المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المخططات الأمريكية للعراق: نماذج غير قابلة للتطبيق



الفرقاني
20-06-2005, 01:47 PM
المخططات الأمريكية للعراق: نماذج غير قابلة للتطبيق


بقلم: زكريا شاهين

من عملية مصارعة الثيران التى انتهت على أبواب القائم، إلى عملية البرق التى لا تزال قيد الفعل، لا تبدو الحالة العراقية وكأنما تتجه إلى الهدوء حتى ولو بشكل نسبي، ولعل ما ميز الأسابيع الثلاثة الماضية ، ازدياد العمليات العسكرية التى استهدفت أفراد الشرطة والجيش العراقي، حيث الخسائر العالية، إضافة إلى استهداف الدوريات الأمريكية وسقوط الأعداد الكبيرة من الجنود الأمريكيين قياسا فى الفترة نفسها من الشهر الفائت، مع ملاحظة هامة ونوعية، تتعلق باستهداف خطوط التموين والإمداد الأمريكية، حيث سجلت الخسائر، مقتل العشرات من سائقى الشاحنات العاملة لصالح القوات الأمريكية إضافة إلى تدمير تلك الشاحنات..


الخطط الأمريكية التى استهدفت تقليل الخسائر الأمريكية بزج هذا العدد الكبير من قوات الجيش العراقى إلى الواجهة، لم تفلح فى إسكات الأصوات المتصاعدة حتى داخل مؤسسات الإدارة الأمريكية الرسمية، للمطالبة بالانسحاب من العراق، أو جدولة هذا الانسحاب على الأقل فى الوقت الراهن، لا بل ان الأنباء تحدثت عن محاولات أمريكية لإعادة إحياء طلب قديم يتعلق بمشاركة عربية فى ما يقال أنها لحفظ السلام وتحقيق الاستقرار، فى وقت لا تجد فيه تجاوبا فى هذه المسالة حتى مع بعض الذين ما زالت تعتبرهم حلفائها فى المنطقة. العمليات العسكرية توسعت بحيث لم تعد هناك منطقة عراقية بمنأى عنها، فيما عادت جبهات قديمة للواجهة مثل الفالوجة والرمادى وغيرها، إضافة إلى التوسع بالمواجهات فى الشمال العراقي.

فى مواجهة الرئيس

منذ ذهاب الإدارة الأمريكية باتجاه غزو العراق، لم يواجه الرئيس الأمريكى معارضة كما هى الحال فى هذه الأيام، سواء على الصعيد الرسمي، أو على الصعيد الشعبي، وبعيدا عن استطلاعات الرأى العام الأمريكى الذى تراجع تأييده بنسبة كبيرة بما يخص بقاء القوات الأمريكية فى العراق، طالبت مجموعةمن أعضاء مجلس النواب الأميركى تضم ديمقراطيين وجمهوريين، الرئيس الأميركى جورج بوش بالشروع فى سحب القوات الأميركية من العراق بدءا من أكتوبر/تشرين الأول2006 ، وتعتبر هذه المرة الأولى التى يقدم فيها ديمقراطيون وجمهوريون مشروع قانون مشتركا بشأن التواجد الأميركى فى العراق, رغم أن أغلبية ديمقراطية وستة من الجمهوريين رفضوا عام 2002 إرسال قوات إلى العراق, لكنهم لم ينسقوا أبدا من أجل مشروع قرار يدعو إلى عودتها.

المفارقة التى قيل بأنها صدمت الرئيس بوش، كانت حين علم ان من بين مقدمى المشروع، الجمهورى وولتر جونس من نورث كارولينا، الذى كان أحد أكبر المؤيدين للحرب على العراق، هذا السيناتور وبعد أن كان من أكبر مناصرى الحرب ، تراجع جونس ليقول إن أسلحة الدمار الشامل التى برر بها البيت الأبيض الاجتياح لا وجود لها, معتبرا أن واشنطن قامت بما تستطيع القيام به فى العراق, وأنه أزف وقت الرحيل. غير أن الإدارة الأميركية تصر على أن سحب القوات الأميركية فى الوقت الراهن سيقوى شوكة المقاومة العراقية, معتبرة أن قوات الأمن العراقية ما زالت فى حاجة للمزيد من الدعم لتنفيذ عملياتها، هذا الكلام، تتبناه وزارة الدفاع "البنتاغون"، ويردده الوزير رامسفيلد، بالرغم من ان عسكريين فى وزارته ، يرون ان الاستمرار ضمن هذه الحالة، سيقود الجيش الأمريكى إلى حالة كارثية. مشروع القرار المشترك بين النواب الجمهوريين والديمقراطيين، يأتى فى وقت ارتفعت فيه حصيلة القتلى الأميركيين فى العراق, وتواصل هذا النزف بحيث لم يعد يمر يوما إلا ويسقط معه المزيد من القتلى الأمريكيين، حيث تشير الحصيلة الرسمية، والتى تشكك بها حتى وسائل الإعلام الأمريكية، إلى ان عدد القتلى فى صفوف القوات الأميركية الشهر الماضى بـ80 قتيلا, وان العدد الإجمالى من القتلى الأميركيين منذ بدء الحرب وصل إلى 1700. بالمقابل، أظهر استطلاع للرأى أجراه معهد غالوب ونشرته صحيفةيو إس أى توداى قبل بضعة أيام أن 60% من الأميركيين يؤيدون إما سحبا كاملا وإما جزئيا للقوات الأميركية فى العراق.

إنهم لا يريدون الذهاب إلى الحرب!!

وزارة الدفاع الأميركية ، تواجه صعوبات فى اجتذاب المجندين للخدمة فى القوات الأميركية، ويعزو الخبراء هذا الوضع إلى تزايد القتلى الأميركيين فى العراق وتحسن الأوضاع الاقتصادية.

ويوضح الجنرال مايكل روشيل رئيس قسم التجنيد فى وزارة الدفاعأن من بين أسبابتدنى الإقبال على الخدمةنصائح الأهل والعائلات والمربين لأبنائهم بعدم الانخراط فى الجيش. يعترف بأن مسؤولى التجنيد فى الولايات يواجهون مناخا متوترا لم يشهد مثيلا له خلال 33 عاما من عمله العسكري. يعرب روشيل عن أسفه لبعض الممارسات التى يتسبب فيها مسؤولو شعب التجنيد فى الولايات، مشيرا إلى أن هناك تحقيقا يجرى الآن فى سبع وقائع تعكس سوء سلوك هؤلاء المسؤولين، لكنه لم يذكرأى مثالمن تلك الوقائع، بالرغم من ان الصحف الأميركية كانت قد أشارت إلى انتهاكاتقام بها مسؤولو التجنيد، وتنظر إدارة التجنيدبالبنتاغون فى 7500 حالة، منها حادثة وقعت فى مدينة هيوستن -تكساس جنوب البلاد- حيث ترك أحد المسؤولين رسالة هاتفية لشاب متطوع يهدده فيها إن تخلف عن الموعد الذى حدده له.

ويشار إلى أن الجيش الأميركى ألغى طلبات التجنيد الإجباريعام 1973 أواخر الحرب الفيتنامية الأميركية، ومنذ ذلك الوقتوهو يعتمد على المتطوعين، فيما انه فى الحالة العراقية، اتجه إلى الاستعانة بالمرتزقة، الذين ازدهرت التجارة فيهم وبهم، حيث تعد الشركات التى تجتذبهم إلى العراق بالعشرات.

هذه الحالة، تجد مناخا خصبا لها فى وسائل الإعلام، حتى خارج الولايات المتحدة، فجديد ما كشفت عنه الصحافة، ما جاء عن وثيقة سرية للجيش الأميركى تفيد بتحديد ديسمبر/كانون الأول المقبل موعدا لانسحاب القوات الأميركية من العراق، فقد كشفت صحيفة "ديلى تلغراف" عن وثيقة سرية تم توزيعها على مسؤولين عسكريين أميركيين رفيعى المستوى تفيد بأن الجيش الأميركى حدد ديسمبر/كانون الأول المقبل موعدالتسليم المسؤولية الأمنية للجيش العراقى والوحدات الأمنية.

وقالت الصحيفة إنها المرة الأولى التى يتم فيها تحديد موعد زمنى لإنهاء تولى القوات الأميركية السيطرة على ما وصفته بالتمرد فى العراق. ويظهر هذا الاقتراح -كما تقول الصحيفة- أن الجيش الأميركى سيبدأ فى الانسحاب من الحراسة ومن ثم الانسحاب التدريجى من البلاد ككل.

بعد عودة النعوش

يقول التقرير الذى أعده الصحفى البريطانى "أليك راسل"، ان موقف الآباء الأمريكيين تغير كثيرا الآن عن بداية الحرب خاصة بعد عودة أعداد كبيرة من الجنود الأمريكيين من العراق فى نعوش.

فى التقرير ، يعرب رينيه وهو أب لأحد الجنود الأمريكيين، انه الآن يخشى من رؤية ابنه ذاهبا إلى العراق، انه الآن يرى الحرب فى العراق بصورة مختلفة، موضحا انه بعد ان كان يراها عادلة ويتمنى ان يذهب ابنه للخدمة العسكرية هناك يراها الآن غير مبررة. ويقول كاتب التقرير، ان رأى رينيه يشاركه فيه آلاف الآباء من جميع أنحاء الولايات المتحدة. مضيفا: ان موقف الآباء هذا هو أهم عائق أمام البنتاجون لسد الفراغ فى المواقع العسكرية المختلفة فى صفوف القوات الأمريكية بالعراق. ويقدم البنتاجون الوعود للآباء والأبناء بدفع 14 ألف دولار من المصروفات الجامعية وكذلك الرعاية الصحية المجانية لمن ينضمون إلى الجيش الأمريكي.

المدارس نفسها طلبت من وزارة الدفاع عدم الإصرار على عمل دعاية من هذا النوع فى المدارس. تنقل صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عن إحصاء حديث أجراه البنتاجون، ان 25 بالمئة فقط من الآباء الآن لا يعارضون انضمام أبنائهم إلى الخدمة العسكرية مقارنة بحوالى 42 بالمئة فى عام 2003. وتقول الأمهات الأمريكيات، انه من الجنون الانضمام إلى الجيش والذهاب إلى الموت بالعراق فى حرب لا مغزى لها. ويختتم التقرير بكلمة تقول : انه يعتقد ان من الخطإ لعب دور شرطى العالم.

التقارير هذه، ترى انعكاساتها على شريك بوش الرئيسى "تونى بلير"، اذ تحذر "ذى إندبندنت" بلير بأن تاريخه سيبقى أسير العراق إثر الأدلة الدامغة التى كشف عنها أخيرا عن نيته الانضمام إلى الحرب مع الولايات المتحدة قبل شنها بثمانية أشهر. تقول بأن الوثائق التى كشفت عنها الحكومة ، تثبت المغالطات التى كان يصرح بها للعلن وهى أنه يمكن تجنب الحرب إذا ما التزم صدام بقرارات الأمم المتحدة.

وتضيف: أن تلك الوثائق تدعم اتهامات معارضى الحرب التى تنطوى على موافقة بلير على إسناد التدخل العسكرى الأميركى أثناء لقائه مع الرئيسالأميركى جورج بوش فى أبريل/نيسان2002، وهى ما سبق أن نفتها الحكومة.يقترب قاض بريطانى من السياق نفسه، حين يتهم كل من واشنطن ولندن باستغلال الذعر العام من الإرهاب لتعديل القانون الدولى ليخدم مصالح الدولتين طبقا للأجندة الخاصة بهما.

ويقول اللورد ستين الذى يعد الأقدم بين القضاة فى بريطانيا وعضو مجلس اللوردات، ان الولايات المتحدة وبريطانيا تستغلان الهجوم الإرهابى الذى وقع بالولايات المتحدة فى 11 سبتمبر 2001 لإعادة تشكيل القانون الدولى بحيث يخدم مصالحهما.

تساؤلات لم تكن تطرح سابقا

تعنون صحيفة "ديلى تلغراف" مقالا لها بسؤال مفاده "لماذا لم يودع القائد العسكرى وراء القضبان" تقول فيه إن الرجل الذى قاد الجيوش العسكرية البريطانية فى العراق توقع أن ينضم إليه بلير والنائب العام غولد سميث فى السجن إذا ما خضع لمحاكمة بجرائم الحرب. وتنقل الصحيفة عن القائد العسكرى لورد بويس قوله "إذا ما ذهبت وجنودى إلى السجن فإن آخرين سينضمون إلينا"، فى إشارة إلى بلير وغيره من الساسة.

وتقول ان التحليلات بشأن الموقف القانونى تظهر عدم ضرورة الخشية من المحاكمة، وفق نصيحة النائب العام التى تسربت حديثا، وتفيد أن المحكمة الجنائية الدولية لا تملك حق محاكمة جرائم العدوان، لذلك فإنها لا تنظر فى قضية حول قانونية العمل العسكري.

يفضح الصحفى سيمور هيرش الحائز على جائزة بوليتزر - بعد فضحه لمذبحة قرية ماى لاى التى قامت بها القوات الأمريكية فى فيتنام والتى راح ضحيتها أكثر من 530 من نساء وأطفال وشيوخ أبرياء، ومن بعدها فى العام الماضى فضح جرائم الحرب التى قامت بها القوات الأمريكية وعملائها فى سجن أبو غريب ، يفضح الإدارة الأمريكية بقوله، أن العراق متوجه نحو حرب أهلية مفتوحة تخطط لها إدارة بوش المجرمة.

فى مؤتمر فى جامعة إيلينوى -10/5/2005- يتحدث عن الفضائح الأمريكية فى العراق خصوصا فى سجن أبو غريب وعن عصابة بوش وأكاذيبها الملفقة التى طرحتها قبل وبعد الحرب لتبرير جرائمها اللاأخلاقية والغير شرعية فى عملية غزو العراق واحتلاله. يشرح كيف ان الولايات المتحدة تدعم مجموعة عسكرية تم الحديث عنهافى قسم المجلة فى النيويورك تايمز قبل أسبوع تحت عنوان"سيلفدرزة العراق" -نسبة إلى حرب السلفادور الأهلية التى أشعلها نيجروبونتى فى ذلك البلد الأمريكى .

فريق"الصياد القاتل"

هذا هو عمله الآن كرئيس الإستخبارات، وأعتقد أن الذى عمله من ناحية العمليات السرية، أجهزة وفرق إغتيالات سرية، فريق صياد-قاتل، ذلك الذى عندنا الآن، نحن نهبط ـ الفكرة هي، أعتقد أنها شريرة بطريقة ما، حقا، الشيئ الذى عمله، إن الفكرة الآن فى العراق، الهدف الذى يمتلكونه الآن هو أنهم يريدون دخول المدن الرئيسية المختلفة فى الوسط السني، المحافظات الأربعة فى العراق ، والتى يسكن فيها 40% من نفوس العراق، حول بغداد. الفكرة هو احتلال المدن الرئيسية.

إحتلوا الفلوجة، والآن يحاولون إحتلال مدن اخري، إسقاطها، جعل الناس القاطنة فى قلب الأراضى السنية خائفين من المخابرات الأمريكية/العراقية أكثر من خوفهم من المقاومة، هذه هى الفكرة، وأبى زيد، وهكذا أخبرت، جعلها واضحة بأنه يعتقد أن بإمكانه، خلال سنة واحدة، بإمكانه إسقاط أربعة أو خمسة من المعاقل الرئيسية، وأعتقد أن الخطة هى الذهاب من الرمادى الى مدينة رئيسية أخرى يسكنها 300000-400000 نسمة والبدأ بنفس النوع من العمليات، سوف لن يكون هناك صحفيين -ملازميين- مع القوات المحاربة، فقط فى مناسبات نادرة، نحن لسنا هناك مثل ما كنا عليه فى الفلوجة، فى الحقيقة نحن لا نعلم عن ما يجرى فى أماكن اخرى يبدو أنها مثل جحيم مقدسة هناك، لكننا لا نعرف، وأعتقد أنها خطة اللعبة، هى نوع من خطة لعبة يائسة، من الواضح، سوف لن يكتب لها النجاح، محتلون، إرهاب ، وهذه التقنيات لا تعمل.

الهروب إلى مشاريع أخرى

لا ترحب الإدارة الأمريكية بما يطلب منها، وهى تغرق بكل غطرستها فى المستنقع العراقي، لكنها فى نفس الوقت، تفتش عن حلول أخري، حلول غبية ربما، لكنها تأمل ان تؤدى إلى انفراج فى أزمتها، وان تساهم فى إيجاد حلول لها.

تلجا إلى أهل الدراسة والفكر، الذين عادة ما تكون أفكارهم خارج إطار الصراع الميدانى بتفاصيله المعقدة، يقترح تقرير جديد وضعه أكاديمى أمريكى تقسيم العراق إلى خمس أو ست ولايات اتحادية تخضع لحكومة وطنية واحدة، يزعم ان اقتراحه يهدف لمنح العراقيين حرية أكبر فى إدارة شؤونهم.

يقول التقرير الذى وضعه باحث فى المجلس الأمريكى للعلاقات الخارجية وهو مركز بحث مستقل، ان التقسيم يجب أن يقوم على أساس جغرافى لا عرقى وان بغداد لابد أن تكون من بين تلك الولايات.

التقرير يحمل عنوان ، "تقاسم السلطة فى العراق" وهو تحليل من 50 صفحة كتبه ديفيد فيليبس الخبير فى شؤون الشرق الأوسط والعراق " يقول فيه: كانت الانتخابات العراقية فى 30 يناير 2005 حدا فاصلا فى تاريخ البلاد، ولكن الديمقراطية تتعلق بما هو أكثر من مجرد الانتخابات".

إنها تتعلق بتوزيع السلطة السياسية عبر المؤسسات.. والقوانين التى تضمن الحكم القابل للمحاسبة".. "فى العراق الجديد لابد أن تسيطر الولايات العراقية الاتحادية على كل الشؤون غير المنوطة صراحة بالحكومة الاتحادية".

التقرير الجديد، لم يكن جديدا بكل معنى الكلمة، فقد سبق وان طرح اقتراح بتقسيم العراق إلى ولايات ، ولكن هذا الاقتراح أثار تساؤلات بشأن الفصل العرقى والطائفى وترك قضية كيفية توزيع ثروة النفط فى البلاد معلقة.

توزيع السلطة، وماذا بشان الثروة؟

يوجد فى العراق أكبر ثالث احتياطى للنفط فى العالم ، ولكن الإنتاج يتركز فى أقصى الجنوب وحول مدينة كركوك بشمال البلاد، والتى يطالب بالسيطرة عليها كل من العرب والأكراد والتركمان، ولا توجد فى وسط البلاد موارد طبيعية أو نفطية.

رد فعل زعماء العراق، كان فاترا إزاء اقتراحات سابقة بإقامة كيان اتحادى ، كما أن الزعماء العرب لا يرغبون فى منح الأكراد الذين تمتعوا بقدر كبير من الحكم الذاتى فى المنطقة الشمالية لمدة أكثر من عشر سنوات قدرا من الاستقلال أكبر مما يتمتعون به بالفعل.

يقترح فيليبس أن تحتفظ الحكومة الوطنية بجزء من عائدات النفط لعملياتها، ولكن لابد من تحقيق التوازن بين الولايات الاتحادية على أساس السكان كما يقول "ان الحكومة الوطنية لابد أن تتولى مسؤولية الشؤون الخارجية والتجارة الخارجية والرقابة على الحدود والجمارك والضرائب والسياسة النقدية وإصدار العملة وتنمية البنية الأساسية والقوات المسلحة.

ولابد أن يتخلى الأكراد العراقيون عن حلم الاستقلال وسيطرتهم دون غيرهم على كركوك، ولابد أن يدرك التركمان والكلدانيون والاشوريون العراقيون أنهم يعيشون فى ولايات عراقية اتحادية يمثل فيها العرب والأكراد الأغلبية". المقترح هذا أيضا لا ينظر إليه بشكل جدي، فيما يستمر التخبط الأمريكى دون أى أفق لحل منظور. تطرح المسالة الفيدرالية، لكن الموقف الأمريكى تجاه المسألة الفيدرالية، الذى بدا متجاوبا مع التطلعات الكردية قبل وأثناء الحرب على العراق، تغيرت لغته وغدا أكثر ضبابية بعد سقوط بغداد، فقد تحاشى الحاكم الأميركى المؤقت السابق للعراق جى غارنر الإجابة بصيغة واضحة على أسئلة كثيرة طرحت عليه فى مؤتمرات صحفية حول الفيدرالية، وكانت إجاباته تدور حول فكرة واحدة " النظام العراقى الجديد سيكون له رئيس واحد وجيش واحد وحكومة واحدة تمثل كل الشعب العراقي".

وقد فسرت التصريحات فى حينها، أنها تراجعا عن الوعد بإقامة نظام فيدرالى إكراما للأكراد فالجانب الأميركى لا يريد أن يفتح على نفسه أبواب استقلال الشعوب ذات القوميات الخاصة، إذ سيواجه أزمة المصداقية تجاه قضايا عديدة مماثلة فى روسيا والصين والهند وتركيا.

كما أن العلاقة الإستراتيجية الأميركية مع تركيا تبقى هى الراجحة على العلاقة مع الأكراد فى حسابات المصالح الآنية والمستقبلية، وهو ما عبر عنه أكثر من مسئول كردى فى أحاديث غير مسجلة، من أن الولايات المتحدة لن تضحى بعلاقتها بأنقرة من أجل عيون الأكراد، ويستحضر القادة الأكراد سجل الخذلان الأميركى للأكراد على مدى أكثر من نصف قرن، ولا يستبعدون تكراره فى المرحلة الراهنة، ومع ذلك، لا زالوا يتمسكون بحلم الدولة، وربما كانت احتفالات تنصيب البرزانى رئيسا لإقليم كردستان، الطريق إلى هذا الحلم، وهو حدث طغت عليه أصوات القذائف، فهل حقا يشكل هذا الحدث بداية التقسيم أو تمرير مشاريع تقترب منه؟

العراق فى المشروع الكردي

كان البرلمان الكردى الذى يضم أعضاء الحزبين - الاتحاد والحزب- قد أقر فى 8-11-2002 مشروعى قانونى الفيدرالية لـ "الإقليم الكردي" ودستور العراق الفيدرالى اللذان قدماهما الحزبان، ويقسم مشروع القانون العراق إلى منطقتين كردية وأخرى عربية، وتلمح مواده إلى أن الطرح الفيدرالى يقوم على أساس الاستقلال شبه التام للمنطقة الكردية شمال العراق، مع تعيين مدينة كركوك عاصمة للإقليم." وهذا يفسر لماذا يتعرض العرب والأقليات الأخرى فى كركوك للاضطهاد وللتطهير العرقي"، وتوحى مواد القانونين بأن المطروح هو أقرب إلى الكونفيدرالية منها إلى الفيدرالية، إذ تنص المواد على أن لإقليم كردستان علما خاصا به، وهو علم جمهورية مهاباد - وهى الدولة الكردية المستقلة الوحيدة فى تاريخ الأكراد ولم تدم طويلا- وشعارا ونشيدا خاصين، بل يستطرد المشروع إن لهذا الإقليم قوات مسلحة دفاعية خاصة به، وهو ما لا ينطبق على الدول الاتحادية الفيدرالية، وبالمناسبة، العلم العراقى لم يرفع أثناء عملية التنصيب، بالرغم من وجود مسؤولين من الحكومة العراقية".

لكن التطلع الكردى لتأسيس الكيان الخاص من خلال الطرح الفيدرالى يصطدم بعقبات كثيرة، إقليمية فى الأساس، وعراقية داخلية بالدرجة الثانية، فعلى المستوى الإقليمي، يعنى تمتع الأكراد بفيدرالية وكيان شبه مستقل تجاوزا لخطوط حمراء كثيرة رسمتها دول الجوار ذات العلاقة بالمسألة الكردية وهى تركيا بالدرجة الأولى ثم إيران وسوريا.

وكانت ولا تزال تركيا تلمّع هذه الخطوط الحمراء، لتكون واضحة لكل ذى بصيرة، بأن الكيان الكردى الخاص فى العراق يعنى تدخلا عسكريا من طرفها، فالمعادلة فى نظرها بسيطة ولا تحتاج إلى كثير جدل، لأن الفيدرالية الكردية فى العراق ستثير شهية أكراد تركيا بتحقيق كيان مماثل، وهى حالة تثير التعقيد والحساسية بالنسبة للحكومة التركية، والتخوف ذاته يتردد صداه فى طهران ودمشق تجاه الأقليات الكردية وان بنسب مختلفة.

العراق لا ينقسم إلى قوميتين كردية وعربية حتى تحل المسألة بخط سياسى يرسم بين مناطق الأكراد شماله والعرب فى الجنوب منه، فهناك أقليات عرقية متعددة مثل التركمان والآثوريين والكلدان والسريان والأرمن وغيرهم.

الأكراد والأقليات الأخري

وإذا كانت القومية الكردية أكبر من غيرها من الأقليات الثانوية، فإنه بمنطق العدد لا تقارن القومية الكردية بالعربية، فالأكراد لا يشكلون أكثر من 15% من سكان العراق.

تشغل مدينة كركوك جزءا كبيرا من تطلعات وآمال الأكراد المستقبلية، ويضفون عليها قدرا كبيرا من القداسة، ويعتبرونها رمزا للكيان الكردي، إذ يشدد البرزانى على أن الأكراد لن يساوموا على الهوية "الكردستانية" لكركوك، وأنهم سيستردون المدينة فى أى لحظة يستطيعون استردادها، هذا الإصرار على اعتبار كركوك عاصمة الكيان الكردى المستقبلي، فيه قدر كبير من الاستفزاز للأتراك أولا، ولعرب العراق ثانيا، فتركيا تتذرع بالدفاع عن حقوق الأقلية التركمانية، التى تدعى أنها تشكل أغلبية سكان المدينة، للعب دور ما فى السيطرة على مقدرات هذه المدينة الغنية بالنفط، فحقل كركوك النفطى هو أول حقل عراقى اكتشف فى العشرينيات من قبل شركة نفط العراق.

كما أنه أكبر حقل حتى الآن، باحتياطى يبلغ 11 مليار برميل، أى أكثر من مجموع الاحتياطيات النفطية فى مصر وسوريا وقطر، وتثير هذه الأهمية الاقتصادية الاستراتيجية لكركوك مخاوف العرب من السيطرة الكردية على المدينة وهو ما سيزيد من نفور عرب العراق من مشروع الفيدرالية بصيغته الكردية المطروحة.

الصراع الكردى - الكردي

التحدى الحقيقى الذى يواجهه تأسيس كيان سياسى كردى له خصوصيته، لا ينبغ من الشمال الكردى أو الجنوب العربى العراقي، بقدر ما تفرضه العلاقة الكردية - الكردية، التى اتسمت بالصراع الدموى بين الفصيلين الكبيرين الاتحاد الوطنى والحزب الديمقراطي، وقدرة الزعيمين وقيادات الحزبين على تجاوز ارث الصراع الطويل بينهما لتشكيل ادارة موحدة منسجمة لاقليم كردستان بمجموعه، ام سيتم الابقاء على التقسيم الطولى للاقليم بين ادارتين - او حكومتين- منفصلتين لمدينتى السليمانية منذ عام 1991، واربيل وما اذا سيُحتفظ ببرلمان واحد للمنطقتين، ام ستكتمل الفرقة والانفصال الداخلى بتأسيس برلمان لكل منطقة.

فقد اقتتل الحزبان الكبيران فى سنة 1994، ثم تجدد فى 1995 ثم 1996 وفي1991،فأصبحت كردستان بعد ذلك ساحة ملائمة لصراع مشاريع الدول الإقليمية فى المنطقة، سواء مشاريع ظاهرة باسم السلام بين الطرفين، أو مشاريع فى الخفاء لديمومة الصراع الكردى الكردي.

ويعد أهم هذه المشاريع كان المشروع الأمريكي، ثم التركي، فالإيراني، فكانت اتفاقيات عدة بين الطرفين منها اتفاق دروكيدا، واتفاق طهران، واتفاق أنقرة، وأخيرا كانت اتفاقات واشنطن فى أيلول 1998، الذى بموجبه تم وقف الحرب بينهما، واستأنف البرلمان الموحد ،الذى كان تأسس عام 1992 وتعطل عام 1996، عمله فى اكتوبر 2001، وهو البقعة السياسية المشتركة الوحيدة التى تجمع الطرفين الكرديين، والتحدى الذى يواجه زعيمى الحزبين، هو فى توسيع هذه البقعة إلى حدودها القصوي، أو تلاشيها بفعل الرغبة فى الانتصار لإرث الصراع التاريخي، ولا يمكن حسم المعركة مع الأطراف الخارجية ما دامت العلاقة الداخلية مبهمة ومفتوحة على احتمالات غير مطمئنة.

فى أعقاب حرب الخليج زالت سيطرة بغداد عن المنطقة الشمالية التى تقع فوق ما يسمى بخط العرض 36، وهو فى الحقيقة خط متعرج تم تحديده من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا بشكل يضم مناطق كردية تحت هذا الخط بكثير مثل السليمانية وكفري، أى كان الغرض آنذاك هو رسم المنطقة التى تقطنها كثافة سكانية كردية.

ومنذ ذلك الحين انفردت الأحزاب الكردية وخاصة حزبا الديمقراطى الكردستانى والاتحاد الوطنى الكردستانى بإدارة المنطقة الشمالية، وثارت بينهما منافسة حادة على تقاسم السلطة ووقعت حروب دموية بينهما أدت إلى مصرع الكثيرين من الطرفين وانقسام الشمال إلى منطقتى نفوذ بينهما، ولم تضع هذه الحرب أوزارها إلا بتدخل جدى من الإدارة الأميركية التى قامت باستدعاء الزعيمين إلى واشنطن وأجبرتهما على التفاهم تمهيدا لمخططات مستقبلية، وتوصل الحزبان الكرديان إلى اتفاق لتوحيد النشاطات وإعداد دستور فدرالى للمنطقة، وفى النهاية انعقد البرلمان الكردى فى الرابع من أكتوبر الماضى فى مدينة أربيل، ثم تم الاتفاق على زعامة البرزانى للمنطقة بعد تولى الطالبانى رئاسة الجمهورية العراقية.

النموذج غيرالقابل للتطبيق

ما حدث فى الشمال العراقى غير قابل للتطبيق، والمشاريع التى تطرح هنا وهناك، تندرج فى معظمها فى خانة البحث عن حلول للمأزق الأمريكي، والأمر لم يطول، فالتحرك الكردى الأخير، والذى يؤسس لتصعيد الحملة ضد كل ما هو غير كردى فى كركوك، سيفتح جبهة جديدة لا يعرف إلى أى اتجاه ستؤدي، لكنها بالقطع ليست لصالح المخططات الأمريكية لا فى العراق، ولا فى المنطقة التى تتفرج على السقوط الأمريكى القادم..


زكريا شاهين