الفرقاني
28-06-2005, 02:30 PM
ملامح الهزيمة في العراق
بقلم: اسامة الشريف
قلنا أن حرب أميركا في العراق ستطول وانها لن تنتهي كما يشتهي منظرو البنتاغون ولا جنرالاته، وأن دينامية المجتمع الأميركي وتركيبته ستدفع باتجاه التغيير في واشنطن وما ورائها قبل بغداد ودمشق والرياض وطهران. واذا كان الحديث عن الحرب التي طال أمدها وارتفعت كلفتها قد عاد مجددا في أروقة الكونغرس وعلى صفحات الجرائد وشاشات التلفاز في الولايات المتحدة فان مرد ذلك هو فشل الماكينة العسكرية الأميركية حتى الآن في إنهاء القتال في العراق.
كانت شهادة وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد فجة أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ قبل أيام. ولا هو ولا جنرالاته الكبار استطاعوا أن يجيبوا على سؤال واضح وبسيط: متى يعود الجنود، يسمونهم بفخر الصبيان، الى بيوتهم؟ أي متى تضع الحرب أوزارها؟ أي متى ننتصر؟ لم يكن باستطاعة رامسفيلد واركان قيادته تحديد موعد، بل انهم اعتبروا مجرد الحديث عن جدول زمني لسحب القوات تنازلا خطيرا للمتمردين في العراق.
بصراحة لو كنت أميركيا لجزعت من محتوى شهادة رامسفيلد ورفاقه. فأميركا بعظمتها لا تحارب جيشا جرارا يمتلك من الفرق والعتاد والقيادة ما يطيل أمد الحرب. انها لا تحارب فيلقا أو فرقة مارقة احتمت بين الجبال أو في أعماق الأدغال، ولا هم أي المتمردون، في نظر رامسفيلد ارتقوا الى درجة تؤهلهم لاستخدام أساليب حرب العصابات كما كان يحدث في فيتنام أو كما كان يجري في غابات أميركا الجنوبية ايام ثورات سبعينات القرن الفائت. أميركا تحارب متمردين لا أكثر تسللوا الى العراق ليعرقلوا عمل قوات التحالف ويفشلوا مهمة الحكومة المركزية في فرض الأمن وبسط السلطة الشرعية.
ومع ذلك فان هؤلاء المتمردين (متمردون على ماذا؟) نجحوا مؤخرا في تصعيد ضرباتهم وإلحاق الأذى بالمارينز و قوات الأمن العراقية، كما انهم متهمون مباشرة بقتل آلاف العراقيين الأبرياء في عمليات تفجير جنونية تقع بضع مرات في اليوم. وحتى عمليات التطهير الكبرى التي تجري تحت أسماء مثل الرمح وغيرها لم تضعف من عزيمة أو تنظيم المتمردين، بينما تسببت مثل هذه العمليات في قتل العديد من الأبرياء باعتراف العراقيين أنفسهم.
أن يكون ثمن حرية العراق بهذا الحجم فهو أمر يثير الرعب والتقزز بلا شك. لكن أن يصر رامسفيلد وجنرالاته أن حفنة من المتسللين غير المدربين هم الذين يفشلون مهمة قوات التحالف ويمنعونها من تحديد جدول زمني للانسحاب، فهو أمر يثير الريبة على أقل تقدير.
ينبغي على رامسفيلد ان يعترف أن وصف متمردين على من هم وراء ما يحدث لم يعد كافيا أو مقنعا. وينبغي عليه أن يعترف أن هناك مقاومة عراقية لا تعبأ به ولا بجيشه ولا حتى بما انتهت اليه الأمور منذ سقوط نظام صدام. وقد لا تحظى هذه المقاومة بتأييد ودعم معظم العراقيين على اختلاف مشاربهم، الا ان مقاومة منظمة وعنيفة بهذا الشكل لابد لها من أرضية شعبية تستند اليها مهما صغر حجمها.
وعندما يصرف جنرال من قادة الأركان دقائق من شهادته ليحدث لجنة مجلس الشيوخ عن حاجة الجيش لأجهزة معقدة "تشتم" رائحة السيارات المفخخة وتعطلها قبل أن تنفجر، يدرك الكثيرون حجم المأزق العسكري الذي يجد هذا الجنرال ومن معه أنفسهم متورطين فيه. وعندما ينوه عضو من لجنة مجلس الشيوخ بأن أعداد المنخرطين في قوات الأمن والجيش العراقيين هي في انخفاض على عكس ما بشر به رامسفيلد في مطلع العام يدرك المرء أن كثيرا من كلام الوزير المعسول ووعوده لم يعد ينطلي على السياسيين في واشنطن.
ما لم يقله رامسفيلد وأركان قيادته كان مدويا في قاعة مجلس الشيوخ. هذه الحرب التي اشعلتها أميركا ودفعت باتجاهها وعاندت وكذبت حتى تبرر لها هي ليست في آخر فصولها. والنباح تجاه دمشق وطهران هو محاولة يائسة للخروج من المأزق وتبرير الفشل العسكري. اللهم الا اذا كانت هناك مؤامرة هدفها إطالة أمد الحرب وتفكيك العراق وتدميره وتحويله الى أشلاء. فكيف تسقط بغداد دون مقاومة في غضون ساعات ثم تقضي قوات التحالف أعواما في مناوشة متمردين عادوا لضرب الاميركان في الفلوجة مؤخرا بعد أن لم يبق فيها بيت الا وقصفته الطائرات أو دمرته الدبابات؟
نعرف ويعرف كثيرون أن رامسفيلد يكذب على الشعب الأميركي وعلينا. لقد أصبحت مقولة »العراق الحر« تثير السخط لانها لا تعبر عن حقيقة ما آل اليه هذا البلد وكذلك الامر بالنسبة للادعاء بأن من يحارب أميركا هم ليسوا الا متمردين. لعل هذا الذي دفع رامسفيلد الى الكشف مؤخرا عن أن البنتاغون يفاوض مسلحين في العراق. قد يكون من المبكر الحديث عن هزيمة عسكرية أميركية لكن هذا لا يعني أن إدارة الرئيس بوش لا ترى شبحها يلوح في الأفق.
اسامة الشريف
بقلم: اسامة الشريف
قلنا أن حرب أميركا في العراق ستطول وانها لن تنتهي كما يشتهي منظرو البنتاغون ولا جنرالاته، وأن دينامية المجتمع الأميركي وتركيبته ستدفع باتجاه التغيير في واشنطن وما ورائها قبل بغداد ودمشق والرياض وطهران. واذا كان الحديث عن الحرب التي طال أمدها وارتفعت كلفتها قد عاد مجددا في أروقة الكونغرس وعلى صفحات الجرائد وشاشات التلفاز في الولايات المتحدة فان مرد ذلك هو فشل الماكينة العسكرية الأميركية حتى الآن في إنهاء القتال في العراق.
كانت شهادة وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد فجة أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ قبل أيام. ولا هو ولا جنرالاته الكبار استطاعوا أن يجيبوا على سؤال واضح وبسيط: متى يعود الجنود، يسمونهم بفخر الصبيان، الى بيوتهم؟ أي متى تضع الحرب أوزارها؟ أي متى ننتصر؟ لم يكن باستطاعة رامسفيلد واركان قيادته تحديد موعد، بل انهم اعتبروا مجرد الحديث عن جدول زمني لسحب القوات تنازلا خطيرا للمتمردين في العراق.
بصراحة لو كنت أميركيا لجزعت من محتوى شهادة رامسفيلد ورفاقه. فأميركا بعظمتها لا تحارب جيشا جرارا يمتلك من الفرق والعتاد والقيادة ما يطيل أمد الحرب. انها لا تحارب فيلقا أو فرقة مارقة احتمت بين الجبال أو في أعماق الأدغال، ولا هم أي المتمردون، في نظر رامسفيلد ارتقوا الى درجة تؤهلهم لاستخدام أساليب حرب العصابات كما كان يحدث في فيتنام أو كما كان يجري في غابات أميركا الجنوبية ايام ثورات سبعينات القرن الفائت. أميركا تحارب متمردين لا أكثر تسللوا الى العراق ليعرقلوا عمل قوات التحالف ويفشلوا مهمة الحكومة المركزية في فرض الأمن وبسط السلطة الشرعية.
ومع ذلك فان هؤلاء المتمردين (متمردون على ماذا؟) نجحوا مؤخرا في تصعيد ضرباتهم وإلحاق الأذى بالمارينز و قوات الأمن العراقية، كما انهم متهمون مباشرة بقتل آلاف العراقيين الأبرياء في عمليات تفجير جنونية تقع بضع مرات في اليوم. وحتى عمليات التطهير الكبرى التي تجري تحت أسماء مثل الرمح وغيرها لم تضعف من عزيمة أو تنظيم المتمردين، بينما تسببت مثل هذه العمليات في قتل العديد من الأبرياء باعتراف العراقيين أنفسهم.
أن يكون ثمن حرية العراق بهذا الحجم فهو أمر يثير الرعب والتقزز بلا شك. لكن أن يصر رامسفيلد وجنرالاته أن حفنة من المتسللين غير المدربين هم الذين يفشلون مهمة قوات التحالف ويمنعونها من تحديد جدول زمني للانسحاب، فهو أمر يثير الريبة على أقل تقدير.
ينبغي على رامسفيلد ان يعترف أن وصف متمردين على من هم وراء ما يحدث لم يعد كافيا أو مقنعا. وينبغي عليه أن يعترف أن هناك مقاومة عراقية لا تعبأ به ولا بجيشه ولا حتى بما انتهت اليه الأمور منذ سقوط نظام صدام. وقد لا تحظى هذه المقاومة بتأييد ودعم معظم العراقيين على اختلاف مشاربهم، الا ان مقاومة منظمة وعنيفة بهذا الشكل لابد لها من أرضية شعبية تستند اليها مهما صغر حجمها.
وعندما يصرف جنرال من قادة الأركان دقائق من شهادته ليحدث لجنة مجلس الشيوخ عن حاجة الجيش لأجهزة معقدة "تشتم" رائحة السيارات المفخخة وتعطلها قبل أن تنفجر، يدرك الكثيرون حجم المأزق العسكري الذي يجد هذا الجنرال ومن معه أنفسهم متورطين فيه. وعندما ينوه عضو من لجنة مجلس الشيوخ بأن أعداد المنخرطين في قوات الأمن والجيش العراقيين هي في انخفاض على عكس ما بشر به رامسفيلد في مطلع العام يدرك المرء أن كثيرا من كلام الوزير المعسول ووعوده لم يعد ينطلي على السياسيين في واشنطن.
ما لم يقله رامسفيلد وأركان قيادته كان مدويا في قاعة مجلس الشيوخ. هذه الحرب التي اشعلتها أميركا ودفعت باتجاهها وعاندت وكذبت حتى تبرر لها هي ليست في آخر فصولها. والنباح تجاه دمشق وطهران هو محاولة يائسة للخروج من المأزق وتبرير الفشل العسكري. اللهم الا اذا كانت هناك مؤامرة هدفها إطالة أمد الحرب وتفكيك العراق وتدميره وتحويله الى أشلاء. فكيف تسقط بغداد دون مقاومة في غضون ساعات ثم تقضي قوات التحالف أعواما في مناوشة متمردين عادوا لضرب الاميركان في الفلوجة مؤخرا بعد أن لم يبق فيها بيت الا وقصفته الطائرات أو دمرته الدبابات؟
نعرف ويعرف كثيرون أن رامسفيلد يكذب على الشعب الأميركي وعلينا. لقد أصبحت مقولة »العراق الحر« تثير السخط لانها لا تعبر عن حقيقة ما آل اليه هذا البلد وكذلك الامر بالنسبة للادعاء بأن من يحارب أميركا هم ليسوا الا متمردين. لعل هذا الذي دفع رامسفيلد الى الكشف مؤخرا عن أن البنتاغون يفاوض مسلحين في العراق. قد يكون من المبكر الحديث عن هزيمة عسكرية أميركية لكن هذا لا يعني أن إدارة الرئيس بوش لا ترى شبحها يلوح في الأفق.
اسامة الشريف