الفرقاني
27-06-2005, 05:09 PM
نصف اعتراف بالهزيمة
عبد الباري عطوان
اعترف الرئيس الامريكي جورج بوش ان الوضع في العراق صعب للغاية، وان الطريق لن يكون سهلا، ولكنه رفض ان يحدد جدولا زمنيا لسحب قواته من العراق. جاء هذا الاعتراف اثناء استقباله الدكتور ابراهيم الجعفري، رئيس الوزراء العراقي، واحتفالهما بمناسبة مرور عام علي نقل السيادة الي العراقيين.
لهجة الرئيس الامريكي تغيرت في الايام الاخيرة، ولم يعد يكرر جملته المأثورة بأن العراق افضل حالا بعد تغيير نظام الحكم، ويمتدح الديمقراطية التي جاءت بفضل الاحتلال الامريكي.
ولعل المقاومة العراقية ارادت ان تحتفل مع الرئيس بوش وضيفه الدكتور الجعفري بنقل السيادة الي العراقيين بطريقتها الخاصة، فقد نجحت في نصب كمين لقافلة عسكرية امريكية وقتل ستة جنود من المارينز واصابة 13 آخرين.
العملية الفدائية الناجحة هذه وقعت في مدينة الفلوجة التي من المفترض ان تكون القوات الامريكية قد نظفتها من رجال المقاومة، الامر الذي يجعلنا نشكك في مدي مصداقية البيانات الامريكية.
فاذا كانت القوات الامريكية نجحت في القضاء علي المقاومة في الفلوجة، فكيف وقعت عملية الهجوم هذه، ولماذا تعاود القوات الامريكية الهجوم للمرة الثانية علي مدينة القائم قرب الحدود السورية بعد اقل من شهر علي تدميرها ايضا؟
الادارة الامريكية مرتبكة تماما، ولا تعرف كيف تتعامل مع الاوضاع، فعدد السيارات الملغمة التي تنفجر بصورة يومية في تصاعد، والاوضاع المعيشية للعراقيين تتدهور يوما بعد يوم.
فأي سيادة هذه التي تم نقلها للعراقيين والمواطن العراقي غير آمن في بيته، ولا يجد وظيفة لاطعام اطفاله، واي انتخابات هذه التي يتحدثون عنها والكهرباء مقطوعة والمياه شحيحة، والبلد مقطع الاوصال، وطرقه غير آمنة؟!
العراق الجديد الذي يتباهي به انصار الاحتلال اصبح ساحة للفوضي الدموية، ومرتعا للنهب والسرقات علي كل المستويات. وقد اعترف السيد حسين الشهرستاني نائب رئيس البرلمان ان اشكال الفساد وصلت الي معدلات كارثية.
الذين يغرقون في الفساد وينهبون المال العام ليسوا هؤلاء العراقيين البسطاء الذين تحملوا الحصار ومآسيه، وذاقوا ويلات الحروب علي مدي عشرين عاما، وانما هم فرسان العراق الجديد وحكامه الجدد اصحاب شعارات الديمقراطية والشفافية وحقوق الانسان، فقد وضعوا العراق في مرتبة عالية جدا، ولكن علي قائمة الفساد في العالم، حيث اصبح الثاني بعد بنغلاديش!
الرئيس بوش اكد للدكتور الجعفري امس انه لن يضع جدولا زمنيا لانسحاب قواته من العراق، ولكن الحديث عن هذا الجدول الزمني بهذه الطريقة العلنية، هو اعتراف بوجود تفكير لدي الادارة الامريكية للبحث عن استراتيجية خروج من العراق، مضافا الي ذلك ان الرئيس بوش يرد علي مطالبات صدرت عن نواب من الحزبين الجمهوري والديمقراطي بمثل هذا الجدول الزمني، والاعتراف بالهزيمة في العراق.
عناد الرئيس بوش هذا وتأكيداته هذه بعدم الانسحاب من العراق تذكرنا بالرئيس ليندون جونسون وعناده المماثل في فيتنام، فبعد خمس سنوات من المكابرة، وخسارة خمسة وستين الف جندي امريكي، اضطر خليفة جونسون الي الاعتراف بالهزيمة، والذهاب الي مائدة المفاوضات مع الفيتناميين راميا فوطة الاستسلام علي الحلبة.
الادارة الامريكية تبحث عن المقاومة وقيادتها من اجل التفاوض، وتعترف بذلك علنا، بل ان وزراء في حكومة العراق الجديد فتحوا خطوط اتصال مع شخصيات عشائرية قريبة من المقاومة طلبا للنجاة. ولا نعرف اذا كان هؤلاء المفاوضون، سواء كانوا امريكيين او عراقيين ينسقون مع بعضهم البعض ومع قياداتهم ام لا.
فالسفير الامريكي الجديد الافغاني الاصل زلمان زاد توعد الارهابيين العراقيين بسحقهم والقضاء عليهم، وكأنه حقق نجاحات عظيمة في افغانستان التي كان سفيرا فيها قبل انتقاله الي العراق، فبسبب تهديداته الصوتية هذه تصاعدت حدة المقاومة الافغانية، وارتفع معها عدد القتلي الامريكيين ووصل الي عشرة في اسبوع واحد، واعادت حركة طالبان تجميع صفوفها، وتضاعف انتاج الافيون عشر مرات، والاهم من هذا وذاك ان زعيم طالبان الملا عمر وحليفه زعيم تنظيم القاعدة ما زالا علي قيد الحياة بعد اربع سنوات علي احتلال البلاد. فاذا كان السيد زاد سينقل نجاحاته الهائلة هذه التي حققها في افغانستان الي العراق، فان علينا ان نتصور من الآن الحال الذي ستكون عليه العملية السياسية والعسكرية الامريكية في العراق.
الحكومة الامريكية انفقت حتي الان مئتي مليار دولار في العراق، ولا تستطيع السيطرة علي الفلوجة، وتحييد مدينة القائم، وفرض الامن في بغداد، والاهم من هذا ان السيارات المفخخة وصلت الي مدينة اربيل التي ظلت وعلي مدي خمسة عشر عاما آمنة تماما وواحة للاستقرار والازدهار.
ومن المفارقة ان مراكز الدراسات والبحث التي يعتمد عليها صانع القرار الامريكي تفتقت عن اكتشاف رهيب في الاسبوع الماضي عندما نشرت دراسة حول المقاومة العراقية تؤكد ان المال والدولارات علي وجه التحديد هما المحرك والدافع الرئيسي للمنخرطين فيها، حيث يحصل كل شخص ينفذ عملية فدائية ضد القوات الامريكية علي مبلغ مئة دولار.
انه الغباء بعينه، فماذا سيفعل هذا الانسان الذي يقود شاحنة محملة بألف كيلو من المواد المتفجرة في قافلة عسكرية امريكية بالمئة دولار التي كانت الدافع وراء عمله هذا هل سينفقها في مطاعم الجنة ومقاهيها؟
التحول الاكبر المتوقع في الاشهر المقبلة في العراق هو الصحوة الشعبية فالمظاهرة التي نظمها مئات من ابناء الشعب العراقي بكل طوائفه واجناسه في ساحة الفردوس قبل اربعة ايام وطالبوا فيها بانهاء الاحتلال هي الرسالة الابلغ للادارة الامريكية وكل المنخرطين في مشاريع الاحتلال السياسية.
امريكا ستخرج مهزومة من العراق تماما مثلما خرجت مهزومة من فيتنام. ولكن هناك من يقول ان هزيمتها في فيتنام ادت الي توحيد شطري البلاد، ولكن هزيمتها في العراق قد تؤدي الي شرذمته وتفتيته، والمأمول ان يتم التنبه منذ الآن لاحباط هذه النبوءة التشاؤمية.
http://www.dejlah.org/abdalbariatwan240605.htm
عبد الباري عطوان
اعترف الرئيس الامريكي جورج بوش ان الوضع في العراق صعب للغاية، وان الطريق لن يكون سهلا، ولكنه رفض ان يحدد جدولا زمنيا لسحب قواته من العراق. جاء هذا الاعتراف اثناء استقباله الدكتور ابراهيم الجعفري، رئيس الوزراء العراقي، واحتفالهما بمناسبة مرور عام علي نقل السيادة الي العراقيين.
لهجة الرئيس الامريكي تغيرت في الايام الاخيرة، ولم يعد يكرر جملته المأثورة بأن العراق افضل حالا بعد تغيير نظام الحكم، ويمتدح الديمقراطية التي جاءت بفضل الاحتلال الامريكي.
ولعل المقاومة العراقية ارادت ان تحتفل مع الرئيس بوش وضيفه الدكتور الجعفري بنقل السيادة الي العراقيين بطريقتها الخاصة، فقد نجحت في نصب كمين لقافلة عسكرية امريكية وقتل ستة جنود من المارينز واصابة 13 آخرين.
العملية الفدائية الناجحة هذه وقعت في مدينة الفلوجة التي من المفترض ان تكون القوات الامريكية قد نظفتها من رجال المقاومة، الامر الذي يجعلنا نشكك في مدي مصداقية البيانات الامريكية.
فاذا كانت القوات الامريكية نجحت في القضاء علي المقاومة في الفلوجة، فكيف وقعت عملية الهجوم هذه، ولماذا تعاود القوات الامريكية الهجوم للمرة الثانية علي مدينة القائم قرب الحدود السورية بعد اقل من شهر علي تدميرها ايضا؟
الادارة الامريكية مرتبكة تماما، ولا تعرف كيف تتعامل مع الاوضاع، فعدد السيارات الملغمة التي تنفجر بصورة يومية في تصاعد، والاوضاع المعيشية للعراقيين تتدهور يوما بعد يوم.
فأي سيادة هذه التي تم نقلها للعراقيين والمواطن العراقي غير آمن في بيته، ولا يجد وظيفة لاطعام اطفاله، واي انتخابات هذه التي يتحدثون عنها والكهرباء مقطوعة والمياه شحيحة، والبلد مقطع الاوصال، وطرقه غير آمنة؟!
العراق الجديد الذي يتباهي به انصار الاحتلال اصبح ساحة للفوضي الدموية، ومرتعا للنهب والسرقات علي كل المستويات. وقد اعترف السيد حسين الشهرستاني نائب رئيس البرلمان ان اشكال الفساد وصلت الي معدلات كارثية.
الذين يغرقون في الفساد وينهبون المال العام ليسوا هؤلاء العراقيين البسطاء الذين تحملوا الحصار ومآسيه، وذاقوا ويلات الحروب علي مدي عشرين عاما، وانما هم فرسان العراق الجديد وحكامه الجدد اصحاب شعارات الديمقراطية والشفافية وحقوق الانسان، فقد وضعوا العراق في مرتبة عالية جدا، ولكن علي قائمة الفساد في العالم، حيث اصبح الثاني بعد بنغلاديش!
الرئيس بوش اكد للدكتور الجعفري امس انه لن يضع جدولا زمنيا لانسحاب قواته من العراق، ولكن الحديث عن هذا الجدول الزمني بهذه الطريقة العلنية، هو اعتراف بوجود تفكير لدي الادارة الامريكية للبحث عن استراتيجية خروج من العراق، مضافا الي ذلك ان الرئيس بوش يرد علي مطالبات صدرت عن نواب من الحزبين الجمهوري والديمقراطي بمثل هذا الجدول الزمني، والاعتراف بالهزيمة في العراق.
عناد الرئيس بوش هذا وتأكيداته هذه بعدم الانسحاب من العراق تذكرنا بالرئيس ليندون جونسون وعناده المماثل في فيتنام، فبعد خمس سنوات من المكابرة، وخسارة خمسة وستين الف جندي امريكي، اضطر خليفة جونسون الي الاعتراف بالهزيمة، والذهاب الي مائدة المفاوضات مع الفيتناميين راميا فوطة الاستسلام علي الحلبة.
الادارة الامريكية تبحث عن المقاومة وقيادتها من اجل التفاوض، وتعترف بذلك علنا، بل ان وزراء في حكومة العراق الجديد فتحوا خطوط اتصال مع شخصيات عشائرية قريبة من المقاومة طلبا للنجاة. ولا نعرف اذا كان هؤلاء المفاوضون، سواء كانوا امريكيين او عراقيين ينسقون مع بعضهم البعض ومع قياداتهم ام لا.
فالسفير الامريكي الجديد الافغاني الاصل زلمان زاد توعد الارهابيين العراقيين بسحقهم والقضاء عليهم، وكأنه حقق نجاحات عظيمة في افغانستان التي كان سفيرا فيها قبل انتقاله الي العراق، فبسبب تهديداته الصوتية هذه تصاعدت حدة المقاومة الافغانية، وارتفع معها عدد القتلي الامريكيين ووصل الي عشرة في اسبوع واحد، واعادت حركة طالبان تجميع صفوفها، وتضاعف انتاج الافيون عشر مرات، والاهم من هذا وذاك ان زعيم طالبان الملا عمر وحليفه زعيم تنظيم القاعدة ما زالا علي قيد الحياة بعد اربع سنوات علي احتلال البلاد. فاذا كان السيد زاد سينقل نجاحاته الهائلة هذه التي حققها في افغانستان الي العراق، فان علينا ان نتصور من الآن الحال الذي ستكون عليه العملية السياسية والعسكرية الامريكية في العراق.
الحكومة الامريكية انفقت حتي الان مئتي مليار دولار في العراق، ولا تستطيع السيطرة علي الفلوجة، وتحييد مدينة القائم، وفرض الامن في بغداد، والاهم من هذا ان السيارات المفخخة وصلت الي مدينة اربيل التي ظلت وعلي مدي خمسة عشر عاما آمنة تماما وواحة للاستقرار والازدهار.
ومن المفارقة ان مراكز الدراسات والبحث التي يعتمد عليها صانع القرار الامريكي تفتقت عن اكتشاف رهيب في الاسبوع الماضي عندما نشرت دراسة حول المقاومة العراقية تؤكد ان المال والدولارات علي وجه التحديد هما المحرك والدافع الرئيسي للمنخرطين فيها، حيث يحصل كل شخص ينفذ عملية فدائية ضد القوات الامريكية علي مبلغ مئة دولار.
انه الغباء بعينه، فماذا سيفعل هذا الانسان الذي يقود شاحنة محملة بألف كيلو من المواد المتفجرة في قافلة عسكرية امريكية بالمئة دولار التي كانت الدافع وراء عمله هذا هل سينفقها في مطاعم الجنة ومقاهيها؟
التحول الاكبر المتوقع في الاشهر المقبلة في العراق هو الصحوة الشعبية فالمظاهرة التي نظمها مئات من ابناء الشعب العراقي بكل طوائفه واجناسه في ساحة الفردوس قبل اربعة ايام وطالبوا فيها بانهاء الاحتلال هي الرسالة الابلغ للادارة الامريكية وكل المنخرطين في مشاريع الاحتلال السياسية.
امريكا ستخرج مهزومة من العراق تماما مثلما خرجت مهزومة من فيتنام. ولكن هناك من يقول ان هزيمتها في فيتنام ادت الي توحيد شطري البلاد، ولكن هزيمتها في العراق قد تؤدي الي شرذمته وتفتيته، والمأمول ان يتم التنبه منذ الآن لاحباط هذه النبوءة التشاؤمية.
http://www.dejlah.org/abdalbariatwan240605.htm