المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كيف نصنف أعداءنا و حلفاءنا ؟



عبدالغفور الخطيب
29-05-2005, 03:37 PM
كيف نصنف أعداءنا و حلفاءنا ؟

ما أن يختلف اثنان أو مجموعتان أو بلدان أو أمتان ، إلا و اعتقد كل منهما أنه هو صاحب الحق و مفارقه أو خصمه على غير حق ، منطلقا من تقييم لموضوع الخلاف يستند لعشرات بل لآلاف المعايير غير المعلنة ، بل يضخها بشكل كلام و حجج تضرب جذورها في القدم ، وكذلك شأن مفارقه أو خصمه ، وعندما يصار أن يحتكما لطرف ثالث فانه ليس بالضرورة أن ينصف أي من الفريقين ، بل يستند الطرف الثالث لنفس المعايير التي بالتالي ستصب في مفهوم المصلحة .

ولو فتشنا بكل التاريخ وبكل بقاع الأرض ، فإننا لا نكاد نجد اثنين من سكان الأرض متطابقان في رؤيتهما لكل مناحي الحياة ، وهذا على ما يبدو رحمة من رب العالمين لاستمرار الحياة ، وهي مشيئته بنفس الوقت . فكيف لنا أن نجد أمة أو حتى شعب متطابق في رؤيته ؟

وحيث ما تدربت مجموعة أو فئة أو شعب أو أمة على التعايش مع بعضها البعض فإنها تتفوق بذلك على غيرها من المجموعات او الأمم . وتجد أن مجموعة صغيرة بقرية ما متفاهمة ومتطابقة في أمور تفكيرها تتفوق على كل أهل القرية غير المتفاهمين او غير المبالين في تنظيم شأنهم ، وتجد مجموعة ضغط مرتبة ومتفاهمة على جداول عملها تتفوق على ملايين من المواطنين غير المعنيين في إبراز قوتهم كمجموعة ضخمة منظمة . فلذلك يقر الجميع بتفوق قدرة الصهيونية العالمية بالتأثير في مسار السياسة الدولية .

ونحن كأمة هائلة مترامية الأطراف ، لا نكاد نخلص من فهرس لمشاكلنا حتى نبدأ بكتابة فهرس جديد يحمل عشرات بل آلاف العناوين من مشاكل جديدة . لماذا ؟ لأننا لم نتدرب على موضوع التعايش كأمة بشكل ممنهج وموثق ، بل كنا نبقى على مروة الحاكم والحكام ، فان كان الحاكم عادلا و يشيع جو التسامح فان الرعايا تكون في حالة تسامح ومواددة فيما بينهم ، وان كان غير ذلك فان المواطنين يكونوا فريسة خطط الحاكم الذي يلجأ في أغلب الأحيان لنحت شرعيته في إبقاء إثارة الضغائن و العدوانية فيما بين الرعايا ليبطل أو يضعف محصلة القوى لهؤلاء المواطنين وليتسنى له بالتالي التغلب على أي مجموعة أضعفها غيرها من المجموعة قبل أن تكون وجها لوجه أمام الحاكم .

ونحن إذ نتلمس لأنفسنا الطريق للخروج مما نحن فيه من حالة انعدام الوزن القومي أو الفئوي أو الأممي ، لا بد لنا من اقتراح منهجية ذهنية ، قد تصلح ان تكون أساسا يمكن البناء عليه بعد تطويره و إثراءه بالنقاش . وقبل أن نبدأ بذلك لا بد لنا الاعتراف بأن أي فئة أو طائفة أو حزب لم تستطع ولن تستطيع أن تلزم الكل باتباع منهجها الذهني بتفاصيله كاملة وبالقسر والقوة .

اذا كانت علامة النجاح في الامتحانات هي 50 بالمائة ، وعلامة الرسوب هي ما دون ذلك . فان التحالفات يفترض أن تؤسس على ضوء ذلك فلا يشترط ان أقبل الآخر كحليف اذا كان متطابقا معي مائة بالمائة ، فسأصنع بذلك أعداء من أطياف واسعة . لكن لو تساهلت بقبول من ينجح بالخمسين بالمائة وما أكثرهم فقد يجدهم من كان ذو خلفية إسلامية ، بالقومي واليساري و كل من يتفق معهم على كثير من الأمور أولها تحرر الأمة من التدخل الأجنبي ، وسيجد القومي كذلك الأمر بأن حلفاءه كثر وهكذا ..

ولكن نتيجة غياب العدو الأصلي بالمواجهة مع من يتحدث ومع من يفكر ، فان ذلك يجعله يصنع وينصب له أعداء من كل الصنوف ، حتى اذا لم يجد يقوم بعداء نفسه .. لنتق الله في أنفسنا و في أمتنا و في مستقبل أبناءنا و لنجعل من كل من حولنا أصدقاء و ان لم نستطع ، فلنحاول ألا نجعلهم أعداء ، وبهذا سيزيد معسكر من يلتقون على محاور ثابتة ، ومن كان يعتقد بصواب رأيه ، فليتفضل ويسوق حججه فقوي الحجة بالتالي يستطيع فرض رأيه .