المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : 'الأمة المختارة': تأثير الدين علي السياسة الخارجية الأمريكية 1-2



الفرقاني
09-07-2005, 03:56 PM
'الأمة المختارة': تأثير الدين علي السياسة الخارجية الأمريكية 1-2
http://www.baghdadalrashid.com/vb3/http://www.baghdadalrashid.com/vb3/http://www.baghdadalrashid.com/vb3/



09-7-2005
جون جوديس*: أستاذ زائر بمعهد كارنيجي للسلام الدولي
ترجمة: أميمة عبد اللطيف

ولكن التركيز على تأثير اليمين الديني يعني عدم فهم الغرض الحقيقي الذي يسعي بوش لتحقيقه من وراء الحديث المستمر عن المبادئ الدينية، والتي يستخدمها لتفسير سياساته الخارجية. ذلك أن إيمان بوش بأن الولايات المتحدة لديها "رسالة" أو "مهمة" من "خالق السماء" لنشر الحرية في كل أنحاء العالم يضعه من بين القادة الذين استخدموا الأطر الدينية، والتي تعود بأصولها للمستعمرين الأوائل القادمين من إنجلترا..وقد يكون ذلك المنهج أدى إلى خطب عصماء، ولكنه انحرف بالولايات المتحدة عن فهم حقيقة التحديات التي تواجهها البلاد، وهذا أحد إفرازات إدخال الدين بالسياسة على طريقة بوش.

تنطلق تلك الدراسة المهمة من فرضية كون الرئيس بوش حين يتحدث عن الولايات المتحدة، فإنه لا يمل من قول إن بلاده لديها "مهمة" أو "رسالة" وهبها إياها "خالق السماء"، ومع ذلك فإنه بينما يستخدم صراحة لغة دينية ربما بشكل مفرط جعله يتفوق على أسلافه، فإنه ليس ثمة شيء استثنائي عندما يلجأ رئيس الولايات المتحدة للتعبيرات الدينية ليوضح المبادئ التي يسير على نهجها في مجال السياسة الخارجية. فأهداف الولايات المتحدة في العالم مستقاة من العقيدة البروتستانتية الطهرانية، والتي تعود بدورها لمبادئ البروتستانتية التي سادت إنجلترا في القرن السابع عشر الميلادي.


غير أن ثمة شيء ميز بوش عن سابقيه، وهو أن هذه المبادئ الدينية لم تشكل أهدافه النهائية، وإنما أيضا أثرت في الطريقة التي يرى بها الواقع وبشكل يهدد، في بعض الأحيان، السياسة الخارجية الأمريكية.


في واحدة من خطاباته الشهيرة أعلن بوش بكل صراحة أن هناك توجها واضحا في التاريخ الأمريكي يتخذ الحرية منهاجا، وهو توجه أقره "صانع الحرية" يقصد الله. ولا تخلو خطابات بوش، سيما منها تلك التي تتعاطي مع شئون السياسية الخارجية، من تزاحم للتعهبيرات الدينية. وبحسب الإحصائيات، فإن خطابات بوش تفوقت على خطابات سابقيه في عدد المرات التي أشار فيها إلى الله، رغم أنه ليس هناك أمر إستثنائي في كون الرئيس الأمريكي يصف دور الأمة باستخدام مفرادت ولغة دينية. فعلى سبيل المثال، وعد وودرو ولسون الأمريكيين بأنه من خلال دعم بلاده لعصبة الأمم، فإن الولايات المتحدة تساهم بذلك في "العفو الإلهي عن العالم"، بينما خلال الحرب العالمية الثانية أعلن روزفلت في رسالة للكونجرس عام 1942 بأنه "من جانبنا كأمريكيين نسعى لأن نكون مخلصين لتراثنا السماوي".


هذا غيض من فيض، أعداد لا تحصي من المسئولين الأمريكيين الذين تحدثوا عن "المهمة" التي أناط الله بها الولايات المتحدة الأمريكية "لتوسيع الحرية في كل أنحاء العالم". ولكن ماميز كل رئيس عن آخر هو مدى تطبيقه لهذه المبادئ الدينية على الوقائع والأحداث السياسية.


يقول جوديس بأن أصعب الفترات التي مرت على الولايات المتحدة كانت تلك التي سمحت فيها للمبادئ الدينية ليس أن تحدد الأهداف النهائية فحسب، وإنما لأن تؤثر أيضا على فهمها للعالم الذي يجب أن تتحقق فيه هذه الأهداف.


ويرصد جوديس عبر الدراسة بأنه ثلاث أفكار رئيسية تُتضمن بشكل مستمر في كل خطابات بوش المتعلقة بالسياسة الخارجية الأمريكية وهي أفكار متجذرة في التراث الديني الأمريكي، وكان يتم الإشارة إليها دائما عبر فترات التاريخ المختلفة.


الفكرة الأولي هي أن الولايات المتحدة "أمة الله المختارة" من وقت إبراهام لينكولن الذي رفع شعار "آخر أفضل أمل على الأرض"، إلى مقولة مادلين أولبرايت "الأمة التي لا يمكن الاستغناء عنها".


أما الفكرة الثانية فهي أن الولايات المتحدة لديها "مهمة" أو "رسالة" لتغيير العالم. ريتشارد نيكسون قال خلال حملته الإنتخابية في 196 بأن "الولايات المتحدة جاءت للعالم منذ 18 عام ليس من أجل لأن نحقق الحرية لأنفسنا وإنما لأن نبعث بها للعالم بأجمعه"


وقد عاد بوش الأبن وكرر في أبريل 24 ذات المقولة حين قال: "لأننا أعظم قوة على وجه الأرض علينا التزام لنشر الحرية، إن هذا ما طلب مننا فعله حسبما أعتقد".


أما الفكرة الثالثة التي يشير إليها جوديس في تحقيق هذه المهمة أو الرسالة هي كون الولايات المتحدة تمثل دائما قوى الخير ضد قوي الشر، حيث يعلن جورج بوش في مايو 23: "نحن في صراع بين الخير والشر، وأمريكا سوف تسمي الأسماء بمسمياتها وسوف نسمي الشر شرا".


هذه الأفكار الثلاث يعتبرها جوديس هي المحرك الأساس لفهم السياسة الخارجية الأمريكية ولفهم الإطار الهادي (المرشد) للعديد من الأمريكيين حول دور الولايات المتحدة في العالم سواء أكان هؤلاء الأمريكيين مؤمنين أم لا. ويبقى السؤال المهم هو: أي عالم تريد أمريكا أن تشكله؟ ومن يقف في طريقها؟. وإذا ماتتبعنا الرؤية الأمريكية عبر التاريخ يقول جوديس بأن الجيل الأول من الأمريكيين اعتبروا أنفسهم بحسب جيفرسون "إمبراطورية الحرية" ضد طغاة العالم القديم من "الوحوش". أما في جيل تيودور روزفلت، فتصور بأن مهمة أمريكا ورسالتها هي نشر الحضارة الأنجلو-ساكسونية ضد المعارضين البرابرة والمتوحشين، بينما ويلسون أراد أن يشكل نظاما ديمقراطيا عالميا ضد ألمانيا الأمبراطورية الألمانية والفاشية والشيوعية، ومع هذا ظل الإطار الأساس هو تصوير الولايات المتحدة باعتبارها الأمة المختارة التي تسعى لتحويل العالم.


ولكن في بعض الأحيان، تصرف صناع السياسة الأمريكية من منطلق الدفاع عن النفس مثلما حدث بعد أحداث 11 سبتمبر وأيضا من أجل أسباب إقتصادية أو جيوبوليتكية، وكما قال أحد مسئولي وزارة الخارجية الأمريكية قبل حرب العراق، إن البيت الأبيض لم يكن ليقرر غزو العراق لو أن منتج دول الخليج كان البرتقال وليس البترول، وحتى خلال محاربة الهنود الحمر كان الدين يستخدم لتبرير الحرب.


وبإطلاق شعار أن أمريكا لديها "رسالة من الله"، فإن بوش وغيره من المسئولين الأمريكيين قد وضعوا تعريفا لهذا الإطار في لغة دينية لا لبس فيها. وهي متجذرة في العقيدة البروتستانتية التي اجتاحت أمريكا من إنجلترا وهولندا في القرن السابع عشر.


وودرو ويلسون كان من أشهر المؤيدين للإمبريالية الأمريكية، ولكنه تراجع بعد تدخله غير الناجح في المكسيك عام 1914، الذي أدى إلى حالة من الغضب القومي وبدء الحرب الأوروبية، وقد طور ويلسون إستراتيجية لتغيير العالم، وكان هدفها بالأساس "جعل العالم أكثر أمنا من أجل الديمقراطية"، وذلك عن طريق تفكيك النظام الإمبريالي، الذي اعتبره ويلسون مسئولا عن الحرب. ويلسون لم يكن يعتقد بأن الولايات المتحدة تستطيع أن تحقق هذا الأمر بمفردها وإنما بالتعاون مع دول ومنظمات أخرى، ولكن أحبطت أمال ويلسون في الداخل الأمريكي والخارج، غير أن منهجه لم يهمل بل تبناه عدد من الرؤساء الأمريكيين من روزفلت إلي بيل كلينتون. فمع احتفاظ الولايات المتحدة بحقها في الدفاع عن نفسها، فإن هؤلاء الرؤساء عملوا بقوة لتغيير العالم من خلال عدد من المنظمات الدولية التي قادتها الولايات المتحدة، على رأسها الأمم المتحدة والبنك الدولي والناتو ومنظمة التجارة العالمية.


خلال الحرب الباردة كان المسئولون الأمريكيون خاضعين لوجهة النظر التي تقول بأن الاتحاد السوفيتي هو مركز مؤامرة عالمية تهدد ليس أوروبا الغربية فحسب، وإنما أماكن داخل أمريكا أيضا. هذه المخاوف المبالغ فيها أدت إلى ماعرف بـ"الخوف من الشيوعية".


إن ما سبق يوضح أن الرئيس بوش لم يختلف أبدا عن سابقيه في التزامه بالعقيدة البروتستانتية. فشعار بوش حول "الدور المتميز" لأمريكا هو عينه شعار كلينتون "الأمة التي لا يمكن الإستغناء عنها"، وعهد بوش لنشر الحرية كان هو أيضا امتداد لالتزام كلينتون بالإنخراط في توسيع العملية الديمقراطية، ولكن إذا حاولنا تطبيق الإطار علي الأحداث التي وقعت فإن بوش تبرأ من الأستراتيجية الويلسونية التي سار عليها والده وكلينتون فقد رفض العمل من خلال المنظمات الدولية أيا كان الملف من حماية البيئة لمحاكمة مجرمي الحرب إلا إذا كان الأمر تحت سيطرة الولايات المتحدة. ذلك أن أستراتيجيته كانت مبنية علي ماأطلق عليه مؤيدو بوش الرؤية الأحادية للعالم. لقد سمح بوش لهذا الإطار بأن يؤثر علي رؤيته لتفسير العالم،وأحد الأمثلة بالفعل هو غزوه للعراق. وهناك عدد من الأسباب التي دفعت بوش لغزو واحتلال العراق. وأحد الأسباب التي جعلت بوش يقرر، العقلية "الأبوكلبتيكية" التي أثرت على رؤية الإدارة للعالم.


فأعضاء الإدارة ظلوا يشيرون لصدام حسين على أنه "شر"، وهم فعلوا ذلك من أجل إثارة شعور الجماهير ضد صدام ولتحقيق التعاطف مع الحرب، ولكن كما اتضح، فهم أيضا أسبغوا على صدام صفات تتجاوز فهم الرجل وسيرة حياته.


فبوش وجد في صدام ليس عدوا مريرا فقط، وإنما أيضا "رجل مجنون"، وهو أمر شبيه بالكيفية التي كان الأمريكيون الأوائل ينظرون بها إلى الهنود الحمر. وهذا يعني أن صدام كان سيفتح أبواب الدمار على الولايات المتحدة حتى لو اضطر لأن يدمر نفسه ونظامه أيضا. يقول بوش: "لقد تحركت لأنني ما كنت لأترك أمن الشعب الأمريكي في أيدي رجال مجانين، وأنا لم أكن لأقف وأنتظر وأن أثق في شخص مثل صدام". إن قيام الإدارة الأمريكية بـ"شيطنة" صدام حسين قد ساهم، بحسب جوديس، في بعث إيمان لا شك فيه بأن الديكتاتور العراقي كان يعمل على تطوير أسلحة الدمار الشامل رغم كل تقارير مفتشي الأمم المتحدة التي قالت بعكس ذلك.


إن العقلية "الأبوكليبتيكية" كانت أيضا واضحة تماما في إيمان الإدارة بأن غزو العراق من شأنه أن يؤدي إلى سلسلة من ردود الأفعال، والتي بدورها ستؤدي إلى تغيير منطقة الشرق الأوسط، حيث سيؤدي إلى إقامة نظم ديمقراطية في سوريا وإيران والسعودية وتهميش "المتطرفين" الفلسطينين ونهاية لمنظمة الدول المنتجة للبترول الأوبك. وفي خطاب في ناشفيل في أغسطس 22، زعم ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي بأن أحد نتائج إقصاء صدام، أن "المتطرفين في الشرق الأوسط سوف يعملون على إعادة النظر في إستراتيجية الجهاد التي يتبنونها وأن هذا الأمر سوف يشجع المعتدلون"، ولكن كما يلحظ جوديس أن هذا الأمر لم يحدث بعد إقصاء صدام، ذلك أن تصريحات تشيني كانت فقط من أجل الإستهلاك المحلي غير أن مسئولين آخرين في الإدارة عبروا عن أفكارهم بتصريحات مماثلة.


بالتأكيد، لا يمكن أن نفسر هذه التصريحات كلها من خلال الميراث الديني الأمريكي، فمسئولو الحكومات يطلقون أحكاما خاطئة كل الوقت، ولكن أخطاء إدارة بوش تمثل نموذجا يجد جذوره في التاريخ الأمريكي من الحروب ضد الهنود الحمر إلى الحرب المكسيكية في عام1846 وحرب الفليبين 1899 ثم فيتنام في الستينات. لقد آمن الأمريكيون دوما وبشكل خاطئ حتى قبل الحرب على العراق أنه سيرحب بهم في المنطقة باعتبارهم عملاء للتغيير السياسي. هذه المعتقدات لم تعكس فقط الأخطاء والجهل، وإنما أيضا العقلية "الأبوكليبتيكية" التي سادت الفكر الأمريكي. لقد اعتبر المنتقدون للإدارة الأمريكية أن أخطائها مسئول عنها الأنجليكيون المحافظون الذين يشكلون تكتل اليمين الديني.


مما لاشك فيه أن اليمين الديني له تأثير على سياسات الحزب الجمهوري في مجالات محددة من السياسة الخارجية، فهم دائما ما يعبئون الرأي العام لصالح القضايا الموالية لإسرائيل وهو اهتمام ناتج من التزامهم بالكتاب المقدس، وهم أيضا مؤثرون فيما يتعلق بفقضايا الاضطهاد للمسيحيين في آسيا وإفريقية، ولكن رؤيتهم العامة للعالم كانت تعكس اتجاها مناهضا من البروتستانينة الطهرانية التي تؤكد على سعي المسيحيين للخلاص قبل نهاية الزمان. وهذه الرؤية بالذات أثرت على شكوك بوش الأولية حيال التدخل الخارجي والتي عبر عنها خلال حملة عام2 واحتقاره للأمم المتحدة، ولكنها لم تنعكس على أهداف الولايات المتحدة التي تبناها بوش بعد هجمات 11 سبتمبر وفي تسامحه مع التنوع الديني.


ولكن التركيز على تأثير اليمين الديني يعني عدم فهم الغرض الحقيقي الذي يسعي بوش لتحقيقه من وراء الحديث المستمر عن المبادئ الدينية، والتي يستخدمها لتفسير سياساته الخارجية. ذلك أن إيمان بوش بأن الولايات المتحدة لديها "رسالة" أو "مهمة" من "خالق السماء" لنشر الحرية في كل أنحاء العالم يضعه من بين القادة الذين استخدموا الأطر الدينية، والتي تعود بأصولها للمستعمرين الأوائل القادمين من إنجلترا وما قد يميز بوش عن سابقيه من الرؤساء هو أنه في تخطيطه للسياسة الخارجية وهو عمل يتطلب تقييم الأهداف والوسائل ربما يكون مهتديا ليس فقط بأهداف العقيدة البروتستانتية الطهرانية، ولكن أيضا بالعقلية الأبوكليبتيكية التي أفرزتها. وقد يكون ذلك المنهج أدى إلى خطب عصماء، ولكنه انحرف بالولايات المتحدة عن فهم حقيقة التحديات التي تواجهها البلاد، وهذا أحد إفرازات إدخال الدين بالسياسة على طريقة بوش.


* أحد أهم مؤلفات جوديس هو "حماقة الأمبراطورية" مايمكن أن يتعلمه جورج بوش من تيودر روزفلت وودروو ويلسون.