المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : استراتيجية امريكية لعزل المقاومة العراقية



منصور بالله
02-06-2005, 10:09 PM
عوني القلمجي



لا يجد اي متابع للوضع في العراق صعوبة، ليري بوضوح، بان الامريكان قد وقعوا في فخ المقاومة الوطنية العراقية المسبق الصنع، ولا يجد اي متابع، بالمقابل، ذات الصعوبة ليري ان الامريكان، قد افتضح امرهم وزيف ادعاءاتهم، وان هزيمتهم في العراق باتت امرا محتما.

والادارة الامريكية ذاتها، لم تتمكن من التستر علي هذه الحقيقة بعد ان عجزت عن الافلات من قبضة المقاومة، علي الرغم من استخدام كل الوسائل العسكرية ضدها، بما فيها استخدام الاسلحة الفتاكة، ومنها اسلحة الدمار الشامل، ثم اجبروا اخيرا علي الاعتراف بان المقاومة في تزايد، وان القضاء عليها قد يحتاج الي عشر سنوات وربما اكثر.
هذا الحال المزري لاكبر قوة عسكرية في العالم، دعا الي احداث تغير في السياسة الامريكية، يعتمد الي جانب الاحتفاظ بالخيار العسكري، علي اقناع القوي الوطنية الرافضة للاحتلال، بالاشتراك بما يسمي بالعملية السياسية، ليجري الوصول الي اقناع العراقيين، بالتخلي عن دعم المقاومة، ليسهل عزلها عن محيطها، ومن ثم تصفيتها، فمنذ مدة بدأ الحديث من قبل مسؤولين امريكان، ومن قبل اعضاء في الحكومة السابقة واللاحقة، عن مقاومة شريفة، واخري ارهابية، وعن ضرورة اشراك السنة في العملية السياسية وصياغة الدستور، ومن اجل ذلك قام السفير الامريكي السابق في العراق نكروبونتي الي مقر هيئة علماء المسلمين، لكن هذه الزيارة فشلت في حينها، مثلما فشلت زيارة رامسفيلد للرئيس العراقي صدام حسين في سجنه طالبا منه وقف المقاومة، مقابل الحفاظ علي حياته، ويدخل ضمن هذا الاطار جانب من زيارة كوندوليزا رايس الاخيرة الي العراق.

بالمقابل وعلي الجهة الاخري، سربت اجهزة الاستخبارات الامريكية خلال الشهور الماضية، اشاعات عن اجراء مفاوضات بين المقاومة والامريكان، بهدف تشجيع هذه القوي، للحاق بالركب، قبل ان يفوتهم القطار، ولم يسلم كاتب هذه السطور، من هذه الاشاعات، حيث نشرت بعض المواقع علي الانترنيت، في بداية الشهر الحالي، بانه جري لقاء بيني كممثل للمقاومة وبين الامريكان في اوسلو، بحضور وزير الخارجية النرويجي، ومن اني ساعلن عن حكومة في المنفي، قريبا.
وعلي الرغم من فشل كل هذه المحاولات، لا زالت الادارة الامريكية، تبذل الجهود الحثيثة، لفتح الخطوط علي القوي الوطنية، وتوريطها في الدخول، في مفاوضات مع الحكومة، مقابل الحصول علي حصة في السلطة والبرلمان، صحيح ان الامريكان لم يجنوا ثمار هذه الجهود حتي الان، الا ان هناك بوادر، ونتمني ان نكون مخطئين، تشير الي استعداد بعض القوي او قسم هام منها كالمؤتمر التأسيسي وهيئة علماء المسلمين الي قبول الحوار مع الحكومة، ان هي اعلنت عن مطالبة الامريكان بجدولة الانسحاب، ويجب ان لا ننسي في هذا السياق المحاولة التي قام، بها قبل عدة ايام، احمد الجلبي السيد مقتدي الصدر لتوريطه بالدخول في هذا المطب.

هذه الاشارات المعلنة، من قبل هذه القوي الوطنية، بصرف النظر عن دواعيها واسبابها والهدف منها، ستضعف مجمل النضال العام ضد الاحتلال، وستؤخر قيام الجبهة الوطنية، المساندة للمقاومة، عبر زج العراقيين في نقاشات لا طائل تحتها، حول امكانية رحيل قوات الاحتلال عبر الطرق السلمية، وهذه الاشارات ونقولها دون تردد تعد الاخطر من نوعها، للالتفاف علي المقاومة، وعزلها عن محيطها لتسهل تصفيتها عسكريا.

ضمن هذا السياق، لا نجد امامنا من خيار سوي، ان نعيد للاذهان جزءا يسيرا من الحقائق، حول البعد الامريكي لاحتلال العراق، عسي ان تنفع الذكري، مثلما يجب ان نذكر، باهمية دور المقاومة، كطريق من دونه لا يمكن تحرير العراق، وان اي نضال سلمي او سياسي، يجب ان يصب باتجاه تدعيم المقاومة الباسلة وليس العكس.
اول هذه الحقائق: ان هدف الامريكان من احتلال العراق، هو البقاء وليس الرحيل، واذا اقتنعت امريكا بالانسحاب لاي سبب كان، فان الصهيونية العالمية وكيانها في فلسطين المحتلة، والتي باتت تتحكم اكثر من اي وقت مضي بالقرار الامريكي، سترفض ذلك، فتدمير العراق وبقاؤه تحت السيطرة المباشرة، هو من ابرز اهداف الصهيونية العالمية.

وثاني هذه الحقائق: هو ان احتلال العراق، جاء ضمن مخطط امريكي، يسعي للتحكم بمقدرات العالم وشعوبه، وتكون بدايته السيطرة المطلقة علي العراق، وعلي منطقة الشرق الاوسط، وليست مصادفة ان تطرح الادارة الامريكية مشروع الشرق الاوسط الكبير بعد احتلال العراق مباشرة.

وثالث هذه الحقائق: ان احتلال العراق، يعني السيطرة علي كامل نفط الخليج العربي، واذا اضفنا الي ذلك سيطرة امريكا علي نفط منطقة اسيا الوسطي وبحر قزوين بعد احتلال افغانستان، فان التحكم بالدول الصناعية الاخري يصبح سهل المنال، وخلاصة القول ولهذه الاسباب ولاسباب اخري، فان الادارة الامريكية لن تترك العراق طواعية، لان هذا يعني فشلا لمخططها الكوني برمته.

واذا ابتعدنا قليلا عن هذه الاستنتاجات، واقتربنا من ارض الواقع، سنجد ان الادارة الامريكية، تؤكد بمناسبة ومن دون مناسبة، بان بقاءها في العراق لا يحده زمن معين، في حين انها تتخذ كل الاجراءات، التي من شأنها تكريس الاحتلال في جميع المجالات، ومنها بناء القواعد العسكرية العملاقة، والتي بلغ عددها لحد الان، 14 قاعدة في مختلف انحاء العراق، ناهيك عن انشاء 145 موقعا عسكريا، لربط هذه القواعد بعضها ببعض، اما مشاريع تقسيم العراق وتمزيق وحدة المجتمع العراقي فهي تجري علي قدم وساق، ومعلوم ان تقسيم العراق وتمزيق وحدة المجتمع العراقي، من شأنهما ان يمكنا اية قوة محتلة من التحكم بهذا البلد الي ما لا نهاية.

اذا كان ذلك صحيحا وهو صحيح قطعا، فلماذا تفكر اذن هذه القوي، وغيرها، بالدخول في مفاوضات مع حكومة مرتهن قرارها بيد الامريكان؟ واذا افترضنا ان هذه الحكومة قد قبلت بمطالبها، تري هل سيقبل الامريكان بالوفاء بها، علي الرغم من تعاكسها مع مخططهم السييء الذكر؟ واذا كان هناك من فائدة تنحصر في فضح الامريكان، تري هل ان الامريكان بالمقابل، اغبياء لدرجة انهم لم يجنوا، بالمقابل، فوائد اكبر، من تلك وهي الحصول علي اعتراف بهم كقوة محتلة، بدل ان تكون قوة معتدية، تجب محاربتها بكل الوسائل المتاحة؟ الا يعد ذلك تعبيد الطريق، امام الامريكان للافلات من الهزيمة، في حين ان المطلوب، هو انتقال هذه القوي ودون ابطاء، الي خندق المقاومة، لتعزز من انتصاراتها المبينة، التي تحققها علي مدار الساعة؟ ولتسرع من الظفر بذلك اليوم الذي ينتظره العراقيون بفارغ الصبر والمقصود بالطبع يوم تحرير العراق؟

نتمني علي هذه القوي، ان لا تتجاهل الحقيقة، التي باتت معروفة: وهي ان الامريكان، حين قرروا ابداء مرونة سياسية امام هذه القوي، فانهم لم يفعلوا ذلك، من اجلهم، ولا من اجل عيون العراقيين، وانما فعلوا ذلك، من اجل اعادة ترتيب اوراقهم، والحصول علي فترة هدوء، يتسني لهم من خلالها، تكريس الاحتلال وتثبيته كامر واقع، وقد اعترف الامريكان بعظمة لسانهم، بان القضاء علي المقاومة لا يمكن ان يتم عسكريا، ما لم تترافق مع وسائل اخري، والمقصود بالطبع الوسائل السياسية، ولو لم تكن هناك مقاومة مسلحة لما ابدي الامريكان مثل هذه المرونة، ولكان قد حكموا العراق حكما مباشرا عبر حاكم عسكري او مدني الي اجل غير مسمي.

ان تجارب الشعوب، علمتنا ان المحتل، لا يترك غنيمته، لا عبرالمفاوضات، خاصة مع اطراف وقوي لا تملك من القوة، ما يمكنها من اجبار المحتل علي الرحيل، وان تحرير العراق سلميا ومن دون مقاومة مسلحة وفعالة، يعد ضربا من الخيال، اما ان بعض التجارب الفريدة من نوعها، والتي نجحت في طرد الاحتلال سلميا، كما حدث في الهند بقيادة الزعيم غاندي، فهو اولا استثناء، والاستثناء كما هو معلوم، يثبت القاعدة ولا ينفيها، وثانيا هو ان نضال غاندي وشعبه السلمي، ليست له علاقة بما يتم طرحه، منذ فترة، فغاندي كما هو معلوم اختصر نضاله السلمي في مرتكزات وثوابت لم يجر التنازل عنها، مفادها: ان لا تعامل مع قوات الاحتلال البريطاني باي شكل، قبل ان يعلنوا استعدادهم للرحيل عن الهند، بل ان غاندي في نضاله السلمي، وصل حدا لان يأمر مؤيديه باتباع وسائل، يمكن وصفها بالعمليات الاستشهادية، حيث كانوا يلقون بانفسهم، امام سكك الحديد لمنع القطارات التي تحمل المؤن من الوصول لجنود الاحتلال، ناهيك عن الظروف المختلفة بين عالمين يفصل بينهما نصف قرن او يزيد.

ان المطلوب بدلا عن ذلك، هو تشديد الخناق علي قوات الاحتلال، ورفض اية صيغة سياسية معه، مهما كانت التنازلات كبيرة، ويجب ان يكون الهدف المركزي، لكل القوي الوطنية ليس تحقيق بعض المكاسب لهذه الجهة او تلك، وانما تحقيق مهمة تحرير العراق، علي اساس موحد ومستقل وديمقراطي، وهذا وحده الكفيل بتحقيق جميع الاهداف التي تسعي اليها هذه القوي.

لا شك ان المعركة طويلة، وقد تستمر عدة سنوات، وليس كما يعتقد البعض، ان الامريكان، سيعلنون هزيمتهم اليوم او غدا، او في نهاية هذا العام، فهؤلاء يزرعون املا، قد لا يتحقق، ويخلقون دون وعي منهم، لدي العراقيين حالة من الاحباط، قد تكلف الكثير، نعم هذه معركة طويلة الامد، وتكاليفها باهظة الثمن، لكن النصر فيها اكيد، وان العراقيين سيحققون في النهاية طال الاجل ام قصر، هدف التحرير وازالة كل اثاره البغيضة، واذا كانت هناك من بوادر، لتحقيق هدف التحرير، بهذه السرعة فهذا هو املنا وامل كل العراقيين.

لندع المعركة تتواصل بين معسكرين لا ثالث لهما، هما المقاومة الوطنية العراقية بكل فصائلها العسكرية والسياسية، وبين قوات الاحتلال وعملائها في الحكومة والبرلمان، وعلي كل العراقيين والعرب الشرفاء، ان يساندوا المقاومة الوطنية العراقية، بكل الاشكال، فتحرير العراق هو ليس نصرا للعراقيين وحدهم، وانما هو نصر للامة العربية، ولكل شعوب العالم علي هذه المعمورة.

المصدر: القدس العربي