عبدالغفور الخطيب
22-03-2005, 05:01 PM
الحديث عن الإصلاح في المنطقة العربية
يكثر الحديث في هذه الأيام عن الاصلاحات في الدول العربية ، التي يعتبرها كثير من المحللين في العالم بأنها اكثر منطقة مستعصية في العالم على الاصلاحات التي من شأنها ان تجعل مسألة تناقل و تداول السلطة والمواقع الحكومية بين ابناء المجتمع بشكل افضل .
وانقسم المواطنون العرب ، والكتاب والمفكرون ، حول قبول تلك الدعوات . فهناك المؤيد الذي ضاق ذرعا من كل المحاولات التي قامت خلال قرن من الزمان وباءت كلها بالفشل في إرساء أسس نظم حكم عصرية تضمن إطلاق الإبداعات الفكرية والاقتصادية ، وتضمن مراقبة شعبية لحالات الفساد التي تبدأ من رؤوس السلطات الحاكمة وتنتشر الى الأسفل من خلال تعاقد ضمني بين طبقات او فئات استفادت من تلك النظم ، فوفرت لها الدعم والحماية الشعبية من خلال إمدادها بعناصر بشرية تستفيد هي الأخرى بدرجات حسب ما تقدم من خدمة لتلك النظم، وتسوق ايضا حججا فكرية تمجد بالنظم ، فتعطيها صبغة كاريزمية ، لم تنطل على كل المواطنين .
و ظهر رفض بين فئات فكرية وشعبية للدعوة لتلك الاصلاحات بحجة أنها قادمة من جهات غير بريئة ، فطالما ان تلك الجهات تدعم الكيان الصهيوني ، وتغمز بخبث بطرف الدين الإسلامي ، فان دعواتها مرفوضة سلفا ، وتلتف حول محور الرفض هذا فئات قد تتصارع فيما بينها على نقاط خلاف جوهرية ، كالموقف من تطبيق الشريعة وشكل الديمقراطية المنشود ، او أهلية نظم الحكم القائمة .
اذا كانت الدعوات القادمة من الخارج صادقة ، فهل صدقها قادم من ان الفئات الحاكمة قد استأثرت بخيرات البلاد ، مما أوجد فئات يائسة كثيرة اصبح تفكيرها يشكل خطرا كبيرا على مصالح أصحاب الدعوات الخارجية ، من كون تلك الفئات قد فلتت من الرقابة التي تأتي من خلال رصفها في أشكال قابلة للمراقبة كالأحزاب المرخصة والنقابات والأندية وغيرها من التنظيمات التي يمكن رصد حركتها ونموها من خلال انخراط عناصر تكلف بذلك في صفوفها .
فالتنظيمات الحديثة التي لا تطلب ترخيصا من أجهزة الحكم هي بالتأكيد اكثر خطرا على مصالح الأجانب . وهي بنفس الوقت تحظى برضى كثير من الفئات التي تجاهر باستنكار ما تقوم به من أعمال ، يحلو للبعض بتسميتها بالإرهابية ، وحتى من بين من يطلقوا عليها تلك الأسماء ، فانهم يفرحوا لما تحدث من إرباك لصفوف أجهزة الحكم العربية ، التي لم ترعوي وتنصف تلك الفئات التي تبارك عمل تلك التنظيمات ولا تنخرط بصفوفها او حتى تحاورها .
من هنا فان الجهات الأجنبية التي تلح على موضوع الاصلاحات ، فان دعوتها هي لمصلحتها بالدرجة الأولى و الأخيرة . فالأنظمة هي نفسها التي كانت سابقا هي التي توجه لها دعوات الإصلاح ، والمتغير هو شكل التنظيمات التي طرأت بعد فشل التنظيمات الكلاسيكية ، والتي كانت تتعاون أنظمة الحكم مع الأجنبي على كبحها .
ومن نفس المنطلق فان البعض ، يرى في خبث الدعوات الخارجية ، إنها أشبه بالضربة الإستباقية ، فالتغيير قادم لا محالة ، من خلال تكيف المجتمعات العربية مع حالات الحكم واستنباط طرق قد تضر بمصالح الأعداء ، فأرادوا ان يستبقوا التغيير قبل ان يحدث في منأى عن تدخلهم و بعيدا عن عيونهم .
لكن هل تريد الحكومات ان تصلح فعلا ؟ . ان الحكومات التي لم تستند بالأساس الى دعم شعبي موثق من خلال صناديق انتخابات ، بل اعتمدت على موضوع لعبها على التوازنات الإقليمية والعالمية ، وكانت تتذرع بالخطر الصهيوني ، وترفع شعارات رخوة تجاه التنمية والتضامن العربي ، حتى عزف المواطن عن مجرد التفكير بالاستماع لخطاب تلك الحكومات ، التي لم تدرأ الخطر الصهيوني ولم تحقق التنمية .
ان تلك الحكومات ومن يستفيد من حولها من نخب تستفيد من وضعها في الحكم ، تعلم علم اليقين ان خسائرها ستكون عظيمة ، فيما لو أرست قواعد تناقل وتداول السلطة بشكل حديث ، كما أنها تعتقد بل تزعم أنها متأكدة من ضعف القوى المعارضة لها في إحداث زلازل تنسف مكتسباتها الواقعية في السلطة . فلذلك فانها ستقوم بإصلاحات بالقطارة لا تكون ذات بال ، وتبعث بممثليها لمحاورة من يطلب الاصلاحات من الخارج ، تخوفه على مصالحه فيما لو ابتعدت هي عن السلطة ، وستجد لها معاونين و مستمعين في الدوائر الإمبريالية ، التي تدرك خطورة الوضع فيما لو تسلمت الحكم قوى راديكالية إسلامية او قومية . ولنا في الجزائر والعراق خير مثالين .
من جانب آخر فان الذين يستبشروا خيرا ، من لألأة إصلاحات في الأفق ، فانهم يسارعوا لتجييرها لهم ، مطمئنين أنفسهم و عناصرهم بقرب الفرج ، ولا يكتفون بذلك بل يسقطوا حساب قدرة الأنظمة على الصمود أمامهم ، ويستهجنوا في ذات الوقت مشاركة غيرهم في مستقبل الإصلاحات المزعومة ، فتهجم القوى المتمترسة وراء الشريعة الإسلامية على القوى القومية ، وتلك تهجم عليها وعلى الليبراليين ، الذين يستغلوا تلك التناقضات بين القوى الراديكالية ، فيتحالفوا مع السلطات الحاكمة ، وهم أصلا لم يكونوا ضدها بشكل واضح .
ان الدعوة المثلى التي تصنع الإصلاحات هي فتح حوار بين كل القوى التي تطالب بالتغيير ، وصياغة خطابها بوضوح يراعي كل الثوابت الوطنية والدينية ، وعدم إسقاط اعتبار بعضها البعض أمام الجماهير التي لا تلتف بشكل مؤثر حول أي حزب او حركة نهوض شعبية ، فهي كما لا تثق بالحكومات فانها لم تدرب نفسها بالوثوق بشكل مؤثر بتلك الأحزاب والحركات الشعبية . وقد يكون أهم أسباب ابتعاد الجماهير عن تلك الأحزاب هي ما تسمعه من عناصر الأحزاب نفسها وهي تتكلم عن غيرها من الأحزاب بالسوء و تتبادل تلك العناصر النقد اللاذع فيما بينها حتى يكون أثرها أعظم بكثير من انتقادات الحكومة لتلك التيارات . وهي بذلك تقدم خدمة جليلة لنظم الحكم مجانا .
يكثر الحديث في هذه الأيام عن الاصلاحات في الدول العربية ، التي يعتبرها كثير من المحللين في العالم بأنها اكثر منطقة مستعصية في العالم على الاصلاحات التي من شأنها ان تجعل مسألة تناقل و تداول السلطة والمواقع الحكومية بين ابناء المجتمع بشكل افضل .
وانقسم المواطنون العرب ، والكتاب والمفكرون ، حول قبول تلك الدعوات . فهناك المؤيد الذي ضاق ذرعا من كل المحاولات التي قامت خلال قرن من الزمان وباءت كلها بالفشل في إرساء أسس نظم حكم عصرية تضمن إطلاق الإبداعات الفكرية والاقتصادية ، وتضمن مراقبة شعبية لحالات الفساد التي تبدأ من رؤوس السلطات الحاكمة وتنتشر الى الأسفل من خلال تعاقد ضمني بين طبقات او فئات استفادت من تلك النظم ، فوفرت لها الدعم والحماية الشعبية من خلال إمدادها بعناصر بشرية تستفيد هي الأخرى بدرجات حسب ما تقدم من خدمة لتلك النظم، وتسوق ايضا حججا فكرية تمجد بالنظم ، فتعطيها صبغة كاريزمية ، لم تنطل على كل المواطنين .
و ظهر رفض بين فئات فكرية وشعبية للدعوة لتلك الاصلاحات بحجة أنها قادمة من جهات غير بريئة ، فطالما ان تلك الجهات تدعم الكيان الصهيوني ، وتغمز بخبث بطرف الدين الإسلامي ، فان دعواتها مرفوضة سلفا ، وتلتف حول محور الرفض هذا فئات قد تتصارع فيما بينها على نقاط خلاف جوهرية ، كالموقف من تطبيق الشريعة وشكل الديمقراطية المنشود ، او أهلية نظم الحكم القائمة .
اذا كانت الدعوات القادمة من الخارج صادقة ، فهل صدقها قادم من ان الفئات الحاكمة قد استأثرت بخيرات البلاد ، مما أوجد فئات يائسة كثيرة اصبح تفكيرها يشكل خطرا كبيرا على مصالح أصحاب الدعوات الخارجية ، من كون تلك الفئات قد فلتت من الرقابة التي تأتي من خلال رصفها في أشكال قابلة للمراقبة كالأحزاب المرخصة والنقابات والأندية وغيرها من التنظيمات التي يمكن رصد حركتها ونموها من خلال انخراط عناصر تكلف بذلك في صفوفها .
فالتنظيمات الحديثة التي لا تطلب ترخيصا من أجهزة الحكم هي بالتأكيد اكثر خطرا على مصالح الأجانب . وهي بنفس الوقت تحظى برضى كثير من الفئات التي تجاهر باستنكار ما تقوم به من أعمال ، يحلو للبعض بتسميتها بالإرهابية ، وحتى من بين من يطلقوا عليها تلك الأسماء ، فانهم يفرحوا لما تحدث من إرباك لصفوف أجهزة الحكم العربية ، التي لم ترعوي وتنصف تلك الفئات التي تبارك عمل تلك التنظيمات ولا تنخرط بصفوفها او حتى تحاورها .
من هنا فان الجهات الأجنبية التي تلح على موضوع الاصلاحات ، فان دعوتها هي لمصلحتها بالدرجة الأولى و الأخيرة . فالأنظمة هي نفسها التي كانت سابقا هي التي توجه لها دعوات الإصلاح ، والمتغير هو شكل التنظيمات التي طرأت بعد فشل التنظيمات الكلاسيكية ، والتي كانت تتعاون أنظمة الحكم مع الأجنبي على كبحها .
ومن نفس المنطلق فان البعض ، يرى في خبث الدعوات الخارجية ، إنها أشبه بالضربة الإستباقية ، فالتغيير قادم لا محالة ، من خلال تكيف المجتمعات العربية مع حالات الحكم واستنباط طرق قد تضر بمصالح الأعداء ، فأرادوا ان يستبقوا التغيير قبل ان يحدث في منأى عن تدخلهم و بعيدا عن عيونهم .
لكن هل تريد الحكومات ان تصلح فعلا ؟ . ان الحكومات التي لم تستند بالأساس الى دعم شعبي موثق من خلال صناديق انتخابات ، بل اعتمدت على موضوع لعبها على التوازنات الإقليمية والعالمية ، وكانت تتذرع بالخطر الصهيوني ، وترفع شعارات رخوة تجاه التنمية والتضامن العربي ، حتى عزف المواطن عن مجرد التفكير بالاستماع لخطاب تلك الحكومات ، التي لم تدرأ الخطر الصهيوني ولم تحقق التنمية .
ان تلك الحكومات ومن يستفيد من حولها من نخب تستفيد من وضعها في الحكم ، تعلم علم اليقين ان خسائرها ستكون عظيمة ، فيما لو أرست قواعد تناقل وتداول السلطة بشكل حديث ، كما أنها تعتقد بل تزعم أنها متأكدة من ضعف القوى المعارضة لها في إحداث زلازل تنسف مكتسباتها الواقعية في السلطة . فلذلك فانها ستقوم بإصلاحات بالقطارة لا تكون ذات بال ، وتبعث بممثليها لمحاورة من يطلب الاصلاحات من الخارج ، تخوفه على مصالحه فيما لو ابتعدت هي عن السلطة ، وستجد لها معاونين و مستمعين في الدوائر الإمبريالية ، التي تدرك خطورة الوضع فيما لو تسلمت الحكم قوى راديكالية إسلامية او قومية . ولنا في الجزائر والعراق خير مثالين .
من جانب آخر فان الذين يستبشروا خيرا ، من لألأة إصلاحات في الأفق ، فانهم يسارعوا لتجييرها لهم ، مطمئنين أنفسهم و عناصرهم بقرب الفرج ، ولا يكتفون بذلك بل يسقطوا حساب قدرة الأنظمة على الصمود أمامهم ، ويستهجنوا في ذات الوقت مشاركة غيرهم في مستقبل الإصلاحات المزعومة ، فتهجم القوى المتمترسة وراء الشريعة الإسلامية على القوى القومية ، وتلك تهجم عليها وعلى الليبراليين ، الذين يستغلوا تلك التناقضات بين القوى الراديكالية ، فيتحالفوا مع السلطات الحاكمة ، وهم أصلا لم يكونوا ضدها بشكل واضح .
ان الدعوة المثلى التي تصنع الإصلاحات هي فتح حوار بين كل القوى التي تطالب بالتغيير ، وصياغة خطابها بوضوح يراعي كل الثوابت الوطنية والدينية ، وعدم إسقاط اعتبار بعضها البعض أمام الجماهير التي لا تلتف بشكل مؤثر حول أي حزب او حركة نهوض شعبية ، فهي كما لا تثق بالحكومات فانها لم تدرب نفسها بالوثوق بشكل مؤثر بتلك الأحزاب والحركات الشعبية . وقد يكون أهم أسباب ابتعاد الجماهير عن تلك الأحزاب هي ما تسمعه من عناصر الأحزاب نفسها وهي تتكلم عن غيرها من الأحزاب بالسوء و تتبادل تلك العناصر النقد اللاذع فيما بينها حتى يكون أثرها أعظم بكثير من انتقادات الحكومة لتلك التيارات . وهي بذلك تقدم خدمة جليلة لنظم الحكم مجانا .