البصري
12-06-2005, 12:21 AM
"عبدالله البردوني" ــ الشاعر اليمني الأعمى ؛ حضر مهرجان أبي تمام في الموصل في سبيعنيات القرن الماضي ؛ وحاكى قصيدته "فتح عمورية" : السيف أصدق أنباء من الكتب..." / أنقلها إليكم إخوتي ؛ وانظروا كيف يحكي فيها ما يجري اليوم للدول العربية من ذلة وخضوع للكافر ؛ وفيها وصف لحكام العرب .
البردوني أول ما اعتلى المنصة لإلقاء قصيدته ــ وهو يرتدي دشداشة وسترة ، ويمسح أنفه بكمه ؛ ضحك منه أغلب الحضور .. ولكن لمّا استرسل في إلقاء القصيدة بكى الكثيرون منهم ؛ وصفّق له كل الحضور ؛ وقاطعوه مرات عديدة ليعيد بعض الإبيات ... إقرأ معي :
أبو تمام وعروبة اليوم
ما أصدقَ السيفَ! إنْ لم يُنضِهِ الكذبُ =وأكذبَ السيفَ إن لم يصدقِ الغضبُ
بيضُ الصفائحِ أهدى حين تحملُها =أيدٍ إذا غلبتْ يعلو بها الغلبُ
وأقبحُ النصرِ... نصرُ الأقوياءِ بلا فهمٍ= سوى فهمِ: كم باعوا... وكم كسبوا
أدهى من الجهلِ علمٌ يطمئنُّ الى = أنصافِ ناسٍ طغَوا بالعلم واغتصبوا
(قالوا: همُ البشرث الأرقى وما أكلوا = شيئاً.. كما أكلوا الإنسانَ أو شربوا)
ماذا جرى... يا أبا تمامَ تسألني؟ =عفواً سأروي.. ولا تسألْ.. وما السببُ
يُدمي السؤالُ حياءً حين نسألُهُ =كيف احتفتْ بالعدى (حيفا) أو النقب)
مَن ذا يلبّي؟ أما إصرار معتصم =كلا وأخزى من (الأفشين)(1) ما صلبوا
(اليومَ عادتْ علوجُ (الرومِ) فاتحةً =وموطنُ العربِ المسلوبُ والسلبُ)
ماذا فعلنا؟ غضِبنا كالرجالِ ولم =نصدقْ.. وقد صدق التنجيمُ والكتبُ
(فأطفأتْ شهبُ (الفانتومُ) أنجمَنا =وشمسَنا...وتحدّتْ نارَها الخُطبُ
وقاتلتْ دونَنا الابواقُ صامدةً = أما الرجالُ فماتوا... ثَمَّ أو هربوا
حُكامُنا إنْ تصدّوا للحمى اقتحموا =وإنْ تصدى له المستعمرُ انسحبوا
هم يفرشون لجيشِ الغزوِ أعينَهم =ويدّعون وثوباً قبلَ أنْ يثبوا
(الحاكمون و واشنطنْ? حكومتُهم =واللامعون.. وما شعّوا ولا غربوا)
القاتلون نبوغَ الشعب ترضيةً =للمعتدين وما أجدتهم القرب
لهم شموخُ (المثنى) (1) ظاهراً ولهم =هوىً الى ?بابك الخرمي? ينتسب
ماذا ترى يا (أبا تمام) هل كذبتْ = أحسابُنا؟ أو تناسى عِرْقَهُ الذهبُ؟
عروبةُ اليومِ أخرى لا ينمّ على =وجودِها اسمٌ ولا لونٌ ولا لقبُ
تسعون ألفاً (لعمورية) اتّقدوا =وللمنجّمِ قالوا: إننا الشهبُ
قيل: انتظارُ قطافِ الكرمِ ؛ ما انتظروا =نضجَ العناقيدِ لكنْ قبلَها التهبوا
(واليومَ تسعون مليوناً وما بلغوا =نضجاً وقد عُصِرَ الزيتونُ والعنبُ
(تنسى الرؤوسُ العوالي نارَ نخوتِها =إذا امتطاها الى أسيادِه الذئب)
(حبيب) وافيتُ من صنعاءَ يحملني =نسرٌ وخلفَ ضلوعي يلهثُ العربُ
ماذا أُحدّثُ عن صنعاءَ يا أبتي؟ =مليحةٌ عاشقاها: السلُّ والجربُ
ماتت بصندوقِ وضاح?(1) بلا ثمنٍ =ولم يمت في حشاها العشقُ والطربُ
كانت تراقب صباحَ البعث فانبعثت =في الحلم ثم ارتمت تغفو وترتقب
لكنها رغم بخلِ الغيثِ ما برحت =حُبلى وفي بطنها ?قحطان? أو كرب?
وفي أسى مقلتيها يغتلي يمنٌ?=ثانٍ كحلم الصبا... ينأى ويقترب
?حبيب? تسأل عن حالي وكيف أنا؟=شبّابةٌ في شفاهِ الريحِ تنتحب
كانت بلادُك (رحلاً)، ظهر (ناجية) =أما بلادي فلا ظهر ولا غبب
أرعيت كل جديبٍ لحمَ راحلةٍ =كانت رعتْه وماءُ الروضِ ينسكب
ورحت من سفرٍ مضنٍ الى سفر =أضنى لان طريق الراحة التهب
لكنْ أنا راحل في غيرِ ما سفر =رحلي دمي...وطريقي الجمرُ والحطب
إذا امتطيتَ ركاباً للنوى فأنا =في داخلي... أمتطي ناري واغترب
قبري ومأساةُ ميلادي على كتفي =وحولي العدَمُ المنفوخُ والصخب
?حبيب? هذا صداك اليومَ أنشده =لكن لماذا ترى وجهي وتكتئب؟
ماذا؟ أتعجب من شيبي على صِغري؟=إني وُلِدتُ عجوزاً.. كيف تعتجب؟
واليومَ أذوي وطيشُ الفن يعزفني =والأربعون على خديَ تلتهب
كذا إذا ابيضّ إيناعُ الحياةِ على =وجهِ الأديب أضاء الفكرُ والأدب
وأنت من شبتَ قبل الأربعين على =نارِ (الحماسة) تجلوها وتنتخب
وتجتدي كل لص مترف هبةً =وأنت تعطيه شعراً فوق ما يهب
شرّقتَ غرّبتَ مِن (والٍ) الى (ملك) =يحثّك الفقرُ... أو يقتادك الطلب
طوّفتَ حتى وصلت (الموصلَ) انطفأت =فيك الاماني ولم يشبع لها أرب
لكنّ موتَ المجيدِ الفذّ يبدأه =ولادةُ من صباها ترضع الحقب
?حبيب? مازال في عينيك أسئلةٌ =تبدو... وتنسى حكاياها فتنتقب
وماتزال بحلقي ألفُ مبكيةٍ =مِن رهبةِ البَوحِ تستحيي وتضطرب
(يكفيك أنّ عدانا أهدروا دمَنا =ونحن من دمِنا نحسو ونحتلب)
(سحائبُ الغزوِ تشوينا وتحجبنا =يوماً ستحبل من ارعادنا السحب؟
ألا ترى يا أبا تمام? بارقَنا =(إنّ السماءَ تُرجى حين تحتجب)ديسمبر 1971م
البردوني أول ما اعتلى المنصة لإلقاء قصيدته ــ وهو يرتدي دشداشة وسترة ، ويمسح أنفه بكمه ؛ ضحك منه أغلب الحضور .. ولكن لمّا استرسل في إلقاء القصيدة بكى الكثيرون منهم ؛ وصفّق له كل الحضور ؛ وقاطعوه مرات عديدة ليعيد بعض الإبيات ... إقرأ معي :
أبو تمام وعروبة اليوم
ما أصدقَ السيفَ! إنْ لم يُنضِهِ الكذبُ =وأكذبَ السيفَ إن لم يصدقِ الغضبُ
بيضُ الصفائحِ أهدى حين تحملُها =أيدٍ إذا غلبتْ يعلو بها الغلبُ
وأقبحُ النصرِ... نصرُ الأقوياءِ بلا فهمٍ= سوى فهمِ: كم باعوا... وكم كسبوا
أدهى من الجهلِ علمٌ يطمئنُّ الى = أنصافِ ناسٍ طغَوا بالعلم واغتصبوا
(قالوا: همُ البشرث الأرقى وما أكلوا = شيئاً.. كما أكلوا الإنسانَ أو شربوا)
ماذا جرى... يا أبا تمامَ تسألني؟ =عفواً سأروي.. ولا تسألْ.. وما السببُ
يُدمي السؤالُ حياءً حين نسألُهُ =كيف احتفتْ بالعدى (حيفا) أو النقب)
مَن ذا يلبّي؟ أما إصرار معتصم =كلا وأخزى من (الأفشين)(1) ما صلبوا
(اليومَ عادتْ علوجُ (الرومِ) فاتحةً =وموطنُ العربِ المسلوبُ والسلبُ)
ماذا فعلنا؟ غضِبنا كالرجالِ ولم =نصدقْ.. وقد صدق التنجيمُ والكتبُ
(فأطفأتْ شهبُ (الفانتومُ) أنجمَنا =وشمسَنا...وتحدّتْ نارَها الخُطبُ
وقاتلتْ دونَنا الابواقُ صامدةً = أما الرجالُ فماتوا... ثَمَّ أو هربوا
حُكامُنا إنْ تصدّوا للحمى اقتحموا =وإنْ تصدى له المستعمرُ انسحبوا
هم يفرشون لجيشِ الغزوِ أعينَهم =ويدّعون وثوباً قبلَ أنْ يثبوا
(الحاكمون و واشنطنْ? حكومتُهم =واللامعون.. وما شعّوا ولا غربوا)
القاتلون نبوغَ الشعب ترضيةً =للمعتدين وما أجدتهم القرب
لهم شموخُ (المثنى) (1) ظاهراً ولهم =هوىً الى ?بابك الخرمي? ينتسب
ماذا ترى يا (أبا تمام) هل كذبتْ = أحسابُنا؟ أو تناسى عِرْقَهُ الذهبُ؟
عروبةُ اليومِ أخرى لا ينمّ على =وجودِها اسمٌ ولا لونٌ ولا لقبُ
تسعون ألفاً (لعمورية) اتّقدوا =وللمنجّمِ قالوا: إننا الشهبُ
قيل: انتظارُ قطافِ الكرمِ ؛ ما انتظروا =نضجَ العناقيدِ لكنْ قبلَها التهبوا
(واليومَ تسعون مليوناً وما بلغوا =نضجاً وقد عُصِرَ الزيتونُ والعنبُ
(تنسى الرؤوسُ العوالي نارَ نخوتِها =إذا امتطاها الى أسيادِه الذئب)
(حبيب) وافيتُ من صنعاءَ يحملني =نسرٌ وخلفَ ضلوعي يلهثُ العربُ
ماذا أُحدّثُ عن صنعاءَ يا أبتي؟ =مليحةٌ عاشقاها: السلُّ والجربُ
ماتت بصندوقِ وضاح?(1) بلا ثمنٍ =ولم يمت في حشاها العشقُ والطربُ
كانت تراقب صباحَ البعث فانبعثت =في الحلم ثم ارتمت تغفو وترتقب
لكنها رغم بخلِ الغيثِ ما برحت =حُبلى وفي بطنها ?قحطان? أو كرب?
وفي أسى مقلتيها يغتلي يمنٌ?=ثانٍ كحلم الصبا... ينأى ويقترب
?حبيب? تسأل عن حالي وكيف أنا؟=شبّابةٌ في شفاهِ الريحِ تنتحب
كانت بلادُك (رحلاً)، ظهر (ناجية) =أما بلادي فلا ظهر ولا غبب
أرعيت كل جديبٍ لحمَ راحلةٍ =كانت رعتْه وماءُ الروضِ ينسكب
ورحت من سفرٍ مضنٍ الى سفر =أضنى لان طريق الراحة التهب
لكنْ أنا راحل في غيرِ ما سفر =رحلي دمي...وطريقي الجمرُ والحطب
إذا امتطيتَ ركاباً للنوى فأنا =في داخلي... أمتطي ناري واغترب
قبري ومأساةُ ميلادي على كتفي =وحولي العدَمُ المنفوخُ والصخب
?حبيب? هذا صداك اليومَ أنشده =لكن لماذا ترى وجهي وتكتئب؟
ماذا؟ أتعجب من شيبي على صِغري؟=إني وُلِدتُ عجوزاً.. كيف تعتجب؟
واليومَ أذوي وطيشُ الفن يعزفني =والأربعون على خديَ تلتهب
كذا إذا ابيضّ إيناعُ الحياةِ على =وجهِ الأديب أضاء الفكرُ والأدب
وأنت من شبتَ قبل الأربعين على =نارِ (الحماسة) تجلوها وتنتخب
وتجتدي كل لص مترف هبةً =وأنت تعطيه شعراً فوق ما يهب
شرّقتَ غرّبتَ مِن (والٍ) الى (ملك) =يحثّك الفقرُ... أو يقتادك الطلب
طوّفتَ حتى وصلت (الموصلَ) انطفأت =فيك الاماني ولم يشبع لها أرب
لكنّ موتَ المجيدِ الفذّ يبدأه =ولادةُ من صباها ترضع الحقب
?حبيب? مازال في عينيك أسئلةٌ =تبدو... وتنسى حكاياها فتنتقب
وماتزال بحلقي ألفُ مبكيةٍ =مِن رهبةِ البَوحِ تستحيي وتضطرب
(يكفيك أنّ عدانا أهدروا دمَنا =ونحن من دمِنا نحسو ونحتلب)
(سحائبُ الغزوِ تشوينا وتحجبنا =يوماً ستحبل من ارعادنا السحب؟
ألا ترى يا أبا تمام? بارقَنا =(إنّ السماءَ تُرجى حين تحتجب)ديسمبر 1971م