عبدالغفور الخطيب
01-04-2005, 05:23 PM
أجرى الحوار: نظام المهداوي – واشنطن
الدكتور نجيب الغضبان، أستاذ العلوم السياسية في جامعة أركنسو، وجه مألوف، تستضيفه عادة الفضائيات العربية كمحلل ومراقب سياسي، وربما لا يعرف الكثيرون أن الغضبان وبجانب وظيفته الأكاديمية، ينخرط في صفوف المعارضة السورية كمعارض مستقل للنظام السوري. وأخيراً ظهر اسم د. نجيب الغضبان ضمن أسماء أعضاء الوفد المكون من ثمانية معارضين هم فريد الغادري، موفق بني مرجه، د. محمد نور الدين خوان، د. سلمى الديري، الدكتور حسام الديري، بسام درويش.. وجميعم سوريون يحملون الجنسية الأمريكية، التقوا يوم الخميس 24 آذار (مارس) في مقر وزارة الخارجية مع مسؤولين رفيعي المستوى في ادارة بوش ومنهم اليزابيث تشيني وهي ابنة نائب الرئيس ديك تشيني، وتتولى ملف الديمقراطية في وزارة الخارجية، وديفيد شنكر من وزارة الدفاع، وجون حنا من مكتب نائب الرئيس، وروبيرتس دنين من مجلس الأمن القومي.
الوفد السوري ترأسه رجل الأعمال فريد الغادري، رئيس ما يسمى بحزب الاصلاح، وكان المتحدث باسم الوفد السوري الأميركي.. وكانت الرسالة التي حملها الوفد – حسب الغضبان – هي أن أغلب السوريين يريدون نظاما ديمقراطياً يقوم على انقاض حزب البعث الاستبدادي على حد وصفه.. وقد طالب الوفد الرئيس جورج بوش واعضاء ادارته بضرورة تبني الضغط على سوريا في مجال التغيير الديمقراطي
وهذا نص الحوار:
من الذي وجه لكم دعوة حضور اللقاء مع اعضاء الادارة الأمريكية في مقر وزارة الخارجية، وما هي الأسباب التي دعتكم لتلبية الدعوة؟
تلقيت الدعوة لحضور الاجتماع من الأستاذ فريد الغادري، بعد أن شاركت معه في مقابلة مع إحدى الفضائيات العربية عن الذكرى الثانية والأربعين لوصول حزب البعث إلى السلطة، وفر ض قوانين الطوارئ منذ تلك الفترة. السبب الرئيسي لقبول الدعوة هو الفرصة التي يمكن أن يوفرها مثل هذا اللقاء لطرح قضية التغيير الديمقراطي في سوريا، وسبر جدية الإدارة الإميركية حول هذا التوجه. وبالنسبة لي، كمواطن أميركي من أصل سوري، فإن مثل هذا النشاط منسجم مع قناعتي بضرورة التحول الديمقراطي في سوريا، خاصة في وقت تبنت فيه هذه الإدارة دفع العملية الديمقراطية كأحد أهدافها الاستراتيجية في المنطقة. وهكذا فإني كأحد المهتمين بقضية الديمقراطية في المنطقة العربية، بما في ذلك بلدي الإصلي، رأيت أن هناك فرصة لوضع ادعاءات الإدارة الأميركية حول الديمقراطية على المحك، خاصة وأن كل ما صدر عن الإدارة حتى قبيل فترة وجيزة ليس فيه ما يذكر عن ضرورة التحول الديمقراطي في سوريا. ومع رؤية بعض النتائج التي أفرزتها الضغوط الأميركية على بعض حلفائها في المنطقة، رأينا كيف استجابت بعض الأنظمة العربية لمجرد ذكر أسمائها في خطاب الرئيس بوش عن حالة الاتحاد. إضافة إلى ذلك، فإن التطورات التي شهدها لبنان، بفعل التدخلات المخابراتية السورية الفجة في الفترة الأخيرة بشأن التجديد للرئيس لحود، وما أعقب ذلك من اغتيال الشهيد الحريري، وضعت النظام السوري أمام المسائلة الدولية، خاصة وأن الطريقة التي تصرف بها هذا النظام حيال هذه الجريمة قد زاد من الشكوك حول دور محتمل للأجهزة الأمنية اللبنانية والسورية في الإعداد أو التنفيذ لهذه الجريمة . ورغم لهجة التحدي التي يطلقها المسؤولون السوريون حول الضغوط التي يتعرضون لها، فإنهم في نهاية الأمر يذعنون، كما كان الأمر في قرار الانسحاب من لبنان. وكما قال الرئيس السوري بأنه ليس كصدام حسين، فقد بدا جلياً أن هذا النظام لن يحرك ساكناً بشأن الإصلاحات السياسية، لأنه مشغول منذ 42 عاماً بالتحديات الخارجية، ولأن موضوع الإصلاحات الديمقراطية غير مطروح ضمن هذه الضغوط. من هذا المنطلق فإني من المؤمنين بأن هذا النظام القمعي المخابراتي لا يفهم إلا لغة الضغوط، وأرحب بإدراج المسألة الديمقراطية كأحد الاستحقاقات الخارجية.
يشكك الكثيرون من المعارضين السوريين في شخص فريد الغادري وتوجهاته السياسية ويعتبرونه شخصية مكررة عن أحمد الجلبي، وأخيراً وصفته صحيفة اسرائيلية أنه رجل اسرائيل في دمشق.. فكيف رضيتم أن تكونوا ضمن ترتيبات هذا الاجتماع؟
السيد الغادري رجل أعمال وسياسي وله صلات واسعة، ولديه القدرة العالية على الإجابة على كل هذه القضايا. الأمر الهام أن السيد الغادري يلتقي معنا في ضرورة التغيير الديمقراطي في سوريا، والقبول بالاحتكام إلى صناديق الاقتراع. وأنا أثق في المواطن السوري ووعيه للتمييز بين من يخدم قضاياه ومن يريد تسويق أجندة خارجية ومن يرتزق على المزايدات. الأمر الثاني، أن الأنظمة الدكتاتورية هي التي تخدم مصالح إسرائيل ومستعدة للتنازل في كافة القضايا، وخدمة المصالح الخارجية، طالما أنها باقية في الحكم إلى أبد الآبدين. وأخيراً، يجب التأكيد على النضال من أجل الديمقراطية والصراع من أجل استرجاع الحقوق المسلوبة هو صراع واحد، والمواطنون الأحرار هم القادرون على انتزاع حقوقهم.
هل تتفق مع فريد الغادري في جهوده لوضع حزب البعث على قائمة "المنظمات الإرهابية"؟
أنا لا أتفق مع هذه النقطة ولا أعتبرها تخدم قضية التغيير الديمقراطي في سوريا. فعلى الرغم من احتكار حزب البعث للسلطة في سوريا، والعراق قبل ذلك، وتزويده للسلطات الأمنية بمبررات أيديولوجية في هذين البلدين لقمع التيارات الأخرى، ورغم ثقافة الفساد التي زرعها في سوريا بشكل خاص، أرى أنه من حق من يتبقى من أتباعه المؤمنين به، بعد تساقط الانتهازيين والمكرهين على الانضمام، أرى لهؤلاء الحق في التنافس السلمي على السلطة، باعتبارهم يمثلون فصيلاً قومياً في بلد تعددي كسوريا.
هل ممكن أن تعطينا فكرة عن الأسئلة والمواضيع التي نوقشت بالاجتماع ؟
بدا واضحاً من البداية أن المجتمعين يمثلون تيارات فكرية وسياسية مختلفة، وأن ما يجمعهم أمرين: الأول، أنهم جميعاً من المواطنين الأميركيين من أصل سوري، وهم حريصون على الالتقاء بالمسؤولين الأميركيين لنقل تصوراتهم حول الشأن السوري، في وقت تحاول الإدارة الأميركية بلورة سياسة تجاه النظام السوري، خاصة بعد تطورات عملية اغتيال الرئيس الحريري وما أعقبها من إجبار الحكومة السورية على الانسحاب من لبنان. الأمر الآخر الذي جمع المشاركين في الاجتماع قناعتهم بضرورة تغيير النظام بالوسائل السلمية، ورفض التدخل العسكري، وذلك بتشكيل أكبر تحالف ممكن للمعارضة داخل سوريا وخارجها، وتوظيف العلاقات العربية والدولية كوسائل للضغط في هذا الاتجاه.ثم اتفق المشاركون على أن يتحدث السيد الغادري باسم الوفد بعد أن تم التوافق على النقاط التالية:1. الإشادة بتبني طرح تشجيع الديمقراطية في المنطقة العربية، والتأكيد على أن أغلب السوريين يريدون نظاماً ديمقراطياً يقوم على أنقاض نظام البعث الاستبدادي2. مطالبة الإدارة الأميركية بتبني قضية التغيير الديمقراطي على أعلى المستويات، وذلك في حديث المسؤولين عن سوريا، كتبني موضوع إطلاق سراح المعتقلين السياسين، وتم ذكر بعض الأسماء مثل النائبين رياض سيف ومأمون الحمصي والدكتور عارف دليلة وعبد العزيز الخير3. دعم جهود المعارضة في محاكمة بعض الرموز الأمنية التي ارتكبت جرائم بحق الشعب السوري، ونهبت ثرواته بطريقة غير مشروعة، وتم ذكر رفعت الأسد كمثال لهؤلاءوقام الوفد الأميركي بتدوين هذه النقاط، ثم طرحوا بعض الأسئلة عن الوضع الداخلي في سوريا، وخاصة عن استعداد الشعب السوري لدعم التغيير الديمقراطي. وبعد انتهاء الاجتماع، توجه الوفد لتقييم ماجرى والحديث عن خطوات قادمة، لعل من أهمها التحضير لمؤتمر موسع لأبناء الجالية الأميركية السورية، وإمكانية بحث مؤتمر موسع للمعارضة السورية من الداخل والخارج.ما رأيكم بما سمعتوه من المسؤولين الأمريكيين؟كان اللقاء جيداً ومشجعاً، وبدا واضحاً أن اختيار وفد بهذا المستوى مؤشر على جدية إدارة الرئيس بوش بدعم التغيير الديمقراطي داخل سوريا. وكمشارك مستقل مهتم بدعم الديمقراطية في المنطقة، أرى أن استعداد الإدارة الأميركية للاستماع إلى وجهة نظر طيف من أطياف المعارضة أمر إيجابي وبناء. سبق للمعارضة العراقية أن قالت بأنها لا تحبذ اللجوء الى الخيار العسكري للاطاحة بالنظام العراقي، ولكن بالنهاية وجدنا معظمها مشاركا بغزو العراق، ألا تخشون من تكرار التجربة ذاتها؟لا نخشى من تكرار هذه التجربة لأن المجتمعين متفقون على أنه لا حاجة لهذا الأمر، فأنا من المؤمنين بأن تداعيات الأزمة اللبنانية ستضعف النظام السوري وتزيد من عزلته، ومتيقن بأن سقوطه ما هي إلا مسألة وقت بسبب الأزمة الاقتصادية الحادة، والصراعات الداخلية بين الأجهزة الأمنية التي تعيق - مع أعضاء حزب البعث- أي جهود من قبل الرئيس بشار لإحداث أي تغيير يذكر كما هو الحال على مدى السنوات الخمس السابقة. من ناحية ثانية، فإن الإدارة الأميركية مدركة للدرس العراقي، وغير قادرة على فتح جبهة أخرى، وهي تعلم أنها قادرة على الضغط على النظام السوري بوسائل أخرى. وأخيراً، فإن التطورات الديمقراطية في مصر ولبنان والسعودية وغيرها تشجع الشعب السوري على تحدي الأجهزة القمعية، كما رأينا مع الاعتصام السلمي الذي نفذه سياسيون ونشطاء من حقوق الإنسان بمناسبة الذكرى الثانية والأربعين لفرض حالة الطوارئ، وتم قمع هذه التعبير السلمي الحضاري، بإرسال مظاهرة مضادة من مؤيدي النظام الذين قاموا بالاعتداء على المعتصمين. الرسالة التي أردنا إرسالها للنظام المخابراتي بأن قمع هذه الأشكال من التعبير السياسي السلمي لم يعد مقبولاً.
هل تعتقدون حقاً أن الادارة الأمريكية جادة في نشر الحريات في المنطقة، وانها لا تحمل أجندة سياسية تخدم في معظمها حليفتها اسرائيل، وخصوصا أن واشنطن تتغاضى عن انتهاكات للحريات في دول صديقة وقريبة منها؟
طبعاً للإدارة الأميركية أجندة سياسية في تشجيعها للديمقراطية. الإدارات الأميركية المتعاقبة، باعتراف الرئيس بوش، لم تكن تعر لموضوع الديمقراطية وحقوق الإنسان في المنطقة العربية أي بال، إذ كان جل اهتمامها بحماية مصالحها المتثلة في النفط وأمن إسرائيل ودعم الاستقرار الذى عنى دعماً لكل الأنظمة الاستبدادية في المنطقة. الرئيس بوش قرر التخلي عن هذا التفكير، لأن كثيراً من "الجماعات الإرهابية" جاءت من رحم الاستبداد. التفكير الجديد يعكس قناعة بأن تشجيع الديمقراطية سيساهم في إرساء استقرار حقيقي في المنطقة. هذه الاستراتيجية في أطوارها الأولى، والحقيقة أن تطبيقها لم يكن مشجعاً للديمقراطيين في المنطقة العربية، خاصة بسبب الحرب في العراق. لكني أعتقد أن استمرار الحديث عن الديمقراطية من قبل هذه الإدارة قد يقود إلى زعزعة حالة الركود السياسي الآسنة في المنطقة العربية في حده الأدني وإلى دفع العملية الديمقراطية في بعض الدول العربية. أنا أعتقد أنه من الخطأ الارتداد إلى موقع الدفاع عن الأوضاع الراهنة لأن إدارة الرئيس بوش هي الداعية إلى التغيير الديمقراطي في المنطقة. بدون الضغوط الأمريكية أو الدولية..
هل تجد المعارضة السورية نفسها عاجزة عن احداث أي تغيير بممارسات النظام أو الاطاحة به؟
نعم المعارضة عاجزة بنفسها عن التغيير، وهذا لا ينقص من نضالاتها ولا من أهميتها. كان من الأولى أن يتخذ الرئيس بشار الأسد خطوات على طريق الإصلاح والتحديث كما وعد في خطاب القسم والذي حظي بدعم من أغلبية الشعب السوري، حتى من أمثالي الذين اعترضوا على مبدأ توريث السلطة في نظام يفترض فيه أن يكون جمهورياً. وبفعل الروح التي أشاعها خطاب القسم، انتشرت المنتديات وتأسست حركة أصدقاء المجتمع المدني التي بدأت تبلور مطالب عبرت عنها عريضة ال99، ودعمتها المعارضة الخارجية المتمثلة في الإخوان المسلمين الذين تجاوبوا مع التطورات وطرحوا تصورات ديمقراطية، وشكلوا جبهة الميثاق الوطني مع تيارات وشخصيات قومية ويسارية ومستقلة، وتبلور إجماع بين كافة أطياف المعارضة الداخلية والخارجية حول المطالب الملحة المتمثلة في رفع قوانين الطوارئ، والإفراج عن المعتقلين السياسيين، والسماح بعودة المنفيين السياسيين، والكشف عن مصير المفقودين. وفي المدى البعيد، فقد كان هناك إجماع حول ضرورة إنهاء استئثار حزب البعث على السلطة، وذلك من خلال تعديل دستوري يقر التعددية، ويفسح المجال أمام الجميع بالتنافس الشريف من خلال انتخابات حرة ونزيهة.
رد النظام جاء بعد أقل من ستة أشهر بانحياز الرئيس بشار إلى معسكر الحرس القديم الذي رفض إحداث أي تغيير جوهري، ووأد "ربيع دمشق"، واتخاذ التطورات والتحديات الخارجية لتأجيل التعامل مع الاستحقاقات الداخلية إلى أجل غير مسمى. ومع بداية الضغوط التي مارستها الإدارة الأميركية على النظام السوري بشأن القضيايا العراقية والفلسطينية واللبنانية، تجاوب النظام بإذعانه لهذه الضغوط، من دون التفكير في تقوية الجبهة الداخلية بانفتاح داخلي، حتى وصل الأمر إلى ذروته مع صدور قرار مجلس الأمن 1559، والذي قبل النظام تنفيذه مدعياً بأنه ينفذ اتفاق الطائف. وبعد الخطاب الذي ألقاه الرئيس بشار أمام مجلس الشعب مسوقاً إذعان نظامه للضغوط الخارجية، لم يتعرض ولا بكلمة واحدة لموضوع الإصلاحات الداخلية والذي يبدو أنه لن يتحقق إلا بضغوط خارجية.الديمقراطية لا تفرض من الخارج، لكن يمكن للقوى الخارجية أن تساهم في تقويض الأنظمة الاستبدادية، وتبقى مسؤولية تشكيل النظام الديمقراطي على كافة القوى السياسية الفعالة من أبناء الوطن.
وهل ستشارك بدعوات اخرى؟
بالتأكيد. لقد قلنا مراراً إن النظام السوري أمامه الفرصة الأخيرة ليأخذ زمام المبادرة، ويدعو إلى مؤتمر وطني جامع يضع الأسس لمؤتمر دستوري، يتبنى فيه دستوراً تعددياً، ويحصن نفسه من الأخطار الخارجية. ولو انحاز التيار الإصلاحي الذي يدعي الرئيس بشار أنه يمثله للشعب لكسب شرعية حقيقية، ولتربع على الحكم كرجل دولة، ككثير من القادة العظام الذين قادوا بلادهم إلى الحرية والديمقراطية. لكن يبدو أن النظام—بحكم طبيعته المخابراتية وطول الأمد عليه- مصاب بالصم تجاه الدعوات الوطنية المخلصة، ولا يفهم إلى لغة الضغوط، ومن هنا فالحكمة تقول: اطلب الديمقراطية ولو في واشنطن.
الدكتور نجيب الغضبان، أستاذ العلوم السياسية في جامعة أركنسو، وجه مألوف، تستضيفه عادة الفضائيات العربية كمحلل ومراقب سياسي، وربما لا يعرف الكثيرون أن الغضبان وبجانب وظيفته الأكاديمية، ينخرط في صفوف المعارضة السورية كمعارض مستقل للنظام السوري. وأخيراً ظهر اسم د. نجيب الغضبان ضمن أسماء أعضاء الوفد المكون من ثمانية معارضين هم فريد الغادري، موفق بني مرجه، د. محمد نور الدين خوان، د. سلمى الديري، الدكتور حسام الديري، بسام درويش.. وجميعم سوريون يحملون الجنسية الأمريكية، التقوا يوم الخميس 24 آذار (مارس) في مقر وزارة الخارجية مع مسؤولين رفيعي المستوى في ادارة بوش ومنهم اليزابيث تشيني وهي ابنة نائب الرئيس ديك تشيني، وتتولى ملف الديمقراطية في وزارة الخارجية، وديفيد شنكر من وزارة الدفاع، وجون حنا من مكتب نائب الرئيس، وروبيرتس دنين من مجلس الأمن القومي.
الوفد السوري ترأسه رجل الأعمال فريد الغادري، رئيس ما يسمى بحزب الاصلاح، وكان المتحدث باسم الوفد السوري الأميركي.. وكانت الرسالة التي حملها الوفد – حسب الغضبان – هي أن أغلب السوريين يريدون نظاما ديمقراطياً يقوم على انقاض حزب البعث الاستبدادي على حد وصفه.. وقد طالب الوفد الرئيس جورج بوش واعضاء ادارته بضرورة تبني الضغط على سوريا في مجال التغيير الديمقراطي
وهذا نص الحوار:
من الذي وجه لكم دعوة حضور اللقاء مع اعضاء الادارة الأمريكية في مقر وزارة الخارجية، وما هي الأسباب التي دعتكم لتلبية الدعوة؟
تلقيت الدعوة لحضور الاجتماع من الأستاذ فريد الغادري، بعد أن شاركت معه في مقابلة مع إحدى الفضائيات العربية عن الذكرى الثانية والأربعين لوصول حزب البعث إلى السلطة، وفر ض قوانين الطوارئ منذ تلك الفترة. السبب الرئيسي لقبول الدعوة هو الفرصة التي يمكن أن يوفرها مثل هذا اللقاء لطرح قضية التغيير الديمقراطي في سوريا، وسبر جدية الإدارة الإميركية حول هذا التوجه. وبالنسبة لي، كمواطن أميركي من أصل سوري، فإن مثل هذا النشاط منسجم مع قناعتي بضرورة التحول الديمقراطي في سوريا، خاصة في وقت تبنت فيه هذه الإدارة دفع العملية الديمقراطية كأحد أهدافها الاستراتيجية في المنطقة. وهكذا فإني كأحد المهتمين بقضية الديمقراطية في المنطقة العربية، بما في ذلك بلدي الإصلي، رأيت أن هناك فرصة لوضع ادعاءات الإدارة الأميركية حول الديمقراطية على المحك، خاصة وأن كل ما صدر عن الإدارة حتى قبيل فترة وجيزة ليس فيه ما يذكر عن ضرورة التحول الديمقراطي في سوريا. ومع رؤية بعض النتائج التي أفرزتها الضغوط الأميركية على بعض حلفائها في المنطقة، رأينا كيف استجابت بعض الأنظمة العربية لمجرد ذكر أسمائها في خطاب الرئيس بوش عن حالة الاتحاد. إضافة إلى ذلك، فإن التطورات التي شهدها لبنان، بفعل التدخلات المخابراتية السورية الفجة في الفترة الأخيرة بشأن التجديد للرئيس لحود، وما أعقب ذلك من اغتيال الشهيد الحريري، وضعت النظام السوري أمام المسائلة الدولية، خاصة وأن الطريقة التي تصرف بها هذا النظام حيال هذه الجريمة قد زاد من الشكوك حول دور محتمل للأجهزة الأمنية اللبنانية والسورية في الإعداد أو التنفيذ لهذه الجريمة . ورغم لهجة التحدي التي يطلقها المسؤولون السوريون حول الضغوط التي يتعرضون لها، فإنهم في نهاية الأمر يذعنون، كما كان الأمر في قرار الانسحاب من لبنان. وكما قال الرئيس السوري بأنه ليس كصدام حسين، فقد بدا جلياً أن هذا النظام لن يحرك ساكناً بشأن الإصلاحات السياسية، لأنه مشغول منذ 42 عاماً بالتحديات الخارجية، ولأن موضوع الإصلاحات الديمقراطية غير مطروح ضمن هذه الضغوط. من هذا المنطلق فإني من المؤمنين بأن هذا النظام القمعي المخابراتي لا يفهم إلا لغة الضغوط، وأرحب بإدراج المسألة الديمقراطية كأحد الاستحقاقات الخارجية.
يشكك الكثيرون من المعارضين السوريين في شخص فريد الغادري وتوجهاته السياسية ويعتبرونه شخصية مكررة عن أحمد الجلبي، وأخيراً وصفته صحيفة اسرائيلية أنه رجل اسرائيل في دمشق.. فكيف رضيتم أن تكونوا ضمن ترتيبات هذا الاجتماع؟
السيد الغادري رجل أعمال وسياسي وله صلات واسعة، ولديه القدرة العالية على الإجابة على كل هذه القضايا. الأمر الهام أن السيد الغادري يلتقي معنا في ضرورة التغيير الديمقراطي في سوريا، والقبول بالاحتكام إلى صناديق الاقتراع. وأنا أثق في المواطن السوري ووعيه للتمييز بين من يخدم قضاياه ومن يريد تسويق أجندة خارجية ومن يرتزق على المزايدات. الأمر الثاني، أن الأنظمة الدكتاتورية هي التي تخدم مصالح إسرائيل ومستعدة للتنازل في كافة القضايا، وخدمة المصالح الخارجية، طالما أنها باقية في الحكم إلى أبد الآبدين. وأخيراً، يجب التأكيد على النضال من أجل الديمقراطية والصراع من أجل استرجاع الحقوق المسلوبة هو صراع واحد، والمواطنون الأحرار هم القادرون على انتزاع حقوقهم.
هل تتفق مع فريد الغادري في جهوده لوضع حزب البعث على قائمة "المنظمات الإرهابية"؟
أنا لا أتفق مع هذه النقطة ولا أعتبرها تخدم قضية التغيير الديمقراطي في سوريا. فعلى الرغم من احتكار حزب البعث للسلطة في سوريا، والعراق قبل ذلك، وتزويده للسلطات الأمنية بمبررات أيديولوجية في هذين البلدين لقمع التيارات الأخرى، ورغم ثقافة الفساد التي زرعها في سوريا بشكل خاص، أرى أنه من حق من يتبقى من أتباعه المؤمنين به، بعد تساقط الانتهازيين والمكرهين على الانضمام، أرى لهؤلاء الحق في التنافس السلمي على السلطة، باعتبارهم يمثلون فصيلاً قومياً في بلد تعددي كسوريا.
هل ممكن أن تعطينا فكرة عن الأسئلة والمواضيع التي نوقشت بالاجتماع ؟
بدا واضحاً من البداية أن المجتمعين يمثلون تيارات فكرية وسياسية مختلفة، وأن ما يجمعهم أمرين: الأول، أنهم جميعاً من المواطنين الأميركيين من أصل سوري، وهم حريصون على الالتقاء بالمسؤولين الأميركيين لنقل تصوراتهم حول الشأن السوري، في وقت تحاول الإدارة الأميركية بلورة سياسة تجاه النظام السوري، خاصة بعد تطورات عملية اغتيال الرئيس الحريري وما أعقبها من إجبار الحكومة السورية على الانسحاب من لبنان. الأمر الآخر الذي جمع المشاركين في الاجتماع قناعتهم بضرورة تغيير النظام بالوسائل السلمية، ورفض التدخل العسكري، وذلك بتشكيل أكبر تحالف ممكن للمعارضة داخل سوريا وخارجها، وتوظيف العلاقات العربية والدولية كوسائل للضغط في هذا الاتجاه.ثم اتفق المشاركون على أن يتحدث السيد الغادري باسم الوفد بعد أن تم التوافق على النقاط التالية:1. الإشادة بتبني طرح تشجيع الديمقراطية في المنطقة العربية، والتأكيد على أن أغلب السوريين يريدون نظاماً ديمقراطياً يقوم على أنقاض نظام البعث الاستبدادي2. مطالبة الإدارة الأميركية بتبني قضية التغيير الديمقراطي على أعلى المستويات، وذلك في حديث المسؤولين عن سوريا، كتبني موضوع إطلاق سراح المعتقلين السياسين، وتم ذكر بعض الأسماء مثل النائبين رياض سيف ومأمون الحمصي والدكتور عارف دليلة وعبد العزيز الخير3. دعم جهود المعارضة في محاكمة بعض الرموز الأمنية التي ارتكبت جرائم بحق الشعب السوري، ونهبت ثرواته بطريقة غير مشروعة، وتم ذكر رفعت الأسد كمثال لهؤلاءوقام الوفد الأميركي بتدوين هذه النقاط، ثم طرحوا بعض الأسئلة عن الوضع الداخلي في سوريا، وخاصة عن استعداد الشعب السوري لدعم التغيير الديمقراطي. وبعد انتهاء الاجتماع، توجه الوفد لتقييم ماجرى والحديث عن خطوات قادمة، لعل من أهمها التحضير لمؤتمر موسع لأبناء الجالية الأميركية السورية، وإمكانية بحث مؤتمر موسع للمعارضة السورية من الداخل والخارج.ما رأيكم بما سمعتوه من المسؤولين الأمريكيين؟كان اللقاء جيداً ومشجعاً، وبدا واضحاً أن اختيار وفد بهذا المستوى مؤشر على جدية إدارة الرئيس بوش بدعم التغيير الديمقراطي داخل سوريا. وكمشارك مستقل مهتم بدعم الديمقراطية في المنطقة، أرى أن استعداد الإدارة الأميركية للاستماع إلى وجهة نظر طيف من أطياف المعارضة أمر إيجابي وبناء. سبق للمعارضة العراقية أن قالت بأنها لا تحبذ اللجوء الى الخيار العسكري للاطاحة بالنظام العراقي، ولكن بالنهاية وجدنا معظمها مشاركا بغزو العراق، ألا تخشون من تكرار التجربة ذاتها؟لا نخشى من تكرار هذه التجربة لأن المجتمعين متفقون على أنه لا حاجة لهذا الأمر، فأنا من المؤمنين بأن تداعيات الأزمة اللبنانية ستضعف النظام السوري وتزيد من عزلته، ومتيقن بأن سقوطه ما هي إلا مسألة وقت بسبب الأزمة الاقتصادية الحادة، والصراعات الداخلية بين الأجهزة الأمنية التي تعيق - مع أعضاء حزب البعث- أي جهود من قبل الرئيس بشار لإحداث أي تغيير يذكر كما هو الحال على مدى السنوات الخمس السابقة. من ناحية ثانية، فإن الإدارة الأميركية مدركة للدرس العراقي، وغير قادرة على فتح جبهة أخرى، وهي تعلم أنها قادرة على الضغط على النظام السوري بوسائل أخرى. وأخيراً، فإن التطورات الديمقراطية في مصر ولبنان والسعودية وغيرها تشجع الشعب السوري على تحدي الأجهزة القمعية، كما رأينا مع الاعتصام السلمي الذي نفذه سياسيون ونشطاء من حقوق الإنسان بمناسبة الذكرى الثانية والأربعين لفرض حالة الطوارئ، وتم قمع هذه التعبير السلمي الحضاري، بإرسال مظاهرة مضادة من مؤيدي النظام الذين قاموا بالاعتداء على المعتصمين. الرسالة التي أردنا إرسالها للنظام المخابراتي بأن قمع هذه الأشكال من التعبير السياسي السلمي لم يعد مقبولاً.
هل تعتقدون حقاً أن الادارة الأمريكية جادة في نشر الحريات في المنطقة، وانها لا تحمل أجندة سياسية تخدم في معظمها حليفتها اسرائيل، وخصوصا أن واشنطن تتغاضى عن انتهاكات للحريات في دول صديقة وقريبة منها؟
طبعاً للإدارة الأميركية أجندة سياسية في تشجيعها للديمقراطية. الإدارات الأميركية المتعاقبة، باعتراف الرئيس بوش، لم تكن تعر لموضوع الديمقراطية وحقوق الإنسان في المنطقة العربية أي بال، إذ كان جل اهتمامها بحماية مصالحها المتثلة في النفط وأمن إسرائيل ودعم الاستقرار الذى عنى دعماً لكل الأنظمة الاستبدادية في المنطقة. الرئيس بوش قرر التخلي عن هذا التفكير، لأن كثيراً من "الجماعات الإرهابية" جاءت من رحم الاستبداد. التفكير الجديد يعكس قناعة بأن تشجيع الديمقراطية سيساهم في إرساء استقرار حقيقي في المنطقة. هذه الاستراتيجية في أطوارها الأولى، والحقيقة أن تطبيقها لم يكن مشجعاً للديمقراطيين في المنطقة العربية، خاصة بسبب الحرب في العراق. لكني أعتقد أن استمرار الحديث عن الديمقراطية من قبل هذه الإدارة قد يقود إلى زعزعة حالة الركود السياسي الآسنة في المنطقة العربية في حده الأدني وإلى دفع العملية الديمقراطية في بعض الدول العربية. أنا أعتقد أنه من الخطأ الارتداد إلى موقع الدفاع عن الأوضاع الراهنة لأن إدارة الرئيس بوش هي الداعية إلى التغيير الديمقراطي في المنطقة. بدون الضغوط الأمريكية أو الدولية..
هل تجد المعارضة السورية نفسها عاجزة عن احداث أي تغيير بممارسات النظام أو الاطاحة به؟
نعم المعارضة عاجزة بنفسها عن التغيير، وهذا لا ينقص من نضالاتها ولا من أهميتها. كان من الأولى أن يتخذ الرئيس بشار الأسد خطوات على طريق الإصلاح والتحديث كما وعد في خطاب القسم والذي حظي بدعم من أغلبية الشعب السوري، حتى من أمثالي الذين اعترضوا على مبدأ توريث السلطة في نظام يفترض فيه أن يكون جمهورياً. وبفعل الروح التي أشاعها خطاب القسم، انتشرت المنتديات وتأسست حركة أصدقاء المجتمع المدني التي بدأت تبلور مطالب عبرت عنها عريضة ال99، ودعمتها المعارضة الخارجية المتمثلة في الإخوان المسلمين الذين تجاوبوا مع التطورات وطرحوا تصورات ديمقراطية، وشكلوا جبهة الميثاق الوطني مع تيارات وشخصيات قومية ويسارية ومستقلة، وتبلور إجماع بين كافة أطياف المعارضة الداخلية والخارجية حول المطالب الملحة المتمثلة في رفع قوانين الطوارئ، والإفراج عن المعتقلين السياسيين، والسماح بعودة المنفيين السياسيين، والكشف عن مصير المفقودين. وفي المدى البعيد، فقد كان هناك إجماع حول ضرورة إنهاء استئثار حزب البعث على السلطة، وذلك من خلال تعديل دستوري يقر التعددية، ويفسح المجال أمام الجميع بالتنافس الشريف من خلال انتخابات حرة ونزيهة.
رد النظام جاء بعد أقل من ستة أشهر بانحياز الرئيس بشار إلى معسكر الحرس القديم الذي رفض إحداث أي تغيير جوهري، ووأد "ربيع دمشق"، واتخاذ التطورات والتحديات الخارجية لتأجيل التعامل مع الاستحقاقات الداخلية إلى أجل غير مسمى. ومع بداية الضغوط التي مارستها الإدارة الأميركية على النظام السوري بشأن القضيايا العراقية والفلسطينية واللبنانية، تجاوب النظام بإذعانه لهذه الضغوط، من دون التفكير في تقوية الجبهة الداخلية بانفتاح داخلي، حتى وصل الأمر إلى ذروته مع صدور قرار مجلس الأمن 1559، والذي قبل النظام تنفيذه مدعياً بأنه ينفذ اتفاق الطائف. وبعد الخطاب الذي ألقاه الرئيس بشار أمام مجلس الشعب مسوقاً إذعان نظامه للضغوط الخارجية، لم يتعرض ولا بكلمة واحدة لموضوع الإصلاحات الداخلية والذي يبدو أنه لن يتحقق إلا بضغوط خارجية.الديمقراطية لا تفرض من الخارج، لكن يمكن للقوى الخارجية أن تساهم في تقويض الأنظمة الاستبدادية، وتبقى مسؤولية تشكيل النظام الديمقراطي على كافة القوى السياسية الفعالة من أبناء الوطن.
وهل ستشارك بدعوات اخرى؟
بالتأكيد. لقد قلنا مراراً إن النظام السوري أمامه الفرصة الأخيرة ليأخذ زمام المبادرة، ويدعو إلى مؤتمر وطني جامع يضع الأسس لمؤتمر دستوري، يتبنى فيه دستوراً تعددياً، ويحصن نفسه من الأخطار الخارجية. ولو انحاز التيار الإصلاحي الذي يدعي الرئيس بشار أنه يمثله للشعب لكسب شرعية حقيقية، ولتربع على الحكم كرجل دولة، ككثير من القادة العظام الذين قادوا بلادهم إلى الحرية والديمقراطية. لكن يبدو أن النظام—بحكم طبيعته المخابراتية وطول الأمد عليه- مصاب بالصم تجاه الدعوات الوطنية المخلصة، ولا يفهم إلى لغة الضغوط، ومن هنا فالحكمة تقول: اطلب الديمقراطية ولو في واشنطن.