خطاب
19-04-2005, 07:48 AM
اغسلوا أيديكم من النفط فهو ليس لكم
عن موقع ((بلوغ عائلة في بغداد))
شبكة البصرة
لأحد 10 نيسان 2005
مساء الخير..
عدت الى عمان من البحر الميت, حيث كان ثمة مؤتمر لنساء قياديات عراقيات يعقد هناك
همممم
كان عندي فضول كبير لحضوره ومعرفة الحوار والمواضيع التي ستناقش فيه, والتي تخص مستقبل العراق , والرؤيا التي يمكن تبنيها لصناعة ذلك المستقبل..
يوم الجمعة بعد الظهر...ذهبت الى الفندق , و قابلت نساء كثيرات قادمات من مختلف مدن العراق, من الشمال والوسط والجنوب.
بعضهن أراهن لأول مرة, وبعضهن أعرفهن من بغداد حيث كن يعملن في منظمات نسائية مختلفة لرعاية ايتام وارامل ومعوقين وغيرها
في المساء التقينا ,في صالة الفندق بعد العشاء, وتكلمنا مع منسقة البرنامج التي طلبت ان نتجمع ونتناقش حول ترتيبات المؤتمر غدا, أو سماع ملاحظات الوفود.
تكلمت نساء كثيرات واشتكين من موضوع عدم نقلهن بطريق الجو الى عمان, وعدم توفير الحماية الأمنية للمشاركات, وكل واحدة تاتي على مسؤوليتها تاركة اطفالها وبيتها لتشارك في هذا المؤتمر, لكن يبدو ان إدارة المؤتمر التي تقيمه لتدريب العراقيات ليكن قياديات, لا تهتم بسلامة المشاركات ولم تقدم مساعدة في هذا المجال, لماذا؟
تساءلن وقلن : هل المنظمين للمؤتمر ليس عندهم ميزانية كافية؟
ان كان كذلك لماذا لم يعقدوه داخل العراق لتقليل المصروفات؟
لماذا ليس في المنطقة الشمالية مثلا حيث الحالة الأمنية ممتازة مقارنة ببغداد وغيرها؟
هل يخافون على الأمريكان المشاركين ويؤمنون لهم الحماية, ولا يهتمون بالمشاركات العراقيات ويعطون لكل واحدة فقط 150 $ أجرة الطريق , ولتذهب على مسؤوليتها؟
هذه ليست عدالة !
ثم قالت مشاركة من السليمانية : لقد اخبرونا ان الطريق الى الأردن آمن ويمتليء بنقاط تفتيش امريكية لحماية الناس, ولم نجد أحدا لحمايتنا, لحقت بنا سيارة وأطلقوا علينا النار لأننا كتبنا عليها : وفد السليمانية, لا ادري, لقد اخطأنا, ولم ننتبه ان هذا يجلب علينا الخطر بدل الحماية, ولا ندري كيف وصلنا, كدنا نموت من الرعب, من يتحمل مسؤولية ما يحدث لنا؟
وفريق آخر قالوا انهم وجدوا مضايقات على الحدود الاردنية واسئلة تشبه التحقيق, لماذا جئتم؟ وأين تذهبون؟ وما هو المؤتمر؟
كان المفروض أن توجهوا كتبا رسمية للحدود حتى يحترمونا ولا يزعجونا...
نظرنا بوجوه بعضنا...
تدخلت احدى المسؤولات عن تنظيم المؤتمر وهي كردية(كانت معارضة زمن صدام والآن تعيش في اميركا ) واعتذرت منهن وقالت مبررات كثيرة لكنها اخيرا طلبت منهم ان يكونوا لجنة واكتبوا مشاكلكم الى هيئة المؤتمر
ووجهوا 3 رسائل : واحدة للحدود الأردنية (شكوى
وواحدة لهيئة المؤتمر (شكوى اخرى
وثالثة للحكومة الأمريكية (هممم, الان أتساءل هل حقا كتبت اللجنة تلك الرسائل , وأين ذهبت؟ وهل الحكومة الأمريكية ستقرأ هذه الرسالة وتعتذر للعراقيات ؟
أم هي طريقة مبتكرة على الطريقة الأمريكية لإمتصاص غضب الناس والضحك عليهم؟
**********************************
عندما رأيت مديرة البرنامج ابتسمت لها وتعرفنا بذكر إسم كل واحدة منا...
لم أكن التقيت بها من قبل ( هي من البصرة ومقيمة في اميركا, هذا كل ما اعرفه
في اليوم التالي على منصة الإفتتاح, تقدمت المرأة ذاتها لإلقاء كلمة الإقتتاح للمؤتمر..
كانت ترتدي حجابا برتقاليا على رأسها..
تذكرتها فجأة...تذكرت صورتها في الصحف الملونه بنفس الحجاب , قبل شهور من الآن , التفت الى زميلتي التي بجانبي وسألتها : أليست هذه المرأة نفسها ألقت خطابا في الكونغرس وشكرت بوش على تحرير العراق؟
ابتسمت زميلتي وقالت : نعم, هي نفسها !
يا الهي !
بقيت مذهولة للحظات.........
ثم قلت لنفسي : حسنا, سنرى ونسمع , لن اتخذ موقفا مسبقا وأقرر بسلبية , سأكون اكثر صبرا واعتدالا
أريد أن أرى العراقيات القادمات من هناك كيف يفكرن في هذه المرحلة, ما هو نوع الإتفاق بيننا وبين الأمريكان القادمين لإلقاء المحاضرات؟
ما هي الأشياء المشتركة بيننا؟
لا توجد تجربة جديدة الا فيها معلومة مفيدة
سنرى ما هي المعلومة الجديدة
*******************************
حين وزعوا علينا حقائب المؤتمر, وبداخلها البرنامج المطبوع, وبعض المحاضرات التي سيتم القائها, ونبذة مختصرة عن المشاركين من عراقيين وعرب وامريكيين.
لا حظت أن العراقيين المشاركين (رجال ونساء) مع لجان المؤتمر, فيهم صفة مشتركة : انهم كانوا معارضة ضد صدام, ومقيمين في اميركا , ومشجعين لفكرة الحرب على العراق واسقاط صدام, والان يشاركون في المؤتمرات كمنسقين بين الإدارة الأمريكية, والشعب العراقي, يعني مسوقين لأفكار اميركا وتسهيل ترويجها في( العراق الجديد
هؤلاء الناس يعيشون بعقلية : ظالم او مظلوم...
هكذا هي مواقعهم في الحياة, يتأرجحون بين احتمالين لا ثالث لهما.
بينما باقي الشعب (الغالبية) تكون أقل نفاقا وانتهازية من هؤلاء.
بصراحة أراهم اناسا انتهازيين لا يستحقون الاحترام
*************************************************
ولاحظت ان التاريخ كان يوم 9 نيسان, تذكرت سقوط بغداد في هذا اليوم وانقبض قلبي....
تصفحت البرنامج ووجدت فيه محاور متعددة ستدور حولها المحاضرات والنقاشات.
الديمقراطية(مباديء , وتصميم الدستور والفدرالية
الحرية الإقتصادية والإعلام الحر والإقتصاد الحر
مكافحة الفساد
الديمقراطية والدين
دور الولايات المتحدة في بناء الديمقراطية في العراق
ووجدت اسماء المشاركين العرب والعراقيين والأمريكيين
يوجد وفد مشارك من الكونغرس الأمريكي يتالف من رجال ونساء بعضهم عضو في لجنة المرأة العراقية (همم, هذه نقطة اثارت انتباهي ثمة لجنة خاصة تفكر بالمرأة العراقية)
****************************************
خلال الإفتتاح تحدث ممثل عن الخارجية الأمريكية, ثم سيدتان امريكيتان (يعملن في منظمات أمريكية لترويج الديمقراطية في العالم
قالت الأولى ما معناه : مبروك لكن ايتها العراقيات قرار تخصيص نسبة 25% للنساء في المقاعد البرلمانية ولوائح الإنتخابات, وهذا تحقق من كفاحكن للحصول على هذه الحقوق...
واحدة بجانبي علقت : أي كفاح؟
المفوضية العامة للإنتخابات وضعت هذه النقاط, لم نكافح ....
ضحكت...وشممت رائحة النفاق والتملق من كلام السيدة الأمريكية, لماذا تكذب علينا؟
وتفسر الأمور كما يحلو لها؟؟
همم
لتقنعنا اننا مناضلات وانها ترشدنا للطريق السليم, لا بد انها مستمتعة بهذه اللعبة.
حسنا , جاءت السيدة الثانية وقالت بكلام ناعم كأنها ممثلة على مسرح : اغمضوا عيونكم يا عزيزاتي وتخيلوا انفسكم في العراق 2020
ماذا ترون؟
قالت التي بجانبي وهي طبيبة من الجنوب, من الحلة : هه , أرى نساء عاريات قليلات الحياء يملأن الشوارع...
ههههههه
والله لم يخطر ببالي ما قالته, لكني التفت اليها وغرقت في الضحك.
قالت لي : ما هذه المهزلة؟
لماذا يتكلمون معنا هكذا كأننا مغفلات؟
قلت : هذه امريكية يا عزيزتي , ماذا تتوقعين منها ان تقول؟
إنها من عالم آخر..........
ابتسمت المراة وهزت يدها علامة الدهشة والتعجب واستسخاف مما يحدث...
****************************
جاء المحاضر الثاني...
وهو عربي رئيس جامعة امريكية في دولة عربية مجاورة.
وكانت محاضرته وقت الغداء, تعجبت من هذه الفعالية, من سينتبه اليه والغالبية متعبة وامامها صحون الطعام بدل الدفاتر والأقلام
محاضرته كانت ممتازة, قال بدايتها ان الوضع العربي العام متدهور, والدول العربية منتوجها الإقتصادي يعادل منتوج دولة اوروبية صغيرة مثل ايطاليا, رغم تعداد الوطن العربي السكاني أكثر من 200 مليون عربي, وبدأ يستعرض الأسباب حيث تكلم عن تاريخ الديكتاتورية في الحكومات العربية, ثم سيطرتها على المواطن العربي المسكين, ثم ظهور تيارات دينية متشددة تسيطر على ما تبقى من هامش الحياة الإجتماعية العربية, ثم تطرق الى وجود الصراع العربي الإسرائيلي الذي يضغط على الحكومات لتكون ديكتاتورية.
همممم
والله المواضيع عامة ممتازة في ظاهرها, ثم تصبح خبيثة في باطنها, حين ترى ما هو الموضوع؟
من هو المتحدث؟
من هو الحضور؟
طبعا هذه المحاضرات تلقى علينا بحضور المحاضرين الذين جاؤوا من اميركا مع اعضاء مجلس الكونغرس ، حيث يظنون انفسهم حرروا العراق, وسوف يحررون الأمة العربية من كل خيباتها ومشاكلها....
المحاضر مثقف , لكنه يبدو كأنه ختم على جبينه : صنع في اميركا..
لم يكونوا ليعينوه رئيسا لجامعة امريكية لو لم يكن من ماركة : صنع في اميركا
كيف نثق به؟؟؟؟
هذه نقطة شبهة عظيمة تجعلنا لا نصدق نواياه, ولا نتخيلها بريئة.
وكأنه يقول : الحل هو, اسقطوا هذه الحكومات, اخرجوا رجال الدين من حياتكم, تصالحوا مع اسرائيل...
نعم, نريد اسقاط هذه الحكومات الفاسدة المستبدة, ونريد تغيير عقلية رجال الدين الضيقة,
ونريد حل مشاكلنا مع اسرائيل ...
ولكن ليس على الطريقة الأمريكية, ينبغي علينا حل مشاكلنا بالطريقة التي تناسبنا , ودون تدخل اميركا, لانها ليست بريئة تماما من الخراب الذي اصاب حياتنا..
عندنا مثل عراقي يصف شخصا ما : يقول للحرامي اسرق, ويقول لصاحب المال احفظ مالك
وهذا تماما ما تفعله دول الغرب الإستعمارية مع حكوماتنا وشعوبنا..
تحرض الواحد ضد الآخر...وتلعب دور الناصح لكل منهما
والحقيقة انها لا تريد سوى مصالحها.
*********************************
انتهت المحاضرة وفتح باب النقاش...
رفعنا ايدينا للمشاركة, فاعطيت الفرصة للجالسات في الامام
قامت احداهن وبيدها المايكرفون وقالت: انت تدعي انك رجل مثقف
لكن كلامك كله كان عن الدول العربيةوالحكومات العربية والجامعة العربية
لماذا لا تحترموا اننا اكراد, وان رئيس العراق الآن كردي ؟
ارتبك المحاضر وقال انه آسف لم يقصد هذا...
ماذا تقترحين ان نقول؟
قالت: قولوا نحن دول شرق أوسطية مثلا
ارتفع صوت النساء في القاعة , بعضهن كرديات مؤيدات, وبعضهن عربيات معترضات....
وقامت كردية ثانية وتحدثت بالكردية, ومعها واحدة تترجم لها...
طبعا نفس الكلام وبحدة...
جاءت مديرة المؤتمر ( العراقية من البصرة) وقالت : الرجاء انهاء الحوار...
انتهى وقت النقاش, نلتقي بعد الإستراحة.
طبعا بهتنا ..ونظر بعضنا لبعض
سألت اللواتي بجانبي من مدن الجنوب : كم نسبة الأكراد في العراق؟
قالت واحدة : ثلاثة ونصف مليون
حسنا, امسكنا ورقة وقلم وقسمنا ثلاثة ونصف على خمسة وعشرين
النتيجة اقل من 15 بالمئة
إذن, هذا هو العراق الجديد؟
ممنوع تقول انك عربي لأنك تجرح شعور الكردي؟
هذه التعددية صارت سببا للتفريق وليست للتجميع
انتبهت ان الطاولات في المؤتمر كانت منقسمة تقريبا , فئة تجلس عليها كرديات بزيهن الشعبي, وفئة عربيات من الجنوب والوسط وبغداد.
هذه اول مرة ارى العراقيين هكذا....
شكرا لأميركا.... هكذا تريدنا ان نكون, متفرقين, ومتناحرين, ومتباعدين.
المحاضرة كانت ستفتح ابواب نقاش مهمة, لولا هذه المداخلات التافهة التي تنم عن جهل وضيق افق اصحابها.
************************************
بعد الظهر...تم تقسيمنا الى مجاميع
مجموعتنا حضرت المحاضرة حول الديمقراطية والدستور
تحدث أولا استاذ قانون عراقي من البصرة( معارض سابق ومؤيد للحرب على العراق) وتلى على أسماعنا الإسطوانة المشروخة: صدام أعدم اخي وابن عمي ولاب لاب لاب...
نفس الكلام الممل, حفظناه, وصار هوية لكثير من المنافقين المتسلقين الجدد على اكتاف العراقيين, والذين نهبوا وسلبوا ما تبقى من ثروات العراق البائس خلال السنتين الأخيرتين.
صدام أعدم اقارب معظم العراقيين, لكن هذا لم يكن مبررا لينقلبوا الى حفنة من المنافقين المصفقين المؤيدين للحرب والإحتلال
المهم...
قال استاذ القانون ينبغي كتابة دستور جديد يتفق عليه الناس لحماية حقوقهم وممتلكاتهم...وتعددية, وديمقراطية وحقوق انسان...الخ
جاء المحاضر الأمريكي, وركز في كلامه على نقطة ضرورة فصل الدين عن الدولة
والتعلم من الدستور الأمريكي وتجربة الشعب الأمريكي
شعارهم, عيش وخلي غيرك يعيش...
حسنا, لماذا يظنون ان شعار المسلمين : عيش ولا تخلي غيرك يعيش؟
نحن نعيش منذ آلاف السنين في دولنا بسلام وانسجام, مسلمين وغير مسلمين, عرب وغير عرب.
لماذا تثار هذه الفتن علينا؟
تذكرت حديثا للرسول صلى الله عليه وسلم ما معناه : الفتنة نائمة, ملعون من أيقظها.
اي والله, ملعون الى يوم القيامة, من فتح علينا ابواب هذه الفتن الحقيرة المدمرة.
*****************************
قامت سيدة عراقية من الجنوب وقالت للمحاضر الأمريكي : لماذا تركتم العراق خلال انتفاضة 1990 ولم تساعدوا الشعب؟
فقال المحاضر جملته التي سمعتها من معظم الأمريكيين الذين يتصنعون التعاطف مع العراقيين : انا آسف , الرئيس بوش الأب أخطأ وانا اعتذر عما حصل لكم, لكن الرئيس بوش الإبن انتبه للخطأ , وقرر شن الحرب لمساعدتكم وانقاذكم.
همممممم. والله جواب جميل ومقنع وانساني جدا.
فقال لها العراقي المحاضر وهو يريد تخفيف الحرج عن صاحبه : يا بنتي ما ذنبه هو؟
هل انت مسؤولة عن تصرفات صدام حسين؟
هذا الرجل مسكين, غير مسؤول عن اخطاء حكومته
نظرنا ببلاهة ...
هذا مسكين؟
ما جاء به الى هنا ؟
اليس هو يقوم بدور المسوق لأفكار حكومته؟
ثم قال العراقي للسيدة : الست راضية عن سقوط صدام؟
قالت : نعم
قال : خلص, نحن نضع يدنا مع الشيطان ليسقط صدام !
بقينا نحدق مذهولين بهذا المنطق السقيم الفاشل الذي يحاول خداعنا به.
انتهت المحاضرة, وذهبت بعض النساء للنقاش مع المحاضر الأمريكي حول اهمية الدين في حياتنا ولا يمكن فصله عن الدولة لتشيع الفوضى والفساد في المجتمع والشاذين وغيرهم يصبح لهم حقوق ....نحن لن نرضى بهذا, هذه حقوق انسان عندكم, لكن في مجتمعاتنا هذه مفاسد
صارت النساء يناقشنه, وهو مرتبك ويقول انهن على حق وان الدستور الامريكي ليس هو ال
perfect one
اكاد ارى النفاق في وجهه, والخوف منهن ومن اسئلتهن وانتقاداتهن
ولكن اكتشفت الآن ان العراق الجديد ليس من المفروض قول : أنا عربي, انا مسلم
هذه عدوانية ولا ديمقراطية
ماذا نقول ؟
انا شرق اوسطي؟؟
هممم
مذا تعني هذه ؟
ربما لا شي !
نعم, يبدو ان هذا هو المطلوب: كونوا لا شي ء !
هذا هو النموذج للديمقراطية المطلوب تطبيقه هنا
مسح الهوية والأشياء المشتركة بيننا , لنصبح غرباء عن بعضنا , وأعداء بعضنا
************************************************** ***
صباح اليوم الثاني..
كانت المحاضرة حول الديمقراطية والإقتصاد الحر..
نفس المحاضر الأمريكي , وهو باحث في معهد اميركي ومدير جامعة في واشنطن دي سي, وعنده ماجستير ودكتوراه,ويلقي محاضرات حول الدستور والإقتصاد والفدرالية.
ومعه العراقية الكردية التي تعيش في اميركا الآن , وكانت معارضة لصدام حسين.
وهي تمسك المايكرفون وتبدو واثقة وفخورة, وتدير الحوار مع المحاضر, وتنتقد وتتدخل وتملي معلوماتها علينا ....
تحدث الرجل عن ضرورة تبني الإقتصاد الحر في العراق للمرحلة المقبلة, وعدم اعطاء السلطة المطلقة للدولة على ثروات البلاد, لأنها ستكون غنية وقوية وستكون ديكتاتورية.
وإن النفط هو ثروة لكنه مثل اللعنة على الشعوب ان تملكت استثماره الحكومات.
والمفروض ان ننسى الحكومة من حياتنا القادمة ولا نعود بحاجة اليها ولا نتوقع منها ان تنظف بيوتنا او تغسل ثيابنا, نحن سنقوم بكل هذا بانفسنا...
ضحكت بعض النساء وقالت احداهن : ما هذا الكلام السخيف؟
اية حكومة تنظف البيوت وتغسل الثياب ؟
ضحكنا, وصرخت العراقية الكردية مديرة الجلسة وطلبت الهدوء...
ثم بدأ النقاش...
السيدة العراقية الكردية تتشبث بالمايك ولا تعطينا فرصة للكلام, ثم تنظر حسب مزاجها لتختار المتحدثات, وتقف على رأسها, إن كان السؤال تافها, تصبر عليها, وإن كان صعبا تقول لها : كفى , الوقت ضيق !
الأسئلة بدات سهلة ثم صارت صعبة ثم عنيفة...
قالت له واحدة : حسنا , نحن عانينا من الفساد الإداري زمن صدام, وبعد الحرب جاءت قيادات جديدة فاسدة وسرقت الكثير من اموال الشعب, كيف تطالب بتسليم عائدات النفط للقطاع الخاص؟
كيف سنثق بنزاهتهم؟
قامت الثانية وقالت : اقتصاد حر يعني طبقات غنية جدا, وطبقات فقيرة جدا في المستقبل
هذه صورة مخيفة للعراق وما سيحدث له.
قامت الثالثة وقالت : من اين ستأتي موارد للعراقيين ان كانت الثروات ستكون بيد شركات خاصة واقتصاد حر؟
اليس المفروض ان نكتب دستورا فيه قوانين جيدة تحمي الشعب, وننتخب حكومة جيدة, وتوزع الثروة بعدالة للمواطنين؟
قالت السيدة الكردية التي تدير النقاش : طبعا ممكن تجدوا مصادر الدخل جيدة في الاقتصاد الحر, يعني تقدمون على مناقصة من الدولة وتأخذون فرصة للحصول عليها بدلا من ان يأخذها واحد عنده واسطة..
صرخنا عليها وقلنا : هذا لا علاقة له بالإقتصاد الحر..هذا له علاقة بالفساد الإداري.
يبدو انها غضبت وقالت حسنا انتهى الوقت والنقاش
صرخنا وتعالت صيحات الإعتراض..
قالت التي بجانبي :نريد ان نكمل النقاش, نريد ان نفهم لماذا يريدون النفط لشركاتهم الخاصة؟
هه؟
اذن هم يقولون لنا منذ الان اغسلوا ايديكم, النفط ليس لكم, دبروا حالكم من دونه
كيف سنعيش ؟؟
تعالى الصراخ في القاعة..
وقالت السيدة التي تدير النقاش : كفى, انتهى الوقت
كان الأمريكي يحدق بنا ولا يفهم ما يحدث بالضبط..
واحسست نفسي سأنفجر من الغضب ..
وقفت وصرخت بها : دعيهم يتكلمون, لقد سمعنا ما فيه الكفاية من المحاضر, لا تتحججي بالوقت , دعينا نتكلم !
قالت التي تريد المزيد من الكلام تذهب للحديث معه بعد المحاضرة
قلت لها لا نريد احاديث فردية معه, نريد احاديث عامة ومفتوحة وصريحة ليسمعها الجميع
صارت تحكي وتبربر...لكني تجاوزتها ونظرت صوب المحاضر وكلمته مباشرة ورفعت صوتي ليسمعني جيدا : لا يجوز ان يكون الوقت محدد لنسمع فقط, هذا غير مقبول, ينبغي ان تسمعوننا, نحن سمعناكم, ونعرف وجهة نظركم, لكن انتم ايضا ينبغي ان تسمعونا, لأننا نحن النساء العراقيات, سنعود للعراق وليس انتم, سنبني العراق وليس انتم, مستقبل العراق يخصنا وليس انتم...ما جئنا هنا لنسمعكم فقط, جئنا نتعلم ونتناقش, لكنكم لا تسمحون لنا بالكلام..
يجب اعادة ترتيب قواعد المؤتمر وقوانينه كما نريد نحن...
زاد الصراخ في القاعة من الحضور الغاضب...
تقدمت من المحاضر وقلت له : هل كل الحكومات ينبغي ان تكون ضعيفة وفقيرة حتى تكون ديمقراطية؟
هل كل الحكومات الغنية شريرة ولا تتدخل لمساعدة مواطنيها ؟
اليست الحكومة عندكم قوية؟
اليست تدعم الصحة والتعليم والفقراء والمحتاجين؟
لماذا تعطينا محاضرات عن أشياء عجيبة؟
ارتبك واحمر وجهه وقال سنتكلم لاحقا, انا اريد الذهاب عندي محاضرة اخرى...
ههمممم
تركته ومضيت....
**********************************
خرجنا من القاعة غاضبين , وذهبت النساء للصالة المجاورة للاستراحة وشرب الشاي..
اما انا فقد صعدت الى غرفتي, وجلست على السرير, ووضعت رأسي بين يدي وفكرت بهدوء : ما الذي يجبرني على البقاء وسماع هذا الكلام الفارغ الذي يحرق الأعصاب؟؟
حفنة من الكذابين يسوقون علينا قصصهم التافهة..ويحرقون اعصابنا..
عندي درس توفل في المساء في عمان, هل أظل هنا أم اغادر لحضور الدرس؟؟
طبعا الدرس اهم من هذا ال
crap
حزمت حقائبي واتصلت بال
reception
ليبعثوا من ينزلها الى الباص المتوجه الى عمان بعد نصف ساعة
كتبت ورقة لزميلتي في الغرفة وقلت لها انني متعبة وهذا مؤتمر سخيف ومحبط
وكتبت رسالة اخرى الى منسقة المؤتمر اخبرتها عن المواقف السخيفة التي شاهدتها وسوء ادارة الجلسات وعدم السماح لنا بالحديث.
ونزلت الى القاعة الكبيرة في الفندق, جلست بهدوء انتظر الباص...
كان ثمة امرأة في الممر الخارجي تمشي في الممر بعصبية وتدخن....أعرفها من بغداد
خرجت اليها وسألتها ما بها , قالت ان رأسها سينفجر من الصداع..
قلت لها بسيطة وانا ايضا عندي صداع ربما من الإرهاق..
قالت لا ليس ارهاق , بل من الشعور بالقهر والغضب
قلت لماذا ؟
ماذا حصل لمجموعتكم؟
قالت المحاضر يتكلم عن الفدرالية, يقول لازم نقسم العراق الى محافظات وكل واحدة منفصلة وتحكم نفسها ولها موارد مستقلة
ما هذا؟
سيدمرون العراق ووحدته؟؟
اريد ان ابكي, سأنفجر من الغضب...
قالت ,
نظرت اليها وقلت : لا تبكي يا عزيزتي ولا تنفجري, ادخلي القاعة, واصرخي بوجوههم كما فعلنا في قاعتنا, وقولي لهم لا نريد سماع افكاركم المسمومة..
قالت : ماذا يفعلون بنا؟
هل هذا غسيل أدمغة؟؟
قلت : نعم, هذا غسيل ادمغة...جاؤوا بنا هنا ليغسلوا ادمغتنا ويسوقوا افكارهم السامة علينا, ويريدوننا ان نسوقها حين نعود للعراق...
سأذهب الى عمان, لا أقدر ان اتحمل المزيد...
قلت لها..
اما هي فتساءلت بحزن : ومن سيجعلني أتحمل؟
من سيرجعني الى بغداد الآن؟
انا مضطرة للإنتظار حتى نهاية المؤتمر بعد يومين او ثلاثة..
قلت لها : كان الله في عونك...كان الله في عونكم جميعا...
***********************************
غادرت الفندق كأنني أخرج من مكان خانق لا هواء فيه, أو ربما هواءه فاسد....
واليوم افكر مع نفسي : لو يعود الوقت هل كنت سأشارك في المؤتمر؟
الجواب نعم
تعلمت الكثير...ورأيت الوجه الحقيقي للذين احتلوا العراق, وفهمت خططهم حول مستقبل العراق..
لو بقيت بعيدة واسمع من الصحف, لما حصلت على هذا الكم المذهل من الحقائق الموثقة
محاضرات تمتليء بالسموم والكلام الفارغ...
تأكد لي الآن أن كلمة مسلم تؤلمهم وتغيظهم, وكذلك كلمة عربي..
وسيقسمون العراق الى اكثر ما يكون , حتى يضربوهم ببعض, يضربون الكردي بالعربي, والسني بالشيعي , والمسلم بالمسيحي
وكنا نعيش تحت ظلم حكومة وطنية دكتاتورية نعم, لكنها لم تلعب هكذا لعبة قذرة لتفرقنا وتجعلنا اعداء بعضنا, ينهش كل منا الآخر, ويريد نهش قطعة من ثروات العراق له ولجماعته.....الحكومة السابقة ظلمتنا جميعا...لكنها لم تقسمنا الى طوائف وأعراق كما فعل بنا الإحتلال
قسمنا منذ دخل الى سنة وشيعة واكراد
ضرب السنة اولا واستفرد بهم, واعطى امتيازات للاكراد والشيعة, وغدا سيصطدم بالشيعة ويضربهم, وبعدها الأكراد ويضربهم, حسب المصالح, لا توجد صداقات وتحالفات ثابتة, كلها تتبع المصالح.
اليوم يستعملون رجال الدين مثل السستاني, وغدا ينقلبون عليه ويضربوه ويقلصوا صلاحيته.....
تذكرت مقولة لغاندي : حكوماتنا الوطنية الدكتاتورية أكثر رحمة بنا من الإستعمار والإحتلال الأجنبي
******************************
والآن فهمت لماذا يتباكون على النساء العراقيات ويعطوهن حريات ومقاعد..
ليكن مسوقات لأفكارهم , المرأة نصف المجتمع, ومربية الأجيال, نستحوذ عليها, ونسيطر على تفكيرها ونغسل دماغها, لتكون وسيلة نشر ممتازة (ثقافية واجتماعية
وأرى الآن كم مدخلا دخلت أميركا لتحتل العراق منه...
يوجد محور لتسويق افكارهم ضمن الأحزاب العراقية...
وهذا يعني الحكومة والمجلس الوطني..
ومحور للجمعيات غير الحكومية( منظمات المجتمع المدني
ومحور النساء..
بقي محور الشباب...وهذا مسيطر عليه ضمن ال
media
والقنوات الفضائية الساقطة والرخيصة المحتويات..أغاني تافهة ونساء خليعات عديمات الحياء, ودعايات منتجات غربية موبايلات ومشروبات غازية ومطاعم غربية....
وقنوات اجنبية تعرض ليل نهار الأفلام والمسلسلات الغربية...
يعني حصار من كل الجهات..أي قمر تفتح عليه تطلع لك هذه القنوات...هذه ايضا طريقة غسيل ادمغة يومية...
**********************************
وبعد كل هذا , أقول بصراحة انني لست محبطة أبدا...
الذي رأيته من العراقيات في المؤتمر جعلني أثق بهن, وبالعراقيين عامة, وعندي رهان أن هذا الشعب لن يقدر أحد على خداعه.....
آجلا أم عاجلا...سيصطدمون مع الإحتلال وينكشف وجهه الحقيقي وما يريد ان يفعل بمستقبل العراق...
وعندي أمل بالعراقيين الذين لم يشاركوا صدام في ظلمه, ولم يشاركوا اميركا في ظلمها.
والذين تحملوا الحصار والحرب والظلم والخراب والدمار...ولا يرضيهم ما حدث للعراق, وما يحدث الآن....
هؤلاء هم المعارضة الجديدة...
معارضة ضد وجود الإحتلال الأجنبي للعراق...وضد كل من يساند هذا الإحتلال, ويروج ويسوق أفكاره..
ومعارضة ضد كل عمل ارهابي يستهدف العراقيين الأبرياء من مدنيين وجيش وشرطة..
ولن يلجأوا لدولة يختبؤوا بها ويؤيدوها للحرب على العراق..
يؤمنون ان العراق للعراقيين, وثروات العراق للعراقيين, ويستمدون قوتهم من شعبهم , , ولا يستمدونها من قوى أجنبية.
هكذا اظن مواصفات الوطنيين الجدد الذين يحتاجهم العراق في هذه المرحلة
وعندي شعور قوي انهم موجودون...وسيظهرون على الساحة
انها فقط مسألة وقت...
عاجلا ام آجلا..سيظهرون ويقودون الشعب الى طريق التحرر والخلاص والديمقراطية
بعيدا عن قادة مزيفين, ومسوقين لأفكار مزيفة, ونوايا خبيثة صارت مكشوفة للصغير والكبير...للجاهل والمتعلم...للقريب والبعيد
*********************************************
قبل ذهابي للمؤتمر كنت اكثر اعتدالا...كنت في الوسط
لكن بعد حضوره ...
تأكد لي انني يجب ان اتحرك من الوسط الى موقع اكثر وضوحا..
وأظن معظم العراقيين سيصيبهم ما اصابني...بمرور الوقت, ومواجهة الوجه الحقيقي للإحتلال الأمريكي , سيكون عليهم ان يختاروا..إما ..أو
إما البقاء معه والترويج له....
او التبريء منه...ومطالبته بالخروج من العراق, ورفض أفكاره, ورفض وجود كل من يروج ويسوق أفكاره بين العراقيين والعراقيات
إنها دائما ...مسألة وقت.
*******************************
سينتهي المؤتمر يوم الأربعاء, وربما ستكتب الصحف الأمريكية عنه..
سيقولون انه كان رائعا وعظيما والنساء العراقيات أحببنه واستفدن منه وشكرن القائمين عليه من الحكومة الامريكية...
ههههه
عندما ستقرأون عنه...
تذكروني..............
# posted by faiza @ 12:24 AM
http://afamilyinbaghdad.blogspot.com
شبكة البصرة
الاثنين 9 ربيع الاول 1426 / 18 نيسان 2005
يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس
عن موقع ((بلوغ عائلة في بغداد))
شبكة البصرة
لأحد 10 نيسان 2005
مساء الخير..
عدت الى عمان من البحر الميت, حيث كان ثمة مؤتمر لنساء قياديات عراقيات يعقد هناك
همممم
كان عندي فضول كبير لحضوره ومعرفة الحوار والمواضيع التي ستناقش فيه, والتي تخص مستقبل العراق , والرؤيا التي يمكن تبنيها لصناعة ذلك المستقبل..
يوم الجمعة بعد الظهر...ذهبت الى الفندق , و قابلت نساء كثيرات قادمات من مختلف مدن العراق, من الشمال والوسط والجنوب.
بعضهن أراهن لأول مرة, وبعضهن أعرفهن من بغداد حيث كن يعملن في منظمات نسائية مختلفة لرعاية ايتام وارامل ومعوقين وغيرها
في المساء التقينا ,في صالة الفندق بعد العشاء, وتكلمنا مع منسقة البرنامج التي طلبت ان نتجمع ونتناقش حول ترتيبات المؤتمر غدا, أو سماع ملاحظات الوفود.
تكلمت نساء كثيرات واشتكين من موضوع عدم نقلهن بطريق الجو الى عمان, وعدم توفير الحماية الأمنية للمشاركات, وكل واحدة تاتي على مسؤوليتها تاركة اطفالها وبيتها لتشارك في هذا المؤتمر, لكن يبدو ان إدارة المؤتمر التي تقيمه لتدريب العراقيات ليكن قياديات, لا تهتم بسلامة المشاركات ولم تقدم مساعدة في هذا المجال, لماذا؟
تساءلن وقلن : هل المنظمين للمؤتمر ليس عندهم ميزانية كافية؟
ان كان كذلك لماذا لم يعقدوه داخل العراق لتقليل المصروفات؟
لماذا ليس في المنطقة الشمالية مثلا حيث الحالة الأمنية ممتازة مقارنة ببغداد وغيرها؟
هل يخافون على الأمريكان المشاركين ويؤمنون لهم الحماية, ولا يهتمون بالمشاركات العراقيات ويعطون لكل واحدة فقط 150 $ أجرة الطريق , ولتذهب على مسؤوليتها؟
هذه ليست عدالة !
ثم قالت مشاركة من السليمانية : لقد اخبرونا ان الطريق الى الأردن آمن ويمتليء بنقاط تفتيش امريكية لحماية الناس, ولم نجد أحدا لحمايتنا, لحقت بنا سيارة وأطلقوا علينا النار لأننا كتبنا عليها : وفد السليمانية, لا ادري, لقد اخطأنا, ولم ننتبه ان هذا يجلب علينا الخطر بدل الحماية, ولا ندري كيف وصلنا, كدنا نموت من الرعب, من يتحمل مسؤولية ما يحدث لنا؟
وفريق آخر قالوا انهم وجدوا مضايقات على الحدود الاردنية واسئلة تشبه التحقيق, لماذا جئتم؟ وأين تذهبون؟ وما هو المؤتمر؟
كان المفروض أن توجهوا كتبا رسمية للحدود حتى يحترمونا ولا يزعجونا...
نظرنا بوجوه بعضنا...
تدخلت احدى المسؤولات عن تنظيم المؤتمر وهي كردية(كانت معارضة زمن صدام والآن تعيش في اميركا ) واعتذرت منهن وقالت مبررات كثيرة لكنها اخيرا طلبت منهم ان يكونوا لجنة واكتبوا مشاكلكم الى هيئة المؤتمر
ووجهوا 3 رسائل : واحدة للحدود الأردنية (شكوى
وواحدة لهيئة المؤتمر (شكوى اخرى
وثالثة للحكومة الأمريكية (هممم, الان أتساءل هل حقا كتبت اللجنة تلك الرسائل , وأين ذهبت؟ وهل الحكومة الأمريكية ستقرأ هذه الرسالة وتعتذر للعراقيات ؟
أم هي طريقة مبتكرة على الطريقة الأمريكية لإمتصاص غضب الناس والضحك عليهم؟
**********************************
عندما رأيت مديرة البرنامج ابتسمت لها وتعرفنا بذكر إسم كل واحدة منا...
لم أكن التقيت بها من قبل ( هي من البصرة ومقيمة في اميركا, هذا كل ما اعرفه
في اليوم التالي على منصة الإفتتاح, تقدمت المرأة ذاتها لإلقاء كلمة الإقتتاح للمؤتمر..
كانت ترتدي حجابا برتقاليا على رأسها..
تذكرتها فجأة...تذكرت صورتها في الصحف الملونه بنفس الحجاب , قبل شهور من الآن , التفت الى زميلتي التي بجانبي وسألتها : أليست هذه المرأة نفسها ألقت خطابا في الكونغرس وشكرت بوش على تحرير العراق؟
ابتسمت زميلتي وقالت : نعم, هي نفسها !
يا الهي !
بقيت مذهولة للحظات.........
ثم قلت لنفسي : حسنا, سنرى ونسمع , لن اتخذ موقفا مسبقا وأقرر بسلبية , سأكون اكثر صبرا واعتدالا
أريد أن أرى العراقيات القادمات من هناك كيف يفكرن في هذه المرحلة, ما هو نوع الإتفاق بيننا وبين الأمريكان القادمين لإلقاء المحاضرات؟
ما هي الأشياء المشتركة بيننا؟
لا توجد تجربة جديدة الا فيها معلومة مفيدة
سنرى ما هي المعلومة الجديدة
*******************************
حين وزعوا علينا حقائب المؤتمر, وبداخلها البرنامج المطبوع, وبعض المحاضرات التي سيتم القائها, ونبذة مختصرة عن المشاركين من عراقيين وعرب وامريكيين.
لا حظت أن العراقيين المشاركين (رجال ونساء) مع لجان المؤتمر, فيهم صفة مشتركة : انهم كانوا معارضة ضد صدام, ومقيمين في اميركا , ومشجعين لفكرة الحرب على العراق واسقاط صدام, والان يشاركون في المؤتمرات كمنسقين بين الإدارة الأمريكية, والشعب العراقي, يعني مسوقين لأفكار اميركا وتسهيل ترويجها في( العراق الجديد
هؤلاء الناس يعيشون بعقلية : ظالم او مظلوم...
هكذا هي مواقعهم في الحياة, يتأرجحون بين احتمالين لا ثالث لهما.
بينما باقي الشعب (الغالبية) تكون أقل نفاقا وانتهازية من هؤلاء.
بصراحة أراهم اناسا انتهازيين لا يستحقون الاحترام
*************************************************
ولاحظت ان التاريخ كان يوم 9 نيسان, تذكرت سقوط بغداد في هذا اليوم وانقبض قلبي....
تصفحت البرنامج ووجدت فيه محاور متعددة ستدور حولها المحاضرات والنقاشات.
الديمقراطية(مباديء , وتصميم الدستور والفدرالية
الحرية الإقتصادية والإعلام الحر والإقتصاد الحر
مكافحة الفساد
الديمقراطية والدين
دور الولايات المتحدة في بناء الديمقراطية في العراق
ووجدت اسماء المشاركين العرب والعراقيين والأمريكيين
يوجد وفد مشارك من الكونغرس الأمريكي يتالف من رجال ونساء بعضهم عضو في لجنة المرأة العراقية (همم, هذه نقطة اثارت انتباهي ثمة لجنة خاصة تفكر بالمرأة العراقية)
****************************************
خلال الإفتتاح تحدث ممثل عن الخارجية الأمريكية, ثم سيدتان امريكيتان (يعملن في منظمات أمريكية لترويج الديمقراطية في العالم
قالت الأولى ما معناه : مبروك لكن ايتها العراقيات قرار تخصيص نسبة 25% للنساء في المقاعد البرلمانية ولوائح الإنتخابات, وهذا تحقق من كفاحكن للحصول على هذه الحقوق...
واحدة بجانبي علقت : أي كفاح؟
المفوضية العامة للإنتخابات وضعت هذه النقاط, لم نكافح ....
ضحكت...وشممت رائحة النفاق والتملق من كلام السيدة الأمريكية, لماذا تكذب علينا؟
وتفسر الأمور كما يحلو لها؟؟
همم
لتقنعنا اننا مناضلات وانها ترشدنا للطريق السليم, لا بد انها مستمتعة بهذه اللعبة.
حسنا , جاءت السيدة الثانية وقالت بكلام ناعم كأنها ممثلة على مسرح : اغمضوا عيونكم يا عزيزاتي وتخيلوا انفسكم في العراق 2020
ماذا ترون؟
قالت التي بجانبي وهي طبيبة من الجنوب, من الحلة : هه , أرى نساء عاريات قليلات الحياء يملأن الشوارع...
ههههههه
والله لم يخطر ببالي ما قالته, لكني التفت اليها وغرقت في الضحك.
قالت لي : ما هذه المهزلة؟
لماذا يتكلمون معنا هكذا كأننا مغفلات؟
قلت : هذه امريكية يا عزيزتي , ماذا تتوقعين منها ان تقول؟
إنها من عالم آخر..........
ابتسمت المراة وهزت يدها علامة الدهشة والتعجب واستسخاف مما يحدث...
****************************
جاء المحاضر الثاني...
وهو عربي رئيس جامعة امريكية في دولة عربية مجاورة.
وكانت محاضرته وقت الغداء, تعجبت من هذه الفعالية, من سينتبه اليه والغالبية متعبة وامامها صحون الطعام بدل الدفاتر والأقلام
محاضرته كانت ممتازة, قال بدايتها ان الوضع العربي العام متدهور, والدول العربية منتوجها الإقتصادي يعادل منتوج دولة اوروبية صغيرة مثل ايطاليا, رغم تعداد الوطن العربي السكاني أكثر من 200 مليون عربي, وبدأ يستعرض الأسباب حيث تكلم عن تاريخ الديكتاتورية في الحكومات العربية, ثم سيطرتها على المواطن العربي المسكين, ثم ظهور تيارات دينية متشددة تسيطر على ما تبقى من هامش الحياة الإجتماعية العربية, ثم تطرق الى وجود الصراع العربي الإسرائيلي الذي يضغط على الحكومات لتكون ديكتاتورية.
همممم
والله المواضيع عامة ممتازة في ظاهرها, ثم تصبح خبيثة في باطنها, حين ترى ما هو الموضوع؟
من هو المتحدث؟
من هو الحضور؟
طبعا هذه المحاضرات تلقى علينا بحضور المحاضرين الذين جاؤوا من اميركا مع اعضاء مجلس الكونغرس ، حيث يظنون انفسهم حرروا العراق, وسوف يحررون الأمة العربية من كل خيباتها ومشاكلها....
المحاضر مثقف , لكنه يبدو كأنه ختم على جبينه : صنع في اميركا..
لم يكونوا ليعينوه رئيسا لجامعة امريكية لو لم يكن من ماركة : صنع في اميركا
كيف نثق به؟؟؟؟
هذه نقطة شبهة عظيمة تجعلنا لا نصدق نواياه, ولا نتخيلها بريئة.
وكأنه يقول : الحل هو, اسقطوا هذه الحكومات, اخرجوا رجال الدين من حياتكم, تصالحوا مع اسرائيل...
نعم, نريد اسقاط هذه الحكومات الفاسدة المستبدة, ونريد تغيير عقلية رجال الدين الضيقة,
ونريد حل مشاكلنا مع اسرائيل ...
ولكن ليس على الطريقة الأمريكية, ينبغي علينا حل مشاكلنا بالطريقة التي تناسبنا , ودون تدخل اميركا, لانها ليست بريئة تماما من الخراب الذي اصاب حياتنا..
عندنا مثل عراقي يصف شخصا ما : يقول للحرامي اسرق, ويقول لصاحب المال احفظ مالك
وهذا تماما ما تفعله دول الغرب الإستعمارية مع حكوماتنا وشعوبنا..
تحرض الواحد ضد الآخر...وتلعب دور الناصح لكل منهما
والحقيقة انها لا تريد سوى مصالحها.
*********************************
انتهت المحاضرة وفتح باب النقاش...
رفعنا ايدينا للمشاركة, فاعطيت الفرصة للجالسات في الامام
قامت احداهن وبيدها المايكرفون وقالت: انت تدعي انك رجل مثقف
لكن كلامك كله كان عن الدول العربيةوالحكومات العربية والجامعة العربية
لماذا لا تحترموا اننا اكراد, وان رئيس العراق الآن كردي ؟
ارتبك المحاضر وقال انه آسف لم يقصد هذا...
ماذا تقترحين ان نقول؟
قالت: قولوا نحن دول شرق أوسطية مثلا
ارتفع صوت النساء في القاعة , بعضهن كرديات مؤيدات, وبعضهن عربيات معترضات....
وقامت كردية ثانية وتحدثت بالكردية, ومعها واحدة تترجم لها...
طبعا نفس الكلام وبحدة...
جاءت مديرة المؤتمر ( العراقية من البصرة) وقالت : الرجاء انهاء الحوار...
انتهى وقت النقاش, نلتقي بعد الإستراحة.
طبعا بهتنا ..ونظر بعضنا لبعض
سألت اللواتي بجانبي من مدن الجنوب : كم نسبة الأكراد في العراق؟
قالت واحدة : ثلاثة ونصف مليون
حسنا, امسكنا ورقة وقلم وقسمنا ثلاثة ونصف على خمسة وعشرين
النتيجة اقل من 15 بالمئة
إذن, هذا هو العراق الجديد؟
ممنوع تقول انك عربي لأنك تجرح شعور الكردي؟
هذه التعددية صارت سببا للتفريق وليست للتجميع
انتبهت ان الطاولات في المؤتمر كانت منقسمة تقريبا , فئة تجلس عليها كرديات بزيهن الشعبي, وفئة عربيات من الجنوب والوسط وبغداد.
هذه اول مرة ارى العراقيين هكذا....
شكرا لأميركا.... هكذا تريدنا ان نكون, متفرقين, ومتناحرين, ومتباعدين.
المحاضرة كانت ستفتح ابواب نقاش مهمة, لولا هذه المداخلات التافهة التي تنم عن جهل وضيق افق اصحابها.
************************************
بعد الظهر...تم تقسيمنا الى مجاميع
مجموعتنا حضرت المحاضرة حول الديمقراطية والدستور
تحدث أولا استاذ قانون عراقي من البصرة( معارض سابق ومؤيد للحرب على العراق) وتلى على أسماعنا الإسطوانة المشروخة: صدام أعدم اخي وابن عمي ولاب لاب لاب...
نفس الكلام الممل, حفظناه, وصار هوية لكثير من المنافقين المتسلقين الجدد على اكتاف العراقيين, والذين نهبوا وسلبوا ما تبقى من ثروات العراق البائس خلال السنتين الأخيرتين.
صدام أعدم اقارب معظم العراقيين, لكن هذا لم يكن مبررا لينقلبوا الى حفنة من المنافقين المصفقين المؤيدين للحرب والإحتلال
المهم...
قال استاذ القانون ينبغي كتابة دستور جديد يتفق عليه الناس لحماية حقوقهم وممتلكاتهم...وتعددية, وديمقراطية وحقوق انسان...الخ
جاء المحاضر الأمريكي, وركز في كلامه على نقطة ضرورة فصل الدين عن الدولة
والتعلم من الدستور الأمريكي وتجربة الشعب الأمريكي
شعارهم, عيش وخلي غيرك يعيش...
حسنا, لماذا يظنون ان شعار المسلمين : عيش ولا تخلي غيرك يعيش؟
نحن نعيش منذ آلاف السنين في دولنا بسلام وانسجام, مسلمين وغير مسلمين, عرب وغير عرب.
لماذا تثار هذه الفتن علينا؟
تذكرت حديثا للرسول صلى الله عليه وسلم ما معناه : الفتنة نائمة, ملعون من أيقظها.
اي والله, ملعون الى يوم القيامة, من فتح علينا ابواب هذه الفتن الحقيرة المدمرة.
*****************************
قامت سيدة عراقية من الجنوب وقالت للمحاضر الأمريكي : لماذا تركتم العراق خلال انتفاضة 1990 ولم تساعدوا الشعب؟
فقال المحاضر جملته التي سمعتها من معظم الأمريكيين الذين يتصنعون التعاطف مع العراقيين : انا آسف , الرئيس بوش الأب أخطأ وانا اعتذر عما حصل لكم, لكن الرئيس بوش الإبن انتبه للخطأ , وقرر شن الحرب لمساعدتكم وانقاذكم.
همممممم. والله جواب جميل ومقنع وانساني جدا.
فقال لها العراقي المحاضر وهو يريد تخفيف الحرج عن صاحبه : يا بنتي ما ذنبه هو؟
هل انت مسؤولة عن تصرفات صدام حسين؟
هذا الرجل مسكين, غير مسؤول عن اخطاء حكومته
نظرنا ببلاهة ...
هذا مسكين؟
ما جاء به الى هنا ؟
اليس هو يقوم بدور المسوق لأفكار حكومته؟
ثم قال العراقي للسيدة : الست راضية عن سقوط صدام؟
قالت : نعم
قال : خلص, نحن نضع يدنا مع الشيطان ليسقط صدام !
بقينا نحدق مذهولين بهذا المنطق السقيم الفاشل الذي يحاول خداعنا به.
انتهت المحاضرة, وذهبت بعض النساء للنقاش مع المحاضر الأمريكي حول اهمية الدين في حياتنا ولا يمكن فصله عن الدولة لتشيع الفوضى والفساد في المجتمع والشاذين وغيرهم يصبح لهم حقوق ....نحن لن نرضى بهذا, هذه حقوق انسان عندكم, لكن في مجتمعاتنا هذه مفاسد
صارت النساء يناقشنه, وهو مرتبك ويقول انهن على حق وان الدستور الامريكي ليس هو ال
perfect one
اكاد ارى النفاق في وجهه, والخوف منهن ومن اسئلتهن وانتقاداتهن
ولكن اكتشفت الآن ان العراق الجديد ليس من المفروض قول : أنا عربي, انا مسلم
هذه عدوانية ولا ديمقراطية
ماذا نقول ؟
انا شرق اوسطي؟؟
هممم
مذا تعني هذه ؟
ربما لا شي !
نعم, يبدو ان هذا هو المطلوب: كونوا لا شي ء !
هذا هو النموذج للديمقراطية المطلوب تطبيقه هنا
مسح الهوية والأشياء المشتركة بيننا , لنصبح غرباء عن بعضنا , وأعداء بعضنا
************************************************** ***
صباح اليوم الثاني..
كانت المحاضرة حول الديمقراطية والإقتصاد الحر..
نفس المحاضر الأمريكي , وهو باحث في معهد اميركي ومدير جامعة في واشنطن دي سي, وعنده ماجستير ودكتوراه,ويلقي محاضرات حول الدستور والإقتصاد والفدرالية.
ومعه العراقية الكردية التي تعيش في اميركا الآن , وكانت معارضة لصدام حسين.
وهي تمسك المايكرفون وتبدو واثقة وفخورة, وتدير الحوار مع المحاضر, وتنتقد وتتدخل وتملي معلوماتها علينا ....
تحدث الرجل عن ضرورة تبني الإقتصاد الحر في العراق للمرحلة المقبلة, وعدم اعطاء السلطة المطلقة للدولة على ثروات البلاد, لأنها ستكون غنية وقوية وستكون ديكتاتورية.
وإن النفط هو ثروة لكنه مثل اللعنة على الشعوب ان تملكت استثماره الحكومات.
والمفروض ان ننسى الحكومة من حياتنا القادمة ولا نعود بحاجة اليها ولا نتوقع منها ان تنظف بيوتنا او تغسل ثيابنا, نحن سنقوم بكل هذا بانفسنا...
ضحكت بعض النساء وقالت احداهن : ما هذا الكلام السخيف؟
اية حكومة تنظف البيوت وتغسل الثياب ؟
ضحكنا, وصرخت العراقية الكردية مديرة الجلسة وطلبت الهدوء...
ثم بدأ النقاش...
السيدة العراقية الكردية تتشبث بالمايك ولا تعطينا فرصة للكلام, ثم تنظر حسب مزاجها لتختار المتحدثات, وتقف على رأسها, إن كان السؤال تافها, تصبر عليها, وإن كان صعبا تقول لها : كفى , الوقت ضيق !
الأسئلة بدات سهلة ثم صارت صعبة ثم عنيفة...
قالت له واحدة : حسنا , نحن عانينا من الفساد الإداري زمن صدام, وبعد الحرب جاءت قيادات جديدة فاسدة وسرقت الكثير من اموال الشعب, كيف تطالب بتسليم عائدات النفط للقطاع الخاص؟
كيف سنثق بنزاهتهم؟
قامت الثانية وقالت : اقتصاد حر يعني طبقات غنية جدا, وطبقات فقيرة جدا في المستقبل
هذه صورة مخيفة للعراق وما سيحدث له.
قامت الثالثة وقالت : من اين ستأتي موارد للعراقيين ان كانت الثروات ستكون بيد شركات خاصة واقتصاد حر؟
اليس المفروض ان نكتب دستورا فيه قوانين جيدة تحمي الشعب, وننتخب حكومة جيدة, وتوزع الثروة بعدالة للمواطنين؟
قالت السيدة الكردية التي تدير النقاش : طبعا ممكن تجدوا مصادر الدخل جيدة في الاقتصاد الحر, يعني تقدمون على مناقصة من الدولة وتأخذون فرصة للحصول عليها بدلا من ان يأخذها واحد عنده واسطة..
صرخنا عليها وقلنا : هذا لا علاقة له بالإقتصاد الحر..هذا له علاقة بالفساد الإداري.
يبدو انها غضبت وقالت حسنا انتهى الوقت والنقاش
صرخنا وتعالت صيحات الإعتراض..
قالت التي بجانبي :نريد ان نكمل النقاش, نريد ان نفهم لماذا يريدون النفط لشركاتهم الخاصة؟
هه؟
اذن هم يقولون لنا منذ الان اغسلوا ايديكم, النفط ليس لكم, دبروا حالكم من دونه
كيف سنعيش ؟؟
تعالى الصراخ في القاعة..
وقالت السيدة التي تدير النقاش : كفى, انتهى الوقت
كان الأمريكي يحدق بنا ولا يفهم ما يحدث بالضبط..
واحسست نفسي سأنفجر من الغضب ..
وقفت وصرخت بها : دعيهم يتكلمون, لقد سمعنا ما فيه الكفاية من المحاضر, لا تتحججي بالوقت , دعينا نتكلم !
قالت التي تريد المزيد من الكلام تذهب للحديث معه بعد المحاضرة
قلت لها لا نريد احاديث فردية معه, نريد احاديث عامة ومفتوحة وصريحة ليسمعها الجميع
صارت تحكي وتبربر...لكني تجاوزتها ونظرت صوب المحاضر وكلمته مباشرة ورفعت صوتي ليسمعني جيدا : لا يجوز ان يكون الوقت محدد لنسمع فقط, هذا غير مقبول, ينبغي ان تسمعوننا, نحن سمعناكم, ونعرف وجهة نظركم, لكن انتم ايضا ينبغي ان تسمعونا, لأننا نحن النساء العراقيات, سنعود للعراق وليس انتم, سنبني العراق وليس انتم, مستقبل العراق يخصنا وليس انتم...ما جئنا هنا لنسمعكم فقط, جئنا نتعلم ونتناقش, لكنكم لا تسمحون لنا بالكلام..
يجب اعادة ترتيب قواعد المؤتمر وقوانينه كما نريد نحن...
زاد الصراخ في القاعة من الحضور الغاضب...
تقدمت من المحاضر وقلت له : هل كل الحكومات ينبغي ان تكون ضعيفة وفقيرة حتى تكون ديمقراطية؟
هل كل الحكومات الغنية شريرة ولا تتدخل لمساعدة مواطنيها ؟
اليست الحكومة عندكم قوية؟
اليست تدعم الصحة والتعليم والفقراء والمحتاجين؟
لماذا تعطينا محاضرات عن أشياء عجيبة؟
ارتبك واحمر وجهه وقال سنتكلم لاحقا, انا اريد الذهاب عندي محاضرة اخرى...
ههمممم
تركته ومضيت....
**********************************
خرجنا من القاعة غاضبين , وذهبت النساء للصالة المجاورة للاستراحة وشرب الشاي..
اما انا فقد صعدت الى غرفتي, وجلست على السرير, ووضعت رأسي بين يدي وفكرت بهدوء : ما الذي يجبرني على البقاء وسماع هذا الكلام الفارغ الذي يحرق الأعصاب؟؟
حفنة من الكذابين يسوقون علينا قصصهم التافهة..ويحرقون اعصابنا..
عندي درس توفل في المساء في عمان, هل أظل هنا أم اغادر لحضور الدرس؟؟
طبعا الدرس اهم من هذا ال
crap
حزمت حقائبي واتصلت بال
reception
ليبعثوا من ينزلها الى الباص المتوجه الى عمان بعد نصف ساعة
كتبت ورقة لزميلتي في الغرفة وقلت لها انني متعبة وهذا مؤتمر سخيف ومحبط
وكتبت رسالة اخرى الى منسقة المؤتمر اخبرتها عن المواقف السخيفة التي شاهدتها وسوء ادارة الجلسات وعدم السماح لنا بالحديث.
ونزلت الى القاعة الكبيرة في الفندق, جلست بهدوء انتظر الباص...
كان ثمة امرأة في الممر الخارجي تمشي في الممر بعصبية وتدخن....أعرفها من بغداد
خرجت اليها وسألتها ما بها , قالت ان رأسها سينفجر من الصداع..
قلت لها بسيطة وانا ايضا عندي صداع ربما من الإرهاق..
قالت لا ليس ارهاق , بل من الشعور بالقهر والغضب
قلت لماذا ؟
ماذا حصل لمجموعتكم؟
قالت المحاضر يتكلم عن الفدرالية, يقول لازم نقسم العراق الى محافظات وكل واحدة منفصلة وتحكم نفسها ولها موارد مستقلة
ما هذا؟
سيدمرون العراق ووحدته؟؟
اريد ان ابكي, سأنفجر من الغضب...
قالت ,
نظرت اليها وقلت : لا تبكي يا عزيزتي ولا تنفجري, ادخلي القاعة, واصرخي بوجوههم كما فعلنا في قاعتنا, وقولي لهم لا نريد سماع افكاركم المسمومة..
قالت : ماذا يفعلون بنا؟
هل هذا غسيل أدمغة؟؟
قلت : نعم, هذا غسيل ادمغة...جاؤوا بنا هنا ليغسلوا ادمغتنا ويسوقوا افكارهم السامة علينا, ويريدوننا ان نسوقها حين نعود للعراق...
سأذهب الى عمان, لا أقدر ان اتحمل المزيد...
قلت لها..
اما هي فتساءلت بحزن : ومن سيجعلني أتحمل؟
من سيرجعني الى بغداد الآن؟
انا مضطرة للإنتظار حتى نهاية المؤتمر بعد يومين او ثلاثة..
قلت لها : كان الله في عونك...كان الله في عونكم جميعا...
***********************************
غادرت الفندق كأنني أخرج من مكان خانق لا هواء فيه, أو ربما هواءه فاسد....
واليوم افكر مع نفسي : لو يعود الوقت هل كنت سأشارك في المؤتمر؟
الجواب نعم
تعلمت الكثير...ورأيت الوجه الحقيقي للذين احتلوا العراق, وفهمت خططهم حول مستقبل العراق..
لو بقيت بعيدة واسمع من الصحف, لما حصلت على هذا الكم المذهل من الحقائق الموثقة
محاضرات تمتليء بالسموم والكلام الفارغ...
تأكد لي الآن أن كلمة مسلم تؤلمهم وتغيظهم, وكذلك كلمة عربي..
وسيقسمون العراق الى اكثر ما يكون , حتى يضربوهم ببعض, يضربون الكردي بالعربي, والسني بالشيعي , والمسلم بالمسيحي
وكنا نعيش تحت ظلم حكومة وطنية دكتاتورية نعم, لكنها لم تلعب هكذا لعبة قذرة لتفرقنا وتجعلنا اعداء بعضنا, ينهش كل منا الآخر, ويريد نهش قطعة من ثروات العراق له ولجماعته.....الحكومة السابقة ظلمتنا جميعا...لكنها لم تقسمنا الى طوائف وأعراق كما فعل بنا الإحتلال
قسمنا منذ دخل الى سنة وشيعة واكراد
ضرب السنة اولا واستفرد بهم, واعطى امتيازات للاكراد والشيعة, وغدا سيصطدم بالشيعة ويضربهم, وبعدها الأكراد ويضربهم, حسب المصالح, لا توجد صداقات وتحالفات ثابتة, كلها تتبع المصالح.
اليوم يستعملون رجال الدين مثل السستاني, وغدا ينقلبون عليه ويضربوه ويقلصوا صلاحيته.....
تذكرت مقولة لغاندي : حكوماتنا الوطنية الدكتاتورية أكثر رحمة بنا من الإستعمار والإحتلال الأجنبي
******************************
والآن فهمت لماذا يتباكون على النساء العراقيات ويعطوهن حريات ومقاعد..
ليكن مسوقات لأفكارهم , المرأة نصف المجتمع, ومربية الأجيال, نستحوذ عليها, ونسيطر على تفكيرها ونغسل دماغها, لتكون وسيلة نشر ممتازة (ثقافية واجتماعية
وأرى الآن كم مدخلا دخلت أميركا لتحتل العراق منه...
يوجد محور لتسويق افكارهم ضمن الأحزاب العراقية...
وهذا يعني الحكومة والمجلس الوطني..
ومحور للجمعيات غير الحكومية( منظمات المجتمع المدني
ومحور النساء..
بقي محور الشباب...وهذا مسيطر عليه ضمن ال
media
والقنوات الفضائية الساقطة والرخيصة المحتويات..أغاني تافهة ونساء خليعات عديمات الحياء, ودعايات منتجات غربية موبايلات ومشروبات غازية ومطاعم غربية....
وقنوات اجنبية تعرض ليل نهار الأفلام والمسلسلات الغربية...
يعني حصار من كل الجهات..أي قمر تفتح عليه تطلع لك هذه القنوات...هذه ايضا طريقة غسيل ادمغة يومية...
**********************************
وبعد كل هذا , أقول بصراحة انني لست محبطة أبدا...
الذي رأيته من العراقيات في المؤتمر جعلني أثق بهن, وبالعراقيين عامة, وعندي رهان أن هذا الشعب لن يقدر أحد على خداعه.....
آجلا أم عاجلا...سيصطدمون مع الإحتلال وينكشف وجهه الحقيقي وما يريد ان يفعل بمستقبل العراق...
وعندي أمل بالعراقيين الذين لم يشاركوا صدام في ظلمه, ولم يشاركوا اميركا في ظلمها.
والذين تحملوا الحصار والحرب والظلم والخراب والدمار...ولا يرضيهم ما حدث للعراق, وما يحدث الآن....
هؤلاء هم المعارضة الجديدة...
معارضة ضد وجود الإحتلال الأجنبي للعراق...وضد كل من يساند هذا الإحتلال, ويروج ويسوق أفكاره..
ومعارضة ضد كل عمل ارهابي يستهدف العراقيين الأبرياء من مدنيين وجيش وشرطة..
ولن يلجأوا لدولة يختبؤوا بها ويؤيدوها للحرب على العراق..
يؤمنون ان العراق للعراقيين, وثروات العراق للعراقيين, ويستمدون قوتهم من شعبهم , , ولا يستمدونها من قوى أجنبية.
هكذا اظن مواصفات الوطنيين الجدد الذين يحتاجهم العراق في هذه المرحلة
وعندي شعور قوي انهم موجودون...وسيظهرون على الساحة
انها فقط مسألة وقت...
عاجلا ام آجلا..سيظهرون ويقودون الشعب الى طريق التحرر والخلاص والديمقراطية
بعيدا عن قادة مزيفين, ومسوقين لأفكار مزيفة, ونوايا خبيثة صارت مكشوفة للصغير والكبير...للجاهل والمتعلم...للقريب والبعيد
*********************************************
قبل ذهابي للمؤتمر كنت اكثر اعتدالا...كنت في الوسط
لكن بعد حضوره ...
تأكد لي انني يجب ان اتحرك من الوسط الى موقع اكثر وضوحا..
وأظن معظم العراقيين سيصيبهم ما اصابني...بمرور الوقت, ومواجهة الوجه الحقيقي للإحتلال الأمريكي , سيكون عليهم ان يختاروا..إما ..أو
إما البقاء معه والترويج له....
او التبريء منه...ومطالبته بالخروج من العراق, ورفض أفكاره, ورفض وجود كل من يروج ويسوق أفكاره بين العراقيين والعراقيات
إنها دائما ...مسألة وقت.
*******************************
سينتهي المؤتمر يوم الأربعاء, وربما ستكتب الصحف الأمريكية عنه..
سيقولون انه كان رائعا وعظيما والنساء العراقيات أحببنه واستفدن منه وشكرن القائمين عليه من الحكومة الامريكية...
ههههه
عندما ستقرأون عنه...
تذكروني..............
# posted by faiza @ 12:24 AM
http://afamilyinbaghdad.blogspot.com
شبكة البصرة
الاثنين 9 ربيع الاول 1426 / 18 نيسان 2005
يرجى الاشارة الى شبكة البصرة عند اعادة النشر او الاقتباس