منصور بالله
21-04-2005, 11:50 AM
ديمقراطية العناق بالخناق
From : mfjalloul@hotmail.com
Sent : Wednesday, April 20, 2005 12:08 AM
To : arabtimesnewspaper@hotmail.com
ديموقراطية العناق بالخناق
بقلم:فيصل جلول
كاتب وصحافي لبناني مقيم في باريس
تفيد وقائع الغزوات التي تعرض لها العالم العربي خلال تاريخه الطويل أن الغزاة كانوا يأتون إلى منطقتنا بدوافع "نبيلة" في ظاهرها إلى أن يستقر بهم المقام فيسعون إلى أهدافهم الحقيقية من وراء الغزو وهي في الغالب اقتصادية أو دينية أو جيوستراتيجية أو مختلطة.في غزوه لمصر كان نابليون بونابرت يرغب في خلق مستعمرة على مقربة من بلاده بعد خسارة فرنسا لمستعمراتها الأمريكية وكان يخطط لقطع طريق الهند على الإمبراطورية البريطانية وبعد أن فشل في تحقيق هذا الغرض مبكرا إثر تدمير أسطوله البحري في" أبي قير " وهزيمته في عكا اخترع شعار "تحديث" مصر و"تحريرها" من المماليك عله يتمكن من البقاء في ارض الكنانة. لكن دعوته لم تنطل على مسلمي مصر فكان أن تكاثرت الانتفاضات ضد جيشه الذي اضطر للعودة إلى فرنسا بعد اقل من ثلاث سنوات بواسطة البواخر الحربية البريطانية وعادت معه فرقة عسكرية من المماليك الذين ادعى محاربتهم.فقاتلت الفرقة في" أوسترليتز" وفي "واترلو" وتعرضت لمذبحة من الفرنسيين أنفسهم بعد هزيمة الإمبراطور قضت على بقايا أفرادها وأسرهم في مدينة مرسيليا الساحلية
وفي الجزائر قال الفرنسيون في بيانهم الأول لحظة احتلال العاصمة أنهم جاءوا لتخليص السكان من عسف "الدايات" و"البايات" حكام البلاد المحليين وأنهم سيغادرون في شهور معدودة بعد أن يحققوا غايتهم وأنهم سيسعون إلى "تحديث" هذا البلد فكان أن استوطنوا الجزائر 130 عاما واعتبروها مقاطعة فرنسية مخلفين وراءهم أكثر من 90 بالمئة من الأميين في صفوف السكان المسلمين
وفي تاريخ قريب ادعى الصهاينة أنهم جاءوا إلى فلسطين من اجل زرع التقدم وتوفير الخدمات الطبية والتربوية للفلسطينيين غير أنهم التهموا أراضي أبناء البلد الأصليين وأقاموا دولتهم العنصرية عليها.
وادعى البريطانيون خلال الحرب العالمية الأولى أنهم يسعون إلى تشكيل دولة عربية متحدة إذا ما انضم العرب إلى الحلفاء في الحرب العالمية الأولى ضد الدولة العثمانية وأنهم يريدون "تحرير" العرب من النير العثماني فكان أن ضاعت فلسطين جراء وعد بلفور وتشرذم العالم العربي بفعل اتفاقية سايكس ـ بيكو الشهيرة ومازال على حاله حتى اللحظة.واليوم تقول الولايات المتحدة الأمريكية أنها جاءت إلى العراق من أجل نشر "الديموقراطية" في هذا البلد في حين بتنا نعرف جميعا أنها تذرعت عشية الغزو بأسلحة الدمار الشامل وبعد سقوط بغداد تحدث خبراؤها عن تغيير الشرق الأوسط بكامله بحيث يصبح ملائما أكثر للمصالح الأمريكية والغربية ومنطقة تدور في فلك إسرائيل
ما من شك أن الضعف العربي كان وما زال يغري المستعمرين ويستدرج المهيمنين إلى منطقتنا.والضعف لا يختزل بنقص التسلح ومحدودية المقاومة وإنما بنوع الثقافة السياسية التي سادت وتسود بلداننا. ذلك أن السيطرة تتم أولا في العقول وليس بالسلاح والقوة العسكرية. فالغالب يبحث دائما عن إقناع المغلوب بعدم جدوى المغالبة بحيث يسيطر عليه بأرخص الأثمان أي برضى المغلوب نفسه
هكذا يسعى المحتل الأمريكي في العراق إلى إقناع العراقيين بأنه "محرر" وليس "محتلا" حتى إذا ما اكتسب صورة "المحرر" في وعي العراقيين تنتهي المقاومة ويسود المحتل إلى ما شاء.
ولأن المحتل الأمريكي يصادف صعوبات جدية في تثبيت سيطرته على العراقيين وأرضهم فهو يبحث عن وسائل لزعزعة المنطقة المحيطة بالعراق كي يظهر للعراقيين أن الشعوب العربية تلبي نداءه "الديموقراطي" وان لا جدوى من المعاندة فالشعوب التي تدعم المقاومة العراقية هي نفسها التي تلبي نداء "التحرر" المزعوم وتتوخى مساعدة الأمريكيين فلماذا المقاومة إذن؟ ولماذا يكون العراقي ملكيا أكثر من العرب الخاضعين المحيطين به.؟
والمدهش أن دعاوى المحتل االباطلة في العراق تجد صدى في الجوار العراقي. فهو يرفع شعار "الديموقراطية" ويزعم تخليص العرب من استبداد أنظمتهم ويقول بعصر ديموقراطي عربي بعد تحطيم "تمثال صدام حسين" على غرار "العصر الديموقراطي" الذي بدأ مع انهيار جدار برلين في أوروبا الشرقية ويستعين برموز منها فيرسل "فاكلاف هافل" رسالة ديموقراطية إلى متظاهري ساحة الشهداء في بيروت و يتم تدبيج تقارير للتنمية يستخدمها المحتل حجة على العرب بوصفهم أمة متخلفة وتحتاج إلى من "محرر" و"محدث" وليس إلى استعادة أرضها من الاحتلال الإسرائيلي والأمريكي وبالتالي العيش في سيادة واستقلال كغيرها من الأمم و الشعوب الجديرة.لكن لماذا وكيف تنشر هذه الدعاوى الباطلة وتلقى صدى بين النخب العربية؟ البحث عن الجواب يمر بالضرورة في إلقاء نظرة سريعة على ثقافتنا السياسية.
من المؤسف القول أن الثقافة السياسية العربية تسهل مهمة الغزاة والمحتلين لأنها تنطوي على عناصر خضوع كثيرة تسمح للغزاة بالنفاذ إلى ثنايا الوعي العربي.هاكم بعض ملامح هذه الثقافة: لا جدوى من القول لا لأكبر قوة في العالم. اليد التي لا تستطيع قطعها قبلها وادع عليها بالكسر. من تزوج أمي صار عمي. العرب جرب. اتفق العرب على ألا يتفقوا. العرب ظاهرة صوتية. العرب بدو يدمرون العمران. العرب يهربون من الميدان قبل بدء المعركة . العرب أمة مهووسة بالمؤامرة. الأمة العربية اختراع بعثي.مقاومة إسرائيل هي مقاومة أمريكا إذن لا جدوى من المقاومة وليسلم المقاومون سلاحهم. بل المقاومة إرهاب وقطع رؤوس ويقودها أبو مصعب الزرقاوي في العراق وآخرون مثله في لبنان وفلسطين وأفغانستان...الخ.هذه العينة من الأحكام القيمية الشائعة في الثقافة السياسية العربية تنطوي على قوة خضوع ذاتي تعادل أثر جيوش جرارة بكامل عدتها و عديدها وتشكل ظهيرا خطيرا للمحتل ولدعاويه المنافقة.
هناك ملاح أخرى للضعف في ثقافتنا السياسية من بينها أننا مازلنا حتى اليوم نلطم وجوهنا جراء هزيمة حزيران ـ يونيو 67 ونعلق ما صنعناه وما لم نصنعه منذ ذلك الوقت على الهزيمة في حين أن اليابانيين والألمان خسروا حربا عالمية دون أن يخسروا ثقافتهم وهم بفضل ثقافتهم الصلبة يحتلون مقاعد أمامية بين سادة الاقتصاد والتقدم العالمي فماذا لو فعل هؤلاء مثلنا وطفقوا يلطمون حظهم العاثر بسبب خسارتهم الحربية. وماذا يكون مصير الفرنسيين لو أنهم انصرفوا للطم والندب بعد خسارتهم حرب العام 1870 بمواجهة الألمان خلال يومين مع استسلام رئيسهم نابليون الثالث وبرفقته مئة ألف جندي؟ لا لم يخضع الفرنسيون بفضل ثقافتهم السياسية الراسخة ولم يخضع الألمان واليابانيون فحولوا هزيمتهم العسكرية إلى نصر اقتصادي وسياسي مدو.أما الفيتناميين فلم يكن بوسع احد أن يقنعهم بلا جدوى المقاومة لأن أمريكا دولة نووية عظمى. لذا انتصروا عليها بفضل ثقافتهم السياسية وليس بفضل السوفييت والصينيين على أهمية دورهم في إسناد المقاومة الفيتنامية. وأخيرا ماذا لو اعتمدت المقاومة اللبنانية الشعار الساداتي الشهير أن احد لا يستطيع قهر إسرائيل لأنها ولاية أمريكية؟ في هذه الحالة لربما ما برحت الدولة العبرية جنوب لبنان حتى اللحظة.
لا اشك برهة واحدة في أن المحتل الأمريكي للعراق يستند إلى ثقافتنا السياسية الضعيفة في تدبير حكم موال له في بلاد الرافدين وآخر محاولاته في هذا الصدد تعيين رئيس كردي للجمهورية في هذا البلد المحوري في المشرق العربي.ففي ثقافتنا التاريخية كان صلاح الدين الأيوبي قاهر الغزاة الصليبيين كردي الاصل وكان ومازال رمزا تاريخيا فإذا بالمحتل ينصب عن سابق تصور وتصميم رئيسا كرديا متعاونا معه في بلاد صلاح الدين وعلى بعد خطوات من مكان ولادته للقول بلا جدوى الممانعة وبالتعاون مع المحتل والخضوع لإرادته. وللذين يقلبون شفاههم امتعاضا من هذا الكلام نحيلهم إلى عبارة الجنرال غورو الشهيرة بعد احتلال سوريا مطلع القرن العشرين:"ها قد عدنا يا صلاح الدين." نعم لدى الغزاة الأجانب ثقافة غلبة ووعي تاريخي متراكم يظهر حيث يجب أن يظهر في لحظات الغلبة والانتصار على الخصم في حين تسيطر على عقولنا سذاجة قاتلة إذ نبارك تعيين الرئيس الكردي بوصفه آية من آيات الديموقراطية والمساواة.
يبقى أن ثقافتنا السياسية البائسة مسؤولة أيضا عن الحرب الأهلية الباردة التي تضرب بلداننا والتي ما انفكت تلحق أذى بنا يفوق الأذى الوافد من أعدائنا.ذلك أن دولنا تتكاره إلى حد أن كل منها ترغب بزوال جارتها من الوجود ولعل هذه الحال البائسة تغري" اللي يسوى واللي ما يسواش "على ما يقول المصريون في التحرش بنا والاستقواء علينا والتدخل في شؤوننا كما هي حال اريتريا وكينيا و تشاد ومن يدري ربما يأتي يوم نصبح فيه ملطش عصى ل "مالي" و"أفريقيا الوسطى" مع احترامي التام للبلدين.
يبقى القول أن ضعف ثقافتنا السياسية يحجب عنا رؤية الحقيقة حتى عندما تكون ساطعة وتبهر الأبصار ففي هذه الأيام نبتهج لحديث "الديموقراطية" و"الحرية" الوافد من الغرب بطريقة مثيرة للشفقة علما أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست مهتمة بمصيرنا وبنشر وسائل حديثة بين صفوفنا تزيدنا منعة وقوة في مواجهة أعدائنا وتعيننا على الارتفاع كعبا في مجال التنمية وتوطين التكنولوجيا. بل هي تراهن على حرية تعبير ينشئ بواسطتها الكردي صحيفة ضد العربي والمسيحي ضد المسلم والسني ضد الشيعي أو العكس. وتريد صناديق اقتراع يصوت الشيعي فيها ضد السني والعلوي ضد السني والأشوري ضد العربي...الخ وتريد أن تسود عندنا ليبرالية متوحشة يغتني بواسطتها السماسرة وتبتئس الأمة وتستباح خيراتها بلا قيد أو شرط.هذه حقيقة الديموقراطية الموعودة التي تحتجب خلف ثقافتنا السياسية الضعيفة. هي أشبه بالعناق في الخناق أو ب "الطوق " القاتل يلتف تدريجيا حول أعناقنا حتى إذا ما شارفنا على السقوط نطلق صرخة "المؤامرة" و"الخيانة" و"الغدر'... لكن بعد فوات الأوان
From : mfjalloul@hotmail.com
Sent : Wednesday, April 20, 2005 12:08 AM
To : arabtimesnewspaper@hotmail.com
ديموقراطية العناق بالخناق
بقلم:فيصل جلول
كاتب وصحافي لبناني مقيم في باريس
تفيد وقائع الغزوات التي تعرض لها العالم العربي خلال تاريخه الطويل أن الغزاة كانوا يأتون إلى منطقتنا بدوافع "نبيلة" في ظاهرها إلى أن يستقر بهم المقام فيسعون إلى أهدافهم الحقيقية من وراء الغزو وهي في الغالب اقتصادية أو دينية أو جيوستراتيجية أو مختلطة.في غزوه لمصر كان نابليون بونابرت يرغب في خلق مستعمرة على مقربة من بلاده بعد خسارة فرنسا لمستعمراتها الأمريكية وكان يخطط لقطع طريق الهند على الإمبراطورية البريطانية وبعد أن فشل في تحقيق هذا الغرض مبكرا إثر تدمير أسطوله البحري في" أبي قير " وهزيمته في عكا اخترع شعار "تحديث" مصر و"تحريرها" من المماليك عله يتمكن من البقاء في ارض الكنانة. لكن دعوته لم تنطل على مسلمي مصر فكان أن تكاثرت الانتفاضات ضد جيشه الذي اضطر للعودة إلى فرنسا بعد اقل من ثلاث سنوات بواسطة البواخر الحربية البريطانية وعادت معه فرقة عسكرية من المماليك الذين ادعى محاربتهم.فقاتلت الفرقة في" أوسترليتز" وفي "واترلو" وتعرضت لمذبحة من الفرنسيين أنفسهم بعد هزيمة الإمبراطور قضت على بقايا أفرادها وأسرهم في مدينة مرسيليا الساحلية
وفي الجزائر قال الفرنسيون في بيانهم الأول لحظة احتلال العاصمة أنهم جاءوا لتخليص السكان من عسف "الدايات" و"البايات" حكام البلاد المحليين وأنهم سيغادرون في شهور معدودة بعد أن يحققوا غايتهم وأنهم سيسعون إلى "تحديث" هذا البلد فكان أن استوطنوا الجزائر 130 عاما واعتبروها مقاطعة فرنسية مخلفين وراءهم أكثر من 90 بالمئة من الأميين في صفوف السكان المسلمين
وفي تاريخ قريب ادعى الصهاينة أنهم جاءوا إلى فلسطين من اجل زرع التقدم وتوفير الخدمات الطبية والتربوية للفلسطينيين غير أنهم التهموا أراضي أبناء البلد الأصليين وأقاموا دولتهم العنصرية عليها.
وادعى البريطانيون خلال الحرب العالمية الأولى أنهم يسعون إلى تشكيل دولة عربية متحدة إذا ما انضم العرب إلى الحلفاء في الحرب العالمية الأولى ضد الدولة العثمانية وأنهم يريدون "تحرير" العرب من النير العثماني فكان أن ضاعت فلسطين جراء وعد بلفور وتشرذم العالم العربي بفعل اتفاقية سايكس ـ بيكو الشهيرة ومازال على حاله حتى اللحظة.واليوم تقول الولايات المتحدة الأمريكية أنها جاءت إلى العراق من أجل نشر "الديموقراطية" في هذا البلد في حين بتنا نعرف جميعا أنها تذرعت عشية الغزو بأسلحة الدمار الشامل وبعد سقوط بغداد تحدث خبراؤها عن تغيير الشرق الأوسط بكامله بحيث يصبح ملائما أكثر للمصالح الأمريكية والغربية ومنطقة تدور في فلك إسرائيل
ما من شك أن الضعف العربي كان وما زال يغري المستعمرين ويستدرج المهيمنين إلى منطقتنا.والضعف لا يختزل بنقص التسلح ومحدودية المقاومة وإنما بنوع الثقافة السياسية التي سادت وتسود بلداننا. ذلك أن السيطرة تتم أولا في العقول وليس بالسلاح والقوة العسكرية. فالغالب يبحث دائما عن إقناع المغلوب بعدم جدوى المغالبة بحيث يسيطر عليه بأرخص الأثمان أي برضى المغلوب نفسه
هكذا يسعى المحتل الأمريكي في العراق إلى إقناع العراقيين بأنه "محرر" وليس "محتلا" حتى إذا ما اكتسب صورة "المحرر" في وعي العراقيين تنتهي المقاومة ويسود المحتل إلى ما شاء.
ولأن المحتل الأمريكي يصادف صعوبات جدية في تثبيت سيطرته على العراقيين وأرضهم فهو يبحث عن وسائل لزعزعة المنطقة المحيطة بالعراق كي يظهر للعراقيين أن الشعوب العربية تلبي نداءه "الديموقراطي" وان لا جدوى من المعاندة فالشعوب التي تدعم المقاومة العراقية هي نفسها التي تلبي نداء "التحرر" المزعوم وتتوخى مساعدة الأمريكيين فلماذا المقاومة إذن؟ ولماذا يكون العراقي ملكيا أكثر من العرب الخاضعين المحيطين به.؟
والمدهش أن دعاوى المحتل االباطلة في العراق تجد صدى في الجوار العراقي. فهو يرفع شعار "الديموقراطية" ويزعم تخليص العرب من استبداد أنظمتهم ويقول بعصر ديموقراطي عربي بعد تحطيم "تمثال صدام حسين" على غرار "العصر الديموقراطي" الذي بدأ مع انهيار جدار برلين في أوروبا الشرقية ويستعين برموز منها فيرسل "فاكلاف هافل" رسالة ديموقراطية إلى متظاهري ساحة الشهداء في بيروت و يتم تدبيج تقارير للتنمية يستخدمها المحتل حجة على العرب بوصفهم أمة متخلفة وتحتاج إلى من "محرر" و"محدث" وليس إلى استعادة أرضها من الاحتلال الإسرائيلي والأمريكي وبالتالي العيش في سيادة واستقلال كغيرها من الأمم و الشعوب الجديرة.لكن لماذا وكيف تنشر هذه الدعاوى الباطلة وتلقى صدى بين النخب العربية؟ البحث عن الجواب يمر بالضرورة في إلقاء نظرة سريعة على ثقافتنا السياسية.
من المؤسف القول أن الثقافة السياسية العربية تسهل مهمة الغزاة والمحتلين لأنها تنطوي على عناصر خضوع كثيرة تسمح للغزاة بالنفاذ إلى ثنايا الوعي العربي.هاكم بعض ملامح هذه الثقافة: لا جدوى من القول لا لأكبر قوة في العالم. اليد التي لا تستطيع قطعها قبلها وادع عليها بالكسر. من تزوج أمي صار عمي. العرب جرب. اتفق العرب على ألا يتفقوا. العرب ظاهرة صوتية. العرب بدو يدمرون العمران. العرب يهربون من الميدان قبل بدء المعركة . العرب أمة مهووسة بالمؤامرة. الأمة العربية اختراع بعثي.مقاومة إسرائيل هي مقاومة أمريكا إذن لا جدوى من المقاومة وليسلم المقاومون سلاحهم. بل المقاومة إرهاب وقطع رؤوس ويقودها أبو مصعب الزرقاوي في العراق وآخرون مثله في لبنان وفلسطين وأفغانستان...الخ.هذه العينة من الأحكام القيمية الشائعة في الثقافة السياسية العربية تنطوي على قوة خضوع ذاتي تعادل أثر جيوش جرارة بكامل عدتها و عديدها وتشكل ظهيرا خطيرا للمحتل ولدعاويه المنافقة.
هناك ملاح أخرى للضعف في ثقافتنا السياسية من بينها أننا مازلنا حتى اليوم نلطم وجوهنا جراء هزيمة حزيران ـ يونيو 67 ونعلق ما صنعناه وما لم نصنعه منذ ذلك الوقت على الهزيمة في حين أن اليابانيين والألمان خسروا حربا عالمية دون أن يخسروا ثقافتهم وهم بفضل ثقافتهم الصلبة يحتلون مقاعد أمامية بين سادة الاقتصاد والتقدم العالمي فماذا لو فعل هؤلاء مثلنا وطفقوا يلطمون حظهم العاثر بسبب خسارتهم الحربية. وماذا يكون مصير الفرنسيين لو أنهم انصرفوا للطم والندب بعد خسارتهم حرب العام 1870 بمواجهة الألمان خلال يومين مع استسلام رئيسهم نابليون الثالث وبرفقته مئة ألف جندي؟ لا لم يخضع الفرنسيون بفضل ثقافتهم السياسية الراسخة ولم يخضع الألمان واليابانيون فحولوا هزيمتهم العسكرية إلى نصر اقتصادي وسياسي مدو.أما الفيتناميين فلم يكن بوسع احد أن يقنعهم بلا جدوى المقاومة لأن أمريكا دولة نووية عظمى. لذا انتصروا عليها بفضل ثقافتهم السياسية وليس بفضل السوفييت والصينيين على أهمية دورهم في إسناد المقاومة الفيتنامية. وأخيرا ماذا لو اعتمدت المقاومة اللبنانية الشعار الساداتي الشهير أن احد لا يستطيع قهر إسرائيل لأنها ولاية أمريكية؟ في هذه الحالة لربما ما برحت الدولة العبرية جنوب لبنان حتى اللحظة.
لا اشك برهة واحدة في أن المحتل الأمريكي للعراق يستند إلى ثقافتنا السياسية الضعيفة في تدبير حكم موال له في بلاد الرافدين وآخر محاولاته في هذا الصدد تعيين رئيس كردي للجمهورية في هذا البلد المحوري في المشرق العربي.ففي ثقافتنا التاريخية كان صلاح الدين الأيوبي قاهر الغزاة الصليبيين كردي الاصل وكان ومازال رمزا تاريخيا فإذا بالمحتل ينصب عن سابق تصور وتصميم رئيسا كرديا متعاونا معه في بلاد صلاح الدين وعلى بعد خطوات من مكان ولادته للقول بلا جدوى الممانعة وبالتعاون مع المحتل والخضوع لإرادته. وللذين يقلبون شفاههم امتعاضا من هذا الكلام نحيلهم إلى عبارة الجنرال غورو الشهيرة بعد احتلال سوريا مطلع القرن العشرين:"ها قد عدنا يا صلاح الدين." نعم لدى الغزاة الأجانب ثقافة غلبة ووعي تاريخي متراكم يظهر حيث يجب أن يظهر في لحظات الغلبة والانتصار على الخصم في حين تسيطر على عقولنا سذاجة قاتلة إذ نبارك تعيين الرئيس الكردي بوصفه آية من آيات الديموقراطية والمساواة.
يبقى أن ثقافتنا السياسية البائسة مسؤولة أيضا عن الحرب الأهلية الباردة التي تضرب بلداننا والتي ما انفكت تلحق أذى بنا يفوق الأذى الوافد من أعدائنا.ذلك أن دولنا تتكاره إلى حد أن كل منها ترغب بزوال جارتها من الوجود ولعل هذه الحال البائسة تغري" اللي يسوى واللي ما يسواش "على ما يقول المصريون في التحرش بنا والاستقواء علينا والتدخل في شؤوننا كما هي حال اريتريا وكينيا و تشاد ومن يدري ربما يأتي يوم نصبح فيه ملطش عصى ل "مالي" و"أفريقيا الوسطى" مع احترامي التام للبلدين.
يبقى القول أن ضعف ثقافتنا السياسية يحجب عنا رؤية الحقيقة حتى عندما تكون ساطعة وتبهر الأبصار ففي هذه الأيام نبتهج لحديث "الديموقراطية" و"الحرية" الوافد من الغرب بطريقة مثيرة للشفقة علما أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست مهتمة بمصيرنا وبنشر وسائل حديثة بين صفوفنا تزيدنا منعة وقوة في مواجهة أعدائنا وتعيننا على الارتفاع كعبا في مجال التنمية وتوطين التكنولوجيا. بل هي تراهن على حرية تعبير ينشئ بواسطتها الكردي صحيفة ضد العربي والمسيحي ضد المسلم والسني ضد الشيعي أو العكس. وتريد صناديق اقتراع يصوت الشيعي فيها ضد السني والعلوي ضد السني والأشوري ضد العربي...الخ وتريد أن تسود عندنا ليبرالية متوحشة يغتني بواسطتها السماسرة وتبتئس الأمة وتستباح خيراتها بلا قيد أو شرط.هذه حقيقة الديموقراطية الموعودة التي تحتجب خلف ثقافتنا السياسية الضعيفة. هي أشبه بالعناق في الخناق أو ب "الطوق " القاتل يلتف تدريجيا حول أعناقنا حتى إذا ما شارفنا على السقوط نطلق صرخة "المؤامرة" و"الخيانة" و"الغدر'... لكن بعد فوات الأوان