المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : معارك عباس والقدومي...



منصور بالله
09-05-2005, 11:47 AM
معارك عباس والقدومي
2005/05/08

عبد الباري عطوان
ما يجري في مناطق السلطة الفلسطينية هذه الايام من احداث يبعث علي الخجل، فلا شيء يسير في الاتجاه الصحيح، باستثناء الصمود الشعبي، وبات الارتباك الرسمي هو عنوان هذه المرحلة علي الصعد كافة، بينما المواطن الفلسطيني يبحث في صناديق قمامة المستوطنات عن كسرة خبز، او بقايا ملابس لستر عورة اطفاله واهل بيته.
انتخابات بلدية جرت منذ بضعة ايام، كان من المفترض ان تعلن نتائجها يوم الجمعة الماضي، ولكن الاعلان تأجل بسبب الشكاوي من كل الاطراف. ومن المفارقة ان الطابع المميز لكل الانتخابات العربية، سواء تحت الاحتلال، او تحت الدكتاتورية، هو شكوي المعارضة من التزوير الا في الحالة الفلسطينية، فقد اشتكت السلطة من تزوير المعارضة للانتخابات، الامر الذي يكشف مدي هزالة هذه السلطة وضعفها.
البلبلة لم تقتصر فقط علي الانتخابات ونتائجها وانما امتدت ايضا الي مسألة مزمنة لا نعتقد انها ستجد حلا في زماننا، وهي مسألة الاصلاحات في السلك الدبلوماسي الفلسطيني. فالسيد محمود عباس استصدر قرارا من اللجنة التنفيذية التي يرأسها بتكليفه بمنصب رئيس فلسطين، حتي ينتزع صلاحية تعيين السفراء، ويسحب هذه الورقة من خصمه فاروق قدومي رئيس الدائرة السياسية الذي فضل الاقامة في تونس علي العودة الي الارض المحتلة تحت سقف اتفاقات اوسلو التي عارضها.
السفارات الفلسطينية في الخارج باتت في معظمها عنوانا للفساد والبيروقراطية والتكلس، واصبحت عبئا علي الشعب الفلسطيني، مثلما هي عبء علي الدول التي تتواجد فيها. ولذلك فان الاصلاح بات مطلبا حتميا، ولكن كيف يتم هذا الاصلاح وعلي اي اسس؟
عملية الاصلاح هذه باتت صعبة بل مستحيلة، بسبب الخلاف الابدي بين السيدين قدومي وعباس، فكل واحد منهما يعتقد انه وحده يملك الصلاحية في تغيير السفراء، او احالة بعضهم الي المعاش، وفشلت كل الوساطات في ايجاد حل لهذه المعضلة.
قدومي هو رئيس الدائرة السياسية لمنظمة التحرير، مثلما هو رئيس لحركة فتح الحزب الحاكم، وهو معني من قبل المجلس الوطني الفلسطيني، ولذلك يعتقد ان تعيين القدوة وزيرا للخارجية امر مخالف لقوانين المنظمة، مثلما هو مخالف لاتفاقات اوسلو التي لا تنص مطلقا علي تمثيل دبلوماسي للسلطة.
عباس يعتقد انه رئيس السلطة الذي يستقبل السفراء الاجانب ويقبل اوراق اعتمادهم، وان هؤلاء اصبحوا سفراء لدي السلطة وليس لدي منظمة التحرير، ولهذا يريد ان يلغي هيمنة خصمه الاول علي هذه المسألة بفرض الامر الواقع.
قدومي ملام لانه سكت علي فضائح السفراء الفلسطينيين علي مدي ثلاثين عاما ولم يغير ايا منهم، بما في ذلك الفاسدون وتجار العملة، والمزمنون الذين ثبتوا مبدأ الخلافة في السفارات، واصبحوا ينافسون الزعماء العرب في هذا الخصوص. وعندما مدت السلطة رجلها، وقررت وضع حد لهذا الوضع المخجل تحرك السيد قدومي وبدأ يصدر القرارات بالاحالة الي التقاعد.
الدكتور القدوة شخص كفء ونظيف، ولكن اصلاحاته ما زالت تتبع معايير قديمة لا تعكس الواقع الفلسطيني الجديد. فهو يريد مثلما تسرب من انباء اعادة تدوير المواقع والشخصيات، واحتكار حركة فتح وحدها للمناصب الدبلوماسية.
الانتخابات الفلسطينية، الرئاسية والبلدية اثبتت ان هناك قوي علي الارض تحظي بتمثيل ثلثي الشعب الفلسطيني، اي ان حزب السلطة يمثل ثلث هذا الشعب، فهل نري انعكاسا لهذه المعادلة الجديدة علي السلك الدبلوماسي ومناصب السفراء، ام ان هذه المناصب ستظل حكرا علي مجموعة معينة من الوجوه القديمة المترهلة؟
وحتي لو تم تخصيص النصيب الاكبر من المناصب الدبلوماسية لحركة فتح ، وهي حركة وطنية حملت عبء المقاومة علي مدي ثلاثين عاما بكفاءة ونجاح، هل نري وجوها شابة متعلمة نشطة من الحركة في مواقع الصدارة الدبلوماسية، وضخ دماء جديدة في السفارات خاصة في الدول العربية واوروبا؟
انجازات السيد عباس تبدو محدودة علي اكثر من صعيد، والشيء الوحيد الذي يسجل له هو رفضه نزع اسلحة المقاومة بالقوة، مثلما يطالب ارييل شارون، ولكن ما يجعلنا نتردد كثيرا في التوقف بالثناء عند هذه الايجابية هو اقدام مجموعات من الامن الفلسطيني علي اعتقال بعض رجال المقاومة، بحجة التخطيط لاطلاق صواريخ علي المستعمرات الاسرائيلية شمال قطاع غزة.
هدنة شرم الشيخ انهارت، واسباب الانهيار اسرائيلية، فالقوات الاسرائيلية اخترقت هذه الهدنة عندما قتلت ثلاثة شبان فلسطينيين في رفح، وآخرين في نابلس وطولكرم، وبالامس اكد شارون انه لن يفرج عن اربعمئة اسير فلسطيني وعد بالافراج عنهم.
السيد عباس يراقب ما يجري بصمت، ولا يريد ان يُغضب احدا، والنتيجة انه يخسر بشكل متسارع هيبته، مثلما يخسر تأييد الشارع الفلسطيني في المؤتمرات الدولية التي يدعي اليها ويشارك فيها.
مسائل كثيرة باتت معلقة دون اي حل حاسم بسبب ضعف السيد عباس، وتغييب المؤسسات الفلسطينية، فقانون انتخابات المجلس التشريعي ما زال ينتظر التوقيع، وازمة بطريارك طائفة الروم الارثوذكس ارينيوس الاول المتهم ببيع اوقاف الكنيسة لليهود تعيش حالة من البلبلة، والرئيس الفلسطيني يتصرف تجاهها وكأنه شخص آخر غير معني بهذه المسألة الخطيرة التي تعتبر من صميم مهامه. اما المؤامرات علي المسجد الاقصي فلم تتوقف. وفوق هذا وذاك هناك اكثر من قضية فساد تزكم روائحها الانوف وعلي رأسها بيع حصة السلطة في اسهم شركة الهاتف المحمول.
المعركة بين قدومي وعباس ستستمر لانه لا توجد مرجعية فلسطينية قادرة علي البت فيها. فاللجنة التنفيذية التي عينت السيد عباس رئيسا فاقدة الشرعية منذ آخر اجتماع قانوني للمجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر قبل خمسة عشر عاما. والشيء نفسه يقال عن المجلس التشريعي، والمجلس المركزي، وكل المؤسسات الفلسطينية.
السيد عباس ربما يكسب المعركة لانه يملك المال، مثلما يملك دعم امريكا واوروبا وكل الحكومات العربية، اما السيد قدومي فلا يملك الا اصدار البيانات عن بعد. والخاسر الوحيد هو الشعب الفلسطيني.
المخرج الوحيد هو الاتفاق علي حل هذه السلطة، والعودة الي منظمة تحرير جديدة. ففلسطين ما زالت محتلة، والقضية الفلسطينية عادت الي المربع الاول، وكل ما يجري الحديث عنه حاليا من حكومة ووزراء هو مجرد وهم. السفراء الجدد يجب ان يكونوا سفراء قضية وليس سفراء سلطة وهمية، اي ان يكونوا سفراء مناضلين وليس سفراء حفلات الكوكتيل وعروض الازياء.
الشعب الفلسطيني يجوع، ويتسول الفتات، والافضل له ان يجوع بكرامة، ان يجوع وهو يقاتل من اجل حقه، وليس في ظل سلطة لا تحكم، ومؤسسات مغيبة وغير شرعية، وقيادات تتقاتل علي تغيير سفير او تعيين قنصل لدولة موجودة في الخيال فقط.

*********************
بدون تعليق!!!!!!!