bufaris
29-04-2005, 04:33 PM
الكاتب:آندرو جيه. بيسفيتش :
جو فايلز- ترجمة: محمود عبد الله –
لا شك أن الأميركيين من عمر معين سيتذكرون القول المأثور والسديد الذي ورد على لسان الجنرال الأميركي "ماك أرثر" والذي قال فيه:"ليس هناك بديل عن النصر". فهذا القول المأثور يجسد مبدأ جوهرياً من مبادئ العسكرية الأميركية التقليدية، وهو أن الولايات المتحدة عندما تذهب إلى الحرب، فإنها تذهب كي تكسب، ولكي تجبر العدو على تنفيذ ما تريده. أما القيام بالتضحية بأرواح جنودها لشيء أقل من ذلك، فهو ليس من تقاليدها ولا من شخصيتها.
وكان الرجل يشير إلى تجربة الحرب في شبه الجزيرة الكورية في خمسينيات القرن الماضي، وهي التجربة التي تكررت بعد ذلك في حرب فيتنام في ستينيات ذلك القرن.
ويلاحظ في الوقت الراهن، أن جميع البيانات الأميركية التي تشرح ما يحدث في العراق، لا يرد بها أي ذكر لعبارة النصر العسكري، بل يلاحظ أن الإدارة الأميركية قد قامت وبشكل غير ملحوظ حتى من نُقاد الحرب، بالتوقف عن إصدار بيانات تحتوي على عبارات تشير إلى إمكانية هزيمة العدو، الذي نشتبك معه الآن في العراق.
في الأيام الأولى للتمرد في العراق أقسم الجنرال "ريكاردو سانشيز" على استخدام "أي قدر من القوة العسكرية يتطلبه تحقيق النصر". وفي محاولة منه لإظهار أنه لا يقل رغبة في خوض المعارك عن جنرالات أميركيين كبار مثل "جورج باتون" و"نورمان شوارزكوف"، أضاف "سانشيز" في ديسمبر 2003 قائلا:"هذا ما تنتظره أميركا مني... وهذا هو ما سأحققه لأميركا".
الملاحظ الآن أن القادة الكبار من العسكريين الأميركيين، لا يجرؤون على الإدلاء بتصريحات على هذه الدرجة من الجرأة، وأن الأمر لا يقتصر عليهم، وإنما يمتد لكبار المسؤولين المدنيين في واشنطن أيضاً.
وفي الحقيقة أن هدف إدارة بوش الآن لم يعد هو تحقيق النصر في حربها على العراق، وإنما فقط إعفاء نفسها من المسؤولية عن شن حرب عرفت كيف تبدؤها، ولكنها تجد نفسها الآن غير قادرة على إنهائها.
لتوضيح ذلك يكفي أن نعرف أن الحوارات التي تدور في الوقت الراهن في دوائر الأمن القومي الأميركية، لا تركز كما هو متوقع على نشر تقنيات كسب الحرب في الميدان، أو حشد تقنيات مبتكرة يمكنها أن تقلب اتجاه التيار، وإنما تركز على كيفية استخلاص أنفسنا من هذه الورطة في أسرع وقت ممكن.
يضع المتفائلون آمالهم على برنامج مكثف لإنشاء قوات أمن عراقية جديدة، بما يمكن أن يسمح لنا في بحر عام أو نحوه بالبدء في تقليص حجم حاميتنا العسكرية هناك. هذا عن المتفائلين.. أما المتشائمون فهم لهم شكوكهم حول هذا الشأن، إذ لا يكاد يوجد أحد الآن في بغداد، يتنبأ بأننا سنكون قريبين حتى ولو من بعيد – إذا ما جاز القول- من سحق التمرد. إن النصر الحاسم الذي وعد به المدافعون عن الحرب في مارس 2003 - علينا هنا أن نتذكر كل الكلام الذي قيل عن الصدمة والرعب وكل تلك الأشياء- قد انزلق بعيداً عن أيدينا الآن.
فبعد الهجوم الساحق الذي قامت القوات الأميركية بشنه على بغداد في ذلك الشهر، اتخذ القتال وجهة جديدة بنفس الطريقة التي كانت الحروب تقوم بها بذلك دائماً عبر التاريخ. فبعد أن كانت كل الشواهد تشير إلى أن الحرب قد انتهت عند ذلك الحد، إذا بقوة تمرد لا يزيد عدد أفرادها عن 10 آلاف شخص، مسلحة بقدرات منخفضة التقنية، تقوم بمواجهة، بل وإحراج أكبر قوة عسكرية عرفها التاريخ.
وليس هناك أدنى شك في أن الخصم لا يستطيع هزيمتنا عسكرياً، ولكن يجب علينا أن نعترف أننا أيضاً غير قادرين على هزيمته عسكرياً كذلك.
وقصارى القول إن القوات الأميركية الموجودة في العراق الآن لا تحارب من أجل كسب الحرب بأي شكل من الأشكال، وإنما من أجل كسب الوقت فقط. لقد أصبح ذلك هو السياسة التي تتبناها إدارة بوش حالياً كبديل عن تحقيق النصر. ما هو أسوأ من ذلك، أن الوقت في حرب مثل تلك التي تجري في العراق، يميل في غالبية الأحوال لأن يعمل في صالح العدو لا في صالح أميركا كما يتبادر إلى أذهان البعض.
ليس واضحاً حتى الآن، ما إذا كانت هذه الحقيقة قد رسخت في أذهان الغالبية العظمى من الشعب الأميركي. ولكن ليس هناك شك، في أن الرئيس بوش يتمنى أن يظل المواطنون الأميركيون غافلين عما يجري في العراق، حيث ننفق عدة مليارات من الدولارات شهرياً، ونخسر جنديين يومياً في المتوسط، ليس من أجل النصر، أو السيطرة على العدو، ولكن لإطالة أمد الجمود الحالي في الموقف الناشئ عن عدم قدرة أي من الطرفين على هزيمة الآخر. وعلاوة على ذلك، فإننا إذا ما تركنا الإدارة تفعل ما تريده فعلينا أن نتوقع أن تستمر خسائرنا في الدماء والأموال لعدة شهور قادمة، إلى أن يتم إنشاء قوات عراقية قادرة على الدفاع عن بلادها.
وفي انتظار الحكم النهائي على حرب الرئيس بوش، فإننا نستطيع أن نقول ما يلي: إنه بعد مضي سنتين تقريباً على هجومنا على بغداد، الذي بدا وكأنه تأكيد على عدم قابلية القوات المسلحة الأميركية للهزيمة، فإن الحدود الفعلية للقوة الأميركية قد أصبحت اليوم مكشوفة تماماً أمام الجميع.
ولا شك أن خصومنا سواء كانوا حقيقيين أم متخيلين، يقومون الآن بالتفكير في المعاني الضمنية لما يتكشف أمامهم عن حدود القوة الأميركية.
ونحن أيضاً يجب علينا أن نقوم بشيء مماثل لذلك، يبدأ بالاعتراف بأن الفكرة التي تم الترويج لها أثناء ربيع 2003، والتي أسكرت عقولنا، وهي أن الولايات المتحدة قادرة من خلال الاستخدام المفرط للقوة على تغيير شكل العالم الإسلامي وعلى ترسيخ القدرة الاستباقية للولايات المتحدة في العالم كله، كانت وهماً خطيراً.. وأنها لا تزال كذلك حتى اليوم.
آندرو جيه. بيسفيتش
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أستاذ العلاقات الدولية بجامعة بوسطن الأميركية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"
العدد 10828 بتاريخ 02/26/05
www.wajhat.com
جو فايلز- ترجمة: محمود عبد الله –
لا شك أن الأميركيين من عمر معين سيتذكرون القول المأثور والسديد الذي ورد على لسان الجنرال الأميركي "ماك أرثر" والذي قال فيه:"ليس هناك بديل عن النصر". فهذا القول المأثور يجسد مبدأ جوهرياً من مبادئ العسكرية الأميركية التقليدية، وهو أن الولايات المتحدة عندما تذهب إلى الحرب، فإنها تذهب كي تكسب، ولكي تجبر العدو على تنفيذ ما تريده. أما القيام بالتضحية بأرواح جنودها لشيء أقل من ذلك، فهو ليس من تقاليدها ولا من شخصيتها.
وكان الرجل يشير إلى تجربة الحرب في شبه الجزيرة الكورية في خمسينيات القرن الماضي، وهي التجربة التي تكررت بعد ذلك في حرب فيتنام في ستينيات ذلك القرن.
ويلاحظ في الوقت الراهن، أن جميع البيانات الأميركية التي تشرح ما يحدث في العراق، لا يرد بها أي ذكر لعبارة النصر العسكري، بل يلاحظ أن الإدارة الأميركية قد قامت وبشكل غير ملحوظ حتى من نُقاد الحرب، بالتوقف عن إصدار بيانات تحتوي على عبارات تشير إلى إمكانية هزيمة العدو، الذي نشتبك معه الآن في العراق.
في الأيام الأولى للتمرد في العراق أقسم الجنرال "ريكاردو سانشيز" على استخدام "أي قدر من القوة العسكرية يتطلبه تحقيق النصر". وفي محاولة منه لإظهار أنه لا يقل رغبة في خوض المعارك عن جنرالات أميركيين كبار مثل "جورج باتون" و"نورمان شوارزكوف"، أضاف "سانشيز" في ديسمبر 2003 قائلا:"هذا ما تنتظره أميركا مني... وهذا هو ما سأحققه لأميركا".
الملاحظ الآن أن القادة الكبار من العسكريين الأميركيين، لا يجرؤون على الإدلاء بتصريحات على هذه الدرجة من الجرأة، وأن الأمر لا يقتصر عليهم، وإنما يمتد لكبار المسؤولين المدنيين في واشنطن أيضاً.
وفي الحقيقة أن هدف إدارة بوش الآن لم يعد هو تحقيق النصر في حربها على العراق، وإنما فقط إعفاء نفسها من المسؤولية عن شن حرب عرفت كيف تبدؤها، ولكنها تجد نفسها الآن غير قادرة على إنهائها.
لتوضيح ذلك يكفي أن نعرف أن الحوارات التي تدور في الوقت الراهن في دوائر الأمن القومي الأميركية، لا تركز كما هو متوقع على نشر تقنيات كسب الحرب في الميدان، أو حشد تقنيات مبتكرة يمكنها أن تقلب اتجاه التيار، وإنما تركز على كيفية استخلاص أنفسنا من هذه الورطة في أسرع وقت ممكن.
يضع المتفائلون آمالهم على برنامج مكثف لإنشاء قوات أمن عراقية جديدة، بما يمكن أن يسمح لنا في بحر عام أو نحوه بالبدء في تقليص حجم حاميتنا العسكرية هناك. هذا عن المتفائلين.. أما المتشائمون فهم لهم شكوكهم حول هذا الشأن، إذ لا يكاد يوجد أحد الآن في بغداد، يتنبأ بأننا سنكون قريبين حتى ولو من بعيد – إذا ما جاز القول- من سحق التمرد. إن النصر الحاسم الذي وعد به المدافعون عن الحرب في مارس 2003 - علينا هنا أن نتذكر كل الكلام الذي قيل عن الصدمة والرعب وكل تلك الأشياء- قد انزلق بعيداً عن أيدينا الآن.
فبعد الهجوم الساحق الذي قامت القوات الأميركية بشنه على بغداد في ذلك الشهر، اتخذ القتال وجهة جديدة بنفس الطريقة التي كانت الحروب تقوم بها بذلك دائماً عبر التاريخ. فبعد أن كانت كل الشواهد تشير إلى أن الحرب قد انتهت عند ذلك الحد، إذا بقوة تمرد لا يزيد عدد أفرادها عن 10 آلاف شخص، مسلحة بقدرات منخفضة التقنية، تقوم بمواجهة، بل وإحراج أكبر قوة عسكرية عرفها التاريخ.
وليس هناك أدنى شك في أن الخصم لا يستطيع هزيمتنا عسكرياً، ولكن يجب علينا أن نعترف أننا أيضاً غير قادرين على هزيمته عسكرياً كذلك.
وقصارى القول إن القوات الأميركية الموجودة في العراق الآن لا تحارب من أجل كسب الحرب بأي شكل من الأشكال، وإنما من أجل كسب الوقت فقط. لقد أصبح ذلك هو السياسة التي تتبناها إدارة بوش حالياً كبديل عن تحقيق النصر. ما هو أسوأ من ذلك، أن الوقت في حرب مثل تلك التي تجري في العراق، يميل في غالبية الأحوال لأن يعمل في صالح العدو لا في صالح أميركا كما يتبادر إلى أذهان البعض.
ليس واضحاً حتى الآن، ما إذا كانت هذه الحقيقة قد رسخت في أذهان الغالبية العظمى من الشعب الأميركي. ولكن ليس هناك شك، في أن الرئيس بوش يتمنى أن يظل المواطنون الأميركيون غافلين عما يجري في العراق، حيث ننفق عدة مليارات من الدولارات شهرياً، ونخسر جنديين يومياً في المتوسط، ليس من أجل النصر، أو السيطرة على العدو، ولكن لإطالة أمد الجمود الحالي في الموقف الناشئ عن عدم قدرة أي من الطرفين على هزيمة الآخر. وعلاوة على ذلك، فإننا إذا ما تركنا الإدارة تفعل ما تريده فعلينا أن نتوقع أن تستمر خسائرنا في الدماء والأموال لعدة شهور قادمة، إلى أن يتم إنشاء قوات عراقية قادرة على الدفاع عن بلادها.
وفي انتظار الحكم النهائي على حرب الرئيس بوش، فإننا نستطيع أن نقول ما يلي: إنه بعد مضي سنتين تقريباً على هجومنا على بغداد، الذي بدا وكأنه تأكيد على عدم قابلية القوات المسلحة الأميركية للهزيمة، فإن الحدود الفعلية للقوة الأميركية قد أصبحت اليوم مكشوفة تماماً أمام الجميع.
ولا شك أن خصومنا سواء كانوا حقيقيين أم متخيلين، يقومون الآن بالتفكير في المعاني الضمنية لما يتكشف أمامهم عن حدود القوة الأميركية.
ونحن أيضاً يجب علينا أن نقوم بشيء مماثل لذلك، يبدأ بالاعتراف بأن الفكرة التي تم الترويج لها أثناء ربيع 2003، والتي أسكرت عقولنا، وهي أن الولايات المتحدة قادرة من خلال الاستخدام المفرط للقوة على تغيير شكل العالم الإسلامي وعلى ترسيخ القدرة الاستباقية للولايات المتحدة في العالم كله، كانت وهماً خطيراً.. وأنها لا تزال كذلك حتى اليوم.
آندرو جيه. بيسفيتش
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أستاذ العلاقات الدولية بجامعة بوسطن الأميركية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"
العدد 10828 بتاريخ 02/26/05
www.wajhat.com