المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الديمقراطية .. هل هي عدل مطلق؟



عبدالغفور الخطيب
16-04-2005, 04:26 PM
الديمقراطية .. هل هي عدل مطلق؟


الإدعاء المستمر من لدن الغرب بأنهم هم أول من أوجد نظام التمثيل من خلال التصويت ، حيث يتم الإشارة الى اليونان ، وكيفية حكم الشعب هي التفسير لكلمة ديموقراطية . هو ادعاء باطل جدا فقد سبقوهم أهل قتبان و كمنهو بأكثر من ألف عام ، بنظام ( المزود ) المعروف تاريخيا .

فقد كان أهالي دول قتبان وكمنهو يتركوا لكل عشيرة ان تنتخب عضوها او أعضائها حسب عدد أفراد العشيرة ليكونوا ممثلين لها في (المزود) ، كذلك يترك للتجار والصناع وسدنة المعابد ، فيخرج المزود الذي يسن القوانين ويعلقها على مسلات في مداخل المدينة يطلع عليها القاصي والداني . ويقوم هذا المزود بانتخاب حاكم عام . انه شكل في رأيي يفوق كثيرا ما تفتقت عنه الديمقراطية اليونانية أو انه يتفوق على كثير من ديمقراطيات في العالم بالوقت الراهن !

لم أذكر تلك النتفة السابقة الا لأمهد لمسألة بأننا لسنا ننظر للديمقراطية ، كأمة حزينة لم تعرف ولن تعرف التعامل معها على مر التاريخ ، لصفات حاول بعض المؤرخون الغرب ، ومن عاونهم من الليبراليين العرب ، أن يلصقونها بالأمة كالتصاق الصفات الوراثية بالكروموسومات .

ولنعد الآن لمحور موضوع المقالة ، في أن الديمقراطية ، هي عدل مطلق أم لا . فمن يتجول في شكل الديمقراطيات المنتشرة في الكون ، سيكتشف بجهد بسيط أن المنتخبين من حكامها ما كان يتم لهم الانتخاب لولا سلطة أو قوة مسبقة ، مهدت لتسنمهم قمة السلطة ، كقوة إرادة رأس المال او قوة إرادة نفوذ اجتماعي ، قبلي او طبقي . ومن لم يكن له نفوذ مسبق لن يكتب له النجاح في الوصول ، لا للبرلمانات التي تسن القوانين وتسمي رجال الحكومات ولا سياسة تلك الحكومات . وهنا تبرز أول مخالفة تأسيسية ، تحاول ان تقرن الحرية في الديمقراطيات السائدة اليوم .

ومن جانب آخر ، لم تقتصر الإنجازات الحضارية على نمط أسلوب الحكم ، بل بالعكس معظم إنجازات الحضارات كانت تتم في عهود حكام مركزيين صارمين . ولم يمنع ذلك أبناء أممهم ان تنتفخ صدورهم اعتزازا بانجازات أممهم التي تمت في عهود هؤلاء القادة . فأبناء مصر رغم تحولات جوهرية عبر التاريخ ، غيرت من دياناتهم ومن خليط عرقهم فلا زالوا يتفاخرون بانجازات الفراعنة التي لم يقف عند طبيعة الحكم وتناقل السلطة فيها أي مؤرخ .

والعدل يسقط عبر التاريخ ، في حين يبقى الإنجاز والتقدم ، لقد كان عمر بن عبد العزيز مضربا للأمثال بعدله ، لكن الرشيد و المأمون أكثر ذكرا بالتقدم العلمي و الحضاري . ان العدل جميل ، لكن التقدم مع العدل أجمل . والتقدم لا يعني العدل بكثير من الأحيان ، فتراكم عناصر التقدم تتكون في كثير من الأحيان بعيدة عن موضوع العدل ...

نحن لا نقول ذلك من باب التشويش الذهني ، بل لنحذر من دعوات الغرب ، في تبرير تقدمهم بكونهم اكثر عدل منا ، فنصدقهم و تنطلي ألاعيبهم على من بدأت تساوره الشكوك في أمته وقدرتها على النهوض . وهي دعوات لن تحدث الا مزيدا من تعميق الأزمة الناتجة عن الافتتان بالغرب والتبعية لهم .

سنهتدي ، وقد بدأنا في تلمس طريقنا نحو تناقل السلطة بين أبناء الأمة ، لكن لا بد من حسم مسألة هامة ، وهي ان لا حرية بلا تحرر ، و لا تحرر دون الاتفاق على الثوابت ، و أولها تلك ، التي تعزل نهوضنا عن دعوات النصح والعون الكاذب الآتية من الخارج . ولنا أكبر دليل في نماذج التبعية التي حدثت في مطلع القرن الماضي و ما نجم عنها في تفاقم أزمات الأمة من تجزئة وتكريس لتلك التجزئة .

والمسألة الثانية المهمة ، هي الأسف على الماضي ، كالدعوات التي تترحم على تجربة ديمقراطية هزيلة حدثت في عهود ما قبل ثورة يوليو تموز في مصر او ثورة يوليو تموز في العراق ، في العهود الملكية ، التي لم تكن سوى منابر لنخب سياسية أفرزتها طبقات استفادت بشكل أو بآخر من الارتباط بالأجنبي !

و نختم القول بالتركيز على الثوابت بالتحرر دون إغفال جانب العدل في التعاطي بتسامح مع مواطني أقطارنا بما يضمن سحبهم لصالح صفوف القوى المطالبة بالتحرر ، وستنمو صيغ تناقل السلطة مع نمو تطوير العلاقات بين كل القوى الخيرة في بلادنا لاستعادة السيادة والعدل في آن معا .