المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دفع شبهات حول شرعية المقاومة في العراق رداً على تصريحات للشيخ أبي بكر الجزائري



الفرقاني
24-06-2005, 08:43 PM
دفع شبهات حول شرعية المقاومة في العراق رداً على تصريحات للشيخ أبي بكر الجزائري

[الكاتب: عبد الآخر حماد الغنيمي]

نشرت جريدة المدينة السعودية في عددها الصادر في 19/11/1425 تصريحاً للشيخ أبي بكر الجزائري أكد فيه على عدم مشروعية الجهاد في العراق، وأن ما يجرى فيه الآن من قتال ضد القوات المحتلة كله عبث وسخرية، وأن هؤلاء المقاومين (لو بقوا خمسين سنة وهم يموتون فلن يفعلوا شيئا)، وذكر أن على أهل العراق إذا أرادوا الجهاد أن يبايعوا إماماً ويطبقوا شرع الله عامين أو أكثر، بحيث لا يكون هناك زنا ولا ربا ولا غش ولا غيره، ويصبحون أمة مسلمة، ثم ينظرون بعد ذلك إن كانوا قادرين على الجهاد وقتال الكفار جاهدوا.

كما جاء في هذا التصريح أيضاً أن على العراقيين أن يصالحوا أمريكا؛ معللاً ذلك بقوله: (والله لا يستطيعون أن يقضوا على أمريكا، وهذا كذب وباطل، وعليهم أن يصالحوا، والرسول صلى الله عليه وسلم صالح اليهود والقبائل، هل يستطيعون الآن أن ينتصروا عليهم، والله لا ينتصرون، ثم إذا انتصروا هل أقاموا دين الله؟ أم هم فسقة فجرة؟).

ونظراً لما يمكن أن تحدثه مثل هذه الأقاويل من البلبلة والأثر السيئ عند كثير ممن لا دراية لهم من المسلمين، فقد رأيت أن أخط كلمات مختصرات تعليقاً على هذا التصريح.


فأقول وبالله التوفيق:

أولاً: لم هذا التألي على الله؟

أقسم الشيخ الجزائري بالله تعالى أن العراقيين لن يستطيعوا أن يهزموا الأمريكان، ولو بقوا خمسين سنة على هذه الحال، ولا شك أن هذا من التألي على الله تعالى، والرجم بالغيب؛ فمن أدراه أن الله تعالى لن ينصر هؤلاء المجاهدين ويمدهم بمدد من عنده، ألم يقل ربنا تبارك وتعالى في محكم كتابه: (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين) [البقرة: 249].

إن الذي يجب أن يعتقده أهل الإيمان أن الله تعالى لا يعجزه شيء ولا تقف أما قدرته أمريكا ولا من هم أقوى منها، وهو سبحانه قادر على أن يسلط عليها جنداً من جنده فلا تقوم لها قائمة، كما فعل بأمم سبقتها في الطغيان والتجبر فأهلكها الله بظلمها وبغيها، وهل كان أحد يتوقع سقوط الاتحاد السوفيتي بتلك السرعة التي لم يكن ينتظرها حتى أعداؤه من الغربيين؟

ثانياً: بطلان اشتراط الإمام في صحة الجهاد:

اشترط الشيخ الجزائري لصحة الجهاد أن يبايع أهل العراق إماماً ثم يطبقوا شرع الله سنتين أو أكثر، ثم بعد ذلك عليهم أن ينظروا هل يستطيعون الجهاد أم لا؟ ونحن نقول له: في أي كتاب وأية سنة وردت هذه الشروط التعجيزية التي ما أنزل الله بها من سلطان، لقد أمر الله تعالى بقتال المعتدين دون أن يشترط هذه الشروط، وقد أجمع المسلمون على أنه إذا نزل العدو بأرض المسلمين فإن الجهاد يصير فرض عين لا يشترط له وجود إمام، بل إن الصحيح أنه حتى في جهاد الطلب لا يشترط وجود الإمام.

وقد كان أبو بصير رضي الله عنه ومن معه يقاتلون المشركين، مع أنه لم يكن إماماً، ولا كان مكلفاً بذلك من قبل الإمام الأعظم صلى الله عليه وسلم [1].

وقد نص على عدم اشتراط وجود الإمام لصحة الجهاد بنوعيه كثير من أهل العلم؛ قال ابن قدامة رحمه الله: (فإن عدم الإمام لم يؤخر الجهاد لأن مصلحته تفوت بتأخيره، فإن حصلت غنيمة قسمها أهلها على موجب الشرع) [2].

وقال الجويني: (أما ما يسوغ استقلال الناس فيه بأنفسهم، ولكن الأدب يقتضي فيه مطالعة ذوي الأمر ومراجعة مرموق العصر، كعقد الجمع وجر العساكر إلى الجهاد واستيفاء القصاص في النفس والطرف فيتولاه الناس عند خلو الدهر... وإنما ينهى أحاد الناس عن شهر السلاح استبداداً إذا كان في الزمان وزر قوام على أهل الإسلام، فإذا خلا الزمان عن السلطان وجب البدار على حسب الإمكان إلى درء البوائق عن أهل الإيمان) [3].

بل إننا نُذَكِّر الشيخ الجزائري بقول له قديم جاء في كتابه "منهاج المسلم"، حيث قال بعد أن ذكر أن الجهاد لا بد أن يكون وراء إمام مسلم: (وبناء على هذا فإنه يجب على أية مجموعة من المسلمين تريد أن تجاهد غازية في سبيل الله أو تتحرر وتتخلص من قبضة الكفار أن تبايع رجلاً منها تتوافر فيه أغلب شروط الإمامة من علم وتقوى وكفاية، ثم تنظم صفوفها، وتجمع أمرها وتجاهد بألسنتها وأموالها وأيديها حتى يكتب الله لها النصر) [4].

فلم يشترط أن يتمكن هذا الشخص المبايع من تطبيق شرع الله، وهذا هو الواقع الآن في العراق فإن الذي نعرفه أن المجاهدين من أهل السنة هناك لهم قادة وراية إسلامية، وربما كانوا أكثر من جماعة، لكن هذا لا يعني عدم مشروعية جهادهم؛ فقد كان الأفغان جماعات متعددة، ومع ذلك كنتم تفتون بشرعية جهادهم فما الذي تغير الآن؟

بل إننا نقول إنه لو لم يتيسر للمسلم إلا أن يدفع العدو وحده دون جماعة ولا راية، فإنه يفعل ما يقدر عليه، ولا يُكلف إلا بذلك، كما قال تعالى: (فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك) [النساء: 84].

قال ابن عطية في تفسيره: (أي يا محمد وكل واحد من أمتك القول له: قاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك، ولهذا ينبغي لكل مؤمن أن يستشعر أن يجاهد ولو وحده) [5].

وقد أورد القاضي ابن العربي سؤالاً عما يفعله الواحد من المسلمين إذا قصر الجميع في هذا الواجب، وأجاب عليه بأن (يعمد من رأى تقصير الخلق إلى أسير واحد فيفديه... ويغزو بنفسه إن قدر، وإلا جهز غازياً، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من جهز غازياً فقد غزا، ومن خلف غازياً في أهله فقد غزا"...) [6].

ثم إن من المضحكات المبكيات أن يُطالَب المسلمون في العراق بأن يبايعوا إماماً وأن يطبقوا شريعة الله، قبل أن يفكروا في مقاومة الغزاة وإخراجهم من بلادهم، فمن الذي سيمكنهم من مبايعة الإمام وتطبيق شرع الله؟ هل هم أعداء الله من الأمريكان أم هم أذنابهم من الشيعة الروافض؟ خصوصاً وأننا نعتقد - من خلال معرفتنا بآراء الشيخ الجزائري حول الشيعة - أنه يقصد مبايعة إمام من أهل السنة والجماعة.

ثالثاً: اشتراطه القدرة على هزيمة أمريكا:

اشترط الشيخ الجزائري لصحة الجهاد في العراق أن يكون المجاهدون قادرين على تحقيق النصر وهزيمة أمريكا، وهو أيضاً شرط باطل لا دليل عليه من كتاب ولا سنة، وإنما يكفي أن يغلب على ظن المجاهدين أنهم يتمكنون من إحداث نكاية في العدو، أو أنه ينتج من جهادهم تقوية قلوب المؤمنين أو بث الرعب في قلوب الكافرين، وإشعارهم بجرأة أهل الإيمان.

ومن أدلة ذلك ما جاء في قصة عاصم بن ثابت لما (بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأس نفر من أصحابه إلى عضل والقارة، فخرج عليهم قرابة مائة رام، فأحاطوا بهم فقالوا: لكم العهد والميثاق إن نزلتم إلينا أن لا نقتل منكم رجلاً، فقال عاصم: أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر...، فقاتلوهم حتى قتلوا عاصماً في سبعة نفر بالنبل...) [7].

فلا شك أن قدرة عاصم ومن معه لم تكن تبلغ أن يقاتلوا مئة رام، وقد كان لهم مندوحة في ترك القتال، ومع ذلك أبى عاصم رضي الله عنه إلا أن يقاتلهم فقاتلهم حتى قتل.

قال القرطبي في تفسيره: (قال محمد بن الحسن: لو حمل رجل واحد على ألف رجل من المشركين وحده لم يكن بذلك بأس إذا كان يطمع في نجاة أو نكاية في العدو، فإن لم يكن كذلك فهو مكروه لأنه عرض نفسه للتلف في غير منفعة للمسلمين فإن كان قصده تجرئة المسلمين عليهم حتى يصنعوا مثل صنيعه فلا يبعد جوازه، ولأن فيه منفعة للمسلمين على بعض الوجوه وإن كان قصده إرهاب العدو ليعلم صلابة المسلمين في الدين، فلا يبعد جوازه وإذا كان فيه نفع للمسلمين فتلفت النفس لإعزاز دين الله وتوهين الكفر فهو المقام الشريف الذي مدح الله به المؤمنين في قوله: "إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم"... إلى غيرها من آيات المدح التي مدح الله بها من بذل نفسه وعلى ذلك ينبغي أن يكون حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) [8].

وأهل العلم يفرقون بين جهاد الطلب الذي يشترطون القدرة في وجوبه - لا في صحته - وبين دفع عدوان الكافرين الذي لا يشترط له ذلك.

قال شيخ الإسلام: (وأما قتال الدفع فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين، فواجب إجماعاً، فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه، فلا يشترط له شرط بل يدفع بحسب الإمكان، وقد نص على ذلك العلماء: أصحابنا وغيرهم، فيجب التفريق بين دفع الصائل الظالم الكافر وبين طلبه في بلاده) [9].

ولو لم يكن في جهاد العراقيين المخلصين إلا الإعذار إلى ربهم وطلب الشهادة لكان ذلك كافياً في مشروعية جهادهم، ولو لم يكن من فائدة من جهادهم إلا أن يعلم الأمريكان أن أرض الإسلام ليست لقمة سائغة يلتهمونها وقت ما يشاؤون، وأن عليهم أن يفكروا مئات المرات قبل أن يقدموا على تكرار ما فعلوه في العراق لكان ذلك كافياً في مشروعية جهادهم، فكيف ونحن نشهد بحمد الله كل يوم نكايات عظيمة في جند الباطل، حتى إن الأخبار الموثقة تتحدث عن فرار الجنود الأمريكان من العراق، وبعضهم يدفع مئات الدولارات للمهربين لكي يخرجه إلى خارج العراق.

ورحم الله شيخ المجاهدين عمر المختار حين سأله القائد الإيطالي بعد أسره عن سبب استمراره في القتال مع كونه لا يملك من العدد والعدة ما يمكنه من هزيمة إيطاليا فقال: (كنت مجاهداً وكفى، أما ما ينجم عن هذا الجهاد، فالأمر فيه موكول لله وحده).

رابعاً: اشتراطه عدم وجود المعاصي:

اشترط الشيخ الجزائري عدم وجود الزنا والربا والغش حتى يمكن القيام بواجب الجهاد، وهذا أيضاً شرط باطل لا دليل عليه.

ولسنا ننكر أهمية إخلاص العبودية لله تعالى والبعد عن المعاصي في تحقيق النصر، ولكن ليس هناك من دليل شرعي على أن ذلك شرط لا بد من تحققه قبل القيام بعبودية الجهاد، وكيف يكون ذلك صحيحاً ونحن نعلم أن من أصول أهل السنة والجماعة الجهاد مع كل بر وفاجر من الأمراء، ومعنى ذلك أن الفاجر من الأمراء جهاده مشروع وأننا مطالبون بالجهاد معه رغم فسقه وفجوره، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (... إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر) [10]، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة) [11].

فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا تزال طائفة من أمته تقاتل في سبيل الله، وأن ذلك لا ينقطع حتى آخر الزمان، ومعلوم أن الأمة لا يمكن أن تكون في كل عصورها على الاستقامة الكاملة، ولا شبه الكاملة.

لذا فقد استدل الإمام الخطابي بهذا الحديث على وجوب الجهاد مع أئمة الجور فقال في معالم السنن: (فيه بيان أن الجهاد لا ينقطع أبداً، وإذا كان معقولاً أن الأئمة كلهم لا يتفق أن يكونوا عدلاً، فقد دل هذا على أن جهاد الكفار مع أئمة الجور واجب كهو مع أهل العدل، وأن جورهم لا يسقط طاعتهم في الجهاد وفيما أشبه ذلك من المعروف...) [12].

وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيميه أنه إذا لم يتفق الغزو إلا مع الأمراء الفجار أو مع عسكر كثير الفجور؛ فإنه لا بد من الغزو معهم دفعاً للضرر الأكبر، كما ذكر أن كثيراً من الغزو الذي حصل بعد الخلفاء الراشدين لم يقع إلا على هذا الوجه [13].

وقد كان الأفغان يجاهدون الروس، وكان علماء الجزيرة وغيرهم يفتون بصحة جهادهم، ووجوب نصرتهم، مع ما كان عندهم من الجهل، بل والأمور البدعية الشركية.


وأخيراً:

فإننا لا نشك في أن مثل هذه الأقوال إنما هي من قبيل الشبهات التي ينبغي على أهل الإيمان دفعها بتقوية اليقين، ونشر العلم الصحيح، وقد كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم مَن يشكك المؤمنين في قدراتهم ويخوفهم بأنهم لا قبل لهم بملاقاة عدوهم فيقول: (يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فراراً) [الأحزاب: 13]، أما أهل الإيمان فما ضرهم ذلك في شيء، بل قالوا لما رأوا تجمع الأحزاب عليهم: (هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً) [الأحزاب: 22].

وهذا الذي وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يتكرر مثله في كل وقت تتعرض فيه الأمة إلى تكالب الأعداء عليها.

وقد بين شيخ الإسلام ابن تيميه أن ذلك قد وقع في عصره، ثم قال رحمه الله: (تارة يقول المنافقون للمؤمنين‏: ‏ هذا الذى جرى علينا بشؤمكم، فإنكم أنتم الذين دعوتم الناس إلى هذا الدين، وقاتلتم عليه، وخالفتموهم؛ فإن هذه مقالة المنافقين للمؤمنين من الصحابة‏، وتارة يقولون‏: ‏ أنتم الذين أشرتم علينا بالمقام هنا، والثبات بهذا الثغر إلى هذا الوقت، وإلا فلو كنا سافرنا قبل هذا لما أصابنا هذا‏، وتارة يقولون‏: ‏ أنتم مع قلتكم وضعفكم تريدون أن تكسروا العدو، وقد غركم دينكم، كما قال تعالى‏: ‏ "إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم"‏ ‏ [‏الأنفال‏: ‏ 49‏]‏‏، وتارة يقولون‏: ‏ أنتم مجانين، لا عقل لكم، تريدون أن تهلكوا أنفسكم والناس معكم‏، وتارة يقولون أنواعًا من الكلام المؤذى الشديد‏) [14].

فيا أيها المجاهدون في بلاد الرافدين وغيرها:

عليكم بالصبر والثبات، والتوكل على من بيده الأمر في الأرض والسموات، ولا تلتفتوا إلى مثل هذه الشبهات.

(إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافوني إن كنتم مؤمنين) [آل عمران: 175].

--------------------------------------------------------------------------------

[1] قصة أبي بصير أخرجها البخاري 2731، 2732، من حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم.
[2] المغني مع الشرح الكبير: 10/ 369.
[3] غياث الأمم ص: 172 - 173
[4] منهاج المسلم ص: 304
[5] المحرر الوجيز 4/153.
[6] أحكام القرآن 2/954.
[7] أخرجه البخاري 3045، وأبو داود 2660 وأحمد 2/294 من حديث أبي هريرة.
[8] الجامع لأحكام القرآن 2/364.
[9] الاختيارات الفقهية ص: 309 – 310.
[10] أخرجه البخاري 3062، ومسلم 111 من حديث أبي هريرة.
[11] أخرجه مسلم 156، 1923، وأحمد 3/345، وغيرهما من حديث جابر بن عبد الله.
[12] معالم السنن المطبوع بهامش سنن أبي داود: 3/11.
[13] مجموع الفتاوى: 28/506 – 507.
[14] مجموع الفتاوى: 28/ 457.