المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متي يفاوض الاحتلال المقاومة؟



الفرقاني
14-07-2005, 04:54 PM
متي يفاوض الاحتلال المقاومة؟


تجسد المقاومة العراقية أحد أهم ملامح الصراع الدائر بين الولايات المتحدة والأمة العربية في القرن الواحد والعشرين، ليس فقط باعتبار انجازاتها الميدانية ولكن قبل ذلك وبعده بوصفها مفاجأة استراتيجية كبري للمخططات الأمريكية الرامية للهيمنة علي المنطقة . فقد صاحب الغزو الأمريكي للعراق ترويج كثيف لمقولات شتي تصب جميعها في خانة واحدة عنوانها الرئيسي أن الشعب العراقي سوف يستقبل المحتلين بالورود لأن الدبابات والطائرات الأمريكية إنما جاءت لتحريره من الديكتاتورية، وجاء المشهد الهزلي المصنوع لاسقاط تمثال الرئيس صدام حسين ليعزز من الصورة الإعلامية المؤيدة لمثل هذه المقولات والادعاءات . وزيادة علي ذلك حرصت عدسات الإعلام الأمريكي علي بث صور من مناطق الأكراد والشيعة جري إخراجها سينمائيا لتكسب قوافل السياسيين من أمثال أحمد الجلبي أبعادا جماهيرية تغطي علي حقيقة عمالتهم لأجهزة الاستخبارات الأمريكية ويبدو أن واشنطون قد أقنعت نفسها بصدق أكاذيبها حتي أنها صدمت عندما أخذت المقاومة العراقية توجه ضرباتها لقوات الاحتلال فيما كانت تنتظر أن تستقبل بالورود والقبلات . وانعكست هذه المفاجأة علي تعاطي الولايات المتحدة مع ظاهرة المقاومة العراقية، إذ راحت تتناقض تبريراتها لاستشراء هذه المقاومة وانتقلت تقديراتها لمدي فعاليتها من الاستخفاف إلي التشاؤم بصورة درامية مثيرة. ففي البداية حاولت واشنطون الترويج لمقولة أن المقاومة اليائسة ليست سوي محاولات متناثرة «للإرهابيين» العرب الذين احتضنهم الرئيس صدام حسين بعد طردهم من أفغانستان، واعتبر أبو مصعب الزرقاوي عنوانا بارزا لهذه المقولة، ولكن ارتفاع وتيرة أعمال المقاومة وتزايد خسائر الأمريكيين بصورة كبيرة وعلي امتداد الأرض العراقية من الشمال إلي الجنوب، دفع المسئولين في البنتاجون للاعتراف بأن المقاومة هي عراقية بالأساس ولكنها حسب المنظور الأمريكي ليست بقادرة علي الاستمرار إلا بدعم عبر الحدود من الجارتين العتيدتين، سوريا وإيران . وعلي الرغم من اتخاذ اجراءات وتدابير عسكرية مبالغ فيها لحراسة هذه الحدود، لم تغادر المقاومة العراقية مواقع الفعالية وخاصة في المناطق التي وصفت في الإعلام الأمريكي بالمثلث السني. وعندئذ ركزت قوات الاحتلال علي تبرير أعمال المقاومة بأنها محاولة من قوي النظام السابق والعناصر السنية التي لم تشملها العملية السياسية في العراق لعرقلة تأسيس حكومة ديمقراطية في البلاد، وراحت تراهن علي أن المقاومة ستتراجع بعد أشهر قليلة من إجراء الانتخابات التشريعية، فلما تصاعدت الهجمات لم يخجل وزير الدفاع رامسفيلد عندما زعم أن ادارته تتوقع هذا التصاعد الرامي لإعاقة العملية السياسية، وأن اليأس وحده هو الذي يحرك المقاومة وأن ذلك لن يستمر طويلاً . وفي غمار هذه التقلبات لم تتوقف قوات الاحتلال الأمريكي عن توجيه الضربات العسكرية وبكل الوحشية ضد المدن العراقية التي تحتضن المقاومة، مما أوقع أضرارا بالغة بصورة الولايات المتحدة سواء في الداخل الأمريكي أو علي الصعيد الدولي، واضطرت واشنطون، وخاصة بعد معارك الفلوجة إلي الأعتراف بعراقية المقاومة بل والدخول معها في مفاوضات باعتبارها طرف عسكريا مناوئا وكما جري في حالة مقتدي الصدر وجيش المهدي، أخذت الولايات المتحدة في إسباغ صفة مذهبية سنية علي المقاومة بالتوجه إلي رجال الدين من السنة لمخاطبتهم والتفاوض معهم . وجاء هذا التحول أيضا بعد إعلان واشنطن عن إلقاء القبض علي الرئيس صدام حسين، والذي اعتبرته الدوائر الأمريكية آنذاك ضربة قاصمة لأعمال المقاومة التي تقودها عناصر حزب البعث إذ لم يسفر عن توقف أعمال المقاومة بل علي النقيض من ذلك استمرت المقاومة في توجيه ضرباتها الموجعة لقوات الاحتلال وبات واضحا أن المقاومة العراقية عمل جماعي منظم وممتد . ولجأت الاستخبارات الأمريكية إلي إعادة إنتاج الأسلوب الاستعماري القديم «فرق تسد» وحاولت ببعض العمليات المشبوهة إلصاق الصفة الطائفية بالمقاومة العراقية وذلك لدفع الشيعة إلي الوقوف في صف أعداء المقاومة ولكن يقظة العراقيين لم تدع للخطط الأمريكية سبيلا للنجاح . وفي الأسابيع الأخيرة أخذت الصحف الأمريكية، ومن ورائها العربية الرسمية أيضا تستعيض عن وصف المقاومة بالإرهاب (حسب التصنيف الأمريكي) بوصف جديد وهو «المتمردون» وقد أعطي هذا التغير إحساساً عميقا بأن واشنطن في الوقت الذي تسبغ فيه علي الحكومة العراقية الحالية صفة المشروعية، تلمح إلي أن أعمال المقاومة يقودها متمردون علي هذه السلطة وأردفت ذلك بتسريب أنباء عن مفاوضات جارية بين ممثلين لبعض فصائل المقاومة وسلطات الاحتلال الأمريكي. والحقيقة أنه بالإمكان تفهم الدوافع المختلفة التي حملت إدارة بوش علي السعي لدي الرأي العام الأمريكي لتمرير فشل القوات الأمريكية في فرض سيطرتها علي العراق عقب الأعتراف بخطأ الحسابات الأمريكية، فإزاء الانتقادات الواسعة ضد الحرب في العراق، وخاصة في الولايات المتحدة وبريطانيا تسعي الإدارة الأمريكية إلي ترويج صورة جديدة مفرداتها الرئيسية أن الحكومة العراقية قد استقر بها المقام وباتت تمثل الخريطة السكانية في العراق وأن القوات العراقية الجديدة آخذة في استعادة السيطرة الأمنية علي البلاد، وأن المقاومة ليست سوي تمرد «من قبل العرب السنة أو بالأدق من بعض الذين لم يشاركوا في ثمار العملية السياسية وأن سلطات الاحتلال قد دخلت في مفاوضات مع بعض المتمردين لبحث كيفية ادماجهم في النظام الجديد» . ولذا كانت فصائل المقاومة العراقية قد أصدرت من البيانات ما يكفي لتكذيب وفضح اللعبة الأمريكية الجديدة، فإن تواصل بل وتصاعد العمليات العسكرية ضد آلة الاحتلال الأمريكي لم تجعل من التكذيب يقينا عمليا فحسب بل ودفعت «رامسفيلد» إلي القول بأن أعمال المقاومة قد تستمر لما يزيد علي العقد من الزمان وأن القوات الأمريكية باقية طوال هذه الفترة حتي تساعد الجيش العراقي علي إخماد التمرد !! ومهما يكن من أمر التناقض في مزاعم الأمريكيين حول التمكين للحكومة العراقية وقواتها المسلحة واستمرار الاحتلال بطلب من هذه الحكومة ذاتها، فأن المؤكد الآن والذي يصعب تجاهله هو أن المقاومة العراقية تفرض نفسها بقوة علي المعادلة العراقية، وحسبما صرح الرئيس صدام حسين وهو في الأسر فأن الولايات المتحدة ستضطر إن آجلا أو عاجلا للتفاوض مع المقاومة ولكن حول الانسحاب من العراق وليس حول اقتسام عوائد وثمرات الاحتلال . وإذا كانت الادعاءات الأمريكية الحالية بشأن مفاوضات جارية مع المقاومة تستهدف التعمية علي الرأي العام الأمريكي والدولي ومحاولة توفير خروج مشرف من العراق، فإن المقاومة العراقية باستمرارها في تصعيد وتيرة أعمالها قد حددت مسار أي مفاوضات مقبلة في جدول أعمال ليس له سوي بند وحيد ألا وهو انسحاب قوات الاحتلال من العراق . لقد كشفت قدرات المقاومة علي الصمود بوجه العملاء وترسانة الحرب الأمريكية بكل مستحدثاتها مدي تواضع السلطة العراقية وهشاشة قبضتها علي البلاد، وهو ما سيترك بصمات مؤثرة علي مسيرة الأحداث في قادم الأيام.

http://www.elmawkefalarabi.com/shownews.asp?ArchiveDegree=0&NewsID=3745