المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هذا هو مبارك الذى يَحتفى به الأفاكون



منصور بالله
30-05-2005, 06:44 PM
هذا هو مبارك الذى يَحتفى به الأفاكون

( 1 ـ 2 )



بقلم : محمود شنب

mahmoudshanap@yahoo.com

mahmoudshanap@hotmail.com



من طبائع المخلوقات على اختلاف أنواعها وفصائلها الاستجابة الفطرية للاستفزاز والاستعداد لردود الأفعال إذا ما تعرضت حياتها للخطر والتهديد ... القطط والكلاب تفعل ذلك وكذا البغال والحمير والنعاج والخراف وحتى الطيور والحشرات ، وهكذا يفعل كل الأسوياء من البشر والخلائق ... إلا مبارك ، ولعله الاستثناء الوحيد فيما نقول فصبره على الذل الأمريكى لا يعرف النهاية ، حتى لو احتلت ديار الإسلام ، وحتى لو اغتصبت النساء المسلمات والرجال ، وحتى لو وقف جنودها الكلاب على المصحف الشريف ومزقوا أوراقه ومسحوا بها دورات المياه كما حدث فى معسكر جوانتانامو ، فإن شيئـًا من ذلك لم يثر حفيظة مبارك كحاكم لأعز بلاد الإسلام أو كمسلم غيور على دينه وصلته أنباء ما تفعله أمريكا فى كتاب الله !!

إن صبر مبارك على أمريكا اللا متناهى يضعنا أمام علامات استفهام لا حصر لها ، وكلمة "صبر" التى استخدمتها أكاد أشعر بأنها وضعت فى المكان الخطأ ، لأن التوصيف الحقيقى لهذه الأفعال يقضى بأن نضع كلمة جُبن وهوان بدلاً من كلمة صبر ، لأن الصبر قد يكون له نهاية وقد يكون أمرًا محمودًا فى كثير من الأمور ، أما الجُبن والذل والهوان وقبول الإهانة والعار لا يمكن أن يكونوا المرادفات الطبيعية لكلمة "الصبر" !!

لقد تدرجت أمريكا فى إذلال وإهانة مبارك حتى وصلت إلى الدرجة التى قد لا يبلغها التصور أو الخيال ، وأمريكا تنتقم من مصر فى شخص مبارك لأن مصر كانت على الدوام عقدة أمريكا المستعصية والسبب المباشر فى تحجيم دورها وعدم تمكينها من السيطرة على المنطقة .... اليوم تفعل أمريكا ما تشاء فى مصر عن طريق وكيلها ومدير أعمالها ـ المدعو مبارك ، وصدق الشاعر حين قال :

إذا أتت باض الحمام على الوتد وإذا أدبرت بال الحمار على الأسد !!

وتعمد الإهانة أمر مرير ، وهوان ما بعده هوان ، ولقد أرادت أمريكا أن تجعل من مبارك أمثولة لكل دول المنطقة ، فأصبح يمضغ الزلط ويبتلع الغلط دون أن يقوى على الفعل أو رد الفعل ودون أن يتنفس أو ينطق بنصف كلمة فى حق أمريكا .

والإهانة درجة أعلى من الأذى ، وقد يتحمل الإنسان أذى خصمه ، لكنه لا يتحمل إهانته ، وكل عدو يهين خصمه يجعل إهانته على قدر من الاحتمال حتى لا يحدث الانفجار وحتى لا تفلت الأمور وتخرج عن حدود السيطرة ، فقد يهين السيد خادمه ولكن بالقدر المحتمل ، وقد يهين المالك أجيره ولكن فى حدود يمكن تحملها بشئ من الضيق والألم ، لكن إهانة أمريكا لمبارك إهانة منفلتة ومخالفة لكل الأعراف والتقاليد وحتى لحقوق العبيد ، وبسبب الإهانة التى يلقاها مبارك من أمريكا أستطيع أن أؤكد وأقول : لو فعل مبارك فى شعبه ما لم يفعله اليهود فى فلسطين ما بردت نار قلبه وما هدأت حسرة نفسه وغليل صدره ، فإهانته لشعبه لا تقاس بحال من الأحوال لإهانة أمريكا له ، وأصبحت الشعوب البائسة فى عرف الطغاه وسيلة للتفريج والتنفيس عن كبت الحاكم .

وإهانة أمريكا لمبارك حولته إلى "جمل" وحمال للأسيه ، فالاهانات لم تكن متقطعة ولكنها متصلة ، ولم تكن مستترة ولكنها عارية ومعلنة ، وتعدت حدود اليوم والشهر والسنة وبلغت 24 عامًا شاب فيها شعر الحاكم وانكسرت فيها إرادته وتبدلت بسببها مشاعره وذلت فيها أحاسيسه وخواطره وأصبح متابع للأحداث وليس صانعها .. منفذ للأوامر وليس صادرها ، وما أقوله ليس كذبًا أو افتراءً لكنه واقع مرير يشعر به كل مصرى ويكتوى بناره صباح مساء لأن أى مواطن ـ مهما كانت درجة خلافه مع مبارك ـ لا يسره أن يرى حاكمه بمثل هذا الضعف والهوان والإنكسار .

إن صدام حسين وهو فى محبسه يتمتع بكرامة لا يتمتع بها مبارك ... مبارك الذى يمرح فى قصور الرئاسة طولاً وعرضًا من الأقصر إلى الغردقة ومن شرم الشيخ إلى الإسكندرية ، وكل هذا يرجع لكون الرئيس مبارك لم يذبح القطة السوداء لأمريكا فى سنوات حكمه الأولى ، وتعالوا معًا نبحث عن بداية الهوان فى سجلات مبارك ونضع أيدينا على بداية الإنكسار ومعاشرة الذل فى حياة هذا الحاكم ...

أتذكرون مشكلة السفينة الإيطالية "أكيلى لاور" التى اختطفها بعض المجاهدين الفلسطينيين ورسوا بها على الشواطئ المصرية وهددوا بقتل كل ركابها ونسفها إذا لم يُستجاب لمطالبهم ... كان ذلك فى بداية حكم مبارك أثناء ولايته الأولى ... يومها تدخل الرئيس لدى الخاطفين بعد أن قتلوا بالفعل مواطنـًا أمريكيًا وشرعوا فى قتل الآخرين .. ونجح مبارك فى إبرام صفقة مع الخاطفين شملت الإفراج عن السفينة مقابل تعهده للخاطفين بضمان سلامتهم ونقلهم جوًا إلى الجهة التى يطلبونها .. بعد ذلك سار كل شئ على ما يرام وأطلق سراح السفينة والركاب ، وأعلنت مصر عن مغادرة الخاطفين الفلسطينيين على متن طائرة مصرية إلى جهة غير معلومة خارج مصر ... أمريكا لم تأكل الطعم وكان لها من رجال السادات ما بقوا حول مبارك ، وأبلغوها بحقيقة الموقف أولاً بأول ، وما هى إلا ساعات قليلة حتى أعلنت السلطات المصرية أن إحدى طائرات شركة مصر للطيران قد اختطفت بعد أن تعرض قائدها لقرصنة جوية من قبل الطائرات الحربية الأمريكية حيث أجبرت على الهبوط بإحدى مطارات الدول الأوروبية ، وأنه قد تم القبض على الفلسطينيين الخاطفين للسفينة "أكيلى لاور" .

هذه الحادثة كانت بمثابة المحك الأول لاستكشاف حقيقة مبارك ففعلت أمريكا فعلتها وانتظرت رد الفعل من مبارك ، فإما أن يثور وإما أن يخور ، وبناء عليه ستحدد أمريكا طبيعة العلاقة التى ستكون عليها العلاقات المصرية الأمريكية ، وما فعله مبارك فى بداية الأزمة كان ناجحًا ، ولو تمت الصفقة وفق ما أراد مبارك لكان لمبارك شأن آخر على المستوى الدولى ، لكن هذا كان يتعارض مع ما تريده أمريكا من مصر وحاكمها ، حيث أعدت الساحة منذ توقيع إتفاقية السلام مع إسرائيل على ألا يكون لمصر أى دور قيادى لا فى المنطقة ولا فى العالم ... من أجل ذلك أفسدت أمريكا مساعى مبارك وحولته إلى سراب وإلى شئ آخر فيه الكثير من الإذلال والإنكسار والعجز ، وقد ضربت أمريكا ضربتها وجعلتها ضربة تعجيز للنظام المصرى وتكسير لعظام مبارك بعد أن أحرجته دوليًا ووضعته فى خانة من العجز والهوان الذى يُندى له الجبين !!

أيامها لم تعتذر أمريكا لمصر ولم يتحرك مبارك ولم يثور ولم يطالب بتحقيق دولى ، ووقف حائرًا أمام كاميرات التليفزيون مرددًا عبارة واحدة مفادها ان قلبه يتقطع من هذا العمل الذى لا يعرف له تفسير !!

هذه الواقعة مثلت بداية الهوان الحقيقى فى علاقة أمريكا بمبارك .. هذا الهوان الذى ارتضاه مبارك لنفسه ولوطنه وارتضته أمريكا كأسلوب دائم فى التعامل معه ... أيامها لم يفطن مبارك لحجم الإختراق الأمريكى الضارب فى الدولة ، ولم يحاول تصحيح الأوضاع ، ولم يسأل نفسه : كيف علمت أمريكا بموعد إقلاع الطائرة المصرية ، وكيف عرفت وجهتها وخط سيرها فى وقت حرصت فيه القيادة المصرية على تعمد التمويه والتضليل على الجميع حيث أعلنت بصورة متكررة فى نشرات الأخبار المتعاقبة نبأ مغادرة الفلسطينيين لمطار القاهرة دون أن يحدث ذلك ، وعندما حدث ما حدث ابتلع مبارك الإهانة بمنتهى اللطف والوداعة والروح الرياضية ، ولم يطالب بالإعتذار ورد الإعتبار ، ولم يهدد بطرد السفير الأمريكى أو قطع العلاقات ـ رغم أن كل هذه الأمور تعد من الشكليات التى تلجأ إليها كل الدول عند إدارتها للأزمات على أنها من الأمور البسيطة والشكلية التى تعبر عن أزمة عارضة سريعًا ما تجد طريقها للحل على أيدى وسطاء وأطراف أخرى ولكن بعد أن تمتص غضبة الشعوب وبعد أن يُظهر الضعيف قدرته ويسترد كرامته ، ولأن شيئـًا من ذلك لم يحدث فقد فتحت أمريكا فى علاقاتها الدولية فرعًا جديدًا يتبع وزارة الخارجية ـ هذا الفرع أو القسم جعلته متخصصًا فى إبتكار طرق الإذلال والتنكيل بالدول المستضعفة وبالحكام الضعاف ، وللأسف فإن هذا الفرع لم يجد غير الدول العربية على وجه العموم ومصر على وجه الخصوص ليباشر مهامه الدنيئة والشاذة ـ كما أنه لم يجد غير مبارك من بين كل رؤساء العالم ليكون ألعوبتهم المفضلة ..

يسافر شارون ـ وهو رئيس وزراء ـ إلى أمريكا فيقابله الرئيس الأمريكى على سلم الطائرة ، ويسافر مبارك وهو رئيس أكبر دولة عربية فلا يجد فى المطار غير إمرأة تنتظره نيابة عن الرئيس ، ثم يمكث بعيدًا عن البيت الأبيض من السبت إلى الثلاثاء دون أن يقابل سيد البيت قاطعًا هذه المدة الطويلة وهو يعد الأيام ويغنى مع عبدالمطلب أغنيته الشهيرة ( السبت فات والحد فات وبعد بكره يوم التلات معاد حبيبى ) .

أليست هذه سخرية ما بعدها سخرية وإهانة ما بعدها إهانة ، وفى كل مرة يحج فيها مبارك للبيت الأبيض يحدث نفس الفعل ويعود إلينا مبارك منكسرًا ومحطمًا ليكتب سمير رجب عن الزيارة الناجحة وإبراهيم سعده عن الحفاوة البالغة وإبراهيم نافع عن العلاقات الوطيدة ، وفى كل حين يُزغد الرئيس مبارك من أمريكا فينطق فى القاهرة ويتحدث عن زيادة السكان وإرهاب الإخوان وبيع القطاع العام والخيار الاستراتيجى للسلام ، وكلما تعب وجلس قليلاً ليستريح من أعباء الحكم ومسئولياته التى يحدثنا عنها تزغده أمريكا من جديد فينطق مثلما ينطق التليفون الذى يعمل بالعملة ويأتى باسطوانة الشرعية الدولية مطالبًا السودان بالالتزام بالشرعية الدولية ومطالبًا ليبيا بالشرعية الدولية ..

ومطالبًا لبنان بالشرعية الدولية ..

ومطالبًا العراق بالشرعية الدولية ..

ومطالبًا سوريا بالشرعية الدولية .. دون أن يطالب أحد بحقوقنا الشرعية ... حتى أصبح مبارك مندوبًا للشرعية الدولية ومتحدثـًا رسميًا للأمم المتحدة الأمريكية ، وإذا كان الوضع كذلك ـ وهو كذلك ـ فما أسهل أن يسجل نصائحه على شريط كاسيت ليذيعها كلما اقتضت الضرورة حتى لا يمل من التكرار ويرتاح قليلا قبل أن يُزغد من جديد ويعيد بأفصح لسان ما سبق وقاله عن زيادة السكان وإرهاب الإخوان وإلى آخر قائمة الهوان ..

هل سينسى التاريخ لمبارك استقباله لبوش فى شرم الشيخ بعد احتلاله لبغداد ؟!!

كيف تـُمحى من الذاكرة الوطنية مشهد قيادة المجرم بوش لسيارة الجولف فى منتجع شرم الشيخ بعد أن شحنها بخراف العرب أمثال مبارك وظالم الحرمين وخائن الأردن وعلاوى فلسطين ، وهو منتشيًا بنصره الواهم فى العراق ؟!!

يومها وفى شرم الشيخ وقف بوش أمام حكامنا الأندال بعد أن دمر العراق وفتك بشعبه ليلقى محاضرة عن الترغيب والترهيب فى مشهد مروع صدم فيه مشاعر المسلمين فى مشارق الأرض ومغاربها ، وبعد أن انتهى من خطبته قال لمبارك : إبنِ لى يا هامان بنيانـًا لعلى أطلع على إله المسلمين وإنى لأظنكم من الكاذبين ، فوضع مبارك على رؤوسنا الطين وبنى له الصرح المطلوب .. لبنة من رفات الشهداء ولبنة من عرق الكادحين ، بعد ذلك أشار بوش إلى حيث فلسطين وقال لمبارك : إبن لشارون جدار يعزله عن أطفالكم المتوحشين ، فيأمر مبارك بتحويل كل مواد البناء إلى فلسطين لا لإعمارها ولكن لبناء جدار للشياطين !!

ثم ينظر إليه بوش نظرة احتقار ويقول له : أخرج عزام من الزنازين وأدخل بدلاً منه قيادات الإخوان المسلمين ، فيقول له مبارك : أمرك يا أمير المؤمنين .

ألم يحدث كل ذلك ؟!!

هل كذبت ؟!!

هل افتريت ؟!!

هل لفقت ؟!!

هل تطاولت ؟!!

لا والله .. فكل ما قلته قليل من كثير وجزء يسير من شواهد العار التى لطخ بها مبارك وجه مصر الكريم !!

يفعل مبارك ذلك وهو يقسم بأن أمريكا لا تملى عليه أية شروط ولا تفرض عليه أية ضغوط ولا تتدخل فى شئوننا من قريب أو من بعيد ... لقد نقلت جريدة المساء فى 27/4/2005 عن الرئيس مبارك قوله : ( إن أمريكا لا تتدخل فى شئوننا ولا تفرض علينا أية مطالب لا تلميحًا ولا تصريحًا ) ... هل أصبح الكذب صريحًا إلى هذا الحد ... إن هذا القول يعد نموذجًا للكذب المفضوح الذى لا يمكن تحمله أو السكوت عليه ـ لأن مصر فى عهد مبارك تحولت إلى طفل قاصر تدير شئونه أمريكا ... نأكل ما تريد ونشرب ما تريد ونلبس ما تريد ونشاهد ما تريد ونصمت وقتما تريد ونتحدث وقتما تريد ... نفعل كل ذلك وكأننا عبيد !!

وهل كانت مشاركتنا لأمريكا فى حرب تدمير العراق المسماه زورًا حرب تحرير الكويت إلا استجابة لمطلب أمريكى .. وهل كانت حربنا هناك ابتغاء مرضاة الله أم كانت لإرضاء أمريكا واستجابة لأوامرها وضغوطها ؟!!

وهل بيع القطاع العام وتدمير المصانع وتبوير المزارع وإفساد التعليم وتغيير المناهج ونشر الإباحية كان لمرضاة الله أم لإرضاء أمريكا ؟!!

ودورنا الذى تحول إلى الضد فى الصراع العربى الإسرائيلى والذى أصبح يصب فى صالح الصهاينة ويعمل فى عكس ما يخدم القضية الفلسطينية للدرجة التى دفعت الفلسطينيين لأن يخلعوا احذيتهم فى ساحة المسجد الأقصى ويمزقوها على رأس أحمد ماهر وزير الخارجية المصرى فى سابقة تعد الأولى فى التاريخ .. هل كان ذلك ابتغاء مرضاة الله أم ابتغاء مرضاة أمريكا ؟!!

إن أمريكا التى يدعى مبارك أنها لا تفرض علينا أية مطالب لا تلميحًا ولا تصريحًا هى التى تدير شئون مصر الآن ـ الداخلية منها والخارجية ، ولا يملك مبارك غير إحناء الرأس وقول نعم !!

أنظروا إلى القائمة التى وضع مبارك فيها مصر عندما يتحدث عن الإرهاب ، وأنظروا كيف وضع إسرائيل جنبًا إلى جنب مع مصر كإحدى ضحايا الإرهاب ... يقول فى 15/4/2005 : ( لقد تعرضت مصر والولايات المتحدة لهجوم الإرهابيين من الشرق الأوسط ، بل وتعرضت كل من ألمانيا وايطاليا وأسبانيا وايرلندا وإسرائيل والولايات المتحدة ) ثم يشرح خطته للرئيس بوش والتى يمكن بمقتضاها تدعيم الاحتلال الأمريكى فى العراق بأقل ما يمكن من خسائر فى صفوف القوات الأمريكية فيقول لنا دون حياء : ( لقد تحدثت مع الرئيس الأمريكى وأبلغته إستعداد مصر لتدريب قوات الشرطة العراقية وإعدادها لتكون مسئولة عن الاستقرار والأمن فى كل مدينة وقرية ثم تبدأ القوات الأمريكية الانسحاب التدريجى إلى خارج المناطق الآهلة بالسكان وترك الشرطة العراقية تتعامل مع اخوانهم العراقيين مؤكدًا استعداد مصر من الآن 15/4/2005 ـ وحتى 30 يونيو من نفس العام إعداد قوة شرطة عراقية تسيطر على الوضع الأمنى فى العراق ) ... تلك هى وصفة مبارك لأمريكا بخصوص العراق والتى سوف تفضى فى النهاية إلى حرب أهلية فى العراق فى وقت تؤمن فيه أمريكا نفسها بإقامة معسكراتها وقواعدها بعيدًا عن المناطق الآهلة بالسكان !!

نفس الخطة التى عرضها مبارك على أمريكا عرضها أيضًا على إسرائيل ، وعرض أيضًا تدريب قوات الأمن الفلسطينية للتعامل مع الانتفاضة .. لقد صرح الرئيس مبارك ـ فى معهد جيمس بيكر للسياسة العامة بجامعة رايس الأمريكية : ( إن إنسحاب إسرائيل من غزة يتطلب أولا تدريب قوات الأمن الفلسطينية لتتولى مسئوليتها ميدانيًا مبديًا استعداد مصر للمساعدة فى ذلك والتنسيق مع السلطة الفلسطينية من أجل وقف العنف ) قاصدًا وقف الانتفاضة !!

وإذا نظرنا إلى ما يحدث الآن على أرض الواقع نجد أن كل ما قاله مبارك أصبح موضع التنفيذ ، ففى العراق يتقاتل الآن الشعب العراقى ما بين مقاوم وما بين عميل وأصبحت أغلب المواجهات عراقية عراقية ، وهذا ما يحدث أيضًا فى فلسطين وقد زجت مصر الآن بمصطفى البحيرى نائب مدير المخابرات المصرية ليكون امتدادًا لعمر سليمان فى هذا الاتجاه المخزى والمعيب .

وعلى الرغم من كل ما تفعله أمريكا فى بلاد المسلمين ، وعلى الرغم من تدنيسها للقرآن الكريم وجرائمها فى سجن أبو غريب ومجازرها فى الفلوجه وسائر مدن العراق ، فإن مبارك مازال يرهن نفسه وبلاده فى خدمة الشيطان الأمريكى وتلبية كل ما يطلب ، وفى حديثه للواشنطن تايمز سُئل الرئيس مبارك : هل طلب الرئيس بوش منكم مساعدة محددة فى العراق ؟؟؟

أجاب مبارك : ( نحن مستعدون لمساعدة الولايات المتحدة بأقصى ما نستطيع وبكل ما يمكننا عمله ) .

إنها الخسة إلى جانب العار ، والخيانة إلى جانب العمالة ، والكفر إلى جانب العهر ، ولا يملك المرء ازاء كل ذلك إلا أن يقول : لعنة الله على مبارك وعلى نظامه وعلى كل من يسير فى ركابه إلى يوم الدين ...

أمن أجل هذا الحاكم يُسحل المواطنون الآن فى الشوارع والميادين ؟!!

أمن أجل هذا الحاكم تتم كل أعمال البلطجة والقرصنة وترويع الآمنين ؟!!

أمن أجل هذا القزم ينتشر الإفك فى كل مكان ويصبح النفاق هو أقصر الطرق لبلوغ الغايات ؟!!

إن مصر الآن تعيش فى محنة ربما تفوق محن العالم كله ، وإن لم يتغمدنا الله برحمته فقل على مصر السلام .

منصور بالله
04-06-2005, 10:18 PM
هذا هو مبارك الذى يَحتفى به الأفاكون

( 2 ـ 2 )



بقلم : محمود شنب

mahmoudshanap@yahoo.com

mahmoudshanap@hotmail.com



قال مبارك لجار الله ـ والإثنان من ألعن خلق الله : ( بإمكانى تنظيم مظاهرات بحفنة فلوس ) وبمثل هذا القول يكون مبارك قد سقط السقوط الأخير الذى لن تقوم له قائمة ، وأصبح يلفظ أنفاس حكمه الأخيرة ... إنه لا يستحق أن يبقى فى حكم مصر لحظة واحدة ، فقوله يعد بمثابة الإعتراف العلنى بالفشل وسقوط مشروعية حكمه ودليل دامغ على اغتصابه للسلطة ، وبضوء أخضر من مبارك تفرعن اللصوص فى مواجهة حركات الإصلاح والتغيير وشاهد العالم كله حركات البلطجة التى مورست من أعضاء حزب الخراب الذى يرأسه مبارك ، ولو كان هذا الحزب محترمًا لقارع الحجة بالحجة والفكر بالفكر ، لا أن يجرد النساء من ملابسهن ويرفع الأحذية فى وجوه الشرفاء متبعًا كل أساليب اللصوص وقطاع الطرق فى مواجهة شعب أعزل فقد كل مخزونه من الصبر وخرج إلى الشوارع مطالبًا باسترداد كرامته وحريته المسلوبة .

لقد ازدهر عهد المنافقين فى عهد مبارك وأصبحت الأمور تدار دون اعتبار لأى منطق من العلم أو الفهم ـ أو حتى الأدب والحياء ـ تستوى فى ذلك الأمور الجادة والأمور الهزلية ..

... فى عام 2004 أنفقت مصر على البحث العلمى 4 ملايين جنيه ، وأنفقت على الأمن الداخلى 4 مليارات جنيه !!

مجلس الشعب يناقش ضياع 6 مليار جنيه أهدرت دون معرفة أوجه الصرف ، ودون موافقة مجلس الشعب قبل صرفها ... وعندما وقف الوزير المسئول قال لرئيس المجلس : ( معلهش النوبة دى يا ريس ... مش ح نعملها تانى ) فيجيبه فتحى سرور وكمال الشاذلى فى نفس واحد : على أية حال ما حدث يعد مخالفة مالية وليست دستورية ونحن نجيز ذلك لآخر مرة ، والإجازة البَعدية تعتبر كالموافقة القبلية !!! ... وذهبت الـ 6 مليارات إلى حيث لا يدرى الشعب المصرى !!!

أحد أعضاء الحزب الوطنى بالسيدة زينب علق لافتة كبيرة مكتوبًا عليها : ( حتى الأجنه فى بطون أمهاتهم يبايعون الرئيس مبارك لفترة رئاسة خامسة ) !!

وفى بور سعيد يعلق عضو آخر بالحزب الوطنى لافتة كبيرة كتب عليها : ( نبايع الرئيس مبارك وإبن مبارك وإبن إبن مبارك ) ؟!!

وهل أصبح مبارك ـ دون أن ندرى ـ من الخلفاء الراشدين ؟!! ... وحتى الخلفاء الراشدين لم يقال لهم مثل هذا القول !!... ففى أى وطن نعيش ؟!!

إنها عبارات وضيعة ومنفلتة تحمل من التبجح والاستفزاز أكثر مما تحمل من النفاق والرياء ... عبارات استعداء واستعلاء يخاطب بها اللصوص شعب يعيش أغلبه تحت خط الفقر ولا يجد كسرة خبز يرد بها جوعه .. أو كوب ماء نظيف يرد به عطشه !!

ولقد صعقت عندما قرأت تصريح الدكتور محمود أبو زيد وزير الموارد المائية الذى قال فيه : ان خمسة ملايين مواطن مصرى ماتوا بسبب تلوث مياه الشرب !!

وفجعت للتقرير السنوى لمركز الأرض لحقوق الإنسان الذى يقول : ان فى مصر 11 مليون مواطن يعيشون تحت خط الفقر وأن 22 مليون آخرين يقل دخلهم اليومى عن دولار واحد !!

فى مصر الآن 8 مليون عاطل ، و 9 ملايين عانس ...!!

منذ ما يقرب من خمسمائة عام قال شاعر مملوكى :

نبكى على مصر وسكانها قد خربت أركانها العامره

وأصبحت بالذل مقهــورة بعدما كانت هى القاهـــره

والذى يقول ( نبايع مبارك وإبن مبارك وإبن إبن مبارك ) لا يمكن إلا أن يكون مخمورًا أو ساقطـًا ومن أصحاب الكيف وأرباب السوابق !!

إنه يتساوى مع مأمور مركز الشرطة الذى وقف يخطب وسط مندوبو لجان الإستفتاء ليقول لهم بالحرف الواحد : ( إللى يستظرف منكم ح أظرفه ، وإللى ح يلابط هو عارف ح نعمل فيه إيه ، أما إللى يمشى عدل ح شيله على راسى من فوق ... إنتوا عاوزين إيه أكتر م إللى إنتوا فيه ؟!! ... كل واحد عايش الدِش فوق بيته والوصلة شغالة والميه الصاقعه والبارده بعد ما كنتم بتشخوا ورا كوم السباخ وتمسحوا بالطوبة ... دلوقتى القمصان الحلوه والمحمول والدش ... عايزين إيه تانى ؟!! ) .

ألفاظ بذيئة وأسلوب وضيع واستعلاء كاذب لا يقوم على منطق أو حجة أو إقناع ، ومثلما تظاهر الناس فى الأحياء الفقيرة ورفعوا صورًا لمبارك مقابل عشرون جنيهًا ووجبة طعام ـ حصل مندوبو اللجان على خمسون جنيهًا مقابل الصمت على ما يحدث داخل اللجان ، ولا أحد يدفع من جيبه فكلها أموال الشعب المقهور !!

وحياة المصرى هى آخر ما يهتم به مبارك ، فقد ترك الحبل على الغارب ليوسف والى الذى دمر حياة الشعب المصرى على مدى عشرون عامًا قضاها وزيرًا للزراعة ، حيث أدخل كل المواد المسببة للسرطانات إلى داخل مصر ، وهو الآن يعيش بعيدًا عن المسائلة وفى حماية مبارك ..

لا تجد أرخص من المصرى فى عرف مبارك ... إنه لا يهتم إلا بضحايا إسرائيل وأمريكا فى المنطقة ، أما ضحايا الطائرة المصرية التى أسقطتها أمريكا عمدًا فى مياهها الإقليمية عام 99 والتى كان على متنها خيرة عقول الوطن وخيرة شبابه ... فلا ضرر ولا مشكلة !!

حدث نفس الشئ أيام ظاهرة النعوش الطائرة التى كانت تحمل جثث المصريين يوميًا من الدول العربية إلى مطار القاهرة ... لا بأس ولا ضرر !!

كما لم يهتم بحياة الجنود المصريين الذين قتلتهم قذائف الدبابات الصهيونية فى رفح المصرية ، ولم يهتم بحقوق الأسرى المصريين ممن دفنتهم إسرائيل أحياء فى رمال سيناء حتى بعد أن اعترفت إسرائيل بجرائمها فى حق الأسرى المصريين فى معارك 56 و67 ...

كما لم يهتم مبارك بمن يموتون يوميًا تحت وطأة التعذيب والتنكيل فى سلخانات الشرطة المصرية ..

وإن تحدثنا عن الكذب فى حياة مبارك فحدث ولا حرج ...

لقد تألق مبارك فى الكذب كما لم يتألق حاكم آخر ، وقد سخر كل أجهزة الدولة لمناصرة كذبه وبهتانه وأصبح يفعل الشئ ونقيضه فإذا قال فى الصباح : أنا مع محدودى الدخل سهر فى المساء مع الحيتان واللصوص وأصبغ عليهم أمنه وحمايته وساعد المتورطين منهم على الهروب خارج البلاد ، وقد قرأنا من شهر أن أحد الهاربين بملياراته قدم رشوة لمن ساعده على الهروب : سيارة مرسيدس وعزبة من 20 فدانـًا !!

وإن إدعى مبارك أنه مع الحق ناصر بكل ما يملك جنود الباطل ، وإذا طالب بإصلاح التعليم دمر التربية وأفسد التعليم ، وإن تحدث عن العدل تحدث وسجونه مليئة بالأبرياء ، وإن تحدث عن حرية الصحافة أسن قانونـًا لحبس الشرفاء ، وإن قال أنا ضد الحرب على العراق ساعد أمريكا بكل ما يملك من أجل تدمير العراق وشعبه ، وإن تحدث مع أبو مازن فى الصباح تحدث مع شارون فى المساء ... إنه باختصار "يسرح مع الذئاب ويعود مع الأغنام" !!

ومن أفعاله الوضيعة التى تدل على عدم إحساسه بالمسئولية إرساله للمدعو أحمد نظيف فى زيارة حب لأمريكا فى وقت دنس فيه كلاب أمريكا المصحف الشريف ووقفوا عليه بأحذيتهم ـ ضاربًا عرض الحائط بحرمة الدين ومشاعر المسلمين ، وقد كان بإمكانه تأجيل الزيارة إلى وقت آخر لولا أن طمس الله على قلبه وأعماه فأرسل ـ الغير نظيف ـ إلى أمريكا متعمدًا عدم تأجيل الزيارة حتى من باب التعاطف وامتصاص غضب المسلمين قاصدًا مكافأة الفسقة والكافرين على تدنيسهم للقرآن الكريم بتودده إليهم دون عزة أو كرامة !!

لقد نسى مبارك ـ فى غمرة جهله ـ أنه مسموح فى الأعراف الدولية إيقاف كل أشكال التواصل والتطبيع مع الدولة المهينة وتجميد كل أنواع العلاقات معها وطرد السفراء وإغلاق السفارات ، وقد تنشب المعارك والحروب إذا ما وصلت الإهانة لحاكم الدولة ، فما بالنا وقد وصلت إهانة أمريكا إلى أقدس مقدساتنا ووقف جنودهم الكلاب بأحذيتهم على المصحف الشريف وإستعملوا أوراقه جوارب لأحذيتهم ونشروها فى دورات المياه !!

ما الذى بقى لهذا الحاكم الفاسق حتى يفيق ؟!!

إنه فى سكرة الجهل يعيش ، وفى غمرة العمالة يحيى ، ولا نستطيع إلا أن نقول : إن لم تستحِ فإصنع ما شئت فقد فقدت الحياء والانتماء منذ أمد بعيد وعشت فى غيبوبة من العظمة الكاذبة التى لا تستحقها ، فليس لبمارك منذ تولى الرئاسة أى أعمال عظيمة أو بارزة تؤهله لرفع الرأس أو التباهى بها وسط القوم ، بل على العكس من ذلك فقد جاءت كل أعماله سيئة ورديئة وتفوح منها الروائح النتنة والكريهة التى اختلطت فيها الأفعال المشينة بالتصرفات المهينة وبالكفر والخيانة وبالضعف والاستكانه .

لقد فشل مبارك منذ اليوم الأول من حكمه فى أن يكون ذو شخصية لافتة الانتباه سواء على المستوى الداخلى أو الخارجى لكونه لا يحمل من سمات القيادة أى قدر وقد قضى سنوات حكمه عاملاً بحكمة الأقزام التى تقول : "عيش جبان تموت مستور" فلم يحاول ولو لمرة واحدة أن يصطدم بقوى الداخل أو الخارج وأن يعالج أى موقف شائك ، وترك الحبل على الغارب لكل من يخشاه حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه من نتائج فادحة وخطيرة على المستويان الداخلى والخارجى .

يقول الأستاذ عامر عبد المنعم ـ رئيس تحرير جريدة الشعب :

( الرئيس مبارك انتهي . هذا ما يؤكده الواقع و الحقائق في الشارع المصري. و لم تعد تفيد كل محاولات التضليل الاعلامي لتجميل صورته . فالتعديل الشكلي للمادة 76 و غير الدستوري أفقده ما تبقي من بقايا احترام لدي من ظلوا حتي القريب يبررون استمراره .

الرئيس مبارك الان يلعب وحده معزولا ، و لا يشعر بالأمن إلا في شرم الشيخ ، هناك حيث لا يقترب المصريون ، في حماية اسرائيل . فالشعب كله يكرهه و ينتظر يوم الخلاص الكبير منه . والقوي السياسية المعبرة عن هذا الشعب من أقصي اليسار الي أقصي اليمين ضده ، أحزاب معترف بها ، أحزاب مجمدة ، قوي محظورة ، قوي مقهورة ، اساتذة الجامعات ، النقابات و الطلاب ..الكل يرفضه و يرفض التمديد له أو التوريث لابنه .

و كانت وقفة القضاة و رفضهم المشاركة في التزوير و الاشراف علي انتخاب مبارك هي اشارة النهاية لهذا الحكم الذي باع مصر و دمرها .

و خروج السلطة القضائية علي الرئيس و هي احدي السلطات الثلاث يفقد مبارك المشروعية القانونية للاستمرار. و لم يتبق معه سوي سلطتين و كلاهما سينهارعما قريب .

فالسلطة التنفيذية لم تعد تتحمل أوزار حاكم يلفظ أنفاسه الأخيرة . و هذه السلطة الان عاجزة عن حمايته أمام حالة الهياج و التمرد داخل المجتمع المصري . و هذه السلطة لا تحميه أمام حملات الهجوم المتنوعة ضده لخروج حالة الغضب عن السيطرة . بل ان حالة القلاقل داخل هذه السلطة بادية للعيان اذ ان الانهيار الذي جلبه لنا الرئيس اضير منه الجميع . و هذه السلطة تشعر الآن بأن الرئيس الفرعون غارق في اليم لا محالة و هم بالتأكيد لن يسيروا خلفه حتي النهاية و لن يكرروا تجربة جنود فرعون موسي ) .

.... وفى عز المحن تظهر معادن الرجال ممن يرفضوا ذهب المعز ، ويضحوا بالمناصب العليا والحياة الرغدة من أجل كلمة حق ينقذوا من خلالها مصر وشعب مصر ، وقد جاءت رسالة استقالة القائم بالأعمال المصرى فى فنزويلا الأستاذ يحيى زكريا نجم ـ احتجاجًا على سياسة مبارك لتكون خير شاهدة على ذلك .... إنها عريضة اتهام للنظام المصرى الذى على رأسه مبارك .... تقول الرسالة :

( واذ اعبر عن اسفي فاني ارجو من سيادتكم قبول استقالتي من العمل بوزارة الخارجية للاسباب التالية:

لقد تحولت سياسة مصر في السنوات او العقود الاخيرة ـ ومنذ منتصف السبعينات تقريبا ـ الي سياسة غريبة عنا تبتعد عن ثوابتنا التاريخية والقومية والدينية والتقليدية بل وقد تتنافي او تتخاصم معها احيانا، وتقترب من مشاريع وسياسات غريبة عنا، حتي اصابنا اليأس والاحباط واحيانا الصدمة والذهول من بعض هذه المواقف، واصبح فهمها او استيعابها فضلا عن التعبير والدفاع عنها عبئا ضميريا ثقيلا ننوء بحمله، فمن ناحية لانريد التقصير في عملنا ومن ناحية اخري لانريد ان نخالف ايضا ضمائرنا ومعتقداتنا واسوق بعض الامثلة علي ذلك من علاقات واتفاقات ثنائية ودولية مع اطراف اقليمية ودولية لاتعبر عن مصالح مصر الاصيلة وتشكل احيانا خضوعا لضغوط غير مبررة، مثل:

التوقيع علي تجديد اتفاقية حظر انتشار الاسلحة النووية مع استثناء ترسانات اخري، واتفاق الاستثناء من اختصاص المحكمة الجنائية الدولية التي رفض التوقيع علي مثله دول صغيرة فقيرة اكثر قربا واحتياجا للولايات المتحدة مثل دول الكاريبي لكنها صمدت امام الضغوط وتمسكت بالمباديء بينما وافقت مصر صاحبة اعرق الحضارات عليه، ومؤتمرات بدءا من قمة شرم الشيخ لمكافحة العنف في نهاية التسعينات والذي تم تغيير عنوانه اكثر من مرة واختطافه ليتحول الي اداة لضرب مفهوم المقاومة الوطنية والفلسطينية علي وجه الخصوص، ومؤتمر شرم الشيخ الذي حضره قائد جيوش الغزاة الرئيس الامريكي في 2003م. ولم يمض شهرين علي اجتياح العراق ومازالت دماء الشهداء علي الارض رطبة طيبة ومازالت دموع الامهات الثكلي في العيون تحت حجة الحصول علي تنازلات واعادة ترتيب الاوضاع لكن هيهات من ذلك... ، وانتقاد للهرولة ونحن نمارسها، وصمت اشبه بالموات فيما يتعلق بما يجري في السودان وفي القرن الافريقي وفي جنوب لبنان والاراضي السورية المحتلة.

وجاء غزو العراق ليقصم صدق الموقف المصري ويصيبه في مقتل، من عجز وشلل عن التحرك لصياغة موقف فاعل وتضامني، مرورا بدفن رؤوسنا بالرمال قبل واثناء وبعد الاجتياح وصولا الي ادارة الظهر للمقاومة الوطنية العراقية بما في ذلك مؤتمر شرم الشيخ الاخير حول العراق في نوفمبر 2004م، والاستسلام للامر الواقع علي صعيد محافل الشرعية الدولية، حتي صار من ينشط في الدفاع عن العراق قبل وبعد الغزو دول من الشرق والغرب.

وكانت الطامة التصريح بان خروج القوات الاجنبية من العراق سيؤدي الي حرب اهلية ، واتساءل هنا لماذا اذن عقدنا اتفاقية الجلاء اذا كان الاحتلال بردا وسلاما ولماذا خضنا الحروب للدفاع عن ارضنا، ولماذا تحررت شعوب العالم من فييتنام الي الجزائر، السيد الوزير نحن لم نعش بداية كارثة فلسطين لكننا شهدنا تفاصيل كارثة العراق وكيف كان الخذلان والسلبية ومااشبه الليلة بالبارحة. السيد الوزير لم نعد نستطيع ان نصافح اعداءنا لدواعي العمل، في الوقت الذي يذبحون فيه اخواننا ويستبيحون بلادنا، لذا ارفض ان استمر في هذا العمل لكي لا اتحول الي منافق، وكان يمكنني الاستمرار في قبض راتبي وتخدير الضمير او قتله لكنني ارفض ان اكون طبيب اجهاض يتقاضي اجرا ليقتل ثوابت واحلام الامة والوطن، كما ارفض ان اقف صامتا وانا اري الأم تحتضر والسفينة تتجه الي الهاوية.

وعلي الصعيد الداخلي يتعرض الشعب المصري منذ سنوات كثيرة الي ازمة اقتصادية طاحنة كان لها بصمات مريرة من معاناة يومية علي مواطنينا وعلي بناء المجتمع، في كل مناحي الحياة من تعليم وصحة واجتماع... ، الا ان اشد هذه النتائج هو فقدان قطاعات عريضة من الشعب للامل والرغبة في الاستمرار والمقاومة، مما ادي لبروز الفساد والظواهر الاجتماعية السلبية، بفعل غياب الفكر والمشروع الوطني وفقدان القيم والثقة والتحول للفردية والانعزالية، بسبب سياسات مدروسة في مجال الاعلام والسياسة والامن لتفتيت التلاحم والمشاركة الجمعية الفاعلة وخلق خواء رهيب في عقول المواطنين.

وفي ظل اجواء التمديد وسلب الشعب حقه الطبيعي في انتخاب من يقوده ويمثله وخنق حرياته، وقصر هذا الحق علي مجموعة من المواطنين ـ ايا كانت ـ نعرف كيف جاءوا (عاني الشعب كثيرا من سيد قراره والنواب المطعون في شرعيتهم ونواب الكيف ونواب القروض حتي نواب التوكيلات)، هو امر لايقره شرع ولامنطق ولايليق بشعب علم العالم الحضارة.

السيد الوزير ان وزارة الخارجية هي مراّة ايضا لما يحدث في وطننا العزيز، وانعكس عليها عدد من مظاهر الفساد المالي والاداري تمثلت في عديد من القضايا اذكر منها (سفاراتنا في برن ـ هلسنكي ـ كيجالي ـ تصرفات سفير سابق في هراري ـ ادارة بنك المعلومات...) وهي قضايا لا اذكرها لغرض العد ولكن لأبين ان هناك خللا جسيما ليس في اختيار الاشخاص فقط بل في النظام نفسه، فهو نظام قديم يعطي الرئيس (السفير في هذا الحالة) سلطات مطلقة ـ خاصة في الخارج ـ يتحكم بها في مسار العمل والعاملين، بينما يخفف عنه المسؤولية الي اقصي حد فهو يشتري ويوقع غيره ويعطي الاوامر ويدفع غيره الثمن ويتمتع ويعاني غيره، وهو بذلك نظام يشجع علي الفساد والاستبداد، ولايستطيع احد ان ينكر ان قضية بدل السكن علي سبيل المثال هي مرض خبيث ينهش في بناء وزارة الخارجية في معظم ان لم يكن كل سفاراتنا في الخارج، بل تجاوزها الي كل هيئات التمثيل الخارجي بالدولة حتي سارت مرتعا للتجاوزات والاضرار بالمال العام.

وعلي سبيل المثال فقد عانيت شخصيا من مثل هؤلاء الاشخاص، فقد عملت مع سفير (تم نقله او طلب نقله من ثلاث بعثات سابقة) وتورط في قضية سفارتنا في برن التي تم فيها استباحة واختلاس مايقرب من 500 الف فرنك سويسري = اقل قليلا من 2,5 مليون جنيه مصري، وكان وقتها المشرف علي الشؤون المالية والادارية (بدرجة مستشار او وزير مفوض)، وتعرفون سيادتكم ان كل مستند مالي يوقع عليه كل من الملحق الاداري والدبلوماسي المشرف علي الشؤون المالية، ويعلم الجميع ان شخصا بمفرده لايمكنه ان يستبيح هذا المبلغ الكبير، وانا هنا لا ادين احدا فالامر متروك للقضاء الا اني اسوق بعض الشواهد، وبالرغم من ذلك فقد تم تعيينه سفيرا مرتين ليستكمل مسيرته في الافساد، والادهي والأمر ان يرقي سفيرا ممتازا لبلدنا العزيز، السيد الوزير ان حضور دبلوماسي شاب للعمل بدون ربطة العنق او رفعه لصوته كفيل بتعريضه للعقاب ومنعه من السفر، اما التورط في اختلاس 2,5 مليون جنيه فهو مدعاة للترقية!! واسوق لسيادتكم بعض الامثلة علي تجاوزاته ـ والتي اوضحتها تفصيليا بالادلة في كتب السفارة التي ذكرتها بعاليه ـ مثل:

الاضرار بالمال العام عمدا بتجاوزات بدل السكن حيث سمح لملحقين اداريين بالسفارة بتقاضي مبالغ كبيرة لعقود سكن وهمية لم يتم فحصها ـ والاسراف والتبذير في شراء سلع واجهزة غير ضرورية من اموال الدولة ـ وقيامه بتصميم جديد لعلم الدولة جعل اتجاه رأس النسر فيه الي جانب العلم وليس باتجاه اللون الاحمر شاهده ضيوف حفل العيد القومي لعامين متتاليين ـ والاعتذار عن حضور دعوات هامة مثل دعوة المعهد الدبلوماسي الفنزويلي ـ وتراجع حجم التبادل التجاري بين البلدين اثناء فترة عمله كما هو موضح برسالة السفارة بالسيتا رقم 220 في 7/12/2004م. ـ واعفائه الملحق الاداري من استلام وتصدير الحقيبة الدبلوماسية ـ وتبديده لبعض مهمات من عهدة الامن بالسفارة ـ وهناك امثلة يأسف المرء لذكرها مثل علاجه للكلب الموجود بدار السكن علي نفقة الدولة (كنا نظن ان علاج المشاهير والاثرياء علي نفقة الدولة هو اخر المطاف)... وغيرها من الامثلة كثير. وقد نـلت جزائي بسبب اعتراضـي علي هذه التصرفات فقد اعطاني مرتبـة كفء في اول عام لعملي معه ولاول مرة في تاريخي الوظيفي الذي كان دائما بدرجة امتياز منذ التحاقي بالعمل بوزارة الخارجية منذ 14 عاما، وحينما قدمت تظلمي من التقرير تم رفعه لدرجة الامتياز الا ان مجلس السلك ذكر في الحيثيات ان قراره جاء استجابة لرأي السيد السفير!!

اقصد من سردي هذا ايضاح ان النظام المعمول به حاليا يخلق ويشجع الفساد ويمكن الفاسدين من الاستمرار في مسلكهم، بل يساعدهم علي الاطاحة بكل من يقف في طريقهم او يعترضه، السيد الوزير ان مصر تقتل ابناءها والشرفاء منهم للاسف اولاً لهذا ولكل ماسبق ارجو من سيادتكم قبول استقالتي وانا علي استعداد للتعاون مع اي تحقيق جاد يتناول كل ماذكرته.

ونستعيرها ممن سبقنا من اجل مصر دخلنا الخارجية ومن اجل مصر نخرج منها.

ونعاهد الله ان نبقي ابناء مخلصين لها دوما.



وفقنا الله لما فيه الخير

والسلام عليكم ورحمة الله،،،

القائم باعمال سفارة مصر في كاراكاس

سكرتير ثان / يحيي زكريا نجم

صدام العرب
05-06-2005, 10:15 PM
بارك الله بك على هذا النقل