المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : يوسف بن يعقوب,وموسى,ومريم ابنة عمران



محمد دغيدى
12-05-2005, 01:40 PM
يوسف بن يعقوب, وموسى, ومريم ابنة عمران..



إخوة لأب واحد!؟.



)إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين(

عمران.. من عمران؟.



صلاح الدين إبراهيم أبوعرفة



لا يكاد أحدنا يصدق أن هذا الذي أُفردت السورة الطولى بعد البقرة، وواحدة الزهراوين، أن هذا الذي أفردت باسمه وباسم آله "آل عمران"، وصنو "إبراهيم" في الاصطفاء وأبو "مريم"، وما أدراك ما مريم، لا يكاد يعرفه واحد منا، ولا تكاد تشفيك التفاسير وقول القائلين, إذ كيف تنسب "مريم" التي لا يجهلها أحد, إلى "عمران" الذي لا يعرفه أحد؟.



عمران.. وما عمران.. ومن عمران!؟



بدأ البحث عندما كان سؤالاً مثاراً، وإشكالاً مثيراً. ذلك أن موسى.. ابن عمران، وأن مريم.. ابنة عمران كذلك، فهل عمران مريم هو عمران موسى!؟

إذا كان القرآن هو القول الفصل، والخبر اليقين، وأول العلم وآخره، لا يتكئ على شيء غيره، إلا ما ثبت من حديث النبي تبياناً وتفسيراً، إذا كان هذا هو القرآن، فلندع القرآن يجيب، ولنقرأه على ظاهره، دون تكلف ولا استحواذ عليه من تقول المتقولين وإضافة المضيفين، مما لم يسند أو يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخبر الثابت ذي الدلالة القاطعة، والقول الفصل المبين.



عمران موسى، هل هو عمران مريم!؟.



حين نقرأ كتاب الله كلاًّ متكاملا، نمر على القصص وعلى الأسماء وعلى الأحداث المثناة في السورة والسورتين والثلاث، فنقرأ عن إبراهيم نحواً من أربعين مرة، وعن نوح كذلك وعن موسى ما يزيد على مئة مرة وعن عيسى أكثر من عشرين، عليهم جميعاً السلام.

فهل يظن ظان، أن عيسى الذي في سورة "المائدة" غير عيسى في سورة "الزخرف"، وأن موسى في سورة "طه" غير موسى في "الأحزاب"، وأن إبراهيم في "البقرة" غير إبراهيم "الشعراء"؟

على ظاهر القرآن، ليس هناك أدنى شك أنهم هم أنفسهم في السور كلها.



إن كان كذلك, فلماذا نفترض أن عمران موسى غير عمران مريم؟





قبل أن نجيب، نعلم أن "موسى بن عمران" بهذا النص، لم ترد في القرآن، إلا أنها وردت في الحديث الصحيح، مصدر المسلمين الثاني في الإخبار والإثبات. فيظهر لنا أن عمران كـ "عمران" في القرآن مرتبط معنىً ومراداً بمريم، دون أن يتغير ذلك الثابت، أن موسى هو ابن عمران وأن مريم ابنة عمران كذلك.

فالظاهر الأول، على أن سياق القرآن والحديث يتحدث عن عمران واحد مطلقاً في الحالتين، فلا يصح أن ننصرف إلى القول أنهما "عمرانان" إلا بنص ثابت صريح يفرق بينهما. بما يبقي الدلالة ثابتة لظاهر النص، فهم هكذا.. عمران وموسى ومريم.



ثم معلوم بداهة أن موسى أخو هارون، ثم نقرأ في سورة "مريم" أن مريم أخت هارون كذلك )يا أخت هارون ما كان أبوك أمرأ سوء( مريم. بما يحار معها علماء التفسير على غير قول متفق عندهم، ولا نص - آية أو حديث - يقطع الخلاف دلالة وثبوتا، إلا ما صح من حديث المغيرة بن شعبة أنه سأل رسول الله e عن هذه الآية فقال: "ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمُّون بأسماء أنبيائهم والصالحين منهم؟". وهذا الحديث لا يقطع أن مريم ليست أخت هارون حقيقة ونسباً، فيصح أن يكون هارون أخا "مريم" نسباً في الوقت نفسه الذي يتسمى فيه بنو إسرائيل بأسماء أنبيائهم وصالحيهم. إذ لو قال e: "ليس أخاها، كانوا يسمون بأسماء أنبيائهم وصالحيهم"، لأصبح الحديث قطعي الدلالة في نفي النسب، وانقطع الخلاف. وهذا مقرر عند فقهاء الأصول, خصوصاً وأن صاحب الحديث مؤيد بالوحي واُوتي جوامع الكلم, فلو أراد النفي قطعاً لفعل.



مرتكزات ثلاثة



أولاً: ما ورد في التفسير عن محمد بن كعب القرظي، وهو ممن أسلم من يهود المدينة وصار علماً من أعلام القرآن والتفسير، فلا شك أنه أعلم من غيره ممن أسلم من العرب، ولم يكن من أهل الكتاب، فيقف مثل القرظي على كتب بني إسرائيل وأنسابهم وأسمائهم. فقد روى ابن كثير عنه أنه قال: "إن مريم أخت هارون أخو موسى بن عمران"، مخالفاً بذلك سواد أهل التفسير، فهذا البحث ليس بدعة، فقد سبقنا فيه إمامٌ عَلَمٌ، سبقته إلى القول بمثله اُم المؤمنين عائشة, ونحن نتتبع البينة، والحق أحق أن يتبع قل متبعوه أم كثروا، فالحجة للبرهان أولاً وأخيراً.. ولا يُرد ظاهر القرآن بظن الناس، والقرآن حجة على الناس والناس ليسوا حجة على القرآن!!.



ثانياً: )يا أخت هارون ما كان أبوك أمرأ سوء( مريم 28: فإذا كانت أُخوَّتها لهارون أخوة الزهد والعبادة – كما يقول أهل التفسير على اختلاف عندهم - فلم لم يقل لها بنو إسرائيل "يا أخت هارون ما كان هارون امرأ سوء"، إلا أن مفاد الآية هكذا: "يا أخت هارون ما كان عمران امرأ سوء" فهم بهذا يجمعون هارون بعمران، فيذكرونها بطهر أبيها وأخيها هارون.

هذا ظاهر القرآن وظاهر النص، والبينة على من تكلّف غير هذا!.



ثالثاً: وهو أشد ما دفع أهل التفسير لرفض أن يكون عمران موسى هو عمران مريم، أي أن يكون موسى أخا مريم، ذلك هو طول الفترة بين موسى ومريم، فأهل التاريخ يتحدثون عن ألف ومئتي سنة، وهذا الدافع ليس مانعاً مستحيلاً وإن بدا كذلك لوهلته الأولى، بل هو مما جاز في الناس، فآدم عمّر ألف سنة ونوح جاوز الألف، فكيف نثبت أو بمَ ننفي أن عمران كان مثلهم، بل لعلّه من أجل ذلك صار "عمراناً"، ففي اللغة والتفسير أن عمران من العَمْر، فهو الكثير المتطاول في العمر!.



في كل الأحوال، يبقى الحكم الفصل أولاً لظاهر القرآن الذي لا يصح معه التكلف، فموسى أينما ورد في القرآن فهو موسى واحد، وهارون أينما ورد في القرآن فهو هارون واحد، أخو موسى وأخو مريم ابني عمران، ولا يُرد هذا الظاهر إلا بما هو أظهر منه وأثبت دلالة وقطعاً، عدا أن يكون مما توارثه الناس من أهل الكتاب "والإسرائيليات", وقد ثبت عن رسول الله e أنه قال: "لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم"، فأهل الكتاب وكتابهم بأمر النبي معطلون كمصدر للنبأ والإخبار الثابت. فلا يبقى لنا إلا القرآن وما صح من الحديث.



والعجب أن من العلماء من يترك ظاهر القرآن في كثير من المسائل, آخذاً بنصوص التوراة والإنجيل, وقال وقيل, وقد نهوا عنه, ومنهم من يقول: هذا يخالف قول ابن كثير, أو القرطبي, فنقول: أين ابن كثير بجنب رسول الله محمد؟. فبه فليحاججنا من يحاججنا!.




عود على بدء.. من عمران؟؟



مثار السؤال آية سورة آل عمران 33: )إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين(، فظاهر الآية أن الأربعة أعلام معرَّفون، والأقرب أنهم جميعاً أنبياء، فآل إبراهيم، آل معمّمون ينتسبون لعلم مخصّص هو إبراهيم، وآل عمران كذلك آل معمّمون ينتسبون لعلم مخصّص، لا يقل – بظاهر الآية – عن عَلَميَّةِ إبراهيم، فالعرب لا تقول آل فلان إلا أن يكون علماً معرفاً مكرماً.

فالله اصطفى إبراهيم قبل أن يصطفي آل إبراهيم, واصطفى عمران قبل أن يصطفي آل عمران. وإذا قلنا: إن الله اصطفى آل محمد, فهل اصطفى محمداً؟, بالضرورة نعم.



فما هذا الذي نجده في التفاسير من هذا التنكير لهذا العلم "عمران"، فهو بكل أحواله في كل التفاسير، -معتمدين بها على التوراة والإنجيل-,رجل عام من عامّة بني إسرائيل، الأمر الذي لا يستقيم مع ظاهر الآية، فهو في الاصطفاء ندٌّ وصنوٌ لـ "إبراهيم".



وعندما نبحث عن "عمران" نجد ذكره في القرآن ثلاث مرات، "آل عمران"، "امرأة عمران" و"ابنة عمران"، وهو في الآيات الثلاث محور الذكر وأصل النسبة والانتساب. فلا يعقل ولا يستقيم إلا أن يكون "عمران" علماً معرفاً بذاته مساوياً لإبراهيم في الظهور والنسبة، هذا هو ظاهر القرآن ومبتنى البحث.

فيظهر لنا ابتداءاً من أنه علم ظاهر مساوٍ لـ "إبراهيم" في الاصطفاء، أن "عمران" صفة لنبيٍّ معروف ظاهر أُبدل اسمه هنا بصفته التي تناسب حاله عند الاصطفاء مع آدم ونوح وإبراهيم.



ثم نجد أن هذه الصفة في هذا النبي العلم ارتبطت صراحةً بـ "مريم"، فهذا النبي كان في القرآن على عهده واسمه الأول حتى إذا كتبت له "مريم" صار "عمراناً"، وصار المعمّر المتطاول في العمر!!.

وإذا أحصينا الـ "آل" في القرآن وجدنا: آل إبراهيم وآل يعقوب وآل لوط وآل موسى وآل هارون وآل داوود وآل فرعون الكافر. فلن يعدو "عمران" – كصفة لنبي كما أسلفنا – أن يكون واحداً من هؤلاء الصالحين، بناءاً على ما ذكرنا من ظهوره ونديته لإبراهيم في الاصطفاء. وإن اخترنا ألا يكون بالضرورة واحداً منهم نعود وننَكِّره، ويعود السؤال نفسه من جديد، من "عمران"، ذلك العلم المجهول؟!

ولا ينفعنا من يرفض قولنا ويسكت, ولكن ينفعنا من إذا رفض قولنا أتى بالدليل, وبيّن لنا من "عمران"!.



وسورة "مريم" – بما أن "مريم" محور الارتباط مع عمران – تشي بهذا النبي بشكل ظاهر. فهذا "زكريا" عليه السلام - الذي كفل "مريم" في سورة "آل عمران" – ها هو يدعو ربه في أول سورة مريم أن يحفظ نسله ونسل "آل يعقوب"!

فلماذا "يعقوب"؟ وهذا مشكلٌ ظاهر، فبين "زكريا" و"يعقوب" نحو من ألف وستمائة عام، صار بينهما بهذه الفترة من الأنساب والذريات ما يصل ذريتيهما، ويجعل من آل يعقوب ذرية كثيرة يبعد معها الانقطاع، فالأولى بزكريا أن يلتفت إلى أقرب آل قبله هو منهم ومن ذريتهم. فأن يرجع إلى آل يعقوب، تماماً كما يرجع أحدنا اليوم بسؤاله لله أن يحفظ نسله ونسل قصي بن كلاب ذلك الجد المتباعد من أجداد النبي محمد عليه الصلاة والسلام.



فلا يبرر سؤال "زكريا" عليه السلام إلاّ أن يكون "يعقوب" أقرب حاضرٍ لـ"زكريا"، حتى إذا توفي "يعقوب" سأل "زكريا" ما سأل. فنحن لم ننس بعدُ أن "زكريا" كان هناك عندما رزق "عمران" بــ "مريم"!!.



وها هو "زكريا" يسأل وقد تطاول به العمر ورأى من قدرة الله ما هو أعجب من حاله هو، رجل بعمر "يعقوب" "متطاول العمر" ويولد له!.





المقابلة الكبيرة..



ويكشف ظننا هذا الآية 58 من سورة مريم إذا قابلناها مع الآية 33 من سورة آل عمران:



)إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين(،

)أولئك الذين أنعم الله عليهم من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل(.



وهذا التسلسل وحده حجة ودليل, فإذا ذكر أحدنا رجالا عظماء ثلاثة, فقال: هارون الرشيد, وصلاح الدين الأيوبي, والسلطان محمد الفاتح.. ثم ترك لنا المجال لذكر رجل رابع معهم... فسترانا بداهة نذهب لرجل عظيم من مستوى الثلاثة السابقين, ولن يستوي أبدا ان نأتي برجل نكرة, أو حتى رجل عظيم على غير خطهم ونسقهم, فحتى إن قال القائل "يونس عليه السلام", فلن تقبل منه, بل الأصح أن يقول مثلا: قتيبة بن مسلم..



فالآيتان تذكران الأنبياء الأربعة



بالتسلسل نفسه، غير أن



"عمران" يبدل بـ "إسرائيل"



الذي هو "يعقوب".





والملاحظ أن "إسرائيل" كاسم لنبي لم ترد إلا في هاتين السورتين: "آل عمران" و"مريم"!. فيكون "اسرائيل" أي يعقوب, عامل الاشتراك والرابط بين السورتين,

فما معنى أن يجمع "إسرائيل" بين



سورتي "آل عمران" و"مريم"؟!.



ولا يُذكر منفردا في سورة



غيرهما أبدا, وهما سورة الأب



وسورة البنت؟!.





ثم إذا كانت سورة آل عمران تذكر ميلاد مريم ونسبها لعمران وكفالة زكريا لها، بشيء من الاقتضاب والاختصار، أليس من السائغ أن نجد هذه الاركان الثلاثة –عمران ومريم وزكريا- بوضوح وشيىء من التفصيل في سورة "مريم"؟، فأين ذكر عمران صراحة في هذه السورة، وهو أولى بها من زكريا الذي كفلها، إلا أن يكون عمران قد ذكر صراحة باسمه وحقيقته المعهودة عند الناس، على لسان زكريا حين دعا بهذه )يرثني ويرث من آل يعقوب(مريم، بهذه يجتمع لنا صراحة ولفظا، زكريا - كافل مريم - وأبوها.. يعقوب!!



"يعقوب".. هل عاش من "يوسف" إلى "مريم"؟!.



أوّل ما يتبادر إلى الذهن، إن كان عمران هو يعقوب، أنه هل "عمّر" يعقوب من عهد ابنه يوسف حتّى رزق بمريم؟!

الظاهر نعم، والله أعلم، والإشارة في القرآن إلى هذا واضحة فـ"آل يعقوب" لم ترد في القرآن إلاّ مرّتين وفي هاتين السورتين بالذات، "يوسف" و"مريم".. أي من يوسف إلى مريم! وفي الآية السادسة بالتحديد في كلتا السورتين، إشارةً إلى حدّين واضحين.. من يوسف إلى مريم!.



آل إبراهيم وآل يعقوب..



)ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوبُ يا بنيّ إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون(. البقرة. فيعقوب من أبناء إبراهيم, فهو ابن اسحق ابن إبراهيم فلماذا هذا التخصيص وهذا الفصل بين يعقوب وأبناء إبراهيم!؟

وما هذا الذي نقرأه في سورة "يوسف" على لسان "يعقوب" حين يقول لابنه "يوسف": )وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحق(.يوسف. أليس "يعقوب" وآل يعقوب جميعاً من آل إبراهيم، فلماذا هذا الفصل مرة أخرى؟ إلا أن يكون آل إبراهيم آلاً، وآل يعقوب آلاً آخرين.. آل إبراهيم وآل عمران!.

وليس في القرآن عند ذكر "إبراهيم" من مثل هذا التجاور والتوالي في الذكر, والفصل في الآل، إلا ما كان من آل إبراهيم وآل يعقوب.. آل إبراهيم وآل عمران.

)أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحق إلها واحداً ونحن له مسلمون، تلك أمة قد خلت، لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون(. البقرة



بعد هذا، نظن والله أعلم بمراده، أن عمران هو إسرائيل عليه السلام، والذي هو يعقوب. امتد به العمر من يوسف وإخوته إلى مريم عليهم السلام!.

بما مر، وأن يكون "يعقوب" و"زكريا" و"مريم" حاضرون في الزمن نفسه والمكان نفسه, وأن يُتوفى يعقوب في زمن زكريا لا في زمن إبراهيم، بهذا كله تصبح الآية أكثر وضوحاً, إذا كانت هذه الأمة قد خلت آخر ما خلت عند "يعقوب" و"زكريا" و"مريم"، أمة حاضرة متصلة بعضها ببعض، تسلم عهدها للمسيح "عيسى بن مريم"، مصدقاً لما بين يديه من التوراة، ومبشراً برسول يأتي من بعهده اسمه "أحمد".



إشارة أخيرة..



نجد سورة البقرة -وهي في موقعها الذي نعلمه من الابتداء- نجدها تذكر بني إسرائيل مباشرة بعد ذكر قصة آدم, فتشير بقوي إلى نزول بني إسرائيل منزلة العقدة في القصص القرآني, مما يلزمنا بالسؤال والالتفات إلى الدخول مباشرة في قصة بني إسرائيل, وذلك بالتتالي المباشر لسورة آل عمران لسورة البدء, سورة البقرة!.



وقد يسأل سائل بعدها: لم لم يقل عليه الصلاة والسلام لنا هذا؟.

فالجواب أنه قال، كونه بلّغ الآيات وتلاها كما أمر الله فقد قال, ولكن السؤال الصحيح، لمَ لم يصرح بهذا، فستجد ساعتها أكثر من جواب لأكثر من اجتهاد، مدارها جميعاً على حديث المعصوم عليه الصلاة والسلام "من سمع منا حديثاً فليبلغه كما سمعه فرب مبلغ أوعى من سامع".. هكذا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

ستجد مبلغاً أوعى من سامع، وفوق كل ذي علم عليم.



وقد يسأل سائل: كيف نفهم آية البقرة {أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه..}, فالآية تشير أن يعقوب قد مات بين بنيه الاسباط إخوة يوسف, ولم يمتد به العمر كما نقول؟.

فنقول: لا.. إن الآية لا تشير إلى ذلك أبدا, بل هي تذكر فقط موت يعقوب, ولا تشير ولا تقطع أبدا متى, وأين, ومن هم بنوه الحاضرون, ومن شاء فليسأل أهل العلم والأصول, إن كانت تقطع أو لا تقطع, فإن أقروه أقررناه!.



كما أن كلمة "بنيه" لا تعني أبدا عصبة محددة بعينها, فكل أحفاد الرجل من بنيه, لغة وقرآنا, بدليل جواب البنين له {نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحق}, كما أن الملة الواحدة تُنزل الناس منزلة الابوة والبنوة, ألسنا على ملة "أبينا إبراهيم", نحن وسائر المسلمين من العرب والعجم سواء بسواء, يستوي بها العربي القح, مع الأعجمي القح؟!.



كما أن الآية حجة لنا لا حجة علينا, فلِمَ لمْ يذكر القرآن حضور الموت لرجل معرف مخصص بعينه إلا يعقوب؟!. فهل كان بعيدا هذا البعد عن الموت, وهل له نبأ خاص مع الموت؟!.

ليجبنا من يجيبنا عن بينة وبرهان!.



وقد يسأل سائل: إذا فعمران بهذا يكون قد تزوج من ذريته, أي من بني إسرائيل, لأن أم موسى من بني إسرائيل, وأم مريم من بني إسرائيل, فكيف يجوز هذا؟!.

فنقول: لا.. فمن قال إن امرأتيه من بني إسرائيل, أأنزل الله بهذا سلطانا؟!. ألم تسلم امرأة فرعون؟. إذا قد تسلم لعمران يعقوب امرأة من غير نسله وبنيه ثم يتزوجها... ومن يصر على خلاف هذا, فليأتنا بشهادة نسب زوجات يعقوب!!.



وقد يسأل سائل: إذا كان زكريا تزوج أخت مريم, وهذا فيه نص عن رسول الله, فيكون زكريا قد تزوج عمته, فكيف هذا؟!.

فنقول: علينا أن نثبت أولا أن زكريا من نسل يعقوب, ومن ذهب ليثبت فلا يأتنا من التوراة بشيء, فإنا لا نصدق غير القرآن والحديث الصحيح..

ولو فرضنا جدلا أن زكريا من بني إسرائيل يعقوب, فعلينا أن نثبت أن الأختين لأب واحد, أي ليعقوب عمران... ولا مانع البتة ولا بأس, أن يكون كل ما علمنا عن أنساب بني إسرائيل من غير القرآن, أن يكون خطأ وتلبيسا, إلا من أحب أن ينتصر للتوراة, ويثبت صحتها وقد أبطلها رسول الله..

ثم إن ثبت أن زكريا من نسل يعقوب, وأن الأختين ابنتا رجل واحد, وهو يعقوب, فقد بقي أن نعلم أن شريعتهم غير شريعتنا, وأن النبي قد يؤمر بأمر لا تشريع فيه يكون له خاصة, فالذي ينسخ الشريعة هو الذي يكتب ما يشاء, وبقي أن نعلم أن الله أباح لأبناء آدم الزواج من أخواتهم من قبل.. فلا تنتصروا لعلوم ليست من الله, بل هي ممن جاز عليهم الكذب والكفران, وقالوا على الله وعلى محمد البهتان, فلا تتخذوهم الآن حجة وبرهانا!.




ماذا نبني على هذا؟



أولاً, لا يعدل أبداً, من يقول: ماذا يفيد هذا, وماذا يعنينا الآن؟, فنقول: هل كان ينفعنا الجهل فيها طول هذا الزمن حتى يضرنا العلم بها اليوم؟.

والمسلمون يتعبدون بالعلم لا بالجهل, بأي أمر كان. والحق أن الأمر عظيم, إذ ماذا سيقول مجمع علماء المسلمين, لوسألهم رجل من أهل الكتاب: من عمران الذي تستفتحون به القرآن؟, هل سيقولون له: لا نعلم غير ما ورد في التوراة والإنجيل, أم سيقولون له: لا يعنينا ولا يعنيك؟.


وهذا السؤال يجاب عنه إذا سألنا أنفسنا لماذا يكشف لنا الآن عن "عمران"؟

إنه إسرائيل، إنه الرجل الأصل، وحلقة الوصل بين أول بني إسرائيل وآخرهم عيسى بن مريم.
إنه أصل الشجرة، وحبة المنبت وعقدة المربط, لملف شائك كملف بني إسرائيل، يوشك أن يغلق ويطوى, ولا يغلق ملف وفيه مجهول!.



إنه التوقيت المناسب إذا كنا نوشك أن نستقبل المسيح عيسى بن ابنة عمران!.



والجواب نفسه يلزمنا فيما سنكتب لاحقاً, عن "لقمان" و "ذي القرنين", فهم أقطاب بني إسرائيل ومفاتيح ملكهم وسرهم, وهما بالحق, "لقمان" و"ذو القرنين", مفاتيح ملك المسلمين وقوتهم, يوشك المسلمون أن يحلوا لغزهم, فيدول الملك كله للمسلمين بقوة ويطوى ملك بني إسرائيل, ويبلغ المسلمون ما بلغ ذو القرنين..

{ويسألونك عن ذي القرنين, قل سأتلو عليكم منه ذكراً, إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا}.