منصور بالله
02-05-2005, 12:30 PM
الغليان المصري وتداعياته
2005/05/01
عبد الباري عطوان
اثبت الهجوم المزدوج الذي استهدف السياح الاجانب في قلب مدينة القاهرة ان التيار الجهادي المصري بدأ يطل برأسه مجدداً ، ويؤكد وجوده وخطورته، مثلما اثبت ان عملية خان الخليلي التي وقعت في السابع من الشهر الماضي لم تكن عملية فردية معزولة، مثلما أوحت السلطات المصرية كعادتها دائماً في ممارسة التضليل، وتزوير الحقائق، وهو الاسلوب الذي برعت فيه علي مدي الثلاثين عاماً الماضية.
الهجوم المذكور لـــم يكن من فعل عائلة صغيرة، وان كان المشاركون، رجل وشقيقته وخطيبته، يرتبـــطون بصـــلة القـــرابة والنسب، وانما هــــو انعكاس خطـــير لظاهــــرة احتقان متفاقمة للعائلة المصرية الممتدة من اقصي جنوب مصر حتي طابا في الشمال، عائلــــة يبلغ تعــــداد افرادها اكثر من سبعين مليون نسمة.
مصر مريضة، بل هي في غرفة العناية المركزة، ومرضها في رأسها، والاوعية المحيطة به، وهي اوعية فاســــــدة متعفنة، تستعصي علي كل انواع العلاج، وما نـــراه حالـــياً من تفجـــــيرات وهجمات مجرد اعراض جانبية، في انتظار اعلان الوفاة رسمياً، وبدء مرحلة التغيير الشامل.
عندما يصل الامر بفتاتين منقبتين في عمر الزهور لحمل السلاح والهجوم علي حافلة للسياح الاجانب، فإن هذا امر خطير يؤكد ان الكيل قد طفح، وان الصبر المعهود بابناء الشعب المصري قد نفد، وان الانفجار الكبير قادم لا محالة.
نحن لا نقر قتل السياح الاجانب، وتخريب الاقتصاد المصري، وحرمان البلاد من دخل سنوي يصل الي ثلاثة مليارات دولار هي في امس الحاجة اليه، ولكننا لا نقر في الوقت نفسه القتل البطيء لمصر وشعبها ودورها ومكانتها، وهو قتل اخطر بكثير من الهجوم علي حافلة للسياح.
النظام المصري الحاكم نجح في القضاء علي التيار الجهادي الاسلامي في الثمانينات باستخدام الحلول الامنية الشرسة، والمحاكم العرفية، وحملات الاعتقال التي شملت مئات الالاف. ووجد الدعم والمساندة، سواء بالمال أو الصمت، من قبل الولايات المتحدة والدول الغربية ومعظم العربية، لان البيت الابيض كان بحاجة الي مصر والي ثقلها في اطار استعداداته لتدمير العراق لانهاء القوة العربية الوحيدة القادرة علي تحقيق التوازن العسكري مع الدولة العبرية.
وبدلاً من ان يتعلم من دروس الآخرين ويعزز الحلول الامنية بحلول سياسية واجتماعية موازية، تقضي علي الفساد، وتؤسس لحياة ديمقراطية حقيقية، واحترام كامل للحريات، والغاء قوانين الطواريء، وتأكيد استقلال القضاء ونزاهته، استمرأ النظام الحاكم هذا الانتصار، وسكر حتي الثمالة في نشوته، واطلق العنان لبطانته لسرقة عرق الشعب المصري، ونهب اموال المساعدات الخارجية وتحويلها الي مصارف خارجية، حتي جاء من يقدر الارصدة المصرية في البنوك الاجنبية بما هو اكثر من ثلاثمئة مليار دولار.
النخـبة السـياسية والثقـافية المصرية، او معظمها علي وجه التحـديد، ساهمــت بشـكل كبــير في تضخــيم حـال الاحتـقان، وتغـول الفساد والقمع، عندما نافقـت النظـام وغطـت علي عـيوبه ومفاسده، من اجـل مصـالح صغـيرة ضيـقة. ولــولا حركة كفــاية، لما سمعنا مثقــفاً مصـرياً واحــداً من الداخــل يقــول للرئيس انت عار حتي من ورقة التوت.
لقد شاهدنا اعظم عملية نفاق في تاريخ مصر عبر شاشات التلفزة قبل اسبوع، عندما جري تقديم رأس النظام بطريقة ساذجة ولاكثر من سبع ساعات لم تقنع احداً.
الذين شاركوا في اعداد مهرجان النفاق هذا وتقديمه لم يجدوا حسنة او انجازاً واحداً يمكن ان يتحدثوا عنه طوال ربع قرن من حكم الرئيس فعادوا الي الماضي الي ثلاثين أو اربعين عاماً مضت لينقبوا عن مآثره وبطولاته العسكرية، وصوروه علي انه صانع جميع الانتصارات وحده.
جذور العنف في مصر بدأت تنمو، وتورق، وتعطي ثمارها الدموية المرة. وهجوم القاهرة المزدوج هو أحد تفرعاتها. وما نخشاه ان تتحول البلاد الي غابة من الفوضي. فنواطير مصر مغرقة في النوم، ولا تريد ان تصحو ابداً.
الشعب المصري يملك صبر الجمال، ولكنه اذا ثار او غضب لن يستطيع أحد الوقوف في طريقه، ويبدو ان مؤشرات غضبته هذه بدأت تظهر للعيان، والشعب المصري مثل معظم الشعوب العربية، بات يشعر بالاهانة والاذلال، ولم يعد قادراً علي تحمل المزيد منهما. فما يجري في العراق من قتل وتدمير وتزوير واحتلال يهمه.. وما يحدث في فلسطين من مجازر وانتهاكات لحرمة المقدسات ايضا يهمه.
اهم نقطة تميز حال الشعب المصري بالمقارنة مع غيره من الشعوب العربية انه ينتمي الي دولة رائدة صاحبة دور تاريخي، ولكنها باتت دولة مهملة مهمشة، وتحكمها عصابة مرتشية فاسدة، ومتهافتة عند اقدام الاسرائيليين المعتدين.
البركان المصري بدأ يطلق حممه، وهذه الحمم لن تتوقف عند حدود مصر، بل ستتعداها الي معظم دول الجوار. فمصر هي التي صدرت الينا الشيوعية والاشتراكية والثورات العسكرية، والقومية العربية، وهي قطعاً التي ستنطلق منها ارهاصات التغيير الحقيقي الذي سيضع حداً لكل الانهيار الحالي في المنطقة.
عملية القاهرة المزدوجة، وقبلها عملية خان الخليلي، وقبلهما هجوم طابا، كلها محطات مهمة، ربما تكون بداية عملية صياغة جديدة للمنطقة بأسرها.. وربما تكون بداية الفوضي الدموية ايضاً التي سيتلوها الاستقرار الحقيقي القائم علي المساواة والعدالة والشفافية والديمقراطية الوطنية المأمولة.
2005/05/01
عبد الباري عطوان
اثبت الهجوم المزدوج الذي استهدف السياح الاجانب في قلب مدينة القاهرة ان التيار الجهادي المصري بدأ يطل برأسه مجدداً ، ويؤكد وجوده وخطورته، مثلما اثبت ان عملية خان الخليلي التي وقعت في السابع من الشهر الماضي لم تكن عملية فردية معزولة، مثلما أوحت السلطات المصرية كعادتها دائماً في ممارسة التضليل، وتزوير الحقائق، وهو الاسلوب الذي برعت فيه علي مدي الثلاثين عاماً الماضية.
الهجوم المذكور لـــم يكن من فعل عائلة صغيرة، وان كان المشاركون، رجل وشقيقته وخطيبته، يرتبـــطون بصـــلة القـــرابة والنسب، وانما هــــو انعكاس خطـــير لظاهــــرة احتقان متفاقمة للعائلة المصرية الممتدة من اقصي جنوب مصر حتي طابا في الشمال، عائلــــة يبلغ تعــــداد افرادها اكثر من سبعين مليون نسمة.
مصر مريضة، بل هي في غرفة العناية المركزة، ومرضها في رأسها، والاوعية المحيطة به، وهي اوعية فاســــــدة متعفنة، تستعصي علي كل انواع العلاج، وما نـــراه حالـــياً من تفجـــــيرات وهجمات مجرد اعراض جانبية، في انتظار اعلان الوفاة رسمياً، وبدء مرحلة التغيير الشامل.
عندما يصل الامر بفتاتين منقبتين في عمر الزهور لحمل السلاح والهجوم علي حافلة للسياح الاجانب، فإن هذا امر خطير يؤكد ان الكيل قد طفح، وان الصبر المعهود بابناء الشعب المصري قد نفد، وان الانفجار الكبير قادم لا محالة.
نحن لا نقر قتل السياح الاجانب، وتخريب الاقتصاد المصري، وحرمان البلاد من دخل سنوي يصل الي ثلاثة مليارات دولار هي في امس الحاجة اليه، ولكننا لا نقر في الوقت نفسه القتل البطيء لمصر وشعبها ودورها ومكانتها، وهو قتل اخطر بكثير من الهجوم علي حافلة للسياح.
النظام المصري الحاكم نجح في القضاء علي التيار الجهادي الاسلامي في الثمانينات باستخدام الحلول الامنية الشرسة، والمحاكم العرفية، وحملات الاعتقال التي شملت مئات الالاف. ووجد الدعم والمساندة، سواء بالمال أو الصمت، من قبل الولايات المتحدة والدول الغربية ومعظم العربية، لان البيت الابيض كان بحاجة الي مصر والي ثقلها في اطار استعداداته لتدمير العراق لانهاء القوة العربية الوحيدة القادرة علي تحقيق التوازن العسكري مع الدولة العبرية.
وبدلاً من ان يتعلم من دروس الآخرين ويعزز الحلول الامنية بحلول سياسية واجتماعية موازية، تقضي علي الفساد، وتؤسس لحياة ديمقراطية حقيقية، واحترام كامل للحريات، والغاء قوانين الطواريء، وتأكيد استقلال القضاء ونزاهته، استمرأ النظام الحاكم هذا الانتصار، وسكر حتي الثمالة في نشوته، واطلق العنان لبطانته لسرقة عرق الشعب المصري، ونهب اموال المساعدات الخارجية وتحويلها الي مصارف خارجية، حتي جاء من يقدر الارصدة المصرية في البنوك الاجنبية بما هو اكثر من ثلاثمئة مليار دولار.
النخـبة السـياسية والثقـافية المصرية، او معظمها علي وجه التحـديد، ساهمــت بشـكل كبــير في تضخــيم حـال الاحتـقان، وتغـول الفساد والقمع، عندما نافقـت النظـام وغطـت علي عـيوبه ومفاسده، من اجـل مصـالح صغـيرة ضيـقة. ولــولا حركة كفــاية، لما سمعنا مثقــفاً مصـرياً واحــداً من الداخــل يقــول للرئيس انت عار حتي من ورقة التوت.
لقد شاهدنا اعظم عملية نفاق في تاريخ مصر عبر شاشات التلفزة قبل اسبوع، عندما جري تقديم رأس النظام بطريقة ساذجة ولاكثر من سبع ساعات لم تقنع احداً.
الذين شاركوا في اعداد مهرجان النفاق هذا وتقديمه لم يجدوا حسنة او انجازاً واحداً يمكن ان يتحدثوا عنه طوال ربع قرن من حكم الرئيس فعادوا الي الماضي الي ثلاثين أو اربعين عاماً مضت لينقبوا عن مآثره وبطولاته العسكرية، وصوروه علي انه صانع جميع الانتصارات وحده.
جذور العنف في مصر بدأت تنمو، وتورق، وتعطي ثمارها الدموية المرة. وهجوم القاهرة المزدوج هو أحد تفرعاتها. وما نخشاه ان تتحول البلاد الي غابة من الفوضي. فنواطير مصر مغرقة في النوم، ولا تريد ان تصحو ابداً.
الشعب المصري يملك صبر الجمال، ولكنه اذا ثار او غضب لن يستطيع أحد الوقوف في طريقه، ويبدو ان مؤشرات غضبته هذه بدأت تظهر للعيان، والشعب المصري مثل معظم الشعوب العربية، بات يشعر بالاهانة والاذلال، ولم يعد قادراً علي تحمل المزيد منهما. فما يجري في العراق من قتل وتدمير وتزوير واحتلال يهمه.. وما يحدث في فلسطين من مجازر وانتهاكات لحرمة المقدسات ايضا يهمه.
اهم نقطة تميز حال الشعب المصري بالمقارنة مع غيره من الشعوب العربية انه ينتمي الي دولة رائدة صاحبة دور تاريخي، ولكنها باتت دولة مهملة مهمشة، وتحكمها عصابة مرتشية فاسدة، ومتهافتة عند اقدام الاسرائيليين المعتدين.
البركان المصري بدأ يطلق حممه، وهذه الحمم لن تتوقف عند حدود مصر، بل ستتعداها الي معظم دول الجوار. فمصر هي التي صدرت الينا الشيوعية والاشتراكية والثورات العسكرية، والقومية العربية، وهي قطعاً التي ستنطلق منها ارهاصات التغيير الحقيقي الذي سيضع حداً لكل الانهيار الحالي في المنطقة.
عملية القاهرة المزدوجة، وقبلها عملية خان الخليلي، وقبلهما هجوم طابا، كلها محطات مهمة، ربما تكون بداية عملية صياغة جديدة للمنطقة بأسرها.. وربما تكون بداية الفوضي الدموية ايضاً التي سيتلوها الاستقرار الحقيقي القائم علي المساواة والعدالة والشفافية والديمقراطية الوطنية المأمولة.