الفرقاني
15-07-2005, 04:51 PM
معالم تصدع الجبهة الأمريكية تجاه العراق المحتل
بقلم: علي حسين باكير
معادلتان قائمتان في إطار متضاد ومتصارع: الأولى هي المعادلة الأمريكية التي تربط قدرة الولايات المتحدة الأميركية على الاستمرار في احتلال العراق وفرض سيطرتها عليه بمدى نجاحها في القضاء على المقاومة الضاربة التي تواجه قواتها وتكبدها خسائر جسيمة.
أما المعادلة الثانية فهي معادلة المقاومة العراقية التي يرتبط نجاحها في الحاق الهزيمة بالجيش الأميركي بقدرتها على استنزافه على نحو يؤدي إلى تصديع الجبهة الداخلية الأميركية على الصعيدين السياسي والاجتماعي، وإلحاق خسائر مالية ومادية في الأرواح والعتاد به تضطره معها الى الانسحاب.
في إطار هاتين المعادلتين، يبرز التناقض ما بين قائل إن القوات الأمريكية تسيطر على الوضع في العراق وأن العملية السياسية تتقدم وأن "المتمردين" ينهارون، وما بين ناقل إن القوات الأمريكية تستنزف، وأن العملية السياسية تنهار وأن الوضع في العراق يذهب إلى أن يصبح جحيما للأمريكيين ومن معهم.
* قراءة فيما يحصل في العراق منذ بدء الاحتلال عبر المعطيات والوقائع:
في سياق التعرف على حقيقة الوضع ومجريات الحرب في العراق منذ بدء الاحتلال الأمريكي، كان لا بدّ لنا من الاستعانة بالمعطيات والوقائع التي تعكس حقيقة ما يجري، فوجدناها تقول:
إن القوات الأميركية لم تتمكن من إحكام سيطرتها على الوضع، وهي تخوض حرباً حقيقة في كل أنحاء العراق، وتواجه ظروفا قاسية لم تكن في حساب المخططين في البنتاغون الأميركي الذين صوروا الحرب كنزهة سوف تنتهي سريعاً في تحقيق أهدافها وانسحاب معظم القوات الأميركية، فهناك شبه اتفاق لدى مراكز الدراسات والباحثين والمحللين والسياسيين على أن القوات الأميركية وقعت في ورطة حقيقية يهدد الاستمرار والغرق فيها، بتكرار عقدة فيتنام بصورة أكبر، نتيجة التقديرات الخاطئة وعدم السماع إلى آراء الآخرين وتحذيراتهم من خوض حرب بالاستناد إلى معطيات غير صحيحة، كان من بينها:
أولا: الخطط التي وضعت كانت متسرعة وتستند إلى تقديرات خاطئة عن الوضع العراقي، وقللت من حجم المقاومة التي ستواجه القوات الأميركية، وصورت أن الشعب العراقي بغالبيته سوف يقف إلى جانب الولايات المتحدة لتحقيق ما يسمى بالديمقراطية.
ثانيا: استمرت الإدارة الأميركية في التقليل من شأن المقاومة وقدراتها وإمكاناتها على الاستمرار وخوض حرب عصابات متطورة، وفي هذا الاطار قال السناتور الجمهوري "لينزي غراهام" لمحطة سي بي اس: "إن التمرد حي وفي حالة جيدة، لقد قللنا من تقديرنا لقدرته على الاستمرار، والإدارة كانت بطيئة في التكيف عندما تعلق الأمر بدعم قواتنا".
ثالثا: انكشاف عدم صدقية الادعاءات التي خيضت الحرب بحجتها حيث ثبت عدم وجود أسلحة الدمار الشامل وقدرة العراقيين على صنع سلاح نووي..
أضف إلى كل ذلك أن الفاتورة المرتفعة ماديا وبشرياً التي تدفعها الولايات المتحدة نتيجة المقاومة الشرسة التي تواجه قواتها، فالخسائر البشرية بلغت أرقاما لم تكن واشنطن تتوقع أن تصل إلى هذا الحد. فحسب الاعترافات الرسمية، فإن أعداد القتلى في صفوف الجنود الأميركيين بلغت أكثر من ألف وسبعمئة جندي، في حين أن عدد الجرحى الذين خرجوا نهائيا من المعركة لأنهم أعطبوا، ناهز الـ 12 ألف جندي، وهذه الأرقام لا تشمل الجنود المرتزقة.
أما الخسائر المادية فإنها إزدادت أضعاف ما كان مقدراً، فالانفاق تجاوز الـ 5 مليارات شهرياً، بعدما كان مقدراً في السابق بـ 4 مليارات ولفترة زمنية محدودة، فإذا بالأمر يرتفع والفترة تطول، وهو ما أدى إلى انعكاسات سلبية على الخزانة الأميركية.
* انتهت المعركة مع الجيش العراقي، ولكن الحرب بدأت مع المقاومة:
لقد بدى واضحاً بعد أكثر من سنتين على احتلال القوات الأميركية للعراق، أن الحرب لم تنته بل هي في تصاعد مستمر، حتى إن العديد من المحللين العسكريين يرون أن الحرب الحقيقية بدأت بعد احتلال العراق حيث يواجه الجيش الأميركي حرب مقاومة من النوع المتقدم، ما جعله عاجزاً عن تحقيق النصر الذي يمكنه من القول إنه حقق المهمة التي كلف بها من قبل قادة البنتاغون في الإدارة الأميركية. ولا تنبئ كل الجهود الأميركية بوجود أفق لوضع حد للمقاومة في وقت قريب، وقد عبر عن ذلك الرئيس جورج بوش بالقول إن الوضع في غاية الصعوبة، فيما قدّر رئيس أركان الجيوش الأميركية عن الحاجة إلى تسع سنوات للسيطرة على التمرد، في حين تشير كل تطورات الأحداث إلى أن الخطط العسكرية والسياسية التي نفذتها واشنطن لانهاء المقاومة قد باءت بالفشل، ومن شواهدها:
اقتحام مدينة الفلوجة ومن ثم مدينة القائم وأخيراً عملية البرق في بغداد والرمح وغيرها من العمليات، إلى جانب مواصلة العمليات العسكرية في جميع المدن والبلدات الأخرى لم تؤد إلى القضاء على المقاومة أو اضعافها، كما كان يعتقد، بل على العكس أدت إلى تصاعدها على نحو كبير على الرغم من أن القوات الأميركية قد استعانت بقوات الحرس الوطني والشرطة العراقية في عملية البرق (40 ألف جندي عراقي)، حيث أظهرت الوقائع أن المقاومة تمكنت من استيعاب هذه العملية وشنت ما يشبه عملية "رعد مضادة"، تجلت في تكثيف هجماتها، وهو ما تبين من حصيلة القتلى الأميركيين الذين سقطوا خلال شهر أيار الماضي والذين بلغوا 80 جندياً حسب الاعترافات الرسمية، وقد أدى ذلك إلى فشل محاولات واشنطن في بناء سلطة وجيش عراقيين للتخفيف من حجم الاستنزاف الذي تتعرض له القوات الأميركية أو لتمويه وجود الاحتلال وتحويل الصراع ليصبح عراقياً عراقياً ليكون الجندي العراقي كبش فداء فيما تستريح قواتها، أي ما عرف بمصطلح "عرقنة" المعركة، بحيث تصبح وظيفة القوات الأميركية دعم قوات الحكومة العراقية الموالية لها، ومثل هذا الفشل يعود إلى تكتيك المقاومة الذي اعتمد على إستراتيجية توجيه ضربات قاسية وقوية للقوات العراقية التي يجري بناؤها والحيلولة دون أن يقوى عودها، ودفع العراقيين إلى عدم الالتحاق بها، فيما جرى استهداف مدروس لأبرز الرموز المتعاملة مع الاحتلال.
انطلاقاً من ذلك، يبدو واضحاً أن المقاومة من خلال التكتيكات التي اعتمدتها أحبطت الخطة الأميركية العسكرية والسياسية، وحالت دون تمكن القوات الأميركية من الشعور بالأمان والاستقرار لتنفيذ مخططها لاحتلال العراق وتحويلة إلى منصة لتغيير خريطة المنطقة، الأمر الذي أظهر فشل واشنطن وسيادة مناخ متزايد بعجزها وعدم قدرتها على فرض سيطرتها.
* نقل المعركة في العراق إلى الداخل الأمريكي:
إن عدم نجاح واشنطن في تحقيق ما وعدت به الأميركيين، من الانتهاء سريعا من الحرب وإعادة الجنود إلى بلادهم، وارتفاع أعداد القتلى والجرحى في صفوفهم وازدياد الانفاق العسكري إلى جانب تزايد الخوف من الغرق في فيتنام جديدة، أدى إلى تصدع الجبهة الأميركية الداخلية ونقل الصراع إلى داخل الولايات المتحدة، حيث بدأ السجال يحتدم حول جدوى الاستمرار في البقاء في العراق وسط ارتفاع الأصوات المطالبة بالانسحاب من هناك، وهو ما يعتبر نجاحاً كبيراً للمقاومة بعد عامين فقط من الاحتلال. وقد برزت مؤشرات التصدع الأميركي على الشكل التالي:
1. ظهور رغبة لدى غالبية الأميركيين (59%) بانسحاب كامل أو جزئي للقوات الأميركية من العراق حسب استطلاع للرأي أجرته صحيفة " يو أس تو داي"، حيث أيد ستة من كل عشرة أميركيين الانسحاب من العراق.
2. انخفاض نسبة شعبية جورج بوش، حيث قال استطلاع للرأي أجرته صحيفة "نيويورك تمايز" وشبكة "سي بي اس نيوز" ان نسبة من يوافقون على سياسة بوش انخفض إلى 42 %.
3. تقديم أربعة نواب من الحزبين الجمهوري والديمقراطي مشروع قانون في الكونغرس يطالب بتحديد جدول زمني للانسحاب من العراق، واللافت في ذلك حصول انقلاب في موقف نواب جمهوريين كانوا من أشد المتحمسين لقرار الرئيس الأميركي جورج بوش بشن الحرب، حيث ان ابرز الموقعين على مشروع القانون هو الجمهوري ولتر جونز الذي قال: "أعطيت صوتي لقرار إرسال القوات واشعر أننا فعلنا كل ما في وسعنا".
4. إقرار مدير عمليات الأركان المشتركة في الجيش الأميركي الجنرال جيمس كونواي بأن المؤشرات على انخفاض الدعم الشعبي للحرب في العراق تثير القلق، وقال: "ان الفيتناميين أدركوا ما يدركه عدونا الحالي وهو أن الرأي العام الأميركي هو مركز القوة وأن بلدا ديمقراطياً لا يمكن أن يفعل أموراً محددة لا تحظى بدعم المواطنين"..
إن هذه المؤشرات على بدء التصدع في الجبهة الأميركية الداخلية، من المرحج أن تضغط من الآن وصاعدا على إدارة جورج بوش، خصوصاً كلما نقلت الأنباء المزيد من سقوط القتلى الأميركيين في العراق والفشل في الحد من عمليات المقاومة. وسيتصاعد معها حجم الاعتراض داخل الكونغرس والمجتمع الأميركي على الاستمرار في هذه الحرب، ما يزيد من الضغط للخروج من العراق خوفا من تكرار الغرق في حرب مماثلة لحرب فيتنام والتي بدأت نذرها تلوح بالأفق منذ الآن.
علي حسين باكير
بقلم: علي حسين باكير
معادلتان قائمتان في إطار متضاد ومتصارع: الأولى هي المعادلة الأمريكية التي تربط قدرة الولايات المتحدة الأميركية على الاستمرار في احتلال العراق وفرض سيطرتها عليه بمدى نجاحها في القضاء على المقاومة الضاربة التي تواجه قواتها وتكبدها خسائر جسيمة.
أما المعادلة الثانية فهي معادلة المقاومة العراقية التي يرتبط نجاحها في الحاق الهزيمة بالجيش الأميركي بقدرتها على استنزافه على نحو يؤدي إلى تصديع الجبهة الداخلية الأميركية على الصعيدين السياسي والاجتماعي، وإلحاق خسائر مالية ومادية في الأرواح والعتاد به تضطره معها الى الانسحاب.
في إطار هاتين المعادلتين، يبرز التناقض ما بين قائل إن القوات الأمريكية تسيطر على الوضع في العراق وأن العملية السياسية تتقدم وأن "المتمردين" ينهارون، وما بين ناقل إن القوات الأمريكية تستنزف، وأن العملية السياسية تنهار وأن الوضع في العراق يذهب إلى أن يصبح جحيما للأمريكيين ومن معهم.
* قراءة فيما يحصل في العراق منذ بدء الاحتلال عبر المعطيات والوقائع:
في سياق التعرف على حقيقة الوضع ومجريات الحرب في العراق منذ بدء الاحتلال الأمريكي، كان لا بدّ لنا من الاستعانة بالمعطيات والوقائع التي تعكس حقيقة ما يجري، فوجدناها تقول:
إن القوات الأميركية لم تتمكن من إحكام سيطرتها على الوضع، وهي تخوض حرباً حقيقة في كل أنحاء العراق، وتواجه ظروفا قاسية لم تكن في حساب المخططين في البنتاغون الأميركي الذين صوروا الحرب كنزهة سوف تنتهي سريعاً في تحقيق أهدافها وانسحاب معظم القوات الأميركية، فهناك شبه اتفاق لدى مراكز الدراسات والباحثين والمحللين والسياسيين على أن القوات الأميركية وقعت في ورطة حقيقية يهدد الاستمرار والغرق فيها، بتكرار عقدة فيتنام بصورة أكبر، نتيجة التقديرات الخاطئة وعدم السماع إلى آراء الآخرين وتحذيراتهم من خوض حرب بالاستناد إلى معطيات غير صحيحة، كان من بينها:
أولا: الخطط التي وضعت كانت متسرعة وتستند إلى تقديرات خاطئة عن الوضع العراقي، وقللت من حجم المقاومة التي ستواجه القوات الأميركية، وصورت أن الشعب العراقي بغالبيته سوف يقف إلى جانب الولايات المتحدة لتحقيق ما يسمى بالديمقراطية.
ثانيا: استمرت الإدارة الأميركية في التقليل من شأن المقاومة وقدراتها وإمكاناتها على الاستمرار وخوض حرب عصابات متطورة، وفي هذا الاطار قال السناتور الجمهوري "لينزي غراهام" لمحطة سي بي اس: "إن التمرد حي وفي حالة جيدة، لقد قللنا من تقديرنا لقدرته على الاستمرار، والإدارة كانت بطيئة في التكيف عندما تعلق الأمر بدعم قواتنا".
ثالثا: انكشاف عدم صدقية الادعاءات التي خيضت الحرب بحجتها حيث ثبت عدم وجود أسلحة الدمار الشامل وقدرة العراقيين على صنع سلاح نووي..
أضف إلى كل ذلك أن الفاتورة المرتفعة ماديا وبشرياً التي تدفعها الولايات المتحدة نتيجة المقاومة الشرسة التي تواجه قواتها، فالخسائر البشرية بلغت أرقاما لم تكن واشنطن تتوقع أن تصل إلى هذا الحد. فحسب الاعترافات الرسمية، فإن أعداد القتلى في صفوف الجنود الأميركيين بلغت أكثر من ألف وسبعمئة جندي، في حين أن عدد الجرحى الذين خرجوا نهائيا من المعركة لأنهم أعطبوا، ناهز الـ 12 ألف جندي، وهذه الأرقام لا تشمل الجنود المرتزقة.
أما الخسائر المادية فإنها إزدادت أضعاف ما كان مقدراً، فالانفاق تجاوز الـ 5 مليارات شهرياً، بعدما كان مقدراً في السابق بـ 4 مليارات ولفترة زمنية محدودة، فإذا بالأمر يرتفع والفترة تطول، وهو ما أدى إلى انعكاسات سلبية على الخزانة الأميركية.
* انتهت المعركة مع الجيش العراقي، ولكن الحرب بدأت مع المقاومة:
لقد بدى واضحاً بعد أكثر من سنتين على احتلال القوات الأميركية للعراق، أن الحرب لم تنته بل هي في تصاعد مستمر، حتى إن العديد من المحللين العسكريين يرون أن الحرب الحقيقية بدأت بعد احتلال العراق حيث يواجه الجيش الأميركي حرب مقاومة من النوع المتقدم، ما جعله عاجزاً عن تحقيق النصر الذي يمكنه من القول إنه حقق المهمة التي كلف بها من قبل قادة البنتاغون في الإدارة الأميركية. ولا تنبئ كل الجهود الأميركية بوجود أفق لوضع حد للمقاومة في وقت قريب، وقد عبر عن ذلك الرئيس جورج بوش بالقول إن الوضع في غاية الصعوبة، فيما قدّر رئيس أركان الجيوش الأميركية عن الحاجة إلى تسع سنوات للسيطرة على التمرد، في حين تشير كل تطورات الأحداث إلى أن الخطط العسكرية والسياسية التي نفذتها واشنطن لانهاء المقاومة قد باءت بالفشل، ومن شواهدها:
اقتحام مدينة الفلوجة ومن ثم مدينة القائم وأخيراً عملية البرق في بغداد والرمح وغيرها من العمليات، إلى جانب مواصلة العمليات العسكرية في جميع المدن والبلدات الأخرى لم تؤد إلى القضاء على المقاومة أو اضعافها، كما كان يعتقد، بل على العكس أدت إلى تصاعدها على نحو كبير على الرغم من أن القوات الأميركية قد استعانت بقوات الحرس الوطني والشرطة العراقية في عملية البرق (40 ألف جندي عراقي)، حيث أظهرت الوقائع أن المقاومة تمكنت من استيعاب هذه العملية وشنت ما يشبه عملية "رعد مضادة"، تجلت في تكثيف هجماتها، وهو ما تبين من حصيلة القتلى الأميركيين الذين سقطوا خلال شهر أيار الماضي والذين بلغوا 80 جندياً حسب الاعترافات الرسمية، وقد أدى ذلك إلى فشل محاولات واشنطن في بناء سلطة وجيش عراقيين للتخفيف من حجم الاستنزاف الذي تتعرض له القوات الأميركية أو لتمويه وجود الاحتلال وتحويل الصراع ليصبح عراقياً عراقياً ليكون الجندي العراقي كبش فداء فيما تستريح قواتها، أي ما عرف بمصطلح "عرقنة" المعركة، بحيث تصبح وظيفة القوات الأميركية دعم قوات الحكومة العراقية الموالية لها، ومثل هذا الفشل يعود إلى تكتيك المقاومة الذي اعتمد على إستراتيجية توجيه ضربات قاسية وقوية للقوات العراقية التي يجري بناؤها والحيلولة دون أن يقوى عودها، ودفع العراقيين إلى عدم الالتحاق بها، فيما جرى استهداف مدروس لأبرز الرموز المتعاملة مع الاحتلال.
انطلاقاً من ذلك، يبدو واضحاً أن المقاومة من خلال التكتيكات التي اعتمدتها أحبطت الخطة الأميركية العسكرية والسياسية، وحالت دون تمكن القوات الأميركية من الشعور بالأمان والاستقرار لتنفيذ مخططها لاحتلال العراق وتحويلة إلى منصة لتغيير خريطة المنطقة، الأمر الذي أظهر فشل واشنطن وسيادة مناخ متزايد بعجزها وعدم قدرتها على فرض سيطرتها.
* نقل المعركة في العراق إلى الداخل الأمريكي:
إن عدم نجاح واشنطن في تحقيق ما وعدت به الأميركيين، من الانتهاء سريعا من الحرب وإعادة الجنود إلى بلادهم، وارتفاع أعداد القتلى والجرحى في صفوفهم وازدياد الانفاق العسكري إلى جانب تزايد الخوف من الغرق في فيتنام جديدة، أدى إلى تصدع الجبهة الأميركية الداخلية ونقل الصراع إلى داخل الولايات المتحدة، حيث بدأ السجال يحتدم حول جدوى الاستمرار في البقاء في العراق وسط ارتفاع الأصوات المطالبة بالانسحاب من هناك، وهو ما يعتبر نجاحاً كبيراً للمقاومة بعد عامين فقط من الاحتلال. وقد برزت مؤشرات التصدع الأميركي على الشكل التالي:
1. ظهور رغبة لدى غالبية الأميركيين (59%) بانسحاب كامل أو جزئي للقوات الأميركية من العراق حسب استطلاع للرأي أجرته صحيفة " يو أس تو داي"، حيث أيد ستة من كل عشرة أميركيين الانسحاب من العراق.
2. انخفاض نسبة شعبية جورج بوش، حيث قال استطلاع للرأي أجرته صحيفة "نيويورك تمايز" وشبكة "سي بي اس نيوز" ان نسبة من يوافقون على سياسة بوش انخفض إلى 42 %.
3. تقديم أربعة نواب من الحزبين الجمهوري والديمقراطي مشروع قانون في الكونغرس يطالب بتحديد جدول زمني للانسحاب من العراق، واللافت في ذلك حصول انقلاب في موقف نواب جمهوريين كانوا من أشد المتحمسين لقرار الرئيس الأميركي جورج بوش بشن الحرب، حيث ان ابرز الموقعين على مشروع القانون هو الجمهوري ولتر جونز الذي قال: "أعطيت صوتي لقرار إرسال القوات واشعر أننا فعلنا كل ما في وسعنا".
4. إقرار مدير عمليات الأركان المشتركة في الجيش الأميركي الجنرال جيمس كونواي بأن المؤشرات على انخفاض الدعم الشعبي للحرب في العراق تثير القلق، وقال: "ان الفيتناميين أدركوا ما يدركه عدونا الحالي وهو أن الرأي العام الأميركي هو مركز القوة وأن بلدا ديمقراطياً لا يمكن أن يفعل أموراً محددة لا تحظى بدعم المواطنين"..
إن هذه المؤشرات على بدء التصدع في الجبهة الأميركية الداخلية، من المرحج أن تضغط من الآن وصاعدا على إدارة جورج بوش، خصوصاً كلما نقلت الأنباء المزيد من سقوط القتلى الأميركيين في العراق والفشل في الحد من عمليات المقاومة. وسيتصاعد معها حجم الاعتراض داخل الكونغرس والمجتمع الأميركي على الاستمرار في هذه الحرب، ما يزيد من الضغط للخروج من العراق خوفا من تكرار الغرق في حرب مماثلة لحرب فيتنام والتي بدأت نذرها تلوح بالأفق منذ الآن.
علي حسين باكير