المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عجلة التغيير انطلقت في مصر



منصور بالله
01-04-2005, 10:25 AM
عجلة التغيير انطلقت في مصر
2005/03/31

عبد الباري عطوان
مصر تعيش هذه الايام حالة من الغليان عبرت عنها بطريقة او بأخري المظاهرات الاحتجاجية التي بدأت ظاهرتها تتسع وتمتد الي مدن اخري غير العاصمة، وتستقطب شرائح شعبية متعددة التوجهات السياسية والايديولوجية.
عجلة التغيير انطلقت، وان كانت سرعتها ما زالت بطيئة، ولكنها مثل كرة الثلج تكبر كلما تدحرجت. وباتت تحاصر النظام، وتزيد من عزلته الداخلية والخارجية.
النظام بات يستشعر الخطر، ولكنه يتصرف بطريقة مرتبكة، فالخطوة المفاجئة بتعديل الدستور، والمادة السادسة والسبعين منه التي تنص علي انتخابات رئاسية متعددة، تبخر مفعولها، وتبين انها مجرد حيلة لاعطاء ايحاء كاذب بالتنازل للمطالب الشعبية، فكيف يكون الدستور مقدسا غير قابل للتعديل، مثلما اكد الرئيس اكثر من مرة، ثم يصبح غير ذلك في ليلة وضحاها؟
مواجهة عملية التغيير هذه من قبل النظام تتخذ اسلوبين رئيسيين، الاول جديد ومفاجئ ويتمثل في المظاهرات المضادة التي نظمها انصاره ونزلت الي الشوارع بحماية رجال الامن، ترفع شعارات تقول مش كفاية ، وتطالب باستمرار الرئيس مبارك في السلطة لولاية خامسة باعتباره رمزا للاستقرار. اما الاسلوب الثاني فيتمثل في تخوين المعارضة، وربطها بمشاريع الاصلاح الامريكية في المنطقة.
المظاهرات المضادة هي دليل افلاس، فالنظام القوي الواثق من نفسه، ومن شرعيته الشعبية لا يلجأ الي مثل هذا الاسلوب. وربما يفيد التذكير ان شاه ايران، ومن بعده ماركوس الفيلبيني، وسوهارتو اندونيسيا كلهم لجأوا الي الاسلوب نفسه، ومعروف اين انتهوا في آخر المطاف.
اما نهج تخوين المعارضة، والايحاء بارتباطها بالمشروع الامريكي للاصلاح، فنهج رخيص وغير مقنع، لسبب بسيط، وهو ان النظام المصري بشكل خاص، والانظمة العربية بشكل عام، هي اكثر الانظمة في العالم قاطبة ركوعا امام سيد البيت الابيض، ورضوخا لاملاءاته.
وربما يفيد التذكير، بان الانظمة العربية، والرئيس حسني مبارك علي وجه التحديد، هو اول من سجل سابقة تشريع التدخل العسكري الامريكي لتغيير الانظمة بالقوة في المنطقة العربية، عندما استصدر قرارا عن جامعة الدول العربية يسمح بالاستعانة بقوات امريكية لـ تحرير الكويت. وشارك بقوة في الحرب الامريكية علي الارهاب في افغانستان. وبارك احتلال العراق عندما قدم وثائق للادارة الامريكية تؤكد امتلاك نظام الرئيس صدام حسين اسلحة دمار شامل، ومعامل كيماوية وبيولوجية متنقلة.
الرد علي مظاهرات حركة كفاية والاخوان المسلمين التي تلتها لا يتأتي من خلال اطلاق قوات الامن وكلابها، والايعاز لبعض انصار النظام بتنظيم المظاهرات المضادة، وانما من خلال الاصلاحات الحقيقية في كافة مؤسسات الحكم، من القمة وحتي القاعدة.
فالفساد تراكم علي مدي ربع قرن من حكم الرئيس مبارك، وبات المؤسسة الاكبر والاقوي في مصر، والذين اسسوا لهذا الفساد، وطوروه، وحولوه الي وحش كبير يمتص قوت الفقراء والمحرومين لا يمكن ان يكونوا مؤهلين للاصلاح، لانهم، وببساطة شديدة، لا يملكون اي كفاءة اخري غير الفساد والافساد ونهب المال العام.
فكيف يكون السيد جمال مبارك نجل الرئيس هو المكلف بملف الاصلاح، وهو الذي ولد في سيارة مظللة مصفحة، يتحرك فيها طوال ايام حياته، بحيث لا يري الشعب المصري وطريقة حياته، وحجم معاناته، ولم يدخل مستشفي حكوميا، ولم يسبح في ترعة، ولم يأكل الكشري من بسطة علي الناصية، ولم يعرف غير ابناء طبقة الفساد التي تكونت وتكلست وتضخمت في عهد والده والملتفين حوله.
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو وجود آلاف السيارات الفارهة من أحدث الموديلات، والاندية المغلقة، والمطاعم الباذخة، والمليارات من الدولارات في ايدي ابناء المسؤولين والوزراء، بينما هناك ملايين من خريجي الجامعات الذين لا يجدون وظيفة توفر لهم الخبز الحافي فقط، ناهيك عن الفول والطعمية اللذين باتا من الاطباق الكمالية بعيدة المنال!
الاصلاح في مصر سيتأخر، لأنه سيأتي من الداخل، ولأنه مطلب مصري، بينما الاصلاح الذي يريده النظام هو الاصلاح الامريكي الشكلي المفروض من الخارج، ومن الولايات المتحدة بالذات، لانه اصلاح غير وطني، يكرس التطبيع، ويساند مشاريع الهيمنة الامريكية في المنطقة.
فالرئيس مبارك لم ينطق بكلمة الاصلاح الا بعد الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) عام 2001 وكصدي للمطالب الامريكية في هذا الخصوص، فضرب البرجين له الفضل في فتح اعين الادارة الامريكية علي خطر مساندة انظمة ديكتاتورية فاسدة في المنطقة تولد حركات التطرف والعنف مثل تنظيم القاعدة.
فالاستماع الي نصيحة النظام المصري بابعاد الشيخ اسامة بن لادن ونائبه ايمن الظواهري من السودان هو الذي ادي الي ذهابهما الي افغانستان والتمتع بالملاذ الآمن في تورا بورا، وشن الهجمات علي امريكا وتصديق معلومات الرئيس مبارك حول اسلحة الدمار الشامل العراقية هو الذي ساهم في توريط امريكا في مستنقع العراق الدموي.
فليس الرئيس بوش هو الذي نشر الديمقراطية في المنطقة، وبذر بذور الاصلاح وانما تنظيم القاعدة ،هو صاحب الفضل الاول في هذا الخصوص لأنه عري انظمة الفساد والقهر، سواء بطريقة عفوية غير مقصودة او مقصودة.
الاصلاح الامريكي سيطبق في مصر، لانه يعني تغييرا شكليا يبقي النظام في الحكم، وسفيره في تل ابيب، اما الاصلاح الحقيقي فيعني مجلس شعب منتخبا، وسلطة تشريعية تراقب وتحاسب، وقضاء مستقلا فوق الجميع، ومساواة في الوظائف وتوزيع الثروة، واطلاق قدرات الشعب الانتاجية في شتي المجالات.
الرئيس مبارك ابن السابعة والسبعين يريد الاستمرار في الحكم لست سنوات اخري، حتي يصبح اطول رئيس يحكم مصر منذ عهد الفراعنة، وهناك من يؤيده، وكأن نساء مصر لم ينجبن غيره، وتحت ذريعة الاستقرار، نعم استقرار الفساد والنهب والقمع وتجريد مصر من هويتها كدولة فاعلة مؤثرة في محيطها الاقليمي والدولي، بحيث تصبح بلا اي دور غير اللعب بورقة غزة الفلسطينية فقط، بعد ان كانت اللاعب الرئيسي في افريقيا وآسيا، واحد ابرز اللاعبين في السياسة الدولية