منصور بالله
28-06-2005, 02:03 PM
استراتيجية هروب امريكية
2005/06/27
عبد الباري عطوان
عندما تلجأ القوة المحتلة الي اجراء مفاوضات مع حركات المقاومة المسلحة فهذا مؤشر واضح علي وصولها الي درجة اليأس، وعدم القدرة علي الاستمرار في تحمل الخسائر البشرية والمادية.
جميع القوي الاستعمارية، وفي مختلف الحقبات الاستعمارية، سحبت قواتها بعد فترة وجيزة من التفاوض مع اعدائها، والقوات الامريكية المحتلة في العراق لن تكون استثناء.
المشروع الامريكي في العراق يعاني من الفشل، واخطر من هذا وذاك، ان هذا الفشل جاء بعد عامين فقط من بدء الاحتلال، وعام واحد من تاريخ تسليم السلطة للعراقيين، وثلاثة اشهر فقط من اجراء الانتخابات العامة وسط طبل وزمر ومهرجانات كلامية حول حلول الديمقراطية التي ستكون البلسم الشافي لكل امراض العراقيين، السياسية منها والاجتماعية.
ملامح هذا الفشل يمكن تلخيصها في النقاط الرئيسية التالية:
اولا: اعتراف دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الامريكي يوم امس الاول، وتوني بلير رئيس وزراء بريطانيا يوم امس، بان المفاوضات مع الجماعات العراقية المسلحة او الشخصيات القريبة منها ما زالت مستمرة من اجل توسيع دائرة المشاركة في العملية السياسية.
ثانيا: اقرار المسؤولين الامريكيين بان من يتفاوضون معهم حاليا هم من البعثيين والجماعات السنية، وهذا يعني التخلي عن كل السياسات السابقة التي كانت تتبني نظرية الدكتور احمد الجلبي والسيد عبد العزيز الحكيم، ورئيس الوزراء الحالي الدكتور ابراهيم الجعفري في حتمية اجتثاث البعث، وتطهير الدوائر والمؤسسات الحكومية من كل عناصره.
ثالثا: اقرار الرئيس الامريكي جورج بوش بان الاوضاع في العراق صعبة للغاية، واعتراف رامسفيلد بان الحرب في البلاد قد تستمر لعقود قادمة، لان التمرد في العراق اقوي من كل التوقعات، وهزيمته ليست ممكنة من خلال الجيوش الامريكية، وانما من قبل الشعب العراقي.
رابعا: غابت المدائح الامريكية والعراقية المرتبطة بالاحتلال في العراق الجديد وديمقراطيته، ولم نعد نسمع الرئيس الامريكي جورج بوش يقول ان العراق افضل الان مما كان عليه الحال في السابق، كما اننا لم نعد نقرأ مقالات لاولئك الذين اشادوا بالغزو الامريكي للعراق، تنضح شماتة بالعرب والمسلمين.
خامسا: القيادة الامريكية لم تعد توصم من تتفاوض معهم بـ الارهابيين ، بل واصبحت تتعامل معهم، او بالاحري تأمل في التعامل معهم، كشركاء عراقيين اصلاء في العملية السياسية، اي انهم لم يعودوا ايتام صدام او بقايا البعث .
سادسا: الحملات العسكرية الامريكية المكثفة لم تنجح في القضاء علي المقاومة، بل بات من الواضح ان عملياتها باتت اكثر فاعلية من حيث الكم والكيف، ونوعيتها باتت متقدمة للغاية، فيوم امس اسقطت المقاومة طائرة اباتشي العمودية العملاقة، وقبل يومين فجرت المقاومة دورية عسكرية امريكية قرب الفلوجة وقتلت ستة جنود واصابت 13 آخرين، ومن المفترض ان تكون الفلوجة آمنة، وخالية من المقاومين بعد تدميرها بالكامل من قبل القوات الامريكية والمتعاونين معها مع رجالات الحرس الوطني وقوات البيشمركة الكردية، وقد رأي الملايين بعض عناصرها ترقص الدبكة الكردية احتفالا بسقوط المدينة وقتل المئات وربما الآلاف من اهلها.
سابعا: امريكا ارسلت قواتها لاحتلال العراق من اجل السيطرة علي منابع النفط، والتحكم باسعاره. واللافت ان اسعار النفط تجاوزت الستين دولارا للبرميل في الاسواق العالمية، أي ضعف ما كانت عليه قبل الحرب، كما ان امدادات النفط العراقي التي كان من المفترض ان تغطي نفقات الحرب متقطعة بسبب هجمات المقاومة المتكررة.
ثامنا: الخسائر المادية الامريكية في العراق بلغت 250 مليار دولار حتي الان، وبالامس اكد البروفسور كيث هارتلي الخبير في الاقتصاديات الدفاعية في جامعة يورك البريطانية، ان تكاليف الحرب الامريكية في العراق قد تصل الي 1250 مليار دولار في السنوات الخمس المقبلة. وتوقع خبراء آخرون ان يصل سعر برميل النفط الي مئة دولار في الفترة نفسها.
واذا اضفنا الي هذه الخسائر البشرية الامريكية التي تقترب من الفي قتيل، والعراقية التي فاقت المئة الف شهيد فان الصورة تبدو قاتمة بالنسبة للمشروع الامريكي في العراق.
تاسعا: الحرب الامريكية في العراق ادت الي تصعيد التطرف في المنطقة العربية والعالم الاسلامي، وهز الاستقرار، وتوفير الملاذ الآمن للجماعات الاصولية المتشددة مثل تنظيم القاعدة وكتائب ابو مصعب الزرقاوي، اي انها جاءت بنتائج عكسية تماما، فقد كان الهدف هو القضاء علي هذه الجماعات وتشجيع مسيرة الاعتدال.
عاشرا: المنطقة باتت مقبلة علي حرب نووية، ووصول احمدي نجاد الشخصية الايرانية المتطرفة الي الحكم، وعبر صناديق الاقتراع في ايران، هو ابرز دليل علي النتائج العكسية للسياسات الامريكية الغبية والعدوانية في المنطقة، وانزعاج اسرائيل من وصوله الي قمة الحكم، ربما يترجم علي شكل غارات لتدمير المفاعل النووي الايراني مثلما حدث مع المفاعل العراقي اوزيراك عام 1981. في هذه الحالة ستكون القوات الامريكية في العراق صيدا ثمينا وهدفا لعمليات انتحارية من السنة والشيعة في الوقت نفسه.
رامسفيلد يؤكد انه لن يتفاوض مع الجماعات الارهابية مثل جماعة ابو مصعب الزرقاوي، والجماعات السلفية الاخري، وستقتصر المفاوضات علي الشخصيات المسلحة التي تقاوم الاحتلال فقط، وممكن ان تنخرط في العملية السياسية، وهذا التراجع من شخص متغطرس مثل رامسفيلد، يكشف عمق المأزق الامريكي في العراق.
الامريكيون استعدوا السنة بغبائهم، والان يستعدون الشيعة بالتفاوض مع جماعات محسوبة علي النظام السابق الذي جاءوا الي العراق للاطاحة به، وسيجدون انفسهم في نهاية المطاف دون اصدقاء وفي مواجهة الجميع في العراق.
ولا نعرف ما هي حقيقة مشاعر الدكتور احمد الجلبي صاحب حقوق ملكية نظرية اجتثاث البعث، والسيد عبد العزيز الحكيم الذي اكد في بيانه يوم الجمعة الماضي بانه لا تفاوض مع الارهابيين، ويجب سحقهم، وهما يريان الادارة الامريكية تتفاوض مع هؤلاء، وتريدهم ان يجلسوا معهم جنبا الي جنب امام عجلة القيادة.
العراق الجديد يعود بخطي حثيثة نحو العراق القديم، او عراق ثالث ما زالت هويته او تسميته في رحم الغيب، والادارة الامريكية ربما لا يسعفها الوقت لوضع جدول زمني للانسحاب من العراق، وستغادر بسرعة وبارتباك مثلما غادرت سايغون الفيتنامية، تاركة خلفها مجموعة جديدة تحمل اسم ايتام رامسفيلد
2005/06/27
عبد الباري عطوان
عندما تلجأ القوة المحتلة الي اجراء مفاوضات مع حركات المقاومة المسلحة فهذا مؤشر واضح علي وصولها الي درجة اليأس، وعدم القدرة علي الاستمرار في تحمل الخسائر البشرية والمادية.
جميع القوي الاستعمارية، وفي مختلف الحقبات الاستعمارية، سحبت قواتها بعد فترة وجيزة من التفاوض مع اعدائها، والقوات الامريكية المحتلة في العراق لن تكون استثناء.
المشروع الامريكي في العراق يعاني من الفشل، واخطر من هذا وذاك، ان هذا الفشل جاء بعد عامين فقط من بدء الاحتلال، وعام واحد من تاريخ تسليم السلطة للعراقيين، وثلاثة اشهر فقط من اجراء الانتخابات العامة وسط طبل وزمر ومهرجانات كلامية حول حلول الديمقراطية التي ستكون البلسم الشافي لكل امراض العراقيين، السياسية منها والاجتماعية.
ملامح هذا الفشل يمكن تلخيصها في النقاط الرئيسية التالية:
اولا: اعتراف دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الامريكي يوم امس الاول، وتوني بلير رئيس وزراء بريطانيا يوم امس، بان المفاوضات مع الجماعات العراقية المسلحة او الشخصيات القريبة منها ما زالت مستمرة من اجل توسيع دائرة المشاركة في العملية السياسية.
ثانيا: اقرار المسؤولين الامريكيين بان من يتفاوضون معهم حاليا هم من البعثيين والجماعات السنية، وهذا يعني التخلي عن كل السياسات السابقة التي كانت تتبني نظرية الدكتور احمد الجلبي والسيد عبد العزيز الحكيم، ورئيس الوزراء الحالي الدكتور ابراهيم الجعفري في حتمية اجتثاث البعث، وتطهير الدوائر والمؤسسات الحكومية من كل عناصره.
ثالثا: اقرار الرئيس الامريكي جورج بوش بان الاوضاع في العراق صعبة للغاية، واعتراف رامسفيلد بان الحرب في البلاد قد تستمر لعقود قادمة، لان التمرد في العراق اقوي من كل التوقعات، وهزيمته ليست ممكنة من خلال الجيوش الامريكية، وانما من قبل الشعب العراقي.
رابعا: غابت المدائح الامريكية والعراقية المرتبطة بالاحتلال في العراق الجديد وديمقراطيته، ولم نعد نسمع الرئيس الامريكي جورج بوش يقول ان العراق افضل الان مما كان عليه الحال في السابق، كما اننا لم نعد نقرأ مقالات لاولئك الذين اشادوا بالغزو الامريكي للعراق، تنضح شماتة بالعرب والمسلمين.
خامسا: القيادة الامريكية لم تعد توصم من تتفاوض معهم بـ الارهابيين ، بل واصبحت تتعامل معهم، او بالاحري تأمل في التعامل معهم، كشركاء عراقيين اصلاء في العملية السياسية، اي انهم لم يعودوا ايتام صدام او بقايا البعث .
سادسا: الحملات العسكرية الامريكية المكثفة لم تنجح في القضاء علي المقاومة، بل بات من الواضح ان عملياتها باتت اكثر فاعلية من حيث الكم والكيف، ونوعيتها باتت متقدمة للغاية، فيوم امس اسقطت المقاومة طائرة اباتشي العمودية العملاقة، وقبل يومين فجرت المقاومة دورية عسكرية امريكية قرب الفلوجة وقتلت ستة جنود واصابت 13 آخرين، ومن المفترض ان تكون الفلوجة آمنة، وخالية من المقاومين بعد تدميرها بالكامل من قبل القوات الامريكية والمتعاونين معها مع رجالات الحرس الوطني وقوات البيشمركة الكردية، وقد رأي الملايين بعض عناصرها ترقص الدبكة الكردية احتفالا بسقوط المدينة وقتل المئات وربما الآلاف من اهلها.
سابعا: امريكا ارسلت قواتها لاحتلال العراق من اجل السيطرة علي منابع النفط، والتحكم باسعاره. واللافت ان اسعار النفط تجاوزت الستين دولارا للبرميل في الاسواق العالمية، أي ضعف ما كانت عليه قبل الحرب، كما ان امدادات النفط العراقي التي كان من المفترض ان تغطي نفقات الحرب متقطعة بسبب هجمات المقاومة المتكررة.
ثامنا: الخسائر المادية الامريكية في العراق بلغت 250 مليار دولار حتي الان، وبالامس اكد البروفسور كيث هارتلي الخبير في الاقتصاديات الدفاعية في جامعة يورك البريطانية، ان تكاليف الحرب الامريكية في العراق قد تصل الي 1250 مليار دولار في السنوات الخمس المقبلة. وتوقع خبراء آخرون ان يصل سعر برميل النفط الي مئة دولار في الفترة نفسها.
واذا اضفنا الي هذه الخسائر البشرية الامريكية التي تقترب من الفي قتيل، والعراقية التي فاقت المئة الف شهيد فان الصورة تبدو قاتمة بالنسبة للمشروع الامريكي في العراق.
تاسعا: الحرب الامريكية في العراق ادت الي تصعيد التطرف في المنطقة العربية والعالم الاسلامي، وهز الاستقرار، وتوفير الملاذ الآمن للجماعات الاصولية المتشددة مثل تنظيم القاعدة وكتائب ابو مصعب الزرقاوي، اي انها جاءت بنتائج عكسية تماما، فقد كان الهدف هو القضاء علي هذه الجماعات وتشجيع مسيرة الاعتدال.
عاشرا: المنطقة باتت مقبلة علي حرب نووية، ووصول احمدي نجاد الشخصية الايرانية المتطرفة الي الحكم، وعبر صناديق الاقتراع في ايران، هو ابرز دليل علي النتائج العكسية للسياسات الامريكية الغبية والعدوانية في المنطقة، وانزعاج اسرائيل من وصوله الي قمة الحكم، ربما يترجم علي شكل غارات لتدمير المفاعل النووي الايراني مثلما حدث مع المفاعل العراقي اوزيراك عام 1981. في هذه الحالة ستكون القوات الامريكية في العراق صيدا ثمينا وهدفا لعمليات انتحارية من السنة والشيعة في الوقت نفسه.
رامسفيلد يؤكد انه لن يتفاوض مع الجماعات الارهابية مثل جماعة ابو مصعب الزرقاوي، والجماعات السلفية الاخري، وستقتصر المفاوضات علي الشخصيات المسلحة التي تقاوم الاحتلال فقط، وممكن ان تنخرط في العملية السياسية، وهذا التراجع من شخص متغطرس مثل رامسفيلد، يكشف عمق المأزق الامريكي في العراق.
الامريكيون استعدوا السنة بغبائهم، والان يستعدون الشيعة بالتفاوض مع جماعات محسوبة علي النظام السابق الذي جاءوا الي العراق للاطاحة به، وسيجدون انفسهم في نهاية المطاف دون اصدقاء وفي مواجهة الجميع في العراق.
ولا نعرف ما هي حقيقة مشاعر الدكتور احمد الجلبي صاحب حقوق ملكية نظرية اجتثاث البعث، والسيد عبد العزيز الحكيم الذي اكد في بيانه يوم الجمعة الماضي بانه لا تفاوض مع الارهابيين، ويجب سحقهم، وهما يريان الادارة الامريكية تتفاوض مع هؤلاء، وتريدهم ان يجلسوا معهم جنبا الي جنب امام عجلة القيادة.
العراق الجديد يعود بخطي حثيثة نحو العراق القديم، او عراق ثالث ما زالت هويته او تسميته في رحم الغيب، والادارة الامريكية ربما لا يسعفها الوقت لوضع جدول زمني للانسحاب من العراق، وستغادر بسرعة وبارتباك مثلما غادرت سايغون الفيتنامية، تاركة خلفها مجموعة جديدة تحمل اسم ايتام رامسفيلد