تقى
31-05-2004, 03:02 AM
من مقاومة الفلوجة الباسلة إلى هيئة العلماء والحزب الإسلامي [1/3
رسالــة من أعمــاق الفلوجــة الباسلـة
بقلم : طالب علم عراقي
مشايخنا الأكابر في هيئة علماء المسلمين في العراق ...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
وبعد :
نحمد الله تعالى أن جعل لأهل العلم هذا المقام الرفيع في قلوب عامة المسلمين في العراق على وجه
مشايخنا الأكابر : روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي رقية تميم بن أوس الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { ' الدين النصيحة ' قلنا : لمن ؟ قال ' لله ولكتابه ، ولرسوله ، ولأئمة المسلمين ، وعامتهم ' }.
ونحن إذ نعتقد أن إجلال أهل العلم من إجلال الأنبياء فذلك لا يعفينا من تقديم النصيحة صريحة دون مجاملة ، فإنه إذا هانت مجاملة أحد على خطأ فإن مجاملة أهل العلم تعد كارثة مضاعفة ...!
فبهلاك العالمِ الواحد يهلك الفئام من الناس ، فكيف إذا أخذت صورة هيئة علمية قيادية شرعية تحمل فتواها صورة الإجماع والمهابة من مخالفته ، والحذر من التفكير في نقضه أو الاعتراض عليه ..؟!
وكيف إذا نابت هيئة العلماء هذه عن أمة الإسلام في مواجهة أو مهادنة أمة الكفر..؟!
فأي موقع يمكن أن يتخذه عالِم أعظم خطراً من موقع يتوقف على فتواه حفظ أو انتهاك ضرورات الإسلام الخمس : الدين ، والنفوس ، والأعراض ، والأموال ، والأجيال ..؟!
إنه موقف أخبار العالمين عن حكم رب العالمين ..!
إنها واقعة اجتمعت فيها العقيدة والشريعة في ذروتيهما ، فكانت ذروة الولاء والبراء في ذروة الصراع بين الكفر والإيمان في ذروة سنام الإسلام ..
فهل يحسد أحد على هذا الموقع في الدنيا ، وعلى هذا الموقف يوم يقول الله لعيسى ابن مريم أمام الناس : [ أأنت قلت للناس .. ]
فما الذي جرى يا مشايخنا الأفاضل ..؟!
ما الذي جرى حتى يقوم الدكتور المكرم رئيس هيئة علماء المسلمين قومه الله تعالى في خطبة الجمعة ويعلنها صريحة ، قوية ... بوجوب مقاطعة البضائع الأمريكية ، ووجوب نصرة المجاهدين في الفلوجة وغيرها ، ووجوب وحدة الصف في هذا القتال المبارك ... ؟!
وما ترك الدكتور من شيء لم يقله ، اللهم إلا كلمة ' وجوب النفير العام من غير أذن أحد ' ... وقام مع الشيخ علماء وخطباء كثر ، وأدركنا أنها مقولة مهيأة لإعلان القتال بالسلاح ، وهذا ما يليق بالدكتور حارث وتاريخه على وجه الخصوص .
وجاءت ليلة السبت لتسلخ خطبة الجمعة ، ويختفي صوت الشيخ إلى اليوم لتعلو فوق صوته أصوات أخرى ، تنقض كلامه وتأخذ مكانه !
وبقي كل مسلم وغير مسلم يتساءل : ما الذي جرى ..؟!
الذي جرى هو أن الأمريكان بعدما أسقط في أيديهم من بأس أهل الفلوجة وإيمانهم ، وتحققوا من الهزيمة المخزية ، وتأكدوا منها بمرور الأيام الأولى حتى باتت أمراً مسلماً به عند جنودهم وبين قادتهم ... هرعوا مسرعين إلى مجلس الحكم الإنتقالي ، إلى أقرب الناس من الجهاد ، ومن عندهم في هذا الموقع يمكن أن يكون له نوع تأثير على أهل السنة في الفلوجة إلا من عقدوا له خرز التاج لمثل هذا اليوم العصيب ... فأبلغوا ' محسن عبد الحميد ' ما يعظم في صدره من قوتهم وبطشهم، وعزيمتهم ... فهرع يدور بدوره الدوار ... إلى مجلس حزبه أن أدركوا الفلوجة قبل أن تنهار ..!
الكارثة ... الكارثة سوف تحل بالفلوجة ..!
سوف تحترق الفلوجة عن بكرة أبيها ..!
لقد أخبرني الأمريكان أنهم مستعدون الآن لضرب الفلوجة بالقنبلة النووية ..!
لا تنسوا يا إخواني ' هيروشيما وناكازاكي ' مع التذكير بالفارق الهائل ما بين تلك القنبلة القديمة وهذه المطورة المدمرة ..!
إنهم أخبروني بأن الرئيس بوش قد فوضنا بذلك ، ونحن لدينا الآن الإستعداد ...
والوقت أمامكم ينفد ...!
وإن من مصلحة الجميع إيقاف القتال ، وأهل الفلوجة ذواتهم يريدون ذلك ، إلا أولئك الذين لا تطيب لهم الحياة إلا بالدماء .. ولا يحسنون التعامل وفق المصالح والمفاسد ، وليسوا من السياسة الشرعية في شيء !
وإن ........!
وإن ....!
وكل هذا مع حسن الظن فيهم ..
هكذا صوروا الأمر 'لمحسنهم '، فصور هو بدوره الأمر لعلمائنا ... ثم بادر ابتداءًَ باستصدار بيان توجيهي حازم بِنَفَسٍ حزبي حازم في قناة الجزيرة لكل من يحمل السلاح جهاداً في سبيل وجوب إيقاف الجهاد هذا فوراً ، هذا والقصف الجوي الأمريكي والصاروخي على أشده ... في وقت كانت الشروط الأمريكية تسليم الأربعة الذين قتلوا الأمريكيين ومثلوا بهم ، وتسليم المجاهدين أنفسهم للأمريكان ...
ولم يعبأ الفلوجيون الكرام ببيان ' الحزب ' ..!
وهنا ألقى بثقل التبعة على هيئة العلماء ... فألقى العلماء بثقلهم في المعركة ، ولكن لإيقاف المجاهدين عن المعركة ..؟!
فماذا كان أمام العلماء وهم يستمعون إلى هذه الهالة الضخمة من الأخطار المحدقة إلا أن يخرجوا مثل هذه الفتوى والمناشدة على عجل والتي يظهر فيها إعادة الأمن والأمان ، وفيها حقن الدماء ، وفيها إعادة الصلاة إلى المساجد ، وفيها إعادة إعمار ما خرب في الفلوجة وفيها ما فيها من مصالح !
دعونا نبتدئ بالمفاوضات وسوف نأخذ منهم ما لا تأخذونه بالقتال ..!
وهنا لا بد لي من وقفات ثلاث مع فتوى علمائنا الكرام ومناشدتهم .
الوقفة الأولى: حقيقــة ما جــرى ...
إن الاعتذار بأن الخسائر فادحة ، والقتلى كثر ، والجرحى أضعاف ذلك لهو اعتذار لا وزن له في ميزان الحكم الشرعي في مثل ظروف تحرير بلد مسلم يأمل بطرد العدو الكافر .
فالجهاد هنا جهاد دفع لا جهاد طلب ، وجهاد رد الصائل لا جهاد دعوة ...
وهذا مختصر لأقوال أهل العلم في مثل هذه الواقعة لا ينبغي أن يكون خافياً على من ألتحق بركبهم واتصف بوصفهم .. مشتاق ما بين الجهادين شتان ..
قال النووي : ' قال أصحابنا : الجهاد اليوم فرض كفاية إلا أن ينزل الكفار ببلد مسلم ، فيتعين عليهم الجهاد ، فإن لم يكن في أهل ذلك البلد كفاية وجب على من يليهم تتميم الكفاية ' شرح النووي على صحيح مسلم 8/64/63.
فإذا كان الجهاد كله في العراق على من فيها من المسلمين فرض عين لنزول الكفار في العراق ، فكيف سيكون الحكم الشرعي وقد قصدوا الفلوجة بعينها من دول العراق المحتل بالحرب والهجوم ..؟!
وهل كان الواجب على العلماء كما قال النووي ' تتميم الكفاية ' أم كان الواجب على العلماء هو إيقاف القتال ..؟!
ويقول القرطبي : ' قد تكون حالة يجب فيها نفير الكل ، وذلك إذا تعين الجهاد بغلبة العدو على قطر من الأقطار أو يحلو له بالعقر ، فإذا كان ذلك وجب على جميع أهل تلك الدار أن ينفروا ويخرجوا خفافاً وثقالاً شباباً وشيوخاً ، كل على قدر طاقته .. من كان له أب بغير إذنه ، ومن لا أب له ، ولا يتخلف أحد يقدر على الخروج من مقاتل أو مكثر ... إلى أن قال ولا خلاف في هذا ' القرطبي 8/ 151
وذكر ابن قدامة بعد ذكر نفس الحكم ذاكراً الدليل حيث قال وذلك لقوله تعالى : [ انفروا خفافاً وثقالاً ] وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ' إذا استنفرتم فانفروا ' .. وقد ذم الله تعالى الذين أرادوا الرجوع على منازلهم يوم الأحزاب فقال تعالى : [ ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا ] المغني لابن قدامة 10/389
فإذا كان علماء الإسلام يقولون إنه واجب على المسلمين فكيف أسقط علماء الهيئة هذا الواجب ، واجب النصرة وواجب النفير إليهم ، وواجب رد الصائل ، كيف أسقطوه عن أنفسهم وعن أهل الإسلام في العراق ، وتحول البعض منهم إلى صنف [ الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا ... ] لو أطاعونا ما دمرت مدينتهم كما قال مكي الكبيسي في خطبة الجمعة بتاريخ 4من ربيع الأول 1425هـ الموافق 23/ 4/ 2004م مشيراً إلى أضرار القتال ونهي أهل الفلوجة عنه ، حيث قال : [ نحن لا نريد تعريض الفلوجة للهدم ، ما هكذا علمنا الإسلام ، الإسلام علمنا أن نتخذ الحكمة ، علمنا أن تجعل عدتك مع حكمتك ، فالعدة من غير الحكمة ربما أورثت دماراً ] .. ولا غرابة إن قال بهذا من ذلّ نفسه أمام المحتل .
عبارات مطاطية لو عرضت على الشافعي لما عرف لها رأساً ولا ذيلاً ، لكن من يعرف واقع القوم وموقفهم يعرف كيف تستخدم اللغة ويخضع الدين في القضاء على الجهاد والمجاهدين لمصلحة الحزب والحزبيين الإسلاميين لفهم مراد الرجل ..!
وبيننا وبينهم قول الله : [ ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدته ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين ] ..
هكذا أصبح القتال في سبيل الله مصادماً للحكمة منافياً للعقل ..؟!
لقد كانت الحكمة البشرية فيمن آتاهم الله الحكمة هي كراهية القتال ، لكن أمر الله الحكيم الخبير هو أن قال لهم : [ كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم وأنتم لا تعلمون ] ..
وقال : [ كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون يجادلونك في الحق بعد ما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون ] الأنفال 6
إن المتأمل في فتوى العلماء ومناشدتهم المجاهدين إيقاف الجهاد يستغرب غاية الإستغراب لانعدام الأصل الشرعي الذي اعتمدوا عليه ، اللهم إلا مبدأ الحزبيين الإسلاميين المقدم عند المتحزبين على الكتاب والسنة ... ألا أنه المصلحة أو كما سماها هنا [ مكي الكبيسي ] الحكمة ..؟!
المصلحة التي تقدم على النص الصريح وتخرق إجماع أهل العلم السابق وتحل محله ..!
وإلا كيف يمكن أن نفهم قول الله تعالى في واقعة التقى فيها الكفار والمسلمون كواقعة الفلوجة : [ يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير ] الأنفال 16
والسؤال هنا هو : هل حصلت هذه الملاقاة أم لم تحصل ..؟!
فما العذر المخرج للعالم بفتواه هذه والتي هي أشد من الفرار من الزحف لأنها تقتضيه وزيادة .. ما العذر المخرج لهم من غضب الله وسخطه المذكور في الآية ..؟!
هل كان أهل الفلوجة المقاتلين أقل من الأمريكان ..؟!
قطعاً : لا ...
إذن ألم يكن واجب أهل العلم أن يكاثروهم ويناصروهم ويستصرخوا العراق كله نفيراً لأجلهم .. أم كان واجبهم أن ينيموهم وينيموا أهل العراق عنهم ..؟!
ففي سنن البيهقي عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إن فر رجل من اثنين فقد فر وإن فر من ثلاثة لم يفر .. سنن البيهقي 9/76 .
وفي سنن أبي داوود والترمذي عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ خير الصحابة أربعة ، وخير السرايا أربع مائة وخير الجيوش أربع ألاف ولن يغلب إثنا عشر ألف من قلة ] سنن أبي داوود 2611 صحيح سنن أبي داود 2275
نعم سيحتج أصحاب الحكمة ..! بأن الحرب ما عادت بالأعداد البشرية وإنما بقوة السلاح الفاتك ! ومن الهوان أن يتخطى أهل العلم النصوص الصريحة الصحيحة القاضية بكفالة الله تعالى للمؤمنين المجاهدين بالنصر إن هم أخذوا الأسباب المتيسرة وصدقوا ما عاهدوا الله عليه بينما يذكّرهم بها من لا يملك إلا القليل من العلم والكثير من الغيرة والإيمان من طلاب الفلوجة وعامتهم ، فكيف وقد ثبت المجاهدون في الفلوجة وزحزحوا الأعداء عن مواقعهم التي وطئوها في بلدتهم إلى خارجها ..؟!
كيف والأعداء أنفسهم يعترفون بأن هذا السلاح الفاتك لا يحسم المعارك دائماً ..
يقول بول كنيدي معلقاً على التدخل الأمريكي في فيتنام : [ دلت هذه الحرب على أن التفوق العسكري والإنتاجي الإقتصادي لا يترجم دائماً وبصورة تلقائية إلى فعالية حربية .. فمن الناحية الإقتصادية كانت الولايات المتحدة تمثل من خمسين إلى مائة مثل إنتاجية فيتنام الشمالية ، ومن الناحية العسكرية كانت تمتلك من القوة النيرانية ما يعيد العدو إلى العصر الحجري ، وبقوتها النووية ، كانت لديها القدرة على مسح جنوب شرق آسيا بأسرها ، لكن هذه لم تكن حرباً يكون التفوق فيها لهذه الأشياء ] ...[1]
وليت هؤلاء من أشباه الإسلاميين قد تعلموا من البوذيين الفيتناميين معنى التضحية والفداء والبذل بدلاً من التمييع الذي أبته عجائز فيتنام قبل كهنتها .
وقبل هذا شواهد معارك الإسلام وفتوحاته الكبرى حاضرة أمام الموقنين ، ابتداءً بغزوة بدر ومروراً بفتح الأندلس وانتهاءً بالفلوجة ...
لقد كان الواجب على أهل العلم أن يعملوا بما عمل به عمر رضي الله عنه لو أن أهل الفلوجة فروا [ وحاشاهم ] فقد روى ابن أبي شيبة في مصنفه عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى أن رجلين فرا [ يوم مسكن ] من مغزى الكوفة فأتيا عمر فعيرهما ، وأخذهما بلسانه أخذاً شديداً وقال : فررتما ..؟! وأراد أن يصرفهما إلى مغزى البصرة ، فقالاً يا أمير المؤمنين لا بل ردنا إلى المغزى الذي فررنا منه حتى تكون توبتنا من قبله . مصنف ابن أبي شيبة 15543 ،12 ص538
إذن فمن الذي يجب أن يتوب الآن ..؟! ومن الذي يجب أن يؤخذ بلسانه حتى تسلم منه العراق الجريحة يا أعضاء الحزب الإسلامي .
وأخيراً فيا أهل العلم الكرام : هل تقاس التضحيات الآنية المحدودة العاجلة بمصير الدين ومستقبل الأجيال ..؟!
وهل ترى مصير ثورة الجزائر لو أن هيئة علمائها المعتبرة أفتوا بمثل فتوى هيئة علمائنا الأكارم .. وما نسبة ما قدمه أهل الفلوجة من الأرواح بالنسبة لثلاثة ملايين شهيد جزائري على الصحيح من الأرقام ، فإذا كان عدد سكان الفلوجة يزيد على النصف مليون مع ضواحيها فإنها لم تقدم أكثر من خمسمائة شهيد حسب ما أعلنوا هم وجلهم من النساء والأطفال .. ؟!
يا أهل العلم ماذا سيكون مصير ليبيا ومستقبلها لو أن العالم المجاهد عمر المختار أفتى المجاهدين بإيقاف القتال بناءً على عدم التكافؤ ما بين مجاهدين رجالة وخيالة ببنادق صيد وأسلحة ذاتية في مواجهة دبابات و مجنزرات وطائرات ومناظير وخطط عسكرية وجيوش نظامية ونحو ذلك ..؟!
وهل كانت فيتنام ستطرد القوات الأمريكية لو أن أولي الرأي فيها نظروا مثل نظرتنا هذه أم أنها ستبقى كأي مستعمرة من المستعمرات الأمريكية أو المستعمرات البريطانية المستعبدة إلى اليوم ..؟!
لقد قدم الفيتناميون خمسة ملايين من الأرواح غير القرى التي هدمت ، والمزارع والغابات التي أحرقت ، ولقد استخدمت ضدهم مختلف الأسلحة المسموحة والمحرمة ، فما رضخوا وما استكانوا ، هذا وأمريكا يومها تملك الآلاف من القنابل الذرية ، وقد هددت باستخدامها ، لكن عزيمة الفيتناميين كانت أكبر من تهديدات الأمريكان ...
واستمروا في قتالهم إلى أن طردوا الأمريكان وجعلوهم ذكرى موجعة ومثلاً ساخراً للأجيال الأمريكية تلاحقها بالهزيمة المخزية إلى أن تزول هذه الإمبراطورية المتجبرة ..
ثم ألم تكن روسيا تملك الآلاف من القنابل الذرية يوم أن أُخرجت من أفغانستان تجر أذيال الخيبة والخزي والعار .. فلماذا لم تنقذ نفسها بعشرة قنابل كل واحدة على مدينة أفغانية ..؟!
ولماذا لم يفكر المجاهدون بهذا التفكير فيفاوضوا بابرك كارمل أو تراقي أو غيره من المرتدين الأفغان الذين عينهم الروس عليهم كما عين الأمريكان هذا المحسن لهم ، ومجلس الزندقة ..؟!
نحن لا نريد أن نتطرق لقضية إسلام أو كفر من انضم للمجلس الإنتقالي ثم تدخل باسم الإسلام لإيقاف القتال ، وإيقاع الهدنة ، ولكن من المعلوم أن قضية الإسلام والكفر ليست قضية أسماء أو خطابات ، ولا هي بالتحدث بإسم الإسلام أو عن حزب الإسلام أو تقديم خدمات جزئية للمسلمين من خلال موقعه في المجلس .. فوالله ما كان عبد الله بن أبي سلول يلبس لباس الكافرين ، ولا كان يخلع العمامة ويلبس القبعة ، وما كان يتخلف عن صلاة الجماعة ، ولا عن الغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وعموم المنافقين وكان اسمه خير الأسماء ... ومع هذا فقد كانت مواقفه في ساحة القتال هذه كفيلة بأن ينزل الله فيه حكم الولاء للكافرين وأنه منهم ، وأنه رأس النفاق .. وتبقى الآية عامة : [ ومن يتولهم منكم فإنه منهم ] وما أشبه الليلة بالبارحة ..
لقد حاد عبد الله ابن أبي سلول بأصحابه في غزوة أحد عن الجهاد بعدما خرجوا للمعركة وأوشك القتال على الإبتداء ...
وهذه من ثمرة الجهاد في كل وقت ، فما كانت تستره أيام الرخاء وأحاديث الصباح والمساء ، يكشفه الجهاد بجلاء ... إن نار التمحيص تغلي على نار الجهاد بقدر الدماء ..
قال الله تعالى : [ قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون ] آل عمران 137ـ143
ولقد أسقط في أيدي اليهود حين ثار الشعب الفلسطيني في انتفاضته الأولى ، شعر كل إسرائيلي بأن فلسطين لن تبق له ولن يبق فيها ... فهرع اليهود آنذاك كما هرع الأمريكان اليوم إلى صنيعتهم من بني جلدة الفلسطينيين أنفسهم وكان لهم ما أرادوا ...
وحوادث فلسطين هذه خير شاهد على واقع العراق هذا ...
بل إن هؤلاء لا يصلون حتى إلى مستوى عرفات ..؟!
إن المجلس الانتقالي بكل ما فيه ومن فيه كان هو العدة التي أعدها الأمريكان لأيام النوائب الأيام التي لا تؤثر فيها العصا الأمريكية في الظهور العراقية ، ولا يصغي فيها الشعب العراقي لأمر أبي ناجي ، ولا تطول فيها اليد الأمريكية الزمام العراقي ... فكان المجلس لها ، وهذا ما قام به المجلس ..
فأهل التشيع ذهبوا إلى أصحابهم وأهل السنة ذهبوا إلى أصحابهم .. فما كان يؤديه چلبيهم بقمبره هناك كان يؤديه محسنهم بحاجمه هنا ... حتى أعادوا لأمريكا ما أرادت وأعادوا البلاد إلى ما كانت، وأسلموا الزمام إليها بعدما أفلتت من يديها ..
وما كانت الغاية الخفية لهؤلاء الإسلاميين المتحزبون إلا ما كانوا يعتقدون من أن المجاهدين لن يثبتوا فضلاً عن أن ينتصروا ، فأرادوا أن تكون لهم يداً عند الكافرين وخط رجعة عند المسلمين ..
فمن كان يظن أن أهل الفلوجة سوف يثبتون كل هذا الثبات ، وما أشبه ما قال الله تعالى عن أولئك مع ما حدث مع هؤلاء حيث قال سبحانه : [ الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ] النساء 141
ولو أنهم علموا أن النصر والذكر الحسن سوف يكون للمجاهدين لم يترددوا لحظة أن يعلنوا موقفهم مع المجاهدين .. وصدق الله إذ قال : [ بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا وزين ذلك في قلوبكم وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا ] ..
ومن اضطرب منهم من توقعاته علق عضويته ولم يقدم استقالته خشية عودة الأمور بيد الأمريكان .. وإسلاميون متحزبون حسبوا لأنفسهم مقاماً عند الأمريكان ومقاماً عند الأمريكان فهددوا بموقف مجهول ومؤثر ، ولم يتأثر الأمريكان بكلامهم إنما تأثروا بثبات المجاهدين وعندها أرخصوهم في التدخل بعدما عجزوا وأرخصوهم في الموقف المبتذل لممارسة دور إنقاذ أمريكا من الغرق ..
وهذه سنة ماضية في تخطيط المنافقين ...' فلقد ذكر ابن إسحاق و الواقدي وغيرهما أن عبد الله بن أبي سلول أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن أمكنه الله من اليهود ، وكتفهم المسلمون انتظاراً لحكمه صلى الله عليه وسلم فيهم فقال : يا محمد : أحسن في موالي ـ وكانوا حلفاء الخزرج ـ قال : فأبطأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد : أحسن في موالي ، قال : فأعرض عنه ، فأدخل ابن أبي سلول يده في جيب درع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أرسلني ، وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأوا لوجهه ظللاً[2] ، ثم قال : ويحك أرسلني ، قال : لا والله ، لا أرسلك حتى تحسن في موالي أربع مائة حاسر وثلاث مائة دارع ، قد منعوني من الأحمر والأسود ، تحصدهم في غداة واحدة ؟ إني والله امرؤ أخشى الدوائر ، قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هم لك [3]...'
الوقفة الثانية : القنبلة الذريـة ... الفلوجــة
هب أن أمريكا نفذت ما هددت به من ضرب الفلوجة بالقنبلة الذرية ، فهل كان هذا سيوقف الإنتفاضة العراقية العارمة ... أم سيزيدها اشتعالاً في وقت لم تكن بحاجة لمزيد اشتعال ..؟!
إذاً فهؤلاء الإسلاميون المتحزبون لا يعرفون العراق ولا العراقيين ؟ وهذا من تلوث القلب بلوثة الولاء للكافرين ثمناً للجنسية الأمريكية والولاء للأمة الأمريكية .
وها هم أصحاب ذات الحزب العراقيين يأخذون على يد المجاهدين ، ويوقفونهم عن ضرب أمريكا حين ابتدأت ، إثباتاً لولائهم للأمة الأمريكية ومحافظة على الجنسية الأمريكية ..!
ثم هل ذهاب الفلوجة ثمن كبير على تطهير العراق كله من الأمريكان ، واليهود ، وعملائهم ؟!
بالله عليكم : هل أهل الفلوجة جميعاً خير أم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال الله تعالى فيه : [ وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين ] آل عمران 144-148
إن الإرتداد هنا هو بترك الإسلام أو ترك الجهاد ، إذ حضرت أسبابه وانتفت موانعه ..
يقول ابن جرير الطبري ج3 في تفسير هذه الآية :
' انتهى أنس بن النصر ـ عم أنس بن مالك ـ إلى عمر ، وطلحة بن عبيد الله ، في رجال من المهاجرين والأنصار وقد ألقوا بأيديهم ، فقال : ما يجلسكم ؟ قالوا : قتل محمد رسول الله ! قال : فما تصنعون بالحياة بعده ؟ قوموا فموتوا على مات عليه رسول الله ! واستقبل القوم فقاتل حتى قتل ، وبه سمي أنس بن مالك ' .
' وعن مجاهد قال : ألقي في أفواه المسلمين يوم أحد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قتل فنزلت هذه الآية : ' وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ' الآية .
لقد كانت الحقيقة على النقيض مما صورها الأمريكان ، وقد كان العالم كله يعرف الحقيقة إلا من التصق بالأمريكان وأوحوا في قلبه وسمعه ما أوحوا ..
لقد أدرك العالم كله ـ وأول من أدرك ذلك هم قادة أمريكا أنفسهم ـ أن أمريكا العظمى بدخولها الحرب في الفلوجة الصغرى ... قد مدت عنقها على نطع الفلوجة ومقصلتها وأنها في أيامها الأخيرة ، وقد حبست أنفاسها لضربة السياف ليفلجها في الفلوجة بعدما فلج تحالفها في العالم ، وقد بلغ قلبها حنجرة رأسها ، حتى صرخ متولي كبرها رامسفيلد أنها أيام عصيبة واختفى بوشها عن الأنظار ، وقال أتعس القوم ، مدركاً خطورة النتيجة ، واقتراب النهاية ـ بلير ـ أنها معركة تاريخية ، ويجب أن تنتصر أمريكا وحلفاؤها ..
وتنادى رؤساء التحالف أن امشوا واصبروا على موقفكم رغم ما أصابكم فإما أن نكون أو لا نكون ..؟!
فكانت تلك الفتوى طوق النجاة للإمبراطورية التي ملأت الأرض ظلماً وجورا ..
وهذا ليس بالأمر الخافي على أحد وإلا فهل لجأ الأمريكان للصلح وهم قادرون على تحقيق النصر النهائي واحتلال الفلوجة ..؟!
وهل تظنون أن المجلس الانتقالي والحزب ' الإحساني ' استطاع التدخل بقوته وتهديداته أم بقوة المجاهدين بعد قوة الله ؟ وهل كان يمكن أن تفتح له القنوات لو لم يطلب منه ذلك بطريق مباشر أو غير مباشر ..؟!
وهل تعتقدون أن أمريكا وفية على شروط الهدنة ..؟!
وهل ستعجز أمريكا على إيجاد المبررات الكافية لنقض عهود المسلمين ..؟!
وهل طلب أمريكا من إيران التدخل إلا خطوة أولى في قلب ظهر المجن لكم ..؟!
وهل سترقب إيران فيكم إلاً أو ذمة إن هي استطاعت ذلك .. أم أنها ستتورع عن إدخال جيش من عندها بلباس عراقي لقتال أهل السنة وقد فعلت ذلك في أفغانستان واعترفت به بعد ذلك .. فكيف ولا زال عفن جثثهم يفوح من مقابرهم الجماعية في كل مكان ولله الحمد والمنة ..؟!
إذن فليتلألأ الصليب ، على ضوء نار المجوسية في ربوع الهلال الخصيب ، ولتزهوا عقيدة النجمة على معتقدات اللطم والشتم والنقمة ..؟!
أيها العلماء الأكارم : كان بإمكانكم أن ترجعوا لقادة المقاومة في الميدان قبل أن تصدروا حكماً غيابياً ، ولا شك أنكم اليوم قد التقيتم بعضهم فعرفتم الحقيقة جيداً ..
إن الواقع الذي نعرفه وعشناه من الداخل في ليله ونهاره على نقيض ما صوره الأمريكان لكم بطريق محسنهم .. بل إن الواقع الذي تحدثت منه وكالات الأنباء ، وما تحدثت إلا عن بعضه كان على النقيض من مقتضى فتواكم ..!
الواقع الذي جعل الجيش الأمريكي يفر بروحه من أرض المعركة زرافات ووحداناً !
الواقع الذي أرانا كيف ألغى المجاهدون سلاح المروحيات الفتاك من المعركة ..؟!
الواقع الذي شهد بأن حصاراً قد أطبق على القوات الأمريكية المحاصرة للفلوجة !
فالطرق البرية المؤدية للفلوجة مقطوعة على الأمريكان بنسبة 100% والمروحيات المقاتلة والناقلة للمؤن لا تستطيع الطيران بعدما استمر فيها الإسقاط .. والقوات التحالفية في المدن العراقية القريبة لا تملك نجدتها لأنها لم تعد تملك المحافظة على أرواحها ... وبقية القوات التي كانت في مأمن ولم تذق طعم الرعب من قبل ذاقته كأمر ما يكون ... ومن قرأ للعلمانيين المجاورين للعراق ، عرف مقدار الرعب الذي عبر الحدود فأربك أقلامهم وأرعش أقدامهم وأجرى على الأمريكان دموعهم ..!
إنه الواقع الذي جعل العراق كله يرتج و يمور ، ويموج ثم يهيج ... فيتحول كله من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه إلى فلوجة تتفلج غيظاً وتتفجر بركاناً ..
فسارت مواكب المجاهدين في أشكال مسيرات جهادية مشياً على الأقدام من بغداد إلى الفلوجة ، وانحدرت من محافظات الأنبار إلى قلب الأنبار الفلوجة .. أسود تتلظى كما تتلظى البراكين غيرة على عرينها إذا هوجم ، ونصرة لأهلها إذا ضيموا .
وأصبحت أمنية كل صغير وشاب عراقي هو قطعة سلاح يزين بها ساعده ، ويعذر فيها إلى ربه ، ويعبر فيها عن نصرته ، وينفذ في زنادها شهاباً ثاقباً من منجم قلبه المتفجر ..
وسقطت يومها مظاهرات العداوات القديمة ما بين عوام الشيعة وكبارهم بين وأهل السنة .. وانشق صف الشيعة على أعلى المستويات وأكبر المرجعيات ، وتعرت أمام عوام الشيعة حقائق الدعاوى ونفاق الأئمة .
وفرّ الجنود البريطانيون من شوارع البصرة الداخلية ، ولجئوا للخطوط الخارجية ...
واختفى الأسبان والإيطاليون من المدن ، وظهر أن البلاد قد تطهرت منهم ..
وقد كانت هذه هي الخطوة الأولى المعتادة في تحرير كل بلد من المستعمر ، ولم يبق إلا أن يفروا إلى خارج البلاد ويعلنوا الهزيمة الكبرى بصيغة إعلامية مخصوصة أو مفضوحة ..!
فهل كانت هذه الهدنة انجازاً أم كانت كارثة ..؟!
وهل كان في صالح الفلوجة أم كانت هي الكارثة التي حلت بهم ..؟!
ومن الذي انتفع حقيقة بها ، أهم المجاهدون أم هم الصليبيون ..؟!
ألم يقل بوش نفسه بادئ ذي بدئ : لا بد من أن يسلم هؤلاء الذين قطعوا وأحرقوا الأمريكان الأربعة ..؟!
ألم يقل [ أرميتاج ] نائب وزير الخارجية حين سئل عما سيصنعون في الفلوجة وذلك قبل الهجوم عليها بيومين : ' إن العالم كله سوف يشهد ما الذي ستفعله القوات الأمريكية بالفلوجة ' ..
ألم يصرح العسكريون الأمريكيون قبل القتال بتصريحات مرعبة ، يريدون من خلالها أن ينصروا بالرعب على بعد أمتار ، ولكن في قلوب مواليهم وموالي الشيطان ..
وقد ظنوا أن الرعب سوف يسري إلى قلوب أهل الفلوجة من خلال قعقعة أسلحتهم ، وهملجة دباباتهم ، وحمم
طائراتهم .. وأن أهل الفلوجة سوف يسلمون مدينتهم بعدما يقدمون أبناءهم وسلاحهم لعدوهم كما يقدمون مفاتيح حصونها المنيعة عن يد وهم صاغرون ..!
لقد حاولوا قبل البدء مراراً لفت الانتباه إلى الصدر ، وتعظيم شأنه وخطره ، وهم أعرف به وبأنصاره ، فأخذوا يعلنون بأن مدينة الصدر محاصرة ، ولكن بكم ... بثلاثة عشر دبابة ! وبينما الفلوجة الصغيرة تحاصر بعشرين ألف جندي بالإضافة إلى الآليات والطائرات والصواريخ ، وأبى الله إلا أن يوقعهم في مكرهم حين بالغوا في استخدام القوة وإسالة الدماء في الشيعة ، فالتف كل ناقم شيعي حول المنفذ الوحيد لقتال الأمريكان وهو الصدر الذي رأى عوام الشيعة وأشرافهم في موقفه فرصة لإزالة العار والنقيصة التي أصابتهم أمام العالم على وجه العموم وأهل السنة العراقيين على وجه الخصوص من رميهم بالجبن والنفاق والموالاة للمحتل ، فتجمع حوله هذا النوع من الشيعة وهم لا يشعرون ..
وابتدأ القصف على الفلوجة وشدد الأمريكان من لهجتهم وزادوا على شروطهم شروطاً وكانوا مثالاً لمن قال الله فيهم [ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط ] ... واستمر القتال ورفض الأمريكان أي حديث عن صلح بينهم وبين الإرهابيين والمجرمين ؟!
وبعدها رضوا بالهدنة في مقابل شروطهم الأربعة الشهيرة ، ثم وافقوا ، بل طلبوا الهدنة بغير شروط ..
ثم بدؤوا الانسحاب فعلياً قبل التوصل إلى أي حل ، وانسحبوا من بعض المواقع المحيطة بالفلوجة
منقووووول
رسالــة من أعمــاق الفلوجــة الباسلـة
بقلم : طالب علم عراقي
مشايخنا الأكابر في هيئة علماء المسلمين في العراق ...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
وبعد :
نحمد الله تعالى أن جعل لأهل العلم هذا المقام الرفيع في قلوب عامة المسلمين في العراق على وجه
مشايخنا الأكابر : روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي رقية تميم بن أوس الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { ' الدين النصيحة ' قلنا : لمن ؟ قال ' لله ولكتابه ، ولرسوله ، ولأئمة المسلمين ، وعامتهم ' }.
ونحن إذ نعتقد أن إجلال أهل العلم من إجلال الأنبياء فذلك لا يعفينا من تقديم النصيحة صريحة دون مجاملة ، فإنه إذا هانت مجاملة أحد على خطأ فإن مجاملة أهل العلم تعد كارثة مضاعفة ...!
فبهلاك العالمِ الواحد يهلك الفئام من الناس ، فكيف إذا أخذت صورة هيئة علمية قيادية شرعية تحمل فتواها صورة الإجماع والمهابة من مخالفته ، والحذر من التفكير في نقضه أو الاعتراض عليه ..؟!
وكيف إذا نابت هيئة العلماء هذه عن أمة الإسلام في مواجهة أو مهادنة أمة الكفر..؟!
فأي موقع يمكن أن يتخذه عالِم أعظم خطراً من موقع يتوقف على فتواه حفظ أو انتهاك ضرورات الإسلام الخمس : الدين ، والنفوس ، والأعراض ، والأموال ، والأجيال ..؟!
إنه موقف أخبار العالمين عن حكم رب العالمين ..!
إنها واقعة اجتمعت فيها العقيدة والشريعة في ذروتيهما ، فكانت ذروة الولاء والبراء في ذروة الصراع بين الكفر والإيمان في ذروة سنام الإسلام ..
فهل يحسد أحد على هذا الموقع في الدنيا ، وعلى هذا الموقف يوم يقول الله لعيسى ابن مريم أمام الناس : [ أأنت قلت للناس .. ]
فما الذي جرى يا مشايخنا الأفاضل ..؟!
ما الذي جرى حتى يقوم الدكتور المكرم رئيس هيئة علماء المسلمين قومه الله تعالى في خطبة الجمعة ويعلنها صريحة ، قوية ... بوجوب مقاطعة البضائع الأمريكية ، ووجوب نصرة المجاهدين في الفلوجة وغيرها ، ووجوب وحدة الصف في هذا القتال المبارك ... ؟!
وما ترك الدكتور من شيء لم يقله ، اللهم إلا كلمة ' وجوب النفير العام من غير أذن أحد ' ... وقام مع الشيخ علماء وخطباء كثر ، وأدركنا أنها مقولة مهيأة لإعلان القتال بالسلاح ، وهذا ما يليق بالدكتور حارث وتاريخه على وجه الخصوص .
وجاءت ليلة السبت لتسلخ خطبة الجمعة ، ويختفي صوت الشيخ إلى اليوم لتعلو فوق صوته أصوات أخرى ، تنقض كلامه وتأخذ مكانه !
وبقي كل مسلم وغير مسلم يتساءل : ما الذي جرى ..؟!
الذي جرى هو أن الأمريكان بعدما أسقط في أيديهم من بأس أهل الفلوجة وإيمانهم ، وتحققوا من الهزيمة المخزية ، وتأكدوا منها بمرور الأيام الأولى حتى باتت أمراً مسلماً به عند جنودهم وبين قادتهم ... هرعوا مسرعين إلى مجلس الحكم الإنتقالي ، إلى أقرب الناس من الجهاد ، ومن عندهم في هذا الموقع يمكن أن يكون له نوع تأثير على أهل السنة في الفلوجة إلا من عقدوا له خرز التاج لمثل هذا اليوم العصيب ... فأبلغوا ' محسن عبد الحميد ' ما يعظم في صدره من قوتهم وبطشهم، وعزيمتهم ... فهرع يدور بدوره الدوار ... إلى مجلس حزبه أن أدركوا الفلوجة قبل أن تنهار ..!
الكارثة ... الكارثة سوف تحل بالفلوجة ..!
سوف تحترق الفلوجة عن بكرة أبيها ..!
لقد أخبرني الأمريكان أنهم مستعدون الآن لضرب الفلوجة بالقنبلة النووية ..!
لا تنسوا يا إخواني ' هيروشيما وناكازاكي ' مع التذكير بالفارق الهائل ما بين تلك القنبلة القديمة وهذه المطورة المدمرة ..!
إنهم أخبروني بأن الرئيس بوش قد فوضنا بذلك ، ونحن لدينا الآن الإستعداد ...
والوقت أمامكم ينفد ...!
وإن من مصلحة الجميع إيقاف القتال ، وأهل الفلوجة ذواتهم يريدون ذلك ، إلا أولئك الذين لا تطيب لهم الحياة إلا بالدماء .. ولا يحسنون التعامل وفق المصالح والمفاسد ، وليسوا من السياسة الشرعية في شيء !
وإن ........!
وإن ....!
وكل هذا مع حسن الظن فيهم ..
هكذا صوروا الأمر 'لمحسنهم '، فصور هو بدوره الأمر لعلمائنا ... ثم بادر ابتداءًَ باستصدار بيان توجيهي حازم بِنَفَسٍ حزبي حازم في قناة الجزيرة لكل من يحمل السلاح جهاداً في سبيل وجوب إيقاف الجهاد هذا فوراً ، هذا والقصف الجوي الأمريكي والصاروخي على أشده ... في وقت كانت الشروط الأمريكية تسليم الأربعة الذين قتلوا الأمريكيين ومثلوا بهم ، وتسليم المجاهدين أنفسهم للأمريكان ...
ولم يعبأ الفلوجيون الكرام ببيان ' الحزب ' ..!
وهنا ألقى بثقل التبعة على هيئة العلماء ... فألقى العلماء بثقلهم في المعركة ، ولكن لإيقاف المجاهدين عن المعركة ..؟!
فماذا كان أمام العلماء وهم يستمعون إلى هذه الهالة الضخمة من الأخطار المحدقة إلا أن يخرجوا مثل هذه الفتوى والمناشدة على عجل والتي يظهر فيها إعادة الأمن والأمان ، وفيها حقن الدماء ، وفيها إعادة الصلاة إلى المساجد ، وفيها إعادة إعمار ما خرب في الفلوجة وفيها ما فيها من مصالح !
دعونا نبتدئ بالمفاوضات وسوف نأخذ منهم ما لا تأخذونه بالقتال ..!
وهنا لا بد لي من وقفات ثلاث مع فتوى علمائنا الكرام ومناشدتهم .
الوقفة الأولى: حقيقــة ما جــرى ...
إن الاعتذار بأن الخسائر فادحة ، والقتلى كثر ، والجرحى أضعاف ذلك لهو اعتذار لا وزن له في ميزان الحكم الشرعي في مثل ظروف تحرير بلد مسلم يأمل بطرد العدو الكافر .
فالجهاد هنا جهاد دفع لا جهاد طلب ، وجهاد رد الصائل لا جهاد دعوة ...
وهذا مختصر لأقوال أهل العلم في مثل هذه الواقعة لا ينبغي أن يكون خافياً على من ألتحق بركبهم واتصف بوصفهم .. مشتاق ما بين الجهادين شتان ..
قال النووي : ' قال أصحابنا : الجهاد اليوم فرض كفاية إلا أن ينزل الكفار ببلد مسلم ، فيتعين عليهم الجهاد ، فإن لم يكن في أهل ذلك البلد كفاية وجب على من يليهم تتميم الكفاية ' شرح النووي على صحيح مسلم 8/64/63.
فإذا كان الجهاد كله في العراق على من فيها من المسلمين فرض عين لنزول الكفار في العراق ، فكيف سيكون الحكم الشرعي وقد قصدوا الفلوجة بعينها من دول العراق المحتل بالحرب والهجوم ..؟!
وهل كان الواجب على العلماء كما قال النووي ' تتميم الكفاية ' أم كان الواجب على العلماء هو إيقاف القتال ..؟!
ويقول القرطبي : ' قد تكون حالة يجب فيها نفير الكل ، وذلك إذا تعين الجهاد بغلبة العدو على قطر من الأقطار أو يحلو له بالعقر ، فإذا كان ذلك وجب على جميع أهل تلك الدار أن ينفروا ويخرجوا خفافاً وثقالاً شباباً وشيوخاً ، كل على قدر طاقته .. من كان له أب بغير إذنه ، ومن لا أب له ، ولا يتخلف أحد يقدر على الخروج من مقاتل أو مكثر ... إلى أن قال ولا خلاف في هذا ' القرطبي 8/ 151
وذكر ابن قدامة بعد ذكر نفس الحكم ذاكراً الدليل حيث قال وذلك لقوله تعالى : [ انفروا خفافاً وثقالاً ] وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ' إذا استنفرتم فانفروا ' .. وقد ذم الله تعالى الذين أرادوا الرجوع على منازلهم يوم الأحزاب فقال تعالى : [ ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا ] المغني لابن قدامة 10/389
فإذا كان علماء الإسلام يقولون إنه واجب على المسلمين فكيف أسقط علماء الهيئة هذا الواجب ، واجب النصرة وواجب النفير إليهم ، وواجب رد الصائل ، كيف أسقطوه عن أنفسهم وعن أهل الإسلام في العراق ، وتحول البعض منهم إلى صنف [ الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا ... ] لو أطاعونا ما دمرت مدينتهم كما قال مكي الكبيسي في خطبة الجمعة بتاريخ 4من ربيع الأول 1425هـ الموافق 23/ 4/ 2004م مشيراً إلى أضرار القتال ونهي أهل الفلوجة عنه ، حيث قال : [ نحن لا نريد تعريض الفلوجة للهدم ، ما هكذا علمنا الإسلام ، الإسلام علمنا أن نتخذ الحكمة ، علمنا أن تجعل عدتك مع حكمتك ، فالعدة من غير الحكمة ربما أورثت دماراً ] .. ولا غرابة إن قال بهذا من ذلّ نفسه أمام المحتل .
عبارات مطاطية لو عرضت على الشافعي لما عرف لها رأساً ولا ذيلاً ، لكن من يعرف واقع القوم وموقفهم يعرف كيف تستخدم اللغة ويخضع الدين في القضاء على الجهاد والمجاهدين لمصلحة الحزب والحزبيين الإسلاميين لفهم مراد الرجل ..!
وبيننا وبينهم قول الله : [ ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدته ولكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين ] ..
هكذا أصبح القتال في سبيل الله مصادماً للحكمة منافياً للعقل ..؟!
لقد كانت الحكمة البشرية فيمن آتاهم الله الحكمة هي كراهية القتال ، لكن أمر الله الحكيم الخبير هو أن قال لهم : [ كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم وأنتم لا تعلمون ] ..
وقال : [ كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون يجادلونك في الحق بعد ما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون ] الأنفال 6
إن المتأمل في فتوى العلماء ومناشدتهم المجاهدين إيقاف الجهاد يستغرب غاية الإستغراب لانعدام الأصل الشرعي الذي اعتمدوا عليه ، اللهم إلا مبدأ الحزبيين الإسلاميين المقدم عند المتحزبين على الكتاب والسنة ... ألا أنه المصلحة أو كما سماها هنا [ مكي الكبيسي ] الحكمة ..؟!
المصلحة التي تقدم على النص الصريح وتخرق إجماع أهل العلم السابق وتحل محله ..!
وإلا كيف يمكن أن نفهم قول الله تعالى في واقعة التقى فيها الكفار والمسلمون كواقعة الفلوجة : [ يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير ] الأنفال 16
والسؤال هنا هو : هل حصلت هذه الملاقاة أم لم تحصل ..؟!
فما العذر المخرج للعالم بفتواه هذه والتي هي أشد من الفرار من الزحف لأنها تقتضيه وزيادة .. ما العذر المخرج لهم من غضب الله وسخطه المذكور في الآية ..؟!
هل كان أهل الفلوجة المقاتلين أقل من الأمريكان ..؟!
قطعاً : لا ...
إذن ألم يكن واجب أهل العلم أن يكاثروهم ويناصروهم ويستصرخوا العراق كله نفيراً لأجلهم .. أم كان واجبهم أن ينيموهم وينيموا أهل العراق عنهم ..؟!
ففي سنن البيهقي عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إن فر رجل من اثنين فقد فر وإن فر من ثلاثة لم يفر .. سنن البيهقي 9/76 .
وفي سنن أبي داوود والترمذي عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ خير الصحابة أربعة ، وخير السرايا أربع مائة وخير الجيوش أربع ألاف ولن يغلب إثنا عشر ألف من قلة ] سنن أبي داوود 2611 صحيح سنن أبي داود 2275
نعم سيحتج أصحاب الحكمة ..! بأن الحرب ما عادت بالأعداد البشرية وإنما بقوة السلاح الفاتك ! ومن الهوان أن يتخطى أهل العلم النصوص الصريحة الصحيحة القاضية بكفالة الله تعالى للمؤمنين المجاهدين بالنصر إن هم أخذوا الأسباب المتيسرة وصدقوا ما عاهدوا الله عليه بينما يذكّرهم بها من لا يملك إلا القليل من العلم والكثير من الغيرة والإيمان من طلاب الفلوجة وعامتهم ، فكيف وقد ثبت المجاهدون في الفلوجة وزحزحوا الأعداء عن مواقعهم التي وطئوها في بلدتهم إلى خارجها ..؟!
كيف والأعداء أنفسهم يعترفون بأن هذا السلاح الفاتك لا يحسم المعارك دائماً ..
يقول بول كنيدي معلقاً على التدخل الأمريكي في فيتنام : [ دلت هذه الحرب على أن التفوق العسكري والإنتاجي الإقتصادي لا يترجم دائماً وبصورة تلقائية إلى فعالية حربية .. فمن الناحية الإقتصادية كانت الولايات المتحدة تمثل من خمسين إلى مائة مثل إنتاجية فيتنام الشمالية ، ومن الناحية العسكرية كانت تمتلك من القوة النيرانية ما يعيد العدو إلى العصر الحجري ، وبقوتها النووية ، كانت لديها القدرة على مسح جنوب شرق آسيا بأسرها ، لكن هذه لم تكن حرباً يكون التفوق فيها لهذه الأشياء ] ...[1]
وليت هؤلاء من أشباه الإسلاميين قد تعلموا من البوذيين الفيتناميين معنى التضحية والفداء والبذل بدلاً من التمييع الذي أبته عجائز فيتنام قبل كهنتها .
وقبل هذا شواهد معارك الإسلام وفتوحاته الكبرى حاضرة أمام الموقنين ، ابتداءً بغزوة بدر ومروراً بفتح الأندلس وانتهاءً بالفلوجة ...
لقد كان الواجب على أهل العلم أن يعملوا بما عمل به عمر رضي الله عنه لو أن أهل الفلوجة فروا [ وحاشاهم ] فقد روى ابن أبي شيبة في مصنفه عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى أن رجلين فرا [ يوم مسكن ] من مغزى الكوفة فأتيا عمر فعيرهما ، وأخذهما بلسانه أخذاً شديداً وقال : فررتما ..؟! وأراد أن يصرفهما إلى مغزى البصرة ، فقالاً يا أمير المؤمنين لا بل ردنا إلى المغزى الذي فررنا منه حتى تكون توبتنا من قبله . مصنف ابن أبي شيبة 15543 ،12 ص538
إذن فمن الذي يجب أن يتوب الآن ..؟! ومن الذي يجب أن يؤخذ بلسانه حتى تسلم منه العراق الجريحة يا أعضاء الحزب الإسلامي .
وأخيراً فيا أهل العلم الكرام : هل تقاس التضحيات الآنية المحدودة العاجلة بمصير الدين ومستقبل الأجيال ..؟!
وهل ترى مصير ثورة الجزائر لو أن هيئة علمائها المعتبرة أفتوا بمثل فتوى هيئة علمائنا الأكارم .. وما نسبة ما قدمه أهل الفلوجة من الأرواح بالنسبة لثلاثة ملايين شهيد جزائري على الصحيح من الأرقام ، فإذا كان عدد سكان الفلوجة يزيد على النصف مليون مع ضواحيها فإنها لم تقدم أكثر من خمسمائة شهيد حسب ما أعلنوا هم وجلهم من النساء والأطفال .. ؟!
يا أهل العلم ماذا سيكون مصير ليبيا ومستقبلها لو أن العالم المجاهد عمر المختار أفتى المجاهدين بإيقاف القتال بناءً على عدم التكافؤ ما بين مجاهدين رجالة وخيالة ببنادق صيد وأسلحة ذاتية في مواجهة دبابات و مجنزرات وطائرات ومناظير وخطط عسكرية وجيوش نظامية ونحو ذلك ..؟!
وهل كانت فيتنام ستطرد القوات الأمريكية لو أن أولي الرأي فيها نظروا مثل نظرتنا هذه أم أنها ستبقى كأي مستعمرة من المستعمرات الأمريكية أو المستعمرات البريطانية المستعبدة إلى اليوم ..؟!
لقد قدم الفيتناميون خمسة ملايين من الأرواح غير القرى التي هدمت ، والمزارع والغابات التي أحرقت ، ولقد استخدمت ضدهم مختلف الأسلحة المسموحة والمحرمة ، فما رضخوا وما استكانوا ، هذا وأمريكا يومها تملك الآلاف من القنابل الذرية ، وقد هددت باستخدامها ، لكن عزيمة الفيتناميين كانت أكبر من تهديدات الأمريكان ...
واستمروا في قتالهم إلى أن طردوا الأمريكان وجعلوهم ذكرى موجعة ومثلاً ساخراً للأجيال الأمريكية تلاحقها بالهزيمة المخزية إلى أن تزول هذه الإمبراطورية المتجبرة ..
ثم ألم تكن روسيا تملك الآلاف من القنابل الذرية يوم أن أُخرجت من أفغانستان تجر أذيال الخيبة والخزي والعار .. فلماذا لم تنقذ نفسها بعشرة قنابل كل واحدة على مدينة أفغانية ..؟!
ولماذا لم يفكر المجاهدون بهذا التفكير فيفاوضوا بابرك كارمل أو تراقي أو غيره من المرتدين الأفغان الذين عينهم الروس عليهم كما عين الأمريكان هذا المحسن لهم ، ومجلس الزندقة ..؟!
نحن لا نريد أن نتطرق لقضية إسلام أو كفر من انضم للمجلس الإنتقالي ثم تدخل باسم الإسلام لإيقاف القتال ، وإيقاع الهدنة ، ولكن من المعلوم أن قضية الإسلام والكفر ليست قضية أسماء أو خطابات ، ولا هي بالتحدث بإسم الإسلام أو عن حزب الإسلام أو تقديم خدمات جزئية للمسلمين من خلال موقعه في المجلس .. فوالله ما كان عبد الله بن أبي سلول يلبس لباس الكافرين ، ولا كان يخلع العمامة ويلبس القبعة ، وما كان يتخلف عن صلاة الجماعة ، ولا عن الغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وعموم المنافقين وكان اسمه خير الأسماء ... ومع هذا فقد كانت مواقفه في ساحة القتال هذه كفيلة بأن ينزل الله فيه حكم الولاء للكافرين وأنه منهم ، وأنه رأس النفاق .. وتبقى الآية عامة : [ ومن يتولهم منكم فإنه منهم ] وما أشبه الليلة بالبارحة ..
لقد حاد عبد الله ابن أبي سلول بأصحابه في غزوة أحد عن الجهاد بعدما خرجوا للمعركة وأوشك القتال على الإبتداء ...
وهذه من ثمرة الجهاد في كل وقت ، فما كانت تستره أيام الرخاء وأحاديث الصباح والمساء ، يكشفه الجهاد بجلاء ... إن نار التمحيص تغلي على نار الجهاد بقدر الدماء ..
قال الله تعالى : [ قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون ] آل عمران 137ـ143
ولقد أسقط في أيدي اليهود حين ثار الشعب الفلسطيني في انتفاضته الأولى ، شعر كل إسرائيلي بأن فلسطين لن تبق له ولن يبق فيها ... فهرع اليهود آنذاك كما هرع الأمريكان اليوم إلى صنيعتهم من بني جلدة الفلسطينيين أنفسهم وكان لهم ما أرادوا ...
وحوادث فلسطين هذه خير شاهد على واقع العراق هذا ...
بل إن هؤلاء لا يصلون حتى إلى مستوى عرفات ..؟!
إن المجلس الانتقالي بكل ما فيه ومن فيه كان هو العدة التي أعدها الأمريكان لأيام النوائب الأيام التي لا تؤثر فيها العصا الأمريكية في الظهور العراقية ، ولا يصغي فيها الشعب العراقي لأمر أبي ناجي ، ولا تطول فيها اليد الأمريكية الزمام العراقي ... فكان المجلس لها ، وهذا ما قام به المجلس ..
فأهل التشيع ذهبوا إلى أصحابهم وأهل السنة ذهبوا إلى أصحابهم .. فما كان يؤديه چلبيهم بقمبره هناك كان يؤديه محسنهم بحاجمه هنا ... حتى أعادوا لأمريكا ما أرادت وأعادوا البلاد إلى ما كانت، وأسلموا الزمام إليها بعدما أفلتت من يديها ..
وما كانت الغاية الخفية لهؤلاء الإسلاميين المتحزبون إلا ما كانوا يعتقدون من أن المجاهدين لن يثبتوا فضلاً عن أن ينتصروا ، فأرادوا أن تكون لهم يداً عند الكافرين وخط رجعة عند المسلمين ..
فمن كان يظن أن أهل الفلوجة سوف يثبتون كل هذا الثبات ، وما أشبه ما قال الله تعالى عن أولئك مع ما حدث مع هؤلاء حيث قال سبحانه : [ الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين فالله يحكم بينكم يوم القيامة ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ] النساء 141
ولو أنهم علموا أن النصر والذكر الحسن سوف يكون للمجاهدين لم يترددوا لحظة أن يعلنوا موقفهم مع المجاهدين .. وصدق الله إذ قال : [ بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا وزين ذلك في قلوبكم وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا ] ..
ومن اضطرب منهم من توقعاته علق عضويته ولم يقدم استقالته خشية عودة الأمور بيد الأمريكان .. وإسلاميون متحزبون حسبوا لأنفسهم مقاماً عند الأمريكان ومقاماً عند الأمريكان فهددوا بموقف مجهول ومؤثر ، ولم يتأثر الأمريكان بكلامهم إنما تأثروا بثبات المجاهدين وعندها أرخصوهم في التدخل بعدما عجزوا وأرخصوهم في الموقف المبتذل لممارسة دور إنقاذ أمريكا من الغرق ..
وهذه سنة ماضية في تخطيط المنافقين ...' فلقد ذكر ابن إسحاق و الواقدي وغيرهما أن عبد الله بن أبي سلول أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن أمكنه الله من اليهود ، وكتفهم المسلمون انتظاراً لحكمه صلى الله عليه وسلم فيهم فقال : يا محمد : أحسن في موالي ـ وكانوا حلفاء الخزرج ـ قال : فأبطأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد : أحسن في موالي ، قال : فأعرض عنه ، فأدخل ابن أبي سلول يده في جيب درع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أرسلني ، وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأوا لوجهه ظللاً[2] ، ثم قال : ويحك أرسلني ، قال : لا والله ، لا أرسلك حتى تحسن في موالي أربع مائة حاسر وثلاث مائة دارع ، قد منعوني من الأحمر والأسود ، تحصدهم في غداة واحدة ؟ إني والله امرؤ أخشى الدوائر ، قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هم لك [3]...'
الوقفة الثانية : القنبلة الذريـة ... الفلوجــة
هب أن أمريكا نفذت ما هددت به من ضرب الفلوجة بالقنبلة الذرية ، فهل كان هذا سيوقف الإنتفاضة العراقية العارمة ... أم سيزيدها اشتعالاً في وقت لم تكن بحاجة لمزيد اشتعال ..؟!
إذاً فهؤلاء الإسلاميون المتحزبون لا يعرفون العراق ولا العراقيين ؟ وهذا من تلوث القلب بلوثة الولاء للكافرين ثمناً للجنسية الأمريكية والولاء للأمة الأمريكية .
وها هم أصحاب ذات الحزب العراقيين يأخذون على يد المجاهدين ، ويوقفونهم عن ضرب أمريكا حين ابتدأت ، إثباتاً لولائهم للأمة الأمريكية ومحافظة على الجنسية الأمريكية ..!
ثم هل ذهاب الفلوجة ثمن كبير على تطهير العراق كله من الأمريكان ، واليهود ، وعملائهم ؟!
بالله عليكم : هل أهل الفلوجة جميعاً خير أم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال الله تعالى فيه : [ وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين ] آل عمران 144-148
إن الإرتداد هنا هو بترك الإسلام أو ترك الجهاد ، إذ حضرت أسبابه وانتفت موانعه ..
يقول ابن جرير الطبري ج3 في تفسير هذه الآية :
' انتهى أنس بن النصر ـ عم أنس بن مالك ـ إلى عمر ، وطلحة بن عبيد الله ، في رجال من المهاجرين والأنصار وقد ألقوا بأيديهم ، فقال : ما يجلسكم ؟ قالوا : قتل محمد رسول الله ! قال : فما تصنعون بالحياة بعده ؟ قوموا فموتوا على مات عليه رسول الله ! واستقبل القوم فقاتل حتى قتل ، وبه سمي أنس بن مالك ' .
' وعن مجاهد قال : ألقي في أفواه المسلمين يوم أحد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قتل فنزلت هذه الآية : ' وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ' الآية .
لقد كانت الحقيقة على النقيض مما صورها الأمريكان ، وقد كان العالم كله يعرف الحقيقة إلا من التصق بالأمريكان وأوحوا في قلبه وسمعه ما أوحوا ..
لقد أدرك العالم كله ـ وأول من أدرك ذلك هم قادة أمريكا أنفسهم ـ أن أمريكا العظمى بدخولها الحرب في الفلوجة الصغرى ... قد مدت عنقها على نطع الفلوجة ومقصلتها وأنها في أيامها الأخيرة ، وقد حبست أنفاسها لضربة السياف ليفلجها في الفلوجة بعدما فلج تحالفها في العالم ، وقد بلغ قلبها حنجرة رأسها ، حتى صرخ متولي كبرها رامسفيلد أنها أيام عصيبة واختفى بوشها عن الأنظار ، وقال أتعس القوم ، مدركاً خطورة النتيجة ، واقتراب النهاية ـ بلير ـ أنها معركة تاريخية ، ويجب أن تنتصر أمريكا وحلفاؤها ..
وتنادى رؤساء التحالف أن امشوا واصبروا على موقفكم رغم ما أصابكم فإما أن نكون أو لا نكون ..؟!
فكانت تلك الفتوى طوق النجاة للإمبراطورية التي ملأت الأرض ظلماً وجورا ..
وهذا ليس بالأمر الخافي على أحد وإلا فهل لجأ الأمريكان للصلح وهم قادرون على تحقيق النصر النهائي واحتلال الفلوجة ..؟!
وهل تظنون أن المجلس الانتقالي والحزب ' الإحساني ' استطاع التدخل بقوته وتهديداته أم بقوة المجاهدين بعد قوة الله ؟ وهل كان يمكن أن تفتح له القنوات لو لم يطلب منه ذلك بطريق مباشر أو غير مباشر ..؟!
وهل تعتقدون أن أمريكا وفية على شروط الهدنة ..؟!
وهل ستعجز أمريكا على إيجاد المبررات الكافية لنقض عهود المسلمين ..؟!
وهل طلب أمريكا من إيران التدخل إلا خطوة أولى في قلب ظهر المجن لكم ..؟!
وهل سترقب إيران فيكم إلاً أو ذمة إن هي استطاعت ذلك .. أم أنها ستتورع عن إدخال جيش من عندها بلباس عراقي لقتال أهل السنة وقد فعلت ذلك في أفغانستان واعترفت به بعد ذلك .. فكيف ولا زال عفن جثثهم يفوح من مقابرهم الجماعية في كل مكان ولله الحمد والمنة ..؟!
إذن فليتلألأ الصليب ، على ضوء نار المجوسية في ربوع الهلال الخصيب ، ولتزهوا عقيدة النجمة على معتقدات اللطم والشتم والنقمة ..؟!
أيها العلماء الأكارم : كان بإمكانكم أن ترجعوا لقادة المقاومة في الميدان قبل أن تصدروا حكماً غيابياً ، ولا شك أنكم اليوم قد التقيتم بعضهم فعرفتم الحقيقة جيداً ..
إن الواقع الذي نعرفه وعشناه من الداخل في ليله ونهاره على نقيض ما صوره الأمريكان لكم بطريق محسنهم .. بل إن الواقع الذي تحدثت منه وكالات الأنباء ، وما تحدثت إلا عن بعضه كان على النقيض من مقتضى فتواكم ..!
الواقع الذي جعل الجيش الأمريكي يفر بروحه من أرض المعركة زرافات ووحداناً !
الواقع الذي أرانا كيف ألغى المجاهدون سلاح المروحيات الفتاك من المعركة ..؟!
الواقع الذي شهد بأن حصاراً قد أطبق على القوات الأمريكية المحاصرة للفلوجة !
فالطرق البرية المؤدية للفلوجة مقطوعة على الأمريكان بنسبة 100% والمروحيات المقاتلة والناقلة للمؤن لا تستطيع الطيران بعدما استمر فيها الإسقاط .. والقوات التحالفية في المدن العراقية القريبة لا تملك نجدتها لأنها لم تعد تملك المحافظة على أرواحها ... وبقية القوات التي كانت في مأمن ولم تذق طعم الرعب من قبل ذاقته كأمر ما يكون ... ومن قرأ للعلمانيين المجاورين للعراق ، عرف مقدار الرعب الذي عبر الحدود فأربك أقلامهم وأرعش أقدامهم وأجرى على الأمريكان دموعهم ..!
إنه الواقع الذي جعل العراق كله يرتج و يمور ، ويموج ثم يهيج ... فيتحول كله من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه إلى فلوجة تتفلج غيظاً وتتفجر بركاناً ..
فسارت مواكب المجاهدين في أشكال مسيرات جهادية مشياً على الأقدام من بغداد إلى الفلوجة ، وانحدرت من محافظات الأنبار إلى قلب الأنبار الفلوجة .. أسود تتلظى كما تتلظى البراكين غيرة على عرينها إذا هوجم ، ونصرة لأهلها إذا ضيموا .
وأصبحت أمنية كل صغير وشاب عراقي هو قطعة سلاح يزين بها ساعده ، ويعذر فيها إلى ربه ، ويعبر فيها عن نصرته ، وينفذ في زنادها شهاباً ثاقباً من منجم قلبه المتفجر ..
وسقطت يومها مظاهرات العداوات القديمة ما بين عوام الشيعة وكبارهم بين وأهل السنة .. وانشق صف الشيعة على أعلى المستويات وأكبر المرجعيات ، وتعرت أمام عوام الشيعة حقائق الدعاوى ونفاق الأئمة .
وفرّ الجنود البريطانيون من شوارع البصرة الداخلية ، ولجئوا للخطوط الخارجية ...
واختفى الأسبان والإيطاليون من المدن ، وظهر أن البلاد قد تطهرت منهم ..
وقد كانت هذه هي الخطوة الأولى المعتادة في تحرير كل بلد من المستعمر ، ولم يبق إلا أن يفروا إلى خارج البلاد ويعلنوا الهزيمة الكبرى بصيغة إعلامية مخصوصة أو مفضوحة ..!
فهل كانت هذه الهدنة انجازاً أم كانت كارثة ..؟!
وهل كان في صالح الفلوجة أم كانت هي الكارثة التي حلت بهم ..؟!
ومن الذي انتفع حقيقة بها ، أهم المجاهدون أم هم الصليبيون ..؟!
ألم يقل بوش نفسه بادئ ذي بدئ : لا بد من أن يسلم هؤلاء الذين قطعوا وأحرقوا الأمريكان الأربعة ..؟!
ألم يقل [ أرميتاج ] نائب وزير الخارجية حين سئل عما سيصنعون في الفلوجة وذلك قبل الهجوم عليها بيومين : ' إن العالم كله سوف يشهد ما الذي ستفعله القوات الأمريكية بالفلوجة ' ..
ألم يصرح العسكريون الأمريكيون قبل القتال بتصريحات مرعبة ، يريدون من خلالها أن ينصروا بالرعب على بعد أمتار ، ولكن في قلوب مواليهم وموالي الشيطان ..
وقد ظنوا أن الرعب سوف يسري إلى قلوب أهل الفلوجة من خلال قعقعة أسلحتهم ، وهملجة دباباتهم ، وحمم
طائراتهم .. وأن أهل الفلوجة سوف يسلمون مدينتهم بعدما يقدمون أبناءهم وسلاحهم لعدوهم كما يقدمون مفاتيح حصونها المنيعة عن يد وهم صاغرون ..!
لقد حاولوا قبل البدء مراراً لفت الانتباه إلى الصدر ، وتعظيم شأنه وخطره ، وهم أعرف به وبأنصاره ، فأخذوا يعلنون بأن مدينة الصدر محاصرة ، ولكن بكم ... بثلاثة عشر دبابة ! وبينما الفلوجة الصغيرة تحاصر بعشرين ألف جندي بالإضافة إلى الآليات والطائرات والصواريخ ، وأبى الله إلا أن يوقعهم في مكرهم حين بالغوا في استخدام القوة وإسالة الدماء في الشيعة ، فالتف كل ناقم شيعي حول المنفذ الوحيد لقتال الأمريكان وهو الصدر الذي رأى عوام الشيعة وأشرافهم في موقفه فرصة لإزالة العار والنقيصة التي أصابتهم أمام العالم على وجه العموم وأهل السنة العراقيين على وجه الخصوص من رميهم بالجبن والنفاق والموالاة للمحتل ، فتجمع حوله هذا النوع من الشيعة وهم لا يشعرون ..
وابتدأ القصف على الفلوجة وشدد الأمريكان من لهجتهم وزادوا على شروطهم شروطاً وكانوا مثالاً لمن قال الله فيهم [ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط ] ... واستمر القتال ورفض الأمريكان أي حديث عن صلح بينهم وبين الإرهابيين والمجرمين ؟!
وبعدها رضوا بالهدنة في مقابل شروطهم الأربعة الشهيرة ، ثم وافقوا ، بل طلبوا الهدنة بغير شروط ..
ثم بدؤوا الانسحاب فعلياً قبل التوصل إلى أي حل ، وانسحبوا من بعض المواقع المحيطة بالفلوجة
منقووووول