المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هنيئا للقيادة الايرانية



السرحاني
31-05-2004, 12:08 PM
عبد الباري عطوان
يعيش الصحافيون ورجال الاعلام في معظم الصحف ومحطات التلفزة الامريكية الذين ايدوا الحرب علي العراق، حالة من صحوة الضمير، المهني والانساني، بعد صدمة التعذيب في سجن ابو غريب، وتحول العراق الي فوضي دموية بعد اقل من عام علي احتلاله.
صحيفة النيويورك تايمز التي تعتبر الاضخم، وربما الاكثر شهرة في العالم بأسره، اعترفت في افتتاحية وقعتها اسرة تحريرها بانها كانت ضحية عملية خداع كبري من جانب المعارضين العراقيين، وجماعة اليمين المحافظ، الذين زودوها بمعلومات خاطئة حول اسلحة الدمار الشامل والخطر الذي يشكله العراق في حينه علي الولايات المتحدة والعالم الغربي. وتحلت اسرة تحرير الصحيفة بأعلي درجات الشجاعة وقدمت اعتذارا كاملا لا لبس فيه ولا غموض لقرائها طالبة الصفح والغفران.
المؤلم ان هذا الاعتذار جاء بعد وقوع الكارثة، واحتلال القوات الامريكية للعراق، ولهذا لن يغير شيئا من الواقع علي الارض، وهو اعتذار يذكرنا بآخر مماثل لمنظمة العفو الدولية حول اكذوبة حاضنات الاطفال الخدج في مستشفيات الكويت التي وقف وراءها السفير الكويتي في واشنطن ابان الحرب الاولي علي العراق، الشيخ سعود ناصر الصباح، واستخدم ابنته للترويج لها، حيث ظهرت والدموع تنهمر من عينيها وهي تصف كيف انتزع الجنود العراقيون الاطفال الخدج من هذه الحاضنات، وقذفوا بهم علي الارض الصلبة دون رحمة من اجل نهبها.
صحيفة نيويورك تايمز امتلكت الشجاعة، وتحلت باخلاق المهنة، واعتذرت دون تحفظ علي وقوعها في الخطأ، وعدم التمحيص بشكل دقيق بمعلومات المنشقين العراقيين وسادتهم من المحافظين الجدد، ولكن نشك بقوة في ان صحفا ومحطات تلفزة ومعلقين عربا، مارسوا التزوير والكذب بشكل متعمد، ومقابل اجر، سيحذون حذو الصحيفة الامريكية وطاقم تحريرها.
ما يجري في العراق حاليا من انتهاك للاعراض، وقتل للابرياء، وتزوير للتاريخ، ومقابر جماعية للشيعة والسنة، علي حد سواء، والذين سقطوا برصاص القوات الامريكية وقذائف طائراتها، هو الرد المنطقي والعملي علي كل الاقلام التي استندت علي جنازير الدبابات الامريكية ومارست الارهاب علينا وعلي كل صوت عربي او اجنبي عارض هذه الحرب، وحذر من نتائجها الخطيرة، ليس فقط علي العراق، وانما علي العالم بأسره.
افتضاح امر الدكتور احمد الجلبي وانتهازيته وعمالته المزدوجة لم تفاجئنا، وان كانت فاجأت الكثيرين غيرنا، لاننا كنا ندرك جيدا خطورة المخطط الامريكي، ومدي تطابقه مع نظيره الاسرائيلي لاذلال هذه الأمة واهانتها.
فلسنا نحن فقط الذين قبضنا علي الجمر وصمدنا في وجه السهام الكثيرة التي اطلقت علينا من بني قومنا، لاننا رفضنا السير في ركب العدوان علي شعب شقيق، وانما الكثير من الشرفاء الذين خرجوا بالملايين في مظاهرات عارمة ضد الحرب، وضد المحافظين الامريكيين الاسرائيليين الجدد، الذين قادوا العالم الي الهلاك. وها هي الممارسات الامريكية السادية الحاقدة في سجن ابوغريب، وافتضاح كل اكاذيب الطابور الخامس حول اسلحة الدمار الشامل والخطر العراقي علي جيرانه والعالم تكشف هذا الزيف.
الجنرال المتقاعد انتوني زيني القائد السابق للقيادة الوسطي الامريكية ليس كاتبا في صحيفة القدس العربي ، ولا هو عضو في تنظيم البعث او قائد للحرس الجمهوري، عندما قال في مقابلة تلفزيونية امريكية ان الحرب علي العراق لم تكن من اجل خدمة المصالح الامريكية، وانما لخدمة مصالح اسرائيل، لان مجموعة من اليهود في الادارة الامريكية خطفت القرار الامريكي ووظفته لمصلحة الدولة العبرية.
الجنرال زيني للتذكير فقط، كان اول من حذر من التعامل مع الدكتور احمد الجلبي والمعارضة العراقية في المنفي، وهو صاحب التوصيف المشهور بانها معارضة الرولكس وفنادق الخمسة نجوم والبزات الحريرية.
وليس صدفة ان الذين يدافعون عن الدكتور الجلبي هذه الايام هم المسؤولون الصهاينة في الادارة الامريكية من امثال ريتشارد بيرل وبول ولفوفيتز وفيث، ومن الكتاب امثال وليم سفاير.
واذا صحت المعلومات التي افادت بان النخبة الحاكمة في ايران استخدمت الدكتور الجلبي لتمرير معلومات حول خطر اسلحة الدمار الشامل العراقية الي الادارة الامريكية من اجل جرها الي الحرب واطاحة حكم الرئيس العراقي صدام حسين، ونحن نعتقد انها صحيحة، فاننا نجد لزاما علينا ان نتقدم بالتهاني الي هذه النخبة، فقد اثبتت انها علي درجة كبيرة من الدهاء، والقدرة الفائقة علي التخطيط الجيد!
فايران هي اللاعب الاساسي في العراق، ومنطقة الشرق الاوسط برمتها بفضل الغباء الرسمي العربي، ووجود حكام من امثال الرئيس المصري حسني مبارك، زعيم الدولة العربية الاعظم والشعب المصري الاكثر عطاء وتضحية والذي بات كل جهده السياسي الاستراتيجي محصورا حاليا في كيفية التعامل مع ممر فيلادلفيا علي الحدود المصرية مع قطاع غزة (عشرة كيلومترات) والتجاوب مع الطلبات الاسرائيلية في منع تهريب اسلحة الي رجال المقاومة الفلسطينية!
ولا نعرف حقيقة ما هو رد فعل الداهية صباح الاحمد، رئيس وزراء الكويت، وعما اذا كان، بحكم خبرته الطويلة في الحكم، علي دراية بهذا النجاح الايراني الاستراتيجي الكبير، وهو يوظف ارض بلاده واعلامها واموالها في مصلحة هذا الاختراق الايراني الاستراتيجي المبهر؟
وربما يكون من المناسب ايضا التعريج علي ضلعي المثلث الذي حكم المنطقة العربية علي مدي الثلاثين عاما الماضية، اي سورية والمملكة العربية السعودية، والتساؤل عما يمكن ان يفعلاه ازاء هذا التغيير الكبير في المعادلة الاستراتيجية في المنطقة، الذي ادي الي تحويل دول المنطقة العربية الي دول هامشية ترتعد خوفا في كل مرة ينطق الرئيس الامريكي كلمة الاصلاح.
مرة اخري نقول هنيئا لايران، فقد أوشكت علي انتاج اسلحة نووية، وطورت صناعتها العسكرية بشكل يثير الاعجاب، وانتجت من الصواريخ ما يصل مداه الي اوروبا، وباتت اللاعب الرئيسي في العراق وافغانستان، اما نحن فما زلنا نستورد العقال، ونعلن عن الغترة المصنوعة في انكلترا، ويصبح اكبر هدف لرئيس اكبر دولة عربية هو بيع صفقة غاز مصري الي اسرائيل، والتنافس مع الغاز الذي ينتجه فقراء غزة في هذا الخصوص!