصر الحديث) شكل سقوط عاصمة الرشيد اَلْمُفَاجِئ صدمة عنيفة عند المحللين والاستراتيجيين والباحثين فضلاً عن القوى المهاجمة. خاصة وَإِنَّ تصريحات المسؤولين العراقيين كانت تردد أن الغزاة سيندحرون على أَسْوَار بغداد الدهرية. وقد كثرت التحاليل وَالأَقَاوِيل لهذا الحدث نذكر أَهَمّهَا:

1 - منهم من اعتبر أن الرئيس صدام حسين قد قتل. وما يؤكد وجهة نظرهم هو ما ردده صدام نفسه مِرَارًا وَتَكْرَارًا من إِنَّهُ ولد بالعراق وسيموت بالعراق.

2 - رواية تعتبر أن صدام نجح في الهرب إِلَى سوريا، ربما بمساعدة روسية، وأن من ظهر في شوارع بغداد هو شبيه صدام. وهناك من يدعم الرواية هو القبض على وطبان إِبْرَاهِيم التكريتي، اَلأَخ غير الشقيق لصدام حسين، بالقرب من الحدود السورية وهو يحاول الهرب.

3 - منهم من اعتبرها صفقة ثنائية بين أَمْرِيكَا والعراق تسمح له بمغادرة العراق مقابل استسلام القوات العراقية. ويعزز هذه الرأي سقوط بغداد بمقاومة بسيطة رغم كل ما قيل من قبل على لسان القادة العسكريين من أن معركة بغداد ستكون قاسية، وسيسقط فيها الكثير من الضحايا، علاوة على استسلام أَعْدَاد كبيرة من القوات العراقية، وهذا الرأي يؤيده عبد العزيز سلامة نائب رئيس المخابرات المصرية اَلأَسْبَق.

4 - رواية قدمتها صحيفة (الدستور) اَلأُرْدُنّيَّة بعد أن نسبتها إِلَى (مصادر عليمة) وهي أن أَحَد كبار قادة الحرس الجمهوري، بمعاونة قائدين آخرين أقل في الرتبة العسكرية، ساعدا القوات اَلأَمْرِيكِيَّة على استهداف القيادة العراقية.

وتقول هذه المصادر العلمية للصحيفة اَلأُرْدُنّيَّة أن كل القادة العراقيين قتلوا في الغارات اَلأَمْرِيكِيَّة باستثناء وزير اَلإِعْلام العراقي محمد سعيد الصحاف، ونائب رئيس الجمهورية عزة إِبْرَاهِيم.

5 - منهم من اعتبرها استراتيجية اعتمدها العراق لخسارة المعركة بأَقل خسائر ممكنة ومتابعة الحرب بوسائل أخرى.

ونَظراً لعدم وجود إِثباتات أَكيدَة بشأن التحاليل الأَربعة الأولى، فأَنَا أَمِيل إِلَى الاعتقاد بالتحليل الخامس. وهذا ما سأحاول إِثْبَاته.

1 - تقدير الوضع

تعتبر الحرب على العراق من أَهَمّ الحروب التي جرت عبر التاريخ من حيث الوسائل المتطورة المستعملة.

ودون الدخول في التفاصيل فإن ميزان القوى العسكرية بين القوى المتحاربة يمكن تشبيهها برجل يحمل رَشَّاشاً وآخر يحمل خِنْجَرًا وَحَجَرًا. وهذا اَلأَخِير ينوي التصدي للعدوان ويريد مواجهة عدوه ومنعه من تحقيق أَهْدَافه. لذلك اعتمد العراق استراتيجية مواجهة آخِذًا بعين الاعتبار التفوق التقني والنوعي عند المهاجم والوسائل البدائية التي يملكها.

1 - إن استراتيجية محاربة عدو من قبل دولة وشعب تختلف باختلاف العدو المهاجم وميزان القوى. فالقوى المهاجمة هي قوات أَمْرِيكِيَّة وَإِنْكِلِيزِيَّة وليست قوات مرتزقة من البربر والتتار وغيرهم ممن يقتلون عَشْوَائِيًّا وَطَائِفِيًّا ويقومون بِأَعْمَال سلب واغتصاب وغيرها.

2 - إن العراق لا يملك أَسْلِحَة يستطيع بها مواجهة اَلأَسْلِحَة المتطورة التي تمتلكها قوات التحالف. بِالإِضَافَةِ إِلَى أن هذه القوات تستطيع تعطيل كافة وسائل الاتصال للقيادة العراقية.

3 - إن العراق لا يستطيع تحمل العدد الهائل من القتلى والجرحى.

4 - إن القيادة العراقية لا تريد تدمير ما بَنَتْهُ خلال السنين الماضية من منشآت حيوية واقتصادية عائدة للشعب العراقي. لأَنَّهَا (أَمْ الصبي). وذلك خِلافًا لما توقعه البعض، والدليل على ذلك فان القوات العراقية لم تدمر أي جسر عبور ولم تحرق أي مصنع للنفط.

2 - الخطة اَلأَمْرِيكِيَّة

استطاعت قوات التحالف أن تشن أَعْنَف هجوم عسكري عرفه التاريخ بِأَسْلِحَة متطورة جِدًّا وبوسائل وتقنية عالية تحت اَلأَسْبَاب والذرائع المعلنة اَلآتِيَة:

1 - إِزَالَة أَسْلِحَة اَلدَّمَار الشامل التي يملكها العراق ويهدد بها جيرانه.

2 – إِلغَاء نظام صدام حسين الاستبدادي.

3 - تكريس الديموقراطية وَإِعْطَاء الشعب العراقي الحرية.

وتحت عنوان "الصدمة والرعب" دوت الصواعق في الدجى حُمَمًا وانطلقت قوى التحالف وتحقق أَمَلهَا واحتلت اَلأَرَاضِي العراقية كافة اِحْتِلالاً كَامِلاً اِعْتِبَارًا من تاريخ 9/4/2003م.

اعتمدت خطة التحالف على نظرية الصدمة والرعب.

الصدمة: تمثلت بقصف مقر الرئيس العراقي.

الرعب: تمثل بالقصف اَلْمُرَكَّز على بغداد وكافة المدن العراقية بكافة أَنْوَاع اَلأَسْلِحَة الثقيلة: صواريخ الكروز، الطائرات، قاذفات (ب 52)، والمدفعية من كافة اَلأَنْوَاع والعيارات..

اِسْتِنَادًا لما تقدم فأن العراق، المصمم على مواجهة هذا العدوان، اعتمد استراتيجية محددة يستطيع بها تحقيق أَهْدَافه.

أولاً: على الصعيد العسكري

تقضي هذه الاستراتيجية:
1 – استدراج العدو إِلَى البدء بالهجوم
ظهرت أَوَّل صورة على شاشات التلفزيون تظهر جنود عراقيين يستسلمون إِلَى قوات التحالف منذ الطلقات اَلأُولَى. فاندفعت القوات اَلأَمْرِيكِيَّة بالتوغل في العراق مستخدمة الطريق الصحراوية ومبتعدة عن المدن. بِالإِضَافَةِ إِلَى الاتصالات التي تمت مع بعض المسؤولين العسكريين العراقيين والذين أَبْدَوْا استعدادهم لتسهيل عمل "قوات التحالف" تحت حجة التخلص من النظام.

2 - استدراج العدو إِلَى داخل المدن

إن دخول القوات اَلأَمْرِيكِيَّة إِلَى داخل المدن يفقدها كَثِيرًا من فعالية اَلأَسْلِحَة النوعية التي تملكها. وخاصة اَلأَسْلِحَة التدميرية الفتاكة. وتصبح المواجهة بين العدو اَلأَمْرِيكِيّ والشعب العراقي مواجهة متكافئة إِلَى حدٍّ ما.

ما هي الخطوات التي قام بها العراق؟.

أ - عمدت القيادة العراقية إِلَى توزيع المؤن الغذائية على المواطنين لمدة ستة أشهر وقيل لمدة سنة. كما دفعت رواتب جميع الموظفين عسكريين ومدنيين مُسْبَقًا لمدة ستة أَشْهَر وقيل سنة. وقد صرح بذلك وزير اَلإِعْلام العراقي، محمد سعيد الصحاف، حين قصفت قوات التحالف مراكز التموين الغذائية العراقية.

ب – أَوْهَمَتْ القيادة العراقية العدو إِنَّهَا حشدت مليون عسكري لمواجهتها. لكن الحقيقة إن القيادة العراقية قد طلبت من جميع العسكريين بملازمة منازلهم لكنها احتفظت ببضعة آلاف. والدليل على ذلك، طلب الرئيس صدام حسين - قبل الحرب على العراق - من قادته باختيار عناصر (تقدم دَماً) أي (مستعدة للجهاد). وطلبانتقائهم من الوحدات من بين اَلأَشْخَاص المؤهلين لذلك. والدليل الآخر هو أن الرئيس بوش اتهم الرئيس صدام بوضع الجيش العراقي بين المدنيين.

ج - تم تقسيم هذه العناصر إِلَى وحدات أَوْ مجموعات صغيرة (أرهاط أَوْ حضائر) انتشرت من (أَمْ قصر) وحتى بغداد ويرتدون ثِيَابًا مدنية. وكانت مهمة هذه العناصر التمركز في اَلأَحْيَاء السكنية والتصدي لقوات الغزو اَلأَمْرِيكِيّ بقدر استطاعتها بتكتيك المقاومة وليس وفق تكتيك عسكري. وفي المقابلة التي أُجْرَتهَا قناة فضائية أَبُو ظبي مع محمد سعيد الصحاف سَأَلَهُ الصحافي عن اَلإِجْرَاءَات التي اتخذتها القيادة العسكرية عندما كانت الدبابات اَلأَمْرِيكِيَّة على أَطْرَاف بغداد، فَأَجَابَ استدعينا مجموعات الرشاش ومجموعات (الآر. بي. جي)، وهذا التصريح يشير إِلَى قتال الفصيلة في اللغة العسكرية، وليس قتال الفرق والجيوش.

د - كانت القيادة العراقية تدرك إِنَّهَا ستكون وحدها في الميدان لمواجهة قوات الغزو. لذا كانت ترغب أن تدخل "قوات التحالف" إِلَى داخل كافة المدن العراقية بِأَقْصَى سرعة، وذلك حَقْنًا للدماء والخراب الذي سيطال العراق والشعب العراقي.

والدليل على ذلك المؤتمر الصحفي الذي عقده وزير الداخلية برفقة وزير اَلإِعْلام حين صرح وزير الداخلية رَدًّا على سؤال حول سقوط أَمْ القصر فَأَجَابَ "إِنَّ (أم قصر) لم تسقط لكن إِذَا سمعتم أَنَّهُ بعد يوم أَوْ يومين سقطت (أَمْ قصر) فلا تتعجبوا لأن الحرب كر وفر".

الدليل الثاني: عندما صرح وزير الدفاع أَنَّهُ يتوقع أن تصل القوات اَلأَمْرِيكِيَّة إِلَى مشارف بغداد خلال خمسة أَوْ عشرة أَيَّام.

الدليل الثالث: تصريح نائب رئيس الوزراء العراقي طارق عزيز في مقابلة أجرتها معه محطة (ال بي سي - الحياة) فقال: "إن استراتيجيتنا دفع قوات الغزو إِلَى داخل المدن".

الدليل الرابع: تصريحات وزير اَلإِعْلام المتكررة "إِنَّنَا سنسمح لِلأَفْعَى أن تمتد إِلَى المكان اَلأَكْثَر تَعْقِيدًا ثم نضربها على رأسها ونبدأ بتقطيعها".

الدليل الخامس: سأل أَحَد القادة الرئيس صدام حسين "إن الحرب واقعة على العراق لا محالة، فلماذا لا نحتفظ بصواريخ الصمود للدفاع عن بلدنا؟ فأَجَابَهُ الرئيس صدام "يا عزيزي أعتقد أن بندقية العسكري أَقْوَى من المدفع". فهذا التصريح يدل على أن صواريخ (الصمود) لا تعود تجدي نَفْعاً عندما تصبح قوات الغزو داخل المدن. فالبندقية يمكن استعمالها بينما لا يمكن استعمال مدفع (الصمود).

الدليل السادس: عدم نزوح الشعب العراقي عند بدء المعركة إِلَى خارج العراق بالرغم من قيام الدول المجاورة بتجهيز عدد من المراكز لإِيوَاء النازحين وتقديم الخدمات لهم.

الدليل السابع: عدم حصول معارك واشتباكات في الجبهة الشمالية للعراق. بل كنا نشاهد يَوْمِيًّا تقدم قوات الغزو مع القوات الكردية دون معارك تذكر. وعندما سئل الصحاف عن أَوْضَاع الجبهة الشمالية أَجَابَ: "لا بأس بدلاً أن نضع الجندي أَمَام البيت لحمايته نضعه خلف البيت".

الدليل الثامن: تسمية هذه الحرب من قبل العراق (معركة الحواسم) لهل دلالاتها. فكلمة حواسم هي جمع لكلمة حسم. بمعنى آخر إِنَّهُ عندما تدخل قوات الحلفاء إِلَى المدن وتتمركز فيها، فإن عمليات المقاومة ضد هذه القوات ستبدأ. وفي الوقت المناسب تقوم هذه المدن وتنقض على هذه المراكز تَتَابُعًا أَو دفعة واحدة وتحسم المعركة لصالح العراق. ولعل ما يجري اليوم في المدن العراقية هو دليل قاطع على ما اعتقد.

هذه الدلائل تدل على أن القوات العراقية تريد من قوات التحالف دخول المدن بِأَقْصَى سرعة وذلك من اجل إِيقَاف القصف المريع الذي تتعرض له المدن وتسبب بمزيد من الضحايا.

3 - عملية مطار صدام الدولي

وردت روايات كثيرة ومتعددة عن هذه العملية.

قبل عملية اَلإِنْزَال التي قامت بها قوات التحالف على مطار صَدَّام الدولي، سرت إِشَاعَات مفادها أن المطار سقط بيد "قوات التحالف"، مما دفع بوزير اَلإِعْلام العراقي إِلَى اصطحاب الصحفيين إِلَى المطار ونفي هذه اَلأَخْبَار.

ولكن في اليوم التالي احتلت قوات التحالف المطار فَأَعْلَنَ الصحاف إِنَّهُ سيقوم الجيش العراقي بعملية نوعية غير اعتيادية.

وبالفعل في اليوم التالي صرح وزير الدفاع أن القوات العراقية كبدت قوات التحالف خسائر جسيمة في العديد والعتاد. ولكن قوات التحالف استعملت أَسْلِحَة غير تقليدية فاستعادت السيطرة على المطار مُجَدَّدًا.

وتبقى عملية مطار صدام الدولي لُغْزًا حتى تاريخه.

4 - سقوط بغداد

قبل يومين من سقوط العاصمة، أَصْدَرَتْ القيادة العسكرية أَوَامِر بمنع التجول من الساعة السادسة مساءً وحتى الساعة السادسة صَبَاحًا.

وقبل يوم واحد من سقوط العاصمة أَعْلَنَ الرئيس صدام بخطاب له للشعب العراقي قال فيه "لا نريد أَحَداً يدافع عن بغداد، إن خمسين أَلْف جندي أَمْرِيكِيّ قليل جِداً على بغداد، أن لبغداد رب يحميها".

بتاريخ 8/4/2003م شاهد العالم على شاشات التلفزة بضع دبابات أَمْرِيكِيَّة في أَحَد القصور. وعندما سئل الصحاف عن ما يجري أَجَابَ: "إِنَّنَا نقوم بتطويقهم وَسَنَحْبِسُهُمْ داخل الدبابات ونبدأ بتدميرهم". وقال: "الآن بدأ دورنا".

في أَيَّام الحرب كان الشعب العراقي يظهر كل يوم في بغداد ويمارس حياته شبه الطبيعية عند ساعات اَلْهُدُوء.

بتاريخ 9/4/2003م جالت كاميرات المحطات الفضائية في مختلف أَنْحَاء العاصمة. وكم كانت دهشة المراسلين كبيرة عندما وجدوا أن العاصمة العراقية خالية تَقْرِيبًا من الناس ولا وجود أَوْ أَثَر للقوات العراقية وحتى لقوى اَلأَمْن الداخلي الذين كنا نشاهدهم على شاشات التلفزة.

وفي هذا التاريخ، حصلت الصدمة في العالم أجمع على القوى العدوة والقوى الصديقة. والسؤال الذي يطرح لماذا لم ينزل الشعب العراقي إِلَى شوارع العاصمة في ذلك اليوم؟ لماذا لم يُفَاجَأ الشعب العراقي ولم يحصل الذعر في صفوفه من جراء اختفاء الدولة وكأنها حبة ملح وذابت؟!.

إِنِّي اسأل الذين صدموا بسبب سقوط بغداد اَلْمُفَاجِئ. هل شاهدتم أَي مظهر عسكري من مظاهر الصمود: متاريس، سواتر، أَلْغَام، تحصينات.. في بغداد وضواحيها وَأَكْثَر من ذلك من أَمْ قصر إِلَى كركوك؟.

هل شاهدتم مَصْنَعًا للبترول يحترق؟ هل شاهدتم جِسْرًا يفجر عند وصول قوات الغزو إِلَيْهِ؟
رد بعض المحللين ذلك إِلَى خطاب الرئيس صدام اَلأَوَّل حيث قال "لا أُرِيد أن أُكَرِّر ما ينبغي وما يجب على كل الأماجد والماجدات مما يقتضي فعله دِفَاعًا عن الوطن الغالي وَالْمَبَادِئ والمقدسات. ولكني أَقُول على كل واحد منا في عائلة العراق، المؤمنة الصابرة المظلومة من أَعْدَائِهَا اَلأَشْرَار، أن يتذكر ولا ينسى كل ما قاله وتعهده".

وهذا يعني أن كل عراقي كان يملك تعليمات واضحة بما سيحصل، لهذا لم يفاجأ، آخِذًا بعين الاعتبار انقطاع الاتصالات والبث اَلإِذَاعِيّ والتلفزيوني بكافة أَشْكَاله وَأَنْوَاعه.

هذه اَلأُمُور تؤكد لنا أن القيادة العراقية كانت تريد إِدْخَال قوات التحالف إِلَى المدن أَو "بقعة القتل" ZONE KILLING. وفق مقولة الرئيس صدام "لا تستفز اَلأَفْعَى قبل أن تبيت النية والقدرة على قطع رأسها.. ولن يفيدك القول إِنَّك لم تَبْتَدِئ إن هي فاجأتك بالهجوم عليك، وأعد لكل حال ما يستوجب وتوكل على الله".

وكما بدأت أَمْرِيكَا عملياتها العسكرية وفق خطة "الصدمة والرعب".. هكذا بدأ العراق برد الضربة باعتماد نفس الخطة "الصدمة والرعب".

بدأت الصدمة بظهور الرئيس صدام حسين يتجول في شوارع بغداد ويحي الجماهير. وبسقوط بغداد اَلْمُفَاجِئ. ومنذ ذلك الحين ولغاية تاريخ كتابة هذا التحليل لا يزال الرعب ينتشر في قلوب الجنود الغزاة من جراء عمليات المقاومة البطلة التي تكبد يَوْمِيًّا القوات الغازية عَدَدًا من القتلى والجرحى. حتى وصل الرعب إِلَى قلوب آهِلَيْهِمْ الذين أَخَذُوا يتمنون أن يصاب أَبْنَائِهِمْ بجروح ولا يموتوا لكي يعودوا إِلَى بلادهم أَحْيَاء وليسوا أَمْوَات.

ثانيا: على الصعيد السياسي
أ - على الصعيد الداخلي العام
يحاول العراق إفشال قوات التحالف من خلال تقويض اَلأَهْدَاف المعلنة التي من اجلها احتلت هذه القوات العراق.

1 - إِزَالَة أَسْلِحَة الدمار الشامل

سلم مستشار الرئيس العراقي السعدي نفسه إِلَى القوات اَلأَمْرِيكِيَّة بعد ثلاثة أَيَّام من دخولهم إِلَى بغداد. كما سلم جعفر نفسه من إِحْدَى دول الخليج.

لقد صرح اَلأَمْرِيكِيُّونَ أن العلماء لا يجرؤا على التصريح بأَسلِحَة الدمار الشامل بسبب خوفهم من صدام ولكن الآن هم متناول يد اَلأَمرِيكَان وسيعلنون إِنه لا توجد أَسلِحَة دمار شامل وباستطاعة الأمرِيكان التحقق من ذلك بنفسهم.

2 – إِزَالَة نظام صدام حسين الاستبدادي

هل استطاع اَلأَمْرِيكَان إِحْلال نظام آخر لغاية اَلآن، سوى تعيين حاكم عسكري بمثابة والي معين من قبل السلطان الغازي ومجلس حكم عراقي يأتمر بِأَوَامِر الحاكم العسكري.

3 - تحرير الشعب العراقي ومنحه الحرية

أيَّة حرية نالها الشعب العراقي، هل هي حرية النهب والسلب وَإِزَالَة حضارة عمرها عشرة آلاف سنة، والقتل عَشْوَائِيًّا تحت نظر ورعاية قوات التحالف، والذل الذي يطال الشعب العراقي من خلال توزيع المواد الغذائية وتوزيع الرواتب على الموظفين.

ب - على الصعيد الدولي

إن صِرَاعًا دَوْلِيًّا سينشأ من خلال سيطرة وهيمنة اَلإِدَارَة اَلأَمْرِيكِيَّة على نفط العراق. أن العراق قد عقد اتفاقيات مع شركات دولية: فرنسا، روسيا، بلجيكا، اليابان، الصين. فهل ستقبل هذه الدول بِإِلْغَاء دورها في العراق والسكوت عن هيمنة الشركات اَلأَمْرِيكِيَّة واليهودية.

خلاصة

هناك أُمُور أُخْرَى كثيرة وكثيرة جِدًّا تتطلب مساحات أَوْسَع لشرحها وتفسيرها. وتبقى الحرب على العراق تحوي على الغاز وخفايا لا نستطيع استشفافها الآن. ولكن اَلأَيَّام المقبلة كفيلة بكشف أَسْرَارهَا وخفاياها. ومعركة الحواسم لا تزال مستمرة.

* كتبت في الذكرى الأولى لغزو العراق

البصري
21-07-2005, 08:37 PM
جزاك الله خيراً أخي "الفرقاني" .

يا أخ "فرقاني ؛ و يا أخ "كيمو" مثل هذا الخبر يكون نقل الأخبار : خبر دسم ؛ مركزي ؛ يُعزز هدف المنتدى ؛ ويُبين الحقائق ؛ يحوي معلومات سياسية وعسكرية ؛ يُفرح الصديق ؛ يُغيض العدى ؛ يُعيد للذاكرة بعض ما نُسي ؛ أو غُفل عنه ؛ أو لم يُفهم مغزاه في حينه ؛ يُعلي بناء الثقة ،، ويجعل القارىء يدعو لكما بالخير .

بارك الله فيك أخي الفرقاني ؛ وبارك الله في كاتب المقال ( إنْ كان مسلماً ) .

والحقيقة هو أول لبناني أقرأ أو أسمع منه ما يدل على فهمه لما يجري ؛ وتبيانه الحق في جهاد العراق .