enad
25-05-2004, 02:30 AM
استراتيجية المقاومة العراقية..ما هي؟
استراتيجية المقاومة العراقية..ما هي؟
وكالة الأخبار الإسلامية (نبأ)
الكاتب: طلعت رميح
--------------------------------------------------------------------------------
إستراتيجية المقاومة العراقيه ..ما هي؟
أهمية هذا السؤال متعددة ومتنوعة الأوجه .. فهي تأتي أولا من أن هذه المقاومة طرحت نفسها عسكريا دون أن تطرح رؤية أو برنامج سياسي أو خطة استراتيجية محدده معلنة..لقد كانت سرعة اشتعال هذه المقاومة مفاجأة للكثيرين بنفس القدر الذي ظلت استراتيجيتها غير معلنة حتى الآن ..فقد اشتعلت ووقفت منتصبة على أقدامها فور انتهاء العمليات العسكرية النظامية العدوانية للجيش الأمريكي ضد الجيش العراقي، الذي تبخر فجاه خلال عملية احتلال بغداد- مثله في ذلك مثل كل أجهزة الدولة العراقية التي انفرط عقدها على ما يبدو وفق رؤية محدده سلفا- فجاءت المقاومة عاجلا ودون انتظار ووسط عملية الفوضى والانهيار والسرقات التي دبرتها وساندتها قوات الاحتلال، وقبل أن يفيق الناس من صدمة سهولة احتلال بغداد..ثم صارت هذه المقاومة تقوى وتتصاعد وتيرتها إلى درجة جعلت المسئولين الأمريكيين يعبرون عن دهشتهم ويعترفون علنا-باول- أنهم لم يضعوا في حساباتهم نشوب تلك المقاومة بهذه الضراوة..لكن هذه المقاومة اشتعلت و تصاعدت..فاجأت وقويت.. دون أن يقول احد للناس.
من هي هذه المقاومة؟
وما هو شكل العراق الذي تقاتل من أجله؟
.فمن خلال مراجعة كل ما صدر من بيانات وكل ما صور من شرائط فيديو للمقاومين خلال مرحلة الإعلان عن بدء المقاومة نجد أن كل الذين تحدثوا فيها لم يذكروا بالإجمال سوى أنهم سيقاومون قوات الاحتلال وسيخرجونها من العراق ..دون أن يقولوا شيئا عن العراق القادم .. ولا عن استراتيجيتهم في بنائه من خلال المقاومة. وهى تأتى ثانيا من أن هذه المقاومة، تجرى وسط قطاع جغرافي محدد من العراق، هو ما بات يطلق عليه "المثلث السني " في محاولة خبيثة لتقسيم العراق..ولا تجرى بنفس الوتيرة في شمال العراق ولا في جنوبه –المقاومة طرحت فى بيان صدر عنها مؤخرا إن ثمة تعتيم إعلامي مقصود على عملياتها فى المناطق الأخرى - الأمر الذي يطرح بإلحاح السؤال حول ما إذا كانت استراتيجية المقاومة هي استراتيجيه للعراق كله أم لثلث العراق إذا جاز القول، خاصة بعد استمرارها لعدة اشهر دون أن توسع رقعة نشاطها بالدرجة التي تجبر قوات الاحتلال على الاعتراف بها.. ويزيد من أهمية ذلك أن لا احد يجزم من الجانب الآخر بشكل قاطع وبالتحديد..من هم هؤلاء المقاومين..هم لا يقولون من هم..وقوات الاحتلال بدورها تتخبط في وصفهم، فتارة ترى أنهم أنصار السابق من أجهزة المخابرات والأمن ومن كوادر حزب البعث وتارة تقول أنهم من أتباع أسامه بن لادن أو من أتباع جماعة أنصار الإسلام وتارة ترى أنهم متطوعون تسللوا عبر الحدود..ولو تم الاستقرار على وصف محدد لمن هم هؤلاء المقاومين –وهو أمر بدى انه فى طريقه للوضوح مؤخرا غير انه لا يكفى للحكم الاستراتيجي- لكان بالإمكان استنتاج استراتيجيهم أو خطتهم الاستراتيجية قياسا على مفاهيم وسياسات القوى المشاركة في المقاومة أو القوة التي تقودها.
استراتيجية المقاومة العراقية
وهى تأتى ثالثا من أن التساؤل حول استراتيجية المقاومة العراقية إنما هو سؤال لا يمكن الإجابة عليه –في ضوء ما سبق - إلا من خلال قراءة ومتابعة العمليات التي تقوم بها قوات المقاومة العراقية من ناحية وفى ضوء معرفة وقراءة الخطة الاستراتيجية لقوات الاحتلال باعتبارها الاستراتيجية المتصارعة معها.والمتابع لعمليات المقاومة لاشك انه يلحظ أنها عمليات مخططه وفق توجيهات سياسية تتعامل مع التطورات السياسية لحظة بلحظه بل وتتعامل مع كل زيارة خارجية للعراق ومع كل موقف مستجد داخل العراق وخارجه مما يطرح أن هذه الكفاءة التكتيكية لا شك إن من خلفها رؤية استراتيجيه أكثر وضوحا ودقه...ومن ثم فان قراءة استراتيجية المقاومة العراقية إنما هو قراءه للصراع الجاري كله..بل إن معرفة هذه الاستراتيجية لا يزيد المعرفة بالمقاومة فقط ولا يقدم رؤية شامله للصراع ولاحتمالات تطوره وإنما أيضا يلقى ضوءا كاشفا لتفسير العمليات التي تجرى..وأهدافها واحتمالات تطورها خاصة العمليات الأخيرة التي تجرى ضد الشرطة العراقية بشكل مكثف وكذا توضيح هدف المقاومة من إعلان يوم عنيف للمقاومة جرى تحذير الناس فيه من التحرك خلاله داخل بغداد..ذهابا للمدارس أو المصارف..ثم عدم القيام بأية عملية..ومعالجة القوات الأمريكية في اليوم التالي بالتصعيد الأهم والأخطر وهو إسقاط إحدى طائراتها وقتل 16 من جنودها دفعه واحده..الأمر الذي وصفه رامسفيلد "بالمأساوي".
تكتيكات المقاومة عسكريا وسياسيا
المتابع لعمليات المقاومة العراقية .أو عبر عملياتها يلحظ أنها تتعامل بدقه شديدة في اختيارها لأهدافها..وفى توقيتات عملياتها ..وفى الوسائل العسكرية التي تستخدمها في عملياتها..وهى من خلال هذا التدقيق الشديد والكفاءة نجحت في تحقيق أهداف هامه بل في غاية الأهمية..فهي نجحت بالفعل في إثارة الذعر في صفوف قوات الاحتلال الأمريكي .. وأثرت على معنويات هذه القوات إلى درجة لم تعترف بها هذه القوات الموجودة على الأرض العراقية فقط بل إلى درجة أن وزارة الدفاع الأمريكية اضطرت مع اتساع الحالة لإرسال أساتذة في الطب النفسي لدراسة الوضع النفسي للجنود تحت ضغط ما أعلن عن حالات فرار للجنود وهرب عبر الحدود..ومن حدوث حالات وفاه للجنود في أسرتهم، بعيدا عن ميادين القتال وكذلك في ضوء عدم عوده بعض الجنود إلى وحداتهم القتالية في العراق والبقاء في الولايات المتحدة بعد انقضاء أجازاتهم فى الولايات المتحدة..وأيضا فى ضوء ما أعلنه إحصاء واستطلاع أمريكي من أن 50% من الجنود يفكرون في عدم تجديد عقود عملهم في الجيش الأمريكي بسبب عمليات المقاومة. والمتابع لعمليات المقاومة يجد أيضا أن المقاومة نجحت في عدم تمكين قوات الاحتلال الأمريكية وأجهزة الإعلام من إخفاء حالة استمرا ر الفوضى وعدم قدرتها على فرض الأمن في العراق لا لنفسها ولا للسكان الذين أعلنت أنها جاءت لتحريرهم وتحسين ظروف حياتهم(!!)..وذلك.حتى فى عدم تمكين الجيش الأمريكي من التعتيم على خسائره رغم كل ما اتخذه من إجراءات ضد وسائل الإعلام.وذلك بفعل نشاط المقاومة ليلا ونهارا وبفعل عملها المكثف داخل العاصمة..وكذا لتعدد عملياتها وانتشارها في اليوم الواحد. و المتابع يجد أن المقاومة العراقية نجحت أيضا في منع القوات التركية من الحضور إلى العراق رغم اتخاذ مجلس الوزراء والبرلمان التركي لقرار بإرسال هذه القوات..وقد كان بإمكان القوات التركية لو وصلت فعلا للعراق -وقد كان مخططا لها أن تنتشر في وسط العراق -أن تنقذ قوات الاحتلال الأمريكية من المأزق الذي تعيشه الآن ولتحول الصراع إلى صراع إسلامي –إسلامي...كما نجحت المقاومة في حسم تردد دول أخرى كانت تفكر في إرسال قواتها إلى العراق فعدلت عن قرارها أو تفكيرها خوفا على جنودها أو سمعتها السياسية ومصالحها..كما أن المقاومة أعطت مبررا لدول من نوع ثالث لعدم إرسال قواتها وان تتفلت من الضغوط الأمريكية عليها ..بحجة المقاومة. والمتابع يلحظ أيضا أن المقاومة العراقية نجحت على أكثر من صعيد في تعطيل حركة تصدير البترول العراقي للخارج وفى تكبيد قوات الاحتلال خسائر مالية شديدة في هذا الجانب سواء لان البترول والسيطرة عليه كان احد أسباب الغزو أو لأنه المشغل لآلة الحرب الأمريكية الدائمة الحركة أو بسبب تكاليف الإطفاء والسيطرة على النيران أو لتكاليف الإصلاح أو للآثار الخطيرة على دول الجوار التي يعتبر وصول النفط العراقي لها احد عوامل السيطرة على قرارها السياسي.. وإذا كان أكبر الخاسرين من قضية الاحتلال الأمريكي للعراق في مجال النفط هو سوريا بعدما أوقفت قوات الاحتلال ضخ النفط في الخط الذهب عبر أراضيها..فان أكبر المتضررين الآن هو تركيا...لكن ما لا يدركه الكثيرون إن ضرب أنابيب النفط جعل من احتلال العراق حتى الآن عامل استنزاف للخزانة الأمريكية على عكس ما خطط اليمين الصهيوني لهذه الحرب العدوانية. والمتابع لعمليات المقاومة لاشك أنه يجد نفسه ينظر بدهشة إلى قدرتها على نقل المعركة إلى الداخل الأمريكي..فالمقاومة نجحت على المستوى التكتيكي أيضا في الانتقال بالتأثير السياسي إلى داخل الولايات المتحدة فقد كانت السبب وراء سحب ملف العراق من وزير الدفاع الأمريكي رامسفيلد وكانت هي من أعطت الفرصة لكولن باول وزير الخارجية الأمريكي لكي يعيد الاعتبار إلى رؤيته القاضية بعدم تجاهل الوضع القانوني الدولي وأطماع الدول الكبرى المنافسة.وهو ما ظهر في العودة الأمريكية إلى مجلس الأمن المرة تلو المرة..كما إنها تمكنت من إثارة مصاعب يبدو أنها متصاعدة للإدارة الجمهورية وللرئيس بوش تحديدا بما أعطته من هدايا للديمقراطيين لتصعيد ضغوطهم على البيت الأبيض وإثارة قدر متصاعد من الإحراج له..بما خفض من شعبيه بوش بشكل متواتر. وأخيرا فالمتابع والمحلل لهذه النجاحات التكتيكية للمقاومة العراقية يجد أنها تحققت من خلال اعتماد المقاومة العراقية على نمط من الربط الدقيق واللحظي والمباشر بين التطور والتغير في الأحداث السياسية وبين توقيتات العمليات..وكذلك من خلال اعتماد ترابط بين ظروف كل عمليه و القدر المطلوب والمؤثر من القوه وباستخدام الوسائل العسكرية المناسبة تحديدا لكل هدف من الأهداف..ففي خلال حضور أمين عام وزارة الدفاع الأمريكية في العراق جاءت العملية –عملية فندق الرشيد –في توقيت جعل المراقبين يتحدثون عن قدرة تكتيكيه عالية في التعامل مع عنصر الوقت الأمر الذي حاول المتحدث العسكري نفيه بصوره غير مباشره بالإعلان عن أن العملية خطط لها منذ وقت طويل..ومن ناحية الأهداف العسكرية سعت العملية لإظهار فشل القوات الأمريكية حتى في حماية نائب وزير الدفاع هو نفسه فكيف بحمايتها لنفسها.. كما استهدفت العملية هز أركان قيادة القوات الأمريكية في العراق أمام قادتها المباشرين واختارت لهذا أن تقصف الفندق الذي يقيم به نائب الوزير وهى لو نجحت في مسعاها لإصابته أو قتله لكان الأمر تطورا ذو تأثير خطير على وجود قوات الاحتلال...ومن ناحية الوسائل المستخدمة اعتمدت المقاومة على نمط من العمليات والأسلحة مناسب لطبيعة الهدف من العملية..حيث لم تجر العملية بسيارة مفخخة..أو من خلال مقاوم يفجر نفسه.. هذا الأسلوب أو ذلك –سبق استخدامه منذ فتره قريبة-ولا يحقق مهمة هدم الفندق كاملا وإنما اختارت المقاومة القصف الصاروخي..الذي كان بإمكانه هدم الفندق كاملا..بما يعزز هدفها في قتل نائب الوزير الأمريكي والقادة الأمريكيين الموجودين بطبيعة الحال معه. وفى مواجهة تنامي أعداد وقوة ونفوذ الشرطة العراقية –وهى ذات خطر شديد على أفراد المقاومة لمعرفتها بالأرض والبشر-كان توقيت وحجم الضربات والوسائل العسكرية المستخدمة في هذا النمط من العمليات مخططا ومحددا بدقة..فمن ناحية التوقيت كان قد اختير لأحد العمليات أن تتم في يوم تخريج دفعه من هذه القوات وذلك في رسالة موجهه لأفراد الشرطة بأن المتعاون مع المحتل يعامل معاملة المحتل وأن المقاومة تحذرهم وهم في بداية الطريق وقد استخدمت المقاومة في ذلك أسلوب الهجوم المباشر والاشتباك والسيارات المفخخة ..وتابعت العمليات سيرها في هذا الاتجاه إلى أن وصلنا إلى اليوم الذي أطلقت عليه أجهزة الإعلام الأمريكية "يوم القيامة" حيث جرت أربع عمليات في يوم واحد ضد أقسام الشرطة...لإصابة وقتل اكبر عدد ممكن من أفراد الشرطة ..ولإظهار عدم قدرة الشرطة –ومن خلفها قوات الاحتلال-على تحقيق الأمن لنفسها ..بما هز فكرة الأمن والاستقرار التي كانت أجهزة الإعلام والمسئولين الأمريكيين قد بدءوا الحديث عنها .والمقاومة اتبعت ذلك بالإعلان عن يوم للمقاومة ..جاء كاختبار للتأثير النفسي لعملياتها السابقة ولإظهار مدى سيطرتها على الأرض والبشر..حيث أعلنت عن يوم لا يذهب فيه الناس لأعمالهم ..مما أوقف الحياة كاملة تقريبا في بغداد ..ولما حققت هدفها هذا.. فهي لم تقم بأية عملية ..وقد كان ذلك في حد ذاته رسالة قويه من المقاومة ودرسا من دروس الحرب النفسية تلجا إليه المقاومة الشعبية إذ تجعل عدوها مستنفرا وقلقا يتوقع الضربة من كل اتجاه وفى تلك الحالة لا تضربه ..وحينما تخف يقظته وتقل درجة إستنفاره تعاجله بضربه من حيث لا يتوقع ..وكانت الضربة غير المتوقعة هذه في اليوم التالي هي الأخطر من كل ما سبق من عمليات لها ..كانت العملية هذه المرة بإسقاط مروحيه تقل عدد من العسكريين الأمريكيين ..وإضافة إلى أن المقاومة دشنت بذلك قدرتها على ضرب ما يطير وليس فقط ما يسير ..ودشنت قدرتها على بداية شل السلاح الوحيد الباقي للاستخدام بحريه ودون مقاومه أي الطائرات الهليكوبتر-لا يمكن استخدام الدبابات في المواجهة مع المقاومة ..وكذلك الطائرات ثابتة الجناح- فإنها أيضا أصابت العدد الأكبر من جنود قوات الاحتلال في ضربة واحده ،وهو أمر ذو تأثير حاسم ،إذ لم يعد يبقى أية وسيله لم تستخدمها المقاومة بما يجعل قوات الاحتلال في حاله دائمة من التوتر والقلق ودون أية وسيله مؤمنه لتنقلاتها القريبة..ويبدو أن احد أهداف العملية هو بدء العمل من اجل إخراج سلاح الهليكوبتر من المواجهة بالفاعلية السابقة لتحقيق مزيد من الفاعلية في العمل على الأرض ...وربما للتحضير لأشكال من الانتفاضة المسلحة ضد كل إشكال الحكم التي أقامتها قوات الاحتلال...ومؤخرا باتت المقاومة العراقية تستهدف بصفة يومية ما يسمى بالمنطقة الخضراء التي تعتبرها قوات الاحتلال المنطقة الأكثر أمنا فى بغداد ..حيث تجرى عمليات قصف الهاون . والقصد من كل ما ذكرنا هو أن العمليات التي تقوم بها المقاومة العراقية .. ليست مجرد عمليات هنا وهناك .. حيث يخرج المقاوم قاصدا ضرب أي هدف فى أي توقيت ..وإنما هي عمليات مخططه على الأقل في مواجهة استراتيجية القوات المحتلة ..تكتيكا بتكتيك وخطوه بخطوه. استراتيجيتان ..وتكتيكات متقاتلة ماذا تفعل قوات الاحتلال بالدقة الآن ؟ أو ملهى استراتيجيتها تحديدا؟ هذا هو السؤال الأول والاهم للتعرف على استراتيجية المقاومة العراقية ذلك إن ما يمكن قوله حتى الآن -فى ضوء عدم إعلان استراتيجية المقاومة العراقية ..وفى ضوء القراءة والتفسير والاستنتاج من عملياتها وهو الظاهر من هذه الاستراتيجية حتى الآن آي العمليات التكتيكية -هو إن استراتيجية المقاومة تستهدف إفشال الاستراتيجية المعتمدة من قوات الاحتلال ..أي إن قراءة استراتيجية المقاومة العراقية حتى الآن لا يتوفر إلا من خلال متابعة وفهم استراتيجية القوات الأمريكية ..وتكتيكات المقاومة العراقية المواجهة لها .والمتابع لكل ما تتخذه قوات الاحتلال من إجراءات ومواقف وقرارات ..يصل إلى استنتاج رئيسي واحد هو أن هذه القوات ..تعيد بناء جهاز الدولة العراقية وفق نمط جديد هو نمط الدولة المحتلة التابعة بحكم بنيانها ومفاهيم وأسس تشكيلها ليكون جهاز الدولة هذا هو الضامن لاستمرار حالة الاحتلال حتى لو انسحبت القوات الأمريكية من العراق كلها أو لو اكتفت بمجرد التواجد في قواعد عسكريه في الصحراء –خارج المدن-وفق للنمط الموجود في أفغانستان ..فبعد أن انتهت قوات الاحتلال خلال عملياتها العسكرية الرئيسية الأولى من تفكيك الدولة العراقية القديمة من جيش وشرطه وحزب ومخابرات وخلافه –ولم يكن ذلك عملا عفويا أو متسرعا وإنما هو المرحلة الأولى من خطه محدده -نجدها شرعت بعد ذلك في تشكيل أشكال انتقالية للدولة الجديدة فبدأت بإعلان المجلس الانتقالي –التسمية لقوات الاحتلال وتعكس فهمها له ولدوره-ثم شكلت مجلس للوزراء في العراق هو الأكثر إظهارا لطابع المرحلية من الجوهر فهو مجلس للوزراء دون وزارات ..وبجانب كل وزير هناك مستشار أمريكي –هو الوزير الفعلي –وهى وزارات بلا ميزانيات أو قرارات ..الهدف من تشكيلها هو وضع خطط إنشاء الوزارات في عراق الاحتلال الدائم ..ومن ثم انتقلت قوات الاحتلال بعد ذلك إلى إعادة بناء شرطة عراقية .. ثم دخلت الآن مرحلة بناء جيش عراقي جديد –قال بريمر إن تعداده سيبلغ 200 ألف جندي وضابط- مع إعلان بتشكيل لجنه لصياغة دستور عراقي جديد.وبمتابعة كل ذلك يمكن القول إن المرحلة الثانية من استراتيجية الاحتلال تقوم على تشكيل أشكال انتقالية للحكم لتعقبها المرحلة الثالثة والأخيرة وهى بناء جهاز دوله عراقية متعاون مع الاحتلال ..ومن هنا وفى مقابل هذه الاستراتيجية ....تقوم خطة المقاومة العراقية على إفشال هذه الخطوات التكتيكية والمرحلية خطوه بعد خطوه ..ففي مواجهة بناء مجلس الحكم الانتقالي جرت عمليات اغتيال ومطاردة أفراد مجلس الحكم الانتقالي والوزراء... وفى مواجهة تشكيل جهاز شرطه عراقي جرت عمليات تصفية الشرطة العراقية..بل ومن هنا جرت عملية الإعلان عن يوم لا يسير احد فيه في الطرقات والشوارع لتأكيد سيطرة المقاومة على الأرض واستنزاف معنويات الجيش الأمريكي ...والى جانب هذه الاستراتيجية وعلى خط مواز لها تجرى عملية الانتقال بالمقاومة من أساليب أبسط إلى أساليب أكثر تعقيدا ومن الضربات على الأرض إلى الضربات في الجو..وعلى نفس الخط يجرى تحطيم معنويات الجنود الأمريكيين خطوة إلى أن تجد قوات الاحتلال أن ليس أمامها مفر سوى الهرب بجلدها على الأقل من المدن العراقية . وتلك هي أبرز مؤشرات استراتيجية المقاومة العراقية خلال المرحلة الراهنة...والتي لا يظهر فيها حتى الآن أي مؤشر على شكل العراق القادم بعد إنهاء الاحتلال...وهو أمر لاشك انه يلعب دورًا فى تقليل الاندماج معها من بعض القوى .. وأن كان هناك مؤشر على الوعي بأهمية هذا الأمر فهو حتى الآن فى حدود بدء الإعلان عن بدء توحيد جماعات المقاومة تحت رايات عامة أو تشكيل لجنة عامة لقيادة المقاومة.
استراتيجية المقاومة العراقية..ما هي؟
وكالة الأخبار الإسلامية (نبأ)
الكاتب: طلعت رميح
--------------------------------------------------------------------------------
إستراتيجية المقاومة العراقيه ..ما هي؟
أهمية هذا السؤال متعددة ومتنوعة الأوجه .. فهي تأتي أولا من أن هذه المقاومة طرحت نفسها عسكريا دون أن تطرح رؤية أو برنامج سياسي أو خطة استراتيجية محدده معلنة..لقد كانت سرعة اشتعال هذه المقاومة مفاجأة للكثيرين بنفس القدر الذي ظلت استراتيجيتها غير معلنة حتى الآن ..فقد اشتعلت ووقفت منتصبة على أقدامها فور انتهاء العمليات العسكرية النظامية العدوانية للجيش الأمريكي ضد الجيش العراقي، الذي تبخر فجاه خلال عملية احتلال بغداد- مثله في ذلك مثل كل أجهزة الدولة العراقية التي انفرط عقدها على ما يبدو وفق رؤية محدده سلفا- فجاءت المقاومة عاجلا ودون انتظار ووسط عملية الفوضى والانهيار والسرقات التي دبرتها وساندتها قوات الاحتلال، وقبل أن يفيق الناس من صدمة سهولة احتلال بغداد..ثم صارت هذه المقاومة تقوى وتتصاعد وتيرتها إلى درجة جعلت المسئولين الأمريكيين يعبرون عن دهشتهم ويعترفون علنا-باول- أنهم لم يضعوا في حساباتهم نشوب تلك المقاومة بهذه الضراوة..لكن هذه المقاومة اشتعلت و تصاعدت..فاجأت وقويت.. دون أن يقول احد للناس.
من هي هذه المقاومة؟
وما هو شكل العراق الذي تقاتل من أجله؟
.فمن خلال مراجعة كل ما صدر من بيانات وكل ما صور من شرائط فيديو للمقاومين خلال مرحلة الإعلان عن بدء المقاومة نجد أن كل الذين تحدثوا فيها لم يذكروا بالإجمال سوى أنهم سيقاومون قوات الاحتلال وسيخرجونها من العراق ..دون أن يقولوا شيئا عن العراق القادم .. ولا عن استراتيجيتهم في بنائه من خلال المقاومة. وهى تأتى ثانيا من أن هذه المقاومة، تجرى وسط قطاع جغرافي محدد من العراق، هو ما بات يطلق عليه "المثلث السني " في محاولة خبيثة لتقسيم العراق..ولا تجرى بنفس الوتيرة في شمال العراق ولا في جنوبه –المقاومة طرحت فى بيان صدر عنها مؤخرا إن ثمة تعتيم إعلامي مقصود على عملياتها فى المناطق الأخرى - الأمر الذي يطرح بإلحاح السؤال حول ما إذا كانت استراتيجية المقاومة هي استراتيجيه للعراق كله أم لثلث العراق إذا جاز القول، خاصة بعد استمرارها لعدة اشهر دون أن توسع رقعة نشاطها بالدرجة التي تجبر قوات الاحتلال على الاعتراف بها.. ويزيد من أهمية ذلك أن لا احد يجزم من الجانب الآخر بشكل قاطع وبالتحديد..من هم هؤلاء المقاومين..هم لا يقولون من هم..وقوات الاحتلال بدورها تتخبط في وصفهم، فتارة ترى أنهم أنصار السابق من أجهزة المخابرات والأمن ومن كوادر حزب البعث وتارة تقول أنهم من أتباع أسامه بن لادن أو من أتباع جماعة أنصار الإسلام وتارة ترى أنهم متطوعون تسللوا عبر الحدود..ولو تم الاستقرار على وصف محدد لمن هم هؤلاء المقاومين –وهو أمر بدى انه فى طريقه للوضوح مؤخرا غير انه لا يكفى للحكم الاستراتيجي- لكان بالإمكان استنتاج استراتيجيهم أو خطتهم الاستراتيجية قياسا على مفاهيم وسياسات القوى المشاركة في المقاومة أو القوة التي تقودها.
استراتيجية المقاومة العراقية
وهى تأتى ثالثا من أن التساؤل حول استراتيجية المقاومة العراقية إنما هو سؤال لا يمكن الإجابة عليه –في ضوء ما سبق - إلا من خلال قراءة ومتابعة العمليات التي تقوم بها قوات المقاومة العراقية من ناحية وفى ضوء معرفة وقراءة الخطة الاستراتيجية لقوات الاحتلال باعتبارها الاستراتيجية المتصارعة معها.والمتابع لعمليات المقاومة لاشك انه يلحظ أنها عمليات مخططه وفق توجيهات سياسية تتعامل مع التطورات السياسية لحظة بلحظه بل وتتعامل مع كل زيارة خارجية للعراق ومع كل موقف مستجد داخل العراق وخارجه مما يطرح أن هذه الكفاءة التكتيكية لا شك إن من خلفها رؤية استراتيجيه أكثر وضوحا ودقه...ومن ثم فان قراءة استراتيجية المقاومة العراقية إنما هو قراءه للصراع الجاري كله..بل إن معرفة هذه الاستراتيجية لا يزيد المعرفة بالمقاومة فقط ولا يقدم رؤية شامله للصراع ولاحتمالات تطوره وإنما أيضا يلقى ضوءا كاشفا لتفسير العمليات التي تجرى..وأهدافها واحتمالات تطورها خاصة العمليات الأخيرة التي تجرى ضد الشرطة العراقية بشكل مكثف وكذا توضيح هدف المقاومة من إعلان يوم عنيف للمقاومة جرى تحذير الناس فيه من التحرك خلاله داخل بغداد..ذهابا للمدارس أو المصارف..ثم عدم القيام بأية عملية..ومعالجة القوات الأمريكية في اليوم التالي بالتصعيد الأهم والأخطر وهو إسقاط إحدى طائراتها وقتل 16 من جنودها دفعه واحده..الأمر الذي وصفه رامسفيلد "بالمأساوي".
تكتيكات المقاومة عسكريا وسياسيا
المتابع لعمليات المقاومة العراقية .أو عبر عملياتها يلحظ أنها تتعامل بدقه شديدة في اختيارها لأهدافها..وفى توقيتات عملياتها ..وفى الوسائل العسكرية التي تستخدمها في عملياتها..وهى من خلال هذا التدقيق الشديد والكفاءة نجحت في تحقيق أهداف هامه بل في غاية الأهمية..فهي نجحت بالفعل في إثارة الذعر في صفوف قوات الاحتلال الأمريكي .. وأثرت على معنويات هذه القوات إلى درجة لم تعترف بها هذه القوات الموجودة على الأرض العراقية فقط بل إلى درجة أن وزارة الدفاع الأمريكية اضطرت مع اتساع الحالة لإرسال أساتذة في الطب النفسي لدراسة الوضع النفسي للجنود تحت ضغط ما أعلن عن حالات فرار للجنود وهرب عبر الحدود..ومن حدوث حالات وفاه للجنود في أسرتهم، بعيدا عن ميادين القتال وكذلك في ضوء عدم عوده بعض الجنود إلى وحداتهم القتالية في العراق والبقاء في الولايات المتحدة بعد انقضاء أجازاتهم فى الولايات المتحدة..وأيضا فى ضوء ما أعلنه إحصاء واستطلاع أمريكي من أن 50% من الجنود يفكرون في عدم تجديد عقود عملهم في الجيش الأمريكي بسبب عمليات المقاومة. والمتابع لعمليات المقاومة يجد أيضا أن المقاومة نجحت في عدم تمكين قوات الاحتلال الأمريكية وأجهزة الإعلام من إخفاء حالة استمرا ر الفوضى وعدم قدرتها على فرض الأمن في العراق لا لنفسها ولا للسكان الذين أعلنت أنها جاءت لتحريرهم وتحسين ظروف حياتهم(!!)..وذلك.حتى فى عدم تمكين الجيش الأمريكي من التعتيم على خسائره رغم كل ما اتخذه من إجراءات ضد وسائل الإعلام.وذلك بفعل نشاط المقاومة ليلا ونهارا وبفعل عملها المكثف داخل العاصمة..وكذا لتعدد عملياتها وانتشارها في اليوم الواحد. و المتابع يجد أن المقاومة العراقية نجحت أيضا في منع القوات التركية من الحضور إلى العراق رغم اتخاذ مجلس الوزراء والبرلمان التركي لقرار بإرسال هذه القوات..وقد كان بإمكان القوات التركية لو وصلت فعلا للعراق -وقد كان مخططا لها أن تنتشر في وسط العراق -أن تنقذ قوات الاحتلال الأمريكية من المأزق الذي تعيشه الآن ولتحول الصراع إلى صراع إسلامي –إسلامي...كما نجحت المقاومة في حسم تردد دول أخرى كانت تفكر في إرسال قواتها إلى العراق فعدلت عن قرارها أو تفكيرها خوفا على جنودها أو سمعتها السياسية ومصالحها..كما أن المقاومة أعطت مبررا لدول من نوع ثالث لعدم إرسال قواتها وان تتفلت من الضغوط الأمريكية عليها ..بحجة المقاومة. والمتابع يلحظ أيضا أن المقاومة العراقية نجحت على أكثر من صعيد في تعطيل حركة تصدير البترول العراقي للخارج وفى تكبيد قوات الاحتلال خسائر مالية شديدة في هذا الجانب سواء لان البترول والسيطرة عليه كان احد أسباب الغزو أو لأنه المشغل لآلة الحرب الأمريكية الدائمة الحركة أو بسبب تكاليف الإطفاء والسيطرة على النيران أو لتكاليف الإصلاح أو للآثار الخطيرة على دول الجوار التي يعتبر وصول النفط العراقي لها احد عوامل السيطرة على قرارها السياسي.. وإذا كان أكبر الخاسرين من قضية الاحتلال الأمريكي للعراق في مجال النفط هو سوريا بعدما أوقفت قوات الاحتلال ضخ النفط في الخط الذهب عبر أراضيها..فان أكبر المتضررين الآن هو تركيا...لكن ما لا يدركه الكثيرون إن ضرب أنابيب النفط جعل من احتلال العراق حتى الآن عامل استنزاف للخزانة الأمريكية على عكس ما خطط اليمين الصهيوني لهذه الحرب العدوانية. والمتابع لعمليات المقاومة لاشك أنه يجد نفسه ينظر بدهشة إلى قدرتها على نقل المعركة إلى الداخل الأمريكي..فالمقاومة نجحت على المستوى التكتيكي أيضا في الانتقال بالتأثير السياسي إلى داخل الولايات المتحدة فقد كانت السبب وراء سحب ملف العراق من وزير الدفاع الأمريكي رامسفيلد وكانت هي من أعطت الفرصة لكولن باول وزير الخارجية الأمريكي لكي يعيد الاعتبار إلى رؤيته القاضية بعدم تجاهل الوضع القانوني الدولي وأطماع الدول الكبرى المنافسة.وهو ما ظهر في العودة الأمريكية إلى مجلس الأمن المرة تلو المرة..كما إنها تمكنت من إثارة مصاعب يبدو أنها متصاعدة للإدارة الجمهورية وللرئيس بوش تحديدا بما أعطته من هدايا للديمقراطيين لتصعيد ضغوطهم على البيت الأبيض وإثارة قدر متصاعد من الإحراج له..بما خفض من شعبيه بوش بشكل متواتر. وأخيرا فالمتابع والمحلل لهذه النجاحات التكتيكية للمقاومة العراقية يجد أنها تحققت من خلال اعتماد المقاومة العراقية على نمط من الربط الدقيق واللحظي والمباشر بين التطور والتغير في الأحداث السياسية وبين توقيتات العمليات..وكذلك من خلال اعتماد ترابط بين ظروف كل عمليه و القدر المطلوب والمؤثر من القوه وباستخدام الوسائل العسكرية المناسبة تحديدا لكل هدف من الأهداف..ففي خلال حضور أمين عام وزارة الدفاع الأمريكية في العراق جاءت العملية –عملية فندق الرشيد –في توقيت جعل المراقبين يتحدثون عن قدرة تكتيكيه عالية في التعامل مع عنصر الوقت الأمر الذي حاول المتحدث العسكري نفيه بصوره غير مباشره بالإعلان عن أن العملية خطط لها منذ وقت طويل..ومن ناحية الأهداف العسكرية سعت العملية لإظهار فشل القوات الأمريكية حتى في حماية نائب وزير الدفاع هو نفسه فكيف بحمايتها لنفسها.. كما استهدفت العملية هز أركان قيادة القوات الأمريكية في العراق أمام قادتها المباشرين واختارت لهذا أن تقصف الفندق الذي يقيم به نائب الوزير وهى لو نجحت في مسعاها لإصابته أو قتله لكان الأمر تطورا ذو تأثير خطير على وجود قوات الاحتلال...ومن ناحية الوسائل المستخدمة اعتمدت المقاومة على نمط من العمليات والأسلحة مناسب لطبيعة الهدف من العملية..حيث لم تجر العملية بسيارة مفخخة..أو من خلال مقاوم يفجر نفسه.. هذا الأسلوب أو ذلك –سبق استخدامه منذ فتره قريبة-ولا يحقق مهمة هدم الفندق كاملا وإنما اختارت المقاومة القصف الصاروخي..الذي كان بإمكانه هدم الفندق كاملا..بما يعزز هدفها في قتل نائب الوزير الأمريكي والقادة الأمريكيين الموجودين بطبيعة الحال معه. وفى مواجهة تنامي أعداد وقوة ونفوذ الشرطة العراقية –وهى ذات خطر شديد على أفراد المقاومة لمعرفتها بالأرض والبشر-كان توقيت وحجم الضربات والوسائل العسكرية المستخدمة في هذا النمط من العمليات مخططا ومحددا بدقة..فمن ناحية التوقيت كان قد اختير لأحد العمليات أن تتم في يوم تخريج دفعه من هذه القوات وذلك في رسالة موجهه لأفراد الشرطة بأن المتعاون مع المحتل يعامل معاملة المحتل وأن المقاومة تحذرهم وهم في بداية الطريق وقد استخدمت المقاومة في ذلك أسلوب الهجوم المباشر والاشتباك والسيارات المفخخة ..وتابعت العمليات سيرها في هذا الاتجاه إلى أن وصلنا إلى اليوم الذي أطلقت عليه أجهزة الإعلام الأمريكية "يوم القيامة" حيث جرت أربع عمليات في يوم واحد ضد أقسام الشرطة...لإصابة وقتل اكبر عدد ممكن من أفراد الشرطة ..ولإظهار عدم قدرة الشرطة –ومن خلفها قوات الاحتلال-على تحقيق الأمن لنفسها ..بما هز فكرة الأمن والاستقرار التي كانت أجهزة الإعلام والمسئولين الأمريكيين قد بدءوا الحديث عنها .والمقاومة اتبعت ذلك بالإعلان عن يوم للمقاومة ..جاء كاختبار للتأثير النفسي لعملياتها السابقة ولإظهار مدى سيطرتها على الأرض والبشر..حيث أعلنت عن يوم لا يذهب فيه الناس لأعمالهم ..مما أوقف الحياة كاملة تقريبا في بغداد ..ولما حققت هدفها هذا.. فهي لم تقم بأية عملية ..وقد كان ذلك في حد ذاته رسالة قويه من المقاومة ودرسا من دروس الحرب النفسية تلجا إليه المقاومة الشعبية إذ تجعل عدوها مستنفرا وقلقا يتوقع الضربة من كل اتجاه وفى تلك الحالة لا تضربه ..وحينما تخف يقظته وتقل درجة إستنفاره تعاجله بضربه من حيث لا يتوقع ..وكانت الضربة غير المتوقعة هذه في اليوم التالي هي الأخطر من كل ما سبق من عمليات لها ..كانت العملية هذه المرة بإسقاط مروحيه تقل عدد من العسكريين الأمريكيين ..وإضافة إلى أن المقاومة دشنت بذلك قدرتها على ضرب ما يطير وليس فقط ما يسير ..ودشنت قدرتها على بداية شل السلاح الوحيد الباقي للاستخدام بحريه ودون مقاومه أي الطائرات الهليكوبتر-لا يمكن استخدام الدبابات في المواجهة مع المقاومة ..وكذلك الطائرات ثابتة الجناح- فإنها أيضا أصابت العدد الأكبر من جنود قوات الاحتلال في ضربة واحده ،وهو أمر ذو تأثير حاسم ،إذ لم يعد يبقى أية وسيله لم تستخدمها المقاومة بما يجعل قوات الاحتلال في حاله دائمة من التوتر والقلق ودون أية وسيله مؤمنه لتنقلاتها القريبة..ويبدو أن احد أهداف العملية هو بدء العمل من اجل إخراج سلاح الهليكوبتر من المواجهة بالفاعلية السابقة لتحقيق مزيد من الفاعلية في العمل على الأرض ...وربما للتحضير لأشكال من الانتفاضة المسلحة ضد كل إشكال الحكم التي أقامتها قوات الاحتلال...ومؤخرا باتت المقاومة العراقية تستهدف بصفة يومية ما يسمى بالمنطقة الخضراء التي تعتبرها قوات الاحتلال المنطقة الأكثر أمنا فى بغداد ..حيث تجرى عمليات قصف الهاون . والقصد من كل ما ذكرنا هو أن العمليات التي تقوم بها المقاومة العراقية .. ليست مجرد عمليات هنا وهناك .. حيث يخرج المقاوم قاصدا ضرب أي هدف فى أي توقيت ..وإنما هي عمليات مخططه على الأقل في مواجهة استراتيجية القوات المحتلة ..تكتيكا بتكتيك وخطوه بخطوه. استراتيجيتان ..وتكتيكات متقاتلة ماذا تفعل قوات الاحتلال بالدقة الآن ؟ أو ملهى استراتيجيتها تحديدا؟ هذا هو السؤال الأول والاهم للتعرف على استراتيجية المقاومة العراقية ذلك إن ما يمكن قوله حتى الآن -فى ضوء عدم إعلان استراتيجية المقاومة العراقية ..وفى ضوء القراءة والتفسير والاستنتاج من عملياتها وهو الظاهر من هذه الاستراتيجية حتى الآن آي العمليات التكتيكية -هو إن استراتيجية المقاومة تستهدف إفشال الاستراتيجية المعتمدة من قوات الاحتلال ..أي إن قراءة استراتيجية المقاومة العراقية حتى الآن لا يتوفر إلا من خلال متابعة وفهم استراتيجية القوات الأمريكية ..وتكتيكات المقاومة العراقية المواجهة لها .والمتابع لكل ما تتخذه قوات الاحتلال من إجراءات ومواقف وقرارات ..يصل إلى استنتاج رئيسي واحد هو أن هذه القوات ..تعيد بناء جهاز الدولة العراقية وفق نمط جديد هو نمط الدولة المحتلة التابعة بحكم بنيانها ومفاهيم وأسس تشكيلها ليكون جهاز الدولة هذا هو الضامن لاستمرار حالة الاحتلال حتى لو انسحبت القوات الأمريكية من العراق كلها أو لو اكتفت بمجرد التواجد في قواعد عسكريه في الصحراء –خارج المدن-وفق للنمط الموجود في أفغانستان ..فبعد أن انتهت قوات الاحتلال خلال عملياتها العسكرية الرئيسية الأولى من تفكيك الدولة العراقية القديمة من جيش وشرطه وحزب ومخابرات وخلافه –ولم يكن ذلك عملا عفويا أو متسرعا وإنما هو المرحلة الأولى من خطه محدده -نجدها شرعت بعد ذلك في تشكيل أشكال انتقالية للدولة الجديدة فبدأت بإعلان المجلس الانتقالي –التسمية لقوات الاحتلال وتعكس فهمها له ولدوره-ثم شكلت مجلس للوزراء في العراق هو الأكثر إظهارا لطابع المرحلية من الجوهر فهو مجلس للوزراء دون وزارات ..وبجانب كل وزير هناك مستشار أمريكي –هو الوزير الفعلي –وهى وزارات بلا ميزانيات أو قرارات ..الهدف من تشكيلها هو وضع خطط إنشاء الوزارات في عراق الاحتلال الدائم ..ومن ثم انتقلت قوات الاحتلال بعد ذلك إلى إعادة بناء شرطة عراقية .. ثم دخلت الآن مرحلة بناء جيش عراقي جديد –قال بريمر إن تعداده سيبلغ 200 ألف جندي وضابط- مع إعلان بتشكيل لجنه لصياغة دستور عراقي جديد.وبمتابعة كل ذلك يمكن القول إن المرحلة الثانية من استراتيجية الاحتلال تقوم على تشكيل أشكال انتقالية للحكم لتعقبها المرحلة الثالثة والأخيرة وهى بناء جهاز دوله عراقية متعاون مع الاحتلال ..ومن هنا وفى مقابل هذه الاستراتيجية ....تقوم خطة المقاومة العراقية على إفشال هذه الخطوات التكتيكية والمرحلية خطوه بعد خطوه ..ففي مواجهة بناء مجلس الحكم الانتقالي جرت عمليات اغتيال ومطاردة أفراد مجلس الحكم الانتقالي والوزراء... وفى مواجهة تشكيل جهاز شرطه عراقي جرت عمليات تصفية الشرطة العراقية..بل ومن هنا جرت عملية الإعلان عن يوم لا يسير احد فيه في الطرقات والشوارع لتأكيد سيطرة المقاومة على الأرض واستنزاف معنويات الجيش الأمريكي ...والى جانب هذه الاستراتيجية وعلى خط مواز لها تجرى عملية الانتقال بالمقاومة من أساليب أبسط إلى أساليب أكثر تعقيدا ومن الضربات على الأرض إلى الضربات في الجو..وعلى نفس الخط يجرى تحطيم معنويات الجنود الأمريكيين خطوة إلى أن تجد قوات الاحتلال أن ليس أمامها مفر سوى الهرب بجلدها على الأقل من المدن العراقية . وتلك هي أبرز مؤشرات استراتيجية المقاومة العراقية خلال المرحلة الراهنة...والتي لا يظهر فيها حتى الآن أي مؤشر على شكل العراق القادم بعد إنهاء الاحتلال...وهو أمر لاشك انه يلعب دورًا فى تقليل الاندماج معها من بعض القوى .. وأن كان هناك مؤشر على الوعي بأهمية هذا الأمر فهو حتى الآن فى حدود بدء الإعلان عن بدء توحيد جماعات المقاومة تحت رايات عامة أو تشكيل لجنة عامة لقيادة المقاومة.