الفرقاني
29-04-2005, 08:12 PM
القضاء على المقاومة.. حلم بعيد المنال
تقارير رئيسية :عام :الأربعاء 18 ربيع الأول 1426هـ - 27 أبريل 2005م
جنرال أمريكي لصحيفة 'بوسطن جلوب': هجمات المقاومة وصلت إلى مائتي هجمة يوميًا في بعض الأحيان
مفكرة الإسلام: بعد إعلان الجيش الأمريكي تحقيقه لنجاحات ملموسة على المقاومة العراقية مما يمهد لسحب جزء كبير من قواته من العراق، أكد الكثير من الخبراء العسكريين أن القضاء على المقاومة العراقية لا يزال 'حلم بعيد المنال'، وأن المقاومة قد استعادت قوتها وحيويتها وطورت من أساليبها وتكتيكاتها، وربما تتبنى أسلوبًا جديدًا في القتال وهو الهجوم بعدد كبير من الأفراد دفعة واحدة، كما حدث في الهجومين على سجن أبو غريب وقاعدة المارينز بحصيبة، كما أثبتت خطورتها في استخدام الأسلحة الخفيفة والعبوات الناسفة والكمائن.
فبعد أسابيع قلائل من التنبؤ المفرط في التفاؤل من القادة العسكريين الأمريكيين بأن المقاومة العراقية قاربت على التلاشي بسبب انخفاض عدد الهجمات اليومية مقارنة بمثيلاتها في أوقات سابقة، إلا أن أولئك القادة أنفسهم باتوا مقتنعين الآن من أن آراءهم كانت خاطئة، وأن الوضع الحالي لا يشير إلى تضاؤل المقاومة، بل اشتداد عودها مرة ثانية.
فقد أكد الكاتب الأمريكي برايان بيندر في صحيفة 'بوسطن جلوب' الأمريكية الأحد 24 أبريل أن مسئولي الجيش الأمريكي الآن يعتقدون أن التنسيق الكبير والتعقيد في الهجمات التي شنتها المقاومة والتي ظهرت جلية في الأسابيع الأخيرة تعني أن المقاومة نجحت في تغيير تكتيكاتها، وليست كما تنبأ البعض بأنها قد ذابت أو استسلمت.
وقد خلص جون كين الجنرال الأمريكي المتقاعد وأحد قادة حرب فيتنام والذي عاد مؤخرًا من مهمة تقصي الحقائق في العراق إلى أن 'أحد أهم نواحي قوة المقاومة العراقية هي قدرتها على إعادة تشكيل ذاتها وتجميع صفوفها، وتجديد دمائها بالمتطوعين الجدد، فقد قتلت الولايات المتحدة الآلاف واعتقلت أعدادًا أكثر من ذلك بكثير، [ربما غالبيتهم ليسوا من رجال المقاومة ولكن من المدنيين كما أشارت الكثير من التقارير]، ولكنهم لا يزالون قادرين على إعادة تجميع صفوفهم، ولا يزالون يشنون هجمات على القوات الأمريكية في البلاد'.
ويشير الكاتب توم ريجان في مقال له في جريدة الكريستيان ساينس مونيتور الأمريكية إلى أن أولئك الخبراء في العسكرية يعتقدون أيضًا أن المقاومة 'تشن هجمات وغارات متواصلة على المتعاونين مع الاحتلال الأمريكي في العراق'، وأن نتيجة ذلك هو أن الولايات المتحدة لن تستطيع تقليل أعداد قواتها بالعراق بالسرعة التي تمناها البعض في وزارة الدفاع الأمريكية في تصريحاتهم التي صدرت مؤخرًا.
وقد أوردت جريدة 'وول ستريت جورنال' الخميس الماضي 21/4 أن التحليل العسكري الداخلي للجيش الأمريكي، والذي كان موجهًا إلى القوات التي تستعد للذاهب إلى العراق لإعدادهم لنوع المخاطر التي سيواجهونها، قد خلص إلى أن أعداد الهجمات في الأشهر الأخيرة لم تقل بصورة حادة، ولكن المقاومة ركزت فيها على قوات الشرطة والجيش الموالين للاحتلال في العراق.
وقد فصّل تقرير الجيش الأمريكي أكثر تكتيكات المقاومة فاعلية، وجاء على رأسها الأسلحة الخفيفة للمقاومة، مثل AK-47 أو الرشاشات الآلية الأخرى، والتي تمثل أكبر التهديدات على أفراد الشرطة والجيش العراقيين الموالين للاحتلال، وليس العبوات الناسفة. ويقول التقرير أن 'إطلاق النيران من الأسلحة الخفيفة في المواجهات القريبة يعد التكتيك الأول للمقاومة والذي يوقع أكبر عدد من الجرحى والقتلى'، كما أن قوات الجيش والشرطة العراقيين الذين في بعض الأحيان يسيرون في دوريات في شوارع العراق على شاحنات بيضاء غير مصفحة يعدون أكثر عرضة وأسهل اختراقًا أمام هجمات المقاومة من الأسلحة الخفيفة.
كما أكد التقرير على أن المقاومة تستخدم تكتيكًا آخر بصورة موسعة، وهو العبوات الناسفة التي يتم التحكم فيها آليًا عن بعد ثم إتباعها بالكمائن، وقد أورد التقرير إحدى الهجمات التي استخدم فيها رجال المقاومة قنبلة تم تفجيرها بجهاز التحكم عن بعد من أجل إيقاف سير قافلة من المتعاقدين مع أحدى الشركات الأمنية، وعندما خرج المتعاقدون من سياراتهم لتقييم حجم الخسائر انقضت عليهم المقاومة وبدأت في إطلاق نيرانها عليهم، [لم يورد التقرير عدد القتلى والجرحى]، ووصف التقرير هذا التكتيك بأنه 'هجوم منظم' معد له بصورة جيدة من رجال المقاومة، مشيرًا إلى أن رجال المقاومة يقومون بإخلاء جرحاهم قبل مغادرة مواقع الكمائن.
كما أكدت جريدة 'بلفاست تيليجراف' الإيرلندية عجز القوات الأمريكية والعراقية الموالية لها على قمع هجمات المقاومة، وخاصة في بغداد، وسلطت الضوء على أصداء ذلك الفشل على سكان بغداد. فعجز القوات الأمريكية عن تأمينها لما يسمى بـ 'طريق الموت' وهو الطريق الواصل ما بين بغداد ومطارها وطوله 7 أميال، إضافة إلى عجزها عن تأمين مواقع القواعد العسكرية الرئيسية للاحتلال الأمريكي في المنطقة قد أصبح رمزًا لعجز وفشل الولايات المتحدة في العراق، ويرى المواطنون في بغداد أن القوات الأمريكية المدججة بالسلاح والتي تسير في دوريات في الشارع مذعورة وتطلق النار بعشوائية على أي شيء يتحرك والتي لا يمكن التنبؤ بها 'هي الخطر الأساسي على السكان في بغداد'.
كما أوردت جريدة الواشنطن بوست الأمريكية أن الكثير من هجمات المقاومة العراقية مرت بدون أن تحرك لها القوات العراقية ساكنًا، وبنجاح كبير للمقاومة على القوات الموالية للاحتلال الأمريكي، وبخاصة في المناطق الواسعة في البلاد التي تتحكم فيها المقاومة، كما كشفت الجريدة أن القادة العسكريين الأمريكيين يتناقلون فيما بينهم في سرية آراءهم التي تتمحور حول أن 'المقاومة في العراق تزداد قوة وشدة'.
كما أورد 'راديو فري برس' أن وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس ونائب الرئيس دك تشيني كانا يمارسان ضغوطًا كبيرة على السياسيين الجدد في العراق من الشيعة والأكراد لكي يصلوا إلى اتفاق وتشكيل حكومة جديدة من أجل بسط المزيد من السيطرة على الجيش والشرطة للدفع في اتجاه الضغط على المقاومة، كما أوردت جريدة التايمز اللندنية أن رئيس الوزراء المؤقت إياد علاوي والكتلة الكردية في البرلمان الجديد 'عازمون على التخلص من إبراهيم الجعفري وعدم قبوله كرئيس للوزراء'، وإفشال مساعيه لتكوين حكومة جديدة.
ولا يتبقى أمام الجعفري سوى بضعة أيام لتشكيل حكومته قبل الموعد النهائي في السابع من مايو القادم، وإلا فقد المنصب ليفتح المجال لشيعي آخر في محاولة تشكيل الحكومة، وتتوقع التايمز أن تلك المعضلة السياسية الأخيرة تصب في المقام الأول في صالح ذلك الرجل عميل البنتاجون السابق: أحمد الجلبي.
وقد أوردت وكالة رويترز أن الجعفري قد صرح أنه سوف يستثني كتلة علاوي التي تحتل 40 مقعدًا بالبرلمان، وصرح أنه سيقدم قائمة وزرائه إلى البرلمان العراقي هذا الأسبوع، وذلك بعد مطالبة علاوي بخمسة حقائب وزارية على الأقل في الحكومة الجديدة، بما فيها منصب نائب رئيس الوزراء.
وقد أكد قادة البنتاجون أن المقاومة العراقية قد شنت المزيد من الهجمات المعقدة وجيدة التخطيط في الأسابيع الأخيرة، ويقول المسئولون عن التقييم في الجيش الأمريكي أن المقاومة انتقلت من طور التفجيرات والهجمات الاستشهادية إلى شن هجمات واسعة النطاق على القواعد الأمريكية والتابعة للجيش العراقي، مما دفع قادة الجيش الأمريكي إلى إعادة تقييم قدرات المقاومة بعد الهجمات عالية التنسيق والنطاق التي شنتها على قواعد أمريكية.
وقد صرح الجنرال المتقاعد جون كين الذي عاد من رحلة تقصي الحقائق في العراق لجريدة بوسطن جلوب أن المقاومة كانت تشن هجمات بمعدل مائتي هجوم يوميًا في العام الماضي ـ وهو رقم مهول ويعد أكبر رقم اعترفت به القيادة العسكرية الأمريكية ـ وأكد أن تقلص ذلك الرقم لا يعني أن الضعف بدأ يدب في أوصال المقاومة، بل على العكس من ذلك، مضيفًا: 'إنه من الخطر الاعتماد على عدد هجمات المقاومة فقط، فسيكون ذلك مضللاً للغاية، كما حدث مع الولايات المتحدة إبان حرب فيتنام عندما كانت تقوم بتعداد خسائر وجثث المقاومة الفيتنامية، فهذا من شأنه تضليل الجيش'. والجنرال كين أحد قادة حرب فيتنام، كما أنه عضو بهيئة سياسات الدفاع، وهي هيئة استشارية تقدم استشاراتها رأسًا إلى وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد.
كما أشار قادة البنتاجون إلى التقدم النوعي في هجمات المقاومة، واستدلوا بهجمة المقاومة على قاعدة المارينز بحصيبة باستخدام أكثر من 40 مقاتلاً دفعة واحدة، والهجوم المنظم على سجن أبو غريب جنوب بغداد الذي استغرق عدة ساعات من القتال الضاري، إضافة إلى إسقاط المقاومة للمروحية المدنية التي أسفرت عن مصرع 11 أجنبيًا متعاقدًا مع الجيش الأمريكي، بينهم 6 أمريكيين.
وأكد التقرير على أن الجيش الأمريكي كان يتجنب الإعلان عن حالة المقاومة في العراق بصورة عامة، ولكنه كان يصدر بيانات تفيد بانتصارها على المقاومة فور انخفاض أعداد العمليات، ولكن سرعان ما يتغير الوضع وتصل أعداد العمليات إلى أرقام عالية بصورة يومية.
كما أشار التقرير إلى أن دعايات المقاومة نجحت في كسب تعاطف العراقيين، وأكدت المقاومة حربها الدعائية بنجاحاتهم وقدرتهم على شن هجمات ذات فاعلية كبيرة على القوات الأمريكية والقوات العراقية، كما تواصلت تلك الحرب الإعلامية من طرف المقاومة إلى التأكيد على اتهامها للحكومة العراقية أنها موالية للاحتلال وتريد أن تمد فترة بقاء الاحتلال الأمريكي غير الشرعي للبلاد.
كما يخشى التقرير من المواقع التي تنشر يوميات المقاومة على الإنترنت، والتي تتم ترجمتها إلى اللغة الإنجليزية، وتقوم بتفصيل الهجمات ضد القوات الأمريكية والعراقية الموالية لها والتي تتبناها المقاومة، والتي عادة ما تتجاوز أرقام القوات الأمريكية بكثير. وقد صرح أحد كبار قادة الجيش الأمريكي للصحفيين يوم الجمعة الماضية 22/4 في بغداد، ونقلت تصريحاته جريدة بوسطن جلوب الأمريكية: 'إن القيادة الأمريكية تشعر بقلق عميق حيال التقارير الإعلامية للمقاومة، وسوف نقوم بمراقبتها عن كثب ونرى إذا ما كان ذلك الاتجاه سيستمر أم لا'.
وبينما صرح بعض القادة العسكريين في الولايات المتحدة أن القوات الأمريكية قد حققت نجاحات على الأرض في العراق وتمكنت من تقليل هجمات المقاومة، مما يمهد لسحب ما يقرب من ثلث القوات في العراق، إلا أن المتخصصين في الشئون العسكرية يقولون أن مثل تلك التصريحات 'مغرقة في التفاؤل'، ولا تمثل الصورة الحقيقية للوضع في العراق، وذلك لأن فصائل المقاومة التي تتكون من أطياف مختلفة في العراق لا تزال تمثل تهديدًا خطيرًا على الاحتلال في البلاد، ويؤكدون على أن السنة في العراق يمثلون المعين الأساسي للمنضمين في صفوف المقاومة، إضافة إلى المقاتلين الأجانب وعناصر الجيش العراقي السابق المدربين على القتال واستخدام المتفجرات والتكتيكات العسكرية.
كما أن المقاومة نجحت في تصعيد هجماتها على المنشآت النفطية لمنع الاحتلال من الاستفادة من تلك الموارد، كما أدت الهجمات إلى الإبطاء في معدل إعادة إعمار البلاد، مما وضع الشركات الأجنبية التي فازت بتلك العقود من الولايات المتحدة في مأزق صعب، كما أضافت هجمات المقاومة المتوالية المزيد من الضغوط على الدول المتحالفة مع الولايات المتحدة في غزو العراق، مما أدى إلى سحب العديد من الدول لقواتها، وعلى رأسهم إسبانيا التي سحبت قواتها بصورة نهائية من العراق، كما أدت تلك العمليات المتواصلة إلى انخفاض التأييد الشعبي الأمريكي للحرب على العراق، كما أظهرت الإحصاءات الأخيرة أن غالبية الشعب الأمريكي يرى أن حرب العراق 'لم تكن تستحق الخوض مقارنة بالخسائر'، حتى في ظل الأرقام الأمريكية.
وقد صرح أحمد هاشم الأستاذ بكلية البحرية العسكرية الأمريكية مؤخرًا: 'لقد استطاعت المقاومة العراقية أن تطور من إمكاناتها وإستراتيجيتها من الهجمات الانتحارية إلى هجمات منظمة ومعد لها بصورة جيدة، كما من المتوقع أن نرى المزيد من الهجمات المنظمة في المستقبل، حتى بالرغم من أنها قد تكون قليلة العدد'.
وقد أضاف الجنرال كين: 'بالرغم من حقيقة أن عدد الهجمات قد انخفض عن المعدل السابق ـ والذي وصل إلى مائتي هجمة يوميًا في بعض الأوقات ـ، وبالرغم من النجاحات السياسية التي حدثت حتى الآن، إلا أن الجيش الأمريكي يجب أن يفهم أن المقاومة تتمتع بالمرونة والديناميكية، والقدرة على استخدام عنصر المفاجأة ببراعة، وهم بذلك يستطيعون تقويض الدعم السياسي والإرادة السياسية للحكومة الجديدة'.
وقد اتفق معه الجنرال جورج جولوان، وحذر في تصريحات لجريدة 'بوسطن جلوب' من استباق إعلان الانتصار العسكري الأمريكي في العراق، وأضاف: 'من الأخطاء القاتلة للجيش التقليل من قدرة العدو، فأخطر شيء أمام الجيش هو رسم صورة وردية خلافًا للأوضاع على الأرض، ولا يزال أمام الجيش الأمريكي وقتًا طويلاً قبل أن يستطيع إعلان انتصاره على المقاومة في العراق'.
ترجمه من الإنجليزية: محمـد الزواوي
تقارير رئيسية :عام :الأربعاء 18 ربيع الأول 1426هـ - 27 أبريل 2005م
جنرال أمريكي لصحيفة 'بوسطن جلوب': هجمات المقاومة وصلت إلى مائتي هجمة يوميًا في بعض الأحيان
مفكرة الإسلام: بعد إعلان الجيش الأمريكي تحقيقه لنجاحات ملموسة على المقاومة العراقية مما يمهد لسحب جزء كبير من قواته من العراق، أكد الكثير من الخبراء العسكريين أن القضاء على المقاومة العراقية لا يزال 'حلم بعيد المنال'، وأن المقاومة قد استعادت قوتها وحيويتها وطورت من أساليبها وتكتيكاتها، وربما تتبنى أسلوبًا جديدًا في القتال وهو الهجوم بعدد كبير من الأفراد دفعة واحدة، كما حدث في الهجومين على سجن أبو غريب وقاعدة المارينز بحصيبة، كما أثبتت خطورتها في استخدام الأسلحة الخفيفة والعبوات الناسفة والكمائن.
فبعد أسابيع قلائل من التنبؤ المفرط في التفاؤل من القادة العسكريين الأمريكيين بأن المقاومة العراقية قاربت على التلاشي بسبب انخفاض عدد الهجمات اليومية مقارنة بمثيلاتها في أوقات سابقة، إلا أن أولئك القادة أنفسهم باتوا مقتنعين الآن من أن آراءهم كانت خاطئة، وأن الوضع الحالي لا يشير إلى تضاؤل المقاومة، بل اشتداد عودها مرة ثانية.
فقد أكد الكاتب الأمريكي برايان بيندر في صحيفة 'بوسطن جلوب' الأمريكية الأحد 24 أبريل أن مسئولي الجيش الأمريكي الآن يعتقدون أن التنسيق الكبير والتعقيد في الهجمات التي شنتها المقاومة والتي ظهرت جلية في الأسابيع الأخيرة تعني أن المقاومة نجحت في تغيير تكتيكاتها، وليست كما تنبأ البعض بأنها قد ذابت أو استسلمت.
وقد خلص جون كين الجنرال الأمريكي المتقاعد وأحد قادة حرب فيتنام والذي عاد مؤخرًا من مهمة تقصي الحقائق في العراق إلى أن 'أحد أهم نواحي قوة المقاومة العراقية هي قدرتها على إعادة تشكيل ذاتها وتجميع صفوفها، وتجديد دمائها بالمتطوعين الجدد، فقد قتلت الولايات المتحدة الآلاف واعتقلت أعدادًا أكثر من ذلك بكثير، [ربما غالبيتهم ليسوا من رجال المقاومة ولكن من المدنيين كما أشارت الكثير من التقارير]، ولكنهم لا يزالون قادرين على إعادة تجميع صفوفهم، ولا يزالون يشنون هجمات على القوات الأمريكية في البلاد'.
ويشير الكاتب توم ريجان في مقال له في جريدة الكريستيان ساينس مونيتور الأمريكية إلى أن أولئك الخبراء في العسكرية يعتقدون أيضًا أن المقاومة 'تشن هجمات وغارات متواصلة على المتعاونين مع الاحتلال الأمريكي في العراق'، وأن نتيجة ذلك هو أن الولايات المتحدة لن تستطيع تقليل أعداد قواتها بالعراق بالسرعة التي تمناها البعض في وزارة الدفاع الأمريكية في تصريحاتهم التي صدرت مؤخرًا.
وقد أوردت جريدة 'وول ستريت جورنال' الخميس الماضي 21/4 أن التحليل العسكري الداخلي للجيش الأمريكي، والذي كان موجهًا إلى القوات التي تستعد للذاهب إلى العراق لإعدادهم لنوع المخاطر التي سيواجهونها، قد خلص إلى أن أعداد الهجمات في الأشهر الأخيرة لم تقل بصورة حادة، ولكن المقاومة ركزت فيها على قوات الشرطة والجيش الموالين للاحتلال في العراق.
وقد فصّل تقرير الجيش الأمريكي أكثر تكتيكات المقاومة فاعلية، وجاء على رأسها الأسلحة الخفيفة للمقاومة، مثل AK-47 أو الرشاشات الآلية الأخرى، والتي تمثل أكبر التهديدات على أفراد الشرطة والجيش العراقيين الموالين للاحتلال، وليس العبوات الناسفة. ويقول التقرير أن 'إطلاق النيران من الأسلحة الخفيفة في المواجهات القريبة يعد التكتيك الأول للمقاومة والذي يوقع أكبر عدد من الجرحى والقتلى'، كما أن قوات الجيش والشرطة العراقيين الذين في بعض الأحيان يسيرون في دوريات في شوارع العراق على شاحنات بيضاء غير مصفحة يعدون أكثر عرضة وأسهل اختراقًا أمام هجمات المقاومة من الأسلحة الخفيفة.
كما أكد التقرير على أن المقاومة تستخدم تكتيكًا آخر بصورة موسعة، وهو العبوات الناسفة التي يتم التحكم فيها آليًا عن بعد ثم إتباعها بالكمائن، وقد أورد التقرير إحدى الهجمات التي استخدم فيها رجال المقاومة قنبلة تم تفجيرها بجهاز التحكم عن بعد من أجل إيقاف سير قافلة من المتعاقدين مع أحدى الشركات الأمنية، وعندما خرج المتعاقدون من سياراتهم لتقييم حجم الخسائر انقضت عليهم المقاومة وبدأت في إطلاق نيرانها عليهم، [لم يورد التقرير عدد القتلى والجرحى]، ووصف التقرير هذا التكتيك بأنه 'هجوم منظم' معد له بصورة جيدة من رجال المقاومة، مشيرًا إلى أن رجال المقاومة يقومون بإخلاء جرحاهم قبل مغادرة مواقع الكمائن.
كما أكدت جريدة 'بلفاست تيليجراف' الإيرلندية عجز القوات الأمريكية والعراقية الموالية لها على قمع هجمات المقاومة، وخاصة في بغداد، وسلطت الضوء على أصداء ذلك الفشل على سكان بغداد. فعجز القوات الأمريكية عن تأمينها لما يسمى بـ 'طريق الموت' وهو الطريق الواصل ما بين بغداد ومطارها وطوله 7 أميال، إضافة إلى عجزها عن تأمين مواقع القواعد العسكرية الرئيسية للاحتلال الأمريكي في المنطقة قد أصبح رمزًا لعجز وفشل الولايات المتحدة في العراق، ويرى المواطنون في بغداد أن القوات الأمريكية المدججة بالسلاح والتي تسير في دوريات في الشارع مذعورة وتطلق النار بعشوائية على أي شيء يتحرك والتي لا يمكن التنبؤ بها 'هي الخطر الأساسي على السكان في بغداد'.
كما أوردت جريدة الواشنطن بوست الأمريكية أن الكثير من هجمات المقاومة العراقية مرت بدون أن تحرك لها القوات العراقية ساكنًا، وبنجاح كبير للمقاومة على القوات الموالية للاحتلال الأمريكي، وبخاصة في المناطق الواسعة في البلاد التي تتحكم فيها المقاومة، كما كشفت الجريدة أن القادة العسكريين الأمريكيين يتناقلون فيما بينهم في سرية آراءهم التي تتمحور حول أن 'المقاومة في العراق تزداد قوة وشدة'.
كما أورد 'راديو فري برس' أن وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس ونائب الرئيس دك تشيني كانا يمارسان ضغوطًا كبيرة على السياسيين الجدد في العراق من الشيعة والأكراد لكي يصلوا إلى اتفاق وتشكيل حكومة جديدة من أجل بسط المزيد من السيطرة على الجيش والشرطة للدفع في اتجاه الضغط على المقاومة، كما أوردت جريدة التايمز اللندنية أن رئيس الوزراء المؤقت إياد علاوي والكتلة الكردية في البرلمان الجديد 'عازمون على التخلص من إبراهيم الجعفري وعدم قبوله كرئيس للوزراء'، وإفشال مساعيه لتكوين حكومة جديدة.
ولا يتبقى أمام الجعفري سوى بضعة أيام لتشكيل حكومته قبل الموعد النهائي في السابع من مايو القادم، وإلا فقد المنصب ليفتح المجال لشيعي آخر في محاولة تشكيل الحكومة، وتتوقع التايمز أن تلك المعضلة السياسية الأخيرة تصب في المقام الأول في صالح ذلك الرجل عميل البنتاجون السابق: أحمد الجلبي.
وقد أوردت وكالة رويترز أن الجعفري قد صرح أنه سوف يستثني كتلة علاوي التي تحتل 40 مقعدًا بالبرلمان، وصرح أنه سيقدم قائمة وزرائه إلى البرلمان العراقي هذا الأسبوع، وذلك بعد مطالبة علاوي بخمسة حقائب وزارية على الأقل في الحكومة الجديدة، بما فيها منصب نائب رئيس الوزراء.
وقد أكد قادة البنتاجون أن المقاومة العراقية قد شنت المزيد من الهجمات المعقدة وجيدة التخطيط في الأسابيع الأخيرة، ويقول المسئولون عن التقييم في الجيش الأمريكي أن المقاومة انتقلت من طور التفجيرات والهجمات الاستشهادية إلى شن هجمات واسعة النطاق على القواعد الأمريكية والتابعة للجيش العراقي، مما دفع قادة الجيش الأمريكي إلى إعادة تقييم قدرات المقاومة بعد الهجمات عالية التنسيق والنطاق التي شنتها على قواعد أمريكية.
وقد صرح الجنرال المتقاعد جون كين الذي عاد من رحلة تقصي الحقائق في العراق لجريدة بوسطن جلوب أن المقاومة كانت تشن هجمات بمعدل مائتي هجوم يوميًا في العام الماضي ـ وهو رقم مهول ويعد أكبر رقم اعترفت به القيادة العسكرية الأمريكية ـ وأكد أن تقلص ذلك الرقم لا يعني أن الضعف بدأ يدب في أوصال المقاومة، بل على العكس من ذلك، مضيفًا: 'إنه من الخطر الاعتماد على عدد هجمات المقاومة فقط، فسيكون ذلك مضللاً للغاية، كما حدث مع الولايات المتحدة إبان حرب فيتنام عندما كانت تقوم بتعداد خسائر وجثث المقاومة الفيتنامية، فهذا من شأنه تضليل الجيش'. والجنرال كين أحد قادة حرب فيتنام، كما أنه عضو بهيئة سياسات الدفاع، وهي هيئة استشارية تقدم استشاراتها رأسًا إلى وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد.
كما أشار قادة البنتاجون إلى التقدم النوعي في هجمات المقاومة، واستدلوا بهجمة المقاومة على قاعدة المارينز بحصيبة باستخدام أكثر من 40 مقاتلاً دفعة واحدة، والهجوم المنظم على سجن أبو غريب جنوب بغداد الذي استغرق عدة ساعات من القتال الضاري، إضافة إلى إسقاط المقاومة للمروحية المدنية التي أسفرت عن مصرع 11 أجنبيًا متعاقدًا مع الجيش الأمريكي، بينهم 6 أمريكيين.
وأكد التقرير على أن الجيش الأمريكي كان يتجنب الإعلان عن حالة المقاومة في العراق بصورة عامة، ولكنه كان يصدر بيانات تفيد بانتصارها على المقاومة فور انخفاض أعداد العمليات، ولكن سرعان ما يتغير الوضع وتصل أعداد العمليات إلى أرقام عالية بصورة يومية.
كما أشار التقرير إلى أن دعايات المقاومة نجحت في كسب تعاطف العراقيين، وأكدت المقاومة حربها الدعائية بنجاحاتهم وقدرتهم على شن هجمات ذات فاعلية كبيرة على القوات الأمريكية والقوات العراقية، كما تواصلت تلك الحرب الإعلامية من طرف المقاومة إلى التأكيد على اتهامها للحكومة العراقية أنها موالية للاحتلال وتريد أن تمد فترة بقاء الاحتلال الأمريكي غير الشرعي للبلاد.
كما يخشى التقرير من المواقع التي تنشر يوميات المقاومة على الإنترنت، والتي تتم ترجمتها إلى اللغة الإنجليزية، وتقوم بتفصيل الهجمات ضد القوات الأمريكية والعراقية الموالية لها والتي تتبناها المقاومة، والتي عادة ما تتجاوز أرقام القوات الأمريكية بكثير. وقد صرح أحد كبار قادة الجيش الأمريكي للصحفيين يوم الجمعة الماضية 22/4 في بغداد، ونقلت تصريحاته جريدة بوسطن جلوب الأمريكية: 'إن القيادة الأمريكية تشعر بقلق عميق حيال التقارير الإعلامية للمقاومة، وسوف نقوم بمراقبتها عن كثب ونرى إذا ما كان ذلك الاتجاه سيستمر أم لا'.
وبينما صرح بعض القادة العسكريين في الولايات المتحدة أن القوات الأمريكية قد حققت نجاحات على الأرض في العراق وتمكنت من تقليل هجمات المقاومة، مما يمهد لسحب ما يقرب من ثلث القوات في العراق، إلا أن المتخصصين في الشئون العسكرية يقولون أن مثل تلك التصريحات 'مغرقة في التفاؤل'، ولا تمثل الصورة الحقيقية للوضع في العراق، وذلك لأن فصائل المقاومة التي تتكون من أطياف مختلفة في العراق لا تزال تمثل تهديدًا خطيرًا على الاحتلال في البلاد، ويؤكدون على أن السنة في العراق يمثلون المعين الأساسي للمنضمين في صفوف المقاومة، إضافة إلى المقاتلين الأجانب وعناصر الجيش العراقي السابق المدربين على القتال واستخدام المتفجرات والتكتيكات العسكرية.
كما أن المقاومة نجحت في تصعيد هجماتها على المنشآت النفطية لمنع الاحتلال من الاستفادة من تلك الموارد، كما أدت الهجمات إلى الإبطاء في معدل إعادة إعمار البلاد، مما وضع الشركات الأجنبية التي فازت بتلك العقود من الولايات المتحدة في مأزق صعب، كما أضافت هجمات المقاومة المتوالية المزيد من الضغوط على الدول المتحالفة مع الولايات المتحدة في غزو العراق، مما أدى إلى سحب العديد من الدول لقواتها، وعلى رأسهم إسبانيا التي سحبت قواتها بصورة نهائية من العراق، كما أدت تلك العمليات المتواصلة إلى انخفاض التأييد الشعبي الأمريكي للحرب على العراق، كما أظهرت الإحصاءات الأخيرة أن غالبية الشعب الأمريكي يرى أن حرب العراق 'لم تكن تستحق الخوض مقارنة بالخسائر'، حتى في ظل الأرقام الأمريكية.
وقد صرح أحمد هاشم الأستاذ بكلية البحرية العسكرية الأمريكية مؤخرًا: 'لقد استطاعت المقاومة العراقية أن تطور من إمكاناتها وإستراتيجيتها من الهجمات الانتحارية إلى هجمات منظمة ومعد لها بصورة جيدة، كما من المتوقع أن نرى المزيد من الهجمات المنظمة في المستقبل، حتى بالرغم من أنها قد تكون قليلة العدد'.
وقد أضاف الجنرال كين: 'بالرغم من حقيقة أن عدد الهجمات قد انخفض عن المعدل السابق ـ والذي وصل إلى مائتي هجمة يوميًا في بعض الأوقات ـ، وبالرغم من النجاحات السياسية التي حدثت حتى الآن، إلا أن الجيش الأمريكي يجب أن يفهم أن المقاومة تتمتع بالمرونة والديناميكية، والقدرة على استخدام عنصر المفاجأة ببراعة، وهم بذلك يستطيعون تقويض الدعم السياسي والإرادة السياسية للحكومة الجديدة'.
وقد اتفق معه الجنرال جورج جولوان، وحذر في تصريحات لجريدة 'بوسطن جلوب' من استباق إعلان الانتصار العسكري الأمريكي في العراق، وأضاف: 'من الأخطاء القاتلة للجيش التقليل من قدرة العدو، فأخطر شيء أمام الجيش هو رسم صورة وردية خلافًا للأوضاع على الأرض، ولا يزال أمام الجيش الأمريكي وقتًا طويلاً قبل أن يستطيع إعلان انتصاره على المقاومة في العراق'.
ترجمه من الإنجليزية: محمـد الزواوي