العربي بن سالم
15-05-2005, 09:08 PM
بقلم: ماجد مكي الجميل
حلّت قبل أسابيع الذكرى السنوية الثانية للاحتلال الأمريكي ـ البريطاني للعراق في التاسع من نيسان 2003، وهو اليوم الذي جعل منه أعضاء مجلس الحكم المنحل عيداً وطنياً لعراقهم الجديد وضيوفهم الجُدد.
مضت الذكرى والكتابات تتوالى عن الغزو بمختلف جرائمه وفظائعه (هدر الدولة، الإبادة الجماعية، القتل، التعذيب، الإهانة، الاغتصاب، النهب…الخ) وكتابات عن إنجازات المقاومة وهي تواجه، بإمكانياتها المتواضعة، أقوى آلة عسكرية حربية وإلكترونية مدعومة بالأقمار الصناعية، يديرها ما يصل إلى ربع مليون جندي ومرتزق أجنبي مسنودين من ميليشيات تابعة لأحزاب متعاونة مع الاحتلال أطلق عليها اسم "الشرطة العراقية" و"الحرس الوطني" على سبيل المثال، في محاولة لصبغها بصبغة رسمية.
إنجازٌ باهرٌ حققته المقاومة لم يلق الصدى الملائم من الكتابة، هو، بكلمات قليلة، كسر إرادة المحتل ومعهم "أولاد الدبابات" ـ تسمية تليق بأولئك الذين جاءوا إلى العراق على ظهر دبابات الاحتلال ـ في السيطرة على النفط العراقي. هذا الإنجاز هو مادة المقال التالي.
ينطلق المقال من تقرير تلفزيوني لـ (جريج بالاست Greg Palast) قدّمته هيئة الإذاعة البريطانية في برنامجها (نيوز نايت Newsnight) عن خُطط المحافظين الجُدُد والشركات النفطية الكبرى في السيطرة على النفط العراقي. عن التقرير قال بروفيسور التاريخ بجامعة ميشيغان، الأمريكية (جوان كول Juan Cole) أنه أحد أفضل التقارير التي ظهرت عن فضيحة العراق منذ عدة اشهر.
يقول بالاست، أن بول فولفتز، وريتشارد بيرل، ودوغلاس فيث، (ثلاثتهم من الخط الصهيوني المتشدد في الإدارة، ومن أنصار الرئيس بوش) ومعهم البتناغون جعلوا من خصخصة صناعة النفط العراقي البند رقم واحد في مشروعهم بغزو العراق، وقد تم تكريس الثلاثة كليّاً لتحقيق الخصخصة التي ستكون الفاتحة للهيمنة على النفط العراقي.
وضع الثلاثة خطة تقضي بتخلي صناعة النفط العراقية، التي ستكون في مرحلة لاحقة مملوكة من القطاع الخاص، (يعلّق البروفيسور كول على عبارة مملوكة من القاطع الخاص بالقول: "أفترض أنها ستكون مملوكة من شركات النفط الأمريكية بشكل أو بآخر.") عن منظمة البلدان المصدّرة للنفط (أوبك)، وأن يقوم المالكون الجدد للنفط بضخ كميات هائلة بعد التحرّر من حدود حصص أوبك.
يقول التقرير: عندما بدأ الغزو للعراق كانت هناك في البنتاغون، وما زالت، ديانة تعبد خصخصة النفط، وأن لهذه الديانة طائفتها وعُبّادُها. أحد عُبّادها هو: جي كارنر، أول حاكم عسكري أمريكي للعراق بعد احتلاله.
في مقابلة مع البرنامج، قال كارنر ما نصّه: "لقد حلّت وزارة الدفاع الأمريكية الجيش العراقي وأرسلت جنوده إلى بيوتهم متحملة اضطرابات لا نهاية لها، لأنها كانت خائفة أن تقف أكبر مؤسسة عسكرية وطنية عراقية عائقاً أمام خصخصة النفط،" وعبارته هذه كافية لتكشف لنا خطط الاحتلال.
لم يستطع كارنر أن يخطو خطوة جادة في طريق تحقيق البند رقم واحد لأن "أولاد الدبابات" عملوا معه كمستشارين غير رسميين (لم يتم تشكيل مجلس الحكم بعد) يقدمون له ما يحتاج من خدمات في حلّ الجيش العراقي والوشاية بعناصره وملاحقة واعتقال وتعذيب ضباطه وحتى أفراد عائلاتهم. (كتب هوارد كورتز المحرر في صحيفة واشنطن بوست في حزيران 2003، ما يلي: وصل الأمر إلى حد أن ضباطا من الجيش الأمريكي كانوا يذهبون إلى مقر أحمد الجلبي لاستلام ضباط في الجيش العراقي اعتقلتهم قوات الجلبي.)
بعد ذلك بشهرين ونيف جاء بول بريمر ليصبح ثاني حاكم للإدارة الأمريكية في العراق. ولا أظنها مصادفة أن يكون بريمر هو الآخر، كسلفه كارنر، مهووساً "fanatical،" (حسب تعبير البرنامج) بسياسة "دعه يعمل، دعه يمرّ laissez faire, laissez passe"، وهو مصطلح فرنسي ظهر في القرن التاسع عشر يدعو لسياسة اقتصادية تقوم على أساس عدم تدخل الدولة المطلق بشؤون الاقتصاد.
بعد تشكيل بريمر مجلس الحكم، وتحوّل المستشارين السابقين غير الرسميين لكارنر إلى مستشارين رسميين للحاكم الجديد، بدأت أولى خطوات العمل الجاد لتنفيذ الخطة الموضوعة للعراق ونفطه. أخذ بريمر يتحدث لأول مرة في مجلس الحكم عن الخطط "البعيدة" لأعمار العراق، والحاجة للأموال، وصعوبة الحصول على الأموال مع محدودية الإنتاج، وقيود أوبك… أما الحل، فلا حلّ غيره سوى "خصخصة النفط ببيعه للقطاع الخاص على أن يُسمح للشركات الأجنبية أن تشتري أي شركة في العراق، وأن تكون قادرة على نقل الأرباح بالعملة الصعبة إلى خارج العراق فوراً. وكلنا نتذكر تصريح كامل مبدر الكيلاني، وزير المالية العراقي في أول حكومة شكّلها الاحتلال خلال مشاركته في اجتماعات صندوق النقد الدولي بدولة الإمارات في صيف 2003.
ليس من داعٍ للقول أن الصناعة النفطية العراقية، هي الهدف الحقيقي للخصخصة لا غيرها. فمن الناحية الفعلية والواقعية، لا توجد هناك صناعات عراقية مملوكة من الدولة تستحق الشراء أو تتمتع بقيمة أكثر من النفط. من سيشتري مؤسسات تقوم على تقنيات شرقية تعود لعقد السبعينات والثمانينات، ناهيك عن تميزها بعدم الكفاءة، وانتفاخها بالبيروقراطية، وتآكل موجوداتها بعد 14 عاماً من الحصار؟
في البرنامج التلفزيوني يتحدث شخص أمريكي (من أصل عراقي لقبه الجبوري) يبدو أنه على إطلاع واسع بحكم عضويته في الحزب الجمهوري وعمله مع الإدارات الجمهورية منذ عهد رونالد ريغان. تحدّث من منزله قرب سان فرانسيسكو قائلاً: أخذ أعضاء مجلس الحكم يتجاوبون مع ما كان يطرحه بريمر حول خصخصة النفط، بل أن المجلس نفسه طرح خططاً خيالية لبيع النفط العراقي… هذه الخطط هي التي شجّعت المقاومة العراقية لتكثيف مهاجمتها للمنشآت النفطية بعد أن اقتصرت نشاطاتها في البداية على قوات الاحتلال. يقول الجبوري: "استخدم المتمردون المنطق التالي في مخاطبة أعضاء مجلس الحكم: انظروا أنكم تخسرون بلدكم، وتخسرون مصادر ثروتكم لصالح حفنة صغيرة من المليارديرات الأجانب جاءوا للسيطرة عليكم وعلى ثرواتكم ليتركونكم في بؤس." يضيف: "لاحظنا زيادة في عمليات تفجير المنشآت النفطية وخطوط الأنابيب، وكانت تلك نتيجة منطقية لبدء مجلس الحكم الحديث رسمياً عن خصخصة النفط."
أما بالاست فيقول بدوره: بات جليّاً للقوات الأمريكية والبريطانية أن الاستحواذ على النفط العراقي وإمكانية انتقاله إلى أيادٍ أجنبية تحت ستار الخصخصة إنما هي خطوة ليست سليمة العواقب، وتحمل في طيّاتها إمكانية انخراط الكثير من العراقيين بعمليات تخريب أنابيب النفط، أو دعمهم المخربين لمنع وقوع نفطهم بيد الأمريكان. هذا ما يقوله بالضبط.
يضيف: بعد تزايد نشاط المتمردين ضد المنشآت النفطية آثر مسؤولون كبار في سلطة التحالف (جميعهم أمريكان باستثناء بضعة بريطانيين)، وتحديداً ممن كانت لديهم خلفيات نفطية كالأعضاء الكبار في الشركات النفطية الضخمة، التريث بشأن الخصخصة، وقد كان فيليب كارول Philip Carroll، الرئيس السابق لشركة شل النفطية في الولايات المتحدة، أول من قال لبريمر "لا !"
يقول التقرير: مع ارتفاع نشاط المقاومة، أدركت الشركات النفطية الكبرى أنه ليس من العقل أن تتوجه للعراق لتشتري منشآت نفطية عزيزة على قلوب العراقيين من حكومة ببغاوات "puppet government،" عيّنها الاحتلال وتأتمر بأمره. أدركت الشركات جيداً أنه إذا ما استثمرت أموالها هناك فمن المرجح جداً أن تخسرها كلّها حالما ينتهي الوجود العسكري الأمريكي وتصل للسلطة حكومة وطنية. كما أدركت الشركات، التي سبق أن وافقت على تأميم الصناعات النفطية في العراق والخليج، أنه ليس من السهل إعادة عقارب الساعة للوراء إلى ما قبل عام 1973.
موقف الشركات النفطية يختلف كليا عما تقوم به شركة هاليبورتون في العراق، فالأخيرة مجرد مقاول ينفذ مشاريع للحكومة الأمريكية بأموال العراقيين، وبأيادي عمال كوريين وفليبينيين وغيرهم. هاليبورتون لا تضخ أموالاً ولا تشتري منشآت مثلما هو مطلوب من الشركات النفطية أن تقوم به في العراق. وهكذا يتضح (يقول التقرير) أنه بالرغم من أن الشركات النفطية الكبرى هي جمهورية النزعة، إلا أنها تميل للمدرسة القديمة الممثلة ببوش الأب، وبرنت سكاوكروفت، وجيمس بيكر.
بكلمات قليلة تمضي خطة المحافظين الجدد بالشكل التالي: ادفع نحو خصخصة الصناعات النفطية العراقية، ثم حصّل على كميات كبيرة من الأسهم بسرعة، بعدها ارفع الإنتاج إلى أقصى طاقته، واعمل في الوقت ذاته على رفع الطاقة التصديرية إلى 5 ملايين برميل في غضون 5 سنوات، ثم إلى 8، ثم إلى 11، وواصل في رفع الإنتاج، مع البيع بأسعار بخسة من أجل أن تكسر أوبك بواسطة العراق، وتدفع الدول العربية للإفلاس والفقر، بواسطة العراق أيضاً.
12 أيار/مايو 2005
حلّت قبل أسابيع الذكرى السنوية الثانية للاحتلال الأمريكي ـ البريطاني للعراق في التاسع من نيسان 2003، وهو اليوم الذي جعل منه أعضاء مجلس الحكم المنحل عيداً وطنياً لعراقهم الجديد وضيوفهم الجُدد.
مضت الذكرى والكتابات تتوالى عن الغزو بمختلف جرائمه وفظائعه (هدر الدولة، الإبادة الجماعية، القتل، التعذيب، الإهانة، الاغتصاب، النهب…الخ) وكتابات عن إنجازات المقاومة وهي تواجه، بإمكانياتها المتواضعة، أقوى آلة عسكرية حربية وإلكترونية مدعومة بالأقمار الصناعية، يديرها ما يصل إلى ربع مليون جندي ومرتزق أجنبي مسنودين من ميليشيات تابعة لأحزاب متعاونة مع الاحتلال أطلق عليها اسم "الشرطة العراقية" و"الحرس الوطني" على سبيل المثال، في محاولة لصبغها بصبغة رسمية.
إنجازٌ باهرٌ حققته المقاومة لم يلق الصدى الملائم من الكتابة، هو، بكلمات قليلة، كسر إرادة المحتل ومعهم "أولاد الدبابات" ـ تسمية تليق بأولئك الذين جاءوا إلى العراق على ظهر دبابات الاحتلال ـ في السيطرة على النفط العراقي. هذا الإنجاز هو مادة المقال التالي.
ينطلق المقال من تقرير تلفزيوني لـ (جريج بالاست Greg Palast) قدّمته هيئة الإذاعة البريطانية في برنامجها (نيوز نايت Newsnight) عن خُطط المحافظين الجُدُد والشركات النفطية الكبرى في السيطرة على النفط العراقي. عن التقرير قال بروفيسور التاريخ بجامعة ميشيغان، الأمريكية (جوان كول Juan Cole) أنه أحد أفضل التقارير التي ظهرت عن فضيحة العراق منذ عدة اشهر.
يقول بالاست، أن بول فولفتز، وريتشارد بيرل، ودوغلاس فيث، (ثلاثتهم من الخط الصهيوني المتشدد في الإدارة، ومن أنصار الرئيس بوش) ومعهم البتناغون جعلوا من خصخصة صناعة النفط العراقي البند رقم واحد في مشروعهم بغزو العراق، وقد تم تكريس الثلاثة كليّاً لتحقيق الخصخصة التي ستكون الفاتحة للهيمنة على النفط العراقي.
وضع الثلاثة خطة تقضي بتخلي صناعة النفط العراقية، التي ستكون في مرحلة لاحقة مملوكة من القطاع الخاص، (يعلّق البروفيسور كول على عبارة مملوكة من القاطع الخاص بالقول: "أفترض أنها ستكون مملوكة من شركات النفط الأمريكية بشكل أو بآخر.") عن منظمة البلدان المصدّرة للنفط (أوبك)، وأن يقوم المالكون الجدد للنفط بضخ كميات هائلة بعد التحرّر من حدود حصص أوبك.
يقول التقرير: عندما بدأ الغزو للعراق كانت هناك في البنتاغون، وما زالت، ديانة تعبد خصخصة النفط، وأن لهذه الديانة طائفتها وعُبّادُها. أحد عُبّادها هو: جي كارنر، أول حاكم عسكري أمريكي للعراق بعد احتلاله.
في مقابلة مع البرنامج، قال كارنر ما نصّه: "لقد حلّت وزارة الدفاع الأمريكية الجيش العراقي وأرسلت جنوده إلى بيوتهم متحملة اضطرابات لا نهاية لها، لأنها كانت خائفة أن تقف أكبر مؤسسة عسكرية وطنية عراقية عائقاً أمام خصخصة النفط،" وعبارته هذه كافية لتكشف لنا خطط الاحتلال.
لم يستطع كارنر أن يخطو خطوة جادة في طريق تحقيق البند رقم واحد لأن "أولاد الدبابات" عملوا معه كمستشارين غير رسميين (لم يتم تشكيل مجلس الحكم بعد) يقدمون له ما يحتاج من خدمات في حلّ الجيش العراقي والوشاية بعناصره وملاحقة واعتقال وتعذيب ضباطه وحتى أفراد عائلاتهم. (كتب هوارد كورتز المحرر في صحيفة واشنطن بوست في حزيران 2003، ما يلي: وصل الأمر إلى حد أن ضباطا من الجيش الأمريكي كانوا يذهبون إلى مقر أحمد الجلبي لاستلام ضباط في الجيش العراقي اعتقلتهم قوات الجلبي.)
بعد ذلك بشهرين ونيف جاء بول بريمر ليصبح ثاني حاكم للإدارة الأمريكية في العراق. ولا أظنها مصادفة أن يكون بريمر هو الآخر، كسلفه كارنر، مهووساً "fanatical،" (حسب تعبير البرنامج) بسياسة "دعه يعمل، دعه يمرّ laissez faire, laissez passe"، وهو مصطلح فرنسي ظهر في القرن التاسع عشر يدعو لسياسة اقتصادية تقوم على أساس عدم تدخل الدولة المطلق بشؤون الاقتصاد.
بعد تشكيل بريمر مجلس الحكم، وتحوّل المستشارين السابقين غير الرسميين لكارنر إلى مستشارين رسميين للحاكم الجديد، بدأت أولى خطوات العمل الجاد لتنفيذ الخطة الموضوعة للعراق ونفطه. أخذ بريمر يتحدث لأول مرة في مجلس الحكم عن الخطط "البعيدة" لأعمار العراق، والحاجة للأموال، وصعوبة الحصول على الأموال مع محدودية الإنتاج، وقيود أوبك… أما الحل، فلا حلّ غيره سوى "خصخصة النفط ببيعه للقطاع الخاص على أن يُسمح للشركات الأجنبية أن تشتري أي شركة في العراق، وأن تكون قادرة على نقل الأرباح بالعملة الصعبة إلى خارج العراق فوراً. وكلنا نتذكر تصريح كامل مبدر الكيلاني، وزير المالية العراقي في أول حكومة شكّلها الاحتلال خلال مشاركته في اجتماعات صندوق النقد الدولي بدولة الإمارات في صيف 2003.
ليس من داعٍ للقول أن الصناعة النفطية العراقية، هي الهدف الحقيقي للخصخصة لا غيرها. فمن الناحية الفعلية والواقعية، لا توجد هناك صناعات عراقية مملوكة من الدولة تستحق الشراء أو تتمتع بقيمة أكثر من النفط. من سيشتري مؤسسات تقوم على تقنيات شرقية تعود لعقد السبعينات والثمانينات، ناهيك عن تميزها بعدم الكفاءة، وانتفاخها بالبيروقراطية، وتآكل موجوداتها بعد 14 عاماً من الحصار؟
في البرنامج التلفزيوني يتحدث شخص أمريكي (من أصل عراقي لقبه الجبوري) يبدو أنه على إطلاع واسع بحكم عضويته في الحزب الجمهوري وعمله مع الإدارات الجمهورية منذ عهد رونالد ريغان. تحدّث من منزله قرب سان فرانسيسكو قائلاً: أخذ أعضاء مجلس الحكم يتجاوبون مع ما كان يطرحه بريمر حول خصخصة النفط، بل أن المجلس نفسه طرح خططاً خيالية لبيع النفط العراقي… هذه الخطط هي التي شجّعت المقاومة العراقية لتكثيف مهاجمتها للمنشآت النفطية بعد أن اقتصرت نشاطاتها في البداية على قوات الاحتلال. يقول الجبوري: "استخدم المتمردون المنطق التالي في مخاطبة أعضاء مجلس الحكم: انظروا أنكم تخسرون بلدكم، وتخسرون مصادر ثروتكم لصالح حفنة صغيرة من المليارديرات الأجانب جاءوا للسيطرة عليكم وعلى ثرواتكم ليتركونكم في بؤس." يضيف: "لاحظنا زيادة في عمليات تفجير المنشآت النفطية وخطوط الأنابيب، وكانت تلك نتيجة منطقية لبدء مجلس الحكم الحديث رسمياً عن خصخصة النفط."
أما بالاست فيقول بدوره: بات جليّاً للقوات الأمريكية والبريطانية أن الاستحواذ على النفط العراقي وإمكانية انتقاله إلى أيادٍ أجنبية تحت ستار الخصخصة إنما هي خطوة ليست سليمة العواقب، وتحمل في طيّاتها إمكانية انخراط الكثير من العراقيين بعمليات تخريب أنابيب النفط، أو دعمهم المخربين لمنع وقوع نفطهم بيد الأمريكان. هذا ما يقوله بالضبط.
يضيف: بعد تزايد نشاط المتمردين ضد المنشآت النفطية آثر مسؤولون كبار في سلطة التحالف (جميعهم أمريكان باستثناء بضعة بريطانيين)، وتحديداً ممن كانت لديهم خلفيات نفطية كالأعضاء الكبار في الشركات النفطية الضخمة، التريث بشأن الخصخصة، وقد كان فيليب كارول Philip Carroll، الرئيس السابق لشركة شل النفطية في الولايات المتحدة، أول من قال لبريمر "لا !"
يقول التقرير: مع ارتفاع نشاط المقاومة، أدركت الشركات النفطية الكبرى أنه ليس من العقل أن تتوجه للعراق لتشتري منشآت نفطية عزيزة على قلوب العراقيين من حكومة ببغاوات "puppet government،" عيّنها الاحتلال وتأتمر بأمره. أدركت الشركات جيداً أنه إذا ما استثمرت أموالها هناك فمن المرجح جداً أن تخسرها كلّها حالما ينتهي الوجود العسكري الأمريكي وتصل للسلطة حكومة وطنية. كما أدركت الشركات، التي سبق أن وافقت على تأميم الصناعات النفطية في العراق والخليج، أنه ليس من السهل إعادة عقارب الساعة للوراء إلى ما قبل عام 1973.
موقف الشركات النفطية يختلف كليا عما تقوم به شركة هاليبورتون في العراق، فالأخيرة مجرد مقاول ينفذ مشاريع للحكومة الأمريكية بأموال العراقيين، وبأيادي عمال كوريين وفليبينيين وغيرهم. هاليبورتون لا تضخ أموالاً ولا تشتري منشآت مثلما هو مطلوب من الشركات النفطية أن تقوم به في العراق. وهكذا يتضح (يقول التقرير) أنه بالرغم من أن الشركات النفطية الكبرى هي جمهورية النزعة، إلا أنها تميل للمدرسة القديمة الممثلة ببوش الأب، وبرنت سكاوكروفت، وجيمس بيكر.
بكلمات قليلة تمضي خطة المحافظين الجدد بالشكل التالي: ادفع نحو خصخصة الصناعات النفطية العراقية، ثم حصّل على كميات كبيرة من الأسهم بسرعة، بعدها ارفع الإنتاج إلى أقصى طاقته، واعمل في الوقت ذاته على رفع الطاقة التصديرية إلى 5 ملايين برميل في غضون 5 سنوات، ثم إلى 8، ثم إلى 11، وواصل في رفع الإنتاج، مع البيع بأسعار بخسة من أجل أن تكسر أوبك بواسطة العراق، وتدفع الدول العربية للإفلاس والفقر، بواسطة العراق أيضاً.
12 أيار/مايو 2005