المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الدستور بين الحاجة العراقية والاستحقاق الأمريكي



عبدالغفور الخطيب
02-07-2005, 12:52 PM
الدستور بين الحاجة العراقية والاستحقاق الأمريكي

أن أغرب ما ستجد في مواقف النخب (من أحزاب وشخصيات عامة وشيوخ عشائر)، المتعاونة مع الاحتلال، أنها بدأت تنظر إلى قوات الاحتلال لا باعتبارها الفاعل لتغير النظام السابق فحسب، أنما حولت وجود الاحتلال إلى حالة عقيدية أيدلوجية وأصبحت الرؤيا الأمريكية جزء من ثقافة أحزاب الاحتلال.

فأصبح تثقيف عموم الناس من قبل هذه النخب حسب الاستحقاق الأمريكي.

وقد عصفت خلال الثلاثون شهراً من عمر الاحتلال أحداث جسام، وعبر كل مفصل من هذه الأحداث كانت هذه الأحزاب ونخبها تدافع عن كل سلبية وحدث ومأزق عانى منه الاحتلال.

ففي الوقت الذي ترفع أصوات أمريكية من الداخل الأمريكي وهي ذات قرار وفعل سياسي بضرورة سحب القوات الأمريكية من العراق، أو تحديد جدول زمني لها، يلاحظ تهاون القوى العراقية المتواطئة والأحزاب المتحالفة مع المشروع الأمريكي لتطالب بتمديد فترة بقاء القوات الأمريكية.

وفي الوقت الذي يتحدث به الأعلام الغربي عموماً والأمريكي خصوصاً عن تجاوزات لحقوق الإنسان في الداخل العراقي من قبل القوات الأمريكية، والمليشيات المسلحة وما تقوم به من مجازر، في الفلوجة وتلعفر والنجف والكوفة وغيرها من المدن العراقية الصابرة، يهب لك ليتحدث عن ظلم النظام السابق لتبرير الجرائم الحالية والقادمة.

أذن تحدث في كل شيء ولكن لا تمس المقدس الجديد ألا وهو المشروع الأمريكي ورجالات المشروع الأمريكي، ومن هذا الأسلوب ألتهويني لتهوين كل استحقاق عراقي تلهث هذه القوى لتكون غطاء سياسي لكل استحقاق أمريكي ومنها استحقاقات الرغبة الأمريكية في دستور العراق القادم.

والاستحقاق الأمريكي في دستور العراق القادم يتمحور في نقطتين رئيسيتين هما إلغاء عروبة العراق، والسعي لتفتيت العراق، وما عداها هي مفاصل لأتعاب القوى المتحالفة لمزيد من الصراع لجزئيات وتفاصيل قد تبدو لأول وهلة لدى عوام الناس أنها خلافات حقيقة، ولكن لدى أهل القرار هي ألغام مزروعة أن لم تتفجر الآن ستنفجر غداً.

فأول مهام الدستور لقانون الدولة العراقية المؤقتة هو أخراج العراق من الدائرة العربية فعد العرب في العراق جزء من الأمة العربية، فعملت كل القوى، الماكنة الإعلامية والقوى السياسية وأصحاب القرار والأحزاب المرتبطة بالمشروع الأمريكي، داخل العراق أو خارجه، بهذا الاتجاه كل حسب موقعة وترويجه للخبر والمعلومة، فعند الحديث عن العراق لا يقال لك أن القوميتين العربية والكردية هي عماد الشعب العراقي بل العراق يتألف من الكورد والشيعة والعرب السنة، حتى أصبحت هذه المعلومة خلال ثلاثون شهراً من عمر الاحتلال مسلمة. الأعلام العربي والفضائيات العراقية والأحزاب العراقية تتحدث عن هذه التشكيلة العراقية وكأن العقال العربي الذي يرتديه أبن الجنوب للتعبير عن عروبته قد سقط من رأسه وأن الجلباب العربي للفرد العراقي من أبناء ملتنا وجلدتنا قد خلعه وبدا أمامك عارياً، وكأن اللغة العربية ومفرداته العربية قد ولت إلى غير رجعة، أنه أخراج قسري متعمد لملاين العرب عن عروبتهم، أنها حرب غير معلنة ستتوضح عن قريب المقصود منها الحرف العربي وعندما نقول الحرف العربي فنعي كتاب الله.

ويعد مشروع التقسيم من أوليات المشروع الأمريكي، فبعد ترويض للشارع الكردي بنكران هويته الوطنية وأصبح الحديث بالعربية التي هي لغة دينه سبه وأصبح الانتماء لعراقيته نقيصة خلال الخمسة عشر عاماً، تسعى الجهود الأمريكية ومعها الأحزاب العميلة بالترويج لتقسيم ما لم يقسم لحد الآن.

حيث أعلن عبدالكريم المحمداوي رئيس حزب الله أن مؤتمراً سيعقد في جنوب العراق لوضع آليات عملية لإنشاء إقليم سومر الفدرالي. وقال أنه سيضم ثلاث فدراليات: الأولى تشمل محافظات ميسان وذي قار والبصرة، والثانية محافظات واسط والديوانية والسماوة، والثالثة تضم كربلاء ولنجف والحلة.

وأشار إلى وجود توافق شيعي كردي على إقليم جنوب العراق، وتابع على أن كل المحادثات خلف الكواليس هي في شأن الفدرالية الشيعية.

وقد أفاد الشيخ حسين الصدر الشخصية الشيعية البارزة وعضو البرلمان العراقي أن مشروع إقليم الجنوب عرض على المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني وكان الجواب نصاً (أن المرجعية لم تتبنى المشروع في شكل رسمي، لكن هناك تأيد غير رسمي ربما يعلن لاحقاً).(1)

ثم يعقب السيد همام حمودي رئيس للجنة صياغة الدستور: أن هناك توجهات لتغيير أسم البلاد من (جمهورية العراق) إلى (جمهورية العراق الاتحادية) ليكون منسجماً مع قانون إدارة الدولة).(2)

تناولت الصحف المحلية والدولية احتفال تنصيب رئيس ما يسمى بإقليم كردستان، وكذلك أولت اهتماماً للصلاحيات التي أقرها دستور الإقليم للرئيس المرتقب، وهذه الصلاحيات لا ينظر أليها على أنها مؤقتة ومرتبطة بشخص السيد مسعود البرزاني، بل هي تأسيس لطبيعة الإقليم ومهام ومسؤوليات الإقليم لتكون نموذج يحتذى به للأقاليم الأخرى.

ومن مهام رئيس الإقليم:

1- التحدث باسم الشعب الكردي في المحافل الدولية.

2- يتمتع بمنصب القائد العام لقوات البيشمركة. أي ما يوازيها القائد العام للقوات المسلحة.

3- يتمتع رئيس الإقليم بصلاحيات إصدار القوانين التي يسنها المجلس الوطني للإقليم.

4- إصدار مرسوم بأجراء الانتخابات العامة للمجلس الوطني للإقليم في حال حلة أو انتهاء مدة دورته الانتخابية خلال 15 / يوماً.

5- إصدار العفو الخاص عن المحكومين والمصادقة على أحكام الإعدام أو تخفيفها إلى السجن المؤبد.

6- له الحق بإعلان حالة الطوارئ بموجب قانون خاص.

7- عدم السماح بإدخال قوات مسلحة اتحادية إلى الإقليم عند الاقتضاء ألا بموافقة المجلس الوطني للإقليم.

8- ويملك الرئيس أيضاً سلطة إقالة مجلس الوزراء أو الوزير عند سحب الثقة منهم.

كما يجب أن لا يفوتنا نص القسم الذي أدلى به السيد رئيس إقليم كردستان:

(المحافظة على حقوق ومكتسبات ووحدة ومصالح مواطني كردستان وأداء مهامه بصدق وإخلاص) (3) حسب ما ورد في نص القانون.

بعيداً عن التعليق عن خطورة هذه الصلاحيات وهل ستنسجم مع وحدة تراب الوطن، أم أن مثل هذه الصلاحيات ستحدث تضارب في الصلاحيات وتؤدي إلى فوضى في القوانين.

ألا أن متابعة لمجموع ما يتم داخل الساحة العراقية مما يعطي مؤشراً على أن التقسيم، أو كحد أدنى شبح التقسيم هو المهيمن والسائد على عراق اليوم، ومزيد من التفتيت على عراق الغد.

ويعتبر تصريح المحمداوي تكريس وإعادة الذاكرة إلى ما تم إنجازه في نادي العلوية في بغداد ليومي 13-14 لشهر مارس لسنة 05، حول مؤتمر إقليم الجنوب والذي حضره ( 25 شخصية شيعية بارزة) والذي بموجبه تم انتخاب باقر ياسين أمين عام إقليم الجنوب، وبعد تعين السيد جلال الطلباني رئيساً للعراق تم تعين السيد باقر ياسين مستشار رئيس الدولة لشؤون الفدراليات في العراق.

ولست من الذين يعتقدون أن تشكيل إقليم سومر والذي سيضم ثلاث فدراليات، بحجم سكاني أكبر من إقليم كردستان ومساحة جغرافية أوسع ثلاث أضعاف كردستان الحالية، سيرضى بأقل من صلاحيات إقليم كردستان.

لذا كان هناك استعداد لمثل هذه الإشكاليات أو غيرها فتم نص قانون قبل ظهور وبروز الفدراليات وهو ما يسما قانون إنشاء (محكمة اتحادية عليا مستقلة) من واجباتها الفصل بين المنازعات الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والإدارات المحلية، كما سيكون من مهمات المحكمة فض المنازعات المتعلقة بشرعية القوانين والنظر في الطعون. 12/3/ 2005. أي أن هناك توجه مسبق لتحقيق الفدراليات وأن لم تكن هناك الحاجة لمثل ذلك، لذا كانت التوجهات والتشريعات والقوانين تخدم هذا الاتجاه المرسوم والمخطط أصلاً والذي هو السبب الحقيقي للحرب على العراق لا غيره.

بعد الإعلان الرسمي للرئيس دبليو بوش في أوائل شهر أيار لسنة 2003 عن انتهاء الحرب وبشكل رسمي، وجه السؤال المهم للإدارة الأمريكية، مدا تنسحب القوات الأمريكية؟ كان الجواب في سنة 2003 بعد انتهاء مهماتها!!! وبقي هذا الجواب ملازم للإدارة الأمريكية السياسية والعسكرية، سننسحب بعد انتهاء مهماتنا.

وفي الوقت الحاضر تحديداً في شهر حزيران أثيرت قضية سحب القوات الأمريكية من أطراف في الكونكرس جمهوريين وديمقراطيين، بل حتى استطلاعات الرأي العام حيث كان آخر استطلاع لمعهد (غالوب) خلال شهر حزيران لسنة 2005، أن نسبة 57% من الأمريكيين يعتقدون أن الحرب في العراق لا تستحق كل هذه الجهود والتضحيات، وهذه الضغوط توجهت إلى الإدارة الأمريكية وأصحاب القرار مما تتطلب منهم مواقف اتجاه ما يجري: فكانت المواقف حيث أكد الرئيس بوش الابن (على ضرورة الحفاظ على المهمة الواجب إنجازها).

وجاء التأكيد الثاني لمثل هذا الموقف من قبل نائب الرئيس السيد جيني (أن مهمات الولايات المتحدة الأمريكية في العراق لم تنتهي بعد وعلينا إتمامها).

صرح وزير الدفاع رامسفلد (أن الولايات المتحدة ملزمة بإنهاء مهمتها في العراق وسوف تفعل).

أكد رئيس أركان الجيش الأمريكي الجنرال ريتشارد مايرز ما ذهب أليه وزير الدفاع الأمريكي حيث أفاد (أن ترك العراق دون أتمام المهمة ستكون كارثة).

وقد أصرت الإدارة الأمريكية بكل طيفها السياسي والعسكري بعدم تحديد جدول زمني للانسحاب، وكان جوابهم واحد وأن اختلفت صيغ التعبير ألا أنها واحدة (علينا أنجاز مهماتنا في العراق).كولن باول، كوندا ليزارايس، بول ولوفيبيتز، جون أبو زيد.

ولم يطرح أي من المتابعين ما هي المهمة؟؟ وما هو المطلوب إنجازه؟

المهمة هي تقسيم العراق وإخراج العراق من عروبته.

وستتضح هذه المهمة من خلال الدستور الدائم الذي تكتبه أيادي تدعي العراقية وباستحقاق أمريكي، واملآت ونصائح أطراف دولية سيتضح دورها في القريب العاجل.

وهذا ما أوضح له الرئيس دبليو بوش في المؤتمر الصحفي المشترك الذي عقد في البيت البيضاوي في واشنطن يوم 24/6/05، بينه وبين رئيس الحكومة العراقية إبراهيم الجعفري، حيث برز وأكد الرئيس بوش على ضرورة كتابة الدستور: (أن مهمات جسيمة تنتظر الزعماء العراقيين في الأشهر القادمة منها كتابة الدستور الدائم للبلاد).

وهل بلغ الحرص بأمريكا من أجل كتابة دستور لدولة من دول العالم أن تنفق أكثر من (200 مليار دولار)، وتضحي بآلاف القتلى والآلف الجرحى؟؟، هل يقتنع العاقل أن الحرص الأمريكي على الدستور العراقي من أجل الدستور؟

أن عراق الغد هو بين خيارين أما تقسيم وكل يأخذ حصته لقاء خدماته للمحتل، أو فدراليات على شكل (كيانات أعلى من حكم ذاتي ولكنها اقل من دولة) صيغة بدت واضحة ومرسومة على شكل الدولة الفلسطينية الموعودة، وملح قادم لعراق الغد). (4)

ــــــــــــــــــــــ

(1) عن موقع جيران / الصفحة الإلكترونية ليوم 22/6/05.

(2) عن موقع الجيران / الصفحة الإلكترونية يوم 22/6/05.

(3) القدس العربي العدد - 4989 الجمعة 10 حزيران 05، مجموع الفقرات عن القدس مع بعض التصرف في الترقيم.

(4) لقد سبق وأن تناولنا مثل هذا الموضوع ولأكثر من مرة بحكم المسؤولية الأخلاقية والوطنية تجاه بلدنا حيث تم إثارة مثل هذا الموضوع في مقالتنا السابقة، 1- لا أميل إلى نظرية المؤامرة ألا أنها مؤامرة، 2- الغزو الأمريكي للعراق وأجندة التقسيم، 3- العراق بين خيار التفتيت أو وحدة قوى المقاومة ومناهضة الاحتلال، 4- تعريق المقاومة الرد الطبيعي على تعريق الاحتلال، 5- أحذروا للعبة الدستور والاستفتاء، 6- الوحدة الوطنية في العراق من مهام المشروع القومي، 7- ومقالتنا الحالية الدستور بين الحاجة العراقية والاستحقاق الأمريكي.



سعدون المشهداني
تاريخ الماده:- 2005-07-02