الفرقاني
18-06-2005, 08:57 PM
أمريكا قررت الانسحاب من العراق.. فماذا عن مستقبل المقاومة ؟
بقلم: طلعت رميح
من خلال متابعة المؤشرات الصادرة عن الكونجرس والرأي العام الأمريكي -بل والإدارة الأمريكية -ولبلاغات القيادة العسكرية الأمريكية عن خسائرها في العراق، وكذا التصريحات التي يطلقها القادة العسكريون الكبار في البنتاجون حول قدرات المقاومة العراقية، ولتصرفات الحكومة العراقية على الأرض، يمكن أن نقول وباطمئنان أن كل المؤشرات تؤكد أن انسحاب قوات الاحتلال الأمريكية من العراق، لم يعد توقعا بل أصبح قرارا، اتخذته الإدارة الأمريكية وبدأ يدخل حيز التنفيذ الآن، وان ما نراه من مؤشرات، ما هو إلا تهيئة للرأي العام الأمريكي -وليس نزولا على رغبة الرأى العام الأمريكي- لتلقي القرار أو بالدقة للحيلولة دون أن يتحول الانسحاب -فى داخل أمريكا -إلى تقدير شعبى عام بأن قرار الغزو والاحتلال كان من الأصل خطأً سياسياً وعسكرياً، وان إدارة بوش كذبت على مواطنيها وخدعتهم، ولكى يتوقف الأمر عند حدود "أننا أدينا المهمة وأنجزناها" أو "أننا لم نتصور أن المقاومين سيكونون على هذه الدرجة من الدموية والذبح بالسواطير" و"أن المسؤولية في إخفاقنا تقع على سوريا التي لم تغلق حدودها".. الخ. ذلك أن الإدارات الأمريكية لا تتصرف دون خطط يعدها خبراء في مختلف التخصصات -هى ليست مثل معظم حكوماتنا العربية -إذا هى قررت الحرب شنت حملة دعائية منظمة ومخططة لضمان موافقة الرأى العام على قرارها داخليا وكذلك لتحييد أو خداع الرأى العام الدولى، وإذا هى قررت الانسحاب فهى أيضا تخطط لكي يبدو الانسحاب وكأنه انتهاء للمهمة -وربما نصر إذا تمكنت من ذلك -أو أنه يأتى لان آخرين لم يؤدوا واجبهم، حتى لا يبدو الانسحاب انتصارا للمقاومة أو هزيمة للجيش الأمريكي وحتى لا يتحول إلى أحداث تؤثر على وضع الإدارة الأمريكية ذاتها. وذلك لا يعني في الوقت نفسه، أن كل ما نراه هو عمل مسرحى مخطط ومجرد خداع في خداع، إذ إن اتخاذ قرار العدوان أو محاولة خداع الرأى العام كانت تشهد معارضة حقيقية، كما أن قرار الانسحاب لن يكون مضمونة نتائجه على إدارة الرئيس بوش، في ظل معارضة الحزب الديمقراطى، خاصة إذا تمكنت المقاومة العراقية من تحويل خطة الانسحاب من عمل مخطط منظم، إلى حالة من الارتباك والفوضى من خلال تصعيد عملياتها.
على صعيد بلاغات القيادة العسكرية الأمريكية في العراق يلحظ المتابع لها في الفترة الأخيرة أن الاعتراف بحجم الخسائر التي تلحق بالجنود الأمريكيين من قتلى وجرحى بدأ يتصاعد في هذه البيانات، وان هذا الاعتراف بالحجم المتصاعد لا يأتى تحت ضغط من الإعلام الداخلى أو الخارجى-حيث الإعلام الداخلى والخارجى بات ممنوعا تماما من الحصول على صور للعمليات التي تجرى ضد الجنود الأمريكيين إلا ما يصل مصورا من المقاومة العراقية -وإنما هو يأتى مباشرة من المركز الإعلامي ومن المتحدثين العسكريين الأمريكيين ومن بيانات تصدر عنها، وهى ذات الإدارة التي كانت من قبل تتعمد التعتيم على الخسائر وتشن الحملات على القنوات الفضائية -الخارجية -بتهمة إذاعة أخبار مبالغ فيها عن حجم الخسائر الأمريكية. لم يعد يمر يوم إلا وتصدر حصيلة بأعداد القتلى الأمريكيين في اليوم السابق. وقد وصلت "صراحة الإعلانات " أن تحدثت عن نجاة مسؤول أمريكى كبير في بغداد -عرف فيما بعد انه القنصل -من محاولة اغتيال. والفارق كبير بين هذه الخطة الإعلامية وبين الخطة التي كانت مطبقة قبلها، إذ جرى خلالها التعتيم على عملية محاولة اغتيال قائد القوات الأمريكية في الفلوجة أو عملية قصف مقر إقامة نائب وزير الدفاع الأمريكي في فندق في بغداد.. الخ. فهل يأتى هذا التغيير نتيجة لتغير المزاج النفسى للقائمين على العمل الاعلامى؟!
وعلى صعيد تصريحات القادة العسكريين الكبار في البنتاجون حول قدرات المقاومة العراقية يلحظ المتابع، أن التصريحات باتت في معظمها تشير إلى تمتع المقاومين بقدرات متزايدة، وبأنهم باتوا أعلى تدريبا وتسليحا. كان أهم هذه التصريحات ما قاله الجنرال كيسى مؤخرا " إننا كلما حاصرنا المسلحين في منطقة ظهروا في أخرى "، وما سبقه من تصريحات خلال العدوان على مدينة القائم التي قال فيها قادة عسكريون أمريكيون أن المقاومين يرتدون سترات واقية وباتوا يظهرون في المعارك أكثر تدريبا، وبطبيعة الحال، فان أحدا لا يتصور أن القادة العسكريين تحولوا من العداء إلى الإعجاب بالمقاومة العراقية، أو أن نوبة ضمير عسكرى قد واتتهم فجأة فجعلتهم يشيدون بأعدائهم؟!.
وعلى صعيد الكونجرس الأمريكي، فان أمر الانسحاب الأمريكي والمطالبة بجدولته لم يعد مطلبا من مطالب بعض النواب الديمقراطيين، بل إن المتصدى الآن للقضية هو احد رموز الحزب الجمهورى وعضو لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب، الذى كان من اشد المؤيدين للعدوان على العراق. فقد أعلن وولتر جونز انه سيقدم لمجلس النواب هذا الأسبوع مشروع قانون يطالب بتحديد جدول زمني للانسحاب من العراق، منضما بذلك إلى بعض الأعضاء الديمقراطيين الأكثر ليبرالية بالكونجرس في المطالبة بتحديد جدول زمني لسحب القوات الأمريكية لأنها حرب تكلف الولايات المتحدة الكثير من الأرواح والأموال.
وقال جونز انه يدعم التشريع لأن قلبه يدمى على نحو 1700 جندي قتلوا إلى جانب 12 ألفاً آخرين أصيبوا إصابات بالغة في العراق. وأضاف انه ينبغي أن يتولى العراقيون الدفاع عن أنفسهم بمجرد استكمال تدريب قواتهم. والفارق كبير بين يتولى "الاتهام في القضية نائب من الحزب الجمهورى وبين أن أن يتولاها نواب من الحزب الديمقراطى.
وعلى صعيد ردود فعل الإدارة الأمريكية، على تصريحات عضو الكونجرس، فالمتابع يلحظ أن الرد الذى أبداه المتحدث الرسمى باسم البيت الأبيض، جاء ليؤكد فكرة الانسحاب في جوهرها، وان كان ظاهر الكلام ينفيها، حيث هو لم يرفض فكرة الانسحاب ولا جدولتها، وإنما هو ربطها بإتمام قوات الاحتلال لمهمتها في تدريب القوات العراقية لتعود إلى بلادها بعد أداء مهمتها، وهو ما يعني عدم رفض فكرة الانسحاب وعدم ربط الانسحاب "بالقضاء على الإرهاب " أو بتحقيق النصر أو الانتصار على الأعداء، بما يمثل تراجعا مهما في موقف الإدارة الأمريكية، وهو ما يؤكده أيضا عدم إطلال وزير الدفاع كثيرا منذ فترة على الرأى العام ليطلق تصريحاته المتشددة. وفى هذا الإطار جاءت أيضا عملية تسريب الكثير من التقارير التي تحدثت عن «إعادة تقييم» تجرى داخل الأجهزة الأمريكية حول استراتيجية مكافحة الإرهاب.
وعلى صعيد الرأى العام الأمريكي فان المتابع يلحظ، أن استطلاعات الرأى التي أجريت في الفترة الأخيرة لم تعد تجرى حول الحرب على الإرهاب ولا حول ضرورة استمرار الحرب على الإرهابيين في العراق، وإنما هى باتت تركز على فكرة الانسحاب من العراق، كما يلحظ أن نسب الذين باتوا يصوتون لعودة القوات الأمريكية من العراق في تصاعد في جميع الاستطلاعات، التي كان آخرها استطلاع للرأي أظهر أن 6 من كل 10 أمريكيين يريدون انسحاباً، ولو جزئياً، من العراق.
وعلى صعيد الحكومة العراقية، فالمتابع لتصرفاتها وما يصدر عنها من تصريحات، يلحظ أنها باتت تركز على إظهار قدراتها هى في المواجهة على الأرض في العراق، كما باتت تنتظم تصريحات مسؤوليها حول جهودها هى مع تقليل الإشارة لـ"قوات التحالف "، ولعل ابرز المؤشرات على ذلك هو عملية برق بغداد وما أعلن عن أنها ستمتد إلى مدن أخرى وانه سيجرى حصار مدن كاملة.. الخ، وكذا الإعلان عن بدء محاكمة الرئيس العراقى صدام حسين ونشر أجزاء من المحكمة الهزلية السابقة التى جاءت أيضا ضمن محاولة لتثبيت صورة القوة للحكومة العراقية داخليا، كما أن التناغم الذى جرى بين عبد العزيز الحكيم والطالبانى حول دور للبشمرجة وحركة بدر في المواجهة الجارية في العراق، إنما هو محاولة لإبراز مصادر للقوة لدى الحكومة العراقية، حال انسحاب القوات الأمريكية.
نحن إذن أمام مؤشرات متكاثرة ومن كافة الأطراف على أن قرار الانسحاب اتخذ وان ثمة تهيئة وترتيباً لتنفيذ القرار مع اقل قدر من الخسائر للإدارة الأمريكية وأعلى قدر من المحافظة على الحكم الموالى لها في العراق. وسواءاً كان قرار الانسحاب سيجرى تنفيذه بدءا من انتهاء عملية كتابة الدستور العراقى الجديد، أم كان يجرى الآن فعليا في مرحلته الأولى من خلال فكرة العودة للتمركز في أربعة قواعد فقط، فان السؤال الأهم هو عن العراق بعد انسحاب قوات الاحتلال أو بالدقة حول المقاومة ما بعد الاحتلال. وما إذا كانت فكرة الانسحاب هى جزء من فكرة إشعال فتنة داخلية في العراق، للتغطية على الانسحاب.
لماذا هي تهيئة للانسحاب؟
يبدو السؤال المهم الذى يتطلب الإجابة هو :لماذا تعتبر كل هذه التصريحات والتحركات بمثابة تهيئة للرأي العام للانسحاب وليست مجرد وقائع غير مرتبطة بعضها مع البعض. والأسباب لهذا الاعتقاد كثيرة ومتكاثرة. فإذا أخذنا آخر وابرز الأحداث المتعلقة بتصريحات عضو الكونجرس، سنجد أولا انه كان الأشد حماسا للعدوان على العراق، ولدرجة فاقت حماس الآخرين والى درجة قيادة حملة شخصية للمطالبة بتغيير اسم شرائح البطاطس المقلية المعروفة بـ"الشرائح الفرنسية" (french fries) إلى شرائح بطاطس الحرية "freedom fries" داخل مطاعم الكونغرس عقابا لفرنسا على معارضتها الحرب. وثانيا، لان ردود البيت الأبيض جاءت من باب أننا سنغادر (العراق) عندما نكمل مهمتنا"، و"لن نبقى (في العراق) يوماً واحداً أكثر من الضروري. وثالثا، لان السيناتور الأمريكي أطلق مشروعاً أمريكياً كحركة قانونية لإجبار إدارة بوش على تحديد جدول زمني لانسحاب القوات الأمريكية من العراق، ولم يطلق حركة جماهيرية في تظاهرات في الشارع الأمريكي. ورابعا لان الأفكار الجوهرية التي طرحها لتغيير رأيه لم تتعلق بالهزيمة أو بنصر المقاومة، وإنما هى انصبت على عدم الإعداد الجيد للحرب وعلى "أن المحافظين الجدد في الإدارة هم المسؤولون أولاً بسبب الخطط المعيبة للحرب" وليس الرئيس بوش أو رامسفيلد أو القادة العسكريين.
وإذا أخذنا حكاية محاكمة صدام سواء الطرح الفجائى لها أو أسلوب الطرح "بالقطارة" الذى نراه أمامنا حيث يظهر كل يوم لقطة من المحاكمة، فكلاهما يفيد بأننا أمام عمل مخطط، الهدف الواضح منه هو التغطية من خلال هذه المحاكمة على فكرة الانسحاب الأمريكي. وإذا دققنا في الأمر سنجد أن فكرة "محاكمة عراقية لصدام " ودون تدخل أمريكى، إشعار آخر بأن الولايات المتحدة "لم تعد تحكم العراق ".
وإذا أخذنا حكاية الاعترافات الأمريكية المتوالية بالخسائر، فهى تذكر المراقبين بما حدث خلال المرحلة الأخيرة من حرب فيتنام حينما توالى الاعتراف بالخسائر. وإذا أخذنا الاعترافات بقوة المقاومة العراقية وحسن تسليحها وتدريبها، أو هذه الحالة من الاعتراف بتحسن "قدرات الخصم" فإنها ليست إلا لتقديم مبرر مقبول بالانسحاب دون الاعتراف بالهزيمة، حيث لم يعد ما يواجهه الجيش مجرد فلول لصدام ولا حفنة إرهابيين، بل "مسلحين ". وأخيرا فان أهم الشواهد على أن ما يجرى هو تهيئة للانسحاب هو ما يتداول من أحاديث حول "الحوار مع المسلحين العراقيين " ووضع شرط مجرد إلقاء السلاح للمشاركة في الحكم -المشاركة في العملية السياسية -وهكذا يجرى تهيئة المسرح لحالة جديدة تماما.
وهي دلالات للهزيمة أيضا
والتصريحات الصادرة من كل الأطراف تؤكد أن الهزيمة حدثت بالفعل على أيدى المقاومة العراقية، والشواهد على ذلك لا تعد ولا تحصى.
الشاهد الأول نأخذه من التصريحات الواردة على لسان عضو الكونجرس -وفى حدود الأرقام التي أعلنها -فان القوات الأمريكية فقدت 1700 قتيل ونحو 12 ألف مصاب إصابة خطرة -وهذا ما يدمى قلبه كما قال -بما يعنى أن نسبة الخسائر وصلت إلى أكثر من 10% من عدد القوات الأمريكية التي دخلت إلى العراق (متوسط 140 ألف) وهو رقم كبير ولا شك في تأثيره، خاصة في ظل ما يعلن عن حالات التهرب من الخدمة العسكرية ومن حالات الهروب إلى الدول الأخرى وطلب اللجوء السياسى وتصاعد نسبة العجز في تعبئة الاحتياطي الخ.
والشاهد الثانى نأخذه من نشاطات المقاومة، فهى لم تواصل نشاطها بشكل متصاعد ودائم بل هى أيضا تثبت أن كل العمليات الأمريكية ورغم ضراوتها لم تؤثر فيها، حيث إذا كانت مدينة الفلوجة هى ما حظى بأخطر عدوان أمريكى فإنها عادت للمقاومة وبشكل متصاعد من جديد. لقد عادت مدينة الفلوجة لتتصدر قائمة الأحداث بشكل متصاعد في الأسبوع الأخير، إذ بعد كل التدمير والقتل والهدم والاعتقال وبعد تهجير مواطنى الفلوجة من ديارهم عادت المقاومة، وهو نفس ما حدث في مدينة القائم التي لم تتأخر في إعلان أن لا شىء تغير بعد العملية العدوانية التي جرت ضدها.
والشاهد الثالث يتمثل في عودة الطيران الحربى الأمريكي (الطائرات ثابتة الجناح ) إلى القصف مجددا بعدما كانت طائرات الهليوكبتر هى المعتمدة في العمليات منذ انتهاء المعارك الأولى، وهو أمر الغ الدلالة، إذ هو يطرح مدى الخطورة التي باتت تواجهها طائرات الهليوكبتر كما هو يعنى أن المقاومة باتت تفرض سيطرتها على الأرض.
والشاهد الرابع هو ما جاء في التقرير الذى أعده معهد الدراسات الاستراتيجية الدولية وجاء فيه: أن تصاعد العنف في الأسابيع الأخيرة بالعراق مؤشر على أنه لا القوات الأمريكية ولا الجيش العراقي الوليد تمكنا من زيادة قدرتهما على ضبط الوضع. وأن "التدخل الأمريكي في العراق من وجهة نظر تنظيم القاعدة ساعد في إيجاد العديد من الظروف المواتية التي ساعدت في وضع أمريكا في مأزق إستراتيجي، إذ يكرهها أغلب الناس في العالم الإسلامي وينظر إليها حتى حلفاؤها بحذر".
الشاهد الخامس هو الإعلان عن رغبة في الحوار مع المقاومة: وإذا كان المتحدث باسم السفارة الأمريكية في بغداد قد أعلن عن ما سماه اتصالات أمريكية مع قادة العرب السنّة. وقال: "قناعتنا الثابتة أن العملية السياسية في العراق مهمة وحساسة وحاسمة لتحديد مستقبل هذا البلد واستقراره، " فانه أردف قائلا "نحن نتحدث مع العراقيين من كل المجموعات المختلفة حول المشاركة في هذه العملية السياسية، ونشجعهم على الانخراط فيها بقوة". وإذا كان المتحدث الأمريكي لم يفصح صراحة عن فكرة الحوار مع المقاومة فان "الجارديان" البريطانية قد ذكرت أن "دبلوماسيين وعسكريين أمريكيين اجروا محادثات غير مباشرة مع "المسلحين" في العراق، في أول اتصال يحظى "بموافقة رسمية "بين الجانبين بعد عامين من "العنف"، وأشارت إلى "مرونة" في موقف الإدارة الأمريكية التي كانت تعارض في السابق مثل هذه المفاوضات.
المقاومة ومستقبل العراق
لم يعد خروج القوات الأمريكية تحت ضربات المقاومة أمرا ظنيا بل خطة بدأ التمهيد لها على الأرض. كل الشواهد تؤكد ذلك، فماذا إذن عن المقاومة؟ وما ذا عن مستقبل العراق؟
الشواهد أيضا تؤكد أن المقاومة لن تخدع بأية اتصالات، وأنها رغم كل ما قيل عن الاتصالات والمفاوضات لن تقبل بغير الانسحاب الكامل والمحدد زمنيا وهى تضغط من أجل إقراره أمريكيا على المستوى الرسمى.
وفى مثل تلك الحالة فإن الحكومة العراقية تصبح في مأزق لا يحسدها عليه أعداؤها، فهى إذ تحاول الاعتماد على قوتها فإنها تدرك أنها لن تقدر على ما لم تسطع القوات الأمريكية إنجازه ضد المقاومة. وهى إن باتت وحيدة في مواجهة المقاومة فان مأزقها سيكون اشد وانكى، إذ إن المقاومة تعلن أن ما بنى على الاحتلال كله باطل؟
وهنا يبدو أن احتمال الحرب الأهلية في العراق بات أقرب، إلا إذا تدخل العقلاء في الخارج والداخل فور تأكيد أنباء الانسحاب الأمريكي رسميا.
طلعت رميح
بقلم: طلعت رميح
من خلال متابعة المؤشرات الصادرة عن الكونجرس والرأي العام الأمريكي -بل والإدارة الأمريكية -ولبلاغات القيادة العسكرية الأمريكية عن خسائرها في العراق، وكذا التصريحات التي يطلقها القادة العسكريون الكبار في البنتاجون حول قدرات المقاومة العراقية، ولتصرفات الحكومة العراقية على الأرض، يمكن أن نقول وباطمئنان أن كل المؤشرات تؤكد أن انسحاب قوات الاحتلال الأمريكية من العراق، لم يعد توقعا بل أصبح قرارا، اتخذته الإدارة الأمريكية وبدأ يدخل حيز التنفيذ الآن، وان ما نراه من مؤشرات، ما هو إلا تهيئة للرأي العام الأمريكي -وليس نزولا على رغبة الرأى العام الأمريكي- لتلقي القرار أو بالدقة للحيلولة دون أن يتحول الانسحاب -فى داخل أمريكا -إلى تقدير شعبى عام بأن قرار الغزو والاحتلال كان من الأصل خطأً سياسياً وعسكرياً، وان إدارة بوش كذبت على مواطنيها وخدعتهم، ولكى يتوقف الأمر عند حدود "أننا أدينا المهمة وأنجزناها" أو "أننا لم نتصور أن المقاومين سيكونون على هذه الدرجة من الدموية والذبح بالسواطير" و"أن المسؤولية في إخفاقنا تقع على سوريا التي لم تغلق حدودها".. الخ. ذلك أن الإدارات الأمريكية لا تتصرف دون خطط يعدها خبراء في مختلف التخصصات -هى ليست مثل معظم حكوماتنا العربية -إذا هى قررت الحرب شنت حملة دعائية منظمة ومخططة لضمان موافقة الرأى العام على قرارها داخليا وكذلك لتحييد أو خداع الرأى العام الدولى، وإذا هى قررت الانسحاب فهى أيضا تخطط لكي يبدو الانسحاب وكأنه انتهاء للمهمة -وربما نصر إذا تمكنت من ذلك -أو أنه يأتى لان آخرين لم يؤدوا واجبهم، حتى لا يبدو الانسحاب انتصارا للمقاومة أو هزيمة للجيش الأمريكي وحتى لا يتحول إلى أحداث تؤثر على وضع الإدارة الأمريكية ذاتها. وذلك لا يعني في الوقت نفسه، أن كل ما نراه هو عمل مسرحى مخطط ومجرد خداع في خداع، إذ إن اتخاذ قرار العدوان أو محاولة خداع الرأى العام كانت تشهد معارضة حقيقية، كما أن قرار الانسحاب لن يكون مضمونة نتائجه على إدارة الرئيس بوش، في ظل معارضة الحزب الديمقراطى، خاصة إذا تمكنت المقاومة العراقية من تحويل خطة الانسحاب من عمل مخطط منظم، إلى حالة من الارتباك والفوضى من خلال تصعيد عملياتها.
على صعيد بلاغات القيادة العسكرية الأمريكية في العراق يلحظ المتابع لها في الفترة الأخيرة أن الاعتراف بحجم الخسائر التي تلحق بالجنود الأمريكيين من قتلى وجرحى بدأ يتصاعد في هذه البيانات، وان هذا الاعتراف بالحجم المتصاعد لا يأتى تحت ضغط من الإعلام الداخلى أو الخارجى-حيث الإعلام الداخلى والخارجى بات ممنوعا تماما من الحصول على صور للعمليات التي تجرى ضد الجنود الأمريكيين إلا ما يصل مصورا من المقاومة العراقية -وإنما هو يأتى مباشرة من المركز الإعلامي ومن المتحدثين العسكريين الأمريكيين ومن بيانات تصدر عنها، وهى ذات الإدارة التي كانت من قبل تتعمد التعتيم على الخسائر وتشن الحملات على القنوات الفضائية -الخارجية -بتهمة إذاعة أخبار مبالغ فيها عن حجم الخسائر الأمريكية. لم يعد يمر يوم إلا وتصدر حصيلة بأعداد القتلى الأمريكيين في اليوم السابق. وقد وصلت "صراحة الإعلانات " أن تحدثت عن نجاة مسؤول أمريكى كبير في بغداد -عرف فيما بعد انه القنصل -من محاولة اغتيال. والفارق كبير بين هذه الخطة الإعلامية وبين الخطة التي كانت مطبقة قبلها، إذ جرى خلالها التعتيم على عملية محاولة اغتيال قائد القوات الأمريكية في الفلوجة أو عملية قصف مقر إقامة نائب وزير الدفاع الأمريكي في فندق في بغداد.. الخ. فهل يأتى هذا التغيير نتيجة لتغير المزاج النفسى للقائمين على العمل الاعلامى؟!
وعلى صعيد تصريحات القادة العسكريين الكبار في البنتاجون حول قدرات المقاومة العراقية يلحظ المتابع، أن التصريحات باتت في معظمها تشير إلى تمتع المقاومين بقدرات متزايدة، وبأنهم باتوا أعلى تدريبا وتسليحا. كان أهم هذه التصريحات ما قاله الجنرال كيسى مؤخرا " إننا كلما حاصرنا المسلحين في منطقة ظهروا في أخرى "، وما سبقه من تصريحات خلال العدوان على مدينة القائم التي قال فيها قادة عسكريون أمريكيون أن المقاومين يرتدون سترات واقية وباتوا يظهرون في المعارك أكثر تدريبا، وبطبيعة الحال، فان أحدا لا يتصور أن القادة العسكريين تحولوا من العداء إلى الإعجاب بالمقاومة العراقية، أو أن نوبة ضمير عسكرى قد واتتهم فجأة فجعلتهم يشيدون بأعدائهم؟!.
وعلى صعيد الكونجرس الأمريكي، فان أمر الانسحاب الأمريكي والمطالبة بجدولته لم يعد مطلبا من مطالب بعض النواب الديمقراطيين، بل إن المتصدى الآن للقضية هو احد رموز الحزب الجمهورى وعضو لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب، الذى كان من اشد المؤيدين للعدوان على العراق. فقد أعلن وولتر جونز انه سيقدم لمجلس النواب هذا الأسبوع مشروع قانون يطالب بتحديد جدول زمني للانسحاب من العراق، منضما بذلك إلى بعض الأعضاء الديمقراطيين الأكثر ليبرالية بالكونجرس في المطالبة بتحديد جدول زمني لسحب القوات الأمريكية لأنها حرب تكلف الولايات المتحدة الكثير من الأرواح والأموال.
وقال جونز انه يدعم التشريع لأن قلبه يدمى على نحو 1700 جندي قتلوا إلى جانب 12 ألفاً آخرين أصيبوا إصابات بالغة في العراق. وأضاف انه ينبغي أن يتولى العراقيون الدفاع عن أنفسهم بمجرد استكمال تدريب قواتهم. والفارق كبير بين يتولى "الاتهام في القضية نائب من الحزب الجمهورى وبين أن أن يتولاها نواب من الحزب الديمقراطى.
وعلى صعيد ردود فعل الإدارة الأمريكية، على تصريحات عضو الكونجرس، فالمتابع يلحظ أن الرد الذى أبداه المتحدث الرسمى باسم البيت الأبيض، جاء ليؤكد فكرة الانسحاب في جوهرها، وان كان ظاهر الكلام ينفيها، حيث هو لم يرفض فكرة الانسحاب ولا جدولتها، وإنما هو ربطها بإتمام قوات الاحتلال لمهمتها في تدريب القوات العراقية لتعود إلى بلادها بعد أداء مهمتها، وهو ما يعني عدم رفض فكرة الانسحاب وعدم ربط الانسحاب "بالقضاء على الإرهاب " أو بتحقيق النصر أو الانتصار على الأعداء، بما يمثل تراجعا مهما في موقف الإدارة الأمريكية، وهو ما يؤكده أيضا عدم إطلال وزير الدفاع كثيرا منذ فترة على الرأى العام ليطلق تصريحاته المتشددة. وفى هذا الإطار جاءت أيضا عملية تسريب الكثير من التقارير التي تحدثت عن «إعادة تقييم» تجرى داخل الأجهزة الأمريكية حول استراتيجية مكافحة الإرهاب.
وعلى صعيد الرأى العام الأمريكي فان المتابع يلحظ، أن استطلاعات الرأى التي أجريت في الفترة الأخيرة لم تعد تجرى حول الحرب على الإرهاب ولا حول ضرورة استمرار الحرب على الإرهابيين في العراق، وإنما هى باتت تركز على فكرة الانسحاب من العراق، كما يلحظ أن نسب الذين باتوا يصوتون لعودة القوات الأمريكية من العراق في تصاعد في جميع الاستطلاعات، التي كان آخرها استطلاع للرأي أظهر أن 6 من كل 10 أمريكيين يريدون انسحاباً، ولو جزئياً، من العراق.
وعلى صعيد الحكومة العراقية، فالمتابع لتصرفاتها وما يصدر عنها من تصريحات، يلحظ أنها باتت تركز على إظهار قدراتها هى في المواجهة على الأرض في العراق، كما باتت تنتظم تصريحات مسؤوليها حول جهودها هى مع تقليل الإشارة لـ"قوات التحالف "، ولعل ابرز المؤشرات على ذلك هو عملية برق بغداد وما أعلن عن أنها ستمتد إلى مدن أخرى وانه سيجرى حصار مدن كاملة.. الخ، وكذا الإعلان عن بدء محاكمة الرئيس العراقى صدام حسين ونشر أجزاء من المحكمة الهزلية السابقة التى جاءت أيضا ضمن محاولة لتثبيت صورة القوة للحكومة العراقية داخليا، كما أن التناغم الذى جرى بين عبد العزيز الحكيم والطالبانى حول دور للبشمرجة وحركة بدر في المواجهة الجارية في العراق، إنما هو محاولة لإبراز مصادر للقوة لدى الحكومة العراقية، حال انسحاب القوات الأمريكية.
نحن إذن أمام مؤشرات متكاثرة ومن كافة الأطراف على أن قرار الانسحاب اتخذ وان ثمة تهيئة وترتيباً لتنفيذ القرار مع اقل قدر من الخسائر للإدارة الأمريكية وأعلى قدر من المحافظة على الحكم الموالى لها في العراق. وسواءاً كان قرار الانسحاب سيجرى تنفيذه بدءا من انتهاء عملية كتابة الدستور العراقى الجديد، أم كان يجرى الآن فعليا في مرحلته الأولى من خلال فكرة العودة للتمركز في أربعة قواعد فقط، فان السؤال الأهم هو عن العراق بعد انسحاب قوات الاحتلال أو بالدقة حول المقاومة ما بعد الاحتلال. وما إذا كانت فكرة الانسحاب هى جزء من فكرة إشعال فتنة داخلية في العراق، للتغطية على الانسحاب.
لماذا هي تهيئة للانسحاب؟
يبدو السؤال المهم الذى يتطلب الإجابة هو :لماذا تعتبر كل هذه التصريحات والتحركات بمثابة تهيئة للرأي العام للانسحاب وليست مجرد وقائع غير مرتبطة بعضها مع البعض. والأسباب لهذا الاعتقاد كثيرة ومتكاثرة. فإذا أخذنا آخر وابرز الأحداث المتعلقة بتصريحات عضو الكونجرس، سنجد أولا انه كان الأشد حماسا للعدوان على العراق، ولدرجة فاقت حماس الآخرين والى درجة قيادة حملة شخصية للمطالبة بتغيير اسم شرائح البطاطس المقلية المعروفة بـ"الشرائح الفرنسية" (french fries) إلى شرائح بطاطس الحرية "freedom fries" داخل مطاعم الكونغرس عقابا لفرنسا على معارضتها الحرب. وثانيا، لان ردود البيت الأبيض جاءت من باب أننا سنغادر (العراق) عندما نكمل مهمتنا"، و"لن نبقى (في العراق) يوماً واحداً أكثر من الضروري. وثالثا، لان السيناتور الأمريكي أطلق مشروعاً أمريكياً كحركة قانونية لإجبار إدارة بوش على تحديد جدول زمني لانسحاب القوات الأمريكية من العراق، ولم يطلق حركة جماهيرية في تظاهرات في الشارع الأمريكي. ورابعا لان الأفكار الجوهرية التي طرحها لتغيير رأيه لم تتعلق بالهزيمة أو بنصر المقاومة، وإنما هى انصبت على عدم الإعداد الجيد للحرب وعلى "أن المحافظين الجدد في الإدارة هم المسؤولون أولاً بسبب الخطط المعيبة للحرب" وليس الرئيس بوش أو رامسفيلد أو القادة العسكريين.
وإذا أخذنا حكاية محاكمة صدام سواء الطرح الفجائى لها أو أسلوب الطرح "بالقطارة" الذى نراه أمامنا حيث يظهر كل يوم لقطة من المحاكمة، فكلاهما يفيد بأننا أمام عمل مخطط، الهدف الواضح منه هو التغطية من خلال هذه المحاكمة على فكرة الانسحاب الأمريكي. وإذا دققنا في الأمر سنجد أن فكرة "محاكمة عراقية لصدام " ودون تدخل أمريكى، إشعار آخر بأن الولايات المتحدة "لم تعد تحكم العراق ".
وإذا أخذنا حكاية الاعترافات الأمريكية المتوالية بالخسائر، فهى تذكر المراقبين بما حدث خلال المرحلة الأخيرة من حرب فيتنام حينما توالى الاعتراف بالخسائر. وإذا أخذنا الاعترافات بقوة المقاومة العراقية وحسن تسليحها وتدريبها، أو هذه الحالة من الاعتراف بتحسن "قدرات الخصم" فإنها ليست إلا لتقديم مبرر مقبول بالانسحاب دون الاعتراف بالهزيمة، حيث لم يعد ما يواجهه الجيش مجرد فلول لصدام ولا حفنة إرهابيين، بل "مسلحين ". وأخيرا فان أهم الشواهد على أن ما يجرى هو تهيئة للانسحاب هو ما يتداول من أحاديث حول "الحوار مع المسلحين العراقيين " ووضع شرط مجرد إلقاء السلاح للمشاركة في الحكم -المشاركة في العملية السياسية -وهكذا يجرى تهيئة المسرح لحالة جديدة تماما.
وهي دلالات للهزيمة أيضا
والتصريحات الصادرة من كل الأطراف تؤكد أن الهزيمة حدثت بالفعل على أيدى المقاومة العراقية، والشواهد على ذلك لا تعد ولا تحصى.
الشاهد الأول نأخذه من التصريحات الواردة على لسان عضو الكونجرس -وفى حدود الأرقام التي أعلنها -فان القوات الأمريكية فقدت 1700 قتيل ونحو 12 ألف مصاب إصابة خطرة -وهذا ما يدمى قلبه كما قال -بما يعنى أن نسبة الخسائر وصلت إلى أكثر من 10% من عدد القوات الأمريكية التي دخلت إلى العراق (متوسط 140 ألف) وهو رقم كبير ولا شك في تأثيره، خاصة في ظل ما يعلن عن حالات التهرب من الخدمة العسكرية ومن حالات الهروب إلى الدول الأخرى وطلب اللجوء السياسى وتصاعد نسبة العجز في تعبئة الاحتياطي الخ.
والشاهد الثانى نأخذه من نشاطات المقاومة، فهى لم تواصل نشاطها بشكل متصاعد ودائم بل هى أيضا تثبت أن كل العمليات الأمريكية ورغم ضراوتها لم تؤثر فيها، حيث إذا كانت مدينة الفلوجة هى ما حظى بأخطر عدوان أمريكى فإنها عادت للمقاومة وبشكل متصاعد من جديد. لقد عادت مدينة الفلوجة لتتصدر قائمة الأحداث بشكل متصاعد في الأسبوع الأخير، إذ بعد كل التدمير والقتل والهدم والاعتقال وبعد تهجير مواطنى الفلوجة من ديارهم عادت المقاومة، وهو نفس ما حدث في مدينة القائم التي لم تتأخر في إعلان أن لا شىء تغير بعد العملية العدوانية التي جرت ضدها.
والشاهد الثالث يتمثل في عودة الطيران الحربى الأمريكي (الطائرات ثابتة الجناح ) إلى القصف مجددا بعدما كانت طائرات الهليوكبتر هى المعتمدة في العمليات منذ انتهاء المعارك الأولى، وهو أمر الغ الدلالة، إذ هو يطرح مدى الخطورة التي باتت تواجهها طائرات الهليوكبتر كما هو يعنى أن المقاومة باتت تفرض سيطرتها على الأرض.
والشاهد الرابع هو ما جاء في التقرير الذى أعده معهد الدراسات الاستراتيجية الدولية وجاء فيه: أن تصاعد العنف في الأسابيع الأخيرة بالعراق مؤشر على أنه لا القوات الأمريكية ولا الجيش العراقي الوليد تمكنا من زيادة قدرتهما على ضبط الوضع. وأن "التدخل الأمريكي في العراق من وجهة نظر تنظيم القاعدة ساعد في إيجاد العديد من الظروف المواتية التي ساعدت في وضع أمريكا في مأزق إستراتيجي، إذ يكرهها أغلب الناس في العالم الإسلامي وينظر إليها حتى حلفاؤها بحذر".
الشاهد الخامس هو الإعلان عن رغبة في الحوار مع المقاومة: وإذا كان المتحدث باسم السفارة الأمريكية في بغداد قد أعلن عن ما سماه اتصالات أمريكية مع قادة العرب السنّة. وقال: "قناعتنا الثابتة أن العملية السياسية في العراق مهمة وحساسة وحاسمة لتحديد مستقبل هذا البلد واستقراره، " فانه أردف قائلا "نحن نتحدث مع العراقيين من كل المجموعات المختلفة حول المشاركة في هذه العملية السياسية، ونشجعهم على الانخراط فيها بقوة". وإذا كان المتحدث الأمريكي لم يفصح صراحة عن فكرة الحوار مع المقاومة فان "الجارديان" البريطانية قد ذكرت أن "دبلوماسيين وعسكريين أمريكيين اجروا محادثات غير مباشرة مع "المسلحين" في العراق، في أول اتصال يحظى "بموافقة رسمية "بين الجانبين بعد عامين من "العنف"، وأشارت إلى "مرونة" في موقف الإدارة الأمريكية التي كانت تعارض في السابق مثل هذه المفاوضات.
المقاومة ومستقبل العراق
لم يعد خروج القوات الأمريكية تحت ضربات المقاومة أمرا ظنيا بل خطة بدأ التمهيد لها على الأرض. كل الشواهد تؤكد ذلك، فماذا إذن عن المقاومة؟ وما ذا عن مستقبل العراق؟
الشواهد أيضا تؤكد أن المقاومة لن تخدع بأية اتصالات، وأنها رغم كل ما قيل عن الاتصالات والمفاوضات لن تقبل بغير الانسحاب الكامل والمحدد زمنيا وهى تضغط من أجل إقراره أمريكيا على المستوى الرسمى.
وفى مثل تلك الحالة فإن الحكومة العراقية تصبح في مأزق لا يحسدها عليه أعداؤها، فهى إذ تحاول الاعتماد على قوتها فإنها تدرك أنها لن تقدر على ما لم تسطع القوات الأمريكية إنجازه ضد المقاومة. وهى إن باتت وحيدة في مواجهة المقاومة فان مأزقها سيكون اشد وانكى، إذ إن المقاومة تعلن أن ما بنى على الاحتلال كله باطل؟
وهنا يبدو أن احتمال الحرب الأهلية في العراق بات أقرب، إلا إذا تدخل العقلاء في الخارج والداخل فور تأكيد أنباء الانسحاب الأمريكي رسميا.
طلعت رميح