الفرقاني
09-07-2005, 04:47 PM
الحرب الخاسرة .. رامسفيلد يعلن: جيشنا لا يمكنه النصر فى العراق
الحرب الخاسرة
رامسفيلد يعلن: جيشنا لا يمكنه النصر فى العراق
باول روجرز *
جمعت ملاحظات دونالد رامسفيلد حول حرب العراق فى 14 يونيو اعترافات واسعة بأن الوضع الأمنى فى العراق ليس أفضل مما كان عليه يوم إنهاء نظام حكم صدام حسين فى أبريل 2003 بالإضافة الى ظهور منطق معقد كقوله: "أن من الواضح أن الأمور ستكون أفضل مع مرور الوقت" او كقوله "أن الكثير من الأمور السيئة التى كانت ممكنة الحدوث لم تحدث بالفعل".
وبالنسبة لوزير للدفاع فإن مجرد الإعتراف بأن هناك مشكلة عسكرية هو أمر غير عادي؛ فمن بديهيات الدعاية أن تلمع صورة الجيش فى أوقات محنته ، ولكن الأطرف من ذلك هو تعقيب رامسفيلد.. : "هذا العصيان ستتم هزيمته ليس بقوات التحالف بل بقوات حفظ الأمن العراقية وسيحدث ذلك عندما يثق الشعب العراقى فى مستقبله فى بلاده."
بينما يؤيد العديد من المحللين الأبعاد الحقيقية التى تظهرها ملاحظات رامسفيلد فإنهم يلاحظون أيضاً مدى التباين بين تصريحات وتأكيدات موظفى الإدارة الأمريكية خلال السبعة والعشرين شهراً الماضية حول الوضع فى العراق، حيث كان على خلاف ادعاءاتهم المتتالية بنجاح قوات التحالف فى ضبط جماح العصيان؛ بقتل عدى وقصى نجلى صدام، والقبض على الرئيس صدام حسين ذاته، والعملية الرئيسية ضد المقاومة فى النجف، وتدمير معاقل المقاومة فى الفلوجة.
واليوم يعترف دونالد رامسفيلد نفسه وهو أحد مهندسى الحرب على العراق- علناً بأن أعتى قوة فى العالم، والتى تنفق بقدر ما تنفقه دول العالم مجتمعة على التسلح لا تستطيع مقاومة هجمات عدد يقارب 20000 من المقاتلين المقاومين مدعومين من أقلية من الشعب العراقي. وفى الواقع فإنها لحظات مذهلة.
لقد جاءت تصريحات رامسفيلد فى وقت عندما كانت الأجواء فى حرب العراق تتصاعد بطريقة بدأت تؤثر بشكل مباشر فى الشأن الداخلى للولايات المتحدة الأمريكية: فى الرأى السياسى والشعبى وعلى كبار ضباط الجيش وربما الأهم- على التجنيد فى الجيش الأمريكى وقوات الإحتياط.
وموجة العنف المقاوم فى العراق التى أشير إليها فى الأعمدة الحديثة من هذه السلسلة قتل فيها أكثر من 900 شخص منذ أن أدت حكومة إبراهيم الجعفرى القسم فى يوم 3 مايو -ايار- الماضي، ومؤخراً قتل خمسة وأربعون مواطناً عراقياً لقوا حتوفهم فى تفجيرين انتحاريين ضخمين: الأول يوم 14 يونيو -حزيران- استهدف طابور المدنيين خارج أحد المصارف فى كركوك والثانى فى 15 يونيو فى مقهى يؤمه الجنود فى منطقة "خالص" شمال بغداد.
واستمر العنف ليستهدف الوجود العسكرى الأمريكى ذاته حتى بعد أن تحول من المجازفة بالخروج فى مهام دورية روتينية إلى تدريب قوات الأمن العراقية، وفى النصف الأول من يونيو قتل 41 أمريكياً -أكثر من مجموع من قتلوا فى مارس-؛ وخلال فترة خمسة أسابيع التى سبقت يوم 7 يونيو جرح أكثر من 600 أكثر من نصفهم كانت إصاباتهم بليغة.
لقد ثبت للعيان أن مهام تدريب الجيش الأمريكى كانت بها مشاكل مستعصية. لقد كان هناك تحسن فى الأداء على الورق، إذ ادعت مصادر الجيش أن 169000 من أفراد الشرطة العراقية والأمن قد تم تدريبهم فى ما مجموعه 107 كتيبة عسكرية وأمنية لتمارس مهامها فوراً، وفعلياً كان ذلك مضلل تماماً حيث كان هناك ثلاثة فقط من كل هذه الفرق قادرة على العمل بشكل مستقل.
وهذه التفاصيل تشكل جزءاً من التقرير المطول حول الإختلاف الثقافى بين القوات الأمريكية والعراقية والتى تسقط بظلالها على المواقف السياسية والشعبية فى الولايات المتحدة لتدعم النظرة المتشائمة لمستقبل أمريكا فى العراق -أنظر أنتونى شيدد وستيف فيناريو ، "بناء الجيش العراقي: المهمة الغير محتملة" ، واشنطن بوست ، 10 يونيو 2005-.
ويمكن ملاحظة أربع مؤشرات لهذا التغير.
تشاؤم جديد
أولاً، الرأى العام. ففى مسح حديث أجرته مؤسسة جالوب أراد 60% من العينة إنسحاباً جزئياً أو تاماً للقوات الأمريكية من العراق وهو أعلى المؤشرات منذ بدء الحرب، وفى إحصاء لأخبار ABC التابعة لواشنطن بوست أظهرت الأرقام أن ما يزيد عن 50% من المشاركين يعتقدون أن الحرب على العراق لم تجعل الولايات المتحدة الأمريكية أكثر أمناً وأن 40% يعتقدون أن الوضع سيصبح شبيهاً بحرب فيتنام -أنظر جيم لوب ، "أمريكا جذبتها الأخبار من العراق" ، آسيا تايمز ، 15 يونيو 2005-.
ثانياً، تغير المزاج فى واشنطن. ففى مجلس النواب الذى صوت بشكل كاسح لصالح الحرب على العراق عام 2003 تكونت مجموعة تدعو الإدارة الأمريكية لتقديم استراتيجيتها للخروج من العراق، وقد تبع ذلك تصويت 32-9 فى لجنة العلاقات الدولية فى مقترح مشابه -أنظر سوزان ميلليجان، المزيد من أعضاء الكونغرس يطالبون باستراتيجية للخروج من العراق" ، بوسطن جلوب ، 11 يونيو 2005-، مع ملاحظة أن العامين الذين يمثلان أجل عضوية لجنة العلاقات الدولية مقارنة بست سنوات مدة عضوية مجلس الشيوخ تجعل أعضاء اللجنة أكثر استجابة للتغير فى الشعور الشعبى العام من نظرائهم فى مجلس الشيوخ.
المؤشر الثالث للتأثير الجديد للعراق هو الشكوك بين كبار قادة الجيش فى العراق حول أبعاد ومصداقية الإستراتيجية الأمريكية، ما يؤكد رؤية رامسفيلد للحاجة للإستقرار السياسي، ولكن الضباط فى الميدان يذهبون لأبعد من ذلك فى تقييم العصيان المسلح فى الميدان على أنه أكثر عمقاً وعنفاً وخطراً مما كان متوقعاً، حيث تظهر ملامح هذا العصيان فى طريقة استجابته للإجراءات الكبيرة التى تتم لقمع المقاومة المسلحة وذلك بسرعة تبديل الجهود والوسائط -أنظر توم لاسّيتر ، "الضباط يقولون أن السلاح لن ينهى حرب العراق" ، نايت ريدر نيوزبيبرز ، 12 يونيو 2005-.
حالة المقاومة والعصيان هذه كانت ظاهرة للعيان خلال عملية الفلوجة الكبيرة فى شهر نوفمبر، فبينما كانت العملية فى أوجها نقل المقاومين انتباههم إلى مدينة أكبر وهى الموصل وكان فى استطاعتهم العمل فى مناطق واسعة من المدينة وإرغام القوات الأمريكية على نقل عاجل لقواتها إلى المدينة لدعم موقف قوات الأمن المحلى العراقية -أنظر "أحلام الأمريكيين وواقع العراقيين" ، 18 نوفمبر 2004-، ويشير ذلك -كنمط شائع من المقاومة - لمدى السهولة الملحوظة التى يتحرك بها المقاومين بين العديد من المدن والأرياف العراقية.
وقد نقلت إحدى الصحف فى تقرير حديث لها اعتراف فريدريك بى ويلمان أحد ضباط تدريب القوات العراقية: العميد -ليوتينانت كولونيل- فريدريك بى ويلمان الذى عمل فى قوة مكلفة بالإشراف على تدريب قوات الأمن العراقية ذكر أن المقاومة لا يظهر عليها نضوب المصادر من المقاومين الجدد بل تتوفر لها ديناميكية تزودها بمقاتلين يسعون للإنتقام لمقتل أقارب لهم فى المعارك ويقول فريدريك حول ذلك: "لا نستطيع قتلهم جميعاً، فعندما أقتل واحداً يولد ثلاثة مقاومين جدد".
المثال الرابع لمخاوف الأمريكيين من الجبهة الداخلية تكمن فى حالة التجنيد للخدمة فى الجيش الأمريكي، ففى شهر مايو جند الجيش 5039 جندياً جديداً فى نقص عن المستهدف الأول 8050 والثانى 6700 - كما تواجه قوات الإحتياط ذات القصور فكان القصور بين احتياط جنود البحرية 12%والجيش 18% كما قل الإنخراط فى جيش الحرس الوطنى بنسبة 29%.
ظهرت هذه الصعوبات بالرغم من توظيف 1000 موقع تجنيد والحملة الدعائية التلفزيونية المكثفة وزيادة مكافئات الإلتحاق بالجيش إلى 20000 دولار وخفض المستوى التعليمى المطلوب للمجندين الجدد -أنظر جوزف إل جالواى ، "الجيش يخفض معاييره ويرفع مكافئاته..." ، نايت ريدر نيوز بيبرز ، 13 يونيو 2005-.
كل ذلك يمثل طريق طويلة للوصول إلى هدف البنتاجون وهو زيادة قوة الجيش من 30000 إلى 510000 مع تحسين المعايير التعليمية للمجندين لضمان إمكانية التعامل مع ميدان المعركة الحديث الذى يعج بالتقنيات الحديثة وضمان وجود قوات سريعة الحركة لإنجاز المهام بدقة وأقل الخسائر.
السياسة المعزولة
عندما صار دونالد رامسفيلد وزيراً للدفاع فى يناير 2001، تقدم بفكرة مفادها أنه يمكن للولايات المتحدة الوصول لأهدافها الإستراتيجية بعدد أقل وأكثر تطوراً من القوات المسلحة باستخدام أجيال جديدة من المعدات والأفراد ذوى القدرات العالية، وذلك للوصول لما اعتبره "السيادة على الطيف التام" والمقصود هو مختلف الأسلحة كلما وأينما دعت الحاجة.
جاءت الحرب على العراق لتغير هذا المفهوم، ورغم بقاء التركيز على التفوق التقنى الكبير، إلا أن ذلك تصاحبه الحاجة لأعداد أكبر من القوات، ومع ارتفاع التكلفة البشرية للحرب يبدو أن هذا المبدأ صار غير مقبول أيضاً.
إذا ساءت الأمور للأمريكيين فى العراق أكثر من ذلك، فإن التجنيد الإجبارى سيعاود الظهور على رأس قائمة أولويات الجيش، وفى هذه النقطة يلتقى رأيى دونالد رامسفيلد وإدارة الرئيس بوش، وبينما بدأ التحول فى الولايات المتحدة بعيداً عن الحرب فإن أى حديث عن هذه الفكرة سيجد معارضة كبيرة فى الرأى العام، وربما يفسر ذلك لماذا يعبر رامسفيلد الآن عن أمله فى أن ينهى التحول السياسى فى العراق حالة العصيان والمقاومة، فهو وبالمنطق الفصيح: ليس لديه أى خيار آخر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
* استاذ دراسات السلام فى جامعة برادفور الامريكية وناشر مجلة "اوبن ديموكراسي".
نقلا عن عرب أون لاين
الحرب الخاسرة
رامسفيلد يعلن: جيشنا لا يمكنه النصر فى العراق
باول روجرز *
جمعت ملاحظات دونالد رامسفيلد حول حرب العراق فى 14 يونيو اعترافات واسعة بأن الوضع الأمنى فى العراق ليس أفضل مما كان عليه يوم إنهاء نظام حكم صدام حسين فى أبريل 2003 بالإضافة الى ظهور منطق معقد كقوله: "أن من الواضح أن الأمور ستكون أفضل مع مرور الوقت" او كقوله "أن الكثير من الأمور السيئة التى كانت ممكنة الحدوث لم تحدث بالفعل".
وبالنسبة لوزير للدفاع فإن مجرد الإعتراف بأن هناك مشكلة عسكرية هو أمر غير عادي؛ فمن بديهيات الدعاية أن تلمع صورة الجيش فى أوقات محنته ، ولكن الأطرف من ذلك هو تعقيب رامسفيلد.. : "هذا العصيان ستتم هزيمته ليس بقوات التحالف بل بقوات حفظ الأمن العراقية وسيحدث ذلك عندما يثق الشعب العراقى فى مستقبله فى بلاده."
بينما يؤيد العديد من المحللين الأبعاد الحقيقية التى تظهرها ملاحظات رامسفيلد فإنهم يلاحظون أيضاً مدى التباين بين تصريحات وتأكيدات موظفى الإدارة الأمريكية خلال السبعة والعشرين شهراً الماضية حول الوضع فى العراق، حيث كان على خلاف ادعاءاتهم المتتالية بنجاح قوات التحالف فى ضبط جماح العصيان؛ بقتل عدى وقصى نجلى صدام، والقبض على الرئيس صدام حسين ذاته، والعملية الرئيسية ضد المقاومة فى النجف، وتدمير معاقل المقاومة فى الفلوجة.
واليوم يعترف دونالد رامسفيلد نفسه وهو أحد مهندسى الحرب على العراق- علناً بأن أعتى قوة فى العالم، والتى تنفق بقدر ما تنفقه دول العالم مجتمعة على التسلح لا تستطيع مقاومة هجمات عدد يقارب 20000 من المقاتلين المقاومين مدعومين من أقلية من الشعب العراقي. وفى الواقع فإنها لحظات مذهلة.
لقد جاءت تصريحات رامسفيلد فى وقت عندما كانت الأجواء فى حرب العراق تتصاعد بطريقة بدأت تؤثر بشكل مباشر فى الشأن الداخلى للولايات المتحدة الأمريكية: فى الرأى السياسى والشعبى وعلى كبار ضباط الجيش وربما الأهم- على التجنيد فى الجيش الأمريكى وقوات الإحتياط.
وموجة العنف المقاوم فى العراق التى أشير إليها فى الأعمدة الحديثة من هذه السلسلة قتل فيها أكثر من 900 شخص منذ أن أدت حكومة إبراهيم الجعفرى القسم فى يوم 3 مايو -ايار- الماضي، ومؤخراً قتل خمسة وأربعون مواطناً عراقياً لقوا حتوفهم فى تفجيرين انتحاريين ضخمين: الأول يوم 14 يونيو -حزيران- استهدف طابور المدنيين خارج أحد المصارف فى كركوك والثانى فى 15 يونيو فى مقهى يؤمه الجنود فى منطقة "خالص" شمال بغداد.
واستمر العنف ليستهدف الوجود العسكرى الأمريكى ذاته حتى بعد أن تحول من المجازفة بالخروج فى مهام دورية روتينية إلى تدريب قوات الأمن العراقية، وفى النصف الأول من يونيو قتل 41 أمريكياً -أكثر من مجموع من قتلوا فى مارس-؛ وخلال فترة خمسة أسابيع التى سبقت يوم 7 يونيو جرح أكثر من 600 أكثر من نصفهم كانت إصاباتهم بليغة.
لقد ثبت للعيان أن مهام تدريب الجيش الأمريكى كانت بها مشاكل مستعصية. لقد كان هناك تحسن فى الأداء على الورق، إذ ادعت مصادر الجيش أن 169000 من أفراد الشرطة العراقية والأمن قد تم تدريبهم فى ما مجموعه 107 كتيبة عسكرية وأمنية لتمارس مهامها فوراً، وفعلياً كان ذلك مضلل تماماً حيث كان هناك ثلاثة فقط من كل هذه الفرق قادرة على العمل بشكل مستقل.
وهذه التفاصيل تشكل جزءاً من التقرير المطول حول الإختلاف الثقافى بين القوات الأمريكية والعراقية والتى تسقط بظلالها على المواقف السياسية والشعبية فى الولايات المتحدة لتدعم النظرة المتشائمة لمستقبل أمريكا فى العراق -أنظر أنتونى شيدد وستيف فيناريو ، "بناء الجيش العراقي: المهمة الغير محتملة" ، واشنطن بوست ، 10 يونيو 2005-.
ويمكن ملاحظة أربع مؤشرات لهذا التغير.
تشاؤم جديد
أولاً، الرأى العام. ففى مسح حديث أجرته مؤسسة جالوب أراد 60% من العينة إنسحاباً جزئياً أو تاماً للقوات الأمريكية من العراق وهو أعلى المؤشرات منذ بدء الحرب، وفى إحصاء لأخبار ABC التابعة لواشنطن بوست أظهرت الأرقام أن ما يزيد عن 50% من المشاركين يعتقدون أن الحرب على العراق لم تجعل الولايات المتحدة الأمريكية أكثر أمناً وأن 40% يعتقدون أن الوضع سيصبح شبيهاً بحرب فيتنام -أنظر جيم لوب ، "أمريكا جذبتها الأخبار من العراق" ، آسيا تايمز ، 15 يونيو 2005-.
ثانياً، تغير المزاج فى واشنطن. ففى مجلس النواب الذى صوت بشكل كاسح لصالح الحرب على العراق عام 2003 تكونت مجموعة تدعو الإدارة الأمريكية لتقديم استراتيجيتها للخروج من العراق، وقد تبع ذلك تصويت 32-9 فى لجنة العلاقات الدولية فى مقترح مشابه -أنظر سوزان ميلليجان، المزيد من أعضاء الكونغرس يطالبون باستراتيجية للخروج من العراق" ، بوسطن جلوب ، 11 يونيو 2005-، مع ملاحظة أن العامين الذين يمثلان أجل عضوية لجنة العلاقات الدولية مقارنة بست سنوات مدة عضوية مجلس الشيوخ تجعل أعضاء اللجنة أكثر استجابة للتغير فى الشعور الشعبى العام من نظرائهم فى مجلس الشيوخ.
المؤشر الثالث للتأثير الجديد للعراق هو الشكوك بين كبار قادة الجيش فى العراق حول أبعاد ومصداقية الإستراتيجية الأمريكية، ما يؤكد رؤية رامسفيلد للحاجة للإستقرار السياسي، ولكن الضباط فى الميدان يذهبون لأبعد من ذلك فى تقييم العصيان المسلح فى الميدان على أنه أكثر عمقاً وعنفاً وخطراً مما كان متوقعاً، حيث تظهر ملامح هذا العصيان فى طريقة استجابته للإجراءات الكبيرة التى تتم لقمع المقاومة المسلحة وذلك بسرعة تبديل الجهود والوسائط -أنظر توم لاسّيتر ، "الضباط يقولون أن السلاح لن ينهى حرب العراق" ، نايت ريدر نيوزبيبرز ، 12 يونيو 2005-.
حالة المقاومة والعصيان هذه كانت ظاهرة للعيان خلال عملية الفلوجة الكبيرة فى شهر نوفمبر، فبينما كانت العملية فى أوجها نقل المقاومين انتباههم إلى مدينة أكبر وهى الموصل وكان فى استطاعتهم العمل فى مناطق واسعة من المدينة وإرغام القوات الأمريكية على نقل عاجل لقواتها إلى المدينة لدعم موقف قوات الأمن المحلى العراقية -أنظر "أحلام الأمريكيين وواقع العراقيين" ، 18 نوفمبر 2004-، ويشير ذلك -كنمط شائع من المقاومة - لمدى السهولة الملحوظة التى يتحرك بها المقاومين بين العديد من المدن والأرياف العراقية.
وقد نقلت إحدى الصحف فى تقرير حديث لها اعتراف فريدريك بى ويلمان أحد ضباط تدريب القوات العراقية: العميد -ليوتينانت كولونيل- فريدريك بى ويلمان الذى عمل فى قوة مكلفة بالإشراف على تدريب قوات الأمن العراقية ذكر أن المقاومة لا يظهر عليها نضوب المصادر من المقاومين الجدد بل تتوفر لها ديناميكية تزودها بمقاتلين يسعون للإنتقام لمقتل أقارب لهم فى المعارك ويقول فريدريك حول ذلك: "لا نستطيع قتلهم جميعاً، فعندما أقتل واحداً يولد ثلاثة مقاومين جدد".
المثال الرابع لمخاوف الأمريكيين من الجبهة الداخلية تكمن فى حالة التجنيد للخدمة فى الجيش الأمريكي، ففى شهر مايو جند الجيش 5039 جندياً جديداً فى نقص عن المستهدف الأول 8050 والثانى 6700 - كما تواجه قوات الإحتياط ذات القصور فكان القصور بين احتياط جنود البحرية 12%والجيش 18% كما قل الإنخراط فى جيش الحرس الوطنى بنسبة 29%.
ظهرت هذه الصعوبات بالرغم من توظيف 1000 موقع تجنيد والحملة الدعائية التلفزيونية المكثفة وزيادة مكافئات الإلتحاق بالجيش إلى 20000 دولار وخفض المستوى التعليمى المطلوب للمجندين الجدد -أنظر جوزف إل جالواى ، "الجيش يخفض معاييره ويرفع مكافئاته..." ، نايت ريدر نيوز بيبرز ، 13 يونيو 2005-.
كل ذلك يمثل طريق طويلة للوصول إلى هدف البنتاجون وهو زيادة قوة الجيش من 30000 إلى 510000 مع تحسين المعايير التعليمية للمجندين لضمان إمكانية التعامل مع ميدان المعركة الحديث الذى يعج بالتقنيات الحديثة وضمان وجود قوات سريعة الحركة لإنجاز المهام بدقة وأقل الخسائر.
السياسة المعزولة
عندما صار دونالد رامسفيلد وزيراً للدفاع فى يناير 2001، تقدم بفكرة مفادها أنه يمكن للولايات المتحدة الوصول لأهدافها الإستراتيجية بعدد أقل وأكثر تطوراً من القوات المسلحة باستخدام أجيال جديدة من المعدات والأفراد ذوى القدرات العالية، وذلك للوصول لما اعتبره "السيادة على الطيف التام" والمقصود هو مختلف الأسلحة كلما وأينما دعت الحاجة.
جاءت الحرب على العراق لتغير هذا المفهوم، ورغم بقاء التركيز على التفوق التقنى الكبير، إلا أن ذلك تصاحبه الحاجة لأعداد أكبر من القوات، ومع ارتفاع التكلفة البشرية للحرب يبدو أن هذا المبدأ صار غير مقبول أيضاً.
إذا ساءت الأمور للأمريكيين فى العراق أكثر من ذلك، فإن التجنيد الإجبارى سيعاود الظهور على رأس قائمة أولويات الجيش، وفى هذه النقطة يلتقى رأيى دونالد رامسفيلد وإدارة الرئيس بوش، وبينما بدأ التحول فى الولايات المتحدة بعيداً عن الحرب فإن أى حديث عن هذه الفكرة سيجد معارضة كبيرة فى الرأى العام، وربما يفسر ذلك لماذا يعبر رامسفيلد الآن عن أمله فى أن ينهى التحول السياسى فى العراق حالة العصيان والمقاومة، فهو وبالمنطق الفصيح: ليس لديه أى خيار آخر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
* استاذ دراسات السلام فى جامعة برادفور الامريكية وناشر مجلة "اوبن ديموكراسي".
نقلا عن عرب أون لاين