المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هواجس الخطر الصيني تلوح في سماء أمريكا



عبدالغفور الخطيب
19-06-2005, 01:27 AM
على مدار العامين الماضيين ظلت أماندا فورتيني Amanda Fortiniالتي تمتلك احد الشركات الصغيرة في ولاية نيويورك الأمريكية تتابع أخبار الصين في صحيفة وول ستريت جورنال أكبر الصحف الأمريكية تخصصا في مجال المال والاقتصاد. وتقول فورتيني إنها لا تستطيع تجاهل الصين كقوة اقتصادية عظمى برزت على الساحة حتى وإن حاولت، فكل يوم تحتوي صحيفة وول ستريت جورنال على مقاله واحدة على الأقل تتعلق بها، لذلك حزمت فورتيني حقائبها وطارت إلى شنغهاي لترى بعيني رأسها كيف ينمو العملاق الصيني ويترعرع في عقر داره.

ويبدو أن الصين قد بهرت فورتيني التي قرت أن تنتقل للعيش فيها حتى تشهد عن قرب تطور التجربة الصينية الفريدة من نوعها والجديرة بالاحترام. ولم يستحوذ العملاق الصيني على عقل فورتيني وحدها، بل على عقول الآلاف من الأمريكيين الذين يزداد انبهارهم وإعجابهم بالصين يوما بعد يوم.

تركيز الإعلام الأمريكي :

هذا الأسبوع ركزت مجلتا نيوز وييك New Week وأتلانتك مانثلي Atlantic Monthly المرموقتان في مقالتي الغلاف على بروز الصين كقوة عظمى على الساحة الدولية. نيوزويك خصصت 18 صفحة كاملة لمقالة الغلاف بعنوان قرن الصين وهو عدد كبير من الصفحات نادرا ما يخصص لموضوع واحد، وخاصة عندما يتعلق الأمر بمعالجة مجلة أمريكية لمواضيع تخص دولة أخرى.

يفسر مارك ويتتاكر المحرر في المجلة بأهمية ما يحدث في الصين ، ويصفها بالقوة العظمى التالية، وبينما يري ويتتاكر ضرورة عرض المعالجة الكاملة فأنه يشير إلى أن المجلة ستتابع ذلك بتغطية مكثفة لدورة الألعاب الاولمبية في بكين عام 2008. أما مجلة اتلانتك مانثلي التي حملت مقالة غلافها عنوان كيف يمكن أن نحارب الصين فقد صورت العملاق الآسيوي في شكل اكبر منافس استراتيجي قادم للولايات المتحدة ليشغل الفراغ الذي خلفه الاتحاد السوفيتي الراحل، واضعة تصور لما يمكن أن تكون عليه حربها مع الولايات المتحدة. وفي مقالة مصاحبة زعمت المجلة أن بروز الصين على الساحة الدولية والإقليمية يمكن أن يفيد الولايات المتحدة إذا تمت إدارته بشكل صحيح.

وتعرض المكتبات الأمريكية سيلا من الكتب حول الصين، يعد من أبرزها كتاب "كيف يتحدى بروز الصين كقوة عظمى الولايات المتحدة والعالم" لتيد فيشمان، وكتاب اودد شانكار "القرن الصيني" بالإضافة إلى كتاب "العالم مسطح" للكاتب الشهير توماس فريدمان صاحب عمود الشئون الخارجية في صحيفة نيويورك تايمز والذي خصص فيه عددا كبيرا من الصفحات للحديث عن الدور الصيني الهام في الاقتصاد العالمي.

اللغة الصينية والمنتجات الصينية :

ولا يقتصر الاهتمام بالصين على رجال الأعمال والاقتصاد و الصحفيين بل يتعدى ذلك إلى الشباب الأمريكي الذي يندفع حاليا لتلقي دروس في اللغة الصينية بأعداد هائلة عن ذي قبل. ويؤكد ذلك الإحصائيات التي تجريها الجامعات الأمريكية والتي تشير إلى زيادة الإقبال على فصول تعلم اللغة الصينية. وجدير بالملاحظة أن بعض الآباء قد بدأوا في الحاق أبنائهم في تلك الفصول مبكرا حتى إن موضة تلقي الأطفال لدروس اللغة الصينية قد انتشرت بشكل لافت للنظر في مدينتي سان فرانسيسكو ونيويورك.

يقول فريد زكريا المعلق الصحفي في مجلة نيوزويك المعروف إن بروز الصين كقوة عظمى لم يعد توقعات وإنما هو حقيقة، فالصين حاليا تتمتع بأسرع معدل نمو اقتصادي عالمي كما إنها ثاني أكبر مالك لاحتياطي العملات الأجنبية وبشكل رئيسي للدولار في العالم. ويضيف زكريا أن الصين تمتلك اكبر جيش في العالم يبلغ تعداده 2.5 مليون جندي ورابع أكبر ميزانية للدفاع تزيد سنويا بمقدار 10 بالمائة.

وبينما يستبعد زكريا أن تزيح الصين الولايات المتحدة عن مكانتها كأكبر قوة اقتصادية في العالم في القريب العاجل فانه يؤكد على ظهورها كقوة عظمى جديدة على الساحة العالمية.

وعلى الرغم من غزو عدد من الممثلين الصينيين والأفلام الصينية للسينما الأمريكية من أمثال جاكي تشان وزيزي تشانج التي مثلت فيلم النمر والتنين الخفي الذي حصل على أربع جوائز أوسكار وحقق أرباحا هائلة تجاوزت ما يمكن أن يحققه فيلم أجنبي في تاريخ صناعة السينما الأمريكية، لا يزال الاهتمام بالصين بين الأمريكيين إلى حد ما يدور حول عالم المال والاقتصاد.

رغبة الجميع في نصيب من الكعكة الصينية

يجتذب سوق الصين الواسع لشعب يبلغ تعداده ألف وثلاثمائة مليون مواطن، رجال المال والاستثمار الأمريكيين الذين يقومون يوميا برحلات مكوكية إلى شنغهاي وبكين لأخذ قطعة من الكعكة الصينية ذات السوق الواسع والعمالة الرخيصة.

يؤكد كرت كوان المدير التنفيذي لشركة خدمات الطرود الأمريكية UPS في مقابلة مع قناة MSNBC على عدم قدرة أي شركة أمريكية تسعى إلى وضع قدمها على ساحة الاستثمار والاقتصاد الدولي على تجاهل الصين كقوة فعالة ومؤثرة عالميا ويشير إلى مضاعفة خدمات الطرود الأمريكية حجم أعمالها لثلاث أضعاف خلال العام الحالي.

غير أن نجاح الصين الاقتصادي يرتكز في الأساس على المستهلك الأمريكي ذي الشهية المفتوحة للمنتجات الصينية، فالعام الماضي وحده استوردت الولايات المتحدة بضائع من الصين بلغت قيمتها نحو 200 بليون دولار. كما استوردت سلسلة محلات وول مارت Wall Mart أكبر المحلات الأمريكية انتشارا في الولايات المتحدة و في عدد من الدول الأخرى، ما مقداره 80 في المائة من بضائعها من الصين العام الماضي. ويؤكد كثيرون انه لولا البضائع الصينية الرخيصة لما تواجد وول مارت بالصورة التي هو عليها الآن.

ويرتبط وول مارت بعلاقة مباشرة تحملها المصالح المتبادلة مع الصين، فتوقف وول مارت يعني فقدان المصنعين الصينيين لأكبر سوق لمنتجاتهم في الولايات المتحدة كما إن توقف تدفق البضائع الصينية الرخيصة على وول مارت يعني تقلص حجم نشاطاته.

بالطبع ضج المصنعون الأمريكيين بالشكوى أمام هذا التدفق الهائل من المنتجات الصينية مؤكدين عدم قدرتهم على المنافسة مع العمالة الصينية الرخيصة التي دفعت مجموعات أمريكية صناعية كبرى إلى الدعوة إلى فرض رسوم جمركية على المنتجات الصينية.

كما دعا عدد قليل من أعضاء الكونغرس لم يصلوا بعد إلى حد الأغلبية إلى فرض الرسوم ذاتها ما لم تسمح بكين بالتعويم الحر لعملتها وفك ربطها بالدولار (حاليا اليوان يساوي 8.62 دولار) وهو ما يرجح خبراء الاقتصاد أن يقوي اليوان ويرفع من ثمن البضائع المستوردة من الصين مما يقلل من الطلب الأمريكي عليها ويقلص من حجم العجز التجاري، وكان حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ 162 بليون دولار العام الماضي. وعلى الرغم من أن البيت الأبيض لم يؤيد فرض رسوم جمركية على البضائع الصينية فانه دعا بكين أكثر من مره إلى فك ربط عملتها الدولار.

ربما يواجه المصنعون الأمريكيين وأعضاء الكونغرس الذين يطالبون بالحد من استيراد البضائع الصينية خصما عنيفا إلا وهم أصحاب شركات التصدير والخدمات المالية في الولايات المتحدة وهم المستفيدون الرئيسيون من الازدهار الصيني فخلال ال15 سنة الماضية شهدت الولايات المتحدة نموا في حجم صادراتها إلى الصين بلغ 415 في المائة. وسيظل رجال الأعمال والاقتصاد الأمريكيين يواجهون الفرص والتحديات طالما ظلت عجلات الاقتصاد الصيني تدور وتندفع إلى الإمام.