المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تحريك الجماهير من أهم وسائل التغيير



عبدالغفور الخطيب
11-05-2005, 01:49 PM
د. خالد الخالدي

رئيس قسم التاريخ والآثار في الجامعة الإسلامية بغزة

drkkhaldi@hotmail.com

5/10/2005


تحريكُ الجماهير من أهم وسائل التغيير



وصلت الجماهير في معظم أقطار العرب والمسلمين إلى مرحلة من النضج، تمكنها من التمييز بين الغث والسمين، وبين الصالح والطالح، وبين المصلح والمفسد، وباتت تحلم بتغيير واقعها السياسي والاقتصادي السيئ. لكن أحلامها بالتغيير والإصلاح لا يمكن أن تتحقق مهما طال الزمان، إلا إذا تحركت تحركاً جاداً فاعلاً، وانتزعت حقوقها من الظالمين انتزاعاً؛ ولا يمكن أن تتحرك وحدها، ومن تلقاء نفسها، مهما بلغ وعيها، ومهما اشتد الظلم عليها، إذ لا بد من حركة منظمة قوية جادة موثوقة تتولى تحريكها وقيادتها نحو التغيير والإصلاح.

وما سبب سكوت الجماهير عن الظلم والظالمين، والفساد والفاسدين، في ديار العرب والمسلمين، كل هذه السنين، إلا نتيجة لعدم قيام الحركات الكبيرة القوية بواجبها، فقد اكتفت بتوعية الناس، وتعرية الفساد والفاسدين، فتحقق منذ عقود عدة هدفها، ووعت الجماهير، وانكشف الفاسدون، وكرههم الناس، وتمنوا الخلاص من ظلمهم وتسلطهم، لكن هؤلاء الفاسدين لم يتغيروا، وظلوا في سدة الحكم ومراكز السلطة، يمارسون ظلمهم وفسادهم، ولن يتغيروا أبداً ما لم تُكمل هذه الحركات مهمتها، وتبدأ المرحلة التالية، وهي تحريك الجماهير وقيادتها نحو الإصلاح والتغيير. لقد نجحت الجماهير في إيران ورومانيا وأوكرانيا، وفي كثير من دول العالم في إسقاط أنظمة ظالمة، وإزالة طواغيت متجبرين، عندما خرجت إلى الشوارع بالملايين، وأصرت على تحقيق مطالبها، وواجهت أعوان السلاطين، وهي لم تخرج من تلقاء نفسها، بل وجدت من يدعوها وينظمها ويقودها. وجماهير أمتنا لديها من الظلم وأسباب الانتفاض على الفاسدين، ما يجعلها تخرج إلى الشوارع بالملايين، وتطيح بعروش الظالمين، لكنها تنتظر الحركة المخلصة المضحية الجادة، التي تدعوها إلى ذلك، وتكون بقادتها وعناصرها في المقدمة.

لقد انتفض الناس في فلسطين سنة 1987، بعد مرحلة من النوم العميق، عندما رأوا قادة وأبناء الحركة الإسلامية في مقدمة الصفوف، يواجهون اليهود بصدورهم وحجارتهم، ويدعون الجماهير إلى المشاركة معهم؛ ورفع الناس راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، وتخلقوا بأخلاق الإسلام، عندما رأوا أبناء هذه الحركة يرفعون هذه الراية، ويلتزمون بهذه الأخلاق، ولو بقيت الحركة تربي، وتتحدث عن فضائل الجهاد، دون أن تدعو إليه وتمارسه، لصفيت قضية فلسطين منذ مدة طويلة، ولتحققت أحلام الأعداء، ولانفض الناس عن الحركة الإسلامية، ولضاعت الأجيال، وفقدت كل معاني الرجولة والفضيلة، التي يتميز بها شباب فلسطين اليوم.

إنني لا ألوم جماهير الأمة على موقفها السلبي من المجازر التي ارتكبها اليهود في فلسطين، ولا ألومها على عدم خروجها في مسيرات أو مظاهرات عارمة، لنصرة المسجد الأقصى المهدد بالحرق، ولا ألومها على موقفها السلبي من الهجوم الصليبي على العراق، ولا على سكوتها عن المجازر التي يرتكبونها يومياً هناك، وإنما ألوم في ذلك كله قادة وأبناء الحركات الإسلامية والوطنية، وجمهور العلماء والمثقفين، لأنهم لم يحرضوا الناس، ولم يدعوهم إلى مظاهرات مليونية، يكونون في مقدمتها، مهما كلفهم ذلك من ثمن. إذ من المستحيل أن يخرج الناس هكذا، بلا دعوة ولا تحريض ولا تنظيم، ومن غير الممكن أن يتحرك العوام وحدهم، في الوقت الذي يسكت فيه العلماء والمثقفون وقادة الحركات. لقد كانت أمريكا تتوقع تحركهم وتخشاه، خوفاً على مصالحها ومستقبلها في المنطقة، لكنها تشجعت عندما وجدت كثيراً من الحركات والعلماء والمثقفين يراقبون الاستعدادات الأمريكية ببلادة وعدم مسئولية، ولا يشغلهم إلا الدعاية الأمريكية، عن الظلم والمقابر الجماعية، وهل يستحق صدام ما ستفعله به أمريكا أم لا؟! وكأن القضية قضية صدام، مثلما صورت لهم أمريكا، وإعلامنا العربي الرسمي المضلل المنهزم.

لقد جربت الحركة الإسلامية محاربة الطواغيت بالمواجهة العسكرية في أكثر من قطر عربي، لكنها فشلت، بسبب أن هذه الأنظمة تدفع جنودها الذين هم جزء من الشعب لمواجهة الثائرين، فيقتل أبناء المسلمين بعضهم بعضاً، فتتحرج الجماهير من مناصرتهم، والوقوف بقوة إلى جانبهم. لكن الحركة الإسلامية في المنطقة العربية لم تجرب التغيير والإصلاح عن طريق المظاهرات المليونية، التي تستمر وتتواصل حتى تتحقق إرادة الجماهير، ولم تجرب العصيان المدني، الذي يمكن أن يشل الأنظمة ويجبرها على التغيير والإصلاح، وإن ما يهدد به المرشد العام للإخوان المسلمين في مصر، في هذه الأيام، من عصيان مدني، لهو عين الصواب، والوسيلة الأنجع للتغيير والإصلاح، ووقف التهميش الذي يمارس ضدها منذ عقود عدة، بالرغم من منهجها المعتدل.

لكن المشكلة التي تواجه الحركات الإسلامية وغيرها من الحركات الوطنية في عالمنا العربي هي انخفاض شعبيتها، وفقدانها ما كانت تتمتع به من قدرة على تحريك الجماهير، وذلك لأسباب عدة، أهمها قلة التبني العملي من هذه الحركات في العقدين الأخيرين، لهموم الناس وقضايا الأمة المصيرية، كقضايا فلسطين والعراق ومحاربة التطبيع مع اليهود، فقد سكتت هذه الحركات في مواقف مفصلية، كانت جماهيرها تنتظر منها أن تفعل فيها الكثير، وتقودها نحو التغيير. وهي مشكلة يمكن أن تتجاوزها الحركات الإسلامية بسرعة، إذا ما انتبهت لهموم الجماهير، وحرصت أن تكون لها بمثابة الضمير، لأنها تملك تاريخاً ناصعاً، وقادة صادقين، وعناصر مخلصة راغبة في الإصلاح والتغيير.

أما في فلسطين فإن الأمر مختلف، حيث تتمتع الحركة الإسلامية بشعبية واسعة، اكتسبتها من خلال عمل دءوب، ومواقف ناصعة، وتضحيات كثيرة، ودماء عزيزة غزيرة، وهي تستطيع لو أرادت، أن تُخرج من قطاع غزة وحده، مظاهرة من نصف مليون، يدل على ذلك ما شاهده العالم في جنائز قادة الحركة الذين اغتالهم العدو، إذ كان العدد يقدر بمئات الألوف، بالرغم من إغلاق الجنوب والشمال، كما يدل عليه نسب فوزها الكبيرة في انتخابات البلديات الأخيرة. وإن الحركة التي تملك هذه الجماهير المخلصة المضحية، قادرة –ببساطة- أن تحركها وتقودها لتحقق مصالح الناس، فتسقط وزيراً فاسداً، سرق التبرعات التي جاءت إلى أبناء شعبه المنكوبين، وأدخل أغذية فاسدة تسمم أهله وأبناء وطنه، أو تطيح بمسئول استغل منصبه لجمع ملايين الدولارات من خلال الرشاوى والبلطجة، وتباهى بالاعتداء على الأعراض والحرمات، أو تلغي قانوناً يشرع الزنا واللواط إذا كان بالتراضي، أو توقف احتكاراً -من أشخاص لا يشبعون ولا يستحون- لسلع مهمة، جعلت بلادنا الأغلى أسعاراً في العالم العربي، بالرغم من شدة فقر أهلها، أو تضع حداً لأسعار فواتير الكهرباء والماء والتلفون، التي فاقت الخيال، أو توقف تفريطاً في الأرض والمقدسات، فتنال بصلاحها وإصلاحها الرضوان والرحمات، ومزيداً من الثقة والمحبة وخالص الأمنيات.