خطاب
01-04-2005, 08:02 AM
--------------------------------------------------------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
النص الحرفي للفيلم الوثائقي ( الخوف من المجهول )
الذي بثته قناة العربية يوم الخميس 29 / 1 / 1426هـ - 10 / 3 / 2005م
ش تفوق أهوال فيتنام مايدل على صلابة الجهاد هناك وشدة بأس المجاهدين في بلاد الرافدين الذين قهر الله بهم أقوى جيش في العالم وأعتى قوة في التأريخ ..
فالله أكبر الله أكبر ولله الحمد !
فؤاد شمص ( مقدم ومعد البرنامج ) : محترفون، مهذبون، ومستعدون للقتل، إنه نهار الخميس الواقع في الرابع من تموز يوليو إنه العيد الوطني الأميركي، في بغداد أشرقت الشمس فوق الثكنة، أنت سعيد بتمضية العيد في بغداد؟
جندي أميركي: لا. أفضل أن أكون موجوداً في دياري الآن .
فؤاد شمص: معنوياتك منخفضة ؟
جندي أميركي: هل تقصدون أن معنوياتي منخفضة لأنني مريض الآن ؟
فؤاد شمص: مجرد السؤال.
جندي أميركي: حسناً من وقت إلى آخر.
فؤاد شمص: خلال بضع ساعات سوف يمضي الجندي أستو م وزملاؤه في الفرقة في دورية على الطرقات العراقية وهي مهمة محفوفة بالمخاطر، أتعلم ما ستفعلون اليوم؟
جندي أميركي: لا [يضحك]، سنذهب في دورية سوف نفتش بعض المنازل ونذكّرهم بأننا موجودون.
فؤاد شمص: ما هو شعورك؟
الجندي الأميركي: أشعر بالتعب.
فؤاد شمص: متى ستعود إلى ديارك ؟
الجندي الأميركي: ربما العام المقبل .
فؤاد شمص: تشعر بالخوف ؟
الجندي: بالطبع، إن كنت تتعرّض لإطلاق النار طوال الوقت فسوف تخاف بالتأكيد، الخوف لا يفارقني.
ضابط أميركي [يخاطب باقي الجنود]: كونوا حذرين اليوم فلينتبه السائقون ومعاونوهم لأطراف الشوارع والقنابل اليدوية، هل من أسئلة؟ حسناً انصرفوا.
فؤاد شمص: بعد تنبيه أخير صعدت الفرقة المؤلفة من خمسة عشر عنصراً في المصفّحات، تتألّف الوحدة التي نتعقّبها من أربعة عناصر (كولتر) هو السائق ويجلس إلى جانبه النقيب (كانغاس) وهو قائد الفرقة، أما في مؤخر الآلية فيهتم (إيستوم) وسنو بالرشاشات الثقيلة وهم يترصّدون أي عدوّ يلوح من بعيد، وهؤلاء الأربعة جميعهم من الحرس الوطني الذين يطلق عليهم اسم الجنود غير المحترفين، وهم الذين يؤمّنون الحماية المدنية في الولايات المتحدة الأميركية. إن وجهتنا هذا الصباح هي قرية صغيرة تدعى مكاسب وهي قرية معظم سكانها من السنّة، ولطالما كانوا من مؤيّدي صدام حسين، تعتبر مكاسب اليوم منطقة خطرة يخشاها الجنود إذ كثيراً ما أطلقت منها قذائف، عمّ تبحثون ؟
جندي أميركي: عن أشياء كثيرة، مثل الأسلاك والأسلحة والمتفجرات الموقوتة والهواتف الخلوية، وكل ما يمكن أن يساهم في صناعة قنبلة.
فؤاد شمص: تخشون السيارات المفخّخة ؟
جندي أميركي: أجل ننتبه لهذا الأمر، لكنهم يترصّدون أهدافاً أكثر أهمية مثل مراكز التفتيش .
فؤاد شمص: ينطلق السائق (كولتر) في مهمة لا تبعث على الضحك إلا في نفسه، فهو يوجّه الخنجر ناحية شبّان عراقيين بهدف بثّ الرعب في قلوبهم.
كولتر: أرأيتم لا ينبسون ببنت شفة؟ لأنهم خائفون من أن أقفز من الشاحنة وأقطع رؤوسهم، لا يملكون أي شيء لا طعام ولا ماء.
فؤاد شمص: إنها مواجهة بين ثقافتين متباينتين وعالمين مختلفين يتعارض فيهما كل شيء، فإن كان (كولتر) موجوداً في العراق اليوم فذلك يُعزى بالنسبة إليه لأحداث الحادي عشر من أيلول سبتمبر وهي رحلة لن ينساها.
كولتر: ما زلت أذكر ما حدث في الحادي عشر من أيلول سبتمبر، أذكر ذلك الخوف الذي شعرت به حينما سمعت الخبر عبر المذياع، غادرت المدرسة ذلك اليوم والتحقت بوحدتي إذ أنني قدّرت أنه سيتم إرسالنا إلى هناك فوراً، لكن ذلك استغرق عاماً ونصفاً أو عامين، وقد أغضب ذلك الكثيرين الذي توقعوا أن يأتي الرد في اليوم التالي أو الأسبوع التالي أو الشهر التالي.
فؤاد شمص: لقد مرّ اليوم ما يزيد على عام ونصف على انطلاق العملية المسمّاة "الحرية للعراق"، والفوضى المطلقة تسود البلاد، لا يكاد يمر يوم واحد من دون حصول اعتداءات، تحوّل البلد كله إلى بؤرة تفجير خارجة عن نطاق سيطرة القوّات الأميركية، والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يحقد هؤلاء الجنود على رئيسهم لأنه أرسلهم إلى هذه الحرب المميتة؟
كولتر: ينبغي أن أكون حذراً حول ما أقوله عن بوش؟
فؤاد شمص: لِمَ ينبغي أن تكون حذراً؟
كولتر: لديّ حرية الكلام والتعبير عن الرأي - كما تعلمون -، لكن حين يلتحق الجنود بالقوّات المسلّحة الأميركية، فإنهم يلتزمون باتباع قواعد محددة، وقد أُسجن بتهمة القذف والذم، ولولا ذلك لما تكبّدت عناء الخوض في المشاكل، كما أنني إن فعلت ذلك أكون قد أسأت إلى وحدتي وإلى نفسي وإلى عائلتي.
فؤاد شمص: يعلم الجندي (كولتر) أنه في حال وجّه أي انتقاد يطال الرئيس الأميركي، فإنه يجازف بتأديبه في المجلس العسكري، وهي مجازفة لا تردع زميله في الفرقة (إيستوم) الذي لا يتردد في إخبارنا برأيه في جورج بوش بصراحة.
إيستوم: سألتم صديقي إذا كان ينوي الاقتراع لصالح بوش في الانتخابات المقبلة، بالنسبة إليّ لن أصوّت له.
فؤاد شمص: لماذا ؟
إيستوم: منذ بضعة أيام قال لنا أحد المترجمين بلغة إنجليزية ركيكة ما معناه، أنه لا يدري عمّ يتكلم، بالنسبة إليّ أرى هذا الأمر غريباً جداً، وأيضاً ليس لديّ ما أضيفه. رئيس لا يدري عمّ يتكلم؟ إنها طرفة تستدعي الابتسام، لكن شيئاً فشيئاً سوف تنطلق الألسنة وسنسمع آراء مفاجئة.
إيستوم: لن أقترع لمصلحته لأنني أعتبر أنه اتخذ قرارات غير صائبة تتعلق بالبلاد، لن أقول إنه كذب لكنه زوّدنا بمعلومات غير صحيحة حول سبب وجودنا هنا، وحول المهمة التي أتينا من أجلها.
فؤاد شمص: أي نوع من المعلومات غير الصحيحة ؟
إيستوم: إنها ما يتعلق بموضوع الإرهاب.
فؤاد شمص: ما هي العبارة التي استخدمها؟
إيستوم: أجل، لقد بالغ ( بوش ) في الوضع قال إنها حرب على الإرهاب فلتذهبوا إلى العراق فوراً، أنا هنا منذ ثلاثة أشهر ولم أرَ إرهابياً واحداً حتى الآن.
فؤاد شمص: كانت الذريعة الرئيسة التي اتخذتها الولايات المتحدة لشنّ تلك الحرب أسلحة الدمار الشامل، وكغيرهم من الأميركيين ظنّ (كولتر) وسنو و(إيستوم) وغيرهم من الجنود أنهم سيعثرون منها على الكثير، إن خيبة أملهم اليوم تبدو جلية.
كولتر: من المؤسف والمخيّب للآمال عدم عثورنا على أسلحة دمار شامل، الأمر رهيب، نحن نقوم بدوريات في منطقة صغيرة جداً وكغيرنا من الوحدات نحن غير مسؤولين عمّا يحدث خارج منطقتنا، ما أعرفه هو أننا قلبنا منطقتنا رأساً على عقب في أثناء عملية التفتيش نقبنا في كل شبر أرض، ولم نعثر على شيء.
فؤاد شمص: وقد تعدّى (كولتر) النقد بعض الشيء ليتّهم رئيسه بالتلاعب بالرأي العام.
كولتر: إن الفريق السياسي المحيط به بارع جداً في بثّ الرعب في قلوب الأميركيين، فهو يجعلهم يصدّقون أن منازلهم ستتعرض لهجوم أو أن مدينتهم سوف تشتعل.
فؤاد شمص: على الرغم من الادّعاءات وخيبة الأمل المترتبة عليها يتعيّن على (كانغاس) ورجاله إنجاز مهمّتهم في العراق حتى النهاية، وعملهم محفوف بالمخاطر إذ إنهم الأكثر استهدافاً للاعتداءات.
كانغاس: نحن نطبق التقنية الإنجليزية لإنجاز مهمتنا على أكمل وجه، أي إننا لا نبقى أكثر من عشرين دقيقة في المكان الذي نصل إليه.
فؤاد شمص: ماذا جرى؟
كانغاس: لقد وقع انفجار في مكان ما، في كل مرة يحدث فيها إطلاق قذائف هاون يخبر بعضهم بعضاً خلال عشرين دقيقة، ويمكن أن يعرفوا مكان وجودنا فنقع في كمين نصبوه لنا، إن بقينا في المكان أكثر من عشرين دقيقة نكون قد دخلنا دائرة الخطر.
فؤاد شمص: منذ بداية التدخل الأميركي في العراق قُتل أكثر من ألف جندي أميركي وعشرات الرعايا الأميركيين، كما أن وتيرة العنف تتصاعد يوماً بعد يوم لدرجة باتت تصدم معها الرأي العام الأميركي، الرقيب (كانغاس) يعرف ذلك ويزداد به اقتناعاً كلما قلّ مواطنيه حوله.
كانغاس: هذا ما يريده المتمردون فهم يعرفون أنهم لن يتمكنوا من الانتصار علينا على أرض المعركة، في الوقت الذي يمكنهم فيه التغلّب علينا من خلال التأثير في الشعب العراقي كما في الولايات المتحدة نفسها، إن رأى الأميركيون أننا سنموت هنا فمن المؤكد أنهم لن يرغبوا في بقائنا، ما سيقولونه إنه ليس مستوصفاً نقّالاً عديم الجدوى.
فؤاد شمص: نحن الآن في مخيم كوك وهي ثكنة تقع على بعد بضعة كيلو مترات عن بغداد على مقربة من المطار، وهي إحدى القواعد العسكرية الأميركية التي يبلغ عددها أربعين، وتضم تلك القاعدة أحد عشر جندياً، هذا هو المكان الذي يستريح فيه الجنود بعد الانتهاء من كل مهمة وهو يحتوي على قاعات رياضية ومطاعم كبيرة وأحد فروع برجر كينج، حتى يُخيّل إلى أحدهم أنه في أميركا، إن القاعدة الأولى التي يتعلّمها الجنود بمجرد وصولهم إلى العراق هي عدم التخلي مطلقاً عن السلاح والبزة الواقية من الرصاص والخوذة، لأن الحرب مستمرة هنا على مدار الساعة، وعلى الرغم من الصواريخ وقذائف الهاون والسيارات المفخّخة تظهر لنا الابتسامات العريضة المرتسمة على وجوه الجنود معنوياتهم المرتفعة وإيمانهم بمهمتهم.
جندي أميركي: معنوياتنا مرتفعة فهم يهتمون بنا كما أن الطعام جيد، ظروفنا المعيشية رائعة هنا.
جندية أميركية: نرى هنا العراقيين يعملون كما نشعر بالرضا الذي يحصلون عليه جرّاء عملهم، نتحدث إليهم عن عائلاتهم وعمّا يريدون وهذا أمر جميل.
فؤاد شمص: لا تريدين العودة إلى بلادك؟
جندية الأميركية: الحر هو السبب الوحيد لأفكر في العودة.
جندي أميركي: إن الضغط الذي نشعر به مردّه إلى كوننا بعيدين عن الوطن وعن العائلة أيضاً، ولولا ذلك لما كنّا شعرنا به، إذ إن ظروفنا المعيشية هنا رائعة جداً، كما أننا محاطون بالأصدقاء والأمر ليس بهذا السوء.
فؤاد شمص: ليس الأمر بهذا السوء باستثناء المناخ الحار، كل شيء يسير على ما يرام، ولربما وجود هذا الرجل الذي يقف خلفنا بالزي العسكري قد أثر بعض الشيء في تصريحات الجنود، إنه المسؤول الإعلامي المكلّف رسمياً مرافقتنا، وهو هنا لمراقبة عملنا، لكن أحياناً وكما رافقنا وحدة الرقيب (كانغاس) في أثناء قيامها بالدورية نتمكن من الابتعاد عن أنظاره، هذه المرّة يحاول الجنود الشبّان إغواء العراقيين من خلال توزيع المناشير والسكاكر.
[جندي أميركي يتكلم مع بعض العراقيين ويوزّع عليهم المناشير والسكاكر]
الجندي الأميركي: وزعوا هذه على الأطفال [يعطيهم علبة السكاكر].
لا أدري ماذا تعني الكلمة التي يقولونها.
[الجندي يتحدث إلى العراقيين] هل ترون هنا أشخاصاً لم تعتادوا مشاهدتهم من قبل؟ هل تلاحظون أي نشاط إرهابي؟
أحد العراقيين: لا الحمد لله كلنا قرايب وناس تعرف ناس.
فؤاد شمص: يحمل هذا الجندي في يده مناشير تشجّع الناس على التعاون معهم.
جندي أميركي [يتحدث إلى فتى صغير]: هل تريد أن تتعاون معنا؟ تفضل لو سمحت، هل تريد؟ هذه لك.
فؤاد شمص: ما هذا؟
جندي أميركي: إنها مناشير تشجّعهم على تسليمنا الصواريخ المضادّة للطائرات، وهي تعرض عليهم 15 ألفاً وعشرة آلاف أو 8 آلاف مقابل تسليمنا الأسلحة.
فؤاد شمص: ولكن على الرغم من المكافآت التي يعدونهم بالحصول عليها قلّة من العراقيين يتصل على الرقم الموجود على هذه المناشير.
إنها الخامسة مساء و(كانغاس) ورجاله يعودون إلى القاعدة، مرّت دوريتهم بسلام، لكن لم يكن الجميع محظوظاً.
جندي أميركي: لقد جُرح رود ريغس وتم نقله ليلاً.
جندي أميركي آخر: أشعر بالتوتر لقد جُرح رود ريغس جرّاء انفجار قنبلة.
جندي آخر يسأله: رود ريغس من وحدتنا؟
جندي أميركي: أجل تم نقله.
فؤاد شمص: بمجرد عودتهم إلى المخيم يدخل كل جندي غرفته على الجدران نجد بعض الملصقات المعلّقة في محاولة لصرف الانتباه عن موضوع الحرب، يقلّب (كولتر) والآخرون صفحات ألبومات الصور ويسترجعون ذكرياتهم مع عائلاتهم وصديقاتهم، أما رسائلهم وبريدهم الإلكتروني فيراقبها مجلس القيادة، هذا المساء يتحدث الرقيب (كانغاس) إلى زوجته عبر الشبكة الإلكترونية وهو مثلها كان معارضاً لشنّ هذه الحرب.
كانغاس: كانت تساورني شكوك عديدة في الذرائع المقدّمة لشنّ هذه الحرب، لم ينفّذ قرار الأمم المتحدة لكن لم يؤيدنا أحد، وأعتقد أنه كان خطأ كبيراً، لا أظن أن ذريعة أسلحة الدمار الشامل كانت ذريعة ناجحة، هذه الذريعة لم تكن خياراً جيداً.
كولتر: أعتقد أن ثمة أساليب أخرى لتحقيق ذلك، ليس من الضروري أن نطلق النار على كل ما يتحرك فنحن لسنا رعاة بقر.
كانغاس: من الناحية السياسية لا أرى أن جورج بوش اتخذ القرار الصائب بشنّه الحرب، لكنه كان يعلم أنه لو تحوّل هذا القرار إلى الكونغرس لما وافق عليه، كانت تلك الطريقة الوحيدة لتنفيذه بالنسبة إليه.
فؤاد شمص: في الوقت الذي يُعتبر فيه العراق أرض الخيرات بالنسبة للعديد من الفرق الأميركية، فإن إعادة إعماره تعود بالفائدة على الشركات المقرّبة إلى السلطة والبيت الأبيض، إن (كولتر) و(كانغاس) المعارضين لحكومتهما لا يتقبّلان فكرة تعريض حياتهما للخطر في مقابل النفط والدولارات.
كولتر: نصل هنا إلى عمق المشكلة، ما هي المبالغ؟ وما هي الأموال التي يحصلون عليها من مصانع الأسلحة ومختبرات الأبحاث؟ ولا ننسى بالطبع شركات النفط، أنا شخصياً لا أعرف ما سيحل بالنفط العراقي عندما نرحل، لكن أعتقد أن النفط الذي ينتج في العراق يذهب مباشرة إلى المستهلك الأميركي.
كانغاس: فيما يتعلق بالمشاكل المالية أرى أن جورج بوش وطاقمه السياسي لهما صلات بالشركات المتعاقدة من أجل إعادة إعمار العراق، أنا على يقين من أنه لا يمكننا دمج السياسة بعالم الأعمال، لكن كل العالم يعرف أن هذا ما يحصل في هذه الحرب.
فؤاد شمص: إن (كولتر) الذي اختار التصويت لصالح جون كيري في الانتخابات الرئاسية يشك في إعادة تولي جورج بوش منصب الرئاسة.
كولتر: ماذا سيحدث إذا ما أعيد انتخاب جورج بوش رئيساً للجمهورية سوف نبقى هنا إلى الأبد.
فؤاد شمص: إنها السابعة مساء حان وقت الانطلاق بدورية أخرى.
جندي أميركي: هذه سيارتنا إنها سيارة جيب من طراز ميتسويبشي باجيرو صنعت عام 1993، هذه هي الصورة التي تلقّيتها قد لا تكون من الطراز نفسه قد تكون ببابين أو أربعة أبواب، حسناً لقد استولت القوّات المعادية للعراقيين على الصواريخ المسروقة وتنوي شنّ هجوم على منطقة بايا، إن مهمتنا إذاً لم تكن يوماً بهذا الحزم، أتريدون أن أكرر مرة أخرى؟ 3124 تصحيح 33124 صحيح.
فؤاد شمص: إن هذا المكان الفسيح الذي يقع على بعض بضعة مئات الأمتار من المطار هو منطقة شديدة الخطر.
جندي أميركي: اثنان حدّدوا لي موقعكم كي أعطيكم الأمر بالتقدم.
فؤاد شمص: من هذه المنطقة تحديداً أُطلق صاروخ منذ بضعة أشهر باتجاه طائرة تعود إلى شركة البريد السريع Dhl مباشرة بعد إقلاعها.
جندي أميركي: إني أسمعك 11s 26 تقدّم.
جندي أميركي آخر: مَن هؤلاء الشبّان الآتين نحونا؟
شاب عراقي: أنا لا أتكلم الإنجليزية جيداً هل تتكلم العربية؟
جندي أميركي: ألديك علب سجائر لتوزّعها هنا؟
فؤاد شمص: على هذه العلب نجد أيضاً رقم الهاتف الذي يمكن الاتصال عليه في حال رغب بعض العراقيين بإعلام الجنود الأميركيين، لِمَ توزّعون علب السجائر؟
جندي أميركي: نوزّع علب سجائر مدوّنة عليها رسائل موالية للتحالف، لقد وزعنا أيضاً مناشير وصحفاً.
فؤاد شمص: لكن التدخين مضر بالصحة.
جندي أميركي: التدخين يعتبر جزءاً من ثقافتهم في جميع الأحوال ومهمتنا هنا لا تقوم على جعلهم يقلعون عن التدخين، بل على تأمين بلد أفضل لهم يتمتع بالأمن.
فؤاد شمص: هذا المساء يعمل شاب عراقي مترجماً لصالح الجنود.
الجندي الأميركي: لا يريد الكلام إنه خائف.
فؤاد شمص: لدواعي الحماية طلبنا منه أن يغطّي وجهه إن مهنته خطرة جداً لكنها تسمح له بأن يكسب 600 دولار بالشهر، وهو راتب لا بأس به أبداً.
الشاب العراقي: يقول إنه شاهد هذا الصباح سيارة من طراز فولكسفاغن كان ثمّة ثلاثة رجال داخلها، أخبروه بأنهم فقدوا سيارتهم أو أنها ربما سُرقت منهم، وأخبروه أيضاً بأنهم عثروا على السيارة الأخرى في هذه المنطقة وهذا أمر ممكن جداً.
فؤاد شمص: هل تحب عملك؟
الشاب العراقي: أجل، لكنه يحمل مجازفة كبيرة.
فؤاد شمص: هل هو خطير؟
الشاب: نعم خطير جداً.
فؤاد شمص: لماذا؟
الشاب: لأنهم لو علموا في قريتي بأنني أعمل مع الجيش الأميركي فقد يقتلونني.
فؤاد شمص: حقاً ؟
الشاب: أجل.
فؤاد شمص: لماذا؟
الشاب: لا أدري، لأن الجميع يكرهون الجيش هنا.
فؤاد شمص: بحث الجنود عبثاً هذا المساء عن السيارة المفقودة.
فؤاد شمص: لا يوجد الكثير للقيام به هذا المساء في مخيم كوك، لذلك يتجاذب الجنود أطراف الحديث في محاولة منهم لقتل الوقت، ولا يفكّرون إلا في موضوع واحد هو العودة إلى الديار.
[جندي يعزف بآلة في فمه]
الجنود [بعد فراغ العازف]: ممتاز.[يصفقون]
جندي أميركي: أول شيء أقوم به أُقبّل الأرض وأذهب لرؤية زوجتي.
جندي أميركي آخر: أُقبّل الأرض وأشعر بسعادة كبيرة لعودتي إلى منزلي أخيراً، لقد سئمت وجودي هنا.
فؤاد شمص: وسواء أكانوا جنوداً محترفين أم أعضاء من الحرس الوطني فإنهم يعتبرون جميعاً أن رئيسهم كذب عليهم ولا يبدو أحد منهم مستعد للموت فداء لتلك الكذبة، بحضور المسؤول الإعلامي وافق بعضهم على الإدلاء بشهاداتهم ومن بينهم جون العضو في مشاة البحرية منذ 15 عاماً، خدم سابقاً في الصومال والبلقان، والأمر سيّان بالنسبة إلى أنطوني، وهو مجرد جندي في الجيش الأميركي تطوع في الجيش منذ عشرين عاماً، وهو أب لثلاثة أطفال وهو من ولاية أركينساس، أما كارل البالغ من العمر 25 عاماً فهو في الحرس الوطني، ومضى تسعة أشهر على وجوده في العراق، لكن بالنسبة إليه هذا يكفي.
كارل: سبب وجودنا هنا هو أسلحة الدمار الشامل، وقد جئنا للعثور عليها ولإقالة صدام حسين من السلطة وصلنا وأمسكنا بزمام السلطة غير أننا لم نعثر على أثر لأسلحة دمار شامل.
أنطوني: ماذا نفعل هنا إن كان لا يوجد أسلحة دمار شامل، كما لو أننا قدمنا إلى هذا البلد لإعادة إعمار هذه المدينة المهدّمة ولمساعدة الناس وإنفاق أموالنا على إعادة إعمار بلادهم.
كارل: لقد كذبوا علينا قدّموا لنا تبريرات كاذبة حول سبب مجيئنا إلى هنا.
فؤاد شمص: إن جون الذي طالما كان وطنياً وفي خدمة بلاده يجد نفسه اليوم يشكك في شرعية هذه الحرب في العراق.
جون: أتطلع إلى الأمر من منظارين مختلفين فمن جهة أفكر في الأطفال، إن وجودي هنا مفيد لأنني أساعد الأطفال والعائلات الفقيرة التي تقيم في أكواخ والتي تعيش في البؤس بسبب رجل كان يقمع ويضطهد شعبه، رجل يحظر عليهم الزراعة، ويمنعهم من اختيار الديانة التي يريدونها، ويراقب كل حركة يقومون بها، لا يوجد ما هو أسوأ من ذلك، ومن جهة أخرى أفكر في أنه ليس علينا أن نكون هنا فأين هي أسلحة الدمار الشامل؟ ما علاقة وجودنا هنا بأحداث الحادي عشر من أيلول سبتمبر؟ وهل قام صدام بأمور لم تقم بها بلدان أخرى؟ الأمر معقّد جداً، فمن وجهة نظر موضوعية أرى أن الولايات المتحدة هي بلد لم ينشأ سوى منذ بضعة مئات من الأعوام، لكن هذا البلد موجود منذ آلاف الأعوام، مَن نحن لنفرض عليهم كيفية عيشهم؟
[حفل ديني يشارك فيه الجنود]
فؤاد شمص: في كل مساء يدعو القس في الفرقة بعض الجنود إلى الصلاة ويردد الجميع التراتيل ويشكرون الله من خلال هذه الأغنية المرتجلة، هم ليسوا سعداء حقاً، فقد قرّر البنتاغون في شهر كانون الأول ديسمبر الماضي بعد أن أقلقه وضع الجنود إرسال اثني عشر طبيباً نفسياً إلى العراق لإجراء معاينة لهم، وأتت نتائج الإحصاء بما لا يدعو مجالاً للشك إن معنويات جنديين من كل ثلاثة جنود منخفضة تماماً.
جون: معنوياتنا في الحضيض وذلك بسبب ما يجري هنا كما بسبب قذائف الهاون والصواريخ التي نتعرض لها، أشعر بالإحباط لأنني بعيد عن عائلتي، كما أن زوجتي تهتم بمفردها بأولادي السبعة، لديّ ابن في السابعة عشرة، والصغرى في عامها الأول، لقد فوّتتُ على نفسي أموراً كثيرة بقدومي إلى هنا وهذا ما يجعلني أشعر باليأس.
فؤاد شمص: هذه الليلة أيضاً تعرّض مخيم كوك عند الثانية فجراً لقذائف الهاون والصواريخ، حالما يسمعون صفارة الإنذار يسارع كل جندي إلى الاحتماء في داخل أقرب غرفة محصّنة.
جندي أميركي: لقد تلقّينا نداءً حول سقوط قذائف هاون وصواريخ، وطلبوا منّا الاحتماء في الغرف المحصّنة، في الرابع والعشرين من نيسان إبريل تعرضنا لهجوم بقذائف الهاون عند الخامسة صباحاً وفقدنا أربعة جنود.
فؤاد شمص: إن الجنود الذين يختبئون تحت هذه البلاطات السميكة من الأسمنت يعدّ بعضهم بعضاً ويتأكدون من عدم غياب أحد منهم.
جندي أميركي: الغرفة رقم اثنان، هنا الغرفة رقم اثنان، عددنا عشرة أو اثنا عشر.
فؤاد شمص: تقلع طائرات سريعاً في محاولة للعثور على من يطلق القذائف وتبحث في أرجاء المنطقة، وتقوم دوريات بتمشيط المنطقة كذلك، عمّ تبحثون؟
جندي أميركي: عمّ نبحث هنا؟
فؤاد شمص: نعم.
جندي أميركي: تبلّغنا بوجود منصات لإطلاق صواريخ في هذه المنطقة نحو الجنوب، يطلق على هذه الطريق اسم إيروس، لم نعد في الجنوب لكننا عثرنا على منصات لإطلاق الصواريخ هنا.
فؤاد شمص: يوقف الجنود سيارة مارّة يقودها عراقي عائد إلى منزله ويبدو أن بحوزة الرجل معلومات تهم الجنود.
العراقي: إنه وقت ملائم للتحدث إلى الجنود.
جندي أميركي: شكراً لك.
العراقي: على الرحب والسعة، حين أرجع من عملي أرتاح هنا، وغالباً ما كنت أرى صواريخ قادمة من هناك ومتجهة ناحية المطار، أذكر أنني قلت لقوّاتكم من قبل إن هذه المنطقة خطرة جداً.
جندي أميركي: جنوبي الطريق الرئيسية؟
العراقي: أجل، على بعد عشرين ألف هكتار من هنا تقريباً، يوجد ملايين الأشجار هنا حتى لو كان ثمّة آلاف الأعداء المختبئين في هذا المكان فلن تتمكنوا من رؤيتهم.
جندي أميركي: حسناً.
فؤاد شمص: على الرغم من ابتسامته العريضة إلا أنه يبقى مشتبهاً فيه في نظر الجنود يحاول الجنود بعد ذلك التأكد من المعلومات التي زوّدهم بها آنفاً.
جندي أميركي: هل يبدو مصدر هذه المعلومات موثوقاً به؟ بدّل، وماذا بشأن المعلومات المتعلقة بإمكانية التعرض للهجوم؟
فؤاد شمص: يعود الجنود إلى المخيم، بعد ساعات انتظار طويلة في الغرف المحصنة انتهت حالة الحذر، يستحيل على الأميركيين اليوم أن يلقوا القبض على عدو يزداد ضراوة، إزاء شعب يزداد وحشية يوماً بعد يوم فإن الجنود مستعدين لفعل أي شيء ليغادروا.
أنطوني: يرغب الناس في رؤية العراق لكن بمجرد أن يصلوا إليه ويسمعوا الانفجار الأول يرغبون في المغادرة، فهم يتساءلون عما أتوا لفعله هنا، ويقولون قدمنا لنساهم في إعادة إعمار البلاد ولم نأت لنموت.
كارل: بعض الأشخاص يعرضون أنفسهم للإصابات عمداً ليس محاولة منهم في الانتحار، ولكن للعودة إلى ديارهم بعد أن يُجرحوا، أو ربما لأنهم يشعرون بالإحباط وبعدم شرعية وجودهم هنا.
أنطوني: البعض مستعدّ لفعل أي شيء لمغادرة هذه البلاد، النساء يحملن أو يوقع الرجال أنفسهم من الشاحنة كي تكسر أرجلهم.
كارل: رأيت شخصاً يفعل ذلك ربط ذراعه بسلسلة علّقها بمؤخرة شاحنة كان يأمل أن يقلع السائق ويتسبب في كسر ذراعه.
أنطوني: كانت تلك وسيلة سريعة للعودة إلى ديارهم وتحقق لهم ذلك.
كارل: لم يحتملوا وجودهم هنا وهم يفكرون مثلما أفكر في أنه كان يجدر بنا أن نكون على أرض الوطن.
أنطوني: يجب أن نحزم حقائبنا ونعود علينا أن نعيد هذه الأرض إلى أصحابها ونرحل، وأن نصلح ما دمّرناه ونترك المكان.
فؤاد شمص: إن عنف الحرب هنا يتسبب في الصدمة للكثيرين كما جرى لجون الذي فقد أحد أعز أصدقائه جرّاء انفجار قذيفة هاون.
جون: تعرضنا لهجوم عند الثانية صباحاً اتّجه إلى الغرف المحصنة، خرج لكتابة تقرير وللتحقق من عدد الجنود ثم تعرضنا لهجوم آخر أدّى إلى مقتله، لم يكن بالإمكان مساعدته حاولت تقديم الإسعافات الأولية له، بذلت ما في وسعي لوقف النزيف لدرجة أنني استخدمت قميصي، ولكن لم أستطع أن أساعده، ولكن لم يكن بالإمكان شيء، أحاول أن أنسى وأكمل مهمتي التي أتيت من أجلها لكن من الصعب أن أنسى، إن ما حدث لا يُمحى من ذاكرتي.
فؤاد شمص: لكل كتيبة في القاعدة طبيب نفسي خاص بها وهم يرتدون أيضاً البزّات العسكرية ويحملون رشاشات الـ M16 ويعتبر ستيف ماكلينين الخبير بحالات الاضطرابات الناجمة عن الحرب أن الصدمات والكوابيس التي يعانيها الجنود في كتيبته ليست بالحالات العابرة.
ستيف ماكلينين [طبيب نفسي]: دورنا يقوم على جعلهم يفهمون أن رد فعلهم طبيعي إزاء هذا الوضع غير الطبيعي، فكون المرء في الحرب يقارب الموت والدمار ليس بالوضع السوي، وردود أفعالهم التي تترجم لديهم حالات من القلق والانزعاج والارتياب أحياناً هي ردود أفعال متوقّعة، لكننا نتوقع أن يستعيد الجنود عافيتهم النفسية في وقت قصير.
جون: لن أنسى ما حييت ما شاهدته هنا، لن أنساه أبداً إنها ذكرى ستلاحقني حتى مماتي، لكني لا أدري كيف سيكون تأثير ذلك حين أعود إلى دياري.
فؤاد شمص: ألف قتيل سبعة آلاف جريح وأكثر من خمسة وعشرين ألف حالة إجلاء إن الخسائر البشرية التي يتكبدها الجانب الأميركي ثمناً لتلك الحرب تزداد يوماً بعد يوم، لكن في الولايات المتحدة نادراً ما تصل صور هؤلاء الجنود القتلى أو الجرحى، في واشنطن ثمّة رجل يعرف جيداً ما يجري في كواليس الجيش الأميركي إنه ستيف روبنسون جندي سابق في القوات الخاصة وهو يستنكر الوسائل التي يعتمدها البنتاغون لتطبيق الرقابة على الصحافة.
ستيف روبنسون [جندي سابق في القوات الخاصة]: تلقيت تقريراً مفاده أن قيادة الجيش منعت مصوّري التلفزيون من التقاط صور للجنود الأميركيين الذين أصيبوا بجروح في المعارك التي دارت في النجف، إن هذا أشبه بحاجز يمنعنا من متابعة حقيقة ما يجري.
فؤاد شمص: إن ستيف روبنسون وهو رئيس جمعية مهمة تُعنى بشؤون المحاربين القدامى في حرب الخليج الأولى يلتقي رئيس الجمهورية شخصياً كل عام لطرح هذا الموضوع، وهو يناضل حالياً كي تصبح حقيقة نتائج الحرب في العراق معلنة أمام الشعب الأميركي.
ستيف روبنسون [جندي سابق في القوات الخاصة]: خدمت في الجيش طوال عشرين عاماً وحتى لو كنت أفهم أسباب الحرب إلا أنني أرى أن الولايات المتحدة وكل العالم لا يدركون عواقبها، لو تمكّن الناس من رؤية حقيقة ما يجري في الحرب والقذارة التي تغلّفها لفكروا ملياً في رأيي قبل إرسال رجالهم إلى الحرب.
فؤاد شمص: نحن في واشنطن الآن أمام والتر ريد وهو أكبر مستشفى عسكري أميركي يعالج فيه الجنود الذين أصيبوا في العراق، وهو مكان يحرسه على الدوام رجال مسلحون ويُمنع فيه التصوير كما يحظر دخوله إلا على من يحمل تصريحاً، طلبنا من إدارة المستشفى السماح لنا بمقابلة جنود جرحى، مرّت ثلاثة أسابيع على تقديمنا الطلب غير أن المسؤول الإعلامي للمستشفى لم يصرّح لنا بعد بالدخول.
- شكراً لاتصالكم بمركز والتر ريد للمعلومات.
- في الحقيقة نحن ما زلنا ننتظر التصريح لدخول والتر ريد.
- اطمئن أنتم على لائحة الانتظار وهذه اللائحة طويلة جداً، إن كل الموجودين عليها يريدون الشيء نفسه، أي مقابلة المرضى العائدين من الحرب والذين يتلقون علاجهم في والتر ريد.
- أيمكن أن أعرف رقمي على اللائحة؟
- آسف لا يمكنني إعطاؤك رقماً ولا تاريخاً.
- شكراً.
فؤاد شمص: لماذا يمنع الجيش وصول الصحفيين إلى هذا المستشفى؟ ماذا يخبئ يا ترى خلف جدرانه؟ وافق روبنسون الذي يملك شارة تخوّله الدخول ساعة يشاء إلى والتر ريد على أن يكون شريكنا في الخطة، كم عدد الجنود في الداخل؟
ستيف روبنسون [جندي سابق في القوات الخاصة]: لا أعرف بالتحديد، ولا أظن أن أحداً يعرف بسبب تدفقهم المستمر ذهاباً وإياباً، ثمّة طائرات جديدة محمّلة بالجنود الجرحى تصل كل يوم إن كل الجنود الذين يصابون في العراق ينقلون إلى هذا المستشفى. [عند الوصول إلى المستشفى] ضع الكاميرا جانباً.
فؤاد شمص: حسناً، بعد أن مرّ التفتيش من دون عوائق اكتشفنا أخيراً والتر ريد، إنها مدينة حقيقية داخل مدينة تمتد على مسافة تزيد على عشرة هكتارات.
ستيف روبنسون [جندي سابق في القوات الخاصة]: يصعب على الصحفيين دخول هذا المستشفى لأن أفراد الجيش يرفضون على ما يبدو الإجابة عن أسئلتهم بعيداً عن كونهم صحفيين أميركيين أو غير أميركيين، يستحيل عليهم الوصول إلى ذلك المكان والتحدث إلى الجنود.
فؤاد شمص: في داخل المبنى التقينا عدداً من الجنود الجرحى ولم يكن بإمكانهم الإدلاء بشهاداتهم بحرية، إذ إنهم كانوا يعرفون أنهم يعرضون أنفسهم لعقوبات كبيرة إذا ما صرحوا عن آرائهم علناً لوسائل الإعلام، وعلى الرغم من هذه المجازفة وافق كل من دانيال وتوماس على التحدث إلينا لكن من دون الكشف عن وجهيهما وخارج المستشفى وفي مكان آمن، وهما مصابان بعارض الاضطرابات التي تلي التعرّض للصدمة، لا يزالان تحت تأثير الصدمة مما شاهداه في العراق لذا تحوّلت حياتهما إلى جحيم.
[جندي يتحدث ورجلاه ترتجفان]
دانيال [أحد الجنود الأميركيين]: إن الأشياء التي رأيتها معارك كثيرة ومهمات عديدة، رائحة اللحم المحترق، الدماء المتناثرة، إنها مشاهد تتسبب لي في كوابيس باستمرار، كوابيس عن الأطفال، والجنود العراقيين، في هذه الحرب فقدت أصدقاء أعزاء عليّ.
توماس [أحد الجنود الأميركيين]: أصيبت فرقتنا بقنبلة يدوية كنا على طريق كونغو وكان يومنا الثاني في العراق، تسببت تلك القنبلة في جرح السائق، إن مظهر شخص أصيب بانفجار قنبلة يدوية ليس بالمشهد اللطيف، فاللحم المتناثر يمتزج بالدماء المضرّجة، حينها فقط يدرك المرء أنه ليس موجوداً في كنساس.
فؤاد شمص: هل تعرضت لهجوم؟
دانيال [أحد الجنود الأميركيين]: أجل مرات عديدة، خلال إحدى مهماتي كنت أقف قرب نافذة أحد المباني وأطلق النار على من يقف قبالتي ويحمي العراقيين، ثم توقفت بعد أن أدركت أنني على وشك إطلاق النار على شجرة ثم قلت في نفسي ما الذي يجري؟ شعرت بالضياع بعض الوقت حتى إن مشاعري كانت متضاربة لدرجة أنني لم أتمكن من التوقف فأكملت ما كنت أقوم به.
فؤاد شمص: دانيال هو عضو في القوات الخاصة التي تعتبر نخبة الجيش الأميركي، أما توماس فقد كان في الحرس الوطني بقي نحو عشرة أشهر في العراق قبل أن يتم إجلاؤه، اليوم وقد تعرض لصدمة عنيفة أصبحت أي حركة تصيبه بالذعر، أتشعر بالخوف أحياناً ؟
توماس [أحد الجنود الأميركيين]: أشعر بالذعر، لا أثق بأحد وحواسي دائماً متنبهة، أجول بنظري في كل مكان وأحذر كل من يحمل الحقيبة أصبح الأمر خارجاً عن سيطرتي.
دانيال [أحد الجنود الأميركيين]: أنا أرتعش طوال الوقت تقريباً وأكاد أقتلع جلدي بيديّ، حرمني القلق النوم وأصبح الأرق يلازمني، أنام ثلاث ساعات أو أقل ما لم أتناول أقراصاً منوّمة، تساعدني المهدئات على النوم، لكن حين أغفو تجتاحني الكوابيس ثم أستيقظ مذعوراً وأنا ألهث وأحاول العثور على مكان آمن أحتمي فيه، كما كنت أفعل في المهمات السابقة التي كنت أرسل إليها.
فؤاد شمص: يعرف الطبيب النفسي آل باوتروس الذي كان جندياً بدوره أسباب العوارض التي يصفها كل من دانيال وتوماس، وهو يعمل اليوم لحساب الحكومة الأميركية بهدف مساعدة الجنود القدامى.
آل باوتروس [طبيب نفسي]: إن المرضى المصابين بعارض الاضطرابات التي تتبع التعرض للصدمة، يستذكرون في أذهانهم الأحداث التي عايشوها، ويمكن أن يظهر هذا المرض النفسي عقب سماع ضجة قوية مثلاً تجعلهم يتذكرون الصدمة التي شهدوها من قبل.
فؤاد شمص: إن توماس الذي تاه في معمعة الحرب فكر مرات عديدة في الانتحار.
توماس [أحد الجنود الأميركيين]: حاولت تحذير الناس وحثهم كي يتحركوا لكن شيئاً لم ينفع، لم يشاهد أحد الإشارات بل لم يكونوا مبالين بالأمر، كانوا عاجزين عن فعل أي شيء أرسلوني لرؤية المرشدة الاجتماعية لكنها كانت تعاني مشاكل أكثر مني على ما يبدو.
فؤاد شمص: هل تعتبر أن الجيش الأميركي يهتم بك ؟
توماس [أحد الجنود الأميركيين]: لا لم يعد يهتم بنا، أشعر بالإهمال هنا من دون أي مساعدة ومن غير أي دعم من أحد.
فؤاد شمص: لم لا تريد الكشف عن وجهك؟
دانيال [أحد الجنود الأميركيين]: كي أحمي حياتي الخاصة، لا أحبّذ هذه الفكرة، وكي أصدقك القول فإني أخشى البكاء، ولا أريد لعائلتي أن تراني بهذه الحال.
فؤاد شمص: لماذا؟
دانيال [أحد الجنود الأميركيين]: كبريائي لا يسمح لي، فعائلتي فخورة جداً بالإنجازات التي حققتها، وأخشى أن يعتقدوا أنني تمرّدت على الجيش وإلى ما هنالك، لكن هذا غير صحيح، فأنا أشرح فقط ما جرى لي.
فؤاد شمص: إن عارض الاضطرابات التي تتبع التعرض للصدمة المندرج في أدلة الطب العسكري منذ الحرب الانفصالية هو مرض نفسي يتكرر ظهوره لدى الجنود، وكان ثلث الجنود تقريباً يعانون هذا المرض لدى عودتهم من فيتنام، إنه مرض اكتشفه الرأي العام الأميركي بهلعٍ شديد، يؤكد الجيش الأميركي اليوم من خلال بلاغ رسمي نشره أن ما نسبته 18% من الجنود العائدين من العراق مصابون بهذا المرض، لكن يرى بعض الخبراء أن هذا الرقم أقل من الرقم الحقيقي بكثير، وهي دراسة تم تأكيدها داخل الحكومة.
آل باوتروس [طبيب نفسي]: بشكل عام يعاني ما معدله 27% من المرضى الذين يأتون إلى المركز من عارض الاضطرابات التي تعقب التعرض للصدمة، هذا معدل يفوق العدد الذي عرفناه بعد حرب فيتنام، ولهذا علاقة بالتعرض المباشر للمعارك العنيفة، كلما عرفنا أكثر عن العراق تيقنا أن نسبة أكبر من الجنود تتعرض لخطر الموت المباشر هناك.
فؤاد شمص: ما الذي ترغب فيه في المستقبل؟
دانيال [أحد الجنود الأميركيين]: في المستقبل؟
فؤاد شمص: أجل.
دانيال [أحد الجنود الأميركيين]: أحلم بأن أتزوّج وأنجب الأطفال، كما أحلم بأن أعيش حياتي بشكل طبيعي أريد أن أحاول وضع حدّ لمشاكلي، أريد أن أرتاح ولو لحظة واحدة.
توماس [أحد الجنود الأميركيين]: كنت سعيداً فيما مضى كانت لدي أهداف وأحلام أرغب في تحقيقها لم أعد قادراً في الوقت الراهن أن أخبركم بما أريد فعله في الغد، لم يعد بإمكاني التنبؤ بمستقبلي، فهو غير موجود بالنسبة إليّ ويؤلمني جداً التفكير فيه.
ستيف روبنسون [جندي سابق في القوات الخاصة]: إن القيادة والمسؤولين يُعنون بشؤون الجنود يبالون بالحرب أكثر من مبالاتهم بعواقبها فلديهم مهمات يريدون إنجازها، وإن أصيب أحدهم أو أصيب بعارض الاضطرابات التي تعقب التعرض للصدمة يعيدونه إلى الولايات المتحدة ويستبدلونه بجندي آخر كي يكملوا مهمتهم التي بدؤوا بها، لا أعتقد أنهم يكترثون كثيراً للأمر، إن عملهم ينحصر في شنّ حرب وليس في الاهتمام بنتائجها.
فؤاد شمص: في هذه الأثناء في مخيم كوك تنزل كل ليلة طائرات مروحية فوق الأرض العراقية، جنود جُدد أتوا ليحلوا محل الجنود الآخرين.
جندي أميركي: لا أدري أفضل أن أكون هنا وأعرف أن عائلتي بمأمن في بلادي.
جندي أميركي: لا بد من سبب وجيه لبقائنا هنا أنا لا أفهم في شؤون السياسة أنفّذ فقط ما يطلب مني.
فؤاد شمص: بعد أن قضوا ليلتهم الأولى في جو بغداد الحار استقبل الضباط في المخيم أولئك الجنود الشبّان.
[ضباط أميركان يخاطبون الجنود الجدد]
ضابط أميركي: إن أطلق أحدهم النار عليكم يحق لكم الرد.
ضابط أميركي: ستكون عائلاتكم بأمان بفضل ما تقومون به هنا.
قس: تمسكوا بالحياة ولا تفترقوا، سوف أتلوا صلاة من أجلنا.
فؤاد شمص: بمساعدة الشعارات والصلوات يتم تذكير الجنود بسبب مجيئهم إلى هذا المكان وبكيفية القتال ضد العدو، كم من الوقت سيبقى هؤلاء الجنود في العراق؟ لا أحد يعرف الآن، باستثناء شخص واحد ربما: الرئيس الأميركي.
بسم الله الرحمن الرحيم
النص الحرفي للفيلم الوثائقي ( الخوف من المجهول )
الذي بثته قناة العربية يوم الخميس 29 / 1 / 1426هـ - 10 / 3 / 2005م
ش تفوق أهوال فيتنام مايدل على صلابة الجهاد هناك وشدة بأس المجاهدين في بلاد الرافدين الذين قهر الله بهم أقوى جيش في العالم وأعتى قوة في التأريخ ..
فالله أكبر الله أكبر ولله الحمد !
فؤاد شمص ( مقدم ومعد البرنامج ) : محترفون، مهذبون، ومستعدون للقتل، إنه نهار الخميس الواقع في الرابع من تموز يوليو إنه العيد الوطني الأميركي، في بغداد أشرقت الشمس فوق الثكنة، أنت سعيد بتمضية العيد في بغداد؟
جندي أميركي: لا. أفضل أن أكون موجوداً في دياري الآن .
فؤاد شمص: معنوياتك منخفضة ؟
جندي أميركي: هل تقصدون أن معنوياتي منخفضة لأنني مريض الآن ؟
فؤاد شمص: مجرد السؤال.
جندي أميركي: حسناً من وقت إلى آخر.
فؤاد شمص: خلال بضع ساعات سوف يمضي الجندي أستو م وزملاؤه في الفرقة في دورية على الطرقات العراقية وهي مهمة محفوفة بالمخاطر، أتعلم ما ستفعلون اليوم؟
جندي أميركي: لا [يضحك]، سنذهب في دورية سوف نفتش بعض المنازل ونذكّرهم بأننا موجودون.
فؤاد شمص: ما هو شعورك؟
الجندي الأميركي: أشعر بالتعب.
فؤاد شمص: متى ستعود إلى ديارك ؟
الجندي الأميركي: ربما العام المقبل .
فؤاد شمص: تشعر بالخوف ؟
الجندي: بالطبع، إن كنت تتعرّض لإطلاق النار طوال الوقت فسوف تخاف بالتأكيد، الخوف لا يفارقني.
ضابط أميركي [يخاطب باقي الجنود]: كونوا حذرين اليوم فلينتبه السائقون ومعاونوهم لأطراف الشوارع والقنابل اليدوية، هل من أسئلة؟ حسناً انصرفوا.
فؤاد شمص: بعد تنبيه أخير صعدت الفرقة المؤلفة من خمسة عشر عنصراً في المصفّحات، تتألّف الوحدة التي نتعقّبها من أربعة عناصر (كولتر) هو السائق ويجلس إلى جانبه النقيب (كانغاس) وهو قائد الفرقة، أما في مؤخر الآلية فيهتم (إيستوم) وسنو بالرشاشات الثقيلة وهم يترصّدون أي عدوّ يلوح من بعيد، وهؤلاء الأربعة جميعهم من الحرس الوطني الذين يطلق عليهم اسم الجنود غير المحترفين، وهم الذين يؤمّنون الحماية المدنية في الولايات المتحدة الأميركية. إن وجهتنا هذا الصباح هي قرية صغيرة تدعى مكاسب وهي قرية معظم سكانها من السنّة، ولطالما كانوا من مؤيّدي صدام حسين، تعتبر مكاسب اليوم منطقة خطرة يخشاها الجنود إذ كثيراً ما أطلقت منها قذائف، عمّ تبحثون ؟
جندي أميركي: عن أشياء كثيرة، مثل الأسلاك والأسلحة والمتفجرات الموقوتة والهواتف الخلوية، وكل ما يمكن أن يساهم في صناعة قنبلة.
فؤاد شمص: تخشون السيارات المفخّخة ؟
جندي أميركي: أجل ننتبه لهذا الأمر، لكنهم يترصّدون أهدافاً أكثر أهمية مثل مراكز التفتيش .
فؤاد شمص: ينطلق السائق (كولتر) في مهمة لا تبعث على الضحك إلا في نفسه، فهو يوجّه الخنجر ناحية شبّان عراقيين بهدف بثّ الرعب في قلوبهم.
كولتر: أرأيتم لا ينبسون ببنت شفة؟ لأنهم خائفون من أن أقفز من الشاحنة وأقطع رؤوسهم، لا يملكون أي شيء لا طعام ولا ماء.
فؤاد شمص: إنها مواجهة بين ثقافتين متباينتين وعالمين مختلفين يتعارض فيهما كل شيء، فإن كان (كولتر) موجوداً في العراق اليوم فذلك يُعزى بالنسبة إليه لأحداث الحادي عشر من أيلول سبتمبر وهي رحلة لن ينساها.
كولتر: ما زلت أذكر ما حدث في الحادي عشر من أيلول سبتمبر، أذكر ذلك الخوف الذي شعرت به حينما سمعت الخبر عبر المذياع، غادرت المدرسة ذلك اليوم والتحقت بوحدتي إذ أنني قدّرت أنه سيتم إرسالنا إلى هناك فوراً، لكن ذلك استغرق عاماً ونصفاً أو عامين، وقد أغضب ذلك الكثيرين الذي توقعوا أن يأتي الرد في اليوم التالي أو الأسبوع التالي أو الشهر التالي.
فؤاد شمص: لقد مرّ اليوم ما يزيد على عام ونصف على انطلاق العملية المسمّاة "الحرية للعراق"، والفوضى المطلقة تسود البلاد، لا يكاد يمر يوم واحد من دون حصول اعتداءات، تحوّل البلد كله إلى بؤرة تفجير خارجة عن نطاق سيطرة القوّات الأميركية، والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يحقد هؤلاء الجنود على رئيسهم لأنه أرسلهم إلى هذه الحرب المميتة؟
كولتر: ينبغي أن أكون حذراً حول ما أقوله عن بوش؟
فؤاد شمص: لِمَ ينبغي أن تكون حذراً؟
كولتر: لديّ حرية الكلام والتعبير عن الرأي - كما تعلمون -، لكن حين يلتحق الجنود بالقوّات المسلّحة الأميركية، فإنهم يلتزمون باتباع قواعد محددة، وقد أُسجن بتهمة القذف والذم، ولولا ذلك لما تكبّدت عناء الخوض في المشاكل، كما أنني إن فعلت ذلك أكون قد أسأت إلى وحدتي وإلى نفسي وإلى عائلتي.
فؤاد شمص: يعلم الجندي (كولتر) أنه في حال وجّه أي انتقاد يطال الرئيس الأميركي، فإنه يجازف بتأديبه في المجلس العسكري، وهي مجازفة لا تردع زميله في الفرقة (إيستوم) الذي لا يتردد في إخبارنا برأيه في جورج بوش بصراحة.
إيستوم: سألتم صديقي إذا كان ينوي الاقتراع لصالح بوش في الانتخابات المقبلة، بالنسبة إليّ لن أصوّت له.
فؤاد شمص: لماذا ؟
إيستوم: منذ بضعة أيام قال لنا أحد المترجمين بلغة إنجليزية ركيكة ما معناه، أنه لا يدري عمّ يتكلم، بالنسبة إليّ أرى هذا الأمر غريباً جداً، وأيضاً ليس لديّ ما أضيفه. رئيس لا يدري عمّ يتكلم؟ إنها طرفة تستدعي الابتسام، لكن شيئاً فشيئاً سوف تنطلق الألسنة وسنسمع آراء مفاجئة.
إيستوم: لن أقترع لمصلحته لأنني أعتبر أنه اتخذ قرارات غير صائبة تتعلق بالبلاد، لن أقول إنه كذب لكنه زوّدنا بمعلومات غير صحيحة حول سبب وجودنا هنا، وحول المهمة التي أتينا من أجلها.
فؤاد شمص: أي نوع من المعلومات غير الصحيحة ؟
إيستوم: إنها ما يتعلق بموضوع الإرهاب.
فؤاد شمص: ما هي العبارة التي استخدمها؟
إيستوم: أجل، لقد بالغ ( بوش ) في الوضع قال إنها حرب على الإرهاب فلتذهبوا إلى العراق فوراً، أنا هنا منذ ثلاثة أشهر ولم أرَ إرهابياً واحداً حتى الآن.
فؤاد شمص: كانت الذريعة الرئيسة التي اتخذتها الولايات المتحدة لشنّ تلك الحرب أسلحة الدمار الشامل، وكغيرهم من الأميركيين ظنّ (كولتر) وسنو و(إيستوم) وغيرهم من الجنود أنهم سيعثرون منها على الكثير، إن خيبة أملهم اليوم تبدو جلية.
كولتر: من المؤسف والمخيّب للآمال عدم عثورنا على أسلحة دمار شامل، الأمر رهيب، نحن نقوم بدوريات في منطقة صغيرة جداً وكغيرنا من الوحدات نحن غير مسؤولين عمّا يحدث خارج منطقتنا، ما أعرفه هو أننا قلبنا منطقتنا رأساً على عقب في أثناء عملية التفتيش نقبنا في كل شبر أرض، ولم نعثر على شيء.
فؤاد شمص: وقد تعدّى (كولتر) النقد بعض الشيء ليتّهم رئيسه بالتلاعب بالرأي العام.
كولتر: إن الفريق السياسي المحيط به بارع جداً في بثّ الرعب في قلوب الأميركيين، فهو يجعلهم يصدّقون أن منازلهم ستتعرض لهجوم أو أن مدينتهم سوف تشتعل.
فؤاد شمص: على الرغم من الادّعاءات وخيبة الأمل المترتبة عليها يتعيّن على (كانغاس) ورجاله إنجاز مهمّتهم في العراق حتى النهاية، وعملهم محفوف بالمخاطر إذ إنهم الأكثر استهدافاً للاعتداءات.
كانغاس: نحن نطبق التقنية الإنجليزية لإنجاز مهمتنا على أكمل وجه، أي إننا لا نبقى أكثر من عشرين دقيقة في المكان الذي نصل إليه.
فؤاد شمص: ماذا جرى؟
كانغاس: لقد وقع انفجار في مكان ما، في كل مرة يحدث فيها إطلاق قذائف هاون يخبر بعضهم بعضاً خلال عشرين دقيقة، ويمكن أن يعرفوا مكان وجودنا فنقع في كمين نصبوه لنا، إن بقينا في المكان أكثر من عشرين دقيقة نكون قد دخلنا دائرة الخطر.
فؤاد شمص: منذ بداية التدخل الأميركي في العراق قُتل أكثر من ألف جندي أميركي وعشرات الرعايا الأميركيين، كما أن وتيرة العنف تتصاعد يوماً بعد يوم لدرجة باتت تصدم معها الرأي العام الأميركي، الرقيب (كانغاس) يعرف ذلك ويزداد به اقتناعاً كلما قلّ مواطنيه حوله.
كانغاس: هذا ما يريده المتمردون فهم يعرفون أنهم لن يتمكنوا من الانتصار علينا على أرض المعركة، في الوقت الذي يمكنهم فيه التغلّب علينا من خلال التأثير في الشعب العراقي كما في الولايات المتحدة نفسها، إن رأى الأميركيون أننا سنموت هنا فمن المؤكد أنهم لن يرغبوا في بقائنا، ما سيقولونه إنه ليس مستوصفاً نقّالاً عديم الجدوى.
فؤاد شمص: نحن الآن في مخيم كوك وهي ثكنة تقع على بعد بضعة كيلو مترات عن بغداد على مقربة من المطار، وهي إحدى القواعد العسكرية الأميركية التي يبلغ عددها أربعين، وتضم تلك القاعدة أحد عشر جندياً، هذا هو المكان الذي يستريح فيه الجنود بعد الانتهاء من كل مهمة وهو يحتوي على قاعات رياضية ومطاعم كبيرة وأحد فروع برجر كينج، حتى يُخيّل إلى أحدهم أنه في أميركا، إن القاعدة الأولى التي يتعلّمها الجنود بمجرد وصولهم إلى العراق هي عدم التخلي مطلقاً عن السلاح والبزة الواقية من الرصاص والخوذة، لأن الحرب مستمرة هنا على مدار الساعة، وعلى الرغم من الصواريخ وقذائف الهاون والسيارات المفخّخة تظهر لنا الابتسامات العريضة المرتسمة على وجوه الجنود معنوياتهم المرتفعة وإيمانهم بمهمتهم.
جندي أميركي: معنوياتنا مرتفعة فهم يهتمون بنا كما أن الطعام جيد، ظروفنا المعيشية رائعة هنا.
جندية أميركية: نرى هنا العراقيين يعملون كما نشعر بالرضا الذي يحصلون عليه جرّاء عملهم، نتحدث إليهم عن عائلاتهم وعمّا يريدون وهذا أمر جميل.
فؤاد شمص: لا تريدين العودة إلى بلادك؟
جندية الأميركية: الحر هو السبب الوحيد لأفكر في العودة.
جندي أميركي: إن الضغط الذي نشعر به مردّه إلى كوننا بعيدين عن الوطن وعن العائلة أيضاً، ولولا ذلك لما كنّا شعرنا به، إذ إن ظروفنا المعيشية هنا رائعة جداً، كما أننا محاطون بالأصدقاء والأمر ليس بهذا السوء.
فؤاد شمص: ليس الأمر بهذا السوء باستثناء المناخ الحار، كل شيء يسير على ما يرام، ولربما وجود هذا الرجل الذي يقف خلفنا بالزي العسكري قد أثر بعض الشيء في تصريحات الجنود، إنه المسؤول الإعلامي المكلّف رسمياً مرافقتنا، وهو هنا لمراقبة عملنا، لكن أحياناً وكما رافقنا وحدة الرقيب (كانغاس) في أثناء قيامها بالدورية نتمكن من الابتعاد عن أنظاره، هذه المرّة يحاول الجنود الشبّان إغواء العراقيين من خلال توزيع المناشير والسكاكر.
[جندي أميركي يتكلم مع بعض العراقيين ويوزّع عليهم المناشير والسكاكر]
الجندي الأميركي: وزعوا هذه على الأطفال [يعطيهم علبة السكاكر].
لا أدري ماذا تعني الكلمة التي يقولونها.
[الجندي يتحدث إلى العراقيين] هل ترون هنا أشخاصاً لم تعتادوا مشاهدتهم من قبل؟ هل تلاحظون أي نشاط إرهابي؟
أحد العراقيين: لا الحمد لله كلنا قرايب وناس تعرف ناس.
فؤاد شمص: يحمل هذا الجندي في يده مناشير تشجّع الناس على التعاون معهم.
جندي أميركي [يتحدث إلى فتى صغير]: هل تريد أن تتعاون معنا؟ تفضل لو سمحت، هل تريد؟ هذه لك.
فؤاد شمص: ما هذا؟
جندي أميركي: إنها مناشير تشجّعهم على تسليمنا الصواريخ المضادّة للطائرات، وهي تعرض عليهم 15 ألفاً وعشرة آلاف أو 8 آلاف مقابل تسليمنا الأسلحة.
فؤاد شمص: ولكن على الرغم من المكافآت التي يعدونهم بالحصول عليها قلّة من العراقيين يتصل على الرقم الموجود على هذه المناشير.
إنها الخامسة مساء و(كانغاس) ورجاله يعودون إلى القاعدة، مرّت دوريتهم بسلام، لكن لم يكن الجميع محظوظاً.
جندي أميركي: لقد جُرح رود ريغس وتم نقله ليلاً.
جندي أميركي آخر: أشعر بالتوتر لقد جُرح رود ريغس جرّاء انفجار قنبلة.
جندي آخر يسأله: رود ريغس من وحدتنا؟
جندي أميركي: أجل تم نقله.
فؤاد شمص: بمجرد عودتهم إلى المخيم يدخل كل جندي غرفته على الجدران نجد بعض الملصقات المعلّقة في محاولة لصرف الانتباه عن موضوع الحرب، يقلّب (كولتر) والآخرون صفحات ألبومات الصور ويسترجعون ذكرياتهم مع عائلاتهم وصديقاتهم، أما رسائلهم وبريدهم الإلكتروني فيراقبها مجلس القيادة، هذا المساء يتحدث الرقيب (كانغاس) إلى زوجته عبر الشبكة الإلكترونية وهو مثلها كان معارضاً لشنّ هذه الحرب.
كانغاس: كانت تساورني شكوك عديدة في الذرائع المقدّمة لشنّ هذه الحرب، لم ينفّذ قرار الأمم المتحدة لكن لم يؤيدنا أحد، وأعتقد أنه كان خطأ كبيراً، لا أظن أن ذريعة أسلحة الدمار الشامل كانت ذريعة ناجحة، هذه الذريعة لم تكن خياراً جيداً.
كولتر: أعتقد أن ثمة أساليب أخرى لتحقيق ذلك، ليس من الضروري أن نطلق النار على كل ما يتحرك فنحن لسنا رعاة بقر.
كانغاس: من الناحية السياسية لا أرى أن جورج بوش اتخذ القرار الصائب بشنّه الحرب، لكنه كان يعلم أنه لو تحوّل هذا القرار إلى الكونغرس لما وافق عليه، كانت تلك الطريقة الوحيدة لتنفيذه بالنسبة إليه.
فؤاد شمص: في الوقت الذي يُعتبر فيه العراق أرض الخيرات بالنسبة للعديد من الفرق الأميركية، فإن إعادة إعماره تعود بالفائدة على الشركات المقرّبة إلى السلطة والبيت الأبيض، إن (كولتر) و(كانغاس) المعارضين لحكومتهما لا يتقبّلان فكرة تعريض حياتهما للخطر في مقابل النفط والدولارات.
كولتر: نصل هنا إلى عمق المشكلة، ما هي المبالغ؟ وما هي الأموال التي يحصلون عليها من مصانع الأسلحة ومختبرات الأبحاث؟ ولا ننسى بالطبع شركات النفط، أنا شخصياً لا أعرف ما سيحل بالنفط العراقي عندما نرحل، لكن أعتقد أن النفط الذي ينتج في العراق يذهب مباشرة إلى المستهلك الأميركي.
كانغاس: فيما يتعلق بالمشاكل المالية أرى أن جورج بوش وطاقمه السياسي لهما صلات بالشركات المتعاقدة من أجل إعادة إعمار العراق، أنا على يقين من أنه لا يمكننا دمج السياسة بعالم الأعمال، لكن كل العالم يعرف أن هذا ما يحصل في هذه الحرب.
فؤاد شمص: إن (كولتر) الذي اختار التصويت لصالح جون كيري في الانتخابات الرئاسية يشك في إعادة تولي جورج بوش منصب الرئاسة.
كولتر: ماذا سيحدث إذا ما أعيد انتخاب جورج بوش رئيساً للجمهورية سوف نبقى هنا إلى الأبد.
فؤاد شمص: إنها السابعة مساء حان وقت الانطلاق بدورية أخرى.
جندي أميركي: هذه سيارتنا إنها سيارة جيب من طراز ميتسويبشي باجيرو صنعت عام 1993، هذه هي الصورة التي تلقّيتها قد لا تكون من الطراز نفسه قد تكون ببابين أو أربعة أبواب، حسناً لقد استولت القوّات المعادية للعراقيين على الصواريخ المسروقة وتنوي شنّ هجوم على منطقة بايا، إن مهمتنا إذاً لم تكن يوماً بهذا الحزم، أتريدون أن أكرر مرة أخرى؟ 3124 تصحيح 33124 صحيح.
فؤاد شمص: إن هذا المكان الفسيح الذي يقع على بعض بضعة مئات الأمتار من المطار هو منطقة شديدة الخطر.
جندي أميركي: اثنان حدّدوا لي موقعكم كي أعطيكم الأمر بالتقدم.
فؤاد شمص: من هذه المنطقة تحديداً أُطلق صاروخ منذ بضعة أشهر باتجاه طائرة تعود إلى شركة البريد السريع Dhl مباشرة بعد إقلاعها.
جندي أميركي: إني أسمعك 11s 26 تقدّم.
جندي أميركي آخر: مَن هؤلاء الشبّان الآتين نحونا؟
شاب عراقي: أنا لا أتكلم الإنجليزية جيداً هل تتكلم العربية؟
جندي أميركي: ألديك علب سجائر لتوزّعها هنا؟
فؤاد شمص: على هذه العلب نجد أيضاً رقم الهاتف الذي يمكن الاتصال عليه في حال رغب بعض العراقيين بإعلام الجنود الأميركيين، لِمَ توزّعون علب السجائر؟
جندي أميركي: نوزّع علب سجائر مدوّنة عليها رسائل موالية للتحالف، لقد وزعنا أيضاً مناشير وصحفاً.
فؤاد شمص: لكن التدخين مضر بالصحة.
جندي أميركي: التدخين يعتبر جزءاً من ثقافتهم في جميع الأحوال ومهمتنا هنا لا تقوم على جعلهم يقلعون عن التدخين، بل على تأمين بلد أفضل لهم يتمتع بالأمن.
فؤاد شمص: هذا المساء يعمل شاب عراقي مترجماً لصالح الجنود.
الجندي الأميركي: لا يريد الكلام إنه خائف.
فؤاد شمص: لدواعي الحماية طلبنا منه أن يغطّي وجهه إن مهنته خطرة جداً لكنها تسمح له بأن يكسب 600 دولار بالشهر، وهو راتب لا بأس به أبداً.
الشاب العراقي: يقول إنه شاهد هذا الصباح سيارة من طراز فولكسفاغن كان ثمّة ثلاثة رجال داخلها، أخبروه بأنهم فقدوا سيارتهم أو أنها ربما سُرقت منهم، وأخبروه أيضاً بأنهم عثروا على السيارة الأخرى في هذه المنطقة وهذا أمر ممكن جداً.
فؤاد شمص: هل تحب عملك؟
الشاب العراقي: أجل، لكنه يحمل مجازفة كبيرة.
فؤاد شمص: هل هو خطير؟
الشاب: نعم خطير جداً.
فؤاد شمص: لماذا؟
الشاب: لأنهم لو علموا في قريتي بأنني أعمل مع الجيش الأميركي فقد يقتلونني.
فؤاد شمص: حقاً ؟
الشاب: أجل.
فؤاد شمص: لماذا؟
الشاب: لا أدري، لأن الجميع يكرهون الجيش هنا.
فؤاد شمص: بحث الجنود عبثاً هذا المساء عن السيارة المفقودة.
فؤاد شمص: لا يوجد الكثير للقيام به هذا المساء في مخيم كوك، لذلك يتجاذب الجنود أطراف الحديث في محاولة منهم لقتل الوقت، ولا يفكّرون إلا في موضوع واحد هو العودة إلى الديار.
[جندي يعزف بآلة في فمه]
الجنود [بعد فراغ العازف]: ممتاز.[يصفقون]
جندي أميركي: أول شيء أقوم به أُقبّل الأرض وأذهب لرؤية زوجتي.
جندي أميركي آخر: أُقبّل الأرض وأشعر بسعادة كبيرة لعودتي إلى منزلي أخيراً، لقد سئمت وجودي هنا.
فؤاد شمص: وسواء أكانوا جنوداً محترفين أم أعضاء من الحرس الوطني فإنهم يعتبرون جميعاً أن رئيسهم كذب عليهم ولا يبدو أحد منهم مستعد للموت فداء لتلك الكذبة، بحضور المسؤول الإعلامي وافق بعضهم على الإدلاء بشهاداتهم ومن بينهم جون العضو في مشاة البحرية منذ 15 عاماً، خدم سابقاً في الصومال والبلقان، والأمر سيّان بالنسبة إلى أنطوني، وهو مجرد جندي في الجيش الأميركي تطوع في الجيش منذ عشرين عاماً، وهو أب لثلاثة أطفال وهو من ولاية أركينساس، أما كارل البالغ من العمر 25 عاماً فهو في الحرس الوطني، ومضى تسعة أشهر على وجوده في العراق، لكن بالنسبة إليه هذا يكفي.
كارل: سبب وجودنا هنا هو أسلحة الدمار الشامل، وقد جئنا للعثور عليها ولإقالة صدام حسين من السلطة وصلنا وأمسكنا بزمام السلطة غير أننا لم نعثر على أثر لأسلحة دمار شامل.
أنطوني: ماذا نفعل هنا إن كان لا يوجد أسلحة دمار شامل، كما لو أننا قدمنا إلى هذا البلد لإعادة إعمار هذه المدينة المهدّمة ولمساعدة الناس وإنفاق أموالنا على إعادة إعمار بلادهم.
كارل: لقد كذبوا علينا قدّموا لنا تبريرات كاذبة حول سبب مجيئنا إلى هنا.
فؤاد شمص: إن جون الذي طالما كان وطنياً وفي خدمة بلاده يجد نفسه اليوم يشكك في شرعية هذه الحرب في العراق.
جون: أتطلع إلى الأمر من منظارين مختلفين فمن جهة أفكر في الأطفال، إن وجودي هنا مفيد لأنني أساعد الأطفال والعائلات الفقيرة التي تقيم في أكواخ والتي تعيش في البؤس بسبب رجل كان يقمع ويضطهد شعبه، رجل يحظر عليهم الزراعة، ويمنعهم من اختيار الديانة التي يريدونها، ويراقب كل حركة يقومون بها، لا يوجد ما هو أسوأ من ذلك، ومن جهة أخرى أفكر في أنه ليس علينا أن نكون هنا فأين هي أسلحة الدمار الشامل؟ ما علاقة وجودنا هنا بأحداث الحادي عشر من أيلول سبتمبر؟ وهل قام صدام بأمور لم تقم بها بلدان أخرى؟ الأمر معقّد جداً، فمن وجهة نظر موضوعية أرى أن الولايات المتحدة هي بلد لم ينشأ سوى منذ بضعة مئات من الأعوام، لكن هذا البلد موجود منذ آلاف الأعوام، مَن نحن لنفرض عليهم كيفية عيشهم؟
[حفل ديني يشارك فيه الجنود]
فؤاد شمص: في كل مساء يدعو القس في الفرقة بعض الجنود إلى الصلاة ويردد الجميع التراتيل ويشكرون الله من خلال هذه الأغنية المرتجلة، هم ليسوا سعداء حقاً، فقد قرّر البنتاغون في شهر كانون الأول ديسمبر الماضي بعد أن أقلقه وضع الجنود إرسال اثني عشر طبيباً نفسياً إلى العراق لإجراء معاينة لهم، وأتت نتائج الإحصاء بما لا يدعو مجالاً للشك إن معنويات جنديين من كل ثلاثة جنود منخفضة تماماً.
جون: معنوياتنا في الحضيض وذلك بسبب ما يجري هنا كما بسبب قذائف الهاون والصواريخ التي نتعرض لها، أشعر بالإحباط لأنني بعيد عن عائلتي، كما أن زوجتي تهتم بمفردها بأولادي السبعة، لديّ ابن في السابعة عشرة، والصغرى في عامها الأول، لقد فوّتتُ على نفسي أموراً كثيرة بقدومي إلى هنا وهذا ما يجعلني أشعر باليأس.
فؤاد شمص: هذه الليلة أيضاً تعرّض مخيم كوك عند الثانية فجراً لقذائف الهاون والصواريخ، حالما يسمعون صفارة الإنذار يسارع كل جندي إلى الاحتماء في داخل أقرب غرفة محصّنة.
جندي أميركي: لقد تلقّينا نداءً حول سقوط قذائف هاون وصواريخ، وطلبوا منّا الاحتماء في الغرف المحصّنة، في الرابع والعشرين من نيسان إبريل تعرضنا لهجوم بقذائف الهاون عند الخامسة صباحاً وفقدنا أربعة جنود.
فؤاد شمص: إن الجنود الذين يختبئون تحت هذه البلاطات السميكة من الأسمنت يعدّ بعضهم بعضاً ويتأكدون من عدم غياب أحد منهم.
جندي أميركي: الغرفة رقم اثنان، هنا الغرفة رقم اثنان، عددنا عشرة أو اثنا عشر.
فؤاد شمص: تقلع طائرات سريعاً في محاولة للعثور على من يطلق القذائف وتبحث في أرجاء المنطقة، وتقوم دوريات بتمشيط المنطقة كذلك، عمّ تبحثون؟
جندي أميركي: عمّ نبحث هنا؟
فؤاد شمص: نعم.
جندي أميركي: تبلّغنا بوجود منصات لإطلاق صواريخ في هذه المنطقة نحو الجنوب، يطلق على هذه الطريق اسم إيروس، لم نعد في الجنوب لكننا عثرنا على منصات لإطلاق الصواريخ هنا.
فؤاد شمص: يوقف الجنود سيارة مارّة يقودها عراقي عائد إلى منزله ويبدو أن بحوزة الرجل معلومات تهم الجنود.
العراقي: إنه وقت ملائم للتحدث إلى الجنود.
جندي أميركي: شكراً لك.
العراقي: على الرحب والسعة، حين أرجع من عملي أرتاح هنا، وغالباً ما كنت أرى صواريخ قادمة من هناك ومتجهة ناحية المطار، أذكر أنني قلت لقوّاتكم من قبل إن هذه المنطقة خطرة جداً.
جندي أميركي: جنوبي الطريق الرئيسية؟
العراقي: أجل، على بعد عشرين ألف هكتار من هنا تقريباً، يوجد ملايين الأشجار هنا حتى لو كان ثمّة آلاف الأعداء المختبئين في هذا المكان فلن تتمكنوا من رؤيتهم.
جندي أميركي: حسناً.
فؤاد شمص: على الرغم من ابتسامته العريضة إلا أنه يبقى مشتبهاً فيه في نظر الجنود يحاول الجنود بعد ذلك التأكد من المعلومات التي زوّدهم بها آنفاً.
جندي أميركي: هل يبدو مصدر هذه المعلومات موثوقاً به؟ بدّل، وماذا بشأن المعلومات المتعلقة بإمكانية التعرض للهجوم؟
فؤاد شمص: يعود الجنود إلى المخيم، بعد ساعات انتظار طويلة في الغرف المحصنة انتهت حالة الحذر، يستحيل على الأميركيين اليوم أن يلقوا القبض على عدو يزداد ضراوة، إزاء شعب يزداد وحشية يوماً بعد يوم فإن الجنود مستعدين لفعل أي شيء ليغادروا.
أنطوني: يرغب الناس في رؤية العراق لكن بمجرد أن يصلوا إليه ويسمعوا الانفجار الأول يرغبون في المغادرة، فهم يتساءلون عما أتوا لفعله هنا، ويقولون قدمنا لنساهم في إعادة إعمار البلاد ولم نأت لنموت.
كارل: بعض الأشخاص يعرضون أنفسهم للإصابات عمداً ليس محاولة منهم في الانتحار، ولكن للعودة إلى ديارهم بعد أن يُجرحوا، أو ربما لأنهم يشعرون بالإحباط وبعدم شرعية وجودهم هنا.
أنطوني: البعض مستعدّ لفعل أي شيء لمغادرة هذه البلاد، النساء يحملن أو يوقع الرجال أنفسهم من الشاحنة كي تكسر أرجلهم.
كارل: رأيت شخصاً يفعل ذلك ربط ذراعه بسلسلة علّقها بمؤخرة شاحنة كان يأمل أن يقلع السائق ويتسبب في كسر ذراعه.
أنطوني: كانت تلك وسيلة سريعة للعودة إلى ديارهم وتحقق لهم ذلك.
كارل: لم يحتملوا وجودهم هنا وهم يفكرون مثلما أفكر في أنه كان يجدر بنا أن نكون على أرض الوطن.
أنطوني: يجب أن نحزم حقائبنا ونعود علينا أن نعيد هذه الأرض إلى أصحابها ونرحل، وأن نصلح ما دمّرناه ونترك المكان.
فؤاد شمص: إن عنف الحرب هنا يتسبب في الصدمة للكثيرين كما جرى لجون الذي فقد أحد أعز أصدقائه جرّاء انفجار قذيفة هاون.
جون: تعرضنا لهجوم عند الثانية صباحاً اتّجه إلى الغرف المحصنة، خرج لكتابة تقرير وللتحقق من عدد الجنود ثم تعرضنا لهجوم آخر أدّى إلى مقتله، لم يكن بالإمكان مساعدته حاولت تقديم الإسعافات الأولية له، بذلت ما في وسعي لوقف النزيف لدرجة أنني استخدمت قميصي، ولكن لم أستطع أن أساعده، ولكن لم يكن بالإمكان شيء، أحاول أن أنسى وأكمل مهمتي التي أتيت من أجلها لكن من الصعب أن أنسى، إن ما حدث لا يُمحى من ذاكرتي.
فؤاد شمص: لكل كتيبة في القاعدة طبيب نفسي خاص بها وهم يرتدون أيضاً البزّات العسكرية ويحملون رشاشات الـ M16 ويعتبر ستيف ماكلينين الخبير بحالات الاضطرابات الناجمة عن الحرب أن الصدمات والكوابيس التي يعانيها الجنود في كتيبته ليست بالحالات العابرة.
ستيف ماكلينين [طبيب نفسي]: دورنا يقوم على جعلهم يفهمون أن رد فعلهم طبيعي إزاء هذا الوضع غير الطبيعي، فكون المرء في الحرب يقارب الموت والدمار ليس بالوضع السوي، وردود أفعالهم التي تترجم لديهم حالات من القلق والانزعاج والارتياب أحياناً هي ردود أفعال متوقّعة، لكننا نتوقع أن يستعيد الجنود عافيتهم النفسية في وقت قصير.
جون: لن أنسى ما حييت ما شاهدته هنا، لن أنساه أبداً إنها ذكرى ستلاحقني حتى مماتي، لكني لا أدري كيف سيكون تأثير ذلك حين أعود إلى دياري.
فؤاد شمص: ألف قتيل سبعة آلاف جريح وأكثر من خمسة وعشرين ألف حالة إجلاء إن الخسائر البشرية التي يتكبدها الجانب الأميركي ثمناً لتلك الحرب تزداد يوماً بعد يوم، لكن في الولايات المتحدة نادراً ما تصل صور هؤلاء الجنود القتلى أو الجرحى، في واشنطن ثمّة رجل يعرف جيداً ما يجري في كواليس الجيش الأميركي إنه ستيف روبنسون جندي سابق في القوات الخاصة وهو يستنكر الوسائل التي يعتمدها البنتاغون لتطبيق الرقابة على الصحافة.
ستيف روبنسون [جندي سابق في القوات الخاصة]: تلقيت تقريراً مفاده أن قيادة الجيش منعت مصوّري التلفزيون من التقاط صور للجنود الأميركيين الذين أصيبوا بجروح في المعارك التي دارت في النجف، إن هذا أشبه بحاجز يمنعنا من متابعة حقيقة ما يجري.
فؤاد شمص: إن ستيف روبنسون وهو رئيس جمعية مهمة تُعنى بشؤون المحاربين القدامى في حرب الخليج الأولى يلتقي رئيس الجمهورية شخصياً كل عام لطرح هذا الموضوع، وهو يناضل حالياً كي تصبح حقيقة نتائج الحرب في العراق معلنة أمام الشعب الأميركي.
ستيف روبنسون [جندي سابق في القوات الخاصة]: خدمت في الجيش طوال عشرين عاماً وحتى لو كنت أفهم أسباب الحرب إلا أنني أرى أن الولايات المتحدة وكل العالم لا يدركون عواقبها، لو تمكّن الناس من رؤية حقيقة ما يجري في الحرب والقذارة التي تغلّفها لفكروا ملياً في رأيي قبل إرسال رجالهم إلى الحرب.
فؤاد شمص: نحن في واشنطن الآن أمام والتر ريد وهو أكبر مستشفى عسكري أميركي يعالج فيه الجنود الذين أصيبوا في العراق، وهو مكان يحرسه على الدوام رجال مسلحون ويُمنع فيه التصوير كما يحظر دخوله إلا على من يحمل تصريحاً، طلبنا من إدارة المستشفى السماح لنا بمقابلة جنود جرحى، مرّت ثلاثة أسابيع على تقديمنا الطلب غير أن المسؤول الإعلامي للمستشفى لم يصرّح لنا بعد بالدخول.
- شكراً لاتصالكم بمركز والتر ريد للمعلومات.
- في الحقيقة نحن ما زلنا ننتظر التصريح لدخول والتر ريد.
- اطمئن أنتم على لائحة الانتظار وهذه اللائحة طويلة جداً، إن كل الموجودين عليها يريدون الشيء نفسه، أي مقابلة المرضى العائدين من الحرب والذين يتلقون علاجهم في والتر ريد.
- أيمكن أن أعرف رقمي على اللائحة؟
- آسف لا يمكنني إعطاؤك رقماً ولا تاريخاً.
- شكراً.
فؤاد شمص: لماذا يمنع الجيش وصول الصحفيين إلى هذا المستشفى؟ ماذا يخبئ يا ترى خلف جدرانه؟ وافق روبنسون الذي يملك شارة تخوّله الدخول ساعة يشاء إلى والتر ريد على أن يكون شريكنا في الخطة، كم عدد الجنود في الداخل؟
ستيف روبنسون [جندي سابق في القوات الخاصة]: لا أعرف بالتحديد، ولا أظن أن أحداً يعرف بسبب تدفقهم المستمر ذهاباً وإياباً، ثمّة طائرات جديدة محمّلة بالجنود الجرحى تصل كل يوم إن كل الجنود الذين يصابون في العراق ينقلون إلى هذا المستشفى. [عند الوصول إلى المستشفى] ضع الكاميرا جانباً.
فؤاد شمص: حسناً، بعد أن مرّ التفتيش من دون عوائق اكتشفنا أخيراً والتر ريد، إنها مدينة حقيقية داخل مدينة تمتد على مسافة تزيد على عشرة هكتارات.
ستيف روبنسون [جندي سابق في القوات الخاصة]: يصعب على الصحفيين دخول هذا المستشفى لأن أفراد الجيش يرفضون على ما يبدو الإجابة عن أسئلتهم بعيداً عن كونهم صحفيين أميركيين أو غير أميركيين، يستحيل عليهم الوصول إلى ذلك المكان والتحدث إلى الجنود.
فؤاد شمص: في داخل المبنى التقينا عدداً من الجنود الجرحى ولم يكن بإمكانهم الإدلاء بشهاداتهم بحرية، إذ إنهم كانوا يعرفون أنهم يعرضون أنفسهم لعقوبات كبيرة إذا ما صرحوا عن آرائهم علناً لوسائل الإعلام، وعلى الرغم من هذه المجازفة وافق كل من دانيال وتوماس على التحدث إلينا لكن من دون الكشف عن وجهيهما وخارج المستشفى وفي مكان آمن، وهما مصابان بعارض الاضطرابات التي تلي التعرّض للصدمة، لا يزالان تحت تأثير الصدمة مما شاهداه في العراق لذا تحوّلت حياتهما إلى جحيم.
[جندي يتحدث ورجلاه ترتجفان]
دانيال [أحد الجنود الأميركيين]: إن الأشياء التي رأيتها معارك كثيرة ومهمات عديدة، رائحة اللحم المحترق، الدماء المتناثرة، إنها مشاهد تتسبب لي في كوابيس باستمرار، كوابيس عن الأطفال، والجنود العراقيين، في هذه الحرب فقدت أصدقاء أعزاء عليّ.
توماس [أحد الجنود الأميركيين]: أصيبت فرقتنا بقنبلة يدوية كنا على طريق كونغو وكان يومنا الثاني في العراق، تسببت تلك القنبلة في جرح السائق، إن مظهر شخص أصيب بانفجار قنبلة يدوية ليس بالمشهد اللطيف، فاللحم المتناثر يمتزج بالدماء المضرّجة، حينها فقط يدرك المرء أنه ليس موجوداً في كنساس.
فؤاد شمص: هل تعرضت لهجوم؟
دانيال [أحد الجنود الأميركيين]: أجل مرات عديدة، خلال إحدى مهماتي كنت أقف قرب نافذة أحد المباني وأطلق النار على من يقف قبالتي ويحمي العراقيين، ثم توقفت بعد أن أدركت أنني على وشك إطلاق النار على شجرة ثم قلت في نفسي ما الذي يجري؟ شعرت بالضياع بعض الوقت حتى إن مشاعري كانت متضاربة لدرجة أنني لم أتمكن من التوقف فأكملت ما كنت أقوم به.
فؤاد شمص: دانيال هو عضو في القوات الخاصة التي تعتبر نخبة الجيش الأميركي، أما توماس فقد كان في الحرس الوطني بقي نحو عشرة أشهر في العراق قبل أن يتم إجلاؤه، اليوم وقد تعرض لصدمة عنيفة أصبحت أي حركة تصيبه بالذعر، أتشعر بالخوف أحياناً ؟
توماس [أحد الجنود الأميركيين]: أشعر بالذعر، لا أثق بأحد وحواسي دائماً متنبهة، أجول بنظري في كل مكان وأحذر كل من يحمل الحقيبة أصبح الأمر خارجاً عن سيطرتي.
دانيال [أحد الجنود الأميركيين]: أنا أرتعش طوال الوقت تقريباً وأكاد أقتلع جلدي بيديّ، حرمني القلق النوم وأصبح الأرق يلازمني، أنام ثلاث ساعات أو أقل ما لم أتناول أقراصاً منوّمة، تساعدني المهدئات على النوم، لكن حين أغفو تجتاحني الكوابيس ثم أستيقظ مذعوراً وأنا ألهث وأحاول العثور على مكان آمن أحتمي فيه، كما كنت أفعل في المهمات السابقة التي كنت أرسل إليها.
فؤاد شمص: يعرف الطبيب النفسي آل باوتروس الذي كان جندياً بدوره أسباب العوارض التي يصفها كل من دانيال وتوماس، وهو يعمل اليوم لحساب الحكومة الأميركية بهدف مساعدة الجنود القدامى.
آل باوتروس [طبيب نفسي]: إن المرضى المصابين بعارض الاضطرابات التي تتبع التعرض للصدمة، يستذكرون في أذهانهم الأحداث التي عايشوها، ويمكن أن يظهر هذا المرض النفسي عقب سماع ضجة قوية مثلاً تجعلهم يتذكرون الصدمة التي شهدوها من قبل.
فؤاد شمص: إن توماس الذي تاه في معمعة الحرب فكر مرات عديدة في الانتحار.
توماس [أحد الجنود الأميركيين]: حاولت تحذير الناس وحثهم كي يتحركوا لكن شيئاً لم ينفع، لم يشاهد أحد الإشارات بل لم يكونوا مبالين بالأمر، كانوا عاجزين عن فعل أي شيء أرسلوني لرؤية المرشدة الاجتماعية لكنها كانت تعاني مشاكل أكثر مني على ما يبدو.
فؤاد شمص: هل تعتبر أن الجيش الأميركي يهتم بك ؟
توماس [أحد الجنود الأميركيين]: لا لم يعد يهتم بنا، أشعر بالإهمال هنا من دون أي مساعدة ومن غير أي دعم من أحد.
فؤاد شمص: لم لا تريد الكشف عن وجهك؟
دانيال [أحد الجنود الأميركيين]: كي أحمي حياتي الخاصة، لا أحبّذ هذه الفكرة، وكي أصدقك القول فإني أخشى البكاء، ولا أريد لعائلتي أن تراني بهذه الحال.
فؤاد شمص: لماذا؟
دانيال [أحد الجنود الأميركيين]: كبريائي لا يسمح لي، فعائلتي فخورة جداً بالإنجازات التي حققتها، وأخشى أن يعتقدوا أنني تمرّدت على الجيش وإلى ما هنالك، لكن هذا غير صحيح، فأنا أشرح فقط ما جرى لي.
فؤاد شمص: إن عارض الاضطرابات التي تتبع التعرض للصدمة المندرج في أدلة الطب العسكري منذ الحرب الانفصالية هو مرض نفسي يتكرر ظهوره لدى الجنود، وكان ثلث الجنود تقريباً يعانون هذا المرض لدى عودتهم من فيتنام، إنه مرض اكتشفه الرأي العام الأميركي بهلعٍ شديد، يؤكد الجيش الأميركي اليوم من خلال بلاغ رسمي نشره أن ما نسبته 18% من الجنود العائدين من العراق مصابون بهذا المرض، لكن يرى بعض الخبراء أن هذا الرقم أقل من الرقم الحقيقي بكثير، وهي دراسة تم تأكيدها داخل الحكومة.
آل باوتروس [طبيب نفسي]: بشكل عام يعاني ما معدله 27% من المرضى الذين يأتون إلى المركز من عارض الاضطرابات التي تعقب التعرض للصدمة، هذا معدل يفوق العدد الذي عرفناه بعد حرب فيتنام، ولهذا علاقة بالتعرض المباشر للمعارك العنيفة، كلما عرفنا أكثر عن العراق تيقنا أن نسبة أكبر من الجنود تتعرض لخطر الموت المباشر هناك.
فؤاد شمص: ما الذي ترغب فيه في المستقبل؟
دانيال [أحد الجنود الأميركيين]: في المستقبل؟
فؤاد شمص: أجل.
دانيال [أحد الجنود الأميركيين]: أحلم بأن أتزوّج وأنجب الأطفال، كما أحلم بأن أعيش حياتي بشكل طبيعي أريد أن أحاول وضع حدّ لمشاكلي، أريد أن أرتاح ولو لحظة واحدة.
توماس [أحد الجنود الأميركيين]: كنت سعيداً فيما مضى كانت لدي أهداف وأحلام أرغب في تحقيقها لم أعد قادراً في الوقت الراهن أن أخبركم بما أريد فعله في الغد، لم يعد بإمكاني التنبؤ بمستقبلي، فهو غير موجود بالنسبة إليّ ويؤلمني جداً التفكير فيه.
ستيف روبنسون [جندي سابق في القوات الخاصة]: إن القيادة والمسؤولين يُعنون بشؤون الجنود يبالون بالحرب أكثر من مبالاتهم بعواقبها فلديهم مهمات يريدون إنجازها، وإن أصيب أحدهم أو أصيب بعارض الاضطرابات التي تعقب التعرض للصدمة يعيدونه إلى الولايات المتحدة ويستبدلونه بجندي آخر كي يكملوا مهمتهم التي بدؤوا بها، لا أعتقد أنهم يكترثون كثيراً للأمر، إن عملهم ينحصر في شنّ حرب وليس في الاهتمام بنتائجها.
فؤاد شمص: في هذه الأثناء في مخيم كوك تنزل كل ليلة طائرات مروحية فوق الأرض العراقية، جنود جُدد أتوا ليحلوا محل الجنود الآخرين.
جندي أميركي: لا أدري أفضل أن أكون هنا وأعرف أن عائلتي بمأمن في بلادي.
جندي أميركي: لا بد من سبب وجيه لبقائنا هنا أنا لا أفهم في شؤون السياسة أنفّذ فقط ما يطلب مني.
فؤاد شمص: بعد أن قضوا ليلتهم الأولى في جو بغداد الحار استقبل الضباط في المخيم أولئك الجنود الشبّان.
[ضباط أميركان يخاطبون الجنود الجدد]
ضابط أميركي: إن أطلق أحدهم النار عليكم يحق لكم الرد.
ضابط أميركي: ستكون عائلاتكم بأمان بفضل ما تقومون به هنا.
قس: تمسكوا بالحياة ولا تفترقوا، سوف أتلوا صلاة من أجلنا.
فؤاد شمص: بمساعدة الشعارات والصلوات يتم تذكير الجنود بسبب مجيئهم إلى هذا المكان وبكيفية القتال ضد العدو، كم من الوقت سيبقى هؤلاء الجنود في العراق؟ لا أحد يعرف الآن، باستثناء شخص واحد ربما: الرئيس الأميركي.